سورة التكاثرمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١انظر تفسير الآية:٢ ٢ألهاكم التكاثر هذه السورة مكية في قول جميع المفسرين . وقال البخاري : مدنية . ومناسبتها لما قبلها ظاهرة . وسبب نزولها أنه فيما روى الكلبي ومقاتل : كان بين بني سهم وبين بني عبد مناف لحاء ، فتعادّوا الأشراف الأحياء أيهم أكثر ، فكثرهم بنو عبد مناف . ثم تعادوا الأموات ، فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية . وقال قتادة : نزلت في اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان . وقال ابن زيد : نزلت في بطن من الأنصار . {أَلْهَاكُمُ } : شغلكم فعلى ما روى الكلبي ومقاتل يكون المعنى : أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى استوعبتم عددهم ، صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات . عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكماً بهم ، وهذا معنى ينبو عنه لفظ زرتم . قيل :{ حَتَّى زُرْتُمُ } : أي متم وزرتم بأجسادكم مقابرها ، أي قطعتم بالتكاثر والمفاخرة بالأموال والأولاد والعدد أعماركم حتى متم . وسمع بعض الأعراب { حَتَّى زُرْتُمُ } فقال : بعث القوم للقيامة ، ورب الكعبة فإن الزائر منصرف لا مقيم . وعن عمر بن عبد العزيز نحو من قول الأعرابي . وقيل : هذا تأنيث على الإكثار من زيارة تكثراً بمن سلف وإشادة بذكره . وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ، ثم قال : { فزوروها أمر إباحة للاتعاظ بها لا لمعنى المباهاة والتفاخر} . قال ابن عطية : كما يصنع الناس في ملازمتها وتسليمها بالحجارة والرخام ، وتلوينها شرفاً ، وبيان النواويس عليه . وابن عطية لم ير إلا قبور أهل الأندلس ، فكيف لو رأى ما تباهى به أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى ، والقرافة الصغرى ، وباب النصر وغير ذلك ، وما يضيع فيها من الأموال ، والتعجب من ذلك ، ولرأى ما لم يخطر ببال ؟ وأما التباهي بالزيارة ، ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوف أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور . زرت قبر سيدي فلان بكذا ، وقبر فلان بكذا ، والشيخ فلاناً بكذا ، والشيخ فلاناً بكذا ؛ فيذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد ، وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلك القبور وأولئك المشايخ بحيث لو كتبت لجاءت أسفاراً ، وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه ، وقد سخر لهم الملوك وعوام الناس في تحسين الظن بهم وبذل أموالهم لهم . وأما من شذا منهم لأن يتكلم للعامة فيأتي بعجائب ، يقولون هذا فتح هذا من العلم اللدني علم الخضر ، حتى أن من ينتمي إلى العلم لما رأى رواج هذه الطائفة سلك مسلكهم ونقل كثيراً من حكاياتهم ومزج ذلك بيسير من العلم طلباً للمال والجاه وتقبيل اليد ؛ ونحن نسأل اللّه عز وجل أن يوفقنا لطاعته . وقرأ الجمهور : ألهاكم على الخبر ؛ وابن عباس وعائشة ومعاية وأبو عمروان الجوني وأبو صالح ومالك بن دينار وأبو الجوزاء وجماعة : بالمد على الاستفهام ، وقد روي كذلك عن الكلبي ويعقوب ، وعن أبي بكر الصديق وابن عباس أيضاً والشعبي وأبي العالية وابن أبي عبلة والكسائي في رواية : أألهاكم بهمزتين ، ومعنى الاستفهام : التوبيخ والتقرير على قبح فعلهم ؛ ٣انظر تفسير الآية:٤ ٤كلا سوف تعلمون والجمهور : على أن التكرير توكيد . قال الزمخشري : والتكرير تأكيد للرع والإنذار ؛ وثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول وأشد ، كما تقول للمنصوح : أقول لك ثم أقول لك لا تفعل ، والمعنى : سوف تعلمون الخطاب فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء اللّه تعالى . وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ فِى الْقُبُورِ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } في البعث : غاير بينهما بحسب التعلق ، وتبقى ثم على بابها من المهلة في الزمان . وقال الضحاك : الزجر الأول ووعيده للكافرين ، والثاني للمؤمنين . ٥كلا لو تعلمون . . . . . {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ } : أي ما بين أيديكم مما تقدمون عليه ، { عِلْمَ الْيَقِينِ } : أي كعلم ما تستيقنونه من الأمور لما ألهاكم التكاثر أو العلم اليقين ، فأضاف الموصوف إلى صفته وحذف الجواب لدلالة ما قبله عليه وهو { أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} وقيل : اليقين هنا الموت . وقال قتادة : البعث ، لأنه إذا جاء زال الشك . ٦لترون الجحيم ثم قال : { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ } : والظاهر أن هذه الرؤية هي رؤية الورود ، كما قال تعالى :{ وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } ، ولا تكون رؤية عند الدخول ، فيكون الخطاب للكفار لأنه قال بعد ذلك :{ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} ٧ثم لترونها عين . . . . . {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } : تأكيد للجملة التي قبلها ، وزاد التوكيد بقوله :{ عَيْنَ الْيَقِينِ } نفياً لتوهم المجاز في الرؤية الأولى . وعن ابن عباس : هو خطاب للمشركين ، فالرؤية رؤية دخول . وقرأ ابن عامر والكسائي : لترون بضم التاء ؛ وباقي السبعة : بالفتح ، وعليّ وابن كثير في رواية ، وعاصم في رواية : بفتحها في { لَتَرَوُنَّ } ، وضمها في { لَتَرَوُنَّهَا } ، ومجاهد والأشهب وابن أبي عبلة : بضمها . وروي عن الحسن وأبي عمرو بخلاف عنهما أنهما همز الواوين ، استثقلوا الضمة على الواو فهمزوا كما همزوا في وقتت ، وكان القياس أن لا تهمز ، لأنها حركة عارضة لالتقاء الساكنين فلا يعتد بها . لكنها لما تمكنت من الكلمة بحيث لا تزول أشبهت الحركة الأصلية فهمزوا ، وقد همزوا من الحركة العارضة ما يزول في الوقف نحو استرؤا الصلاة ، فهمز هذه أولى . ٨ثم لتسألن يومئذ . . . . . {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } : الظاهر العموم في النعيم ، وهو كل ما يتلذذ به من مطعم ومشرب ومفرش ومركب ، فالمؤمن يسأل سؤال إكرام وتشريف ، والكافر سؤال توبيخ وتقريع . وعن ابن مسعود والشعبي وسفيان ومجاهد : هو الأمن والصحة . وعن ابن عباس : البدن والحواس فيم استعملها . وعن ابن جبير : كل ما يتلذذ به . وفي الحديث : { بيت يكنك وخرقة تواريك وكسرة تشد قلبك وما سوى ذلك فهو نعيم} . |
﴿ ٠ ﴾