سورة الفجرمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١انظر تفسير الآية:٤ ٢انظر تفسير الآية:٤ ٣انظر تفسير الآية:٤ ٤والفجر الحجر : العقل ، قال الفراء : العرب تقول : إنه لذو حجر إذا كان قاهراً لنفسه حافظاً لها ، كأنه من حجرت على الرجل ، إرم : أمّة قديمة ، وقيل : اسم أبي عاد كلها ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام . وقيل : مدينة ، وعلى أنه اسم قبيلة . قال زهير : وآخرين ترى الماذيّ عدتهم من نسج داود أو ما أورثت إرم وقال الرقيات : مجداً تليداً بناه أوله أدرك عاداً وقبله إرم جاب : خرق وقطع ، تقول جبت البلاد أجوبها ، إذا قطعتها وجاوزتها ، قال : ولا رأيت قلوصاً قبلها حملت ستين وسقاً ولا جابت بها بلدا السوط : آلة للضرب معروفة . قال بعض اللغويين : وهو مصدر من ساط يسوط إذا اختلط . وقال الليث : ساطه إذا خلطه بالسوط ، ومنه قول الشاعر : أحارث أنا لو تساط دماؤنا تزايلن حتى لا يمس دم دما وقال أبو زيد : يقال أموالهم سويطة بينهم : أي مختلطة اللم الجمع واللف . قال أبو عبيدة : لممت ما على الخوان ، إذا أكلت جميع ما عليه بأسره . وقال الحطيئة : إذا كان لما يتبع الذم ربه فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا ومنه : لممت الشعث ، قال النابغة : ولست بمستبق أخاً لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب الجم : الكبير . هذه السورة مكية في قول الجمهور . وقال عليّ بن أبي طلحة : مدنية . ولما ذكر فيما قبلها { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } ، و { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } ، أتبعها بذكر الطوائف المتكبرين المكذبين المتجبرين الذين وجوههم خاشعة ، وأشار إلى الصنف الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله :{ أَحَدٌ يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} وأيضاً لما قال :{ إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ } ، قال هنا :{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } ، تهديداً لمن كفر وتولى . وقرأ أبو الدينار الأعرابي : والفجر ، والوتر ، ويسر بالتنوين في الثلاثة . قال ابن خالويه : هذا كما روي عن بعض العرب أنه وقف على آخر القوافي بالتنوين ، وإن كان فعلاً ، وإن كان فيه ألف ولام . قال الشاعر : أقلّي اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا انتهى . وهذا ذكره النحويون في القوافي المطلقة إذا لم يترنم الشاعر ، وهو أحد الوجهين اللذين للعرب إذا وقفوا على الكلم في الكلام لا في الشعر ، وهذا الأعرابي أجرى الفواصل مجرى القوافي . وقرأ الجمهور : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } بالتنوين ؛ وابن عباس : بالإضافة ، فضبطه بعضهم .{ وَلَيالٍ عَشْرٍ } بلام دون ياء ، وبعضهم وليالي عشر بالياء ، ويريد : وليالي أيام عشر . ولما حذف الموصوف المعدود ، وهو مذكر ، جاء في عدده حذف التاء من عشر . والجمهور :{ وَالْوَتْرِ } بفتح الواو وسكون التاء ، وهي لغة قريش . والأغر عن ابن عباس ، وأبو رجاء وابن وثاب وقتادة وطلحة والأعمش والحسن : بخلاف عنه ؛ والأخوان : بكسر الواو ، وهي لغة تميم ، واللغتان في الفرد ، فأما في الرحل فالكسر لا غير . وحكى الأصمعي : فيه اللغتين ؛ ويونس عن أبي عمرو : بفتح الواو وكسر التاء . والجمهور :{ يَسْرِ } بحذف الياء وصلاً ووقفاً ؛ وابن كثير : بإثباتها فيهما ؛ ونافع وابن عمرو : بخلاف عنه بياء في الوصل وبحذفها في الوقف ؛ والظاهر وقول الجمهور ، منهم علي وابن عباس وابن الزبير : أن الفجر هو المشهور ، أقسم به كما أقسم بالصبح ، ويراد به الجنس ، لا فجر يوم مخصوص . وقال ابن عباس ومجاهد ؛ من يوم النحر ؛ وعكرمة : من يوم الجمعة ؛ والضحاك : من ذي الحجة ؛ ومقاتل : من ليلة جمع ؛ وابن عباس وقتادة : من أول يوم من المحرم . وعن ابن عباس أيضاً : الفجر : النهار كله ؛ وعنه أيضاً وعن زيد بن أسلم : الفجر هو صلاة الصبح ، وقرآنها هو قرآن الفجر . وقيل : فجر العيون من الصخور وغيرها . وقال ابن الزبير والكلبي وقتادة ومجاهد والضحاك والسدي وعطية العوفي : هي عشر ذي الحجة ؛ وابن عباس والضحاك : العشر الأواخر من رمضان . وقال ابن جريج : الأول منه ؛ ويمان وجماعة : الأول من المحرم ومنه يوم عاشوراء ؛ ومسروق ومجاهد : وعشر موسى عليه السلام التي أتمها اللّه تعالى . قيل : والأظهر قول ابن عباس للحديث المتفق على صحته . قالت عائشة رضي اللّه تعالى عنها : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله . قال التبريزي : اتفقوا على أنه العشر الأواخر ، يعني من رمضان ، لم يخالف فيه أحد ، فتعظيمه مناسب لتعظيم القسم . وقال الزمخشري : وأراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة . فإن قلت : فما بالها منكرة من بين ما أقسم به ؟ قلت : لأنها ليال مخصوصة من بين جنس الليالي العشر ، بعض منها أو مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها . فإن قلت : فهل لا عرفت بلام العهد لأنها ليال معلومة معهودة ؟ قلت : لو فعل ذلك لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير ، ولأن الأحسن أن تكون اللامات متجانسة ليكون الكلام أبعد من الألغاز والتعمية ، انتهى . أما السؤالان فظاهران ، وأما الجواب عنهما فلفظ ملفق لا يعقل منه معنى فيقبل أو يرد . والشفع والوتر : ذكر في كتاب التحرير والتحبير فيها ستة وثلاثين قولاً ضجرنا من قراءتها فضلاً عن كتابتها في كتابنا هذا ، وعن عمران بن حصين ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : { هي الصلوات ، منها الشفع ومنها الوتر} . وروى أبو أيوب عنه صلى اللّه عليه وسلم : { الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى ، والوتر : ليلة النحر }. وروى جابر عنه صلى اللّه عليه وسلم : { الشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفة} . وفي هذا الحديث تفسيره عليه الصلاة والسلام الفجر بالصبح والليالي العشر بعشر النحر ، وهو قول ابن عباس وعكرمة ، واختاره النحاس . وقال حديث أبي الزبير عن جابر : هو الذي صح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهو أصح إسناداً من حديث عمران بن حصين : { صوم عرفة وتر لأنه تاسعها ، ويوم النحر شفع لأنه عاشرها} . وذكر ابن عطية في الشفع والوتر أربعة عشر قولاً ، والزمخشري ثلاثة أقوال ، ثم قال : وقد أكثروا في الشفع والوتر حتى كادوا يستوعبون أجناس ما يقعان فيه ، وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه ، انتهى . {وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } : قسم بجنس الليل ، ويسري : يذهب وينقرض ، كقوله :{ وَالَّيْلِ إِذَا أَدْبَرَ} وقال الأخفش وابن قتيبة : يسري فيه ، فيكون من باب ليلك نائم . وقال مجاهد وعكرمة والكلبي : المراد ليلة جمع لأنه يسري فيها ، وجواب القسم محذوف . قال الزمخشري : وهو لنعذبن ، يدل عليه قوله :{ أَلَمْ تَرَ } إلى قوله :{ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} وقال ابن الأنباري : الجواب :{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} والذي يظهر أن الجواب محذوف يدل عليه ما قبله من آخر سورة الغاشية ، وهو قوله :{ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } ، وتقديره : لإيابهم إلينا وحسابهم علينا . وقول مقاتل : ٥هل في ذلك . . . . . هل هنا في موضع تقديره : إن في ذلك قسماً لذي حجر . فهل على هذا في موضع جواب القسم ، قول لم يصدر عن تأمل ، لأن المقسم عليه على تقدير أن يكون التركيب إن في ذلك قسماً لذي حجر لم يذكر ، فيبقى قسم بلا مقسم عليه ، لأن الذي قدره من إن في ذلك قسماً لذي حجر لا يصح أن يكون مقسماً عليه ، وهل في ذلك تقرير على عظم هذه الأقسام ، أي هل فيها مقنع في القسم لذي عقل فيزدجر ويفكر في آيات اللّه . ٦انظر تفسير الآية:٧ ٧ألم تر كيف . . . . . ثم وقف المخاطب على مصارع الأمم الكافرة الماضية مقصوداً بذلك توعد قريش ، ونصب المثل لها . وعاد هو عاد بن عوص ، وأطلق ذلك على عقبه ، ثم قيل للأولين منهم عاداً الأولى وإرم ، نسبة لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة . وقال مجاهد وقتادة : هي قبيلة بعينها . وقال ابن إسحاق : إرم هو أبو عاد كلها . وقال الجمهور : إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن . وقال محمد بن كعب : هي الإسكندرية . وقال ابن المسيب والمقبري : هي دمشق . وقال مجاهد أيضاً : إرم معناه القديمة . وقرأ الجمهور : بعاد مصر ، وفا إرم بكسر الهمزة وفتح الراء والميم ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية لأنه اسم للقبيلة ، وعاد ، وإن كان اسم القبيلة ، فقد يلحظ فيه معنى الحي فيصرف أولاً يلحظ ، فجاء على لغة من صرف هنداً ، وإرم عطف بيان أو بدل . وقرأ الحسن : بعاد غير ممنوع الصرف مضافاً إلى إرم ، فجاز أن يكون إرم وجداً ومدينة ؛ والضحاك : إرم بفتح الراء وما بعدها ممنوعي الصرف . وقرأ ابن الزبير : بعاد بالإضافة ، إرم بفتح الهمزة وكسر الراء ، وهي لغة في المدينة ، والضحاك : بعاد مصروفاً ، وبعاد غير مصروف أيضاً ، أرم بفتح الهمزة وسكون الراء تخفيف أرم بكسر الراء ؛ وعن ابن عباس والضحاك : أرم فعلاً ماضياً ، أي بلي ، يقال : رم العظم وأرم هو : أي بلي ، وأرمه غيره معدى بالهمزة من رم الثلاثي . وذات على هذه القراءة مكسورة التاء ؛ وابن عباس أيضاً : فعلاً ماضياً ، ذات بنصب التاء على المفعول به ، وذات بالكسر صفة لإرم ؛ وسواء كانت اسم قبيلة أو مدينة ، وإن كان يترجح كونها مدينة بقوله : { لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَادِ } ، فإذا كانت قبيلة صح إضافة عاد إليها وفكها منها بدلاً أو عطف بيان ، وإن كانت مدينة فالإضافة إليها ظاهرة والفك فيها يكون على حذف مضاف ، أي بعاد أهل إرم ذات العماد . وقرىء :{ إِرَمَ ذَاتِ } ، بإضافة إرم إلى ذات ، والإرم : العلم ، يعني بعاد : أعلام ذات العماد . ومن قرأ : أرم فعلاً ماضياً ، ذات بالنصب ، أي جعل اللّه ذات العماد رميماً ، ويكون { إِرَمَ } بدلاً من { فَعَلَ رَبُّكَ } وتبييناً لفعل ، وإذا كانت { ذَاتِ الْعِمَادِ } صفة للقبيلة . فقال ابن عباس : هي كناية عن طول أبدانهم ، ومنه قيل : رفيع العماد ، شبهت قدودهم بالأعمدة ، ومنه قولهم : رجل عمد وعمدان أي طويل . وقال عكرمة ومقاتل : أعمدة بيوتهم التي كانوا يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود . وقال ابن زيد : أعمدة بنيانهم ، وإذا كانت صفة للمدينة ، فأعمدة الحجارة التي بنيت بها . وقيل : القصور العالية والأبراج يقال لها عماد . وحكي عن مجاهد : أرم مصدر ، أرم يأرم إذا هلك ، والمعنى : كهلاك ذات العماد ، وهذا قول غريب ، كأن معنى { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } : كيف أهلك عاداً كهلاك ذات العماد . وذكر المفسرون أن ذات العماد مدينة ابتناها شداد بن عاد لما سمع بذكر الجنة على أوصاف بعيد ، أو مستحيل عادة أن يبنى في الأرض مثلها ، وأن اللّه تعالى بعث عليها وعلى أهله صيحة قبل أن يدخلها هلكوا جميعاً ، ويوقف على قصتهم في كتاب التحرير وشيء منها في الكشاف . ٨التي لم يخلق . . . . . وقرأ الجمهور : { لَمْ يُخْلَقْ } مبنياً للمفعول ، مثلها رفع ؛ وابن الزبير : مبنيا ً للفاعل ، مثلها نصباً ، وعنه : نخلق بالنون والضمير في مثلها عائد على المدينة التي هي ذات العماد في البلاد ، أي في بلاد الدنيا ، أو عائد على القبيلة ، أي في عظم أجسام وقوة . ٩وثمود الذين جابوا . . . . . وقرأ ابن وثاب وثمود بالتنوين . والجمهور : بمنع الصرف . { جَابُواْ الصَّخْرَ } : خرقوه ونحتوه ، فاتخذوا في الحجارة منها بيوتاً ، كما قال تعالى :{ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ } بيوتاً . قيل : أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود ، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة بالوادي ، وادي القرى . وقيل : جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه فعل ذي القوة والآمال . ١٠وفرعون ذي الأوتاد {ذِى الاْوْتَادِ } : تقدم الكلام على ذلك في سورة ص . ١١الذين طغوا في . . . . . {الَّذِينَ } صفة لعاد وثمود وفرعون ، أو منصوب على الذم ، أو مرفوع على إضمارهم . ١٣فصب عليهم ربك . . . . . {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } : أبهم هنا وأوضح في الحاقة وفي غيرها ، ويقال : صب عليه السوط وغشاه وقنعه ، واستعمل الصب لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب ، قال : فصب عليهم محصرات كأنها شآبيب ليست من سحاب ولا قطر يريد : المحدودين في قصة الإفك . وقال بعض المتأخرين في صفة الحبل : صببنا عليهم ظالمين شياطنا فطارت بها أيد سراع وأرجل وخص السوط فاستعير للعذاب ، لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره . وقال الزمخشري : وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة ، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به . ١٤إن ربك لبالمرصاد والمرصاد والمرصد : المكان الذي يترتب فيه الرصد ، مفعال من رصده ، وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المرصاد في الآية اسم فاعل ، كأنه قال : لبالراصد ، فعبر ببناء المبالغة ، انتهى . ولو كان كما زعم ، لم تدخل الباء لأنها ليست في مكان دخولها ، لا زائدة ولا غير زائدة . ١٥فأما الإنسان إذا . . . . . {فَأَمَّا الإِنسَانُ } : ذكر تعالى ما كانت قريش تقوله وتستدل به على إكرام اللّه تعالى وإهانته لعبده ، فيرون المكرم من عنده الثروة والأولاد ، والمهان ضده . ولما كان هذا غالباً عليهم وبخوا بذلك . والإنسان اسم جنس ، ويوجد هذا في كثير من أهل الإسلام . وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله :{ فَأَمَّا الإِنسَانُ } ؟ قلت : بقوله :{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } ، كأنه قال : إن اللّه تعالى لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة ، وهو مرصد للعاصي ؛ فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها ، انتهى . وفيه التصريح بمذهب الاعتزال في قوله : لا يريد من الإنسان إلا الطاعة . وإذا العامل فيه فيقول : والنية فيه التأخير ، أي فيقول كذا وقت الابتداء ، وهذه الفاء لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وإن كانت فاء دخلت في خبر المبتدأ لأجل أما التي فيها معنى الشرط ، وبعد أما الثانية مضمر به وقع التوازن بين الجملتين تقديره : فأما إذا هو ما ابتلاه ، وفيقول خبر عن ذلك المبتدأ المضمر ، وابتلاه معناه : اختبره ، أيشكر أم يكفر إذا بسط له ؟ وأيصبر أم بجزع إذا ضيق عليه ؟ لقوله تعالى :{ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وقابل ونعمه بقوله :{ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } ، ولم يقابل { فَأَكْرَمَهُ } بلفظ فأهانه ، لأنه ليس من يضيق عليه الرزق ، كان ذلك إهانة له . ألا ترى إلى ناس كثير من أهل الصلاح مضيقاً عليهم الرزق كحال الإمام أبي سليمان داود بن علي الأصبهاني رضي اللّه تعالى عنه وغيره ، وذم اللّه تعالى العبد في حالتيه هاتين . أما في قوله :{ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ } ، فلأنه إخبار منه على أنه يستحق الكرامة ويستوجبها . ١٦وأما إذا ما . . . . . وأما قوله : { أَهَانَنِ } ، فلأنه سمى ترك التفضيل من اللّه تعالى إهانة وليس بإهانة ، أو يكون إذا تفضل عليه أقر بإحسان اللّه إليه ، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك تفضل اللّه إهانة ، لا إلى الاعتراف بقوله :{ أَكْرَمَنِ} وقرأ ابن كثير : أكرمني وأهانني بالياء فيهما ؛ ونافع : بالياء وصلاً وحذفها وقفاً ، وخير في الوجهين أبو عمرو ، وحذفها باقي السبعة فيهما وصلاً ووقفاً ، ومن حذفها وقفاً سكن النون فيه . وقرأ الجمهور :{ فَقَدَرَ } بخف الدال ؛ وأبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه ؛ وابن عامر : بشدها . قال الجمهور : هما بمعنى واحد بمعنى ضيق ، والتضعيف فيه للمبالغة لا للتعدي ، ولا يقتضي ذلك قول الإنسان { أَهَانَنِ } ، لأن إعطاء ما يكفيه لا إهانة فيه . ١٧انظر تفسير الآية:١٩ ١٩كلا بل لا . . . . . {كَلاَّ } : رد على قولهم ومعتقدهم ، أي ليس إكرام اللّه وتقدير الرزق سببه ما ذكرتم ، بل إكرامه العبد : دّتيسيره لتقواه ، وإهانته : تيسيره للمعصية ؛ ثم أخبرهم بما هم عليه من أعمالهم السيئة . وقال الزمخشري : كلا ردع للإنسان عن قوله ، ثم قال : بل هنا شر من هذا القول ، وهو أن اللّه تعالى يكرمهم بكثرة المال ، فلا يؤدون فيها ما يلزمهم من إكرام اليتيم بالتفقد والمبرة وحض أهله على طعام المسكين ويأكلونه أكل الأنعام ويحبونه فيشحون به ، انتهى . وفي الحديث : { أحب البيوت إلى اللّه تعالى بيت فيه يتيم مكرم} . وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو عمر : يكرمون ولا يحضون ، ويأكلون ويحبون بياء الغيبة فيها ؛ وباقي السبعة ، بتاء الخطاب ، وأبو جعفر وشيبة والكوفيون وابن مقسم : تحاضون بفتح التاء والألف أصله تتحاضون ، وهي قراءة الأعمش ، أي يحض بعضكم بعضاً ؛ وعبدأ اللّهأو علقمة وزيد بن عليّ وعبد اللّه بن المبارك والشيرزي عن الكسائي : كذلك إلا أنهم ضموا التاء ، أي تحاضون أنفسكم ، أي بعضكم بعضاً ، وتفاعل وفاعل يأتي بمعنى فعل أيضاً .{ عَلَى طَعَامِ } ، يجوز أن يكون بمعنى إطعام ، كالعطاء بمعنى الإعطاء ، والأولى أن يكون على حذف مضاف ، أي على بذل طعام . {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ } ، كانوا لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد ، فيأكلون نصيبهم ويقولون : لا يأخذ الميراث إلا من يقاتل ويحمي الحوزة ، والتراث تاؤه بدل من واو ، كالتكلة والتخمة من توكلت ووخمت . وقيل : كانوا يأكلون ما جمعه الميت من الظلمة وهم عالمون بذلك يجمعون بين الحلال والحرام ويسرفون في إنفاق ما ورثوه لأنهم ما تعبوا في تحصيله ، كما شاهدنا الوراث البطالين . ٢١كلا إذا دكت . . . . . {كَلاَّ } : ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم . ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فرطوا فيه في دار الدنيا .{ دَكّاً دَكّاً } : حال كقولهم : باباً باباً ، أي مكرراً عليهم الدّك . ٢٢وجاء ربك والملك . . . . . {وَجَاء رَبُّكَ } ، قال القاضي منذر بن سعيد : معناه ظهوره للخلق هنالك ، وليس بمجيء نقلة ، وكذلك مجيء الطامّة والصاخة . وقيل : وجاء قدرته وسلطانه . وقال الزمخشري : هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قدرته وسلطانه ، مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه ، انتهى . والملك اسم جنس يشمل الملائكة . وروي أنه ملائكة كل سماء تكون صفاً حول الأرض في يوم القيامة . قال الزمخشري :{ صَفّاً صَفّاً } تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس ، انتهى . ٢٣وجيء يومئذ بجهنم . . . . . {وَجِىء بِجَهَنَّمَ } ، كقوله تعالى :{ وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى } ،{ يَوْمَئِذٍ } بدل من { إِذَا} قال الزمخشري : وعامل النصب فيهما يتذكر ، انتهى . ظاهر كلامه أن العامل في البدل هو العامل نفسه في المبدل منه ، وهو قول قد نسب إلى سيبويه ، والمشهور خلافه ، وهو أن البدل على نية تكرار العامل ، أي يتذكر ما فرط فيه .{ وَأَنَّى لَهُ الذّكْرَى } : أي منفعة الذكرى ، لأنه وقت لا ينفع فيه التذكر ، لو اتعظ في الدنيا لنفعه ذلك في الأخرى ، قاله الجمهور . ٢٤يقول يا ليتني . . . . . قال الزمخشري وغيره : أو وقت حياتي في الدنيا ، كما تقول : جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا وكذا . وقال قوم : لحياتي في قبري ، يعني الذي كنت أكذب به . قال الزمخشري : وهذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقاً بقصدهم وإرادتهم ، وأنهم لم يكونوا محجورين عن الطاعات مجبرين على المعاصي ، كمذهب أهل الأهواء والبدع ، وإلا فما معنى التحسر ؟ انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . ٢٥انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٦فيومئذ لا يعذب . . . . . وقرأ الجمهور : { لاَّ يُعَذّبُ وَلاَ يُوثِقُ } : مبنيين للفاعل ، والضمير في { عَذَابَهُ } ، و { وَثَاقَهُ } عائد على اللّه تعالى ، أي لا يكل عذابه ولا وثاقه إلى أحد ، لأن الأمر للّه وحده في ذلك ؛ أو هو من الشدّة في حيز لم يعذب قط أحد في الدنيا مثله ، والأول أوضح لقوله : { لاَّ يُعَذّبُ وَلاَ يُوثِقُ } ، ولا يطلق على الماضي إلا بمجاز بعيد ، بل موضوع ، لا إذا دخلت على المضارع أن يكون مستقبلاً . ويجوز أن يكون الضمير قبلها عائداً على الكافر ، أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه . وقيل إلى اللّه ، أي لا يعذب أحد في الدنيا عذاب اللّه للكافر ، ويضعف هذا عمل لا يعذب في يومئذ ، وهو ظرف مستقبل . وقرأ ابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوّار القاضي وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وسلام والكسائي ويعقوب وسهل وخارجة عن أبي عمرو : بفتح الذال والثاء مبنيين للمفعول ، فيجوز أن يكون الضمير فيهما مضافاً للمفعول وهو الأظهر ، أي لا يعذب أحد مثل عذابه ، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه ، أو لا يحمل أحد عذاب الإنسان لقوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وعذاب وضع موضع تعذيب . وفي اقتباس مثل هذا خلاف ، وهو أن يعمل ما وضع لغير المصدر ، كالعطاء والثواب والعذاب والكلام . فالبصريون لا يجيزونه ويقيسونه . وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم : وثاقه بكسر الواو ؛ والجمهور : بفتحها ، والمعذب هو الكافر على العموم . وقيل : هو أمية بن خلف . وقيل : أبيّ بن خلف . وقيل : المراد به إبليس ؛ وقام الدليل على أنه أشد من الناس عذاباً ، ويدفع القول هذا قوله :{ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ } ، والضمائر كلها مسوقة له . ٢٧يا أيتها النفس . . . . . ولما ذكر تعالى شيئاً من أحوال من يعذب ، ذكر شيئاً من أحوال المؤمن فقال : { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ } ، وهذا النداء الظاهر إنه على لسان ملك . وقرأ الجمهور : بتاء التأنيث . وقرأ زيد بن علي : يا أيها بغير تاء ، ولا أعلم أحداً ذكر أنها تذكر ، وإن كان المنادى مؤنثاً ، إلا صاحب البديع . وهذه القراءة شاهدة بذلك ، ولذلك وجه من القياس ، وذلك أنه لم يثن ولم يجمع في نداء المثنى والمجموع ؛ فكذلك لم يؤنث في نداء المؤنث .{ الْمُطْمَئِنَّةُ } : الآمنة التي لا يلحقها خوف ولا حزن ، أو التي كانت مطمئنة إلى الحق لم يخالطها شك . قال ابن زيد : يقال لها ذلك عند الموت وخروجها من جسد المؤمن في الدنيا . وقيل : عند البعث . وقيل : عند دخول الجنة . ٢٨ارجعي إلى ربك . . . . . {إِلَى رَبّكَ } : أي إلى موعد ربك . وقيل : الرب هنا الإنسان دون النفس ، أي ادخل في الأجساد ، والنفس اسم جنس . وقيل : هذا النداء هو الآن للمؤمنين . لما ذكر حال الكفار قال : يا مؤمنون دوموا وجدوا حتى ترجعوا راضين مرضيين ، { رَّاضِيَةٍ } بما أوتيته ، { مَّرْضِيَّةً } عند اللّه . ٢٩انظر تفسير الآية:٣٠ ٣٠فادخلي في عبادي {فَادْخُلِى فِى عِبَادِى } : أي في جملة عبادي الصالحين .{ وَادْخُلِى جَنَّتِى } معهم . وقيل : النفس والروح ، والمعنى : فادخلي في أجساد عبادي . وقرأ الجمهور :{ فِى عِبَادِى } جمعاً ؛ وابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح والكلبي وأبو شيخ الهنائي واليماني : في عبدي على الإفراد ، والأظهر أنه أريد به اسم الجنس ، فمدلوله ومدلول الجمع واحد . وقيل : هو على حذف خاطب النفس مفردة فقال : فادخلي في عبدي : أي في جسد عبدي . وتعدى فادخلي أولاً بفي ، وثانياً بغير فاء ، وذلك أنه إذا كان المدخول فيه غير ظرف حقيقي تعددت إليه بفي ، دخلت في الأمر ودخلت في غمار الناس ، ومنه :{ فَادْخُلِى فِى عِبَادِى} وإذا كان المدخول فيه ظرفاً حقيقياً ، تعدت إليه في الغالب بغير وساطة في . قيل : في عثمان بن عفان . وقيل : في حمزة . وقيل : في خبيب بن عدي ، رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين . |
﴿ ٠ ﴾