٤٩{ وإذ نجيناكم } يعني أسلافكم وأجدادكم فاعتدها منةً عليهم لأنهم نجوا بنجاتهم { من آل فرعون } أتباعه وأهل دينه، وفرعون هو الوليد مصعب بن الريان وكان من القبط العماليق وعمر أكثر من أربعمائة سنة { يسومونكم } يكلفونكم ويذيقونكم، { سوء العذاب } أشد العذاب وأسوأه وقيل يصرفونكم في العذاب مرة هكذا ومرة هكذا كالإبل السائمة في البرية، وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدماً وخولاً وصنفهم في الأعمال فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمونه، ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليه الجزية. وقال وهب كانوا أصنافاً في أعمال فرعون، فذوو القوة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها، وطائفة ينقلون الحجارة، وطائفة يبنون له القصور، وطائفة منهم يضربون اللبن ويطبخون الآجر، وطائفة نجارون وحدادون، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ضريبة يؤدونها كل يوم، فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته غلت يمينه إلى عنقه شهراً، والنساء يغزلن الكتان وينسجن، وقيل تفسيره ذكر ما بعده { يذبحون أبناءكم } فهو مذكور على وجه البدل من قوله - يسومونكم سوء العذاب { ويستحيون نساءكم } يتركونهن أحياء، وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرض لبني إسرائيل فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه؟ فقالوا يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولاجارية إلا تركت، ووكل بالقوابل، فكن يفعلن ذلك حتى قيل إنه قتل في بني إسرائيل اثنى عشر ألف صبي في طلب موسى. وقال وهب بلغني أنه ذبح في طلب موسى عليه السلام تسعين ألف وليد. قالوا وأسرع الموت في مشيخه بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون وقالوا إن الموت قد وقع في بني إسرائيل أفتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا؟ فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة، فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها، وموسى في السنة التي يذبحون فيها. { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } قيل البلاء المحنة، أي في سومهم إياكم سوء العذاب محنة عظيمة، وقيل البلاء النعمة أي في إنجائي إياكم منهم نعمة عظيمة، فالبلاء يكون بمعنى النعمة وبمعنى الشدة، فاللّه تعالى قد يختبر على النعمة بالشكر، وعلى الشدة بالصبر وقال اللّه تعالى { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } (٣٥-الأنبياء). |
﴿ ٤٩ ﴾