سورة الماعون

١

انظر تفسير الآية:٢

٢

أرأيت الذي يكذب . . . . .

سها عن كذا يسهو سهوراً : لها عنه وتركه عن غفلة . الماعون : فاعول من المعن ، وهو الشيء القليل . تقول العرب : ما له معن ، أي شيء قليل ، وقاله قطرب .

وقيل : أصله معونة والألف عوض من الهاء ، فوزنه مفعل في الأصل على مكرم ، فتكون الميم زائدة ، ووزنه بعد زيادة الألف عوضاً ما فعل .

وقيل : هو اسم مفعول من أعان يعين ، جاء على زنة مفعول ، قلب فصارت عينه مكان الفاء فصار موعون ، ثم قلبت الواو ألفاً ، كما قالوا في بوب باب فصار ماعون ، فوزنه على هذا مفعول . وقال أبو عبيدة والزجاج والمبرد : الماعون في الجاهلية : كل ما فيه منفعة حتى الفاس والدلو والقدر والقداحة ، وكل ما فيه منفعة من قليل أو كثير ، وأنشدوا بيت الأعشى : بأجود منه بماعونه

إذا ما سماءهم لم تغم

وقالوا : المراد به في الإسلام الطاعة ، وتأتي أقوال أهل التفسير فيه إن شاء اللّه تعالى عز وجل .

{أَرَءيْتَ الَّذِى يُكَذّبُ بِالدّينِ فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}

هذه السورة مكية في قول الجمهور ، مدنية في قول ابن عباس وقتادة . قال هبة اللّه المفسر الضرير : نزل نصفها بمكة في العاصي بن وائل ، ونصفها بالمدينة في عبد اللّه بن أبي المنافق . ولما عدد تعالى نعمه على قريش ، وكانوا لا يؤمنون بالبعث والجزاء ، اتبع امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه . ونزلت في أبي جهل ، أو الوليد بن المغيرة ، أو العاصي بن وائل ، أو عمر بن عائذ ، أو رجلين من المنافقين ، أو أبي سفيان بن حرب ، كان ينحر في كل أسبوع جزوراً ، فأتاه يتيم فسأله شيئاً فقرعه بعصا ، أقوال آخرها لابن جريج .

والظاهر أن { أَرَأَيْتَ } هي التي بمعنى أخبرني ، فتتعدى لاثنين ، أحدهما الذي ، والآخر محذوف ، فقدره الحوفي : أليس مستحقاً عذاب اللّه ، وقدره الزمخشري : من هو ، ويدل على أنها بمعنى أخبرني . قراءة عبد اللّه أرأيتك بكاف الخطاب ، لأن كاف الخطاب لا تلحق البصرية . قال الحوفي : ويجوز أن تكون من رؤية البصر ، فلا يكون في الكلام حذف ، وهمزة الاستفهام تدل على التقرير والتفهيم ليتذكر السامع من يعرفه بهذه الصفة . والدين : الجزاء بالثواب والعقاب .

وقال الزمخشري : والمعنى هل عرفت الذي يكذب بالجزاء ؟ هو الذي { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } : أي يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة أو أذى ،

٣

ولا يحض على . . . . .

{وَلاَ يَحُضُّ } : أي ولا يبعث أهله على

بذل الطعام للمسكين . جعل علم التكذيب بالجزاء ، منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف ، انتهى .

وقرأ الجمهور : { يَدُعُّ } بضم الدال وشد العين ؛ وعليّ والحسن وأبو رجاء واليماني : بفتح الدال وخف العين ، أي يتركه بمعنى لا يحسن إليه وبجفوه .

وقرأ الجمهور :{ وَلاَ يَحُضُّ } مضارع حض ؛ وزيد بن علي : يحاض مضارع حاضضت .

وقال ابن عباس :{ بِالدّينِ } : بحكم اللّه . وقال مجاهد : بالحساب ،

وقيل : بالجزاء ،

وقيل : بالقرآن . وقال إبراهيم ابن عرفة :{ يَدُعُّ الْيَتِيمَ } : يدفعه عن حقه . وقال مجاهد : يدفعه عن حقه ولا يطعمه ،

وفي قوله :{ وَلاَ يَحُضُّ } إشارة إلى أنه هو لا يطعم إذا قدره ، وهذا من باب الأولى ، لأنه إذا لم يحض غيره بخلاً ، فلان يترك هو ذلك فعلاً أولى وأحرى ، وفي إضافة طعام إلى المسكين دليل على أنه يستحقه .

٤

فويل للمصلين

ولما ذكر أولاً عمود الكفر ، وهو التكذيب بالدين ، ذكر ما يترتب عليه مما يتعلق بالخالق ، وهو عبادته بالصلاة ، فقال : { فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ} والظاهر أن المصلين هم غير المذكور .

وقيل : هو داع اليتيم غير الحاض ، وأن كلاً من الأوصاف الذميمة ناشىء عن التكذيب بالدين ، فالمصلون هنا ، واللّه أعلم ، هم المنافقون ، ثبت لهم الصلاة ، وهي الهيئات التي يفعلونها .

٥

الذين هم عن . . . . .

ثم قال : { الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } ، نظراً إلى أنهم لا يوقعونها ، كما يوقعها المسلم من اعتقاد وجوبها والتقرب بها إلى اللّه تعالى . وفي الحديث عن صلاتهم ساهون : { يؤخرونها عن وقتها تهاوناً بها} . قال مجاهد : تأخير ترك وإهمال . وقال إبراهيم : هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا ملتفتاً . وقال قتادة : هو الترك لها ، أو هم الغافلون الذين لا يبالي أحدهم أصلى أم لم يصل . وقال قطرب : هو الذي لا يقر ولا يذكر اللّه تعالى .

وقال ابن عباس : المنافقون يتركون الصلاة سراً ويفعلونها علانية ، { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } ، ويدل على أنها في المنافقين قوله تعالى :{ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءونَ } ، وقاله ابن وهب عن مالك . قال ابن عباس : ولو قال في صلاتهم لكانت في المؤمنين . وقال عطاء : الحمد للّه الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم .

وقال الزمخشري : بعد أن قدم فيما نقلناه من كلامه ما يدل على أن { فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ } في موضع رفع ، قال : وطريقة أخرى أن يكون { فَذَلِكَ } عطفاً على { الَّذِى يُكَذّبُ } ، إما عطف ذات على ذات ، أو عطف صفة على صفة ، ويكون جواب { أَرَأَيْتَ } محذوفاً لدلالة ما بعده عليه ، كأن قال : أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء ، وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين ، أنعم ما يصنع ؟ ثم قال :{ فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ } : أي إذا علم أنه مسيء ، { فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ } على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم لأنهم كانوا مع التكذيب ، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم .

فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام ضمير { الَّذِى يُكَذّبُ } ، وهو واحد ؟

قلت : معناه الجمع ، لأن المراد به الجنس ، انتهى . فجعل فذلك في موضع نصب عطفاً على المفعول ، وهو تركيب غريب ، كقولك : أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا ، فالمتبادر إلى الذهن أن فذلك مرفوع بالابتداء ، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا . فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكن تمكن ما هو فصيح ، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى الذي يزورنا ، بل الفصيح أكرمت الذي يزورنا فالذي يحسن إلينا ، أو أكرمت الذي يزورنا فيحسن إلينا .

وأما قوله : إما عطف ذات على ذات فلا يصح ، لأن فذلك إشارة إلى الذي يكذب ، فليسا بذاتين ، لأن المشار إليه بقوله :{ فَذَلِكَ } هو واحد .

وأما قوله : ويكون جواب { أَرَأَيْتَ } محذوفاً ، فلا يسمى جواباً ، بل هو في موضع المفعول الثاني لأرأيت .

وأما قوله : أنعم ما يصنع ، فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على نعم ولا بئس ، لأنهما إنشاء ، والاستفهام لا يدخل إلى على الخبر .

وأما وضعه المصلين موضع الضمير ، وأن المصلين جمع ، لأن ضمير الذي يكذب معناه الجمع ، فتكلف واضح ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلا على ما اقتضاه ظاهر التركيب ، وهكذا عادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة . وتقدّم الكلام في الرياء في سورة البقرة .

٦

الذين هم يراؤون

وقرأ الجمهور :

يراءون مضارع رأى ، على وزن فاعل ؛ وابن أبي إسحاق والأشهب : مهموزة مقصورة مشدّدة الهمزة ؛ وعن ابن أبي إسحاق : بغير شد في الهمزة . فتوجيه الأولى إلى أنه ضعف الهمزة تعدية ، كما عدوا بالهمزة فقالوا في رأى : أرى ، فقالوا : راأى ، فجاء المضارع بأرى كيصلى ، وجاء الجمع يروّون كيصلون ، وتوجيه الثانية أن استثقل التضعيف في الهمزة فخففها ، أو حذف الألف من يراءون حذفاً لا لسبب .

٧

ويمنعون الماعون

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } ، قال ابن المسيب وابن شهاب : الماعون ، بلغة قريش : المال . وقال الفرّاء عن بعض العرب : الماعون : الماء . وقال ابن مسعود وابن عباس وابن الحنفية والحسن والضحاك وابن زيد : ما يتعاطاه الناس بينهم ، كالفأس والدلو والآنية . وفي الحديث : { سئل صلى اللّه عليه وسلم عن الشيء الذي لا يحل منعه فقال : الماء والملح والنار} . وفي بعض الطرق : الإبرة والخمير . وقال عليّ وابن عمر وابن عباس أيضاً : الماعون : الزكاة ، ومنه قول الراعي : أخليفة الرحمن إنا معشر

حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

عرب نرى للّه من أموالنا

حق الزكاة منزلاً تنزيلا

قوم على الإسلام لما يمنعوا

ما عونهم ويضيعوا التهليلا

يعني بالماعون : الزكاة ، وهذا القول يناسبه ما ذكره قطرب من أن أصله من المعن ، وهو الشيء القليل ، فسميت الزكاة ماعوناً لأنها قليل من كثير ، وكذلك الصدقة غيرها .

وقال ابن عباس : هو العارية . وقال محمد بن كعب والكلبي : هو المعروف كله . وقال عبد اللّه بن عمر : منع الحق .

وقيل : الماء والكلأ .

﴿ ٠