سورة الشمس

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

والشمس وضحاها

طحا ودحا بمعنى واحد ، أي بسط ووطأ ، ويأتي طحا بمعنى ذهب . قال علقمة :

طحا بك قلب في الحسان طروب

ويقال : ما أدري أين طحا : أي ذهب ، قاله أبو عمرو ، وفي أيمان العرب لا ، والقمر الطاحي : أي المشرق المرتفع ،

ويقال : طحا يطحو طحواً ، ويطحى طحواً . التدسية : الإخفاء ، وأصله دسس فأبدل من ثالث المضاعفات حرف علة ، كما قالوا في القصص نقص ، قال الشاعر : وأنت الذي دسست عمراً فأصبحت

حلائله منه أرامل صيعا

وينشد أيضاً :

ودسست عمراً في التراب

دمدم عليه القبر : أطبقه . وقال مؤرج : الدمدمة : إهلاك باستئصال . وقال في الصحاح : دمدمت الشيء : ألزقته بالأرض وطحطحته .

هذه السورة مكية . ولما تقدّم القسم ببعض المواضع الشريفة وما بعدها ، أقسم هنا بشيء من العالم العلوي والعالم والسفلي ، وبما هو آلة التفكر في ذلك ، وهو النفس . وكان آخر ما قبلها مختتماً بشيء من أحوال الكفار في الآخرة ، فاختتم هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا ، وفي ذلك بمآلهم في الآخرة إلى النار ، وفي الدنيا إلى الهلاك المستأصل . وتقدم الكلام على ضحى في سورة طه عند قوله :{ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} وقال مجاهد : هو ارتفاع الضوء وكماله . وقال مقاتل : حرها لقوله { وَلاَ تَضْحَى} وقال قتادة : هو النهار كله ، وهذا ليس بجيد ، لأنه قد أقسم بالنهار . والمعروف في اللغة أن الضحى هو بعيد طلوع الشمس قليلاً ، فإذا زاد فهو الضحاء ، بالمد وفتح الضاد إلى الزوال ، وقول مقاتل تفسير باللازم . وما نقل عن المبرد من أن الضحى مشتق من الضح ، وهو نور الشمس ، والألف مقلوبة من الحاء الثانية ؛ وكذلك الواو في ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية ، لعله مختلق عليه ، لأن المبرد أجل من أن يذهب إلى هذا ، وهذان مادتان مختلفتان لا تشتق إحداهما من الأخرى .

٢

والقمر إذا تلاها

{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا } ، قال الحسن والفراء : تلاها معناه تبعها دأباً في كل وقت ، لأنه يستضيء منها ، فهو يتلوها لذلك . وقال ابن زيد : يتلوها في الشهر كله ، يتلوها في النصف الأول من الشهر بالطلوع ، وفي الآخر بالغروب . وقال ابن سلام : في النصف الأول من الشهر ، وذلك لأنه يأخذ موضعها ويسير خلفها ، إذا غابت يتبعها القمر طالعاً . وقال قتادة : إنما ذلك البدر ، تغيب هي فيطلع هو . وقال الزجاج وغيره : تلاها معناه : امتلأ واستدار ، وكان لها تابعاً للمنزل من الضياء والقدر ، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر .

وقيل : من أول الشهر إلى نصفه ، في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو ؛ وفي النصف الآخر يتحاوران ، وهو أن تغرب هي فيطلع هو .

وقال الزمخشري : تلاها طالعاً عند غروبها أخداً من نورها وذلك في النصف الأول من الشهر .

٣

والنهار إذا جلاها

{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } : الظاهر أن مفعول جلاها هو الضمير عائد على الشمس ، لأنه عند انبساط النهار تنجلي الشمس في ذلك الوقت تمام الإنجلاء .

وقيل : يعود على الظلمة .

وقيل : على الأرض .

وقيل : على الدنيا ، والذي يجلي الظلمة هو الشمس أو النهار ، فإنه وإن لم تطلع الشمس لا تبقى الظلمة ، والفاعل بجلاها ضمير النهار . قيل : ويحتمل أن يكون عائداً على اللّه تعالى ، كأنه قال : والنهار إذا جلى اللّه الشمس ، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته .

٤

والليل إذا يغشاها

{وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } : أي يغشى الشمس ، فبدخوله تغيب وتظلم الآفاق ، ونسبة ذلك إلى الليل مجاز .

وقيل : الضمير عائد على الأرض ، والذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله :{ يَغْشَاهَا } عائدة على الشمس . وكما أن النهار جلاها ، كان النهار هو الذي يغشاها . ولما كانت الفواصل ترتبت على ألف وهاء المؤنث ، أتى { وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } بالمضارع ، لأنه الذي ترتب فيه . ولو أتى بالماضي ، كالذي قبله وبعده ، كان يكون التركيب إذا غشيها ، فتفوت الفاصلة ، وهي مقصودة . وقال القفال ما ملخصه : هذه الأقسام بالشمس في الحقيقة بحسب أوصاف أربعة : ضوءها عند ارتفاع النهار وقت انتشار الحيوان ، وطلب المعاش ، وتلو القمر لها بأخذه الضوء ، وتكامل طلوعها وبروزها وغيبوبتها بمجيء الليل .

٥

انظر تفسير الآية:٨

٦

انظر تفسير الآية:٨

٧

انظر تفسير الآية:٨

٨

والسماء وما بناها

وما في قوله : { وَمَا بَنَاهَا وَمَا طَحَاهَا وَمَا سَوَّاهَا } ، بمعنى الذي ، قاله الحسن ومجاهد وأبو عبيدة ، واختاره الطبري ، قالوا : لأن ما تقع على أولي العلم وغيرهم .

وقيل : مصدرية ، قاله قتادة والمبرد والزجاج ، وهذا قول من ذهب إلى أن ما لا تقع على آحاد أولي العلم .

وقال الزمخشري : جعلت مصدرية ، وليس بالوجه لقوله :{ فَأَلْهَمَهَا } ، وما يؤدي إليه من فساد النظم والوجه أن تكون موصولة ، وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية ، كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها ، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها ، وفي كلامهم سبحان من سخركن لنا ، انتهى .

أما قوله : وليس بالوجه لقوله :{ فَأَلْهَمَهَا } ، يعني من عود الضمير في { فَأَلْهَمَهَا } على اللّه تعالى ، فيكون قد عاد على مذكور ، وهو ما المراد به

الذي ، ولا يلزم ذلك لأنا إذا جعلناها مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من سياق الكلام ؛ ففي بناها ضمير عائد على اللّه تعالى ، أي وبناها هو ، أي اللّه تعالى ، كما إذا رأيت زيداً قد ضرب عمراً فقلت : عجبت مما ضرب عمراً تقديره : من ضرب عمر ؟ وهو كان حسناً فصيحاً جائزاً ، وعود الضمير على ما يفهم من سياق الكلام كثير ، وقوله : وما يؤدي إليه من فساد النظم ليس كذلك ، ولا يؤدي جعلها مصدرية إلى ما ذكر ، وقوله إنما أوثرت إلخ لا يراد بما ولا بمن الموصولتين معنى الوصفية ، لأنهما لا يوصف بهما ، بخلاف الذي ، فاشتراكهما في أنهما لا يؤديان معنى الوصفية موجود فيهما ، فلا ينفرد به ما دون من ، وقوله : وفي كلامهم إلخ . تأوله أصحابنا على أن سبحان علم وما مصدرية ظرفية .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : الأمر في نصب إذا معضل ، لأنك إما أن تجعل الواوات عاطفة فتنصب بها وتجر ، فتقع في العطف على عاملين ، وفي نحو قولك : مررت أمس بزيد واليوم عمرو ؛

وأما أن تجعلهن للقسم ، فتقع فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه .

قلت : الجواب فيه أن واو القسم مطرح معه إبراز الفعل إطراحاً كلياً ، فكان لها شأن خلاف شأن الباء ، حيث أبرز معها الفعل وأضمر ، فكانت الواو قائمة مقام الفعل ، والباء سادة مسدهما معاً ، والواوات العواطف نوائب عن هذه ، فحقهن أن يكن عوامل على الفعل والجار جميعاً ، كما تقول ؛ ضرب زيد عمراً وبكر خالداً ، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما ، انتهى . أما قوله في واوات العطف فتنصب بها وتجر فليس هذا بالمختار ، أعني أن يكون حرف العطف عاملاً لقيامه مقام العامل ، بل المختار أن العمل إنما هو للعامل في المعطوف عليه ، تم إنا لإنشاء حجة في ذلك . وقوله : فتقع في العطف على عاملين ، ليس ما في الآية من العطف على عاملين ، وإنما هو من باب عطف اسمين مجرور ومنصوب على اسمين مجرور ومنصوب ، فحرف العطف لم ينب مناب عاملين ، وذلك نحو قولك : امرر بزيد قائماً وعمرو جالساً ؟ وقد أنشد سيبويه في كتابه : فليس بمعروف لنا أن نردها

صحاحاً ولا مستنكران تعقرا

فهذا من عطف مجرور ، ومرفوع على مجرور ومرفوع ، والعطف على عاملين فيه أربع مذاهب ، وقد نسب الجواز إلى سيبويه وقوله في نحو قولك : مررت أمس بزيد واليوم عمرو ، وهذا المثال مخالف لما في الآية ، بل وزان ما في الآية : مررت بزيد أمس وعمرو اليوم ، ونحن نجيز هذا .

وأما قوله على استكراه فليس كما ذكر ، بل كلام الخليل يدل على المنع . قال الخليل : في قوله عز وجل : { وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالاْنثَى } ، الواوان الأخيرتان ليستا بمنزلة الأولى ، ولكنهما الواوان اللتان يضمان الأسماء إلى الأسماء في قولك : مررت بزيد وعمرو ، والأولى بمنزلة الباء والتاء ، انتهى .

وأما قوله : إن واو القسم مطرح معه إبراز الفعل إطراحاً كلياً ، فليس هذا الحكم مجمعاً عليه ، بل قد أجاز ابن كيسان التصريح بفعل القسم مع الواو ، فتقول : أقسم أو أحلف واللّه لزيد قائم .

وأما قوله : والواوات العواطف نوائب عن هذه الخ ، فمبني على أن حرف العطف عامل لنيابته مناب العامل ، وليس هذا بالمختار .

والذي نقوله : إن المعضل هو تقرير العامل في إذا بعد الاقسام ، كقوله :{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } ،{ وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } ،{ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا } ،{ وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } ، وما أشبهها . فإذا ظرف مستقبل ، لا جائز أن يكون العامل فيه فعل القسم المحذوف ، لأنه فعل إنشائي . فهو في الحال ينافي أن يعمل في المستقبل لإطلاق زمان العامل زمان المعمول ، ولا جائز أن يكون ثم مضاف محذوف

أقيم المقسم به مقامه ، أي : وطلوع النجم ، ومجيء الليل ، لأنه معمول لذلك الفعل . فالطلوع حال ، ولا يعمل فيه المستقبل ضرورة أن زمان المعمول زمان العامل ، ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم به لأنه ليس من قبيل ما يعمل ، سيما إن كان جزماً ، ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف فيكون قد عمل فيه ، ويكون ذلك العامل في موضع الحال وتقديره : والنجم كائناً إذا هوى ، والليل كائناً إذا يغشى ، لأنه لا يلزم كائناً أن يكون منصوباً بالعامل ، ولا يصح أن يكون معمولاً لشيء مما فرضناه أن يكون عاملاً . وأيضاً فقد يكون القسم به جثة ، وظروف الزمان لا تكون أحوالاً عن الجثث ، كما لا تكون أخباراً .

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } : اسم جنس ، ويدل على ذلك ما بعده من قوله :{ فَأَلْهَمَهَا } وما بعده ، وتسويتها : إكمال عقلها ونظرها ، ولذلك ارتبط به { فَأَلْهَمَهَا } ، لأن الفاء تقتضي الترتيب على ما قبلها من التسوية التي هي لا تكون إلا بالعقل .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : لم نكرت النفس ؟

قلت : فيه وجهان :

أحدها : أن يريد نفساً خاصة من النفوس ، وهي نفس آدم ، كأنه قال : وواحدة من النفوس ، انتهى . وهذا فيه بعد للأوصاف المذكورة بعدها ، فلا تكون إلا للجنس . ألا ترى إلى قوله :{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } ، كيف تقتضي التغاير في المزكى وفي المدسى ؟{ فَأَلْهَمَهَا } ، قال ابن جبير : ألزمها .

وقال ابن عباس : عرفها . وقال ابن زيد : بين لها . وقال الزجاج : وفقها للتقوى ، وألهمها فجورها : أي خذلها ،

وقيل : عرفها وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور واكتساب التقوى .

وقال الزمخشري : ومعنى إلهام الفجور والتقوى : إفهامها وإعقالها ، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح ، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما بدليل قوله :{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } ، فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما . والتزكية : الإنماء ، والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال .

٩

انظر تفسير الآية:١٠

١٠

قد أفلح من . . . . .

{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } ، قال الزجاج وغيره : هذا جواب القسم ، وحذفت اللام لطول الكلام ، والتقدير : لقد أفلح .

وقيل : الجواب محذوف تقديره لتبعثن .

وقال الزمخشري : تقديره ليدمدمن اللّه عليهم ، أي على أهل مكة ، لتكذيبهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً .

وأما { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } فكلام تابع لقوله :{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء ، انتهى . وزكاؤها : ظهورها ونماؤها بالعمل الصالح ، ودساها : أخفاها وحقرها بعمل المعاصي . والظاهر أن فاعل زكى ودسى ضمير يعود على من ، وقاله الحسن وغيره . ويجوز أن يكون ضمير اللّه تعالى ، وعاد الضمير مؤنثاً باعتبار المعنى من مراعاة التأنيث . وفي الحديث ما يشهد لهذا التأويل ، كان عليه السلام إذا قرأ هذه الآية قال : { اللّهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها} .

وقال الزمخشري :

وأما قول من زعم أن الضمير في زكى ودسى للّه تعالى ، وأن تأنيث الراجع إلى من لأنه في معنى النفس ، فمن تعكيس القدرية الذين يوركون على اللّه قدراً هو بريء منه ومتعال عنه ، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه تعالى ، انتهى . فجرى على عادته في سب أهل السنة . هذا ، وقائل ذلك هو بحر العلم عبد اللّه بن عباس ، والرسول صلى اللّه عليه وسلم يقول : { وزكها أنت خير من زكاها} .

وقال تعالى :{ دَسَّاهَا } في أهل الخير بالرياء وليس منهم ؛ وحين قال :{ وَتَقْوَاهَا } أعقبه بقوله :{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ولما قال :{ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } ، أعقبه بأهل الجنة .

١١

كذبت ثمود بطغواها

ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه ، ذكر فرقة فعلت ذلك ليعتبر بهم . { بِطَغْوَاهَا } : الباء عند الجمهور سببية ، أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها .

وقال ابن عباس : الطغوى هنا العذاب ، كذبوا به حتى نزل بهم لقوله :{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ}

وقرأ الجمهور :{ بِطَغْوَاهَا } بفتح الطاء ، وهو مصدر من الطغيان ، قلبت فيه الياء واواً فصلاً بين الاسم وبين الصفة ، قالوا فيها صرنا وحدنا ، وقالوا في الاسم تقوى وشروي .

وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة : بضم الطاء ، وهو مصدر كالرجعى ، وكان قياسها الطغيا بالياء كالسقيا ، لكنهم شذوا فيه .{ إِذِ انبَعَثَ } : أي خرج لعقر الناقة بنشاط وحرص ، والناصب لإذ { كَذَّبَتْ } ،

١٢

إذ انبعث أشقاها

و { أَشْقَاهَا } : قدار بن سالف ، وقد يراد به الجماعة ، لأن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة جاز إفراده وإن عنى به جمع .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونوا جماعة ،

والتوحيد لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، وكان يجوز أن يقال : أشقوها ، انتهى . فأطلق الإضافة ، وكان ينبغي أن يقول : إلى معرفة ، لأن إضافته إلى نكرة لا يجوز فيه إذ ذاك إلا أن يكون مفرداً مذكراً ، كحاله إذا كان بمن . والظاهر أن الضمير في { لَهُمْ } عائد على أقرب مذكور وهو { أَشْقَاهَا } إذا أريد به الجماعة ، ويجوز أن يعود على { ثَمُودُ}

١٣

فقال لهم رسول . . . . .

{رَّسُولٍ } : هو صالح عليه السلام .

وقرأ الجمهور :{ نَاقَةُ اللّه } بنصب التاء ، وهو منصوب على التحذير مما يجب إضمار عامله ، لأنه قد عطف عليه ، فصار حكمه بالعطف حكم المكرر ، كقولك : الأسد الأسد ، أي احذروا ناقة اللّه وسقياها فلا تفعلوا ذلك .

١٤

فكذبوه فعقروها فدمدم . . . . .

{فَكَذَّبُوهُ } ، الجمهور على أنهم كانوا كافرين ، وروي أنهم كانوا قد أسلموا قبل ذلك وتابعوا صالحاً بمدة ، ثم كذبوا وعقروا ، وأسند العقر للجماعة لكونهم راضين به ومتمالئين عليه .

وقرأ الجمهور :{ فَدَمْدمَ } بميم بعد دالين ؛ وابن الزبير : قد هدم بهاء بينهما ، أي أطبق عليهم العذاب مكرراً ذلك عليهم ، { بِذَنبِهِمْ } : فيه تخويف من عاقبة الذنوب ، { فَسَوَّاهَا } ،قيل : فسوى القبيلة في الهلاك ، عاد عليها بالتأنيث كما عاد في { بِطَغْوَاهَا}

وقيل : سوى الدمدمة ، أي سواها بينهم ، فلم يفلت منهم صغيراً ولا كبيراً .

١٥

ولا يخاف عقباها

وقرأ أبيّ والأعرج ونافع وابن عامر : فلا يخاف بالفاء ؛ وباقي السبعة ولا بالواو ؛ والضمير في يخاف الظاهر عوده إلى أقرب مذكور وهو ربهم ، أي لأدرك عليه تعالى في فعله بهم لا يسئل عما يفعل ، قاله ابن عباس والحسن ، وفيه ذم لهم وتعقبه لآثارهم .

وقيل : يحتمل أن يعود على صالح ، أي لا يخاف عقبى هذه الفعلة بهم ، إذ كان قد أنذرهم وحذرهم . ومن قرأ : ولا يحتمل الضمير الوجهين . وقال السدي والضحاك ومقاتل والزجاج وأبو علي : الواو واو الحال ، والضمير في يخاف عائد على { أَشْقَاهَا } ،أي انبعث لعقرها ، وهو لا يخاف عقبى فعله لكفره وطغيانه ، والعقبى : خاتمة الشيء وما يجيء من الأمور بعقبه ، وهذا فيه بعد لطول الفصل بين الحال وصاحبها .

﴿ ٠