٥

الذين هم عن . . . . .

ثم قال : { الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } ، نظراً إلى أنهم لا يوقعونها ، كما يوقعها المسلم من اعتقاد وجوبها والتقرب بها إلى اللّه تعالى . وفي الحديث عن صلاتهم ساهون : { يؤخرونها عن وقتها تهاوناً بها} . قال مجاهد : تأخير ترك وإهمال . وقال إبراهيم : هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا ملتفتاً . وقال قتادة : هو الترك لها ، أو هم الغافلون الذين لا يبالي أحدهم أصلى أم لم يصل . وقال قطرب : هو الذي لا يقر ولا يذكر اللّه تعالى .

وقال ابن عباس : المنافقون يتركون الصلاة سراً ويفعلونها علانية ، { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } ، ويدل على أنها في المنافقين قوله تعالى :{ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءونَ } ، وقاله ابن وهب عن مالك . قال ابن عباس : ولو قال في صلاتهم لكانت في المؤمنين . وقال عطاء : الحمد للّه الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم .

وقال الزمخشري : بعد أن قدم فيما نقلناه من كلامه ما يدل على أن { فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ } في موضع رفع ، قال : وطريقة أخرى أن يكون { فَذَلِكَ } عطفاً على { الَّذِى يُكَذّبُ } ، إما عطف ذات على ذات ، أو عطف صفة على صفة ، ويكون جواب { أَرَأَيْتَ } محذوفاً لدلالة ما بعده عليه ، كأن قال : أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء ، وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين ، أنعم ما يصنع ؟ ثم قال :{ فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ } : أي إذا علم أنه مسيء ، { فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ } على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم لأنهم كانوا مع التكذيب ، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم .

فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام ضمير { الَّذِى يُكَذّبُ } ، وهو واحد ؟

قلت : معناه الجمع ، لأن المراد به الجنس ، انتهى . فجعل فذلك في موضع نصب عطفاً على المفعول ، وهو تركيب غريب ، كقولك : أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا ، فالمتبادر إلى الذهن أن فذلك مرفوع بالابتداء ، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا . فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكن تمكن ما هو فصيح ، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى الذي يزورنا ، بل الفصيح أكرمت الذي يزورنا فالذي يحسن إلينا ، أو أكرمت الذي يزورنا فيحسن إلينا .

وأما قوله : إما عطف ذات على ذات فلا يصح ، لأن فذلك إشارة إلى الذي يكذب ، فليسا بذاتين ، لأن المشار إليه بقوله :{ فَذَلِكَ } هو واحد .

وأما قوله : ويكون جواب { أَرَأَيْتَ } محذوفاً ، فلا يسمى جواباً ، بل هو في موضع المفعول الثاني لأرأيت .

وأما قوله : أنعم ما يصنع ، فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على نعم ولا بئس ، لأنهما إنشاء ، والاستفهام لا يدخل إلى على الخبر .

وأما وضعه المصلين موضع الضمير ، وأن المصلين جمع ، لأن ضمير الذي يكذب معناه الجمع ، فتكلف واضح ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلا على ما اقتضاه ظاهر التركيب ، وهكذا عادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة . وتقدّم الكلام في الرياء في سورة البقرة .

﴿ ٥