سورة الهمزة

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

ويل لكل همزة . . . . .

الحطمة : أصله الوصف من قولهم رجل حطمة : أي أكول . قال الراجز :

قد لفها الليل بسوّاق الحطم

وقال آخر : إنا حطمناه بالقضيب مصعبا

يوم كسرنا أنفه ليغضبا

هذه السورة مكية . لما قال فيما قبلها :{ إِنَّ الإنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } ، بين حال الخاسر فقال :{ وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ } ، ونزلت في الأخنس بن شريق ، أو العاصي بن وائل ، أو جميل بن معمر ، أو الوليد بن المغيرة ، أو أمية بن خلف ، أقوال . ويمكن أن تكون نزلت في الجميع ، وهي مع ذلك عامة فيمن اتصف بهذه الأوصاف . وقال السهيلي : هو أمية بن خلف الجمحي ، كان يهمز النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ويعينه ذكره ابن إسحاق . وإنما ذكرته ، وإن كان اللفظ عاماً ، لأن اللّه سبحانه وتعالى تابع في أوصافه والخبر عنه حتى فهم أنه يشير إلى شخص بعينه ، وكذلك قوله في سورة ن :{ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ} تابع في الصفات حتى علم أنه يريد إنساناً بعينه . وتقدم الكلام في الهمزة في سورة ن ، وفي اللمز في سورة براءة ، وفعله من أبنية المبالغة ، كنومة وعيبة وسحرة وضحكة ، وقال زياد الأعجم : تدلى بودّي إذا لاقيتني كذبا

وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه

وقرأ الجمهور : بفتح الميم فيهما ؛ والباقون : بسكونها ، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك منه ، ويشتم ويهمز ويلمز .

٢

الذي جمع مالا . . . . .

{الَّذِى } : بدل ، أو نصب على الذم .

وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر والأخوان : جمع مشدد الميم ؛ وباقي السبعة : بالتخفيف ، والجمهور :{ وَعَدَّدَهُ } بشد الدال

الأولى :أي أحصاه وحافظ عليه .

وقيل : جعله عدة لطوارق الدهر ؛ والحسن والكلبي : بتخفيفهما ، أي جمع المال وضبط عدده .

وقيل : وعدداً من عشيرته .

وقيل : وعدده على ترك الإدغام ، كقوله :

إني أجود لأقوام وإن ضننوا

٣

يحسب أن ماله . . . . .

{أَخْلَدَهُ } : أي أبقاه حياً ، إذ به قوام حياته وحفظه مدّة عمره .

قال الزمخشري : أي طوّل المال أمله ومناه الأماني البعيدة ، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أن المال تركه خالداً في الدنيا لا يموت . قيل : وكان للأخنس أربعة آلاف دينار .

وقيل : عشرة آلاف دينار .

٤

كلا لينبذن في . . . . .

{كَلاَّ } ردع له عن حسبانه .

وقرأ الجمهور :{ لَيُنبَذَنَّ } فيه ضمير الواحد ؛ وعليّ والحسن : بخلاف عنه ؛ وابن محيصن وحميد وهارون عن أبي عمرو : ولينبذان ، بألف ضمير اثنين : الهمزة وماله . وعن الحسن أيضاً : لينبذن بضم الذال ، أي هو وأنصاره . وعن أبي عمرو : لينبذنه .

وقرأ الجمهور :

٥

وما أدراك ما . . . . .

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ } ؛ وزيد بن عليّ : في الحاطمة وما أدراك ما الحاطمة ، وهي النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها . قال الضحاك : الحطمة : الدرك الرابع من النار . وقال الكلبي : الطبقة السادسة من جهنم ؛

وحكى عنه القشيري أنها الدركة الثانية ؛ وعنه أيضاً : الباب الثاني . وقال الواحدي : باب من أبواب جهنم ، انتهى .

٦

نار اللّه الموقدة

{نَارُ اللّه } : أي هي ، أي الحطمة .

٧

التي تطلع على . . . . .

{الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الاْفْئِدَةِ } : ذكرت الأفئدة لأنها ألطف ما في البدن وأشدّه تألماً بأدنى شيء من الأذى ؛ واطلاع النار عليها هو أنها تعلوها وتشتمل عليها ، وهي تعلو الكفار في جميع أبدانهم ، لكن نبه على الأشرف لأنها مقر العقائد .

٩

في عمد ممددة

وقرأ الأخوان وأبو بكر : في عمد بضمتين جمع عمود ؛ وهارون عن أبي عمرو : بضم العين وسكون الميم ؛ وباقي السبعة : بفتحها ، وهو اسم جمع ، الواحد عمود . وقال الفرّاء : جمع عمود ، كما قالوا : أديم وأدم . وقال أبو عبيدة : جمع عماد . قال ابن زيد : في عمد حديد مغلولين بها . وقال أبو صالح : هذه النار هي قبورهم ، والظاهر أنها نار الآخرة ، إذ يئسوا من الخروج بإطباق الأبواب عليهم وتمدد العمد ، كل ذلك إيذاناً بالخلود إلى غير نهاية . وقال قتادة : كنا نحدّث أنها عمد يعذبون بها في النار . وقال أبو صالح : هي القيود ، واللّه تعالى أعلم .

﴿ ٠