سورة النصرمدنية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١إذا جاء نصر . . . . . هذه مدنية ، نزلت منصرفه صلى اللّه عليه وسلم من غزوة خيبر ، وعاش بعد نزولها سنتين . وقال ابن عمر : نزلت في أوسط أيام التشريق بمنى في حجة الوداع ، وعاش بعدها ثمانين يوماً أو نحوها صلى اللّه عليه وسلم. ولما كان في قوله : { لَكُمْ دِينَكُمْ } موادعة ، جاء في هذه بما يدل على تخويفهم وتهديدهم ، وأنه آن مجيء نصر اللّه ، وفتح مكة ، واضمحلال ملة الأصنام ، وإظهار دين اللّه تعالى . قال الزمخشري :{ إِذَا } منصوب بسبح ، وهو لما يستقبل ، والإعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة ، انتهى . وكذا قال الحوفي ، ولا يصح إعمال { فسيح } في { قَبْلِكُمْ إِذَا } لأجل الفاء ، لأن الفاء في جواب الشرط لا يتسلط الفعل الذي بعدها على اسم الشرط ، فلا تعمل فيه ، بل العامل في إذا الفعل الذي بعدها على الصحيح المنصور في علم العربية ، وقد استدللنا على ذلك في شرح التسهيل وغيره ، وإن كان المشهور غيره . والنصر : الإعانة والإظهار على العدو ، والفتح : فتح البلاد . ومتعلق النصر والفتح محذوف ، فالظاهر أنه نصر رسوله صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين على أعدائهم ، وفتح مكة وغيرها عليهم ، كالطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن . وقيل : نصره صلى اللّه عليه وسلم على قريش وفتح مكة ، وكان فتحها لعشر مضين من رمضان ، سنة ثمان ، ومعه عليه الصلاة والسلام عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار . ٢ورأيت الناس يدخلون . . . . . وقرأ الجمهور : { يَدْخُلُونَ } مبنياً للفاعل ؛ وابن كثير في رواية : مبنياً للمفعول .{ فِى دِينِ اللّه } : في ملة الإسلام الذي لا دين له يضاف غيرها .{ أَفْوَاجاً } أي جماعات كثيرة ، كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعدما كانوا يدخلون فيه واحداً بعد واحد ، واثنين اثنين . قال الحسن : لما فتح عليه الصلاة والسلام مكة ، أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا : أما الظفر بأهل الحرم فليس به يدان ، وقد كان اللّه تعالى أجارهم من أصحاب الفيل . وقال أبو عمر بن عبد البر : لم يمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي العرب رجل كافر ، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين . منهم من قدم ، ومنهم من قدّم وافده . قال ابن عطية : والمراد ، واللّه أعلم ، العرب عبدة الأوثان . وأما نصارى بني ثعلب فما أراهم أسلموا قط في حياة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، لكن أعطوا الجزية . وقال مقاتل وعكرمة : المراد بالناس أهل اليمن ، وفد منهم سبعمائة رجل . وقال الجمهور : وفود العرب ، وكان دخولهم بين فتح مكة وموته صلى اللّه عليه وسلم. و { أَفْوَاجاً } : جمع فوج . قال الحوفي : وقياس جمعه أفوج ، ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدّل إلى أفواج ، كأنه يعني أنه كان ينبغي أن يكون معتل العين كالصحيح . فكما أن قياس فعل صحيحها أن يجمع على أفعل لا على أفعال ، فكذلك هذا ؛ والأمر في هذا المعتل بالعكس . القياس فيه أفعال ، كحوض وأحواض ، وشذ فيه أفعل ، كثوب وأثوب ، وهو حال . ويدخلون حال أو مفعول ثان إن كان { أَرَأَيْتَ } بمعنى علمت المتعدية لاثنين . وقال الزمخشري : إما على الحال على أن أرأيت بمعنى أبصرت أو عرفت ، انتهى . ولا نعلم رأيت جاءت بمعنى عرفت ، فنحتاج في ذلك إلى استثبات . ٣فسبح بحمد ربك . . . . . {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } : أي ملتبساً بحمده على هذه النعم التي خولكها ، من نصرك على الأعداء وفتحك البلاد وإسلام الناس ؛ وأي نعمة أعظم من هذه ، إذ كل حسنة يعملها المسلمون فهي في ميزانه . وعن عائشة : كان صلى اللّه عليه وسلم يكثر قبل موته أن يقول : { سبحانك اللّهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك} . قال الزمخشري : والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية ، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفاً لأمته ، ولأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس ، فهو عبادة في نفسه . وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم : { إني لأستغفر اللّه في اليوم والليلة مائة مرة } ، انتهى . وقد علم هو صلى اللّه عليه وسلم من هذه السورة دنو أجله ، وحين قرأها عليه الصلاة والسلام استبشر الصحابة وبكى العباس ، فقال : { وما يبكيك يا عم ؟ } قال : نعيت إليك نفسك ، فقال : { إنها لكما تقول } ، فعاش بعدها سنتين . { إِنَّهُ كَانَ تَوبَا } : فيه ترجئة عظيمة للمستغفرين . |
﴿ ٠ ﴾