سورة الكوثر١إنا أعطيناك الكوثر انحر : أمر من النحر ، وهو ضرب النحر للإبل بما يفيت الروح من محدود . الأبتر : الذي لا عقب له ، والبتر : القطع ، بترت الشيء : قطعته ، وبتر بالكسر فهو أبتر : انقطع ذنبه . وخطب زياد خطبته البتراء ، لأنه لم يحمد فيها اللّه تعالى ، ولا صلى على رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، ورجل أباتر ، بضم الهمزة : الذي يقطع رحمه ، ومنه قول الشاعر : لئيم بدت في أنفه خنزوانة على قطع ذي القربى أجذ أباتر والبترية : قوم من الزيدية نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر ، واللّه تعالى أعلم . {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ} هذه السورة مكية في المشهور ، وقول الجمهور : مدنية في قول الحسن وعكرمة وقتادة . ولما ذكر فيما قبلها وصف المنافق بالبخل وترك الصلاة والرياء ومنع الزكاة ، قابل في هذه السورة البخل ب { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } ، والسهو في الصلاة بقوله :{ فَصْلٌ } ، والرياء بقوله :{ لِرَبّكِ } ، ومنع الزكاة بقوله :{ وَانْحَرْ } ، أراد به التصدّق بلحم الأضاحي ، فقابل أربعاً بأربع . ونزلت في العاصي بن وائل ، كان يسمي الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالأبتر ، وكان يقول : دعوه إنما هو رجل أبتر لا عقب له ، لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه . وقرأ الجمهور :{ أَعْطَيْنَاكَ } بالعين ؛ والحسن وطلحة وابن محيصن والزعفراني : أنطيناك بالنون ، وهي قراءة مروية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال التبريزي : هي لغة للعرب العاربة من أولي قريش . ومن كلامه صلى اللّه عليه وسلم : { اليد العلياء المنطية واليد السفلى المنطاة} . ومن كلامه أيضاً ، عليه الصلاة والسلام : { وأنطوا النيحة} . وقال الأعشى : جيادك خير جياد الملوك تصان الحلال وتنطى السعيرا قال أبو الفضل الرازي وأبو زكريا التبرزي : أبدل من العين نوناً ؛ فإن عنيا النون في هذه اللغة مكان العين في غيرها فحسن ، وإن عنيا البدل الصناعي فليس كذلك ، بل كل واحد من اللغتين أصل بنفسها لوجود تمام التصرّف من كل واحدة ، فلا يقول الأصل العين ، ثم أبدلت النون منها . وذكر في التحرير : في الكوثر ستة وعشرين قولاً ، والصحيح هو ما فسره به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : { هو نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج} . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وفي صحيح مسلم ، واقتطعنا منه ، قال : { أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : اللّه ورسوله أعلم . قال : نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم } انتهى . قال ذلك عليه الصلاة والسلام عندما نزلت هذه السورة وقرأها . وقال ابن عباس : الكوثر : الخير الكثير . وقيل لابن جبير : إن ناساً يقولون : هو نهر في الجنة ، فقال : هو من الخير الكثير . وقال الحسن : الكوثر : القرآن . وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن وثاب : كثرة الأصحاب والأتباع . وقال هلال بن يساف : هو التوحيد . وقال جعفر الصادق : نور قلبه دله على اللّه تعالى وقطعه عما سواه . وقال عكرمة : النبوّة . وقال الحسن بن الفضل : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع . وقال ابن كيسان : الإيثار . وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل ، لا أن الكوثر منحصر في واحد منها . والكوثر فوعل من الكثرة ، وهو المفرط الكثرة . قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر . وقال الشاعر : وأنت كثير يا ابن مروان طيب وكان أبوك ابن العقائل كوثرا ٢فصل لربك وانحر {فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } : الظاهر أن فصل أمر بالصلاة يدخل فيها المكتوبات والنوافل . والنحر : نحر الهدى والنسك والضحايا ، قاله الجمهور ؛ ولم يكن في ذلك الوقت جهاد فأمر بهذين . قال أنس : كان ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة ، فأمر أن يصلي وينحر ، وقاله قتادة . وقال ابن جبير : نزلت وقت صلح الحديبية . قيل له : صل وانحر الهدى ، فعلى هذا الآية من المدني . وفي قوله :{ لِرَبّكِ } ، تنذير بالكفار حيث كانت صلاتهم مكاء وتصدية ، ونحرهم للأصنام . وعن علي ، رضي اللّه تعالى عنه : صل لربك وضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة . وقيل : ارفع يديك في استفتاح صلاتك عند نحرك . وعن عطية وعكرمة : هي صلاة الفجر بجمع ، والنحر بمنى . وقال الضحاك : استو بين السجدتين جالساً حتى يبد ونحرك . وقال أبو الأحوص : استقبل القبلة بنحرك . ٣إن شانئك هو . . . . . {إِنَّ شَانِئَكَ } : أي مبغضك ، تقدم أنه العاصي بن وائل . وقيل : أبو جهل . وقال ابن عباس : لما مات إبراهيم ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد ، فأنزل اللّه تعالى :{ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ} وقال شمر بن عطية : هو عقبة بن أبي معيط . وقال قتادة : الأبتر هنا يراد به الحقير الذليل . وقرأ الجمهور :{ شَانِئَكَ } بالألف ؛ وابن عباس : شينك بغير ألف . فقيل : مقصور من شاني ، كما قالوا : برر وبر في بارر وبار . ويجوز أن يكون بناء على فعل ، وهو مضاف للمفعول إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال ؛ وإن كان بمعنى الماضي فتكون إضافته لا من نصب على مذهب البصريين . وقد قالوا : حذر أموراً ومزقون عرضي ، فلا يستوحش من كونه مضافاً للمفعول ، وهو مبتدأ ، والأحسن الأعرف في المعنى أن يكون فصلاً ، أي هو المنفرد بالبتر المخصوص به ، لا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فجميع المؤمنين أولاده ، وذكره مرفوع على المنائر والمنابر ، ومسرود على لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر . يبدأ بذكر اللّه تعالى ويثني بذكره صلى اللّه عليه وسلم ، وله في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله وشرف وكرم . |
﴿ ٠ ﴾