سورة الإخلاص

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قل هو اللّه . . . . .

الصمد : فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده ، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج ويستقل بها ، قال : ألا بكر الناعي بخير بني أسد

بعمرو بن مسعود بالسيد الصمد

وقال آخر : علوته بحسام ثم قلت له

خذها خزيت فأنت السيد الصمد

الكفو : النظير .

{قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ اللّه الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}

هذه السورة مكية في قول عبد اللّه والحسن وعكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة ، مدنية في قول ابن عباس ومحمد بن كعب وأبي العالية والضحاك .

ولما تقدم فيما قبلها عداوة أقرب الناس إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وهو عمه أبو لهب ، وما كان يقاسي من عباد الأصنام الذين اتخذوا مع اللّه آلهة ، جاءت هذه السورة مصرحة بالتوحيد ، رادة على عباد الأوثان والقائلين بالثنوية وبالتثليث وبغير ذلك من المذاهب المخالفة للتوحيد .

وعن ابن عباس ، أن اليهود قالوا : يا محمد صف لنا ربك وانسبه ، فنزلت . وعن أبي العالية ، قال قادة الأحزاب : انسب لنا ربك ، فنزلت . فإن صح هذاالسبب ، كان هو ضميراً عائداً على الرب ، أي { قُلْ هُوَ اللّه } أي ربي اللّه ، ويكون مبتدأ وخبراً ، وأحد خبر ثان .

وقال الزمخشري : وأحد يدل من قوله :{ اللّه } ،أو على هو أحد ، انتهى . وإن لم يصح السبب ، فهو ضمير الأمر ، والشان مبتدأ ، والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر هو ، وأحد بمعنى واحد ، أي فرد من جميع جهات الوحدانية ، أي في ذاته وصفاته لا يتجزأ . وهمزة أحد هذا بدل من واو ، وإبدال الهمزة مفتوحة من الواو قليل ، من ذلك امرأة إناة ، يريدون وناة ، لأنه من الوني وهو الفتور ، كما أن أحداً من الوحدة . وقال ثعلب : بين واحد وأحد فرق ، الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان ، والأحد لا يدخله . يقال : اللّه أحد ، ولا يقال : زيد أحد ، لأن اللّه خصوصية له الأحد ، وزيد تكون منه حالات ، انتهى . وما ذكر من أن أحداً لا يدخله ما ذكر منقوض بالعدد .

وقرأ أبان بن عثمان ، وزيد بن علي ، ونصر بن عاصم ، وابن سيرين ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو السمال ، وأبو عمرو في رواية يونس ، ومحبوب ،

والأصمعي ، واللؤلؤي ، وعبيد ، وهارون عنه : { أَحَدٌ اللّه } بحذف التنوين لالتقائه مع لام التعريف وهو موجود في كلام العرب وأكثر ما يوجد في الشعر نحو قوله :

ولا ذاكراً اللّه إلا قليلاً

ونحو قوله :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

٢

اللّه الصمد

{اللّه الصَّمَدُ } : مبتدأ وخبر ، والأفصح أن تكون هذه جملاً مستقلة بالأخبار على سبيل الاستئناف ، كما تقول : زيد العالم زيد الشجاع .

وقيل : الصمد صفة ، والخبر في الجملة بعده ، وتقدم شرح الصمد في المفردات . وقال الشعبي ، ويمان بن رياب : هو الذي لا يأكل ولا يشرب . وقال أبيّ بن كعب : يفسره ما بعده ، وهو قوله :{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وقال الحسن : الصمد : المصمت الذي لا جوف له ، ومنه قوله : شهاب حروب لا تزال جياده

عوابس يعلكن الشكيم المصمدا

وفي كتاب التحرير أقوال غير هذه لا تساعد عليها اللغة . وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد ، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم .

٣

انظر تفسير الآية:٤

٤

لم يلد ولم . . . . .

قال الزمخشري : { لَمْ يَلِدْ } ، لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ، ودل على هذا المعنى بقوله :{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ}{ وَلَمْ يُولَدْ } : لأن كل مولود محدث وجسم ، وهو قديم لا أول لوجوده ، وليس بجسم ولم يكافئه أحد . يقال له كفو ، بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء ، وبضم الكاف مع ضم الفاء .

وقرأ حمزة وحفص : بضم الكاف وإسكان الفاء ، وهمز حمزة ، وأبدلها حفص واواً . وباقي السبعة : بضمهما والهمز ، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع ،

وفي رواية عن نافع أيضاً كفا من غير همز ، نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة .

وقرأ سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس : كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد ، كما قال النابغة :

لا تعذفني بركن لا كفاء له

الأعلم لا كفاء له : لا مثيل له . وقال مكي سيبويه : يختار أن يكون الظرف خبراً إذا قدمه ، وقد خطأه المبرد بهذه الآية ، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبراً ، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم ، إنما أجاز أن يكون خبراً وأن لا يكون خبراً . ويجوز أن يكون حالاً من النكرة وهي أحد . لما تقدم نعتها عليها نصب على الحال ، فيكون له الخبر على مذهب سيبويه واختياره ، ولا يكون للمبرد حجة على هذا القول ، انتهى . وخرجه ابن عطية أيضاً على الحال .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه ، فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه ؟

قلت : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى ، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف ، فكان لذلك أهم شيء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه ، انتهى .

وهذه الجملة ليست من هذا الباب ، وذلك أن قوله :{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ليس الجار والمجرور فيه تاماً ، إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً لكان ، بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه . فالتقدير : ولم يكن أحد كفواً له ، أي مكافئه ، فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً . وتقدم على كفواً للاهتمام به ، إذ فيه ضمير الباري تعالى . وتوسط الخبر ، وإن كان الأصل

التأخر ، لأن تأخر الاسم هو فاصلة فحسن ذلك . وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره أن له الخبر وكفواً حال من أحد ، لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً ، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه .

وسيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً ، ويصلح أن يكون غير خبر . قال سيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً ، ويصلح أن يكون غير خبر . قال سيبويه : وتقول : ما كان فيها أحد خير منك ، وما كان أحد مثلك فيها ، وليس أحد فيها خير منك ، إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك : فيها زيد قائم . أجريت الصفة على الاسم ، فإن جعلته على : فيها زيد قائم ، نصبت فتقول : ما كان فيها أحد خيراً منك ، وما كان أحد خيراً منك فيها ، إلا أنك إذا أردت الإلغاء ، فكلما أخرت الملغى كان أحسن . وإذا أردت أن يكون مستقراً ، فكلما قدمته كان أحسن ، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير .

قال تعالى : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} وقال الشاعر :

ما دام فيهن فصيل حياً

انتهى . وما نقلناه ملخصاً . وهو بألفاظ سيبويه ، فأنت ترى كلامه وتمثيله بالظرف الذي يصلح أن يكون خبراً . ومعنى قوله : مستقراً ، أي خبراً للمبتدأ ولكان .

فإن قلت : فقد مثل بالآية الكريمة .

قلت : هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه ، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام هو في قوله :

ما دام فيهن فصيل حياً

أجرى فضلة لا خبراً . كما أن له في الآية أجرى فضلة ، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً ، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله : ولم يكن له أحد ، بل لو تأخر كفواً وارتفع على الصفة وجعل له خبراً ، لم ينعقد منه كلام ، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو كفو ، وله متعلق به ، والمعنى : ولم يكن له أحد مكافئه . وقد جاء في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة ، ومنها أنها تعدل ثلث القرآن ، وقد تكلم العلماء على ذلك ، وليس هذا موضعه ، واللّه الموفق .

﴿ ٠