١٥

فأما الإنسان إذا . . . . .

{فَأَمَّا الإِنسَانُ } : ذكر تعالى ما كانت قريش تقوله وتستدل به على إكرام اللّه تعالى وإهانته لعبده ، فيرون المكرم من عنده الثروة والأولاد ، والمهان ضده . ولما كان هذا غالباً عليهم وبخوا بذلك . والإنسان اسم جنس ، ويوجد هذا في كثير من أهل الإسلام .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : بم اتصل قوله :{ فَأَمَّا الإِنسَانُ } ؟

قلت : بقوله :{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } ، كأنه قال : إن اللّه تعالى لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة ، وهو مرصد للعاصي ؛ فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها ، انتهى . وفيه التصريح بمذهب الاعتزال في قوله : لا يريد من الإنسان إلا الطاعة . وإذا العامل فيه فيقول : والنية فيه التأخير ، أي فيقول كذا وقت الابتداء ، وهذه الفاء لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وإن كانت فاء دخلت في خبر المبتدأ لأجل أما التي فيها معنى الشرط ، وبعد أما الثانية مضمر به وقع التوازن بين الجملتين تقديره : فأما إذا هو ما ابتلاه ، وفيقول خبر عن ذلك المبتدأ المضمر ، وابتلاه معناه : اختبره ، أيشكر أم يكفر إذا بسط له ؟ وأيصبر أم بجزع إذا ضيق عليه ؟ لقوله تعالى :{ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وقابل ونعمه بقوله :{ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } ، ولم يقابل { فَأَكْرَمَهُ } بلفظ فأهانه ، لأنه ليس من يضيق عليه الرزق ، كان ذلك إهانة له . ألا ترى إلى ناس كثير من أهل الصلاح مضيقاً عليهم الرزق كحال الإمام أبي سليمان داود بن علي الأصبهاني رضي اللّه تعالى عنه وغيره ، وذم اللّه تعالى العبد في حالتيه هاتين .

أما في قوله :{ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ } ، فلأنه إخبار منه على أنه يستحق الكرامة ويستوجبها .

﴿ ١٥