٤لم يلد ولم . . . . . قال الزمخشري : { لَمْ يَلِدْ } ، لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ، ودل على هذا المعنى بقوله :{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ}{ وَلَمْ يُولَدْ } : لأن كل مولود محدث وجسم ، وهو قديم لا أول لوجوده ، وليس بجسم ولم يكافئه أحد . يقال له كفو ، بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء ، وبضم الكاف مع ضم الفاء . وقرأ حمزة وحفص : بضم الكاف وإسكان الفاء ، وهمز حمزة ، وأبدلها حفص واواً . وباقي السبعة : بضمهما والهمز ، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع ، وفي رواية عن نافع أيضاً كفا من غير همز ، نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة . وقرأ سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس : كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد ، كما قال النابغة : لا تعذفني بركن لا كفاء له الأعلم لا كفاء له : لا مثيل له . وقال مكي سيبويه : يختار أن يكون الظرف خبراً إذا قدمه ، وقد خطأه المبرد بهذه الآية ، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبراً ، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم ، إنما أجاز أن يكون خبراً وأن لا يكون خبراً . ويجوز أن يكون حالاً من النكرة وهي أحد . لما تقدم نعتها عليها نصب على الحال ، فيكون له الخبر على مذهب سيبويه واختياره ، ولا يكون للمبرد حجة على هذا القول ، انتهى . وخرجه ابن عطية أيضاً على الحال . وقال الزمخشري : فإن قلت : الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه ، فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه ؟ قلت : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى ، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف ، فكان لذلك أهم شيء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه ، انتهى . وهذه الجملة ليست من هذا الباب ، وذلك أن قوله :{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ليس الجار والمجرور فيه تاماً ، إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً لكان ، بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه . فالتقدير : ولم يكن أحد كفواً له ، أي مكافئه ، فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً . وتقدم على كفواً للاهتمام به ، إذ فيه ضمير الباري تعالى . وتوسط الخبر ، وإن كان الأصل التأخر ، لأن تأخر الاسم هو فاصلة فحسن ذلك . وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره أن له الخبر وكفواً حال من أحد ، لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً ، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه . وسيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً ، ويصلح أن يكون غير خبر . قال سيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً ، ويصلح أن يكون غير خبر . قال سيبويه : وتقول : ما كان فيها أحد خير منك ، وما كان أحد مثلك فيها ، وليس أحد فيها خير منك ، إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك : فيها زيد قائم . أجريت الصفة على الاسم ، فإن جعلته على : فيها زيد قائم ، نصبت فتقول : ما كان فيها أحد خيراً منك ، وما كان أحد خيراً منك فيها ، إلا أنك إذا أردت الإلغاء ، فكلما أخرت الملغى كان أحسن . وإذا أردت أن يكون مستقراً ، فكلما قدمته كان أحسن ، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير . قال تعالى : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} وقال الشاعر : ما دام فيهن فصيل حياً انتهى . وما نقلناه ملخصاً . وهو بألفاظ سيبويه ، فأنت ترى كلامه وتمثيله بالظرف الذي يصلح أن يكون خبراً . ومعنى قوله : مستقراً ، أي خبراً للمبتدأ ولكان . فإن قلت : فقد مثل بالآية الكريمة . قلت : هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه ، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام هو في قوله : ما دام فيهن فصيل حياً أجرى فضلة لا خبراً . كما أن له في الآية أجرى فضلة ، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً ، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله : ولم يكن له أحد ، بل لو تأخر كفواً وارتفع على الصفة وجعل له خبراً ، لم ينعقد منه كلام ، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو كفو ، وله متعلق به ، والمعنى : ولم يكن له أحد مكافئه . وقد جاء في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة ، ومنها أنها تعدل ثلث القرآن ، وقد تكلم العلماء على ذلك ، وليس هذا موضعه ، واللّه الموفق . |
﴿ ٤ ﴾