٢٥١

{ فهزموهم بإذن اللّه } أي بعلم اللّه تعالى { وقتل داود جالوت } وصفة قتله قال أهل التفسير عبر النهر مع طالوت فيمن عبر إيشا أبو داود في ثلاثة عشر ابناً له وكان أصغرهم وكان يرمي بالقذافة فقال لأبيه يوماً يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئاً إلا صرعته فقال أبشر يا بني فإن اللّه جعل رزقك في قذافتك، ثم أتاه مرة أخرى فقال يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسداً رابضاً فركبته فأخذت بأذنيه فلم يهجني، فقال أبشر يا بني فإن هذا خير يريده اللّه بك ثم أتاه يوماً آخر فقال يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح فما يبقى جبل إلا سبح معي، فقال أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه اللّه تعالى فأرسل جالوت إلى طالوت أن أبرز إلي أو أبرز إلي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فشق ذلك على طالوت فنادى في عسكره من قتل جالوت زوجته ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد فسأل طالوت نبيهم أن يدعو اللّه تعالى فدعا اللّه في ذلك، فأتى بقرن فيه دهن القدس وتنور من حديد فقيل إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذيث يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن حتى يدهن منه رأسه ولا يسيل على وجهه ويكون على رأسه كهيئة الإكليل ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم فلم يوافقه منهم أحد فأوحى اللّه إلى نبيهم أن في ولد إيشا من يقتل اللّه به جالوت فدعا طالوت إيشا فقال اعرض علي بنيك فأخرج له اثنى عشر رجلاً أمثال السواري فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئاً فقال لإيشا هل بقي لك ولد غيرهم فقال لا، فقال النبي يارب إنه زعم أن لا ولد له غيرهم، فقال كذب، فقال النبي إن ربي كذبك فقال صدق اللّه يا نبي اللّه إن لي ابناً صغيراً يقال له داود استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته (فخلفته) في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا وكذا، وكان داود رجلاً قصيراً مسقاماً مصفاراً أزرق أمعر، فدعاه طالوت،

ويقال بل خرج طالوت إليه فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها، فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء فلما رآه قال هذا هو لا شك فيه، هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم فدعاه ووضع القرن على رأسه ففاض فقال طالوت هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي قال نعم قال وهل آنست من نفسك شيئاً تتقوى به على قتله؟ قال نعم، أنا أرعى فيجئ الأسد أو النمر أو الذئب فيأخذ شاه فأقوم إليه فأفتح لحييه عنها وأضرقها إلى قفاه، فرده إلى عسكره، فمر داود عليه السلام في طريقه بحجر آخر فقال احملني فإني حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا، فحمله في مخلاته، ثم مر بحجر آخر فقال احملني فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت فوضعه في مخلاته، فلما تصافوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة انتدب له داود فأعطاه طالوت فرساً ودرعاً وسلاحاً فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريباً ثم انصرف إلى الملك فقال من حوله جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال ما شأنك؟ فقال إن اللّه إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئاً، فدعني أقاتل كما أريد، قال فاقعل ما شئت قال نعم، فأخذ داود مخلاته فتقلدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الرجال وأقواهم، وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد فلما نظر إلى داود ألقي في قلبه الرعب فقال له أنت تبرز إلي؟ قال نعم. وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التام، قال فأتيني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب؟ قال نعم أنت شر من الكلب، قال لاجرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء قال داود أو يقسم اللّه لحمك، فقال داود باسم إله إبراهيم

وأخرج حجراً ثم أخرج الآخر وقال باسم إله إسحاق ووضعه في مقلاعه ثم أخرج الثالث وقال باسم إله يعقوب ووضعه في مقلاعه فصارت كلها حجراً واحداً ودور داود المقلاع ورمى به فسخر اللّه له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة فخالط دماغه وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلاً، وهزم اللّه تعالى الجيش وخر جالوت قتيلاً فأخذه يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرح المسلمون فرحاً شديداً، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين والناس يذكرون داود فجاء داود طالوت وقال أنجز لي ما وعدتني، فقال أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود ما شرطت على صداقاً وليس لي شيء فقال لا أكلفك إلا ما تطيق أنت رجل جريء وفي حيالنا أعداء لنا غلف فإذا قتلت منهم مائتي رجل وجئتني بغلفهم زوجتك ابنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحداً منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم غلفهم فجاء بها إلى طالوت فألقى إليه وقال ادفع إلي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود وأحبوه وأكثروا ذكره، فحسده طالوت وأراد قتله فأخبر بذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فقالت لداود إنك مقتول في هذه الليلة قال ومن يقتلني؟ قالت أبي قال وهل أجرمت جرماً قالت حدثني من لا يكذب ولا عليك أن تغيب الليلة حتى ننظر مصداق ذلك، فقال لئن كان أراد اللّه ذلك لا أستطيع خروجاً ولكن ائتيني بزق خمر فأتت به فوضعه في مضجعه على السرير وسجاه ودخل تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لها أين بعلك؟ فقالت هو نائم على السرير فضربه بالسيف ضربة فسال الخمر فلما وجد ريح الشراب قال يرحم اللّه داود ما كان أكثر شربه للخمر، وخرج. فلما أصبح علم أنه لم يفعل شيئاً فقال إن رجلاً طلبت منه ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدرك مني ثأره فاشتد حجابه وحراسه وأغلق دونه أبوابه، ثم إن داود أتاه ليلة وقد هدأت العيون فأعمى اللّه سبحانه الحجبة وفتح له الأبواب فدخل عليه وهو نائم على فراشه، فوضع سهماً عند رأسه وسهماً عند رجليه سهماً عن يمينه وسهماً عن شماله ثم خرج، فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال يرحم اللّه تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي فكف عني ولو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه، فلما كانت القابلة أتاه ثانياً وأعمى اللّه الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ إبريق طالوت الذي يتوضأ منه وكوزه الذي كان يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيئاً من هدب ثيابه، ثم خرج وهرب وتوارى، فلما أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه، ثم إن طالوت ركب يوماً فوجد داود يمشي في البرية فقال اليوم أقتله فركض على أثره، فاشتد داود وكان إذا فزع لم يدرك، فدخل غاراً فأوحى اللّه تعالى إلى العنكبوت فنسج عليه بيتاً فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال لو كان دخل هاهنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى، فانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه فطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله، وأغرى بقتل العلماء فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل يطيق قتله إلا قتله، حتى أتي بامرأة تعلم اسم اللّه الأعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز وقال لعنا نحتاج إلى عالم فتركها فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل، وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس. وكان كل ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي أنشد اللّه عبداً يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بها، فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتاً فازداد بكاء وحزناً فرحمه الخباز فقال مالك أيها الملك؟ قال هل تعلم لي في الأرض عالماً أسأله هل لي من توبة فقال الخباز إنما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطير منه فقال لا تتركوا في القرية ديكاً إلا ذبحتموه، فلما أراد أن ينام قال لأصحابه إذا صاح الديك فأيقظونا حتى ندلج فقالوا له وهل تركت ديكاً نسمع صوته؟ ولكن هل تركت عالماً في الأرض؟ فازداد حزناً وبكاء فلما رأى الخباز ذلك قال له أرأيتك إن دللتك على عالم لعلك أن تقتله قال لا فتوثق عليه الخباز فأخبره أن المرأة العالمة عنده قال انطلق بي إليها فسألها هل لي من توبة؟ وكانت من أهل بيت يعلم الاسم الأعظم فإذا فنيت رجالهم علمت نساؤهم فلما بلغ طالوت الباب قال الخباز إنها إذا رأتك فزعت فخلفه خلفه ثم دخله عليها فقال لها ألست أعظم الناس منةً عليك أنجيتك من القتل وآويتك، قالت بلى، فإن لي إليك حاجة هذا طالوت يسأل هل لي من توبة؟ فغشي عليها من الفرق فقال لها إنه لا يريد قتلك ولكن يسألك هل له من توبة؟ قالت لا واللّه لا أعلم لطالوت توبة، ولكن هل تعلمون مكان قبر نبي؟ فانطلق بهما إلى قبر إشمويل فصلت ودعت ثم نادت يا صاحب القبر فخرج إشمويل من القبر ينفض رأسه من التراب فلما نظر إليهم ثلاثتهم قال ما لكم أقامت القيامة؟ قالت لا ولكن طالوت يسألك هل له من توبة؟ قال إشمويل يا طالوت ما فعلت بعدي؟ قال لم أدع من الشر إلا فعلته وجئت أطلب التوبة قال كم لك من الولد؟ قال عشرة رجال، قال ما أعلم لك من توبة إلا أن تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل اللّه، ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت حتى آخرهم، ثم رجع إشمويل إلى القبر وسقط ميتاً، ورجع طالوت أحزن ما كان رهبة أن لا يتابعه ولده وقد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فدخل عليه أولاده فقال لهم أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تفدونني؟ قالوا نعم نفديك بما قدرنا عليه قال فإنها النار إن لم تفعلوا ما أقول لكم قالوا فاعرض علينا فذكر لهم القصة، قالوا وإنك لمقتول قال نعم، قالوا فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت، فتجهز بماله وولده فتقدم ولده وكانوا عشرة فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ثم شد هو بعدهم حتى قتل فجاء قاتله إلى داود ليبشره وقال قتلت عدوك فقال داود قتلت عدوك فقال داود ما أنت بالذي تحيا بعده، فضرب عنقه، وكان ملك طالوت إلى أن قتل أربعين سنة وأتى بنو إسرائيل إلى داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم. قال الكلبي و الضحاك  ملك داود بعد قتل طالوت سبع سنين ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود فذلك

قوله تعالى { وآتاه اللّه الملك والحكمة } يعني النبوة، جمع اللّه لداود بين الملك والنبوة ولم يكن من قبل، بل كان الملك في سبط والحكمة هو العلم مع العمل.

قوله تعالى { وعلمه مما يشاء } قال الكلبي وغيره يعني صنعة الدروع وكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل إلا من عمل يده،

وقيل منطق الطير (وكلام الحكل) والنمل والكلام الحسن

وقيل هو الزبور

وقيل هو الصوت الطيب والألحان فلم يعط اللّه أحداً من خلقه مثل صوته، وكان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها وتظله الطير مصيخة له ويركد الماء (الجاري) ويسكن الريح. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما هو أن اللّه تعالى أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النار وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان الؤلؤ الرطب فلا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة، فعلم داود ذلك الحدث، ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت، فمن تعدى على صاحبه وأنكر له حقاً أتى السلسلة فمن كان صادقاً مد يده إلى السلسلة فتناولها، ومن كان كاذباً لم ينلها فكانت كذلك إلى أن ظهر بهم المكر والخديعة فبلغنا أن بعض ملوكها أودع رجلاً جوهرة ثمينة فلما استردها أنكر فتحاكما إلى السلسلة، فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكازة فنقرها وضمنها الجوهرة واعتمد عليها حتى حضر السلسلة فقال صاحب الجوهرة رد علي الوديعة

فقال صاحبه ما أعرف لك عندي من وديعة فإن كنت صادقاً فتناول السلسلة، فتناولها بيده فقيل للمنكر قم أنت فتناولها فقال لصاحب الجوهرة خذ عكازي هذه فاحفظها حتى أتناول السلسلة فأخذها عنده قم قام المنكر نحو السلسلة فأخذها فقال الرجل اللّهم إن كنت تعلم أن هذه الوديعة التي يدعيها علي قد وصلت إليه فقرب مني السلسلة فمد يده فتناولها فتعجب القوم وشكوا فيها فأصبحوا وقد رفع اللّه السلسلة.

قوله تعالى { ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض } قرأ أهل المدينة و يعقوب دفاع اللّه بالألف هاهنا وفي سورة الحج، وقرأ الآخرون بغير الألف لأناللّه تعالى لا يغالبه أحد وهو الدافع وحده، ومن قرأ بالألف قال قد يكون الدفاع من واحد مثل قول العرب أحسن اللّه عنك الدفاع، قال ابن عباس و مجاهد  ولولا دفع اللّه بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين، وخربوا المساجد والبلاد، وقال سائر المفسرين لولا دفع اللّه بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها، ولكن اللّه يدفع بالمؤمن عن الكافر بالصالح عن الفاجر.

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي

أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد اللّه بن فنجويه أنا أبو بكر بن خرجة أنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل أنا أبو حميد الحمصي أنا يحيى بن سعيد العطار أنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { إن اللّه عز وجل ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء } ثم قرأ { ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن اللّه ذو فضل على العالمين }

﴿ ٢٥١