١٩٥

قوله تعالى { وأنفقوا في سبيل اللّه } أراد به الجهاد وكل خير هو في سبيل اللّه، ولكن إطلاقه ينصرف إلى الجهاد { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قيل الباء في

قوله تعالى { بأيديكم } زائدة، يريد ولا تلقوا أيديكم، أي أنفسكم { إلى التهلكة } عبر عن النفس بالأيدي ك

قوله تعالى { بما كسبت أيديكم } (٣٠-الشورى) أي بما كسبتم،

وقيل الباء في موضعها، وفيه حذف، أي لاتلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة أي الهلاك،

وقيل التهلكة كل شيء يصير عاقبته إلى الهلاك، أي ولا تأخذوا في ذلك،

وقيل التهلكة ما يمكن الاحتراز عنه، والهلاك مالا يمكن الاحتراز عنه، والعرب لا تقول للإنسان ألقى بيده إلا في الشرك،

واختلفوا في تأويل هذه الآية فقال بعضهم هذا في البخل وترك الإنفاق. يقول { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } بترك الإنفاق في سبيل اللّه وهو قول حذيفة و الحسن و قتادة و عكرمة و عطاء .

وقال ابن عباس في هذه الآية أنفق في سبيل اللّه وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص، ولا يقولن أحدكم إني لا أجد شيئاً، وقال السدي بها أنفق في سبيل اللّه ولو عقالاً { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ولا تقل ليس عندي شيء، وقال سعيد بن المسيب و مقاتل بن حيان  لما أمر اللّه تعالى بالإنفاق قال رجل أمرنا بالنفقة في سبيل اللّه، ولو انفقنا أموالنا بقينا فقراء، فأنزل اللّه هذه الآية، وقال مجاهد فيها لا يمنعنكم من نفقة في حق خيفة العيلة.

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي

أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري

أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني

أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة

أخبرنا أبو غسان

أخبرنا خالد بن عبد اللّه الواسطي

أخبرنا واصل مولى أبي عيينة عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غضيف قال أتينا أبا عبيدة نعوده قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول { من أنفق نفقة فاضلة في سبيل اللّه فبسبعمائة، ومن أنفق نفقة على أهله فالحسنة بعشر أمثالها }. وقال زيد بن أسلم  كان رجال يخرجون في البعوث بغير نفقة فإما أن يقطع بهم، وإما أن كانوا عيالاً فأمرهم اللّه تعالى بالإنفاق على أنفسهم في سبيل اللّه، ومن لم يكن عنده شيء ينفقه فلا يخرج بغير نفقة ولا قوت فيلقي بيده إلى التهلكة، فالتهلكة أن يهلك من الجوع والعطش أو بالمشي،

وقيل أنزلت الآية في ترك الجهاد، قال أبو أيوب الأنصاري  نزلت فينا معشر الأنصار وذلك أن اللّه تعالى لما أعز دينه ونصر رسوله قلنا فيما بيننا إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا حتى فشا الإسلام ونصر اللّه نبيه فلو رجعنا إلى أهلينا وأموالنا فأقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها،

فأنزل اللّه تعالى { وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فالتهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد، فما زال أبو أيوب يجاهد في سبيل اللّه حتى كان آخر غزوة غزاها بقسطنطينية في زمن معاوية فتوفي هناك ودفن في أصل سور القسطنطينية وهم يستسقون به. وروي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق }. وقال محمد بن سيرين و عبيدة السلماني  الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة اللّه تعالى، قال أبو قلابة  هو الرجل يصيب الذنب فيقول قد هلكت ليس لي توبة فييأس من رحمة اللّه، وينهمك في المعاصي، فنهاهم اللّه تعالى عن ذلك، قال اللّه تعالى { إنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون } (٨٧-يوسف).

قوله تعالى { وأحسنوا } [أي أحسنوا أعمالكم وأخلاقكم وتفضلوا على الفقراء { إن اللّه يحب المحسنين }]

﴿ ١٩٥