سورة ال عمران

١

{بسم اللّه الرحمن الرحيم} ،

قوله تعالى{ الم * اللّه } قال الكلبي و الربيع بن أنس وغيرهما نزلت هذه الآيات في وفد نجران وكانوا ستين راكباً قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم العاقب  أمير القوم وصاحب مشورتهم ، الذي لايصدرون إلا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم. دخلوا مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات - جبب وأردية في (جمال) رجال الحارث بن كعب، يقول من رآهم  ما رأينا وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا للصلاة في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  {دعوهم}، فصلوا إلى المشرق ،(فسلم) السيد و العاقب فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {أسلما} قالا أسلمنا قبلك قال { كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما للّه ولداً وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير} ، قالا إن لم يكن عيسى ولداً للّه فمن يكون أبوه ؟ وخاصموه جميعاً في عيسى ، فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم {ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟} قالوا بلى قال {ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شئ يحفظه ويرزقه } قالوا بلى ، قال { فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً}؟ قالوا لا ، قال {ألستم تعلمون أن اللّه لايخفي عليه شئ بفي الأرض ولا في السماء؟} قالوا بلى ، قال {فهل يعلم عيسى عن ذلك شيئاً إلا ما علم ؟} قالوا  لا، قال {فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء (وربنا ليس بذي صورة وليس له مثل) وربنا لا يأكل ولا يشرب}، قالوا بلى، قال { ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأه ثم وضعته كما تضع المرأه ولدها ، ثم غذى كما يغذي الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟} ، قالوا بلى ، قال { فكيف يكون هذا كما زعمتم؟}،فسكتوا ،

فأنزل اللّه تعالى صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها. فال عز من قائل  { الم * اللّه } مفتوح الميم ، موصول عند العامة ، وانما فتح الميم لالتقاء الساكنين ، حرك إلى اخف الحركات ، وقرأ أبو يوسف ويعقوب بن خليفة الأعشى عن أبي بكر { الم * اللّه } مقطوعاً سكن الميم على نية الوقف ثم قطع الهمزة للابتداء وأجراه على لغة من يقطع ألف الوصل.

٢

قوله تعالى {اللّه} ابتداء وما بعده خبر، والحي القيوم نعت له .

٣

{نزل عليك الكتاب} أي القرآن {بالحق} بالصدق{مصدقاً لما بين يديه}‌ لما قبله من الكتب في التوحيد والنبوات والأخبار وبعض الشرائع { وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل } وإنما قال وأنزل التوراة والأنجيل ، لأن التوراة وافنجيل أنزلا جملة واحدة ، وقال في القرآن {نزل } لأنه نزل مفصلاً ، والتنزيل للتكثير ، والتوراة قال البصريون  أصلها وورية على وزن فوعلة ، مثل دوحلة وحوقلة، فحولت الواو الأولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفاً فصارت توراة ، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة ،

وقال الكوفيون  أصلها تفعلة مثل توصية وتوفية فقلبت الياء ألفاً على لغة ط ئ فإنهم يقولون للجارية جاراة ، وللتوصية توصاة ، وأصلها من قولهم ورى الزند إذا خرجت ناره، وأوريته أنا ، قال اللّه تعاليى {أفرأيتم النار التي تورون } (الواقعة-٧١) فسمي التوراة لأنها نور وضياء قال اللّه تعالى { وضياء وذكرا للمتقين }(الانبياء-٤٨)

وقيل هي من التوراة وهي كتمان (السر) والتعريض بفيره ، وكان أكثر التوراة ،معاريض من غير تصريح. والإنجيل إفعيل من النجل وهو الخروج ومنه سمي الولد نجلاً لخروجه،فسمي الإنجيل به لأن اللّه تعالى اخرج به دارساً من الحق عافياً ،

ويقال نهو من النجل وهو سعة العين، سمي به لأنه أنزل سعة لهم ونوراً،

وقيل التوراة بالعبرانية تور، وتور معناه الشريعة والإنجيل بالسريانية أنقليون ومعناه الإكليل.

٤

قوله تعالى {هدى للناس}هادياً لمن تبعه ولم يثنه لأنه مصدر {وأنزل الفرقان} المفرق بين الحق والباطل ، وقال السدي في الآية تقديم وتأخير تقديرها وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس.

قوله تعالى {إن الذين كفروا بآيات اللّه لهم عذاب شديد واللّه عزيز ذو انتقام }

٥

{ إن اللّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء }

٦

{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود، حسناً أو قبيحاً، تاماً أو ناقصاً،{لا إله إلا هو العزيز الحكيم} وهذا في الرد على وفد نجران من النصارى ، حيث قالوا  عيسى ولد اللّه ، فكأنه يقول كيف يكون للّه ولد وقد صوره اللّه تعالى في الرحم.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي،

أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن احمد بن محمد الأنصاري ، أنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي،أناعلي بن الجعد ، أنا أبو خيثمة زهير بن معاوية عن الأعمش ، عند زيد بن وهب ،قال سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو الصادق المصدوق{إن خلق أحدكم يجمع في بطن امه أربعين يوماً نظفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث اللّه اليه الملك} أو قال {يبعث اليه الملك بأربع كلمات فيكتب رزفه وعمله وأجله وشقي أو سعيد } قال {وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى مايكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ،وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها}.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي، أنا أبو أحمد بن عيسى الجلودي، أنا أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا محمد بن عبد اللّه بن نمير ، حدثنا سفيان بن عيينه، عن عمرو بن دينار،عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم باربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول  يارب أشقي أو سعيد؟ فيكتب ذلك ، فيقول  يارب أذكر ام أنثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها و لاينقص}.

٧

قوله تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} مبينات مفصلات، سميت محكمات من الاحكام ، كأنه أحكمها فمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها{هن أم الكتاب} أي أصله الذي يعمل عليه في الاحكام ، وإنما قال {هن أم الكتاب} ولم يقل امهات الكتاب ان الايات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة ، وكلام اللّه واحد

وقيل معناه كل آية منهن ام الكتاب كما قال { وجعلنا ابن مريم وأمه آية} (٥٠-المؤمنون) أي كل واحد منهما آية {وأخر} جمع أخرى ولم يصرفه لأنه معدول عن الآخر ، مثل عمرو و زفر {متشابهات} فإن قيل كيف فرق هاهنا بين المحكم والمتشابه وقد جعل كل القرآن محكماً في موضع أخر ؟ .فقال { الر كتاب أحكمت آياته }(١-هود) وجعله كله متشابهاً في موضع آخر

فقال  { اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } {٢٣-الزمر).

قيل حيث جعل الكل محكماً ، أراد أن الكل حق ليس فيه عبث ولا هزل، وحيث جعل الكل متشابهاً اراد بعضه يشبه بعضاً في الحق والصدق وفي الحسن، وجعل هاهنا بعضه محكماً وبعضه متشابهاً.

واختلف العلماء فيها، فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما المحكمات هن الآيات الثلاث في صورة الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } (١٥١) ونظيرها في بني اسرائيل،{ وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } (٢٣-الإسراء) الآيات ، وعنه أنه قال المتشابهات حروف التهجي في أوائل السور. وقال مجاهدو عكرمه  المحكم ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه يشبه بعضه بعضاً في الحق ويصدق بعضه بعضاً، ك

قوله تعالى { وما يضل به إلا الفاسقين} (٢٦-البقرة) { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } (١٠٠-يونس). وقال قتاده والضحاك والسدى  المحكم الناسخ الذي يعمل به ، والمتشابه المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به . وروى علي بن أبي طلحه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال محكمات القرآن ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولايعمل به ،

وقيل  المحكمات ما أوقف اللّه الخلق على معناه والمتشابه ما استأثر اللّه تعالى بعلمه لاسبيل لاحد الى علمه ، نحو الخبر عن أشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، وطلوع الشمس من مغربها ، وقيام الساعة، وفناء الدنيا. وقال محمد بن جعفر بن الزبير  تلمحكم مالا يحتمل من التاويل غير وجه واحد ، والمتشابه ما احتمل

وقيل المحكم مايعرف معناه وتكون حججها واضحة ودلائلالها لائحة لا تشتبه ، والمتشابه هو الذي يدرك علمه بالنظر ، ولايعرف العوام تفصيل الحق فيه من الباطل .

وقال بعضهم المحكم مايستقل بنفسه في المعنى ، والمتشابه مالا يستقل بنفسه إلا برده الى غيره. قال ابن عباسرضي اللّه عنهما في رواية (باذان) المتشابه حروف التهجي في أوائل السور ، وذلك أن رهطاً من اليهود منهم حيي بن اخطب و كعب بن الاشرف ونظراؤهما ، أتو النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال له حيي بلغنا أنه أنزل عليك (الم) فننشدك اللّه انزلت عليك ؟ قال نعم قال فإن كان ذلك حقاً فإني أعلم مدة ملك أمتك ، هي إحدى وسبعون سنة فهل أنزل غيرها؟ قال نعم(المص) قال فهذه اكثر هي إحدى وستون ومائة سنة، قال  فهل غيرها؟. قال  نعم (الر.قال هذه أكثر هي مائتا وإحدى وسبعون سنة ولقد خلطت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ ام بقليله ونحن ممن لا يؤمن بهذا

فأنزل اللّه تعالى {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابها}.

{فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي ميل عن الحق

وقيل شك{ فيتبعون ما تشابه منه }

واختلفوا في المعني بهذه الآية .قال الربيع هم وفد نجران خاصموا النبي صلى اللّه عليه وسلم في عيسى عليه السلام ، وقالوا له  ألست تزعم انه كلمة اللّه وروح منه؟ قال بلى قالوا حسبنا ، فأنزل اللّه هذه الآية.

وقال الكلبي هم اليهود طلبوا علم أجل هذه الأمة واستخراجها بحساب الجمل . وقال ابن جريح هم المنافقون،

وقال الحسن  هم الخوارج، وكان قتادة اذا قرأ هذه الآية {فأما الذين في قلوبهم زيغ} قال إن لم يكونوا الحرورية والسبأية فلا أدري من هم ،

وقيل هم جميع المبتدعة.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي، أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد ابن اسماعيل، أنا عبد اللّه بن مسلمة، أنا يزيد بن ابراهيم التستري ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي اللّه عنهما قالت تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية

{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}- إلى قوله اولو الألباب قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا رأيت الذي يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللّه فاحذروهم.

قوله تعالى {ابتغاء الفتنة} طلب الشرك قاله الربيع والسدي ،

وقال مجاهد  ابتغاء الشبهات واللبس ليضلوا بها جهالهم{وابتغاء تأويله} تفسيره وعلماه، ودليله

قوله تعالى { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } (٧٨-الكهف)

وقيل ابتغاؤه عاقبته، وهو طلب أجل هذه الأمة من حساب الجمل ، دليله

قوله تعالى{ذلك خير وأحسن تأويلا}(٣٥٠-الإسراء) أي عاقبة.

قوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم} اختلف العلماء في نظم هذه الآية فقال قوم الواو في قوله والرساخون واو العطف يعني أن تأويل المتشابه يعلمه اللّه ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم{يقولون آمنا به} وهذا قول مجاهد والربيع ، وعلى هذا يكون قوله { يقولون} حالا معناه والراسخون في العلم قائلين آمنا به ، هذا ك

قوله تعالى {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ولذي القربى}(٧-الحشر)ثم قال {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم} (٨-الحشر) إلى أن قال { والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم }(٩- الحشر) ثم قال { والذين جاؤوا من بعدهم}(١٠-الحشر) وهذا عطف على ماسبق، ثم قال {يقولون ربنا اغفر لنا}(١٠-الحشر) يعني هم مع استحقاقهم الفئ يقولون ربنا اغفر لنا، أي قائلين على الحال. وروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما انه كان يقول في هذه الآية أنا من الراسخين في العم ، وروي عن مجاهد أنا ممن يعلم تاويله .

وذهب الأكثرون الى ان الواو في قوله {والراسخون} واو الاستئناف ، وتم الكلام عند قوله {وما يعلم تأويله إلا اللّه} وهو قول ابي بن كعب و عائشة وعروة بن الزبير رضي اللّه عنهم و راوية طاووس عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، وبه قال الحسن وأكثر التابعين واختاره الكسائي والفراء والأخفش ، وقالوا لا يعلم تأويل المتشابه الا اللّه ويجوز أن يكون للقرآن تأويل استأثر اللّه بعلمه لم يطلع عليه أحداً من خلقه ، كما استاثر بعلم الساعة ، ووقت طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجال ، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ، ونحوها، والخلق متعبدون في المتشابه بالايمان به، وفي المحكم بالإيمان به والعمل، ومما يصدق ذلك قراءة عبد اللّه ان تأويله إلا عند اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به ، وفي حرف أبي  ويقول الراسخون في العم آمنابه.

وقال عمر بن عبد العزيز  في هذه الآية انتهى علم الراسخين في العلم بتاويل القرآن إلى أن قالوا آمنا به كل من عند ربنا. وهذا قو قيس في العربية وأشبه بظاهر الآية.

قوله تعالى { والراسخون في العلم} أي الداخلون في العم، هم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في معرفتهم شكن وأصله من رسوخ الشئ في الشئ وهو ثبوته يقال رسخ الايمان في قلب فلان يرسخ رسخاً ورسوخاً،

وقيل الراسخون في العلم علماء مؤمني أهل الكتاب مثل عبد اللّه بن سلام واصحابه ، دليله

قوله تعالى {لكن الراسخون في العلم منهم}(١٦٢- النساء) يعني(المدارسين) علم التوراة وسئل مالك بن أنس رضي اللّه عنه عن الراسخين في العلم قال العالم العامل بما علم المتبع له ،

وقيل الراسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء التقوى بينه وبين اللّه ، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه. وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما و مجاهد والسدي  بقولهمآمنا به سماهم اللّه تعالى راسخين في العلم، فرسوخهم في العلم قولهم آمنا به،أي بالمتشابه {كل من عند ربنا} المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا وما لم نعلم{وما يذكر}وما يتعظ بما في القرآن { إلا أولو الألباب } ذوو العقول.

٨

قوله تعالى { ربنا لا تزغ قلوبنا } أي ويقول الراسخون  ربنا لاتزغ قلوبنا أي لاتملها عن الحق والهدى كما ازغت قلوب الذي في قلوبهم زيغ{ بعد إذ هديتنا } وفقتنا لدينك والايمان بالمحكم والمتشابه من كتابك{وهب لنا من لدنك} أعطنا من عندك{رحمة} توفيقاً وتثبيتاً للذي نحن عليه من الإيمان والهدى، وقال الضحاك تجاوزاً ومغفرة { إنك أنت الوهاب}.

اخبرنا أبو الفرج المظفر بن أسماعيل التميمي ، أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهميأنا أبو احمد ابن عدي الحافظ،أناأبو بكر بن عبد الرحمن بن القاسم القرشي يعرف بإبن الرواس الكبير بدمشق ،انا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ،أنا صدقة ،أنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر ،حدثني بشر بن عبيد اللّه قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول حدثنيالنواس بن سمعان الكلابي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء ان يزيغه أزاغه} ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول { اللّهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، والميزان بيد الرحمن يرفع قوماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة}.

أخبرنا احمد بن عبد اللّه الصالحي، حدثنا أبو بكر احمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، انا عبد الرحيم بن منيب، أنا يزيد بن هارون ، أنا سعيد بن إياس الجريري عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن}.

٩

قوله تعالى {ربنا إنك جامع الناس ليوم} أي لقضاء يوم ،

وقيل اللام بمعنى في ، أي في يوم { لا ريب فيه} أي لاشك فيه، وهو يوم القيامة { إن اللّه لا يخلف الميعاد } وهو مفعال من الوعد.

١٠

قوله تعالى { إن الذين كفروا لن تغني} لن تنفع ولن تدفع{عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه}

قال الكلبي  من عذاب اللّه وقال أبو عبيدة  من بمعنى عند،أي عند اللّه { شيئا وأولئك هم وقود النار * كدأب آل فرعون }

١١

{كدأب آل فرعون} قال ابن عباس رضي اللّه عنهما و عكرمه ومجاهد  كفعل آل فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب ، وقال عطاء والكسائي وأبو عبيدة  كسنة آل فرعون ، وقالالاخفش كامر آل فرعون وشانهم ، وقال النضر بن شميل  كادة لآل فرعون ، يريد عادة هؤلاء الكفار في تكذيب الرسول وجحود الحق كعادة آل فرعون،{والذين من قبلهم} كفار الأمم الماضية ، مثل عادو ثمود وغيرهم{كذبوا بآياتنا فأخذهم اللّه} فعاقبهم اللّه {بذنوبهم}

وقيل نظم الآية {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم} عند حلول النقمة والعقوبة مثل ىل فرعون وكفار الأمم الخالية أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم {واللّه شديد العقاب}.

١٢

قوله تعالى {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم} قرأ حمزةو الكسائي بالياء فيهما ، أي انهم يغلبون ويحشرون ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما ، على الخطاب، أي قل لهم أنكم ستغلبون وتحشرون . قال مقاتل أراد مشركي مكة، معناه قل لكفار مكة ستغلبون يوم بدر وتحشرون إلى جهنم في الآخرة ، فلما نزلت هذه الآية قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر{ إن اللّه غالبكم وحاشركم إلى جهنم}.

وقال بعضهم المراد بهذه الآية اليهود، وقال الكلبي عن أبي صالح عنابن عباس رضي اللّه عنهما إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المشركين يوم بدر هذا- واللّه - النبي الذي بشرنا به موسى لاترد له راية ، وأرادوا اتباعه، ثم قال بعضهم لبعض لاتعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة له اخرى، فلما كان يوم احد ونكب أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شكوا فغلب عليهم الشقاء، فلم يسلموا، وقد كان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهدد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً الى مكة ليستفزهم، فأجمعوا أمرهم على قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية. وقال محمد بن إسحاق عن رجاله ورواه سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أيضاً أنه لما أصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قريشاً ببدر ورجع الى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، وقال يامعشر اليهود احذروا من اللّه مثل مانزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم مثل مانزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكمفقالوا يامحمد لايغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة ، وإنا واللّه لو قاتلناك لعرفت انا نحن الناس،

فأنزل اللّه تعالى{قل للذين كفروا ستغلبون}تهزمون{وتحشرون}في الآخرة {إلى جهنم} {وبئس المهاد} الفراش، أي بئس مامهد ، يعنىالنار.

١٣

قوله تعالى {قد كان لكم آية} ولم يقل قد كانت لكم ، ولآية مؤنثة لأنه ردها إلى البيان أي قد كان لكم بيان، فذهب إلى المعنى. وقال الفراء إنما ذكر لآنه حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث، فذكر الفعل، وكل ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه ، فمعنى الآية  قد كان لكم آية أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول أنكم ستغلبون .{في فئتين} فرقتين وأصلها فئ الحرب ،لأن بعضهم يفئ الى بعض{التقتا} يوم بدر{فئة تقاتل في سبيل اللّه} طاعة اللّه ، وهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، سبعة وسبعون رجلاً من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون من الآنصار ، وصاحب راية المهارجين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وصاحب راية الانصار سعد بن عبادة ، وكان فيهم سبعون بعيراً وفرسان ، فرس للمقداد بن عمرو،وفرس لمرثد بن أبي مرثد وأكثرهم رجاله ، وكان معهم من السلاح ستة ادرع وثمانية سيوف.

قوله تعالى {وأخرى كافرة} أي فرقة اخرى كافة ، وهم مشركو مكة ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلاً من المقاتلة ، رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وفيهم مائة فرس، وكانت حرب بدر اول مشهد شهدة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {يرونهم مثليهم} قرأ أهل المدينة ويعقوببالتاء، يعني ترون يامعشر اليهود اهل مكة مثلي المسلمين، وذلك أن جماعة من اليهود كانوا حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة فرأوا المشركين مثلي عدد المسلمين ورأوا النصرة مع ذلك للمسلمين فكان ذلك معجزة وآية ، وقرأ الآخرون بالياء

واختلفوا في وجهه فجعل بعضهم الرية للمسلمين ، ثم له تأويلان، أحدهما يى المسلمون المشركين مثليهم كما هم ، فإن قيل كيف قال مثليهم وهم كانوا ثلاثة أمثالهم؟ قيل هذا مثل قول الرجل وعنده درهم أنا احتاج الى مثلي هذا الدرهم يعني الى مثليه سواه فيكون ثلاثة دراهم ، والتأويل الثاني- وهو الأصح- كان المسلمون يرون المشركين مثلي عدد انفسهم، قللّهم اللّه تعالى في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين ، ثم قللّهم اللّه في اعينهم في حالة أخرى حتى رأوهم مثل عدد انفسهم . قال ابن مسعود رضي اللّه عنه نظرنا الى الشمركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا اليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً. ثم قللّهم اللّه تعالى ايضاً في أعينهم في حالة اخرى حتى رأوهم مثل عدد أنفسهم (قال ابن مسعود رضي اللّه عنه) حتى قل لرجل الى جنبي تراهم سبعين؟ قال أراهم مائة، قال بعضهم الرؤية رادعة الى المشركين يعني يرى المشركون المسلمين مثليهم، قللّهم اللّه قبل القتال في أعين المشركين ليجترئ المشركون عليهم ولا ينصرفوا فلما اخذوا في القتال كثرهم اللّه فيأعين المشركين ليجبنوا وقللّهم في أعين المؤمنين ليجترؤوا ، فذلك

قوله تعالى{ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم }(٤٤-الأنفال).

قوله تعالى {رأي العين} أي في رأي العين نصب بنزع حرف الصنعة{واللّه يؤيد بنصره من يشاء ، إن في ذلك} الذي ذكرت{لعبرة لأولي الأبصار} لذوي العقول ،

وقيل لمن أبصر الجمعين .

١٤

قوله تعالى {زين للناس حب الشهوات} نجمع شهوة وهي ما تدعو النفس اليه {من النساء} بدأ بهن لأنهن حبائل الشيطان{والبنين والقناطير} جمع قنطار

واختلفوا فيه قالالربيع بن انس القنطار المال الكثير بعضه على بعض، وقال معاذ بن جبل رضي اللّه عنه القنطار ألف ومائتا أوقية ، وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما الضحاك) ألف ومائتا مثقال . وعنهما رواية اخرى اثنا عشر الف درهم والف(دينار) دية أحدكم ، وعنالحسن القنطار دية احدكم ، وقال سعيد بن جبير وعكرمة هو مائة ألف ومائة من ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم ، ولقد جاء الاسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا ، وقال سعيد بن المسيب وقتادة  ثمانون ألفاً ، وقالمجاهد سبعون ألفاً ، وعن السدي قال  أربعة الاف مثقال، وقالالحكم القنطار مابين السماء والارض من مال، وقال ابو نضرة  ملء مسك ثور ذهباً أو فضة. وسمي قنطاراً من الإحكام ، يقال قنطرت الشئ اذا احكمته ، ومنه سميت القنطرة.

قوله تعالى {المقنطرة } قال الضحاك المحصنة المحكمة ، وقال قتادة هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض، وقال يمان (المدفونة)، وقال السدي المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير ، وقال الفراء.المضعفة، فالقناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة{من الذهب والفضة}

وقيل سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى ، والفضة لأنها تنفض أي تتفرق{والخيل المسومة} الخيل جمع لا واحد له من لفظة ، واحدها فرس، كالقوم والنساء ونحوهما المسومه ، قال مجاهد هي المطهمة الحسان، وقالعكرمة تسويمها حسنها،وقالسعيد بن جبير هي الراعية ، يقال  أسام الخيل وسومها ، قالالحسن وابو عبيده  هي المعلمة من السيماء والسيماء العلامة، ثم منهم من قال سيماها الشبة واللون وهو قول قتادة

وقيل الكي. {والأنعام} جمع النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم جمع لا واحد له من لفظه {والحرث} يعني الزرع {ذلك} الذي ذكرنا {متاع الحياة الدنيا} يشير الى انها متاع يفني{ واللّه عنده حسن المآب } أي المرجع ، فيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الاخرة.

١٥

قوله تعالى { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من اللّه } قرأه العامة بكسر الراء، وروي ابو بكر عن عاصم بضم الراء وهما لفتان كالعدوان والعدوانه.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي، انا احمد بن عبد اللّه النعيمي ، أنا محمد بن يوسف،أنا محمد ابن اسماعيل،انا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب ، حدثني مالك عن زيد بن أسلمعن عطاء بن يسار عن ابي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال  قال النبي صلى اللّه عليه وسلم {إن اللّه تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون  لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك ، فيقول هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يارب وقد أعطيتنا مالم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يارب وأي شئ أفضل من ذلك؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً}.

١٦

قوله تعالى { واللّه بصير بالعباد * الذين يقولون } إن شئت جعلت محل الذين خفضاً رداً على قوله {للذين اتقوا} وإن شئت جعلته رفعاً على الابتداء ، ويحتمل ان يكون نصباً تقديره أعني الذي يقولون {ربنا إننا آمنا} صدقنا{ فاغفر لنا ذنوبنا } استرها علينا وتجاوز عنا{ وقنا عذاب النار }.

١٧

{ الصابرين والصادقين} ان شئت نصبتها على المدح، وان شئت خفضتها على النعت، يعنى الصابرين في أداء الأمر وعن ارتكاب النهي، وعلى البأساء والضراء وحين البأس ، والصادقين في إيمانهم ،

قال قتادة  هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السر والعلانية {والقانتين} المطيعين المصلين {والمنفقين} اموالهم في طاعة اللّه {والمستغفرين بالأسحار} قال مجاهد وقتادة والكلبي  يعني المصلين بالأسحار وعن زيد بن اسلم انه قال هم الذين يصلون الصبح ، في الجماعة

وقيل السحر لقربه من الصبح،

وقال الحسن  مدوا الصلاة الى السحر ثم استغفروا ، وقال نافع كان ابن عمر رضي اللّه عنه يحي الليل ثم يقول يا نافع اسحرنا؟ فأقول لا فيعاود الصلاة فإذا قلت نعم نعم قد يستغفر اللّه ويدعو، حتى يصبح.

اخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي،

اخبرنا ابو محمد بن الحسن بن أحمد المخلدي ، حدثنا ابو العباس محمد بن إسحاق السراج ، انا قتيبة، (بن سعيد) أنا يعقوب بن عبد الرحمنعنسهيل بن ابي صالح ، عن ابيه ، عن ابي هريرة رضي اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {ينزل اللّه الى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول أنا الملك أنا الملك ، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له}. وحكي عن الحسن أن لقمان قال لابنه  يابني لاتكن أعجز من هذا الديك يصوت من الاسحار وأنت نائم على فراشك.

١٨

قوله تعالى {شهد اللّه أنه لا إله إلا هو } قيل هذه الآية في نصارى نجران. وقالا لكلبي  {قدم حبران من أحبار الشام على النبي صلى اللّه عليه وسلم فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلى اللّه عليه وسلم الذي يخرج في آخر الزمان؟ فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة ، فقالا له  أنت محمد، قال  نعم، قالا له  وأنت أحمد ؟ قال أنا محمد وأحمد قالا له  فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك ، فقال ، اسألا فقالا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب اللّه عز وجل،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية} ، فأسلم الرجلان. قوله {شهد اللّه} أي بين اللّه لأن الشهادة تبين ،

وقال مجاهد  حكم اللّه ( وقيل  علم اللّه)

وقيل أعلم اللّه انه لا إله إلا هو. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما خلق اللّه الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة، فشهد بنفسه لنفسه قبل أن خلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا بر ولا بحر فقال {شهد اللّه أنه لا إله إلا هو}.

وقوله {والملائكة} أي وشهدت الملائكة ، قيل معنى شهادة اللّه الإخبار ولإعلام ، ومعنى شهادة الملائكة والمؤمنين الإقرار.

قوله تعالى{ وأولو العلم } يعني الأنبياء عليهم السلام . وقال ابن كيسان يعني المهاجرين والأنصار ، وقال مقاتل علماء مؤمني أهل الكتاب عبد اللّه بن سلام واصحابه . قال السدي والكلبي  يعني جميع علماء المؤمنين.{قائماً بالقسط} أي بالعدل .ونظم هذه الآية شهد اللّه قائماً بالقسط ، نصب على الحال،

وقيل نصب على القطع، ومعنى قوله { قائماً بالقسط} أي قائماً بتدبير الخلق كما يقال فلان قائم بامر فلان، أي مدبر له ومتعهد لأسبابه وقائم بحق فلان أي مجاز له فاللّه جل جلاله مدبر رازق مجاز بالأعمال. {لا إله إلا هو العزيز الحكيم }.

١٩

{ إن الدين عند اللّه الإسلام} يعني الدين المرضي الصحيح ، كما قال تعالى {ورضيت لكم الإسلام دينا}(٣- المائدة) وقال { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} (٨٥-آل عمران) وفتح الكسائي الألف من ان الدين رداً على ان الأولي تقديره شهد اللّه انه لا إله إلا هو وشهد ان الذين عند اللّه الإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة ، يقال  أسلم أي دخل في السلم واستسلم ، قال قتادة في

قوله تعالى { إن الدين عند اللّه الإسلام} قال شهادة ان لا إله إلا اللّه والإقرار بما جاء من عند اللّه تعالى وهو دين اللّه الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه (ولا يقبل غيره ولا يجزي إلا به).

أخبرنا ابو عسيد الشريحي ، أنا ابو اسحق الثلبي، أنا أبو عمروا الفراتي ، انا موسى عمران بن موسى،أنا الحسن بن سفينان، أنا عمار بن عمر بن المختار ، حدثني أبي عن غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الاعمش وكنت اختلف اليه فلما كنت ذات ليلة اردت ان أتنحدر إلى البصرة ، فإذا الاعمش قائم من الليل يتهجد ، فمر بهذه الآية { شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } ثم قال الاعمش وأنا أشهد بما شهد اللّه به وأستودع اللّه هذه الشهادة وهي لي عند اللّه وديعة{إن الدين عند اللّه الإسلام} قالها مراراً، قلت لقد سمع فيها شيئاً ، فصليت معه وودعته ، ثم قلت إني سمعتك تقرأ آية ترددها فما بلغك فيها؟ (قال لي  أوما بلغك مافيها؟ قلت أنا عند منذ سنتين لم تحدثني) قال واللّه لا احدثك بها الى سنة ، فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة ، فلما مضت السنة قلت  يا أبا محمد قد مضت السنة قال  حدثني أبو وائل عن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول اللّه إن لعبدي هذا عندي عهداً ، وأنا أحق من وفي بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة} .

قوله تعالى {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب}

قال الكلبي  نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام ، أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم إلا من بعد ماجاءهم العلم ، يعني بيان نعته في كتبهم ، وقال الربيع  إن موسى عليه السلام لما حضره الموت ، دعا سبعين رجلاً من احبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء اولئك السبعين حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف ، وذلك من بعد ماجاءهم العلم يعني بيان مافي التوراة {بغياً بينهم} أي طلباً للملك والرياسة ، فسلط اللّه عليهم الجبابرة وقال محمد بن جعفر بن الزبير  نزلت في نصارى نجران ومعناها {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب} يعني الإنجيل في أمر عيسى عليه السلام ، وفرقوا القول فيه إلا من بعد ماجاءهم العلم بإن اللّه واجد وأن عيسى عبده ورسوله {بغياً بينهم} أي للمعاداة والمخالفة { ومن يكفر بآيات اللّه فإن اللّه سريع الحساب }.

٢٠

قوله تعالى {فإن حاجوك} أي خاصموك يا محمد في الدين ، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا لسنا على ماسميتنا به يامحمد إنما اليهودية والنصرانية نسب ن والدين هو الاسلام ونحن عليه فقال اللّه تعالى { فقل أسلمت وجهي للّه } أي انقدت للّه وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي ، وإنما خص الوجه لأنه اكرم الجوارح من الإنسان وفيه بهاؤه ، فإذا خضع وجهه للشئ خضع له جميع جوارحه ، وقال الفراء معناه أخلصت عملي للّه { ومن اتبعن} أي ومن اتبعني أسلم كما اسلمت ، واثبت نافع وأبو عمرو الياء في

قوله تعالى (اتبعني) على الأصل وحذفها الخرون على الخط لأنها في المصحف بغير ياء. و

قوله {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين} يعني العرب{أأسلمتم} لفظه استفهام ومعناه امر ، أي أسلموا كما قال{ فهل أنتم منتهون}(٩١-المائدة ) أي انتهوا ،{فإن أسلموا فقد اهتدوا} فقراً رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية فقال اهل الكتاب اسلمنا ، فقال الليهود  اتشهدون ان عيسى كلمة اللّه وعبده ورسوله فقالوا معاذ اللّه وقال للنصارى  أتشهدون ان عيسى عبد اللّه وروسله ؟ قالوا  معاذ اللّه ان يكون عيسى عبداً فقال اللّه عزو وجل { وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} أي تبليغ الرسالة وليس عليك الهداية { واللّه بصير بالعباد} علام بمن يؤمن وبمن لا يؤمن.

٢١

قوله تعالى {إن الذين يكفرون بآيات اللّه} يجحدون بآيات اللّه يعني القرآن ، وهم اليهود والنصارى { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} قرأ حمزة ويقاتلون الذين يأمرون ، قال ابن جريح  كان الوحي يأتي على (انبياء) بني اسرائيل، ولم يكن يأتيهم كتاب، فيذكرون قومهم فيقتلون ، فيقولم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون أيضاً ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي،أنا اسحاق الثعلبي ،أناابو عبد اللّه الحسين بن محمد بن فنجويه الدينوري،اناابو نصر منصور بن جعفر النهاوندي،أنا أحمد بن يحيى بن الجارود،أنامحمد بن عمرو بن حيان،أنا محمد بن (حمير) ، اناابو الحسن مولى بني أسد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي اللّه عنه قال {قلت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة ؟ قال  رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} إلى أن انتهى إلى قوله { وما لهم من ناصرين} ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل أمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوهم جميعاً في آخر النهار في ذلك اليوم فهم الذين ذكرهم اللّه كتابه وأنزل الآية فيهم} { فبشرهم} اخبرهم{بعذاب أليم} وجيع، وإنما أدخل الفاء على خبر إن وتقديره الذين يكفرون ويقتلون فبشرهم ، لأنه لا يقال  أن زيداً فقائم.

٢٢

{ أولئك الذين حبطت}بطلت{ أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين } وبطلان العمل في الدنيا أن لايقبل وفي الآخرة ألا يجازى عليه.

٢٣

قوله تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } يعني اليهود { يدعون إلى كتاب اللّه} اختلفوا في هذا الكتاب ، فقال قتادة هم اليهود دعوا الى حكم القرآن فاعرضوا عنه. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في هذه الآية إن اللّه تعالى جعل القرآن حكماً فيما بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فاعرضوا عنه، وقال الاخرون  هو التوراة. روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال {دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيت المراس على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى اللّه عز وجل.فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد  على أي دين أنت يامحمد؟

فقال  على ملة إبراهيم، قالا إن إبراهيم كان يهودياً ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية} .

وروى الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم، فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم ، فرفعوا امرهما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورجوا أن يكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم فقال له النعمان بن اوفى وبحري بن عمرو  جرت عليهما يامحمد ليس عليهما الرجم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { بيني وبينكم التوراة قالوا قد أنصفتنا ، قال فمن أعلمكم بالتوارة قالوا رجل أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ، فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبريل قد وصفه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنت ابن صوريا؟ قال  نعم ، قال أنت اعلم اليهود؟ قال كذلك يزعمون قال فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشئ من التوارة ، فيها الرجم مكتوب ، فقال له  أقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ مابعدها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .فقال عبد اللّه ابن سلام يارسول اللّه قد جاوزها فقام فرفع كفه عنها ثم قرأ على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما ، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع مافي بطنها ،فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم باليهوديين فرجما ، فغضب اليهود لذلك وانصرفوا فانزل اللّه عز وجل} {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه}.

٢٤

{ ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم } والغرور هو الإطماع فيما لايحصل منه شئ {ما كانوا يفترون} والافتراء اختلاق الكذب.

٢٥

قوله تعالى {فكيف إذا جمعناهم} أي فكيف حالهم أو كيف يصنعون إذا جمعناهم {ليوم لا ريب فيه} (وهو يوم القيامة) {ووفيت} (وفرت) { كل نفس ما كسبت } أي جزاء ماكسبت من خير أو شر { وهم لا يظلمون } أي لاينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.

٢٦

قوله تعالى {قل اللّهم مالك الملك } قال قتادة ذكر أن النبيى صلى اللّه عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في امته

فانزل اللّه تعالى هذه الاية . وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما وانس بن مالك رضي اللّه عنه لما افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة وعد امته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود  هيهات هيهات من اين لمحمد صلى اللّه عليه وسلم ملك فارس والروم ؟ وهم اعز وامنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل اللّه هذه الآية {قل اللّهم} قيل معناه ياللّه فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ،

وقال قوم  للميم فيه معنى ، ومعناها يااللّه أمنا بخير أي  اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم  هلم الينا ، كان أصله هل ام الينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافاً وربما خففوا أيضاً فقالوا لاهم ، قوله {مالك الملك} (يعنى يامالك الملك) أي مالك العباد وما ملكوا ،

وقيل يا مالك السموات والأرض ، وقال اللّه تعالى في بعض الكتب أنا اللّه ملك الملوك ، ومالك الملوك وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد اطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم.

قوله تعالى { تؤتي الملك من تشاء} قال مجاهد و سعيد بن جبير يعني ملك النبوة ،

وقال الكلبي  تؤتي الملك من تشاء محمداً وأصحابه { وتنزع الملك ممن تشاء} أبي جهل وصناديد قريش

وقيل  تؤتي الملك من تشاء  العربي وتنزع الملك ممن تشاء  فارس والروم ، وقال السدي ، تؤتي الملك من تشاء ، آتى اللّه الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم {وتنزع الملك ممن تشاء} نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم ،

وقيل تؤتي من تشاء آدم وولده وتنزل الملك ممن تشاء إبليس وجنوده. و

قوله تعالى {وتعز من تشاء وتذل من تشاء} قال عطاء تعز من تشاء المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء  فارس والروم ،

وقيل تعز من تشاء محمداً صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء  أبا جهل وأصحابه حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب ،

وقيل تعز من تشاء بالإيمان والهداية ، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة ،

وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية ،

وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر،

وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر ،

وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرض والطمع{ بيدك الخير} أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر احدهما قال تعالى { سرابيل تقيكم الحر}(٨١-النحل) أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما { إنك على كل شيء قدير }.

٢٧

قوله تعالى { تولج الليل في النهار} أي تدخل الليل في النهار حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات {وتولج النهار في الليل} حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات ، فما نقص من احدهما زاد في الاخر { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} قرأ اهل المدينة و حمزة والكسائي وحفص عن عاصم { الميت} بتشديد الياء هاهنا وفي الأنعام ويونس والروم في الأعراف { لبلد ميت} وفي فاطر { إلى بلد ميت} زاد نافع {أو من كان ميتاً فأحييناه} (١٢٢-النعام) و { لحم أخيه ميتا} (١٢-الحجرات) و{ الأرض الميتة أحييناها}(٣٣-يس) فشددها ، والآخرون يخففونها ، وشدد يعقوب { يخرج الحي من الميت} و لحم اخيه ميتاً، قال ابن مسعود و سعيد بن جبير ومجاهد وقتاده  معنى الآية  يخرج الحيوان من النطفة وهي ميتة ، ويخرج النطفة من الحيوان وقال عكرمة والكلبي  يخرج الحي من الميت أي الفرخ من البيضة ويخرج البيضة من الطير ، وقال الحسن وعطاء . يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن ، فالمؤمن حي الفؤاد والكفار ميت الفؤاد ،

قال اللّه تعالى { أو من كان ميتا فأحييناه }(١٢٢-النعام) وقال الزجاج  يخرج النبات الغض الطري من الحب اليابس ، ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي { وترزق من تشاء بغير حساب} من غير تضييق (ولا تقتير).

اخبرنا ابو القاسم عبد اللّه بن محمد الحنفي ، أنا ابو بكر احمد بن الحسن الحيري،أنا ابو جعفر عبد اللّه بن اسماعيل بن ابراهيم الهاشمي ،أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ،أنا محمد بن أبي الأزهر أنا الحارث بن عمير،أنا جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { إن فاتحة الكتاب و آية الكرسي والآيتين من آل عمران { شهد اللّه } - إلى قوله - { إن الدين عند اللّه الإسلام } - و- { قل اللّهم مالك الملك } - إلى قوله -{ بغير حساب} معلقات ، ما بينهن وبين اللّه عز وجل حجاب ، قلن  يارب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك ؟ قال اللّه عز وجل  بي حلفت لايقرؤكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان منه ولأسكنته في حظيرة القدس ولنظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين مرة ولقضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ولأعذته من كل عدو وحاسد ونصرته منهم} رواه الحارث عن عمرو وهو ضعيف .

٢٨

قوله عز وجل { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } قال ابن عباس رضي اللّه عنه  كان الحجاج بن عمرو بن ابي الحقيق وقيس بن زيد (يظنون) بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر و عبد اللّه بن جبير وسعد بن خيثمة لإولئك النفر اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم ، فأبى اولئك النفر إلا مباطنتهم ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقال مقاتل نزلت في حاطب بن ابي بلتعة وغيره وكانوا يظهرون المودة لكفار مكة. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما نزلت في المنافقين عبد اللّه بن ابي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية ونهى المؤمنين عن مثل (فعلهم).

قوله تعالى {ومن يفعل ذلك} أي موالاة الكفار في نقل الأخبار اليهم واظهارهم على عورة المسلمين {فليس من اللّه في شيء} (أي ليس من دين اللّه في شئ) ثم استثنى فقال{إلا أن تتقوا منهم تقاة} يعني إلا ان تخافوا منهم مخافة ، قرمجاهد ويعقوب تقية على وزن بقية لانهم كتبوها بالياء ولم يكتبوها بالألف ، مثل حصاة ونواةو وهي مصدر يقال تقيته تقاة وتقى تقية وتقوى فإذا قلت اتقيت كان المصدر الاتقاء ، وانما قال تتقوا من الاتقاء ثم قال  تقاة ولم يقل اتقاء لأن معنى اللفظين اذا كان واحداً يجوز اخراج مصدر احدهما على لفظ الآخر ك

قوله تعالى {وتبتل إليه تبتيلا}(٨-المزمل). ومعنى الآية ان اللّه تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم الا ان يكون الكفار غالبين ظاهرين ، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالايمان دفعاً عن نفسه من غير ان يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً ، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين ، والتقية لا تكون الا مع خوف القتل وسلامة النية ،

قال اللّه تعالى { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } (١٠٦-النحل) ثم هذا رخصة ، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم ، وانكر قوم التقية (اليوم) قال معاذ بن جبل ومجاهد  كانت التقية في (بدو ) افسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، وأما اليوم فقد أعز اللّه الاسلام فليس ينبغي لأهل الاسلام ان يتقوا من عدوهم ، وقال يحيى البكاء  قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج إن الحسن كان يقول لكم التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ؟ فقال سعيد ليس في الاسلام تقية انما التقية في اهل الحرب{ويحذركم اللّه نفسه} أي يخوفكم اللّه عقوبته على موالاة الكفار وارتكاب المنهي عنه ومخالفة المامور{وإلى اللّه المصير}.

٢٩

{ قل إن تخفوا ما في صدوركم } أي قلوبكم من مودة الكفار{أو تبدوه} من موالاتهم قولاً وفعلاً { يعلمه اللّه }

وقال الكلبي إن تسروا مافي قلوبكم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من التكذيب أو تظهروه ، بحرية وقتاله ، يعلمه اللّه ويحفظه عليكم ، حتى يجازيكم ، به ثم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {ويعلم} رفع على الاستئناف { ما في السماوات وما في الأرض } يعني اذا كان لايخفي عليه شئ في السموات ولا في الارض فكيف تخفي عليه موالاتكم الكفار وميلكم الكيهم بالقلب؟{ واللّه على كل شيء قدير }.

٣٠

قوله تعالى{يوم تجد كل نفس} نصب يوماً بنزع حرف الصفة أي في يوم ،

وقيل بإضماء فعل أي  اذكروا واتقوا يوم تجد كل نفس{ ما عملت من خير محضرا } لم يبخص منه شئ ، كما

قال اللّه تعالى {ووجدوا ما عملوا حاضراً}(٤٩-الكهف) {وما عملت من سوء} جعله بعضهم خبراً في موضع النصب،أي تجد محضراً ماعملت من الخير(والشر فتسر بما عملت من الخير) وجعله بعضهم خبراً مستانفاً ، دليل هذا التاويل  قراءة ابن مسعود رضي اللّه عنهما وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً.

قوله تعالى { تود لو أن بينها } أي بين النفس { وبينه} يعني وبين السوء{أمداً بعيداً}

قال السدي  مكاناً بعيداً، و

قال مقاتل  كما بين المشرق والمغرب ، والأمد الأجل والغاية التي ينتهي إليها ،

وقال الحسن  يسر أحدهم أن لا يلقي عمله أبداً ،

وقيل يود أنه لم يعمله {ويحذركم اللّه نفسه واللّه رؤوف بالعباد}.

٣١

قوله تعالى {قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه} نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا نحن أبناء اللّه وإحباؤه.وقال الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنها  وقف النبي صلى اللّه عليه وسلم على قريش ، وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها (الشنوف) وهم يسجدون لها ، فقال يا معشر قريش واللّه لقد خالفتم ملة أبيكم ابرهيم واسماعيل فقالت له قريش انما نعبدها حباً للّه ليقربونا الى اللّه زلفى ، ف

قال اللّه تعالى  قل يامحمد أن كنتم تحبون اللّه وتعبدون الأصنام ليقربوكم إليه فاتبعوني يحببكم اللّه ،فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم ، أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم اللّه ، فحب المؤمنين للّه اتباعهم امره وإايثار طاعته وابتغاء مرضاته ، وحب اللّه المؤمنين ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم فذلك

قوله تعالى {ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفور رحيم}.

وقيل لما نزلت هذه الآية قال عبد اللّه بن أبي لأصحابه أن محمداً يجعل طاعته كطاعة اللّه ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى بن مريم.

٣٢

فنزل

قوله تعالى {قل أطيعوا اللّه والرسول فإن تولوا } اعرضوا عن طاعتهما { فإن اللّه لا يحب الكافرين } لايرضى فعلهم ولا يغفر لهم.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا احمد بن عبد اللّه النعيمي،أنا محمد بن يوسف،أنامحمد بن إسماعي،أنامحمد بن سنان،أنا فليح،أنا هلال بن علي عنعطاء بن يسار عن ابي هريره رضي اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى وقالوا ومن يأبى ؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى}.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،أنااحمد بن عبد اللّه النعيمي،أنامحمد بن يوسف،أنا محمد اسماعيل أنا محمد بن عبادة ، أنايزيد،أنا سليم بن حيان (واثنى عليه )، أنا سعيد بن ميناء قال حدثنا أو سمعت جابر بن عبد اللّه يقول {جاءت ملائكة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو نائم .فقال بعضهم  إنه نائم وقال بعضهم  إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا  إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً ، فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ،فقالوا أولوها له يفقهها ، فقالوا أما الدار الجنة والداعي محمد صلى اللّه عليه وسلم فمن أطاع محمداً فقد أطاع اللّه ومن عصى محمداً فقد عصى اللّه ومحمد صلى اللّه عليه وسلم فرق بين الناس}.

٣٣

وقوله تعالى {إن اللّه اصطفى آدم ونوحاً} الآية ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  قالت اليهود نحن من أبناء ابراهيم واسحق ويعقوب ، ونحن على دينهم ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية .يعني ان اللّه اصطفى هؤلاء بالاسلام وانت على غير دين الاسلام {اصطفى} اختار، افتعل من الصفوة وهي الخالص من كل شئ{آدم} ابو البشر{ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران} قيل أراد بآل ابراهيم وآل عمران ابراهيم عليه السلام وعمران انفسهما ، ك

قوله تعالى { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون }(٢٤٨-البقرة) يعني موسىو هارون. وقال آخرون آل ابراهيم إسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط ، وكان محمد صلى اللّه عليه وسلم من آل ابراهيم عليه السلام ، وأما آل عمران ف

قال مقاتل  هو عمران بن يصهر بن فاهت بن لاوي بن يعقوب عليه السلام (والد) موسى وهارون . وقال الحسن ووهب  هو عمران بن اشهم بن امون من ولدسليمان بن داود عليهما السلام (والد) مريم وعيسى .

وقيل  عمران بن ماثان وإنما خص هؤلاء بالذكر لأن النبياء والرسل كلهم من نسلهم { على العالمين * ذرية }.

٣٤

{ذرية} اشتقاقها من ذرأ بمعنى خلق ،

وقيل من الذر لأنه استخرجهم من صلب آدم كالذر ، ويسمى الأولاد والآباء ذرية ، فالأبناء ذرية لأنه ذراهم ، والأباء ذرية لأنه ذرأ الأبناء منهم ، قال اللّه تعالى وآية لهم انا حملنا ذريتهم(٤١-يس) أي آباءهم (ذرية ) نصب على معنى واصطفى ذرية {بعضها من بعض} أي بعضها من ولد بعض ، (

وقيل بعضها من بعض في التناصر)

وقيل  بعضها على دين بعض {واللّه سميع عليم}.

٣٥

قوله تعالى {إذ قالت امرأة عمران} وهي حنة بنت قافوذا أم مريم ٤عمران هو عمران بن ماثان وليس بعمران أبي موسى عليه السلام ، وبينهما ألف وثمانون سنة ، وكان بنو ماثان رؤوس بني اسرائيل وأحبارهم وملوكهم

وقيل عمران بن أشهم.

قوله تعالى { رب إني نذرت لك ما في بطني محررا } أي جعلت الذي في بطني محرراً نذراً مني لك { فتقبل مني إنك أنت السميع العليم } والنذر ما يوجبه الإنسان على نفسه {محرراً} أي عتيقاً خالصاً للّه مفرغاً لعباده اللّه ولخدمة الكنيسة ، لا أشغله بشئ من الدنيا، وكل ما اخلص فهو محرر، يقال  حررت العبد إذا أعتقته وخلصته من الرق. قال الكلبيو محمد بن إسحاق وغيرهما  كان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها ويخدمها ولا يبرحها حتى يبلغ الحلم ، ثم يخير أن احب أقام ، وإن احب ذهب حيث شاء ، وإن أراد أن يخرج بعد التخيير لم يكن له ذلك ، ولم يكن أحد من الأنبياء والعلماء إلا ومن نسله محرراً لبيت المقدس، ولم يكن محرراً إلا الغلمان ، ولا تصلح له الجارية لما يصيبها من الحيض والأذى ، فحررت أم مريم ما في بطنها ، وكانت القصة في ذلك ، أن زكريا وعمران تزوجا اختين ، وكانت إشياع بنت قافوذا أم يحيى عند زكريا ، وكانت حنة بنت قافوذا أم مريم عند عمران، وكان قد امسك عن حنة الولد حتى أسنت وكانوا أهل بيت من اللّه بمكان ، فبينما هي في ظل شجرة بصرف بطائر يطعم فرخاً فتحركت بذلك نفسها للولد فدعت اللّه أن يهب بها ولداً وقالت  اللّهم لك علي إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمته ، فحملت بمريم فحررت ما في بطنها ، ولم تعلم ما هو فقال لها زوجها  ويحك ما صنعت ، رأيت إن كان ما في بطنك أنثى لا تصلح لذلك ؟ فوقعاً جميعاً في هم من ذلك ، فهلك عمران ، وحنة حامل بمريم.

٣٦

{فلما وضعتها} أي ولدتها إذا هي جارية ، والهاء في قوله | وضعتها راجعة إلى النذير إلى ما ولد لذلك أنث {قالت} حنة وكانت ترجو أن يكون غلاماً{رب إني وضعتها أنثى} اعتذاراً إلى اللّه عز وجل{واللّه أعلم بما وضعت} بجزم التاء إخباراً عن اللّه عز وجل وهي قراءة العامة وقرأ ابن عامر وأبو بكر ويعقوب وضعت برفع التاء جعلوها من كلام أم مريم {وليس الذكر كالأنثى} في خدمة الكنيسة والعباد الذي فيها لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس { وإني سميتها مريم} ومريم بلغتهم العابدة والخادمة ، وكانت مريم أجمل النساء في وقتها وأفضلهم { وإني أعيذها} امنعها وأجيرها {بك وذريتها} أولادها {من الشيطان الرجيم} فالشيطان الطريد اللعين ، والرجيم المرمي بالشهب.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد اللّه النعيمي ،أنامحمد بن يوسف،أنامحمد بن إسماعيل،أنا أبو اليمان،أنا شعيب عنالزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، قال  قال ابو هريرة رضي اللّه عنه  سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول { ما من بنى آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل الصبي صارخاً من الشيطان ، غير مريم وابنها} ثم يقول أبو هريرة رضي اللّه عنه {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد اللّه النعيمي ،أنامحمد بن يوسف،أنامحمد بن إسماعيل،أنا ابو اليمان،أنا شعيب عنابي الزناد عن الاعرجعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {كل بنى آدم يطعن الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب}.

٣٧

قوله { فتقبلها ربها بقبول حسن } أي تقبل اللّه مريم من حنة مكان المحرر، وتقبل بمعنى قبل ورضي ، والقبول مصدر قبل يقبل قبولاً مثل الولوع والوزوع ، ولم يأت غير هذه الثلاثة .

وقيل معنى التقبل التكفل في التربية والقيام بشأنها { وأنبتها نباتاً حسناً } معناه وأنبتها فنبتت نباتاً حسناً،

وقيل هذا مصدر على غير (اللفظ) وكذلك قوله { فتقبلها ربها بقبول حسن } (ومثله شائع كقولك تكلمت كلاماً، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {فتقبلها ربها بقبول حسن} )أي سلك بها طريق السعداء {وأنبتها نباتاً حسناً} يعني سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في العام {وكفلها زكريا} قال أهل الأخبار أخذت حنة مريم حين ولدتها فلفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار ، بناء هارون ، وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة ، فقالت لهم دونكم هذه النذيرة ، فتنافس فيها الأحبار لأنها كانت بنت غمامهم وصاحب قرربانهم ، فقال لهم زكريا  أنا أحقكم بها ، عندي خالتها ، فقالت له الأحبار لانفعل ذلك ، فإنها لو تركت لأحق الناس لتركت لأمها التي ولدتها ، لكنا نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه ، فانطلقوا وكانوا (تسعة وعشرين) رجلاً إلى نهر جار،

قال السدي  هو نهر الأردن فألقوا أقلامهم في الماء على ان من ثبت قلمه في الماء فصعد فهو إولى بها.

وقيل كان على كل قلم اسم واحد منهم.

وقيل كانوا يكتبون التوراة فألقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم في الماء (فارتز) قلم زكريا فارتفع فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت في النهر ، قاله محمد بن إسحاق وجماعة.

وقيل جرى قلم زكريا مصعداً إلى أعلى الماء وجرت أقلامهم بجري الماء. وقال السدى وجماعة بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين ، وجرت أقلامهم مع جرية الماء فذهب بها الماء ، فسهمهم وقرعهم زكريا ، و كان زكريا راس الأحبار ونبيهم فذلك

قوله تعالى { وكفلها زكريا} قرأ حمزة و الكسائي وعاصم بتشديد الفاء فيكون زكريا في محل النصب أي ضمنها اللّه زكريا وضمها اليه بالقرعة ، وقرأ الآخرون بالتخفيف فيكون زكريا في محل الرفع أي ضمها زكريا الى نفسه وقام بأمرها ، وهو زكريا بن آذن بن مسلم بن صدوق من أولاد سليمان بن داود عليهما السلام. وقرأحمزة و الكسائي و حفص عن عاصم  زكريا مقصوراً ، والآخرون يمدونه. فما ضم زكريا مريم إلى نفسه بنى لها بيتاً واسترضع لها ، وقال محمد بن إسحاق ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى ، إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محراباً في المسجد ، وجعل ابه في وسطها لا يرقى أإليها إلا بالسلم مثل باب الكعبة لا يصعد إليها غيره ، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم { كلما دخل عليها زكريا المحراب} وأراد بالمحراب الغرفة ، والمحراب أشرف المجالس ومقدمها ، وكذلك هو من المسجد ، ويقال للمسجد أيضاً محراب ، قال المبرد  لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرجة ، وقال الربيع ابن انس  كان زكريا إذا خرج يغلق عليها سبعة إبواب فإذا دخل عليها غرفتها {وجد عندها رزقاً}أي فاكهة في غير حينها ، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف{قال يا مريم أنى لك هذا } قال أبو عبيدة  معناه من اين لك هذا ؟وأنكر بعضهم عليه ، وقال  معناه من أي جهة لك هذا ؟لأن أنى للسؤال عن الجهة وأين لسؤوال عن المكان{ قالت هو من عند اللّه } أي من قطف الجنة ، قال الحسن  حين ولدت مريم لم تلقم ثداً قط، كان يأتيها رزقها من الجنة ، فيقول لها زكريا أنى لك هذا ؟ قالت  هو من عند اللّه تكلمت وهي صغيرة { واللّه يرزق من يشاء بغير حساب }. وقال محمد بن اسحاق ثم أصابت بني إسرائيل أزمة وهي على ذلك من حالها حتى ضعف زكريا عن حملها فخرج على بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل  تعلمون واللّه لقد كبرت سني وضعفت عن حمل مريم بنت عمران فأيكم يكفلها بعدي؟ قالوا واللّه لقد جهدنا وأصابنا من السنة ما ترى ، فتدافعوها بينهم ثم لم يجدوا من حملها بداً ، فتقارعوا عليها بالأقلام فخرج السهم على رجل نجار من بنى إسرائيل يقال له  يوسف بن يعقوب ، وكان ابن عم مريم فحملها ، فعرفت مريم في وجهه شدة مؤنة ذلك عليه ، فقالت له  يايوسف احسن باللّه الظن فغن اللّه سيرزقنا ، فجعل يوسف يزرق بمكانها منه ، فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها فإذا أدخله عليها في الكنيسة أنماه اللّه ، فيدخل عليها زكريا فيرى عندها فضلاً من الرزق ، ليس بقدر ما يأتيها به يوسف ، فيقول  يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند اللّه ، إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب. قال أهل الأخبار فلما رأى ذلك زكريا قال إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير حينها من غير سبب لقادر على أن يصلح زوجتي ويهب لي ولداً في غير حينه على الكبر فطمع في الولد ، وذلك أن أهل بيته كانوا قد انقرضوا وكان زكريا قد شاخ وآيس من الولد.

٣٨

قال اللّه تعالى {هنالك} أي عند ذلك {دعا زكريا ربه} فدخل المحراب (واغلق الباب) وناجى ربه{قال رب} أي يا رب{هب لي} اعطني{من لدنك} أي من عندك {ذرية طيبة} أي ولداً مباركاً تقياً صالحاً رضياً، والذرية تكون واحداً وجمعاً ، ذكراً وأنثى وهو ها هنا واحد ، بدليل قوله عز وجل { فهب لي من لدنك ولياً}(٥-مريم) وانما قال  طيبة لتانيث لفظ الذرية { إنك سميع الدعاء}أي سامعه ،

وقيل مجيبه ، ك

قوله تعالى {إني آمنت بربكم فاسمعون } (٢٥-يس )أي فأجيبوني.

٣٩

{ فنادته الملائكة } قرأ حمزة والكسائي فناداه بالياء ، والآخرون بالتاء ، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث لفظ الملائكة وللجمع مع أن الذكور إذا تقدم فعلهم وهم جماعة كان التأنيث فيها احسن ك

قوله تعالى {قالت الأعراب} (١٤-الحجرات) وعن إبراهيم قال كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنهما يذكر الملائكة في القرآن قال أبو عبيدة انما نرى عبد اللّه اختار ذلك خلافاً للمشركين في قولهم الملائكة بنات اللّه تعالى ، وروى الشعبي إن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال  إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوها ياء وذكروا القرآن. وأراد الملائكة ها هنا جبريل عليه السلام وحده ، ك

قوله تعالى في سورة النحل { ينزل الملائكة} يعني جبريل {بالروح} بالوحي، ويجوز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم  سمعت هذا الخبر من لأناس ، وإنما سمع من واحد ، نظيره

قوله تعالى { الذين قال لهم الناس}(١٧٣- آل عمران) يعني نعيم بن مسعود{إن الناس} يعني أبا سفيان بن حرب وقال الفضل بن سلمة  إذا كان القاتل رئيساً يجوز الأخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه ، وكان جبريل عليه السلام رئيس الملائكة وقل ما يبعث إلا ومعه جمع ، فجرى على ذلك.

قوله تعالى {وهو قائم يصلي في المحراب} أي في المسجد وذلك أن زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان ، فيفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى بأذن لهم في الدخول ، فبينما هو قائم يصلي في المحراب ، يعني في المسجد عنه المذبح يصلي، والناس ينتظرون إن يأذن لهم في الدخول فإذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه ، وهو جبريل عليه السلام ، يا زكريا{إن اللّه يبشرك}قرأ ابن عامر وحمة (إن اللّه) بكسر الألف على إضمار القول تقديره  فنادته الملائكة فقالت { إن اللّه يبشرك} وقرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه ، كأنه قال  فنادته الملائكة بان اللّه يبشرك قرأ حمزة يبشرك وبابه بالتخفيف كل القرآن إلا

قوله { فبم تبشرون} (٥٤-الحجر) فإنهم اتفقوا على تشديدها ووافقة الكسائي هاهنا في الموضعين وفي سبحان والكهف وعسق ووافق ابن كثير وأبو عمرو في {عسق} والباقون بالتشديد ، فمن قرا بالتشديد فهو من بشر يبشر تبشيراً ، وهو أعرب اللغات وأفصحها . دليل التشديد

قوله تعالى { فبشر عباد } (الزمر -١٧){وبشرناه بإسحاق} (١١٢-الصافات) قالوا {بشرناك بالحق}(٥٥-الحجر) وغيرها من الآيات ومن خفف فهو من بشر يبشر وهي لغة تهامة ، وقرأه ابن مسعود رضي اللّه عنه {بيحيى} هو اسم لايجر لمعرفته وللزائد في اوله مثل يزيد ويعمر، وجمعه يحيون مثل موسون وعيسون ،

واختلفوا في أنه لم سمي يحيى ؟ قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  لأن اللّه احيا به عقر أمه ،

قال قتادة لأن اللّه تعالى أحيا قلبه بالإيمان

وقيل لأن اللّه تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية {مصدقاً} نصب على الحال {بكلمة من اللّه } يعني عيسى عليه السلام سمي عيسىكلمة اللّه لن اللّه تعالى قال له  كن من غير أب فكان ، فوقع عليه اسم الكلمة لأنه بها كان ،

وقيل سمي كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بكلام اللّه تعالى اخبر الأنبياء بكلامه في كتبه انه يخلق نبياً بلا أب ، فمساه كلمة لحصوله بذلك الوعد . وكان يحيى عليه السلام اول من آمن بعيسى عليه السلام وصدقه ، وكان يحيى عليه السلام اكبر من عيسى بستة اشهر وكانا ابني الخالة ، ثم قتل يحيى قبل ان يرفع عيسى عليه السلام ، وقال ابو عبيدة {بكلمة من اللّه} أي بكتاب من اللّه وآياته ، تقو العرب انشدني كلمة فلان أي قصيدته.

قوله تعالى {وسيداً} هو فعيل من ساد يسود وهو الرئيس الذي يتبع وينتهي الى قوله قال المفضل  أراد سيداً في الدين قال الضحاك  السيد الحسن الخلق. قال سعيد بن جبير  السيد الذي يطيع ربه عز وجل .وقال سعيد بن المسيب  السيد الفقية العالم ، وقال قتادة سيد في العلم والعبادة والورع ،

وقيل  الحليم الذي لا يغضه شئ . قال مجاهد الكريم على اللّه تعالى ،

وقال الضحاك  السيد التقي، قال سفيان الثوري  الذي لايحسد

وقيل الذي يفوق قومه في جميع خصال الخير ،

وقيل هو القانع بما قسم اللّه له

وقيل السخي ، {قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سيدكم يابني سلمة ؟ قالوا جد بن قيس على أنا نبخله قال وأي داء أدوأ من البخل، لكن سيدكم عمرو بن الجموح}.

قوله تعالى {وحصوراً ونبياً من الصالحين} الحصور أصله من لا حصر وهو الحبس و الحصور في قول ابن مسعود رضي اللّه عنه وابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة رضي اللّه عنهم وعطاء والحسن  الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن، وهو على هذا القول فعول بمعنى فاعل يعني انه يحصر نفسه عن الشهوات (

وقيل هو الفقير الذي لا مال) له فيكون الحصور بمعنى المحصور يعني الممنوع من النساء قال سعيد بن المسيب كان له مثل هدبة الثوب وقد تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره .وفيه قول آخر أن الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه واختار قوم هذا القول لوجهين (أحدهما) لأن الكلام خرج مخرج الثناء ، وهذا أقرب إلى أستحقا الثناء، و(الثاني) أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء.

٤٠

قوله تعالى {قال رب} أي يا سيدي،قال لجبريل عليه السلام ، هذا قول الكلبي وجماعة

وقيل قال للّه عز وجل { أنى يكون } من أين يكون{لي غلام} أي ابن { وقد بلغني الكبر} هذا من المقلوب أي وقد بلغت الكبر وشخت كما يقال بلغني الجهد

وقيل معناه وقد نالني الكبر و أدركني وأضعفني .

قال الكلبي  كان زكريا يوم بشر بشر بالولد إبن ثنتين وتسعين سنة ،

وقيل ابن تسع وتسعين سنة . وقال الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما  كان ابن عشرين ومائة نسة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة فذلك

قوله تعالى {وامرأتي عاقر} أي عقيم لا تلد يقال  رجل عاقر وامرأة عاقر، وقد عقر بضم القاف يعقر عقراً وعقارة قال { ويفعل اللّه ما يشاء } فإن قيل لم قال زكريا بعدما وعده اللّه تعالى (أنى يكون لي غلام) أكان شاكاً في وعد اللّه وفي قدرته ؟قيل إن زكريا لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان فقال يا زكريا ان الصوت الذي سمعت ليس هو من اللّه إنما هو من الشيطان ، ولو كان من اللّه لأوحاه إليك كما يوحي عليك في سائر الأمور ، فقال ذلك دفعاً للوسوسة ، قاله عكرمه والسدي وجواب آخر وهو انه لم يشك في وعد اللّه إنما شك في كيفيته ، أي كيف ذلك؟

٤١

قوله تعالى {قال  رب اجعل لي آية} أي علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي فأزيد في العبادة شكراً لك { قال آيتك أن لا تكلم الناس } تكف عن الكلام{ثلاثة أيام} وتقبل بكليتك على عبادتي، لا أنه حبس لسانه عن الكلام ، ولكنه نهي عن الكلام وهو صحيح سوي ، كما قال في سورة مريم الآية (١٠) { أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } يدل عليه

قوله تعالى { وسبح بالعشي والإبكار } فأمره بالذكر ونهاه عن كلام الناس. وقال أكثر المفسرين عقل لسانه عن الكلام مع الناس ثلاثة أيام ، و

قال قتادة  أمسك لسانه عن الكلام عقوبة له لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه فلم يقدر على الكلام ثلاثة أيام ، وقوله {إلا رمزاً} أي إشارة والإشارة قد تكون باللسان وبالعين وباليد ، وكانت إشارته بالإصبع المسبحة وقال الفراء قد يكون الرمز باللسان من غير أن يبين وهو الصوت الخفي أشبه الهمس ، وقال عطاء أراد به صوم ثلاثة أيام لأنهم كانوا اذا صاموا لم يتكلموا الا رمزاً{ واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار} قيل المراد بالتسبيح الصلاة، والعشي ما بين زوال الشمس إلى غروب الشمس ومنه سمى صلاة الظهر والعصر صلاتي العشي ، والإبكار ما بين صلاة الفجر إلى الضحى.

٤٢

قوله تعالى {وإذ قالت الملائكة } يعني جبريل{يا مريم إن اللّه اصطفاك} اختارك { وطهرك} قيل من مسيس الرجال

وقيل من الحيض والنفاس ،

قال السدي  كانت مريم لا تحيض ، و قيل  من الذنوب {واصطفاك على نساء العالمين}قيل على عالمي زمانها

وقيل على جميع نساء العالمين في إنها ولدت بلا أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء،

وقيل بالتحرير في المسجد ولم تحرر أنثى .

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنااحمد بن عبد اللّه النعيمي،

اخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنامحمد بن إسماعيل ،

أخبرنااحمد بن رجاء ،

أخبرنا النضر عن هشام ،

أخبرنا ابي قال  سمعت عبد اللّه بن جعفر، قال سمعت علياً رضي اللّه عنه يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول { خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة رضي اللّه عنهما} ورواه وكيع وابو معاوية عن هشام بن عروة وأشار وكيع إلى السماء والأرض.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا احمد بن عبد اللّه النعيمي ،،

أخبرنامحمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا آدم ،أنا شعبة عنعمرو بن مرة عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام }.

أخبرنا ابو سعيد عبد اللّه بن احمد الطاهري ،

أخبرنا جدي عبد الرحمن بن عبد الصمد البزار،

أخبرنا محمد بن زكريا العذافري،

أخبرنا إسحاق الديري ،

أخبرنا عبد الرزاق ،

أخبرنامعمر، عنقتادة عن انس رضي اللّه عنهما إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه وسلم وآسية امرأة فرعون}.

٤٣

قوله تعالى {يا مريم اقنتي لربك} قالت لها الملائكة شفاها أي أطيعي ربك ، وقال مجاهد أطيلي القيام في الصلاة لربك ،(والقنوت الطاعة)

وقيل القنوت طول القيام قال الأوزاعي  لما قالت لها الملائكة ذلك ، قامت الصلات حتى ورمت قدماها وسالت دماً وقيحاً{واسجدي واركعي} قيل إنما قدم السجود على الركوع لأنه كان كذلك في شريعتهم ،

وقيل بل كان الركوع قبل السجود في الشرائع كلها ، وليس الواو للترتيب بل للجمع ، ويجوز أن يقول الرجل رأيت زيداً وعمراً ، وان كان قد رأى عمراً قبل زيد { مع الراكعين} ولم يقل مع الراكعات ليكون اعم واشمل فإنه يدخل فيه الرجال والنساء ،

وقيل  معناه مع المصلين في الجماعة.

٤٤

قوله تعالى {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} يقول لمحمد صلى اللّه عليه وسلم (ذلك) الذي ذكرت من حديث زكرياويحيى ومريم وعيسى( من أنباء الغيب) أي من أخبار الغيب (نوحيه إليك) رد الكناية إلى ذلك فلذلك ذكره {وما كنت} يا محمد{ لديهم إذ يلقون أقلامهم} سهامهم في الماء للاقتراع{ أيهم يكفل مريم} يحضنها ويربيها{وما كنت لديهم إذ يختصمون} في كفالتها.

٤٥

قوله تعالى { إذ قالت الملائكة يا مريم إن اللّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم } إنما قال إسمه رد الكناية إلى عيسى ،

واختلفوا في أنه لم يسمي مسيحاً ، منهم من قال هو فعيل بمعنى المفعول يعني أنه مسح من الأقذار وطهر من الذنوب ،

وقيل  لأنه مسح بالبركة،

وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن ،

وقيل مسحه جبريل بجناحه حتى لم يكن للشيطان عليه سبيل،

وقيل لأنه كان مسيح القدم لا أخمص له ، وسمى الدجال مسيحاً لأنه كان ممسوح إحدى العينين ، وقال بعضهم هو فعيل بمعنى الفاعل ، مثل عليم وعالم . قال ابن عباس رضي اللّه عنهما سمي مسيحاً لأنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ،

وقيل  سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض ولا يقيم في مكان ، وعلى هذا القول تكون الميم فيه زائدة. وقال ابراهيم النخعي المسيح الصديق ويكون المسيح بمعنى الذاب وبه سمي الدجال والحرف من الأضداد {وجيهاً} أي شريفاً رفيعاً ذا جاه وقدر{ في الدنيا والآخرة ومن المقربين} عند اللّه

٤٦

{ ويكلم الناس في المهد} صغيراً قبل أوان الكلام كما ذكره في سورة مريم قال { إني عبد اللّه آتاني الكتاب} (الآية-٣٠) وحكى عن مجاهد قال قالت مريم كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدثني وحدثته ، فإذا شغلني عنه إنسان سبح في بطني وأنا أسمع قوله { وكهلاً} قال مقاتل يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع الى السماء وقال الحسين بن الفضل (وكهلاً) بعد نزوله من السماء

وقيل

اخبرنا أنه يبقى حتى يكتهل ، وكلامه بعد الكهولة أخباره عن الأشياء المعجزة ،

وقيل  {وكهلاً} نبياً بشرها بنبوة عيسى عليه السلام وكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة . وقال مجاهد {وكهلاً} أي حليماً . والعرب تمدح الكهولة وكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة . وقال مجاهد {وكهلاً} أي حليماً . والعرب تمدح الكهولة لأنها الحالة الوسطى في إحتناك السن واستحكام العقل وجحودة الرأي والتجربة {ومن الصالحين} أي  هو من العباد الصالحين.

٤٧

{قالت رب} ياسيدي تقوله لجبريل .

وقيل تقول للّه عز وجل{أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} ولم يصبني رجل، وقالت ذلك تعجباً إذ لم تكن جرت العادة بان يولد ولد لا أب له { قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً} أي كون الشئ{فإنما يقول له كن فيكون} كما يريد.

٤٨

قوله تعالى {ويعلمه الكتاب} قرأ أهل المدينة وعاصم ويعقوب بالياء ل

قوله تعالى {كذلك اللّه يخلق ما يشاء}، و قيل ردة على قوله {إن اللّه يبشرك}{ويعلمه} وقرأ الآخرون بالنون على التعظيم ك

قوله تعالى {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} قوله {الكتاب} أي الكتابة والخط{والحكمة} العلم والفقه { والتوراة والإنجيل} علمه اللّه التوراة والإنجيل.

٤٩

{ ورسولا} أي ونجعله رسولاً { إلى بني إسرائيل} قيل كان رسولاً في حال الصبا،

وقيل إنما كان رسولاً بعد البلوغ ، وكان أول أنبياء بني اسرائيل يوسف وآخرهم عيسى عليهما السلام فلما بعث قال {أني} قال الكسائي  إنما فتح لأنه أوقع الرسالة عليه ،

وقيل  معناه بأني {قد جئتكم بآية} علامة{من ربكم} تصدق قولي وإنما قال بآية وقد أتى بآيات لأن الكل دل على شئ واحد وهو صدقة في الرسالة ، فلما قال ذلك عيسى عليه السلام لبني إسرائيل ، قالوا وما هي ، قال {أني} قرأ نافع بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الباقون بالفتح على معنى بأني {أخلق} أي أصور وأقدر {لكم من الطين كهيئة الطير} قرأ أبو جعفر كهيئة الطائر ها هنا وفي المائدة ، والهيئة الصورة المهيأة من قولهم  هيأت الشئ الذ ا قدرته وأصلحته { فأنفخ فيه } أي في الطير { فيكون طيراً بإذن اللّه} قراءة الأكثرين بالجمع لأنه خلق طيراً كثيراً، وقرأ أهل المدينة ويعقوب فيكون طائراً على الواحد ها هنا . وفي سورة المائدة ذهبوا إلى نوع واحد من الطير لأنه لم يخلق غير الخفاش، وإنما خص الخفاش لأنه أكمل الطير خلقاً لأن لها ثدياً وأسناناً وهي تحيض. قال وهب كان يطير مادام الناس ينظرون اليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً ، ليتميز فعل الخلق من فعل الخالق، وليعلم أن الكمال للّه عز وجل{ وأبرئ الأكمه والأبرص } أي أشفيهما واصححهما ،

واختلفوا في الكمة ، قال ابن عباس و قتادة هو الذي ولد أعمى ، وقال الحسن و السدي  هو الأعمى .

وقال عكرمة  هو الأعمش . وقال مجاهد هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل { والأبرص} الذي به وضح ، وانما خص هذين لأنهما داءان عياءان ، وكان الغالب في زمن عيسى عليه السلام الطب ، فأراهم المعجزة من جنس ذلك . قال وهب ربما اجتمع عند عيسى عليه السلام من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفاً من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ومن لم يطق مشى إليه عيسى عليه السلام وكان يداويهم بالدعاء على شرط الإيمان.

قوله تعالى {وأحيي الموتى بإذن اللّه} قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  قد أحيا أربعة انفس، عاز وابن العجوز ، وابنة العاشر ، وسام بن نوح ، فأما عازر فكان صديقاً له فأرسلت أخته إلى عيسى عليه السلام أن أخاك عازر يموت وكان بينه وبينه مسيرة ثلاثة أيام فأتاه هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة ايام ، فقال لأخته  انطلقي بنا الى قبره ، فإنطلقت معهم الى قبره ، فدعا اللّه تعالى فقام عازر وودكه يقطر فخرج من قبره وبقي وولد له . وأما ابن العجوز مر به ميتاً على عيسى عليه السلام على سرير يحمل فدعا اللّه عيسى فجلس على سريره ، ونزل على أعناق الرجال، ولبس ثيابه ، وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له . وأما ابنة العاشر كان (أبوها) رجلاً يأخذ العشور ماتت له بنت بالأمس ، فدعا اللّه عز وجل (باسمه العظم) فاحياها (اللّه تعالى) وبقيت(بعد ذلك زمناً) وولد لها . وأما سام بن نوح عليه السلام ، فإن عيسى عليه السلام جاء الى قبره فدعا بإسم اللّه الأعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه خوفاً من قيام الساعة ، ولم يكونوا يشيبون في ذلك الزمان فقال قد قامت القيامة؟ قال لا ولكن دعوتك بإسم اللّه الأعظم ، ثم قال له  مت قال بشرط ان يعيذني اللّه من سكرات الموت فدعا اللّه ففعل.

قوله تعالى {وأنبئكم} وأخبركم { بما تأكلون } مما لم أعاينه{وما تدخرون} ترفعونه{ في بيوتكم} حتى تأكلوه

وقيل  كان يخبر الرجل بما أكل البارحة وبما يأكل اليوم وبما ادخره للعشاء. و

قال السدي  كان عيسى عليه السلام في الكتاب يحدث الغلمان بما يصنع آباؤهم ويقول للغلام  انطلق فقد أكل اهلك كذا وكذا ورفعوا لك كذا وكذا ، فينطلق الصبي الى أهله ويبكي عليهم حتى يعطوه ذلك الشئ فيقولون من اخبرك بهذا ؟ فيقول  عيسى فحبسوا صبيانهم عنه وقالوا لاتلعبوا مع هذا الساحر فجمعوهم في بيت فجاء عيسى عليه السلام يطلبهم فقالوا  ليسوا هاهنا ،

فقال  فما في هذا البيت؟ قالوا خنازير ، قال عيسى ، كذلك يكونون ، ففتحوا عليهم فإذا هم خنازير ففشى ذلك في بني إسرائيل ، فهمت به بنو اسرائيل فلما خاف عليه امه حملته على (حمير) لها، وخرجت (هاوية منهم) الى اهل مصر، و

قال قتادة  إنما هذا في المائدة وكان خواناً ينزل عليهم أينما كانوا كالمن والسلوى ، وأمروا ان لا يخونوا ولا يخبئوا لغد فخانوا و خبؤا فجعل عيسى يخبرهم بما أكلوا من المائدة وبما ادخروا منها فمسخهم اللّه خنازير.

قوله تعالى  {إن في ذلك} الذي ذكرت { لآية لكم إن كنتم مؤمنين}.

٥٠

{ ومصدقاً} عطف على قوله ورسولاً{لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} من اللحوم والشحوم ، وقال أبو عبيدة  أراد بالبعض الكل يعني  كل الذي حرم عليكم وقد يذكر البعض ويراد به الكل كقول لبيد تراك أمكنة إذا لم أرضهاأو ترتبط بعض النفوس حمامها يعني كل النفوس.

قوله تعالى {وجئتكم بآية من ربكم} يعني ما ذكر من الآيات وإنما وحدها أنها كلها جنس واحد في الدلالة على رسالته { فاتقوا اللّه وأطيعون}.

٥١

{إن اللّه ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم }

٥٢

قوله تعالى {فلما أحس عيسى منهم الكفر} أي و جد قال الفراء ، وقال أبو عبيدة  عرف ، وقال مقاتل رأى {منهم الكفر} وأرادوا قتله استنصر عليهم وقال{ قال من أنصاري إلى اللّه }

قال السدي  كان سبب ذلك أن عيسى عليه السلام لما بعثه اللّه عز وجل إلى بني إسرائيل وأمره بالدعوة ، نفته بنو إسرائيل وأخرجوه ، فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض ، فنزلا في قرية على رجل فأضافهما وأحسن إليهما وكان لتلك المدينة جبار متعد فجاء ذلك الرجل يوماً مهتماً حزيناً ، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها مريم  ما شان زوجك أراه كئيباً،قالت لا تسأليني ، قالت  اخبريني لعل اللّه يفرج كربته، قالت إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً أن يطعمه وجنوده ويسقيهم الخمر فإن لم يفعل عاقبه ، واليوم نوبتنا وليس لذلك عندنا سعة ، قالت فقول ي له لا يهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك ، فقالت مريم لعيسى عليه السلام في ذلك ، فقال عيسى إن فعلت ذلك وقع شر ، قالت فلا تبال فإنه قد احسن إلينا وأكرمنا ، قال عيسى عليه السلام ، فقولي له إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني ففعل ذلك ، فدعا اللّه تعالى عيسى عليه السلام ، فتحول ماء القدور مرقاً ولحماً ، وماء الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط فلما جاء الملك أكل فلما شرب الخمر، قال من أين هذا الخمر، قال من أرض كذا، قال (الملك) فإن خمري من تلك الأرض وليست مثل هذه ، قال هي من أرض أخرى ، فلما خلط على الملك واشتد عليه قال فأنا أخبرك عندي غلام لا يسأل اللّه شيئاً إلا أعطاه إياه، وإنه دعا اللّه فجعل الماء خمراً، وكان للملك ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام ، وكان احب الخلق إليه ، فقال أن رجلاً دعا اللّه حتى جعل الماء خمراً (ليستجاب له ) حتى يحيي ابني ، فدعا عيسى عليه السلام فكلمه في ذلك فقال عيسى  لا تفعل فإنه إن عاش وقع شر ، فقال الملك  لا أبالي أليس أراه ، قال عيسى  أن أحييته تتركون وأمي نذهب حيث نشاء ، قال نعم ، فدعا اللّه فعاش الغلام فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا بالسلاح ، و قالوا أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف عليها ابنه فيأكل كما أكل أبوه فاقتتلوا فذهب عيسى وأمه فمر بالحواريين وهو يصطادون السمك ، فقال ما تصنعون ؟ فقالوا  نصطاد السمك قال أفلا تمشون حتى نصطاد الناس، قالوا  ومن أنت ، قال  انا عيسى ابن مريم عبد اللّه ورسوله من أنصاري إلى اللّه فآمنوا وانطلقوا معه.

قوله تعالى {من أنصاري إلى اللّه} قال السدي وابن جريج  مع اللّه تعالى تقول العرب  الذود إلى الذود إبل أي مع الذوذ ، وكما

قال اللّه تعالى { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم }(٢-النساء) ظاي مع أموالكم . وقال الحسن وأبو عبيدة  الى بمعنى في أي من أعواني في اللّه أي في ذات اللّه وسبيله ،

وقيل الى في موضعه معناه من يضم نصرته الى نصرة اللّه لي ،

واختلفوا في الحواريين قال مجاهد والسدي  كانوا صيادين يصطادون السمك سمواً حواريين لبيضا ثيابهم ،

وقيل كانوا ملاحين .

وقال الحسن  كانوا قصارين سموا بذلك لأنهم كانوا يحورون الثياب أي يبيضونها . وقال عطاء سلمت مريم عيسى عليه السلام إلى أعمال شتى فكان آخر ما دفعته الى الحواريين ، وكانوا قصارين وصباغين فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه فاجتمع عند ثياب وعرض له سفر، فقال لعيسى  إنك قد تعلمت هذه الحرفة وأنا خارج في سفر لا أرجع إلى عشرة أيام وهذه ثياب الناس مختلفة الألوان ، وقد أعلمت على كل واحد منها بخيط على اللون الذي يصبغ به ، فيجب ان تكون فارغاً منها وقت قدومي، وخرج فطبخ عيسى جباً واحداً على لون واحد وأدخل جميع الثياب وقال كوني بإذن اله على ما أريد منك ، فقدم الحواري والثياب كلها في الجب ، فقال ما فعلت؟فقال فرغت منها ، قال اين هي؟ قال في الجب ،قال كلها، قال قال لقد أفسدت تلك الثباب ، فقال قم فانظر ، فأخرج عيسى ثوباً أحمر، وثوباً اصفر وثوباً أخضر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها ، فجعل الحواري يتعجب فعلم أن ذلك من اللّه ، فقال للناس  تعالوا فانظروا فلآمن به هو وأصحابه فهم الحواريون وقال الضحاك سموا حواريين لصفاء (قلوبهم) وقال ابن المبارك  سموا به لما عليهم من اثر العبادة ونورها ، اصل الحور عند العرب شدة البياض ، يقال رجل احور وامرأة حوراء أي شديدة بياض العين ، وقال الكلبي وعكرمة  الحواريون هم الأصفياء وهم كانوا أصفياء عيسى عليه السلام ، وكانوا اثنى عشر رجلاً ، قال روح بن القاسم سألت قتادة عن الحواريين قال هم الذي يصلح لهم الخلافة ، وعنه انه قال الحواريون هم الوزراء ،

وقال الحسن الحواريون الأنصار والحواري الناصر ، والحواري في كلام العرب خاصة الرجل الذي يستعين به فيما ينوبه.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي،

أخبرنااحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

اخبرنا محمد بن يوسف،

اخبرنامحمد بن إسماعيل ،

أخبرناالحميدي،

أخبرناسفيان ،

أخبرنا محمد بن المنكدر قال سمعت جابر ابن عبد اللّه رضي اللّه عنهما يقول ندب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم { أن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير}. قال سفيان الحواري الناصر، قال المعمر

قال قتادة  أن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظفون وعبد الرحمن وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص و طلحة بن عبيد اللّه والزبير بن العوام رضي اللّه عنهم أجمعين. {قال الحواريون نحن أنصار اللّه } أعوان دين اللّه ورسوله {آمنا باللّه واشهد} يا عيسى{ بأنا مسلمون}.

٥٣

{ربنا آمنا بما أنزلت} من كتابك {واتبعنا الرسول} عيسى {فاكتبنا مع الشاهدين} الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق . وقال عطاء مع النبيين لأن كل نبي شاهد أمته . قال ابن عباس رضي اللّه عنهما مع محمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته لأنهم يشهدون للرسل بالبلاغ .

٥٤

قوله تعالى {ومكروا} يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر وبروا في قتل عيسى عليه السلام ، وذلك إن عيسى عليه السلام بعد إخراج قومه إياه وأمه عاد إليهم مع الحواريين ، وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله وتواطئوا على الفتك به فذلك مكرهم ،

قال اللّه تعالى {ومكر اللّه واللّه خير الماكرين } فالمكر من المخلوقين  الخبث والخديعة والحيلة ، والمكر من اللّه  استدراج العبد وأخذه بغتة من حيث لا يعلم كما قال { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} (١٨٢-الأعراف) وقال الزجاج  مكر اللّه عز وجل مجازاتهم على مكرهم فسمي الجزاء باسم الابتداء لأنه في مقابلته ك

قوله تعالى  { اللّه يستهزئ بهم }(١٥-البقرة) { وهو خادعهم} (١٤٢-النساء) ومكر اللّه تعالى خاصة بهم في هذه الآية ، وهو إلقاؤه الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى عليه السلام حتى قتل. قال الكلبي عن أبي صالح عنابن عباس رضي اللّه عنهما  أن عيسى استقبل رهطاً من اليهود فلما رأوه قالوا قد جاء الساحر ابن الساحرة ، والفاعل ابن الفاعلة ، وقذفوه وأمه فلما سمع ذلك عيسى عليه السلام دعا عليهم ولعنهم فمسخهم اللّه خنازير . فلما رأى ذلك يهوذا رأس اليهود وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى عليه السلام ، وثاروا إليه ليقتلوه فبعث اللّه إليه جبريل فادخله في خوخة في سقفها روزنة فرفعة اللّه إلى السماء من تلك الروزنة ،فأمر يهوذا رأس اليهود رجلاً من أصحابة يقال له  ططيانوس أن يدخل الخوخة ويقتله ، فلما دخل لم ير عيسى ، فأبطأ عليهم فظنوا انه يقاتله فيها فألقي اللّه عليه شبه عيسى عليه السلام ، فلما دخل لم ير عيسى ، فأبطأ عليهم فظنوا أنه يقاتله فيها ، فألقى اللّه عليه شبه عيسى عليه السلام ، فلما خرج ظنوا انه عيسى عليه السلام فقتلوه وصلبوه ، قال وهب طرقوا عيسى في بعض الليل ، ونصبوا خشبة ليصلبوه ، فأظلمت الأرض ، فأرسل اللّه الملائكة فحالت بينهم وبينه ، فجمع عيسى الحواريين تلك الليلة واوصاهم ثم قال  ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة ، فخرجوا له ثلاثين درهماً فأخذا ودلهم عليه . ولما دخل البيت ألقى اللّه عليه شبه عيسى ، فرفع عيسى واخذ الذي دلهم عليه فقال أنا الذي دللتكم عليه ، فلم يلتفتوا إلى قوله وقتلوه وصلبوه ، وهم يظنون أنه عيسى ، فلما صلب شبه عيسى ، جاءت مريم أم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأها اللّه من الجنون تبكيان عند المصلوب، فجاءهما عيسى عليه السلام فقال ، لهما  علام تبكيان ؟ أن اللّه تعالى قد رفعني ولم يصبني إلا خير ، وان هذا شئ شبة لهم ، فلما كان بعد سبعة أيام قال اللّه عز وجل لعيسى عليه السلام  أهبط على مريم المجدلانية اسم موضع في جبلها ، فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن حزنها ثم ليجتمع لك الحواريون فبثهم في الأرض دعاة إلى اللّه عز وجل ، فأهبطه اللّه عليها فاشتعل الجبل حين هبط نوراً، فجمعت له والحواريين فبثهم في الأرض دعاة ثم رفعه اللّه عز وجل إليه وتلك الليلة هي التي تدخل فيها النصارى ، فلما أصبح الحواريون حدث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم فذلك

قوله تعالى {ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين}. و

قال السدي عن اليهود حبسوا عيسى في بيت وعشرة من الحواريين فدخل عليهم رجل منهم فألقى اللّه عليه شبهه ، وقال قتاده ذكر لنا أن نبي اللّه عيسى عليه السلام قال لأصحابه أيكم يقذف عليه شبهي فإنه مقتول ، فقال رجل من القوم  أنا يا نبي اللّه ، فقتل ذلك الرجل ومنع اللّه عيسى عليه السلام ورفعه إليه وكساه اللّه الريش والبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم حول العرض ، وكان انسياً ملكياً سمائياً أرضياً ، قال أهل التواريخ  حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة ، وولدت عيسى ببيت لحم من ارض اوري شلم لمضي خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل فأوحى اللّه إليه على رأس ثلاثين سنة ، ورفعه اللّه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فكانت نبوته ثلاث سنين ، وعاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين.

٥٥

{إذ قال اللّه يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } اختلفوا في معنى التوفي ها هنا ، قال الحسن و الكلبي ،وابن جريح  أني قابضك ورافعك من الدنيا إلى من غير موت ، يدل عليه

قوله تعالى {فلما توفيتني}(١١٧-المائدة) أي قبضتني إلى السماء وأنا حي ، لأن قومه انما تنصروا بعد رفعه 'إلى السماء لا بعد موته ، فعلى هذا للتوفي تأويلان ،

أحدهما إني رافعك إلى وافياً لم ينالوا منك شيئاً، من قولهم توفيت كذا واستوفيته إذا أخذته تاماً ، والآخر  أني (متسلمك) من قولهم توفيت منه كذا أي تسلمته ، وقال الربيع بن انس  المراد بالتوفي النوم (وكل ذي عين نائم) وكان عيسى قد نام فرفعه اللّه نائماً إلى السماء، معناه أنى منوم ورافعك إلى كما

قال اللّه تعالى { وهو الذي يتوفاكم بالليل} (٦٠-الأنعام ) أي ينيمكم. وقال بعضهم  المراد بالتوفى الموت،روى (عن) علي بن طلحه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن معناه  أني مميتك يدل عليه

قوله تعالى { قل يتوفاكم ملك الموت} (١١-السجدة) فعلى هذا له تاويلان  أحدهما ما قاله وهب  توفى اللّه عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم رفعه اللّه إليه ، وقال محمد بن اسحاق  ان النصارى يزعمون ان اللّه تعالى توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه ، والآخر ما قاله الضحاك وجماعة  إن في هذه الآية تقديماً وتأخيراً معناه اني رافعك الي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك من السماء.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي

أخبرناعبد الرحمن بن أبي شريح،

اخبرنا ابو القاسم عبد اللّه ابن محمد بن عبد العزيز البغوي ،

أخبرنا علي بن الجعد ،

أخبرنا عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة الماجشونعن ابن شهاب ، عنسعيد بن المسيب ،عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { والذي نفس محمد بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عادلاً يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد}. ويروى عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في نزول عيسى عليه السلام قال {وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون}.

وقيل للحسين بن الفضل هل تجد نزول عيسى في القرآن ؟ قال نعم (وكهلاً) ولم يكتهل ف الدنيا وإنما معناه وكهلاً بعد نزوله من السماء.

قوله تعالى {ومطهرك من الذين كفروا} أي مخرجك من بينهم ومنجيك منهم { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } قال قتادة والربيع والشعبي و مقاتل والكلبي  هم أهل الإسلام الذين صدقوه واتبعوا دينه في التوحيد من أمه محمد صلى اللّه عليه وسلم فهم فوق الذين كفروا ظاهرين قاهرين بالعزة والمنعة والحدجة ، و قال الضحاك يعني الحواريين فوق الذين كفروا ،

وقيل هم أهل الروم ،

وقيل أراد بهم النصارى فهم فوق اليهود الى يوم القيامة ، فغن اليهود قد ذهب ملكهم ن وملك النصارى دائم إلى قريب من قيام الساعة ، فعلى هذا يكون الاتباع بمعنى الادعاء والمحبة لا إتباع الذين {ثم إلي مرجعكم } في الآخرة {فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين وأمر عيسى.

٥٦

{فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا } بالقتل والسبي والجزية والذلة { والآخرة} أي وفي الآخرة بالنار{وما لهم من ناصرين}.

٥٧

{وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم} قرأ الحسن وحفص بالياء، والباقون بالنون أي نوفي أجور أعمالهم { واللّه لا يحب الظالمين} أي لا يرحم الكافرين ولا يثني عليهم بالجميل.

٥٨

قوله تعالى {ذلك} أي هذا الذي ذكرته لك من الخبر عن عيسى ومريم والحواريين { نتلوه عليك} (نخبرك به بتلاوة جبريل عليك) {من الآيات والذكر الحكيم } يعني القرآن والذكر ذي الحكمة ، وقال مقاتل الذكر الحكيم أي المحكم الممنوع من الباطل

وقيل الذكر الحكيم هو اللوح المحفوظ، وهو معلق بالعرض من درة بيضاء.

وقيل من الآيات أي العلامات الدالة على نبوتك لأنها أخبار لا يعلمها إلا قارئ كتاب أو من يوحي إليه وأنت أمي لا تقرأ.

٥٩

قوله تعالى {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم } {الآية نزلت في وفد نجران وذلك أنهم قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  مالك تشتم صاحبنا ؟ قال  وما أقول ، قالوا  تقول إنه عبد اللّه قال  أجل هو عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول فغضبوا وقالوا هل رأيت إنساناً قط من غير أب؟

فأنزل اللّه تعالى }إن مثل عيسى عند اللّه{ }في كونه خلقاً من غير أب وأم {خلقه من تراب ثم قال له } يعني لعيسى عليه السلام { كن فيكون} يعني فكان، فإن قيل مامعنى قوله (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) ولا تكوين بعد الخلق؟قيل معناه خلقه ثم اخبركم اني قلت له  كن فكان من غير ترتيب في الخلق كما يكون في الولادة وهو مثل قول الرجل أعطيتك اليوم درهماً ثم أعطيتك امس درهماً ، أي ثم اخبرك أني اعطيتك امس درهماً . وفيما سبق من التمثيل دليل على جواز القياس ، لأن القياس هو رد فرع الى اصل بنوع شبه ، وقد رد اللّه تعالى خلق عيسى الى آدم عليهم السلام بنوع شبه .

٦٠

قوله تعالى {الحق من ربك } أي هو الحق

وقيل جاءك الحق من ربك { فلا تكونن من الممترين } الشاكين ، الخطاب مع النبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد أمته.

٦١

قوله عز وجل { فمن حاجك فيه} أي جادلك في عيسى أو في الحق { من بعد ما جاءك من العلم} بأن عيسى عبد اللّه ورسوله { فقل تعالوا} وأصله تعالوا تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت ، قال الفراء بمعنى تعال كأنه يقول ارتفع . قوله { ندع} جزم لجواب الأمر وعلامة الجزم سقوط الواد{ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} قيل أبناءنا اراد الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة . وانفسنا عنى نفسه وعلياً رضي اللّه عنه والعرب تسمى ابن عم الرجل نفسه، كما

قال اللّه تعالى { ولا تلمزوا أنفسكم}(١١- الحجرات) يريد اخوانكم

وقيل هو على العموم الجماعة أهل الدين {ثم نبتهل} قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  أي نتضرع في الدعاء ،

وقال الكلبي  نجتهد ونبالغ في الدعاء وقال الكسائي وابو عبيدة نلتعن والابتهال، الالتعان يقال عليه بهلة اللّه أي لعنته {فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين } منا ومنكم في امر عيسى ، فلما قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم الى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غداً، فخلا بعضهم ببعض فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم  ياعبد المسيح ماترى ؟ قال واللّه لقد عرفتكم يامعشر النصارى أن محمداً نبي مرسل، واللّه مالا عن قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم ذلك لنهلكن فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم ، فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد غدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم إذا أنا دعوت فآمنوا فقال أسقف نجران  يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا اللّه ان يزيل جبلاً من مكانه لزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض منكم نصراني الى يوم القيامة ، فقالوا يا أبا القاسم  قد رأينا أن لا نلاعنك وان نتركك على دينك ونثبت على ديننا ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإن أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فأبوا فقال فإني أنابذكم فقالوا مالنا بحرب العرب طاقة ، ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ، ألفاً في صفر وألفاً في رجب ، فصالحهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك وقال  والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا.

٦٢

قال اللّه تعالى {إن هذا لهو القصص الحق }النبأ الحق{وما من إله إلا اللّه} و من صلة تقديره وما إله إلا اللّه {وإن اللّه لهو العزيز الحكيم }.

٦٣

{فإن تولوا} أعرضوا عن الإيمان {فإن اللّه عليم بالمفسدين } الذين يعبدون غير اللّه ، ويدعون الناس إلى عبادة غير اللّه.

٦٤

قوله تعالى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } الآية قال المفسرون  {قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم عليه السلام ، فزعمت النصارى أنه كان نصرانياً وهم على دينه وأولى الناس به ، وقالت اليهود  بل كان يهودياً وهم على دينه وأولى الناس به فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفاً مسلماً وأنا على دينه فاتبعوا دينه دين الإسلام ، فقالت اليهود يامحمد ما تريد إلا أن نتخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى رباً ، وقالت النصارى  يامحمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير،

فأنزل اللّه تعالى } قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة {} والعرب تسمي كل قصة لها شرح كلمة ومنه سميت القصيدة كلمة {سواء} عدل بيننا وبينكم مستوية ، أي أمر مستو يقال دعا فلان الى السواء ، أي الى النصفة ، وسواء كل شئ وسطه ، ومنه

قوله تعالى { فرآه في سواء الجحيم } (٥٥-الصافات) وإنما قيل لنصف سواء لأن أعدل الأمور وأفضلها أوسطها وسواء نعت لكلمة إلا انه مصدر، والمصادر لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث ، فإذا فتحت السين مددت ، وإذا كسرت أو ضممت قصرت ك

قوله تعالى { مكاناً سوى} (٥٨-طه) ثم فسر الكلمة فقال{ أن لا نعبد إلا اللّه } ومحل ان رفع على إضمار هي ، وقال الزجاج رفع بالابتداء ،

وقيل  محله نصب بنزع حرف الصفة معناه بان لا نعبد إلا اللّه

وقيل محله خفض بدلاً من الكلمة أي تعالوا الى ان لا نعبد الا اللّه { ولا نشرك به شيئاً و لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه } كما فعلت اليهود والنصارى ، قال اللّه تعاىلى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه} (٣١-التوبة)

وقال عكرمة  هو سجود بعضهم لبعض ، أي لا تسجدوا لغير اللّه ،

وقيل  معناه لا نطيع احداً في معصية اللّه { فإن تولوا فقولوا اشهدوا} فقولوا انتم لهم اشهدوا { بأنا مسلمون} مخلصون بالتوحيد .

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي،

أخبرنااحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن اسماعيل،

أخبرنا ابو اليمان الحكم بن نافع،

أخبرنا شعيب عن الزهري،

أخبرناعبيد اللّه ابن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود أن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما اخبره أن ابا سفيان بن حرب أخبره ان هرقل أرسل اليه في ركب من قريش، وكانواتجاراً بالشام في المدة التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عاهد فيها أبا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهو بإيلياء فدعاهم في مجلسة وحوله عظماء الروم ، ودعا بكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي بعث به دحية بن خليفة الكلبي الى عظيم بصرى فدفعه الى هرقل فرأه فإذا هو بسم الهه الرحمن الرحيم . من محمد عبد اللّه ورسوله ، الى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى اما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، أسلم يؤتك اللّه أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم الإريسيين يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه فإن تولوا فقولا اشهدوا بانا مسلمون.

٦٥

قوله تعالى { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} تزعمون انه كان على دينكم ، وإنما دينكم اليهودية والنصرانية ، وقدحدثت اليهودية بعد نزول التوراة ، والنصرانية بعد نزول الإنجيل ن وإنما أنزلت التوراة والنجيل من بعد إبراهيم بزمان طويل ، وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفاً سنة { أفلا تعقلون } بطلان قولكم؟

٦٦

قوله تعالى { ها أنتم} بتليين الهمزة حيث كان مدني، وأبو عمرو والباقون بالهمز،

واختلفوا في أصلة فقال بعضهم  أصله  أنتم وها تنبيه ، وقال الأخفش أصلة أأنتم ، فقلبت الهمزة الأولى هاء، كقولهم هرقت الماء وارقت {هؤلاء} أصله أولاء دخلت عليه هاء التنبيه وهي في موضع النداء، يعني يا هؤلاء انتم {حاججتم} جادلتم{فيما لكم به علم} يعني في امر موسى وعيسى وادعيتم أنكم على دينهما وقد أنزلت التوراة والانجيل عليكم { فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} وليس في كتابكم انه كان يهودياً أو نصرانياً ،

وقيل حاججتم فيما كلم به علم يعني في امر محمد صلى اللّه عليه وسلم لأنهم وجدوا نعته في كتابهم ، فجادلوا فيه بالباطل ، فلم تحاجون في إبراهيم ، وليس في كتابكم ن ولا علم لكم به ؟ { واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} ثم برأ اللّه تعالى إبراهيم مما قالوا  فقال

٦٧

{ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين} والحنيف المائل عن الأديان كلها إلى الدين المستقيم ن

وقيل الحنيف الذي يوحد ويحج ويضحي ويختن ويستقبل الكعبة . وهو أسهل الأدينان وأحبها إلى اللّه عز وجل.

٦٨

قوله تعالى {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه} أي  من اتبعه في زمانه ،{ وهذا النبي} يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم {والذين آمنوا} معه ، يعني من هذه الأمة {واللّه ولي المؤمنين}. روى الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس ورواه محمد بن اسحاق عن ابن شهاب باسناده ، حديث هجرة الحبشة ، لما هاجر جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه وأناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى الحبشة واستقرت بهم الدار وهاجر النبي صلى اللّه عليه وسلم الى المدينة وكان من امر بدر ما كان فاجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا إن لنا في الذين عند النجاشي من اصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم ثاراً ممن قتل منكم ببدر، فاجمعوا مالاً وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ولينتدب لذلك رجلان من ذوي رأيكم ، فبعثوا عمروبن العاص وعمارة بن الوليد مع الهدايا الأدم وغيره ، فركبا البحر ، وأتيا الحبشه فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له إن قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبون وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك ، لأنهم قوم رجل كذاب خرج فينا ، يزعم أنه رسول اللّه ولم يتابعه احد منا إلا السفها وانا كنا قد شيقنا عليهم الامر والجانهاهم الى شعب بارضنا لا يدخل عليهم احد ولا يخرج منهم أحد ، قد قتلهم الجوع والعطش فلما شتد عليهم الامر بعث اليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك فاحرهم وادفعهم الينا لنكفيكهم ، قالا  وآية ذلك انهم اذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك ، قال فدعاهم النجاشي فلما حضروا، صاح جعفر بالباب يستأذن عليك حزب اللّه ، فقال النجاشي  مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل جعفر، فقال النجاشي  نعم فليدخلوا بامان اللّه وذمته ، فنظر عمرو بن العاص الى صاحبه فقال ألا تسمع كيف يرطنون بحزب اللّه وما أجابهم به النجاشي ، فساءهما ذلك ثم دخلوا عليه فلم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ، فقال لهم النجاشي  مامنعكم ان تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من اتاني من الافاق؟ قالوا نسجد للّه الذي خلقك وملكك وانما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث اللّه فينا نبياً صادقاً فامرنا بالتحية التي رضيها اللّه وهي السلام تحية اهل الجنة ، فعرف النجاشي أن ذلك حق وأنه في التوراة والإنجيل ، قال أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب اللّه ؟ قال جعفر أنا ، قال  فتكلم ، قال انك ملك من ملوك اهل الارض ومن اهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم وأنا أحب أن أجيب عن اصحابي فمر هذين الرجلين فيتلكلم احدهما ولينصت الاخر فتسمع محاورتنا فقال عمرو لجعفر تكلم، فقال جعفر النجاشي أعبيد هم ام احرار؟ فقال عمرو بل احرار كرام ، فقال النجاشي  إن كان قنطاراً فعلى قضاؤه ، فقال عمرو لا ولا قيراطاً ، قال النجاشي  فما تطلبون منهم ؟ قال عمرو  كنا وهم على =دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا فتركوا ذلك وابتغوا غيره فبعثنا اليك قومهم لتدفعهم الينا ، فقال النجاشي ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الذي اتبعتموه ، اصدقني ، قال جعفر أما الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان كنا نكفر باللّه ونعبد الحجارة ، وأما الدين الذي تحولنا اليه فدين اللّه الاسلام جاءنا به من اللّه رسول وكتاب مثل كتاب عيسى بن مريم موافقاً له ، فقال النجاشي ياجعفر تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك ، ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس فاجتمع اليه كل قسيس وراهب، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي  أنشدكم اللّه الذي أنزل الانجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبياً مرسلاً ، فقالوا اللّهم نعم، قد بشرنا به عيسى وقال من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي لجعفر ماذا يقول لكم هذا الرجل وما يامركم به وما ينهاكم عنه؟ فقال يقرأ علينا كتاب اللّه وبأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم ويأمرنا بان نعبد اللّه وحده لا شريك له ، فقال اقرأ علي مما يقرأ عليكم ، فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم ففاضت عيناً النجاشي واصحابه من الدمع وقالوا ردنا يا جعفر من هذا الحديث الطيب فقرأ عليهم سورة الكهف فأراد عمرو أن يغضب النجاشي ، فقال انهم يشتمون عيسى وأمه ، فقال النجاشي  ماتقولون في عيسى وامه فقرأ عليهم سورة مريم فلما أتى جعفر على ذكر مريم وعيسى عليهما السلام رفع النجاشي نفثه من سواكة قدر ماتفذى العين

فقال  واللّه ما زاد المسيح على ما تقولون ها ، ثم أقبل على جعفر وأصحابه

فقال  إذهبوا فانتم سيوم بأرضي( يقول) آمنون من سبكم أو آذاكم غرم ، ثم قال  أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب ابراهيم ، قال عمرو  يانجاشي ومن حزب ابراهيم ؟ قال هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده ومن تبعهم . فأنكر ذلك المشركون وادعوا في دين ابراهيم ، ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه وقال إنما هديتكم لي رشوة فاقبضوها فإن اللّه ملكني ولم يأخذ مني رشوة قال جعفر فانصرفنا فكنا في خير دار وأكرم جوار ، وأنزل اللّه تعالى ذلك اليوم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في خصومتهم في إبراهيم وهو بالمدينة قوله عز وجل {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا واللّه ولي المؤمنين}.

٦٩

قوله عز وجل {ودت طائفة من أهل الكتاب} نزلت في معاذ بن جبل و حذيفة بن اليمان وعمار ابن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم ، فنزلت (ودت طائفة ) (تمنت) جماعة من أهل الكتاب) يعني اليهود{لو يضلونكم } عن دينكم ويردونكم إلى الكفر{ وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون}

٧٠

{يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه} يعني القرآن وبيان نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم { وأنتم تشهدون } أن نعته في التوراة والإنجيل مذكور.

٧١

{ يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل } تخلطون الإسلام باليهودية والنصرانية التي أنزلت على موسى بالباطل الذي حرفتموه وكتبتموه بأيديكم { وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم ودينه حق.

٧٢

قوله تعالى { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا} الآية قال الحسن والسدي تواطأ اثنا عشر حبراً من يهود خيبر وقرى عيينه وقال بعضهم لبعض ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ثم اكفروا آخر النهار وقولوا  إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمداً ليس بذلك ، وظهر لنا كذبه ، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم واتهموه وقالوا غنهم اهل الكتاب وهم اعلم منا به فيرجعون عن دينهم . وقال مجاهد ومقاتل والكلبي  هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود ، فقال كعب بن الأشرف لأصحابة  آمنوا بالذي انزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم اكفروا وارجعوا إلى قبلتكم آخر النهار لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم اعلم فيرجعون إلى قبلتنا ، فأطلع اللّه تعالى رسوله على سرهم وأنزل { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا} { بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار} أوله سمي وجهاً لأنه أحسنه وأول ما يواجه الناظر فيراه { واكفروا آخره لعلهم يرجعون} فيشكون ويرجعون عن دينهم .

٧٣

قوله تعالى { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} هذا متصل بالأول من قول اليهود بعضهم لبعض{ ولا تؤمنوا} أي لا تصدقوا{ إلا لمن تبع دينكم} وافق ملتكم ، واللام في لمن صلة ، أي لا تصدقوا إلا من تبع دينكم اليهودية ك

قوله تعالى { قل عسى أن يكون ردف لكم}(٧٢-النحل) أي  ردفكم .{قل إن الهدى هدى اللّه} هذا خبر من اللّه عز وجل أن البيان بيانه ، ثم اختلفوا فمنهم من قال  كلام معترض بين كلامين ، وما بعده متصل بالكلام الأول إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض ، ومعناه  و تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، و لا تؤمنوا إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والكتاب والحكمة والآيات من المن والسلوى وفلق البحر ، وغيرها من الكرامات . ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنكم اصح ديناً منهم . وهذا معنى قول مجاهد.

وقيل أن اليهود قالت لسفلتهم { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} العلم ، أي لئلا يؤتى أحد ، ولا فيه مضمرة ، ك

قوله تعالى { يبين اللّه لكم أن تضلوا} (النساء-١٧٦) أي لئلا تضلوا ، يقول  لا تصدقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم في العلم ، ولئلا يحاجوكم عند ربكم فيقولوا  عرفتم إن ديننا حق ، وهذا معنى قول ابن جريح. وقرأ الحسن والأعمش (إن يؤتى) بكسر الألف ، فيكون قول اليهود تاماً عند قوله { إلا لمن تبع دينكم} وما بعد من قول اللّه تعالى يقول  قل يا محمد( إن الهدى هدى اللّه إن يؤتى ) إن بمعنى الجحد ، أي ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم { أو يحاجوكم عند ربكم } يعني  إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولوا  نحن أفضل منكم ، فقوله عز وجل ( عند ربكم ) أي عند فضل ربكم بكم ذلك ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبي ومقاتل . وقال الفراء  ويجوز أن يكون أو بمعنى حتى كما يقال  تعلق به أو يعطيك حقك أي حتى يعطيك حقك ، ومعنى الآية  ما أعطي أحد مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكم . وقرأ ابن كثير (آن يؤتى) بالمد على الاستفهام وحينئذ يكون فيه اختصار تقديره  أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ولا تؤمنون به ، هذا قول قتادة والربيع وقالا هذا من قول اللّه تعالى يقول قل لهم يا محمد ( إن الهدى هدى اللّه) بان انزل كتاباً مثل كتابكم وبعث نبياً حسدتموه وكفرتم به. {قل إن الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم} ، قوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاء المؤمنين وتكون أو بمعنى إن لأنهما حرفاً شرط وجزاء يوضح أحدهما موضع الآخر ، أي وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم فقل يا محمد إن الهدى هدى اللّه ونحن عليه ، ويجوز أن يكون الجميع خطاباً للمؤمنين ، ويكون نظم الآية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين حسدوكم فقل( إن الفضل بيد اللّه) وإن حاجوكم (فقل إن الهدى هدى اللّه). ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله (لعلهم يرجعون ) ، و

قوله تعالى ( ولا تؤمنوا) من كلام اللّه يثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم ، يقول لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدقوا أن يحاجوكم في دينكم عند ربكم و يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى اللّه و( إن الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم ) فتكون الآية كلها خطاب اللّه للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا.

٧٤

قوله تعالى ({ يختص برحمته} أي بنبوته{ من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم} .

٧٥

قوله تعالى { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك} الآية ، نزلت في اليهود اخبر اللّه تعالى أن فيهم أمانة وخيانة والقنطار عبارة عن المال الكثير ، والدينار عبارة عن المال القليل ، يقول  منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت ، ومنهم من لا يؤديها وغن قلت ، قال مقاتل( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) هم مؤمنوا أهل الكتاب، كعبد اللّه بن سلام وأصحابه { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } يعني كفار اليهود ، ككعب بن الأشرف وأصحابه ، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عزوجل { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك} يعني عبد اللّه بن سلام ، أودعه رجل ألفاً ومائتي أوقية من ذهب فأداها إليه ، {و منهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} يعني فنحاص بن عازوراء ، إستودعه رجل من قريش ديناراً فخانه ، قوله { يؤده إليك} قرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة (يؤده) و (لا يؤده) و (نصله) و (نؤته) و(نوله) ساكنة الهاء، قرأ أبو جعفر وقالون ويعقوب بالاختلاس كسراً ، والباقون بالإشباع كسراً، فمن سكن الهاء قال لأنها وضعت في موضع الجزم وهو الياء الذاهبة، ومن إختلس فاكتفى بالكسرة عن الياء، ومن أشبع فعلى الأصل،لأن الأصل في الهاء الإشباع،{إلا ما دمت عليه قائما} ، قال ابن عباسملحاً ،يريد يقوم عليه يطالبه بالالحاح ،

وقال الضحاك  مواظباً أي تواظب عليه بالاقتضاء ،

وقيل  أراد أودعته ثم استرجعته وأنت قائم على راسه ولم تفارقه رده إليك ، فإن فارقته وأخرته أنكره ولم يؤده { ذلك} أي  ذلك الاستحلال والخيانة ،{بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} أي في مال العربي إثم وحرج ك

قوله تعالى { ما على المحسنين من سبيل} وذلك ان اليهود قالوا أموال العرب حلال لنا، لأنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم.

وقال الكلبي  قالت اليهود إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد العرب منها فهو لنا ، وإنما ظلمونا وغصبونا فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهم. وقال الحسن وابن جريج ومقاتل بايع اليهود رجالاً من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا  ليس لكم علينا حق ، ولا عندنا قضاء أنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم ، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتبهم ، فكذبهم اللّه عز وجل ، وقال عز من قائل { ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون } ثم قال رداً عليهم

٧٦

{ بلى} أي  ليس كما قالوا بل عليهم سبيل ، ثم ابتدأ فقال { من أوفى} أي  ولكن من أو في { بعهده} أي  بعهد اللّه الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة ،

وقيل  الهاء في عهده راجعة إلى الموفى { واتقى} الكفر والخيانة ونقض العهد ، { فإن اللّه يحب المتقين} .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا قبيصة بن عقبة انا سفيان عن الأعمش عن عبد اللّه بن مرة عن مسروق عن عبد اللّه بن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر}.

٧٧

قوله تعالى { إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً } قال عكرمه نزلت في رؤوس اليهود كتموا ما عهد اللّه إليهم في التوراة في شأن محمد صلى اللّه عليه وسلم وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند اللّه لئلا يفوتهم المآكل والرشا التي كانت لهم من أتباعهم.

اخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو عوانةعن الأعمش عن أبي وائل عن عبد اللّه قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي اللّه يوم القيامة وهو عليه غضبان

فأنزل اللّه تعالى تصديق لذلك } إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلا{) إلى آخر الآية ، فدخل الأشعث بن قيس ،

فقال  ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فقالوا  كذا وكذا ،

فقال  في أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحدثته ، فقال هات بينتك أو يمينه قلت  اذا يحلف عليها يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  من حلف علي يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي اللّه يوم القيامة وهو عليه غضبان}.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاجأنا قتيبة بن سعيد أنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل بن حجر ، عن أبية قال  {جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي ، فقال الحضرمي  يا رسول اللّه إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي ، فقال الكندي  هي أرض في يدي أزرعها ، ليس له فيها حق ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم للحضرمي  ألك بينة ؟ قال  لا ، قال فلك يمينه قال يا رسول اللّه إن الرجل فاجر لا يبالي على ما يحلف عليه ، قال ليس لك منه إلا ذلك ، فانطلق ليحلف له ، فلما أدبر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلماً ليلقين اللّه وهو عنه معرض} ورواه عبد الملك بن حمير عن علقمة ، و قال هو امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه ربيعة بن عبدان. وروي لما هم إن يحلف نزلت هذه الآية فامتنع امرؤ القيس أن يحلف ، وأقر لخصمه بحقه ودفعه اليه

أخبرناأبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ،

أخبرنا زاهر بن احمد السرخسي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن سعيد بن كعب عن أخيه عبد اللّه بن كعب بن مالك عن أبي أمامه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال { من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم اللّه عليه الجنة وأوجب له النار قالوا وإن كان شيئاً يسيراً يارسول اللّه ؟ قال وإن كان قضيباً من أراك قالها ثلاث مرات} .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمرو بن محمد أنا هشيم بن محمد أنا العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن أبي أوفى أن رجلاً أقام سلعة وهو في السوق فحلف باللّه لقد أعطي بها ما لم يعط ، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين ، فنزلت {إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً}.

قوله تعالى { إن الذين يشترون }أي يستبدلون{ بعهد اللّه } وأراد الأمانة،{ وأيمانهم} الكاذبة { ثمناً قليلاً} أي  شيئاً قليلاً من حطام الدنيا{ أولئك لا خلاق لهم } لا نصيب لهم { في الآخرة} ،ونعيمها ،{ولا يكلمهم اللّه } كلاماً ينفعهم ويسرهم،

وقيل هو بمعنى الغضب ، كما يقول الرجل إني لا أكلم فلاناً إذا كان غضب عليه ، { ولا ينظر إليهم يوم القيامة } أي لا يرحمهم ولا يحسن إليهم ولا ينيلهم خيراً،{ولا يزكيهم } أي لا يثني عليهم بالجميل ولا يطهرهم من الذنوب { ولهم عذاب أليم }.

أخبرنا اسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغفار بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجالودي أنا ابراهيم بن محمد أنا سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا محمد بن جعفر عن شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن خرشة بن الحر عن أبي ذر رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } قال قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلث مرات فقال أبوذر خابوا وخسروا، من هم يارسول اللّه ؟قال { المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } في رواية {المسبل إزاره } .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أسيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث مرات فقال أبو ذر  خابوا وخسروا من هم يا رسول اللّه ؟ قال  المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } في رواية { المسبل إزاره }

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أسيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو نصر محمد بن حمزويه المروزي أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم { ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم  رجل حلف يميناً على مال مسلم فاقتطعه ، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد صلاة العصر أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل منع فضل ماله، فإن اللّه تعالى يقول  اليوم أمنعك فضل ما لم تعمل يداك }

٧٨

قوله تعالى { وإن منهم لفريقاً} يعني من أهل الكتاب لفريقاً أي  طائفة ، وهم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن اخطب وأبو ياسر وشعبة بن عمر الشاعر،{ يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي  يعطفون ألسنتهم بالتحريف والتغيير ـ، وهو ما غيروا من صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم وآية الرجم وغير ذلك ، يقال  لو لسانه على كذا أي  غيره { لتحسبوه} أي لتظنوا ما حرفوا { من الكتاب} ، الذي أنزله اللّه تعالى ، { وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب} عمداً، { وهم يعلمون} ، انهم كاذبون ، وقال الضحاك عن ابن عباس  إن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعاً وذلك انهم حرفوا التوراة والإنجيل وألحقوا بكتاب اللّه ما ليس منه.

٧٩

قوله تعالى { ما كان لبشر أن يؤتيه اللّه الكتاب} الآية ، قال مقاتل والضحاك ما كان لبشر يعني عيسى عليه السلام ن وذلك أن نصارى نجران كانوا يقولون  إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً فقال تعالى { ما كان لبشر } يعني  عيسى { أن يؤتيه اللّه الكتاب } الإنجيل. وقال ابن عباس وعطاء ( ما كان لبشر) يعني محمداً ( أن يؤتيه اللّه الكتاب) أي القرآن ، وذلك ان أبا رافع القرظي من اليهود، والرئيس من نصارى أهل نجران قالا  يا محمد تريد ان نعبدك ونتخذك رباً

فقال  معاذ اللّه أن نأمر بعباده غير اللّه ، ما بذلك أمرني اللّه ، ولا بذلك أمرني ،

فانزل اللّه تعالى هذه الآية ( ما كان لبشر) أي ما ينبغي لبشر، ك

قوله تعالى  { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } (سورة النور الآية  ١٦) أي ماينبغي لنا ، والبشر  جميع بني آدم لا واحد له من لفظه ، كالقوم والجيش ، ويوضع موضع الواحد والجمع ،{ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم } ، الفهم والعلم ،

وقيل  إمضاء الحكم عن اللّه عز وجل، { والنبوة } ، المنزلة الرفيعة بالأنبياء { ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون اللّه ولكن كونوا} أي ولكن يقول كونوا،{ ربانيين}.

واختلفوا فيه ، قال علي وابن عباس والحسن  كونوا فقهاء علماء و

قال قتادة  تحكماء وعلماء وقال سعيد بن جبير  العالم الذي يعمل بعلمه ، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس  فقهاء معلمين .

وقيل  الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، و قال عطاء  علماء حكماء نصحاء للّه في خلقه ، قال ابو عبيدة  سمعت رجلاً عالماً يقول  الرباني العالم باحلال والحرام والمر والنهي ، العالم بأنباء المة ما كان وما يكون ،

وقيل  الربانيون فوق الأحبار ، والأحبار  العلماء والربانيون  الذين جمعوا مع العلم البصارة بسياسة الناس. قال المؤرج  كونوا ربانيين تدينون لربكم ، من الربوبية ، كان في الأصل ربي فأدخلت الألف للتفخيم ، ثم ادخلت النون لسكون الألف ، كما قيل صنعاني وبهراني. وقال المبرد هم أرباب العلم سموا به لأنهم يربون العلم ، ويقومون به ويربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها ، و كل من قام بإصلاح شئ وإتمامه فقد ربه يربه ، وأحدها  ربان ( كما قالوا ربان) وعطشان وشبعان وعريان ، ثم ضمت اليه ياء النسبة ، كما قالوا لحياني ورقباني. وحكي عن علي رضي اللّه عنه أنه قال  هو الذي يرب علمه بعمله ، قال محمد بن الحنفية لما مات ابن عباس  اليوم مات رباني هذه الأمة. { بما كنتم} أي  بما أنتم ، ك

قوله تعالى {من كان في المهد صبياً} (سورة مريم الآية ٢٩) ، أي  من هو في المهد { تعلمون الكتاب} قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة و الكسائي ( تعلمون ) بالتشديد من التعليم ، وقرأ الآخرون ( تعلمون) بالتخفيف من العلم ، ك

قوله  { بما كنتم تدرسون} أي  تقرؤن.

٨٠

قوله  { ولا يأمركم } ، قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بنصب الراء عطفاً على

قوله  ثم يقول ، فيكون مردوداً على البشر ، أي  ولا يأمر ذلك البشر،

وقيل  علي إضمار إن أي ولا أن يأمركم ذلك البشر ، وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف ، معناه ولا يأمركم اللّه وقال ابن جريج وجماعة  ولا يأمركم محمد،{ أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً} كفعل قريش والصابئين حيث آلوا الملائكة بنات اللّه ، واليهود والنصارى حيث قالوا في المسيح و عزير ما قالوا، { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } ، قاله على طريق التعجب والإنكار، يعني  لا يقول هذا.

٨١

قوله عز وجل { وإذ أخذ اللّه ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} قرأ حمزة { لما } بكسر اللازم ، وقرأ الآخرون بفتحها ، فمن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما ، ومعناه الذي يريد للذي آتيتكم ، أي أخذ ميثاق النبيين لأجل الذي آتاهم من الكتاب والحكمة يعني، أنهم أصحاب الشرائع ، ومن فتح اللام فمعناه  للذي آتيتكم ، بمعنى الخبر،

وقيل  بمعنى الجزاء ، أي  لئن آتيتكم ومهما آتيتكم . وجواب الجزاء قوله { لتؤمنن}.

قوله {لما آتيتكم} قرأ نافع وأهل المدينة ( آتيناكم ) على التعظيم كما قال  { وآتينا داود زبورا } (النساء- ١٦٣) { وآتيناه الحكم صبياً} (سورة مريم ١٢) وقرأ الاخرون بالتاء لموافقة الخط ، ول

قوله { وأنا معكم}.

واختلفوا في المعني بهذه الآية  فذهب قوم الى أن اللّه تعالى أخذ الميثاق على النبيين خاصة أن يبلغوا كتاب اللّه ورسالاته الى عباده ، وأن يصدق بعضهم بعضاً وأخذ العهد على كل نبي ان يؤمن بمن ياتى بعده من الأنبياء ، وينصره إن أدركه ، وإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن ادركوه ، فإخذ الميثاق من موسى ان يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم . ( وقال الاخرون  بما اخذ اللّه الميثاق منهم في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ) ، فعلى هذا اختلفوا  منهم من قال  غنما أخذ الميثاق على أ هل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين ، وهذا قولمجاهد والربيع ، ألا ترى الى قوله { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه } ، وإنما كان محمد صلى اللّه عليه وسلم مبعوثاً إلى اهل الكتاب دون النبيين ، يدل عليه أن في قراءة عبد اللّه بن مسعود وأبي بن كعب{ وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب} ، وأما القراءة المعروفة ( وإذ اخذ اللّه ميثاق النبيين ) فأراد  أن اللّه اخذ ميثاق النبيين ان ياخذوا الميثاق على أممهم أن يؤمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ويصدقوه وينصروه، إن أدركوه. وقال بعضهم  أراد اخذ اللّه الميثاق على النبيين ، وأممهم جميعاً في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فاكتفى بذكر النبياء لأن العهد مع المتبوع عهد على الأتباع ، وهذا معنى قول ابن عباس ، وقال علي بن أبي طالب  لم يبعث اللّه نبياً، آدم ومن بعده ، إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد ، وأخذ العهد على قومه ليؤمنن به ، ولئن بعث وهم احياء لينصرنه.

قوله { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم} ، يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم ،{ لتؤمنن به ولتنصرنه} ، يقول اللّه تعالى للأنبياء حين استخرج الذرية من صلب آدم عليه السلام والأنبياء فيهم كالمصابيح ولاسرج ، وأخذ عليهم الميثاق في امر محمد صلى اللّه عليه وسلم ، قال{ أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري} أي  قبلتم على ذلكم عهدي ، والإصر العهد الثقيل، { قالوا أقررنا قال} ، اللّه تعالى { فاشهدوا} أي  فاشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم ، { وأنا معكم من الشاهدين } عليكم وعليهم ، وقال ابن عباس  فاشهدوا، أي  فاعلموا ، وقال سعيد بن المسيب قال اللّه تعالى للملائكة فاشهدوا عليهم ، كناية عن غير مذكور .

٨٢

{ فمن تولى بعد ذلك} ، الإقرار ،{ فأولئك هم الفاسقون} أن العاصون الخارجون عن الإيمان.

٨٣

قوله عز وجل { أفغير دين اللّه يبغون} وذلك {أن أهل الكتاب اختلفوا فادعى كل واحد أنه على دين إبراهيم عليه السلام واختصموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم  كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم عليه السلام ، فغضبوا وقالوا  لانرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك ،

فأنزل اللّه تعالى  } أفغير دين اللّه يبغون { }، قرأ أ بو جعفر وأهل البصرة وحفص عن عاصم { يبغون } بالياء ل

قوله تعالى { وأولئك هم الفاسقون } ، وقرأ الآخرون بالتاء ل

قوله تعالى{ لما آتيتكم } ، {وله أسلم} ،خضع وانقاد ، { من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} ، فالطوع  الانقياد والاتباع بسهولة ، والكره ما كان بمشقة وإباء من النفس.

واختلفوا في قوله { طوعاً وكرها} قال الحسن  أسلم اهل السموات طوعاً وأسلم من في الأرض بعضهم طوعاً وبعضهم كرهاً ، خوفاً من السيف والسبي ،

وقال مجاهد  طوعاً المؤمن ، وكرهاً ذلك الكافر، بدليل {وللّه يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال }(الرعد-١٥)

وقيل هذا يوم الميثاق حين قال لهم { ألست بربكم قالوا بلى }( الاعراف-١٧٢) ، فقال بعضهم  طوعاً وبعضهم  كرهاً ، و

قال قتادة  المؤمن أسلم طوعاً فنفعه ، الكافر أسلم كرهاً في وقت البأس فلم ينفعه ،

قال اللّه تعالى { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} (غافر -٨٥) وقال الشعبي  هو استعاذتهم به عند اضطرارهم ، كما

قال اللّه تعالى { فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين } ( العنكبوت -٦٥).

وقال الكلبي  طوعاً الذي ( ولد) في الإسلام ، وكرهاً الذي اجبوا على الإسلام ممن يسبى منهم فيجاء بهم في السلاسل،{ وإليه يرجعون} ، قرا بالياء حفص عن عاصم ويعقوب كما قرأ { يبغون} بالياء وقرأ الباقون بالتاء فيهما إلا ابا عمرو فغنه قرأ { يبغون} بالياء و { ترجعون } بالتاء ، وقال لأن الأول خاص والثاني عام، لأن مرجع جميع الخلق الى اللّه عز وجل.

٨٤

قوله تعالى { قل آمنا باللّه وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}.ذكر الملل والأديان واضطراب الناس فيها ن ثم امر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقول { آمنا باللّه} الآية .

٨٥

قوله {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} ، نزلت في اثنى عشر رجلاً ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفاراً ، منهم الحارث بن سويد النصاري ، فنزل فيهم { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }.

٨٦

{ كيف يهدي اللّه قوماً كفروا بعد إيمانهم} لفظه استفهام ومعناه جحد أي  لا يهدي الكله ، وقبل معناه كيف يهديهم اللّه في الآخرة إلى الجنة والثواب { وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات واللّه لا يهدي القوم الظالمين}.

٨٧

{ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين}.

٨٨

{ خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } وذلك  أن الحارث بن سويد لما لحق بالكفار ندم ن فأرسل الى قومه  أن سلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  هل لي من توبة؟ ففعلوا ذلك ،

فأنزل اللّه تعالى

٨٩

{ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن اللّه غفور رحيم} ، لما كان منه ، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه فقال الحارث إنك - واللّه ما علمت لصدوق وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصدق منك وإن اللّه عز وجل لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه.

٩٠

قوله عز وجل { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا} قال قتادة والحسن نزلت في اليهود كفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم محمد صلى اللّه عليه وسلموالقرآن. و

قال أبو العالية  نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم لما رأوه بعد إقرارهم بان اللّه خالقهم ، ثم ازدادوا كفراً أي  أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه. قال الحسن  ازدادوا كفراً كلما نزلت آية كفروا بها ، فازدادوا كفراً

وقيل  إزدادوا كفراً بقولهم  نتربص بمحمد ريب المنون.

قال الكلبي  نزلت في الأحد عشر من أصحاب الحارث بن سويد ، لما رجع الحارث إلى الإسلام أقاموا هم على الكفر بمكة وقالوا نقيم على الكفر ما بدا لنا فمتى أردنا الرجعة ينزل فينا مانزل في الحارث ، فلما افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة فمن دخل منهم في الإسلام قبلت توبته ، ونزل فيمن مات منهم كافراً

٩١

{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار} الآية. فإن قيل قد وعد اللّه قبول توبة من تاب ، فما معنى

قوله  { لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } ؟ قيل  لن تقبل توبتهم إذا ( رجعوا في حال المعاينة) ، كما قال { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} سورة النساء الآية (١٨).

وقيل هذا في أصحاب الحارث بن سويد حيث أمسكوا عن الإسلام ، وقالوا  نتربص بمحمد فإن ساعده الزمان نرجع إلى دينه ، فلن يقبل منهم ذلك لأنهم متربصون غير محققين ، فأولئك هم الضالون . قوله عز وجل { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض }، أي  قدر مايملأ الأرض من شرقها إلى غربها ، { ذهباً } نصب على التفسير ن كقولهم  عشرون درهماً .{ ولو افتدى به } ، قيل  معناه لو افتدى به ، والواو زائدة مقحمة ، { أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}.

أخبرنا عبد الواحد بن المليحي انا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيل انا محمد بن بشار

أخبرنا غندر

أخبرنا شعبة عن أبي عمران قال سمعت أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { يقول اللّه لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة  لو أن لك مافي الأرض من شئ اكنت تفدي به ؟ فيقول  نعم ، فيقول  أردت منك اهون من ذلك وانت في صلب آدم ان لاتشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي}.

٩٢

قوله تعالى { لن تنالوا البر} يعني  الجنة ، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ، وقال مقاتل بن حيان  التقوى ،

وقيل  الطاعة

وقيل الخير  

وقال الحسن  أن تكونوا أبراراً.

أخبرنا محمد بن عبد اللّه الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي

أخبرنا محمد بن حماد قال  

أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند اللّه صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللّه كذاباً}.

قوله تعالى  { حتى تنفقوا مما تحبون} أي  من أحب أموالكم إليكم ، روى الضحاك عن ابن عباس  ان المراد منه اداء الزكاة. وقال مجاهد والكلبي  هذه الآية نسختها آية الزكاة،

وقال الحسن  كل إنفاق يبتغي به المسلم وجه اللّه حتى الثمرة ينال به هذا البر ،

وقال عطاء  لن تنالوا البر أي  شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحا أشحاء.

أخبرنا ابو الحسن السرخسي انا زاهر بن أحمد أنا أبو اسحق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن إسحق بن عبد اللّه بن أبي طلحة أنه سمع انس بن مالك يقول كان أبو طلحة الأنصاري أكثر أنصاري بالمدينة مالاً وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول اللّه يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال انس  فلما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قام أبو طلحة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقال { يارسول اللّه إن اللّه تعالى يقول في كتابه }لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون { وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة للّه أرجو برها وذخرها عند اللّه ، فضعها يارسول اللّه حيث شئت ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  بخ بخ ذلك مال رابح . أو قال  ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة أفعل يارسول اللّه فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه}. وروي عن مجاهد قال  كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الى أبي موسى الأشعري ان يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت فدعا بها فأعجبته ، فقال إن اللّه عز وجل يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فأعتقها عمر. وعن حمزة بن عبد اللّه بن عمر قال  خطرت على قلب عبد اللّه بن عمر هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال ابن عمر فذكرت ما أعطاني اللّه عز وجل ، فما كان شئ اعجب إلي من فلانة ، هي حرة لوجه اللّه تعالى ، قال  لولا أنني لا أعود في شئ جعلته للّه لنكحتها. { وما تنفقوا من شيء فإن اللّه به عليم } ، أي  يعلمه ويجازي به.

٩٣

قوله تعالى  { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة } سبب نزول هذه االآية {أن اليهود قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  تزعم أنك على ملة إبراهيم ؟ وكان إبراهيم لا يأكل لحوم الإبل وألبانها وأنت تأكلها ، فلست على ملته فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  كان ذلك حلالاً لإبراهيم عليه السلام ، فقالوا كل ما نحرمه اليوم كان ذلك حراماً على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية } كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل{ } يريد  سوى الميتة والدم ، فإنه لم يكن حلالاً قط . {إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} وهو يعقوب عليه السلام { من قبل أن تنزل التوراة} ن يعني ليس الأمر على ما قالوا من حرمة لحوم الإبل وألبانها على إبراهيم ، بل كان الكل حلالاً له ولبني اسرائيل وإنما حرمها إسرائيل على نفسه قبل نزول التوراة ن يعني  ليست في التوراة حرمتها .

واختلفوا في الطعام الذي حرمه يعقوب على نفسه وفي سببه ، قال أبو العالية وعطاء ومقاتل و الكلبي  كان الطعام  لحمان الإبل والبانها وروي أن يعقوب مرض مرضاً شديداً فطال سقمه فنذر لئن عافاه اللّه من سقمه ليحرمن احب الطعام والشراب اليه ، وكان احب الطعام اليه لحمان الأبل واحب الشراب إليه ألبانها ، فحرمها. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك  هي العروق. وكان السبب في ذلك انه اشتكى عرق النسا وكان أصل وجعه ، فيما روى جويبر ومقاتل عن الضحاك أن يعقوب كان نذر إن وهبه اللّه اثنى عشر ولداً وأتى بيت المقدس صحيحاً أن يذبح آخرهم ، فتلقاه ملك (من الملائكة) ،

فقال  يايعقوب إنك رجل قوي فهل لك في الصراع ، فعالجة فلم يصرع واحد منهما صاحبه، فغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ، ثم قال له  أما إني لو شئت أن أصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لأنك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحاً ذبتحت آخر ولدك ، فجعل اللّه لك بهذه الغمزة من ذلك مخرجاً ، فلما قدمها يعقوب اراد ذبح ولده ونسي قول الملك ، فأتاه الملك وقال إنما غمزتك للمخرج وقد وفي نذرك فلا سبيل لك إلى ولدك. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة و السدي  أقبل يعقوب من حران يريد بيت المقدس حين هرب من اخيه عيصو وكان رجلاً بطيشاً قوياً فلقيه ملك فظن يعقوب انه لص فعالجه أن يصرعه ، فغمز الملك فخذ يعقوب ، ثم صعد إلى السماء ويعقوب عليه السلام ينظر إليه ، فهاج به عرق النسا ولقي من ذلك بلاء وشدجة ، وكان لاينام بالليل من الوجع ، ويبيت وله زقاء ، أي  صياتح ، فحلف يعقوب لئن شفاه اللّه أن لا يأكل عرقاً و طعاماً فيه عرق، فحرمه على نفسه ، فكان بنوه بعد ذلك يتبعون العروض ، يخرجونها من اللحم . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس  لما أصاب يعقوب عرق النسا وصف له الأطباء أن يجتنب لحمان الإبل فحرمها يعقوب على نفسه. ونال الحسن  حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبداً للّه تعالى  فسأل ربه ان يجيز له ذلك فحرمه اللّه على ولده. ثم اختلفوا في حال هذا الطعام المحرم على بني إسرائيل بعد نزول التوراة ، و

قال السدي  حرم اللّه عليهم في التوراة ما كانوا يحرمونه قبل نزولها ، وقال عطية  إنما كان محرماً عليهم بتحريم إسرائيل فإنه كان قد قال  لئن عافاني اللّه لا يأكله لي ولد ، ولم يكن محرماً عليهم في التوراة

وقال الكلبي  لم يحرمه اللّه (عليهم) في التوراة وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم ، كما

قال اللّه تعالى { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} (سورة النساء الآية ١٦٠) و

قال اللّه تعالى { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر}، إلى أن قال { ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون}( سورة النعام ، الآية (١٤٦) ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنباص عظيماً حرم اللّه عليهم طعاماً طيباً أو صب عليهم رجزاً وهو الموت. وقالالضحاك لم يكن شئ من ذلك حراماً عليهم ولا حرمه اللّه في التوراة ، وإنما حرموه على أنفسهم اتباعاً لأبيهم ، ثم أضافوا تحريمه الى اللّه ، فكذبهم اللّه عز وجل ، فقال {قل} يا محمد { فاتوا بالتوراة فاتلوها } ، حتى يتبين أنه كما قلتم ،{ إن كنتم صادقين} ، فلم ياتوا

٩٤

فقال اللّه عز وجل  { فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون }.

٩٥

{قل صدق اللّه فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين} وإنما دعاهم إلى اتباع ملة إبراهيم لأن في إتباع ملة إبراهيم إتباعه صلى اللّه عليه وسلم .

٩٦

قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً} سبب (نزول هذه الآية) أن اليهود قالوا للمسلمين  بيت المقدس قبلتنا ، وهو أفضل من الكعبة وأقدم وهو مهاجر الأنبياء ،ب وقال المسلمون بل الكعبة أفضل ،

فانزل اللّه تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين}. { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمناً} ، وليس شئ من هذه الفضائل لبيت المقدس.

واختلف العلماء في

قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} ، فقال بعضهم  هو أول بيت ظهر على وجه الماء عد خلق ( السماء) والأرض، خلقه اللّه قبل الأرض بألفي عام ، وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحته ، هذا قول عبد اللّه بن عمر ومجاهد وقتادة والسدي. وقال بعضهم  هو أول بيت بني في الأرض ، روي عن علي بن الحسين  أن اللّه تعالى وضع تحت العرض بيتاً وهو البيت المعمور ، وأمر الملائكة ان يطوفوا به ، ثم امر الملائكة الذين هم سكان الارض ان بينوا في الارض بيتاً على مثاله وقدرة ، فبنوا واسمه الضراح ن وأمر من في الارض ان يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور. وروي أن الملائكة بنوه قب لخلق آم بألفي عام، وكانوا يحجونه ، فلما حجه آدم قالت الملائكة  بر حجك يا آدم ، حججنا هذا البيت قبلك بألف عام ، ويروى عن ابن عباس رضي اله عنه انه قال أراد به أنه أول عن علي بن أبي طالب ، قال الضحاك  أول بيت وضع فيه البركة ،

وقيل أول بيت وضع للناس يحج اليه .

وقيل أول بيت جعل قبلة للناس . وقال الحسن والكلبي  معناه  أول مسجد ومتعبد وضع للناس يعبد اللّه فيه كما

قال اللّه تعالى  ( في بيوت إذن اللّه أن ترفع ) يعني المساجد.

اخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل

اخبرنا موسى بن إسماعيل

اخبرنا عبد الواحد أنا الأعمش

أخبرنا إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال سمعت أبا ذر يقول  {قلت يارسول اللّه أي مسجد وضع في الأرض أولاً ؟ قال المسجد الحرام ، قلت ثم أي ؟ قال المسجد الأقصى ، قلت  كم كان بينهما ؟ قال  أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإن الفضل فيه}.

قوله تعالى {للذي ببكة} قال جماعة  هي مكة نفسها ، وهو قول الضحاك ، والعرب تعاقب بين الباء والميم ، فتقول  سبد رأسه وسمده ، وضربه لازب ولازم ، وقال الآخرون  بكة موضع البيت ومكة اسم البلد كله.

وقيل  بكة موضع البيت والمطاق ، سميت بكة  لأن الناس يتباكون فيها ، أي يزدحمون يبك بعضهم بعضاظً ويصلي بعضهم بين يدي بعض ويمر بعضهم بين يدي بعض. وقال عبد اللّه بن الزبير سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة ، أي تدقها فل يقصدها جبار بسور الا قصمه اللّه. وأما مكة سميت بذلك لقلة مائها ، من قول العرب  مك الفصيل ضرع أمه وأمتكه إذا امتص كل مافيه من اللبن ، وتدعى أم رحم لأن الرحمة تنزل بهاز {مباركاً} نصب على الحال ، أي  ذا بركة { وهدى للعالمين} لأنه قبلة المؤمنين { فيه آيات بينات } قرأ ابن عباس{ آية بينة } على الوحدان ، وأراد مقام إبراهيم وحده ، وقرأ الاخرون { آيات بينات} بالجمع، فذكر منها مقام إبراهيم (وهو الحجر) الذي قام عليه إبراهيم ، وكان أثر قدميه فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، ومن تلك الآيات  الحجر السود والحطيم وزمزم والمشاعر كلها ،

وقيل مقام إبراهيم جميع الحرم ، ومن الآيات في البيت أن الطير تطير فلا تعلو فوقه ، وأن الجارحة إذا قصدت صيداً فإذا دخل الصيد الحرم كفت عنه ، وإنه بلد صدر إليه الأنبياء والمرسلون والأولياء والأبرار ، وإن الطاعة والصدقة فيها تضاعف بمائة الف.

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو محمد الحسن بن احمد المخلدي ،

أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحق السراج ن

أخبرنا أبو مصعب احمد بن أبي بكر الزهري انا مالك بن أنس عن زيد بن رباح وعبيد اللّه بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه الأغر عن ابي هريرة قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة ، فيما سواه إلا المسجد الحرام}. قوله عز وجل { ومن دخله كان آمناً} من ان يحاج فيه ن وذلك بدعاء ابراهيم عليه السلام حيث قال  رب اجعل هذا بداً آمناً ، وكانت العرب في الجاهلية يقتل بعضهم بعضاً ويغير بعضهم على بعض ومن دخل الحرم امن من القتل والغارة وهو المراد من الآية على قول الحسن وقتادة وأكثر المفسرين

قال اللّه تعالى { أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمنا ويتخطف الناس من حولهم } سورة العنكبون الآية ٦٧)،

وقيل  المراد به أن من دخله عام عمرة القضاء مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان آمناً ، كما قال تعالى { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين} (سورة الفتح، الآية ٢٧)

وقيل هو خبر بمعنى الأمر تقديره  ومن دخله فأمنوه ، ك

قوله تعالى{ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } البقرة -١٩٧) ، أي  لا ترفثوا ولا تفسقوا ، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن من وجب عليه القتل قصاصاً أو حداً فالتجأ إلى الحرم فلا يستوفى منه فيه ولكنه ( لا يطعم ) ولا يبايع ولا يشارى حتى يخرج منه ، فيقتل ، قاله ابن عباس ، وبه قال أبو حنيفه ، وذهب قوم الى أن القتل الواجب بالشرع يستوفى فيه أما اذا ارتكب الجريمة في الحرم يستوفي فيه عقوبته بالانفاق.

وقيل معناه ومن دخله معظماً له متقرباً إلى اللّه عز وجل كان آمناً يوم القيامة من العذاب قوله عز وجل

٩٧

{ وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } أي وللّه فرض واجب على الناس حج البيت ، قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي وحفص { حج البيت } بكسرالحاء في هذا الحرف خاصة ، وقرأ الآخرون بفتح الحاء ، وهي لغة اهل الحجاز ، وهما لغتان فصيحتان ومعناهما واحد . والحج احد أركان الإسلام ،

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أنا محمد بن يوسف

أخبرنا محمد بن إسماعيل أنا عبد اللّه بن موسى أنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رضي اللّه عنهما ، قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { بني الاسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة والحج ، وصوم رمضان}. قال اهل العلم  ولوجوب الحج خمس شرائط  الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة ، فلا يجب على الكافر ولا على المجنون ، ولو حجا بانفسهما لا يصح لأن الكافر ليس من أهل القربة ولا حكم (لفعل) المجنون ، ولا يجب على الصبي ولا على العبد ، ولو حج صبي يعقل ، أو عبد يصح حجمها تطوعاً لا يسقط به فرض الإسلام عنهما فلو بلغ الصبي، أو عتق العبد بعدما حج واجتمع في حقه شرائط ( وجوب) الحج ، وجب عليه أن يحج ثانياً ، ولا يجب على غير المستطيع ، ل

قوله تعالى { من استطاع إليه سبيلاً} غير أنه لو تكلف فحج يسقط عنه فرض الإسلام. والاستطاعة نوعان ،

احدهما  أن يكون مستطيعاً(بنفسه) ، والآخر  أن يكون مستطيعاً بفيره ، أما الاستطاعة بنفسه أن يكون قادراً بنفسه على الذهاب ووجد الزاد والراحلة ،

أخبرنا عبد الواحد بن محمد الكسائي الخطيب ثنا عبد العزيز بن احمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم

أخبرنا الربيع بن سليمان

أخبرنا الشافعي

أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال فعدنا الى عبد اللّه ابن عمر فسمعته يقول  {سأل رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقال  ماالحاج ؟ قال الشعث التفل، فقام رجل آخر

فقال  يارسول اللّه  أي الحج أفضل ؟ قال  العج والثج فقام رجل آخر

فقال  يارسول اللّه ما السبيل؟ قال زاد وراحلة}. وتفصيله  أن يجد راحلة تصلح لمثله ووجد الزاد للذهاب والرجوع ، فاضلاً عن نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم وكسوتهم لذهابه ورجوعه ، وعن دين يكون عليه ، ووجد رفقة يخرجون فيث وقت جرت عادة أهل بلدة بالخروج في ذلك الوقت ، فإن خرجوا قبله أو أروا الخرونج إلى وقت لا يصلون إلا أن يقطعوا كل يوم اكثر من مرحلة لا يلزمهم الخروج ( في ذلك الوقت )، ويشترط أن يكون الطريق آمناً ، فإن كان فيه خوف من عدو مسلم أو كافر أو رصدي يطلب شيئاً لا يلزمه ، ويشترط ان تكون المنازل المأهولة معمورة يجد فيها الزاد والماء ، فإن كان زمان جدوبة تفرق اهلها أو غارت مياهها، فلا يلزمه ولو لم يجد الراحلة لكنه قادر على المشي ، أو لم يجد الزاد لوكن يمكنه أن يكتسب في الطريق لا يلزمه الحج ، ويستحب لو فعل ، وعد مالك يلزمه. اما الاستطاعة بالغير هو  أن يكون الرجل عاجزاً بنفسه ، بأن كان زمناً أو به مرض غير مرجو الزوال، لكن له مال يمكنه أن يستأجر من يحج عنه ، يجب عيه أن يستاجر ، أو لم يكن له مال لكن بذل له ولده أو أجنبي الطاعة في أن يحج عنه ، يلزمه أن يأمره اذا كان يعتمد صدقه ، لأن وجوب الحج ( يتعلق ) بالاستطاعة ، ويقال في العرف  فلان مستطيع لبناء دار وان كان لايفعله بنفسه ، وإنما يفعله بماله أو بأعوانه . وعند أبي حنيفة لا يجب الحج ببذل الطاعة ، وعند مالك لا يجب على المعضوب في المال. وحجة من أوجبه ما

أخبرنا أبو الحسن السرخسي

أخبرنا زاهر بن أحمد

أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ،

أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد اللّه بن عباس أنه قال  كان الفضل بن عباس رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر اليها وتنظر اليه ، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الآخر ، فقالت  يارسول اللّه إن فريضة اللّه على عباده في الحج ، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال نعم.

قوله تعالى { ومن كفر فإن اللّه غني عن العالمين } ، قال ابن عباس والحسن وعطاء  جحد فرض الحج ،

وقال مجاهد  من كفر باللّه واليوم الآخر. وقال سعيد بن المسيب نزلت في اليهود حيث قالوا الحج الى مكة غير واجب . و

قال السدي  هو من وجد ما يحج به ثم لم يحج حتى مات فهو كفر به ،

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ،

أخبرنا أبو الحسن الكلماتي

أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر ،

أخبرنا سهل بن عمار

اخبرنا يزيد بن هرون

أخبرنا شريك عن الليث عن عبد الرحمن بن سابط عن ابي أمامه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ، ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً}.

٩٨

قوله تعالى { قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه واللّه شهيد على ما تعملون }.

٩٩

{ قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل اللّه } أي لم تصرفون عن دين اللّه { من آمن تبغونها}تطلبونها،{عوجاً} زيغاً و ميلاً، يعني  لم تصدون عن سبيل اللّه باغين لها عوجاً؟ قال ابو عبيدة  العوج- بالكسر - في الدين والقول والعمل ، والعوج - بالفتح - في الجدار ، وكل شخص قائم ، { وأنتم شهداء وما اللّه بغافل عما تعملون } ،(أن في التوراة مكتوباً) نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم وإن دين اللّه الذي لا يقبل غيره هو الإسلام .

١٠٠

{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب} ، قال زيد بن اسلم  {إن شاس بن قيس اليهودي - وكان شيخاً عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين - مر على نفر من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة ، قال قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا واللّه مالنا معهم اذا اجتمعوا بها من قرار ، فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال اعمد إليهم واجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ماكانوا تقالوا فيه من الأشعار ، وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس مع الخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل وتكلم فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب ، أوس بن قبطي أحد بني حارثة من الأوس وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه  إن شئتم واللّه رددتها الآن جذعة ، وغضب الفريقان جميعاً وقالا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة ، وهي حرة فخرجوا إليها ، وانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال صلى اللّه عليه وسلم  يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم اللّه بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم ؟ ترجعون إلى ماكنتم عليه كفاراً ، اللّه اللّه فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سامعين مطيعين ،

فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية. }يردوكم بعد إيمانكم كافرين { }قال جابر فما رأيت قط يوماً أقبح أولاً ، وأحسن آخراً من ذلك اليوم ثم قال اللّه تعالى على وجه التعجب.

١٠١

{وكيف تكفرون } يعني ولم تكفرون؟ {وأنتم تتلى عليكم آيات اللّه}،القرآن، {وفيكم رسوله}،محمد صلى اللّه عليه وسلم. قال قتادهفي هذه الآيه علمان بينان كتاب اللّه ونبي اللّه، أما نبي اللّه فقد مضى، وأما كتاب اللّه فأبقاه بين أظهركم رحمةً من اللّه ونعمة.

أخبرناأبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي

أخبرناأبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحافظ أنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل

أخبرناأحمد محمد بن عبد الوهاب العبدي أناأبو جعفر بن عوف

أخبرنا أبو حيان يحيى بن سعيد بن حيان [عن يزيد بن حيان] قال سمعت زيد بن أرقم قال قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطيباً،فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال { أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فتمسكوا بكتاب اللّه وخذوا به، فحث عليه ورغب فيه،ثم قال وأهل بيتي،وأهل بيتي، وأذكركم اللّه في أهل بيتي}.

قوله تعالى { ومن يعتصم باللّه } أي  يمتنع باللّه ويتمسك بدينه وطاعته ،{ فقد هدي إلى صراط مستقيم } ، طريق واضح ، وقال ابن جريج ومن يعتصم باللّه أي يؤمن باللّه ، وأصل العصمة  المنع ، فكل مانع شيئاً فهو عاصم له .

١٠٢

قوله تعالى  {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته}، قال مقاتل بن حيان  كان بين الأوس و الخزرج عداوة في الجاهلية وقتال حتى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينه، فأصلح بينهم فافتخر بعده منهم رجلان  ثعلبه بن غنم من الأوس و أسعد بن زراره من الخزرج ، فقال الأوسي  منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، ومنا حنظلة غسيل الملائكه، ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدبر ، ومنا سعد بن معاذ الذي اهتز [لموته] عرش الرحمن ورضي اللّه بحكمه في بني قريظة. وقال الخزرجي منا أربعة أحكموا القرآن  أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد ، ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم ، فجرى الحديث بينهما فغضبا وأنشدا الأشعار وتفاخرا ، فجاء الأوس و الخزرج ومعهم السلاح ، فأتاهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية  { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته }. وقال عبد اللّه بن مسعود وابن عباس  هو أن يطاع فلا يعصى ،

قال مجاهد  أن تجاهدوا في سبيل اللّه حق جهاده ولا تأخذكم في اللّه لومة لائم ، وتقوموا للّه بالقسط ولو على أنفسكم وآبائكم وأبنائكم . وعن أنس أنه قال  لايتقي اللّه عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه . قال أهل التفسير  فلما نزلت هذه الآية شق ذلك عليهم، فقالوا  يا رسول اللّه ومن يقوى على هذا ؟

فأنزل اللّه تعالى  {فاتقوا اللّه ما استطعتم }(التغابن ١٦) فنسخت هذه الآية ، و

قال مقاتل  ليس في آل عمران من المنسوخ إلا هذا. { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي مؤمنون ،

وقيل مخلصون مفوضون أموركم الى اللّه عز وجل ، وقال الفضيل محسنون الظن باللّه .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو بكر العبدوسي

اخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد

أخبرنا سليمان بن سيف

أخبرنا وهب بن جرير أنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { أيها الناس اتقوا اللّه حق تقاته فلو ان قطرةً من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم ، فكيف بمن هو طعامه وليس لهم طعام غيره}.

١٠٣

قوله عز وجل { واعتصموا بحبل اللّه جميعاً} الحبل السبب الذي (يتوصل) به الى البغية ، وسمي الإيمان حبلاً لأنه سبب يتوصل به الى زوال الخوف.

واختلفوا في معناه هاهنا ،

قال ابن عباس  معناه تمسكوا بدين اللّه ، وقال ابن مسعود  هو الجماعة وقال  عليكم بالجماعة فإنها حبل اللّه الذي امر اللّه به ، وإن ماتكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة . وقال مجاهد وعطاء  بعهد اللّه ، وقال قتادة والسدي  هو القرآن ، وروى عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { إن هذا القرآن هو حبل اللّه ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، وعصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعة}. وقال مقاتل بن حيان  بحبل اللّه  أي بأمر اللّه وطاعته ، { ولا تفرقوا } كما [افترقت ] اليهود والنصارى ،

أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن احمد ابو اسحاق الهاشمي

أخبرناابو مصعب عن مالك بن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال { إن اللّه تعالى يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعاً ، وأن تناصحوا من ولى اللّه أمركم ، ويسخط لكم  قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال}.

قوله تعالى { واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } قال محمد بن اسحاق وابن يسار وغيره من اهل الأخبار كانت الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل ، فتطاولت تلك العداوة والحرب بينهم عشرين ومائة سنة الى ان أطفأ اللّه عز وجل ذلك بالإسلام وألف [بينهم] برسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وكان سبب ألفتهم ان سويد بن الصامت أخاً بني عمرو بن عوف وكان شريفاً يسميه قومه الكامل لجلده ونسبه ، قدم مكة حاجاً أو معتمراً، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد بعث وأمر بالدعوة ، فتصدى له حين سمع به ودعاه الى اللّه عز وجل وإلى الإسلام ، فقال له سويد فلعل الذي معك مثل الذي معي ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم [ وما الذي معك قال  مجلة لقمان ، يعني حكمته ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ] اعرضها علي فعرضها ،

فقال  إن هذا لكلام حسن ، معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله اللّه علي نوراً وهدىً ، فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام ، فلم [يبعد] منه وقال  إن هذا [لقول] حسن ، ثم انصرف الى المدينة فلم يلبث أن قتلته الخزرج قبل يوم بعاث ، فإن قومه ليقولون  قد قتل وهو مسلم. ثم قدم أبو الحيسر أنس بن رافع ، ومعه فئة من بني الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج ، فلما سمع بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتاهم فجلس اليهم ،

فقال  هل لكم إلى خير مما جئتم له ؟ فقالوا وما ذلك ؟ قال أنا رسول اللّه بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن لا يشركوا باللّه شيئاً ، وأنزل علي الكتاب ، ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ، فقال إياس بن معاذ وكان غلاماً حدثاً  أي قوم هذا واللّه خير مما جئتم له ، فأخذ أبو الحيسر حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا ، فصمت إياس وقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنهم ، وانصرفوا الى المدينة ، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخرزرج ، ثم لم يلبث إياس بن معاذ ان هلك. فلما أراد للّه عز وجل إظهار دينه واعزاز نبيه خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم ، فلقي عند العقبة رهطاً من الخزرج أراد اللّه بهم خيراً، وهم ستة نفر أسعد بن زرارة ، وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء ، ورافع ابن مالك العجلان ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابي ، وجابر بن عبد اللّه ، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  من أنتم ؟ قالوا نفر من الخزرج، قال  أمن موالي يهود؟ قالوا  نعم قال  أفلا تجلسون حتى أكلمكم ؟ قالوا  بلى ، فجلسوا معه فدعاهم الى اللّه عز وجل وعرض علهيم الإسلام وتلا عليهم القرآن . قالوا  وكان مما صنع اللّه لهم به في الإسلام أن يهوداً كانوا معهم ببلادهم ، وكانوا اهل كتاب وعلم وهم كانوا اهل اوثان وشرك ، وكانوا اذا كان منهم شئ قالوا إن نبياً الآن مبعوث قد أظل زمانه ، نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما كلم رسول اللّه أولئك النفر ودعاهم الى اللّه عز وجل قال بعضهم لبعض  ياقوم تعلمون واللّه انه النبي الذي توعدكم به يهود ، فلا يسبقنكم اليه ، فأجابوه وصدقوه وأسلموا وقالوا  إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مابينهم ، وعسى اللّه ان يجمعهم بك وسنقدم عليهم فندعوهم الى أمرك ، فإن يجمعهم اللّه عليك فلا رجل أعز منك. ثم انصرفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم راجعين الى بلادهم قد آمنوا به صلى اللّه عليه وسلم ، فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعوهم الى الإسلام ، حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار الا وفيها ذكر من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً وهم  أسعد بن زرارة ،وعوف ومعاذ ابنا عفراء ورافع بن مالك بن العجلان ، وذكوان بن عبد القيس ، وعبادة بن الصامت ، ويزيد بن ثعلبة ، وعباس بن عبادة ، وعقبة بن عامر ، وقطبة بن عامر ، وهؤلاء خزرجيون وابو الهيثم بن التيهان وعويمر بن ساعدة من الأوس ، فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على بيعة النساء،على أن لا يشركوا باللّه شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا، إلى آخر الآيه ، فإن وفيتم فلكم الجنة ، وان غشيتم شيئاً من ذلك فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له ، وإن ستر عليكم فأمركم الى اللّه إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم ، قال وذلك قبل أن يفرض عليهم الحرب. قال  فلما انصرف القوم بعث معهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم في الدين ، وكان مصعب يسمى بالمدينة المقرئ وكان منزله على أسعد بن زرارة ، ثم إن أسعد بن زرارة خرج بمصعب فدخل به حائطاً من حوائط بني ظفر ، فجلسا في الحائط واجتمع اليهما رجال ممن أسلم ، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير انطلق الى هذين الرجلين اللذين قد أيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما ، فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي ولولا ذاك لكفيتكه ، وكان سعد بن معاذ واسيد بن حضير سيدي قومهما من بني عبد الأشهل وهما مشركان ، فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل الى مصعب وأسعد وهما جالسان في الحائط ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب  هذا سيد قومه قد جاءك ، فاصدق وأسعد وهما جالسان في الحائط ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب  هذا سيد قومه قد جاءك ، فاصدق اللّه فيه ، قال مصعب  إن يجلس أكلمه ، قال  فوقف عليهما متشتماً ، فقال ما جاء بكما الينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلا ان كانت لكما في أنفسكما حاجة ، فقال له مصعب  أو تجلس فتسمع ؟ فإن رضيت امراً قبلته وأن كرهته كف عنك ماتكره ، قال  أنصفت ، ثم ركز حربته وجلس اليهما ، فكلمة مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن ، فقالا واللّه لعرفنا في وجهة الاسلام قبل ان يتكلم به ، في إشراقة وتسهله ، ثم قال  ماأحسن هذا الكلام وأجمله كيف تصنعون اذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له  تغتسل وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ، ( ثم تصلي ركعتين ، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وشهد شهادة الحق ) ثم قام وركع ركعتين ، ثم قال لهما  إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله اليكما الآن ، سعد بن معاذ ، ثم اخذ حربته فانصرف الى سعد وقومه ، وهم جلوس في ناديهم ، فلما نظر اليه سعد بن معاذ مقبلاً قال  أحلف باللّه لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب من عندكم ، فلما وقف على النادي قال له سعد ما فعلت ؟ قال  كلمت الرجلين فواللّه مارأيت بهما بأساً وقد نهيتهما ، فقالا  فافعل ما أحببت ، وقد حدثت أن بني حارثة خرجو ا الى اسعد بن زرارة ليقتلوه ، وذلك انهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك فقام سعد (مغضباً) مبادراً للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة ، ثم قال  واللّه ماأراك أغنيت شيئاً فلما رأهما مطمئنين عرف ان اسيداً إنما أراد ان يسمع منهما فوقف عليهما متشتماً ، ثم قال لأسعد بن زرارة لولا مابيني وبينك من القرابة مارمت هذا مني ، تغشانا في دارنا بما نكره وقد قال أسعد لمصعب  جاءك واللّه سيد قومه ، إن يتبعك لم يخالفك منهم احد ، فقال له مصعب  أو تقعد فتسمع فإن رضيت امراً ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ، قال سعد  انصفت ، ثم ركز الحربة وجلس ، فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن  قالا فعرفنا واللّه في وجهة الإسلام  قبل أن يتكلم به في اشراقه وتسهله ،ثم تشهد شهادة الحق ثم (تصلي) ركعتين ، فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين ، ثم أخذ حربته فأقبل عامداً الى نادي قومه ومعه اسيد بن خضير ، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا نحلف باللّه لقد رجع سعد اليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف عليهم قال يابني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا  سيدنا وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبة قال  فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا باللّه ورسوله ، قال  فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة الا مسلم أو مسلمة ، ورجع أسعد بن زرارة ومصعب الى منزل أسعد بن زرارة ، فأقام عنده يدعو الناس الى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الانصار الا وفيها رجال مسلمون ونساء مسلمات الا ماكان من دار بني امية بن زيد وخطمة ووائل ووافق وذلك انه كان فيهم ابو قيس بن الأسلت الشاعر، وكانوا يسمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق. قالوا  ثم ان مصعب بن عمير رجع الى مكة وخرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلاً مع حجاج قومهم من اهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العقبة من اوسط أيام التشريق وهي بيعة العقبة الثانية . قال كعب بن مالك - وكان قد شهد ذلك - فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعنا عبد اللّه بن عمرو بن حرام أو جابر

اخبرناه وكنا نكتم عمن معنا من المشركين من قومنا أمرنا فكلمناه ، وقلنا له  يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت فيه ان تكون حطباً للنار غداً ، ودعوناه الى الإسلام فأسلم ، و

أخبرناه بميعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشهد معنا العقبة ، وكان نقيباً ، فبتنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى اذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نتسلل مستخفين تسلل القطا ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن سبعون رجلاً ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بني النجار، وإسماء بنت عمرو بن عدي أم منيع احدى نساء بني سلمة ، فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ على دين قومه الا انه احب ان يحضر امر ابن أخيه ، ويتوثق له ، فما جلسنا كان أول من تكلم العباس بن عبد الملطب ،

فقال  يامعشر الخزرج - وكانت العرب يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها - إن محمداً صلى اللّه عليه وسلم منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا وهو في عز من قومه ومنعه في بلدة ، وأنه قد أبى الا الانقطاع اليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم ترون انكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج اليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة . قال  فقلنا قد سمعنا ما قلت  فتكلم يارسول اللّه وخذ لنفسك ولربك ماشئت. قال  فتكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتلا القرآن ودعا الى اللّه تعالى ورغب في الاسلام ، ثم قال أبايعكم على ان تمنعوني ممما تمنعون منه (انفسكم ونساءكم) وأبناءكم ، قال  فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال  والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يارسول اللّه ، فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر. قال( فاعترض ) القول- والبراء يكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ابو الهيثم بن التيهان ،

فقال  يارسول اللّه إن بيننا وبين الناس حبالاً يعني العهود ، وأنا قاطعوها فهل عسيت ان فعلنا نحن ذلك ثم أظهرك اللّه أن ترجع الى قومك وتدعنا ، فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال الدم الدم والهدم والهدم ، أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسلم من سالمتم . وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيباً كفلاء على قومهم بما فيهم ن ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم فاخرجو اثنى عشر نقيباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. قال عاصم بن عمرو بن قتادة  ان القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضله النصاري يامعشر الخزرج هل تدرون علاماً تبايعون هذا الرجل؟ انكم تبايعونه على حرب الحمر والأسود ، فإن كنتم ترون أنكم اذا نهكت اموالكم مصيبة واشرافكم قتلى اسلمتموه ، فمن الآن ، فهو واللّه ان فعلتم خزي في الدنيا والآخرة ، وان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه على تهلكة الاموال وقتل الأشراف فخذوه فهو واللّه خير الدينا والآخرة. قالوا فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف ، فما لنا بذلك يارسول اللّه إن نحن وفينا ؟ قال الجنة قال ابسط يدك فبسط يده فبايعوه ن وأول من ضرب على يده البراء بن معرور ، ثم تتابع القوم ، فلما بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صرح الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت ماسمعته قط  ياأهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة قد اجتمعوا على حربكم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  هذا عدو اللّه هذا أزب العقبة ، اسمع أي عدو اللّه أما واللّه لأفرغن لك ن ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  ارفضوا إلى رحالكم . فقال العباس بن عبادة بن نضلة  والذي بعثك بالحق لئن شئت (لنميلن) غداً على اهل منى باسيافنا ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم . قال فرجعنا الى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاؤونا في منازلنا ن فقالوا  يامعشر الخزرج بلغنا انكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين اظهرنا .وتبايعونه على حربنا ، وإنه واللّه ماحي من العرب أبغض الينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم (منكم). قال  فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون لهم باللّه  ماكان من هذا شئ ومعلمناه . وصدقوا. ولم يعلموا ، وبعضنا ينظر إلى بعض ، وقام القوم وفيهم الحرث بن هشام بن المغيرة (المخزومي) وعليه نعلان جديدان ، قال فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا ياجابر أما تستطيع ان تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش ، قال فسمعها الحراث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما الي وقال  واللّه لتنتعلنهما قال يقول أبو جابر رضي اللّه عنه  مه ، واللّه احفظت الفتى فاردد اليه نعليه ، قال لا أردهما فأل - واللّه - صالح ، واللّه لئن صدق الفأل (لأسلبنه). قال  ثم أنصرف الأنصار الى المدينة قد شددوا العقد ، فلما قدموها أظهروا الإسلام بها وبلغ ذلك قريشاً فآذوا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه إن اللّه تعالى قد جعل لكم اخواناً وداراً تأمنون فيها فأمرهم بالهجرة الى المدينة واللحوق بإخوانهم من الأنصار. فاول من هاجر الى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، ثم عامر بن ربيعة ثم عبد اللّه بن جحش ثم تتابع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرسالاً الى المدينة فجمع اللّه أهل المدينة أوسها وخزرجها بالإسلام ، وأصلح ذات بينهم نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم .

قال اللّه تعالى { واذكروا نعمة اللّه عليكم } يامعشر النصار{ إذ كنتم أعداء} قبل الاسلام{ فألف بين قلوبكم } بالإسلام ،{ فأصبحتم} ، أي فصرتم ،{ بنعمته } ، برحمته وبدينه الإسلام { إخواناً } في الدين والولاية بينكم . { وكنتم} يامعشر الأوس والخزرج { على شفا حفرة من النار} أي على طرف حفرة مثل شفا البئر، معناه  كنتم على طرف حفرة من النار ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا ان تموتوا على كفركم ، { فأنقذكم } اللّه {منها} بالإيمان ، { كذلك يبين اللّه لكم آياته لعلكم تهتدون}.

١٠٤

{ ولتكن منكم أمة } أي  كونوا أمة ، { من } صلة ليست للتبعيض ، ك

قوله تعالى  { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }(الحج-٣٠) لم يرد اجتناب بعض الأوثان بل أراد فاجتنبوا الأوثان ، واللام في قوله { ولتكن} لام الأمر، { يدعون إلى الخير} إلى الإسلام ، { ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.

أخبرنا اسماعيل عبد القاهر قال أنا عبد الغافر بن محمد قال

اخبرنا محمد بن عيسى الجلودي

اخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثنا أبو بكر محمد بن أبي شيبة

اخبرنا وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال قال أبو سعيد رضي اللّه عنهما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقو ل { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان}.

أخبرنا ابو عبد اللّه بن الفضل الخرقي قال

اخبرنا ابو الحسن الطيسفوني

اخبرنا عبد اللّه بن عمر الجوهري

أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني

اخبرنا علي بن حجر

أخبرنا إسماعيل بن جعفر أنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن اللّه أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم } .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي

أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا علي بن الحسين الدراوردي

أخبرنا أبو النعمان

أخبرنا عبد العزيز بن مسلم القسملي أنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال  سمعت ابا بكر الصديق رضي اللّه عنه يقول  يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول { إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك ان يعمهم اللّه تعالى بعذابه }.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد محمد بن يوسفأنا محمد بن اسماعيلأناعمرو بن حفص بن غياث

أخبرنا أبي أنا الأعمش حدثني الشعبي انه سمع النعمان بن بشير رضي اللّه عنه يقول قال النبي صلى اللّه عليه وسلم {مثل المداهن في حدود اللّه تعالى والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا مالك؟ فقال تأذيتم بي ولابد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم }.

١٠٥

قوله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا

واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} قال أكثر المفسرين  هم اليهود والنصارى ، وقال بعضهم  المبتدعة من هذه الأمة ، وقال أبو أمامه رضي اللّه عنه  هم الحرورية بالشام. قال عبد اللّه بن شداد وقف ابو أمامة وأنا معه على رأس الحرورية بالشام

فقال  هم كلاب النار، كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم ، ثم قرأ{ ولا تكونوا كالذين تفرقوا

واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } إلى

قوله تعالى {أكفرتم بعد إيمانكم }.

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي أناابو الحسين بن بشران

اخبرنااسماعيل بن محمد الصفار حدثنا احمد بن منصور الرماديحدثناعبد الرزاق

أخبرنا معمر عن عبدالملك بن عميرعنعبد اللّه بن الزبيرأن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال  إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {من سره بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة ، فإن الشيطان مع الفذ ، وهو من الاثنين أبعد}.

قوله تعالى  {وأولئك لهم عذاب عظيم}.

١٠٦

{يوم تبيض وجوه وتسود وجوه }، {يوم} نصب على الظرف ، أي  في يوم ، وانتصاب الظرف على التشبية بالمفعول ، يريد تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين

وقيل تبيض وجوه المخلصين وتسود وجوه المنافقين . وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قرأ هذه الآية قال تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة. قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس اذا كان يوم القيامة رفع لكل قوم ماكانوا يعبدونه ، فيسعى كل قوم الى ماكنوا يعبدون ، وهو

قوله تعالى { نوله ما تولى } (النساء -١١٥) فإذا انتهوا اليه حزنوا فتسود وجوههم من الحزن ، وبقى أهل القبلة واليهود والنصارى لم يعرفوا شيئاً مما رفع لهم ، فيأتيهم اللّه فيسجد له من كان يسجد في الدنيا مطيعاً مؤمناً ويبقى اهل الكتاب والمنافقون لا يستطيعون السجود، ثم يؤذن لهم فيرفعون رؤوسهم ووجوه المؤمنين مثل الثلج بياضاً والمنافقون وأهل الكتاب اذا نظروا الى وجوه المؤمنين حزنوا حزناً شديداً فاسودت وجوههم ، فيقولون  ربنا مالنا مسودة وجوهنا فو اللّه ماكنا مشركين؟ فيقول اللّه للملائكة { انظر كيف كذبوا على أنفسهم }. قال اهل المعاني ابيضاض الوجوه اشراقها واستبشارها وسرورها بعملها وبثواب اللّه ، واسودادها حزنها وكآبتها وكسوفها بعملها وبعذاب اللّه ، يدل عليه

قوله تعالى {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة }(يونس-٢٦) وقال تعالى {والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة } (يونس-٢٧) وقال { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة * ووجوه يومئذ باسرة } ( القيامة -٢٢-٢٤) وقال { وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة }(عبس ٣٧-٤٠) . {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } ، معناه  يقال لهم  اكفرتم بعد إيمانكم ؟ {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}. فإن قيل  كيف قال  اكفرتم بعد إيمانكم ، وهم لم يكونوا مؤمنين ؟ حكي عن ابي بن كعب انه اراد به  الأيمان يوم الميثاق، حين قال لهم  ألست بربكم ؟ قالوا يقول  أكفرتم بعد إيمانكم يوم الميثاق؟

وقال الحسن  هم المنافقون تكلموا بالأيمان بألسنتهم ، وانكروا بقلوبهم . وعن عكرمة  أنهم اهل الكتاب، آمنوا بانبيائنم وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل ان يبعث ، فلما بعث كفروا به .

وقال قوم  هم من أهل قبلتنا ، وقال ابو أمامة  هم الخوارج ، وقال قتادة هم اهل البدع .

اخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي

أخبرنااحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنامحمد بن يوسف أنامحمد بن اسماعيلأناسعيد بن ابي مريم عننافع بن عمر حدثني ابن ابي مليكة عن اسماء بنت ابي بكر ، قالت  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {اني فرطكم على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس دوني، فأقول  يارب مني ومن أمتي ، فيقال لي هل شعرت ماعملوا بعدك؟ واللّه مابرحوا يرجعون على أعقابهم}. وقال الحارث الأعور سمعت علياً رضي اللّه عنه على المنبر يقول  ان الرجل ليخرج من اهله فما يؤوب اليهم حتى يعمل عملاً يستوجب به الجنة ، وإن الرجل ليخرج من اهله فما يعود اليهم حتى يعمل عملاً يستوجب به النار ، ثم قرأ {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الآية ، ثم نادى هم الذين كفروا بعد الأيمان - ورب الكعبة .

أخبرنا ابو عبد اللّه محمد بن الفضل الخرقي

أخبرنا ابو الحسن الطيسفونيأناعبد اللّه بن عمر الجوهري

أخبرنااحمد بن علي الكشميهني أناعلي بن حجر أنااسماعيل بن جعفر عنالعلاء بن عبد الرحمن عن ابية عن ابي هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا }.

١٠٧

قوله تعالى {وأما الذين ابيضت وجوههم}هؤلاء أهل الطاعة ،{ففي رحمة اللّه } جنة اللّه {هم فيها خالدون} .

١٠٨

{تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحق وما اللّه يريد ظلماً للعالمين }.

١٠٩

{ وللّه ما في السماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور }.

١١٠

{كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال عكرمة ومقاتل  نزلت في ابن مسعود وابي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى ابي حذيفة ، رضي اللّه عنهم ، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهودا اليهودين قالا لهم  نحن أفضل منكم وديننا خير مما تدعوننا إليه ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنها {كنتم خير أمة أخرجت للناس} هم الذين هاجروا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم الى المدينة ، وقال جويبر عن الضحاك  هم أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم خاصة الرواة والدعاة الذين أمر اللّه المسلمين بطاعتهم . وروي عن عمر بن الخطاب قال  كنتم خير امة أخرجت للناس تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا ابو محمد بعد الرحمن بن أبي شريح أنا ابو القاسم البغويأنا علي بن الجعد

أخبرنا شعبة عنابي حمزة سمعت زهدم بن مضرب عن عمران بن حصين رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { خيركم قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . قال عمران  لا أدري أذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثاً وقال  إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن }. وبهذا الإسناد عن علي بن الجعد

اخبرنا شعبة وابو معاوية عن الأعمش عن ذكوان عن ابي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال{لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه }. وقال الآخرون  هم جميع المؤمنين من هذه الأمة . وقوله {كنتم } أي أنتم ، كقوله تعلى {واذكروا إذ كنتم قليلاً} (الأعراف -٨٦) ،وقال في موضع آخر {واذكروا إذ أنتم قليل }(الأنفال -٢٦) ،

وقيل  معناه كنتم خير أمة عند اللّه في اللوح المحفوظ وقال قوم قوله {للناس} من صلة قوله {خير أمة} ، أي انتم خير الناس للناس. قال ابو هريرة معناه كنتم خير الناس ، تجيئون بهم في السلاسل فتدخلونهم في الإسلام. قال للناس صلة قوله اخرجت معناه ما اخرج اللّه للناس امة خيراً من امة محمد صلى اللّه عليه وسلم .

أخبرنا ابو سعيد الشريحي أناابو اسحاق الثعلبي أناابو عبد اللّه الحسين بن محمد الحافظ

أخبرنا ابو علي الحسين بن محمد بن حبيش المقري أنا علي بن زنجوية

اخبرنا سلمة بن شبيب أناعبد الرزاق أنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده انه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول في

قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال {إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللّه عز وجل}.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أناابو معشر إبراهيم بن محمد الفيركي

أخبرناابو عبد اللّه محمد ابن زكريا بن يحيى

أخبرناابو الصلت

أخبرناحماد بن زيد

أخبرنا بن زيد

أخبرنا علي بن زيد عن أبي نضره عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي أخيرها وأكرمها على اللّه عز وجل}.

أخبرنا أبو سعيد الشريحيأناأبو إسحاق الثعلبي،

أخبرناأبو عبد اللّه الحسين بن محمد أنا الفضل بن الفضل

أخبرناأبو خليفة الفضل بن الحباب قالعبد الرحمن يعني ابن المبارك

أخبرنا حماد بن يحيى الأبح أنا ثابت البناني عن أنس رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره } .

أخبرنا ابو سعيد الشريحي أنا أبو اسحاق الثعلبي أنا ابو محمد المخلدي

اخبرنا ابو نعيم ، عبد الملك بن محمد بن عدي ،

أخبرنا أحمد بن عيسى التنيسي،

أخبرنا عمرو بن ابي سلمة

اخبرنا صدقة بن عبد اللّه عن زهير بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عقيل عن الزهري عنسعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال { إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم كلهم حتى تدخلها أمتي}.

أخبرنا ابو سعيد الشريحي قال  

أخبرنا ابو اسحاق الثعلبي اناابو عبد اللّه الحسين بن محمد

اخبرنا ابو القاسم عمر بن محمدبن عبد اللّه بن حاتم الترمذي

اخبرنا جدي لأمي محمد بن عبد اللّه بن مرزوق انا عفان بن مسلم انا عبد العزيز بن مسلم

اخبرنا ابو سنان يعني ضرار بن مرة عن محارب بن دثار عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { أهل الجنة عشرون ومائة صف ، ثمانون من هذه الأمة }.

قوله تعالى {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } أي  الكافرون .

١١١

قوله تعالى { لن يضروكم إلا أذى }،

قال مقاتل  إن رؤوس اليهود عمدوا الى من آمن منهم عبد اللّه ابن سلام وأصحابه ، فآذوهم

فأنزل اللّه تعالى  { لن يضروكم إلا أذى } يعني لا يضروكم ايها المؤمنون هؤلاء اليهود إلا أذى باللسان  وعيداً وطعناً

وقيل  كلمة كفر تتأذون بها { وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار} ، منهزمين ، {ثم لا ينصرون } ، بل يكون لكم النصر عليهم .

١١٢

{ ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا } حيث ماوجدوا { إلا بحبل من اللّه } يعني أينما وجدوا استضعفوا وقتلوا وسبوا فلا يأمنون إلا بحبل من اللّه  عهد من اللّه تعالى بان يسلموا ، {وحبل من الناس} من المؤمنين ببذل جزية أو أمان ، يعني  إلا أن يعتصموا بحبل فيأمنوا.

قوله تعالى { وباءوا بغضب من اللّه }، رجعوا به { وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون }

١١٣

قوله تعالى {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } قال ابن عباس رضي اللّه عنهما ومقاتل  لما أسلم عبد اللّه بن سلام واصحابه ، قالت احبار اليهود  ماآمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم إلا شرارنا ولولا ذلك ماتركوا دين آبائهم ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية .

واختلفوا في وجهها فقال قوم  فيه اختصار تقديره  ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة واخرى غير قائمة ، فترك الأخرى اكتفاء بذكر احد الفريقين ، وقال الآخرون  تمام الكلام عند قوله { ليسوا سواء} وهو وقف لأنه قد جرى ذكر الفريقين من اهل الكتاب في

قوله تعالى { منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } ثم قال { ليسوا سواءً } يعني المؤمنين والفاسقين ثم وصف الفاسقين ، فقال { لن يضروكم إلا أذى } ووصف المؤمنين بقوله { أمة قائمة }.

وقيل  قوله { من أهل الكتاب} ابتداء بكلام آخر، لأن ذكر الفريقين قد جرى ، ثم قال  ليس هذا الفريقان سواءً ثم ابتدأ

فقال  من اهل الكتاب. قال ابن مسعود رضي اللّه عنه معناه لا يستوي اليهود وامة محمد صلى اللّه عليه وسلم القائمة بامر اللّه الثابتة على الحق ، المستقيمة ، و

قوله تعالى { أمة قائمة } قال ابن عباس أي مهتدية قائمة على أمر اللّه لم يضيعوه ولم يتركوه . وقال مجاهد عادلة . و

قال السدي  مطيعة قائمة على كتاب اللّه وحدوده ،

وقيل  قائمة في الصلاة

وقيل الأمة الطريقة . ومعنى الآية  أي ذو أمة ، أي  ذو طريقة مستقيمة . { يتلون آيات اللّه } ، يقرؤون كتاب اللّه ،

وقال مجاهد  يتبعون { آناء الليل} ، ساعاته ، واحدها اني مثل نحي وانحاء ، وإني وآناء مثل  معى وامعاء ، وأنى مثل منا وأمناء. {وهم يسجدون} أي يصلون ، لأن التلاوة لا تكون في السجود.

واختلفوا في معناها ، فقال بعضهم  هي في قيام الليل ، وقال ابن مسعود هي صلاة العتمة يصلونها و لايصليها من سواهم من اهل الكتاب. وقال عطاء { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } الآية يريد اربعين رجلاً من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، وكان من الأنصار فيهم عدة قبل قدوم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، منهم اسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة ومحمود ابن مسلمة وابو قيس صرمة بن انس ، كانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم اللّه تعالى بالنبي صلى اللّه عليه وسلم فصدقوه ونصروه.

١١٤

قوله تعالى { يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين }.

١١٥

{ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص بالياء فيهما ، إخبار عن الأمة القائمة ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما ، لقوله { كنتم خير أمة } وأبو عمرو يرى القراءتين جميعاً ، ومعنى الآية  وما تفعلوا من خير فلن تعدموا ثوابه ، بل يشكر لكم وتجازون عليه ، { واللّه عليم بالمتقين } ، بالمؤمنين .

١١٦

{ إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا } ، أي  لا تدفع اموالهم بالفدية ولا اولادهم بالنصرة شيئاً من عذا ب اللّه ، وخصمهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد . { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ، وإنما جعلهم من أصحابها لأنهم أهلها لا يخرجون منها ولا يفارقونها ، كصاحب الرجل لا يفارقه .

١١٧

{ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا } ، قيل  أراد نفقات ابي سفيان واصحابه ببدر واحد على عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم و

قال مقاتل  نفقة اليهود على علمائهم ،

وقال مجاهد  يعني جميع نفقات الكفار (في الدنيا) وصدقاتهم ،

وقيل أراد انفاق المرائي الذي لا يبتغي به وجه اللّه تعالى ، { كمثل ريح فيها صر} حكي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما  أنها السموم الحارة التي تقتل ،

وقيل  فيها صر أي  صوت ، وأكثر المفسرين  قالوا  فيها برد شديد { أصابت حرث قوم } زرع قوم { ظلموا أنفسهم } ، بالكفر والمعصية ومنع حق اللّه تعالى ، { فأهلكته }. فمعنى الآية  مثل نفقات الكفار في ذهابها وقت الحاجة اليها كمثل زرع اصابته ريح باردة فأهلكته أو نار فأحرقته فلم ينتفع أصحابه منه بشيء ، { وما ظلمهم اللّه } بذلك ، { ولكن أنفسهم يظلمون} ، بالكفر والمعصية .

١١٨

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم } الآية  قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  كان رجال من المسلمين يواصلون اليهود لما بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة عليهم .

وقال مجاهد  نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ن فنهاهم اللّه تعالى عن ذلك ،

فقال  { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم } أي  أولياء وأصفياء من غير أهل ملتكم ، وبطانة الرجل  خاصته ، تشبيهاً ببطانة الثوب التي تلي بطنه ، لأنهم يستبطنون امره ويطلعون منه على مالا يطلع عليه غيرهم . ثم بين العلة في النهي عن مباطنتهم فقال جل ذكره { لا يألونكم خبالاً} ، أي  لا يقصرون ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد ، والخبال  الشر والفساد ، ونصب { خبالاً } على المفعول الثاني ، لأن { يألو} يتعدى الى مفعولين ،

وقيل  بنزع الخافض ، أي بالخبال ، كما يقال أوجعته ضرباً ، { ودوا ما عنتم } أي  يودون مايشق عليكم ، من الضر والشر والهلاك . والعنت  المشقة { قد بدت البغضاء} أي  البغض، معناه ظهرت أمارة العداوة ، { من أفواههم } بالشتيمة والوقيعة في المسلمين ،

وقيل بإطلاع المشركين على أسرار المؤمنين { وما تخفي صدورهم } ، من العداوة والغيظ ، { أكبر} أعظم ، { قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون }.

١١٩

{ ها أنتم} ها تنبيه وأنتم كناية للمخاطبين من الذكور {أولاء} اسم للمشار اليهم ، يريد أنتم أيها المؤمنون ، { تحبونهم } أي  تحبون هؤلاء اليهود الذين نهيتكم عن مباطنتهم للأسباب التي بينكم من القرابة والرضاع والمصاهرة ، { ولا يحبونكم } هم ، لما بينكم من مخالفة الدين ،

قال مقاتل  هم المنافقون يحبهم المؤمنون لما اظهروا من الإيمان ، ولايعلمون مافي قلوبهم ،{وتؤمنون بالكتاب كله } ، يعني بالكتب كلها وهم لا يؤمنون بكتابكم ، { وإذا لقوكم قالوا آمنا، وإذا خلوا} ، وكان بعضهم مع بعض { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} ، يعني  أطراف الأصابع واحدتها انملة بضم الميم وفتحها ، من الغيظ لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم ، وعض الأنامل عبارة عن شدة الغيظ وهذا من مجاز المثال، وإن لم يكن ثم عض ، {قل موتوا بغيظكم } أي  ابقوا الى الممات بغيظكم ،{إن اللّه عليم بذات الصدور} ،أي  بما في القلوب من خير وشر.

١٢٠

وقوله تعالى {إن تمسسكم حسنة} أي تصبكم أيها المؤمنون بظهوركم على عدوكم وغنيمة تنالونها منهم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وخصب في معايشكم { تسؤهم} ، تحزنهم،{وإن تصبكم سيئة }، مساءة بإخفاق سرية لكم أو إصابة عدو منكم ، أو اختلاف يكون بينكم أو جدب أو نكبة تصبكم { يفرحوا بها وإن تصبروا }،على أذاهم {وتتقوا}، وتخافوا ربكم{ لا يضركم }أي لا ينقصكم ،{كيدهم شيئاً} ، قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة {لا يضركم } بكسر الضاد خفيفة ، يقال ضار يضير ضيراً، وهو جزم على جواب الجزاء وقرأ الباقون بضم الضاد وتشديد الراء من ضر يضر ضراً، مثل رد يرد رداً ، وفي رفعه وجهان أحدهما . انه أراد الجزم ، وأصله يضرركم فأدغمت الراء في الراء ، ونقلت ضمة الراء الأولى الى الضاد وضمت الثانية اتباعاً ،

والثاني  أن يكون لا بمعنى ليس ويضمر فيه الفاء ، تقديره  وإن تصبروا وتتقوا فليس يضركم كيدهم شيئاً ،{ إن اللّه بما يعملون محيط }  عالم .

١٢١

قوله تعالى { وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال } ،قال الحسن هو يوم بدر ، و

قال مقاتل  يوم الأحزاب ، وقال سائر المفسرين  هو يوم أحد ، لأن ما بعده الى قريب من آخر السورة في حرب أحد . قال مجاهدو الكلبي والواقدي  غدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من منزل عائشة رضي اللّه عنها فمشى على رجليه الى احد فجعل يصف اصحابه للقتال كما يقوم القدح. قال محمد بن إسحاق والسدي عن رجالهما إن المشركين نزلوا باحد يوم الأربعاء فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنزولهم استشار أصحابه ودعا عبد اللّه بن ابي بن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره ، فقال عبد اللّه بن أبي وأكثر الأنصار  يارسول اللّه أقم بالمدينة لا تخرج اليهم ، فواللّه ما خرجنا منها الى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه ، فكيف وأنت فينا ، فدعهم يارسول اللّه فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس ، وان دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين . فأعجب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذا الرأي. وقال بعض اصحابه  يارسول اللّه اخرج بنا إلى هذه الأكلب ، لايرون أنا جبنا عنهم وضعفنا ، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {أني رأيت في منامي بقراً تذبح، فأولتها خيراً ، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً فأولتها هزيمةً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ،فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة }. وكان يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيقاتلوا في الأزقة ، فقال رجال من المسلمين ممن فاتهم يوم بدر واكرمهم اللّه الشهادة يوم أحد  اخرج بنا الى أعدائنا . فلم يزالوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، من حبهم للقاء القوم ، حتى دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلبس لأمته ، فلما رأوه قدلبس السلاح ندموا ، وقالوا بئس ما صنعنا، نشير على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والوحي يأتيه ، فقاموا واعتذروا اليه وقالوا  اصنع ما رأيت ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم {لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل }. وكان قد أقام المشركون باحد يوم الأربعاء والخميس ، فراح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الجمعة بعدما صلى بأصحابه الجمعة ، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار ، فصلى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم خرج إليهم ، فأصبح بالشعب من احد يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة ، فكان من حرب أحد ماكان ، فذلك

قوله تعالى {وإذ غدوت من أهلك} أي واذكر اذا غدوت من اهلك { تبوء المؤمنين } أي تنزل المؤمنين { مقاعد للقتال} أي مواطن ، ومواضع للقتال ، يقال  بوأت القوم اذا وطنتهم ، وتبوؤا هم اذا تواطنوا ، قال اللّه تعالى {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق } (يونس-٩٣) وقال { أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا } (يونس-٨٧)

وقيل تتخذ معسكراً ، {واللّه سميع عليم}.

١٢٢

{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} أي تجبنا وتضعفا وتتخلفا ، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر، وذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج الى أحد في الف رجل

وقيل في تسعمائه وخمسين رجلاً ، فلما بلغوا الشوط انخذل عبد اللّه بن أبي بثلث الناس ورجع في ثلاث مائه، وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم أبو جابر السلمي فقال أنشدكم باللّه في نبيكم وفي أنفسكم، فقال عبد اللّه بن أبي لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وهمت بنو سلمه وبنو حارثة بالانصراف مع عبد اللّه بن أبي، فعصمهم اللّه فلم ينصرفوا فذكرهم اللّه عظيم نعمته، فقال عز وجل{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا واللّه وليهما} ناصرهما وحافظهما . {وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون} ،

أخبرنا عبد الواحد المليحي انا احمد بن عبد اللّه النعيم

اخبرنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل  أنا محمد بن يوسف عن ابن عيينة عنعمرو عن جابر قال نزلت هذه الآية فينا { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا واللّه وليهما } بنو سلمة وبنو حارثة،وما أحب أنها لم تنزل، واللّه يقول {واللّه وليهما} .

١٢٣

قوله تعالى {ولقد نصركم اللّه ببدر}، وبدر موضع بين مكة والمدينه وهو اسم لموضع، وعليه الأكثرون

وقيل اسم لبئر هناك،

وقيل كانت بدر بئراً لرجل يقال له بدر،قاله الشعبي ، وأنكر الآخرون عليه. يذكر اللّه تعالى في هذه الآيه منته عليهم بالنصرة يوم بدر، {وأنتم أذلة}، جمع ذليل، وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فنصرهم اللّه مع قلة عددهم ، {فاتقوا اللّه لعلكم تشكرون }.

١٢٤

{ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم } ، اختلفوا في هذه الآية ف

قال قتادة  كان هذا يوم بدر، أمدهم اللّه تعالى بألف من الملائكة كما قال  { فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة }(الأنفال-٩) ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف كما ذكر هاهنا { بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين}.

١٢٥

{ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فصبروا يوم بدر فاتقوا فأمدهم اللّه بخمسة آلاف كما وعد، قال الحسن  وهؤلاء الخمسة آلاف ردء المؤمنين الى يوم القيامة . وقال ابن عباس ومجاهد  لم تقاتل الملائكة في المعركة الا يوم بدر، وفيما سوى ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون ، إنما يكونون عدداً ومدداً. قال محمد بن إسحاق لما كان يوم أحد انجلى القوم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبقي سعد بن مالك يرمي ، وفتى شاب يتنبل له فلما فني النبل أتاه به فنثره ، فقال ارم أبا اسحاق مرتين ، فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل ، فلم يعرف.

اخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا احمد بن عبد اللّه النعيميأنا محمد بن يوسف أنامحمد بن اسماعيل أناعبد العزيز بن عبد اللّه أناعبد العزيز بن عبد اللّه أناابراهيم بن سعد عن ابية عن جده عن سعد بن أبي وقاص قال رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم احد ومعه رجلان يقاتلان عنه ، عليهما ثياب بيض كأشد القتال، ما رايتهما قبل ولا بعد. ورواه مسلم عن ابي بكر بن ابي شيبه ، قال

اخبرنا محمد بن بشر وابو اسامة عن مسعر عن سعد ابن ابراهيم عن ابية عن سعد يعني ابن ابي وقاص قال { رأيت عن يمين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن شمالة يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد} يعني جبريل وميكائيل. وقال الشعبي  بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك عليهم ،

فأنزل اللّه تعالى { ألن يكفيكم أن يمدكم } إلى قوله { مسومين } فبلغ كرزاً الهزيمة فرجع فلم يأتهم ولم يمدهم ، فلم يمدهم اللّه أيضاً بالخمسة آلاف ، وكانوا قد امدوا بألف . وقال الآخرون  إنما وعد اللّه تعالى المسلمين يوم بدر إن صبروا على طاعته واتقوا محارمه  ان يمدهم أيضاً في حروبهم كلها ، فلم يصبروا الا في يوم الأحزاب ، فأمدهم اللّه حتى حاصروا قريظة والنضير ، قال عبد اللّه بن أبي أوفي كنا محاصري قريظة والنضير ما شاء اللّه فلم يفتح علينا فرجعنا فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبريل عليه السلام،فقال وضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها ؟ فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله ، ثم نادى فينا فقمنا حتى اتيتا قريظة والنضير فيومئذ أمدنا اللّه تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ، ففتح لنا فتحاً يسيراً. وقال الضحاك وعكرمة  كان هذا يوم احد وعدهم اللّه المدد ان صبروا فلم يصبروا فلم يمدوا به .

قوله تعالى {أن يمدكم ربكم } والإمداد إعانة الجيش بالجيش ،

وقيل  ماكان على جهة القوة والإعانة ، يقال فيه  أمدة إمداداً ، وما كان على جهة الزيادة ، يقال  مدة مداً ، ومنه

قوله تعالى {والبحر يمده }(لقمان -٢٧)

وقيل المد في الشر، والامداد في الخير ، يدل عليه

قوله تعالى  {ويمدهم في طغيانهم يعمهون } (البقرة -١٥) {ونمد له من العذاب مداً} (مريم -٧٩) وقال في الخير { أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } وقال { وأمددناكم بأموال وبنين } (الإسراء -٢٦).

قوله تعالى {بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} قرأ ابن عامر بتشديد الزاي على التكثير ل

قوله تعالى {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة }(سورة الأنعام -١١١) ، وقرأ الآخرون بالتخفيف دليله

قوله تعالى  {لولا أنزل علينا الملائكة } (الفرقان -٢١) و

قوله {وأنزل جنوداً لم تروها } (التوبة -٢٦). ثم قال { بلى } نمدكم { إن تصبروا } لعدوكم { وتتقوا } أي  مخالفة نبيكم {ويأتوكم } يعني المشركين { من فورهم هذا } قال ابن عباس رضي اللّه عنهما وقتادة والحسن وأكثر المفسرين  من وجههم هذا ، وقال مجاهد والضحاك  من غضبهم هذا ، لأنهم إنما رجعوا للحرب يوم أحد من غضبهم ليوم بدر، { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة } لم يرد خمسة آلاف سوى ماذكر من ثلاثة آلاف ، بل أراد معهم ، وقوله { مسومين} أي معلمين ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بكسر الواو ، وقرأ الآخرون بفتحها ، فمن كسر الواو فأراد انهم سوموا خيلهم ، ومن فتحها أراد به أنفسهم ، والتسويم  الإعلام من السومة وهي العلامة.

واختلفوا في تلك العلامة ، قال عروة بن الزبير كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر، وقال علي وابن عباس رضي اللّه عنهم  كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم ،(وقال هشام ابن عروة والكلبي عمائم صفر مرخاة على أكتافهم ) ، وقال الضحاك وقتادة  كانوا قد اعلموا بالعهن في نواصي الخيل وأذنابها ، وروى ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر {تسوموا فإن الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم}.

١٢٦

قوله تعالى {وما جعله اللّه } يعني هذا الوعد والمدد، { إلا بشرى لكم} أي  بشارة لتستبشروا به {ولتطمئن} ولتسكن {قلوبكم به} فلا تجزعوا من كثرة عدوكم وقلة عددكم ،{ وما النصر إلا من عند اللّه العزيز الحكيم } يعني لا تحيلوا بالنصر على الملائكة والجند ،فإن النصر من اللّه تعالى فاستعينوا به وتوكلوا عليه ، لأن العز والحكم له .

١٢٧

قوله تعالى {ليقطع طرفاً من الذين كفروا } ، يقول  لقد نصركم اللّه ببدر ليقطع طرفاً أي لكي يهلك طائفة من الذين كفروا ، و

قال السدي  معناه ليهدم ركناً من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون وأسر سبعون ، ومن حمل الآية على حرب احد فقد قتل منهم يومئذ ستة عشر وكانت النصرة للمسلمين حتى خالفوا أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم فانقلب عليهم { أو يكبتهم }

قال الكلبي  يهزمهم ، وقال يمان يصرعهم لوجوههم ،

قال السدي  يلعنهم ، وقال ابو عبيدة  يهلكهم ،

وقيل يحزنهم ، والمكبوت الحزين ،

وقيل أصله  يكبدهم أي  يصيب الحزن والغيظ أكبادهم ، والتاء والدال يتعاقبان كما يقال سبت رأسه وسبده  إذا حلقه ،

وقيل  يكبتهم بالخيبة ، { فينقلبوا خائبين } لم ينالوا شيئاً مما كانوا يرجون من الظفر بكم .

١٢٨

قوله تعالى { ليس لك من الأمر شيء } الآية ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال قوم  نزلت في أهل بئر معونة ، وهم سبعون رجلاً من القراء ، بعثهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من احد ليعلموا الناس القرآن والعلم ، أميرهم المنذر بن عمرو ، فقتلهم عامر بن الطفيل ، فوجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذلك وجداً شديداً ، وقنت شهراً في الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن والسنين ، فنزلت  { ليس لك من الأمر شيء }.

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحيأنا احمد بن عبد اللّه النعيمي

أخبرنامحمد بن يوسف أنامحمد ابن اسماعيل

أخبرنا حبان بن موسى

أخبرناعبد اللّه ، يعني ابن المبارك ،

أخبرنامعمر عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر اللّهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً، بعد مايقول  سمع اللّه لمن حمده ربنا ولك الحمد

فأنزل اللّه تعالى { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون }.

وقال قوم  نزلت يوم احد ،

أخبرنااسماعيل بن عبد القاهر أناعبد الغافر بن محمد

أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي

اخبرناابراهيم بن محمد بن سفيان

أخبرنا مسلم بن الحجاج

أخبرنا عبد اللّه بن مسلمة بن قعنب

أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي اللّه عنهما {أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول كيف يفلح قوم شجوا [رأس] نبيهم ، وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم إلى [اللّه عز وجل]،

فأنزل اللّه تعالى } ليس لك من الأمر شيء {} وعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد {اللّهم العن أبا سفيان اللّهم العن الحارث بن هشام ، اللّهم العن صفوان بن أمية }، فنزلت  { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم } فأسلموا وحسن إسلامهم . وقال سعيد بن المسيب و محمد بن اسحاق لما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمون يوم أحد ما بأصحابهم من جدع الآذان والأنوف وقطع المذاكير، وقالوا  لئن أدالنا اللّه تعالى منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا ، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها احد من العرب بأحد ،

فانزل اللّه تعالى هذه الآية.

وقيل  أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم ان يدعو عليهم بالاستئصال، فنزلت هذه الآية وذلك لعلمة فيهم بأن كثيراً منهم يسلمون . ف

قوله تعالى { ليس لك من الأمر شيء } أي ليس اليك ، فاللام بمعنى الى ك

قوله تعالى {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان}(سورة آل عمران-١٩٣) ،أي الى الإيمان

قوله تعالى {أو يتوب عليهم}،(قال بعضهم معناه حتى يتوب عليهم)،أو الىأن يتوب عليهم ،

وقيل  هو نسق على قوله {ليقطع طرفاً }،

وقوله {ليس لك من الأمر شيء} اعتراض بين نظم الكلام ونظم الآية { ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين * ليس لك من الأمر شيء } بل الأمر أمري في ذلك كله .

١٢٩

ثم قال {وللّه ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء واللّه غفور رحيم }.

١٣٠

{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } ، أراد به ماكانوا يفعلونه عند حلول أجل الدين من زيادة المال وتأخير الطلب، { واتقوا اللّه} في امر الربا فلا تأكلوه،{لعلكم تفلحون}.

١٣١

ثم خوفهم فقال {واتقوا النار التي أعدت للكافرين}.

١٣٢

{ وأطيعوا اللّه والرسول لعلكم ترحمون}، لكي ترحموا.

١٣٣

{وسارعوا}، قرأ أهل المدينة والشام سارعوا بلا واو، { إلى مغفرة من ربكم } ، أي بادروا وسابقوا الى الأعمال التي توجب المغفرة. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما الى الإسلام ، وروى عنه  الى التوبة ، وبه قال عكرمة ، وقال علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه  الى أداء الفرائض، و

قال أبو العالية  الى الهجرة ،

وقال الضحاك  الى الجهاد، و

قال مقاتل  إلى الأعمال الصالحة . روى عن انس بن مالك أنها التكبيرة الأولى. {وجنة} أي وإلى جنة{عرضها السموات والأرض} أي عرضها كعرض السموات والأرض، كما قال في سورة الحديد{وجنة عرضها كعرض السماء والأرض}(سورة الحديد -٢١) أي سعتها،وانما ذكر العرض على المبالغة لأن طول كل شئ في الأغلب أكثر من عرضه ، يقول هذه صفة عرضها فكيف طولها؟ قال الزهري انما وصف عرضها فاما طولها فلا يعلمه إلا اللّه ، وهذا على التمثيل لا انها كالسموات والأرض لاغير ، معناه  كعرض السموات السبع والأرضين السبع عند ظنكم ، كقوه تعالى { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض }(سورة هود-١٠٧) يعني عند ظنكم ، كقوله وإلا فهما زائلتان، وروي عن طارق بن شهاب ان ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب وعنده أصحابه رضي اللّه عنهم، وقالوا أرأيتم قوله{وجنة عرضها السموات والأرض} فأين النار؟ فقال عمر أرأيتم اذا جاء الليل أين يكون النهار،وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ فقالوا إنه لمثلها في التوراة ،ومعناه انه حيث يشاء اللّه. فإن قيل قد

قال اللّه تعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون} (سورة الذاريات-٢٢) وأراد بالذي وعدنا الجنة فإذا كانت الجنة في السماء فكيف يكون عرضها السموات والأرض؟

وقيل إن باب الجنة في السماء وعرضها السموات والأرض، كما أخبر ، وسئل انس بن مالك رضي اللّه عنه عن الجنة  أفي السماء أم في الأرض؟

فقال وأي أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل فأين هي؟قال فوق السموات السبع تحت العرش . و

قال قتادة  كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع ، وأن جهنم تحت الأرضين السبع {أعدت للمتقين}.

١٣٤

{الذين ينفقون في السراء والضراء} ، أي في اليسر والعسر،فإن ما ذكر من اخلاقهم الموجبه للجنة ذكر السخاوة وقد جاء في الحديث .

أخبرنا ابو سعيد الشريحي

اخبرنا ابو اسحاق الثعلبي

أخبرناأبو عمرو الفراتي

أخبرناابو العباس احمد بن اسماعيل العنبري

أخبرنا ابو عبد اللّه بن حازم البغوي بمكة

اخبرنا ابو صالح بن ايوب الهاشمي

اخبرنا ابراهيم بن سعد

أخبرنا سعيد بن محمد عن يحيى بن سعيد عنالأعرج عن ابي هريرة رضي اللّه عنه قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {السخي قريب من اللّه قريب من الجنة قريب من الناس ، بعيد من النار ، والبخيل بعيد من اللّه بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ، والجاهل السخي أحب الى اللّه من عابد بخيل}. {والكاظمين الغيظ} أي الجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه ، والكظم  حبس الشئ عند امتلائه وكظم الغيظ ان يمتلئ غيظاً فيرده في جوفه ولا يظهره . ومنه

قوله تعالى {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} (سورة غافر-١٨) ،

أخبرناابو سعيد الشريحي

أخبرناابو اسحاق الثعلبي

أخبرنا أبو عمرو الفراتي

أخبرنا ابو محمد الحسن بن محمد الاسفرايني

أخبرناابو عبد اللّه بن محمد زكريا العلاني

أخبرناروح بن عبد المؤمن

أخبرناابو عبد الرحمن المقري

أخبرنا سعيد بن ابي ايوب قال حدثني ابو مرحوم عن سهل بن معاذ بن انس الجهني عن ابية قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه اللّه يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء}. {والعافين عن الناس } ، قال الكلبي عن المملوكين سوء الأدب ، وقال زيد بن أسلم ومقاتل  عمن ظلمهم وأساء اليهم .{واللّه يحب المحسنين}.

١٣٥

قوله تعالى { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} الآية قال ابن مسعود قال المؤمنون يارسول اللّه كانت بنو اسرائيل أكرم على اللّه منا ، كان أحدهم إذا أذنب أصبحت كفارة ذنبة مكتوبة في عتبة بابه، اجدع أنفك وأذنك ،أفعل كذا، فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وقال عطاء  نزلت في نبهان التمار، وكنيته ابو معبد ، أتته امرأة حسناء ، تبتاع منه تمراً فقال لها ان هذا التمر ليس بجيد، وفي البيت أجود منه، فذهب بها الى بيته فضمها الى نفسه وقبلها ، فقالت له اتق اللّه ، فتركها وندم على ذلك فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وذكر ذلك له ، فنزلت هذه الآية. وقال مقاتلوالكلبي آخى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين رجلين أحدهما من الأنصار والآخر من ثقيف فخرج الثقفي في غزاة واستخلف الأنصاري على أهله فاشترى لهم اللحم ذات يوم ، فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه دخل على أثرها وقبل يدها، ثم ندم وانصرف ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه ، فلما رجع الثقفي لم يستقبله الأنصاري فسأل امرأته عن حالة ، فقالت  لا أكثر اللّه في الإخوان مثله ووصفت له الحال، والأنصاري يسيح في الجبال تائباً مستغفراً، فطلبه الثقفي حتى وجده فأتى به أبا بكر رجاء ان يجد عنده راحة وفرجاً.فقال الأنصاري  هلكت وذكر له القصة ، فقال ابو بكر  ويحك أما علمت ان اللّه تعالى يغار للغازي مالا يغار للمقيم ، ثم أتيا عمر رضي اللّه عنه فقال مثل ذلك ، فأتيا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال له مثل مقاتلهما ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة } يعني قبيحة خارجة عما أذن اللّه تعالى له فيه ، وأصل الفحش القبح والخروج عن الحد ، قال جابر  الفاحشة الزنا. {أو ظلموا أنفسهم} مادون الزنا من القبلة والمعانقة والنظر واللمس. وقال مقاتلوالكلبي  الفاحشة ما دون الزنا من قبلة أو لمسة أو نظرة فيما لايحل أو ظلموا انفسهم بالمعصية.

وقيل فعلوا فاحشة بالكبائر، أو ظلموا أنفسهم بالصغائر.

وقيل فعلوا فاحشة فعلاً أو ظلموا أنفسهم قولاً. {ذكروا اللّه } أي  ذكروا وعيد اللّه ، وأن اللّه سائلهم ، وقال مقاتل بن حيان  ذكروا اللّه باللسان عند الذنوب. {فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا اللّه}أي وهل يغفر الذنوب إلا اللّه. { ولم يصروا على ما فعلوا } أي لم يقيموا ولم يثبتوا عليه ، ولكن تابوا وأنابوا واستغفروا ، وأصل الإصرار  الثبات على الشئ

وقال الحسن  إتيان العبد ذنباً عمداً إصراراً حتى يتوب. و

قال السدي  الإصرار السكوت وترك الاستغفار.

أخبرناعبد الواحد المليحي

أخبرناابو منصور السمعاني

أخبرنا ابو جعفر الرياني

أخبرناحميد بن زنجويه أنايحيى بن يحيى أناعبد الحميد بن عبد الرحمن عن عثمان بن واقد العمري عنابي نصيرة قال لقيت مولى لأبي بكر رضي اللّه عنه فقلت له أسمعت من أبي بكر شيئاً؟قال نعم سمعته يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة}. { وهم يعلمون} قال ابن عباس والحسن ومقاتل والكلبي  وهم يعلمون أنها معصية ،

وقيل  وهم يعلمون ان الإصرار ضار،

وقال الضحاك  وهم يعلمون ان اللّه يملك مغفرة الذنوب ، وقال الحسين بن الفضل وهم يعلمون أن لهم رباً يغفر الذنوب ،

وقيل وهم يعلمون ان اللّه لا يتعاظمه العفو عن الذنوب وإن كثرت ،

وقيل وهم يعلمون أنهم إن استغفروا غفر لهم .

١٣٦

{ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}، ثواب المطيعين .

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي انا ابو منصور السمعاني

اخبرنا ابو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا عفان بن مسلم أنا أبو عوانة أنا عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة الأسدي عن أسماء بن الحكم الفزاري قال سمعت علياً رضي اللّه عنه يقول  إني كنت رجلاً اذا سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثاً ينفعني اللّه منه بما شاء ان ينفعني، وإذا حدثني احد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته ، وإنه حدثني ابو بكر وصدق ابو بكر انه سمع رسول اللّه يقول {مامن عبد مؤمن يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر اللّه إلا غفر اللّه له }، ورواه ابو عيسى عن قتيبة عن أبي عوانة وزاد ثم قرأ {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} الآية.

أخبرنا عبد الواحد المليحي انا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا هشام بن عبد الملك

أخبرنا همام عن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي طلحة قال كان قاض بالمدينة يقال له عبد الرحمن بن أبي عمرة فسمعته يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول {إن عبداً أذنب ذنباً فقال أي رب اذنبت ذنباً فاغفره لي، قال فقال ربه عز وجل  علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، فغفر له ، فمكث ماشاء اللّه ، ثم أصاب ذنباً آخر فقال رب أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال ربه عز وجل علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليفعل ماشاء}.

أخبرناعبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه

أخبرنا النعمان السدوسي ،

أخبرنا المهدي بن ميمون

أخبرنا غيلان بن جرير عن شهر بن حوشب عن معدي كرب عن ابي ذر رضي اللّه عنه {عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال يابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان فيك ، ابن آدم إنك إن تلقاني بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرةً بعد أن لا تشرك بي شيئاً ، ابن آدم إنك إن تذنب حتى تبلغ ذنوبك عنان السماء ثم تستغفرني أغفر لك}.

أخبرنا عبد الواحد المليحي

أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين الحسني الشرفي أنا أبو الأزهر أحمد ابن الأزهر

أخبرنا إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {

قال اللّه تعالى من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي مالم يشرك بي شيئاً } قال ثابت البناني بلغني أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية{والذين إذا فعلوا فاحشة} الى آخرها.

١٣٧

قوله تعالى {قد خلت من قبلكم سنن} قال عطاء شرائع ،

وقال الكلبي مضت لكل أمة سنة ومنهاج إذا اتبعوها رضي اللّه عنهم ،

وقال مجاهد  قد خلت من قبلكم سنن بالهلاك فيمن كذب قبلكم ،

وقيل سنن أي  أمم والسنة  الأمة ، قال الشاعر ما عاين الناس من فضل كفضلكم ولا رأوا مثلكم في سالف السنن

وقيل معناه  أهل السنن ، والسنة هي الطريقة المتبعة في الخير والشر ، يقال  سن فلان سنة حسنة ، وسنة سيئة اذا عمل عملاً اقتدى به من خير وشر. ومعنى الآية قدمضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة ، بإمهالي واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته لإهلاكهم ، وإدالة أنبيائي عليهم .{فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين }،أي آخر أمر المكذبين ،وهذا في حرب أحد ، يقول اللّه عز وجل فأنا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ أجلي الذي أجلت في نصرة النبي صلى اللّه عليه وسلم وأوليائه وإهلاك أعدائه .

١٣٨

{هذا}أي هذا القرآن،{بيان للناس} ، عامة، {وهدى} ، من الضلالة {وموعظة للمتقين} ، خاصة.

١٣٩

قوله تعالى  { ولا تهنوا ولا تحزنوا}، هذا حث لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم على الجهاد، زيادةً على ما أصابهم من القتل والجراح يوم أحد، يقول اللّه تعالى  ولا تهنوا أي لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح، وكان قد قتل يومئذ خمسة منهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير، وقتل من الأنصار سبعون رجلاً. {ولا تحزنوا} فإنكم {وأنتم الأعلون} أي تكون لكم العاقبة بالنصرة والظفر، {إن كنتم مؤمنين} يعني إذ كنتم مؤمنين أي لأنكم مؤمنين، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما لما انهزم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الشعب فأقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم اللّهم لا يعلون علينا، اللّهم لا قوة لنا إلا بك وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك

قوله تعالى {وأنتم الأعلون}

وقال الكلبي نزلت هذه الآيه بعد يوم أحد حين أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أصحابه بطلب القوم ما أصابهم من الجراح، فاشتد ذلك على المسلمين

فأنزل اللّه تعالى هذه الآيه، دليله

قوله تعالى {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} (النساء - ١٠٤).

١٤٠

{إن يمسسكم قرح}قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {قرح} بضم القاف حيث جاء، وقرأ الآخرون بالفتح وهما لغتان معناهما كالجهد والجهد، وقال الفراء القرح بالفتح الجراحة، وبالضم ألم الجراحة، هذا خطاب مع المسلمين حيث انصرفوا من أحد مع الكآبة والحزن، يقول اللّه تعالى {إن يمسسكم قرح} يوم أحد، {فقد مس القوم قرح مثله}، يوم بدر، {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، فيوم لهم ويوم عليهم، أديل المسلمون على المشركين يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، وأديل المشركون من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمساً وسبعين .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد ألمليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل

أخبرنا عمرو بن خالد أنا زهير

أخبرنا أبو إسحق قال سمعت البراء بن عازب قال {جعل النبي صلى اللّه عليه وسلم على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً عبد اللّه بن جبير، فقال إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، فهزموهم ، قال فإنا واللّه رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد اللّه بن جبير الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد اللّه بن جبير  أنسيتم ما قال لكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ قالوا واللّه لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين . فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع النبي صلى اللّه عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً فأصابوا منا سبعين . وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين رجلاً، سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً، فقال أبو سفيان أفي القوم محمد ثلاث مرات،فنهاهم النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يجيبوه ، ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات، ثم قال أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه، فقال أما هؤلاء فقد قتلوا ، فما ملك عمر نفسه ، فقال كذبت واللّه ياعدو اللّه ، إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد بقي لك مايسوءك ، قال يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلهً لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم أخذ يرتجز اعل هبل اعل هبل ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم  ألا تجيبوه ؟ قالوا  يا رسول مانقول؟ قال قولوا اللّه أعلى وأجل، قال  إن لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم  ألا تجيبوه؟ قالوا  يا رسول اللّه مانقول ؟ قال قولوا اللّه مولانا ولا مولى لكم }. وروي هذا المعنى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما وفي حديثه قال أبو سفيان  يوم بيوم وإن الأيام دول والحرب سجال، فقال عمر ضي اللّه عنه  لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. قال الزجاج الدولة تكون للمسلمين على الكفار ، ل

قوله تعالى  {وإن جندنا لهم الغالبون} ، وكانت يوم احد للكفار على المسلمين لمخالفتهم امر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

قوله تعالى {وليعلم اللّه الذين آمنوا } يعني إنما كانت هذه المداولة ليعلم اللّه (أي ليرى اللّه ) الذين آمنوا فيميز المؤمن من المنافق، {ويتخذ منكم شهداء} يكرم أقواماً بالشهادة { واللّه لا يحب الظالمين }.

١٤١

{وليمحص اللّه الذين آمنوا} أي يطهرهم من الذنوب، {ويمحق الكافرين }، يفنيهم ويهلكهم ، معناه  أنهم إن قتلوكم فهو تطهير لكم ، وإن قتلتموهم فهو محقهم واستئصالهم.

١٤٢

{أم حسبتم } أحسبتم؟{أن تدخلوا الجنة ولما يعلم اللّه}(أي ولم يعلم اللّه ) {الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}.

١٤٣

{ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه }، وذلك إن قوماً من المسلمين تمنوا يوماً كيوم بدر ليقاتلوا ويستشهدوا فأراهم اللّه يوم احد ، وقوله { تمنون الموت } أي سبب الموت وهو الجهاد من قبل أن تلقوه ،{ فقد رأيتموه } يعني أسبابه. فإن قيل مامعنى قوله { وأنتم تنظرون} ،بعد

قوله {فقد رأيتموه} ؟ قيل ذكره تأكيداً ،

وقيل الرؤية قد تكون بمعنى العلم ، فقال { وأنتم تنظرون} ليعلم ، أن المراد بالرؤية النظر،

وقيل  وأنتم تنظرون الى محمد صلى اللّه عليه وسلم .

١٤٤

قوله عز وجل { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } قال أصحاب المغازي  خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى نزل بالشعب من احد في سبعمائه رجل ، وجعل عبد اللّه بن جبير وهو أخو خوات ابن جبير على الرجالة ، وكانوا خمسين رجلاً ، وقال أقيموا بأصل الجبل وانضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا ، فإن كانت لنا أو علينا فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم فجاءت قريش وعلى ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ومعهم النساء يضربن بالدفوف ويقلن الأشعار فقاتلوا حتى حميت الحرب فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سيفاً فقال من يأخذ هذا السيف بحقه ويضرب به العدو حتى يثخن ، فأخذه ابو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري ، فلما أخذه اعتم بعمامة حمراء وجعل يتبختر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  إنها لمشية يبغضها اللّه تعالى إلا في هذا الموضع ، ففلق به هام المشركين ، وحمل النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه على المشركين فهزموهم . وروينا عن البراء بن عازب قال فأنا واللّه رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد اللّه بن جبير  الغنيمة واللّه لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما اتوهم صرفت وجوهم . وقال الزبير بن العوام  فرأيت هنداً وصواحباتها هاربات مصعدات في الجبل ، باديات خدامهن ما دون أخذهن شئ فلما نظرت الرماة الى القوم قد انكشفوا ورأوا اصحابهم ينتهبون الغنيمة أقبلوا يريدون النهب. فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة واشتغال المسلمين بالغنيمة ، ورأى ظهورهم خالية صاح في خيله من المشركين ، ثم حمل على أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم من خلفهم فهزموهم وقتلوهم ، ورمى عبد اللّه بن قمئة رسول اله صلى اللّه عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه ونهض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى صخرة يعلوها ، وكان قد ظاهر بين درعين ، فلم يستطع فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أوجب طلحة ووقعت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من ذلك قلائد ، وأعطتها وحشياً وبقرت عن كبدة حمزة ولاكتها لم تستطع أن تسيغها فلفظتها ،وأقبل عبد اللّه بن قمئة يريد قتل النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فذب مصعب بن عمير- وهو صاحب راية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقتله ابن قمئة ، وهو يرى أنه قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فرجع الى المشركين وقال إني قتلت محمداً وصاح صارخ الا ان محمداً قد قتل،

ويقال إن ذلك الصارخ كان إبليس ، فانكفأ الناس، وجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو الناس إلي عباد اللّه (إلي عباد اللّه ) ، فاجتمع اليه ثلاثون رجلاً فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ، ورمى سعد بن ابي وقاص حتى اندقت سية قوسه ، ونثل له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كنانته ، وقال له  ارم فداك أبي وأمي ، وكان طلحة رجلاً رامياً شديداً النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثاً ، وكان الرجل يمر بجعبة من النبل فيقول انثرها لأبي طلحة ، وكان إذا رمى أشرف النبي صلى اللّه عليه وسلم فينظر الى موضع نبله وأصيبت يد طلحة بن عبيد اللّه فيبست حين وقى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأصيبت عين قتادة بن النعمان يومئذ حتى وقعت على وجنته ، فردها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكانها ، فعادت كأحسن ماكانت . فلما أنصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ادركه ابي بن خلف الجمحي ، وهو يقول  لا نجوت إن نجوت ، فقال القوم  يارسول اللّه الا يعطف عليه رجل منا؟ فقال صلى اللّه عليه وسلم دعوه حتى اذا دنا منه، وكان أبي قبل ذلك يلقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيقول  عندي رمكة اعلفها كل يوم فرق ذرة أقتلك عليها ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  بل أنا أقتلك إن شاء اللّه ، فلما دنا منه تناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة ثم استقبله فطعنه في عنقه ، فخدشه خدشة فتدهدأً عن فرسه وهو يخور كما يخور الثور،ويقول قتلني محمد ،فأخذه أصحابه وقالوا ليس عليك بأس، قال  بلى لو كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلتهم ، أليس قال لي أقتلك ؟ فلو بزق علي بعد تلك المقالة لقتلني ، فلم يلبث الا يوماً حتى مات بموضع يقال له سرف.

اخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمرو بن علي أنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال إشتد غضب اللّه على من قتله نبي واشتد غضب اللّه على من دمى وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . قالوا وفشا في الناس أن محمداً قد قتل فقال بعض المسلمين  ليت لنا رسولاً الى عبد اللّه بن أبي فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، وبعض الصحابة جلسوا وألقوا بأيديهم ، وقال أناس من أهل النفاق إن كان محمداً قد قتل فالحقوا بدينكم الأول ، فقال أنس بن النضر عم انس بن مالك  يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقاتلوا على ماقاتل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وموتوا على مامات عليه ثم قال اللّهم إني اعتذر اليك مما يقول هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء يعني المنافقين ، ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل. ثم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انطلق الى الصخرة وهو يدعو الناس، فأول من عرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كعب ابن مالك ، قال عرفت عينيه تحت المغفر تزهران ، فناديت بأعلى صوتي  يامعشر المسلمين أبشروا هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،فأشار الي أن اسكت ، فانحازت اليه طائفة من أصحابه ، فلامهم النبي صلى اللّه عليه وسلم على الفرار، فقالوا يانبي اللّه فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، أتانا الخبر بأنك قد قتلت ، فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل }. ومحمد هو المستغرق لجميع المحامد، لأن الحمد لايستوجبه الا الكامل ، والتحميد فوق الحمد، فلا يستحقه الا المستولي على الأمر في الكمال ، وأكرم اللّه نبيه وصفيه باسمين مشتقين من اسمه جل جلاله (محمد وأحمد) ، وفيه يقول حسان بن ثابت  ألم تر أن اللّه أرسل عبده ببرهانه واللّه أعلى وأمجد وشق له من اسمه ليجله فذو العرض محمود وهذا محمد

قوله تعالى {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } رجعتم الى دينكم الأول،{ومن ينقلب على عقبيه}، فيرتد عن دينه،{فلن يضر اللّه شيئاً}، بارتداده وإنما يضر نفسه{ وسيجزي اللّه الشاكرين}.

١٤٥

{وما كان لنفس أن تموت} ، قال الأخفش  اللام في {النفس} منقولة تقديره  وما كانت نفس لتموت ،{إلا بإذن اللّه} ، بقضاء اللّه وقدره ،

وقيل بعلمة ،

وقيل بأمرة ،{كتاباً مؤجلاً}أي كتب لكل نفس أجلاً لا يقدر أحد على تغييره وتأخيره ، ونصب الكتاب على المصدر، أي كتب كتاباً،{ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} يعني من يرد بطاعته الدنيا ويعمل لها نؤته منها مايكون جزاء لعمله ، يريد نؤته منها مانشاء بما قدرناه له ، كما قال { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } (سورة الإسراء -١٨) ، نزلت في الذين تركوا المركز يوم أحد طلباً للغنيمة ،{ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} ، أي أراد بعمله الآخرة ، قيل أراد الذين ثبتوا مع أميرهم عبد اللّه بن جبير حتى قتلوا. {وسنجزي الشاكرين }، أي  المؤمنين المطيعين.

أخبرنا ابو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن موسى بن الصلت أنا أبو اسحاق ابراهيم عبد الصمد الهاشمي أنا أبو يحيى محمد بن عبد اللّه بن يزيد بن عبد الرحمن المقرئ أنا أبي أنا الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {من كانت نيته طلب الآخرة جعل اللّه غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل اللّه الفقر بين عينيه وشتت عليه أمره ، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له }.

أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن علي بن توبة الزراد

أخبرنا أبو بكر محمد بن إدريس بن محمد الجرجاني وأبو أحمد محمد بن أحمد المعلم الهروي قالا

أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الماليني

أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي

أخبرنا حيان بن موسى و عبد اللّه بن أسماء ابن اخي جويريةابن أسماءقال

أخبرنا عبد اللّه بن المبارك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال {قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه } .

١٤٦

قوله تعالى {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير}، قرأ ابن كثير{ وكأين }، بالمد والهمزة على وزن فاعل، وتليين الهمزةأبو جعفر، وقرأ الآخرون{وكأين} بالهمز والتشديد على وزن كعين،ومعناه وكم، وهي كاف التشبيه ضمت إلى أي الاستفهامية، ولم يقع للتنوين صورة في الخط إلا في هذا الحرف خاصة، ويقف بعض القراء على{وكأي} بلا نون، والأكثرون على الوقوف بالنون، قوله {قاتل} قرأابن كثيرو نافع وأهل البصرة بضم القاف، وقرأ الآخرون {قاتل} فمن قرأ {قاتل} فلقوله {فما وهنوا} ويستحيل وصفهم بأنهم لم يهنوا بعدما قتلوا، لقول سعيد بن جبير ما سمعنا أن نبياً قتل في القتال، ولأن {قاتل} أعم . قال أبو عبيد إن اللّه تعالى إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلاً فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه غيرهم، فكان {قاتل} أعم. ومن قرأ {قتل} فله ثلاثة أوجه أحدهما أن يكون القتل راجعاً إلى النبي وحده، فيكون تمام الكلام عند قوله {قتل}، ويكون في الآيه إضمار معناه ومعه ربيون كثير، كما يقال قتل فلان معه جيش كثير، أي  ومعه . والوجه الثاني أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين، ويكون المراد بعض من معه، تقول العرب قتلنا بني فلان، وإنما قتلوا بعضهم ، ويكون قوله {فما وهنوا} راجعاً إلى الباقين. والوجه الثالث أن يكون القتل للربيين لا غير. وقوله {ربيون كثير}، قال ابن عباس ومجاهد وقتاده جموع كثيرة، وقال ابن مسعود الربيون الألوف، وقال الكلبي الربية الواحدة عشرة آلاف ،

وقال الضحاك  الربيه الواحده  ألف،

وقال الحسن فقهاء علماء

وقيل هم الأتباع، والربانيون الولاة، والربيون الرعية،

وقيل منسوب إلى الرب وهم الذين يعبدون الرب، {فما وهنوا} أي فما جبنوا، {لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا}، عن الجهاد بما نالهم من ألم الجراح، وقتل الأصحاب. {وما استكانوا}

قال مقاتل  وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ، و

قال السدي  وما ذلوا، قال عطاء وما تضرعوا ، و

قال أبو العالية  وما جبنوا ولكنهم صبروا على أمر ربهم وطاعة نبيهم وجهاد عدوهم ،{واللّه يحب الصابرين}.

١٤٧

قوله تعالى {وما كان قولهم}، نصب على خبر كان، الاسم في أن قالوا ، معناه  وما كان قولهم عند قتل نبيهم ، {إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا}أي الصغائر ،{وإسرافنا في أمرنا} ، أي  الكبائر، {وثبت أقدامنا} ، كي لا تزول ، {وانصرنا على القوم الكافرين} ، يقول فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك بأصحاب محمد.

١٤٨

{فآتاهم اللّه ثواب الدنيا} ، النصرة والغنيمة ،{وحسن ثواب الآخرة }، الأجر والجنة ، { واللّه يحب المحسنين}.

١٤٩

قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا}، يعني اليهود والنصارى، قال علي رضي اللّه عنه ، يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة  ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم. {يردوكم على أعقابكم}، يرجعوكم إلى أول أمركم الشرك باللّه ،{فتنقلبوا خاسرين} ، مغبونين.

١٥٠

ثم قال {بل اللّه مولاكم}، ناصركم وحافظكم على دينكم ،{وهو خير الناصرين}.

١٥١

{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} وذلك أن أبا سفيان والمشركين لما ارتحلوا يوم أحد متوجهين نحو مكة انطلقوا حتى إذا بلغوا بعض الطريق، ندموا وقالوا بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك قذف اللّه في قلوبهم الرعب، حتى رجعوا عما هموا به. سنلقي أي سنقذف في قلوب الذين كفروا الرعب، الخوف، وقرأ أبو جعفر وابن عامر والكسائي ويعقوب { الرعب} بضم العين ، وقرأ الآخرون بسكونها، { بما أشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانا }حجة وبرهاناً، {ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين}، مقام الكافرين.

١٥٢

قوله تعالى {ولقد صدقكم اللّه وعده} قال محمد بن كعب القرظي لما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة من أحد ، وقد أصابهم ما أصابهم ، قال ناس من أصحابه  من أين أصابنا هذا ؟ وقد وعدنا اللّه النصر،

فأنزل اللّه تعالى {ولقد صدقكم اللّه وعده} بالنصر والظفر ، وذلك أن النصر والظفر كان للمسلمين في الإبتداء، {إذ تحسونهم بإذنه} وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين ، وهو جبل، عن يساره وأقام عليه الرماه وأمر عليهم عبد اللّه بن جبير ، وقال لهم احموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وأقبل المشركون فأخذوا في القتال فجعل الرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل، والمسلمون يضربونهم بالسيوف، حتى ولوا هاربين فذلك

قوله تعالى {إذ تحسونهم بإذنه} أي تقتلونهم قتلاً ذريعاً بقضاء اللّه. قال أبو عبيدة الحس  هو الاستئصال بالقتل. {حتى إذا فشلتم}أي إن جبنتم ،

وقيل معناه فلما فشلتم ،{وتنازعتم في الأمر وعصيتم}، والواو زائدة في {وتنازعتم}، يعني حتى إذا فشلتم تنازعتم ،

وقيل فيه تقديم وتأخير ، تقديره  حتى إذا تنازعتم في الأمر وعصيتم فشلتم ، ومعنى التنازع الأختلاف. وكان اختلافهم أن الرماة اختلفوا حين انهزم المشركون ، فقال بعضهم انهزم القوم فما مقامنا ؟ وأقبلوا على الغنيمة ، وقال بعضهم  لا تجاوزوا أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وثبت عبد اللّه بن جبيرفي نفر يسير دون العشرة. فلما رأي خالد بن الوليد و عكرمة بن أبي جهل ذلك حملوا على الرماة فقتلوا عبد اللّه بن جبير وأصحابه ، وأقبلوا على المسلمين وحالت الريح فصارت دبوراً بعد ما كانت صباً، وانتقضت صفوف المسلمين واختلطوا فجعلوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضاً مايشعرون من الدهش، ونادى إبليس أن محمداً قد قتل ، وكان ذلك سبب الهزيمة للمسلمين .

قوله تعالى {وعصيتم} يعني  الرسول صلى اللّه عليه وسلم وخالفتم امره ،{من بعد ما أراكم} ، اللّه {ما تحبون} يامعشر المسلمين من الظفر والغنيمة ،{منكم من يريد الدنيا} ، يعني الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب،{ومنكم من يريد الآخرة }،يعني الذين ثبتوا مع عبد اللّه بن جبير حتى قتلوا ، قال عبد اللّه بن مسعود ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ، ونزلت هذه الآية {ثم صرفكم عنهم}، أي  ردكم عنهم بالهزيمة ، {ليبتليكم} ، ليمتحنكم ،

وقيل لينزل البلاء عليكم {ولقد عفا عنكم}، فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة،{واللّه ذو فضل على المؤمنين}.

١٥٣

{إذ تصعدون}، يعني ولقد عفا عنكم إذ تصعدون هاربين ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة {تصعدون} بفتح التاء والعين ، والقراءة المعروفة بضم التاء وكسر العين. والإصعاد السير في مستوى الأرض، والصعود  الإرتفاع على الجبال والسطوح ، قال أبو حاتم  يقال أصعدت إذا مضيت حيال وجهك، وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره ، وقال المبرد أصعد إذا أبعد في الذهاب ، وكلتا القراءتين صواب فقد كان يومئذ من المنهزمين مصعد وصاعد، وقال المفضل صعد وأصعد وصعد بمعنى واحد. {ولا تلوون على أحد} أي لا تعرجون ولا تقيمون على أحد ، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض، {والرسول يدعوكم في أخراكم}أي في آخركم ومن ورائكم إلي عباد اللّه فأنا رسول اللّه من يكر فله الجنة ، {فأثابكم}، فجازاكم ، جعل الإثابة بمعنى العقاب ، وأصلها في الحسنات لأنه وضعها موضع الثواب ، ك

قوله تعالى {فبشرهم بعذاب أليم} جعل البشارة في العذاب ، ومعناه جعل مكان الثواب الذي كنتم ترجون {غماً بغم}

وقيل الباء بمعنى على ، أي غماً على غم ،

وقيل غماً متصلاً بغم، فالغم الأول  ما فاتهم من الظفر والغنيمة ، والغم الثاني ما نالهم من القتل والهزيمة .

وقيل الغم الأول  إشراف خالد بن الوليد عليهم بخيل المشركين، والغم الثاني حين أشرف عليهم أبو سفيان، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انطلق يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة ، فلما رأوه وضع رجل سهماً في قوسه وأراد أن يرميه ، فقال أنا رسول اللّه ، ففرحوا حين وجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وفرح النبي صلى اللّه عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا فأقبل أبو سفيان وأصحابه ، حتى وقفوا بباب الشعب، فلما نظر المسلمون إليهم أهمهم ذلك وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  ليس لهم أن يعلونا اللّهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم.

وقيل إنهم غموا الرسول بمخالفة أمره ، فجازاهم اللّه بذلك الغم غم القتل والهزيمة.

قوله تعالى {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } ، من الفتح والغنيمة،{ولا ما أصابكم} أي ولا على ما أصابكم من القتل والهزيمة ،{واللّه خبير بما تعملون}.

١٥٤

{ثم أنزل عليكم } ، يا معشر المسلمين ، { من بعد الغم أمنةً نعاساً} يعني أمناً ، والأمن والأمنة بمعنى واحد ،

وقيل الأمن يكون مع زول سبب الخوف ، والأمنة مع بقاء سبب الخوف ، وكان سبب الخوف هنا قائماً،{نعاساً} ، بدل من الأمنة { يغشى طائفة منكم} قرأ حمزة و الكسائي {تغشى} بالتاء رداً إلى الأمنة ، وقرأ الآخرون بالياء رداً إلى النعاس. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  أمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم ، وإنما ينعس من يأمن ، والخائف لا ينام.

أخبرنا عبد الواحد المليحي انا احمد بن عبد اللّه النعيمي

أخبرنامحمد بن يوسف أنامحمد بن إسماعيل

أخبرنااسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أناحسين بن محمد

أخبرناشيبان عن قتادة

أخبرناانس أن أبا طلحة قال غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، قال فجعل سيفي يسقط من يدي فآخذه ويسقط وآخذه . وقال ثابت عن انس عن ابي طلحة قال رفعت رأسي يوم أحد فجعلت ما أرى أحداً من القوم إلا وهو يميل تحت جحفته من النعاس. وقال عبد اللّه بن الزبير بن العوام لقد رأيتني مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين اشتد علينا الحرب، أرسل اللّه علينا النوم، واللّه إني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم، يقولون  لو كان لنا من الأمر شئ ماقتلنا ها هنا ، فذلك

قوله تعالى {يغشى طائفةً منكم} يعني المؤمنين،{وطائفةً قد أهمتهم أنفسهم}،يعني المنافقين قيل أراد اللّه به تمييز المنافقين من المؤمنين ، فأوقع النعاس على المؤمنين حتى أمنوا، ولم يوقع على المنافقين ، فبقوا في الخوف وقد أهمتهم أنفسهم ، أي حملتهم على الهم يقال أمر مهم. {يظنون باللّه غير الحق} أي لا ينصر محمداً ،

وقيل ظنوا أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم قد قتل ،{ ظن الجاهلية } أي كظن اهل الجاهلية والشرك،{يقولون هل لنا}  مالنا، لفظه استفهام ومعناه جحد، { من الأمر من شيء }يعني النصر،{قل إن الأمر كله للّه} قرأ أهل البصرة برفع اللام على الابتداء وخبره في {اللّه} وقرأ الآخرون بالنصب على البدل

وقيل على النعت. { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا }، وذلك أن المنافقين ، قال بعضهم لبعض لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ولم يقتل رؤساؤنا ،

وقيل لو كنا على الحق ما قتلنا ها هنا. قال الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما  يظنون باللّه غير الحق ظن الجاهلية ، يعني التكذيب بالقدر ، وهو قولهم { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا } ،{قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب} قضي،{عليهم القتل إلى مضاجعهم}، مصارعهم ، {و ليبتلي اللّه}، وليمتحن اللّه،{ما في صدوركم وليمحص}، يخرج ويظهر {ما في قلوبكم ، واللّه عليم بذات الصدور} بما في القلوب من خير وشر.

١٥٥

{إن الذين تولوا منكم } أي انهزموا،{منكم} ، يامعشر المسلمين،{يوم التقى الجمعان} ،جمع المسلمين وجمع المشركين يوم أحد ، وكان قد انهزم اكثر المسلمين ولم يبق مع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلا ثلاثة عشر رجلاً ستة من المهاجرين  وهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنهم .

قوله تعالى {إنما استزلهم الشيطان}أي طلب زلتهم ، كما يقال استعجلت فلاناً إذا طلبت عجلته ،

وقيل  حملهم على الزلة وهي الخطيئة ،

وقيل  أزل واستزل بمعنى واحد، {ببعض ما كسبوا} أي  بشؤم ذنوبهم ، قال بعضهم  بتركهم المركز ،

وقال الحسن  ما كسبوا هو قبولهم من الشيطان ما وسوس إليهم من الهزيمة ، {ولقد عفا اللّه عنهم إن اللّه غفور حليم }.

١٥٦

{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا} ، يعني المنافقين عبد اللّه بن أبي وأصحابه، {وقالوا لإخوانهم} ، في النفاق والكفر ،

وقيل في النسب،{إذا ضربوا في الأرض} أي سافروا فيها لتجارة أو غيرها،{أو كانوا غزى}أي غزاةً جمع غاز فقتلوا،{ لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل اللّه ذلك }يعني قولهم وظنهم،{ حسرة } غماً{ في قلوبهم واللّه يحيي ويميت واللّه بما تعملون بصير } قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {يعملون} بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء.

١٥٧

{ولئن قتلتم في سبيل اللّه أو متم} قرأنافع وحمزة والكسائي {متم} بكسر الميم ، وقرأ الآخرون بالضم ، فمن ضمه فهو من مات يموت ، كقولك  من قال يقول قلت ، بضم القاف ، ومن كسره فهو من مات يمات ، كقولك من خاف يخاف خفت،{لمغفرة من اللّه} ، في العاقبة،{ورحمة خير مما يجمعون} ، من الغنائم ، قراءة العامة { تجمعوا } بالتاء ، لقوله {ولئن قتلتم} وقرأ حفص عن عاصم {يجمعون } بالياء، يعني  خير مما يجمع الناس.

١٥٨

{ولئن متم أو قتلتم لإلى اللّه تحشرون} ، في العاقبة.

١٥٩

قوله تعالى {فبما رحمة من اللّه} أي فبرحمة من اللّه ، و {ما} صلة ، كقوله {فبما نقضهم}،{لنت لهم}أي سهلت لهم اخلاقك ، وكثرة احتمالك ، ولم تسرع اليهم فيما كان منهم يوم أحد، {ولو كنت فظاً} يعني جافياً سئ الخلق قليل الاحتمال، {غليظ القلب} ، قالالكلبي  فظاً في القول غليظ القلب في الفعل،{ لانفضوا من حولك } ، أي  لنفروا وتفرقوا عنك ، يقال فضضتهم فانفضوا ،أي فرقتهم فتفرقوا {فاعف عنهم}، تجاوز عنهم ما أتوا يوم أحد ، { واستغفر لهم} حتى أشفعك فيهم ، { و شاورهم في الأمر} أي استخرج آراهم واعلم ما عندهم ، من قول العرب  شرت الدابة ، وشورتها ، إذا استخرجت جريها ، وشرت العسل وأشرته إذا أخذته من موضعه ، واستخرجته.

واختلفوا في المعنى الذي لأجله امر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم بالمشاورة مع كمال عقله وجزالة رأيه ونزول الوحي عليه، ووجوب طاعته على الخلق فيما أحبوا وكرهوا. فقال بعضهم  هو خاص في المعنى، أي وشاورهم فيما ليس عندك فيه من اللّه تعالى عهد، قالالكلبي  يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكايد الحرب عند الغزو. وقالمقاتل وقتادة أمر اللّه تعالى بمشاورتهم تطييباً لقلوبهم ، فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم ،فإن سادات العرب كانوا إذا لم يشاوروا في الأمر شق ذلك عليهم.

وقال الحسن  قد علم اللّه عز وجل أنه ما به إلى مشاورتهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده.

أخبرناأبو طاهر بن علي بن عبد اللّه الفارسي

أخبرناأبو ذر محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني

أخبرنا عبد اللّه بن محمد بن جعفر بن حيان

أخبرنا علي بن العباس المقانعي

أخبرنا أحمد بن ماهان أخبرني أبي

أخبرنا طلحة بن زيد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللّه عنها قالت مارأيت رجلاً أكثر استشارة للرجال من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

قوله تعالى {فإذا عزمت فتوكل على اللّه } لا على مشاورتهم ، أي قم بأمر اللّه وثق به واستعنه، {إن اللّه يحب المتوكلين }.

١٦٠

{إن ينصركم اللّه }، يعنكم اللّه ويمنعكم من عدوكم ،{فلا غالب لكم} ، مثل يوم بدر، {وإن يخذلكم} يترككم لم ينصركم كما كان بأحد ، والخذلان  القعود عن النصرة والإسلام للّهلكة ،{فمن ذا الذي ينصركم من بعده} أي من بعد خذلانه ،{وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون} ، قيل التوكل أن لا تعصي اللّه من أجل رزقك ،

وقيل أن لا تطلب لنفسك ناصراً غير اللّه ولا لرزقك خازناً غيره ولا لعملك شاهداً غيره.

أخبرناابو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري

أخبرنا ابو عبد اللّه الحسين بن شجاع البزاز ببغداد

أخبرناأبو بكر محمد بن جعفر الهيم الأنباري

أخبرنا محمد بن أبي العوام

أخبرناوهب ابن جرير

أخبرنا هشام بن حسان عنالحسن عنعمران بن حصين رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {يدخل سبعون ألفاً من أمتي الجنة بغير حساب قيل يارسول اللّه من هم ؟ قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ، فقال عكاشة بن محصن  يارسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم قال أنت منهم ثم قام آخر فقال يارسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم ، فقال سبقك بها عكاشة}.

أخبرناأبو بكر محمد بن عبد اللّه بن أبي توبة

أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث

أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي

أخبرنا عبد اللّه بن محمود

أخبرنا إبراهيم بن عبد اللّه الخلال أنا عبد اللّه بن المبارك عن حياة بن شريح حدثني بكر بن عمرو عن عبد اللّه بن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول سمعت عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول { لو أنكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً}.

١٦١

قوله عز وجل {وما كان لنبي أن يغل} الآية، وروى عكرمة ومقسم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن هذه الآية نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس أخذها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وقال الكلبي ومقاتل نزلت في غنائم احد حين ترك الرماة المركز للغنيمة ، وقالوا نخشى أن يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر ، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟ قالوا تركنا بقية إخواننا وقوفاً، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقالقتادة  ذكر لنا انها نزلت في طائفة غلت من اصحابه.

وقيل إن الأقوياء ألحوا عليه يسألونه من المغنم ، فأنزل للّه تعالى {وما كان لنبي أن يغل} فيعطي قوماً ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بينهم بالسوية. وقالمحمد بن إسحاق بن يسار هذا في الوحي، يقول ما كان لنبي أن يكتم شيئاً من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة.

قوله تعالى { وما كان لنبي أن يغل} ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم {يغل} بفتح الياء وضم الغين ، معناه أن يخون،والمراد منه الأمة ،

وقيل اللام فيه منقولة ، معناه ما كان النبي ليغل ،

وقيل معناه ما كان يظن به ذلك ولا يليق به ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الغين ، وله وجهان  أن يكون من الغلول أيضاً، أي ما كان لنبي أن يخان ، يعني أن تخونه أمته ، والوجه الآخر  أن يكون من الإغلال، معناه  ما كان لنبي ان يخون ، أي ينسب إلى الخيانة. {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}،قالالكلبي  يمثل له ذلك الشيء في النار ثم يقال له  انزل فخذه فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ موضعه وقع في النار، ثم يكلف أن ينزل إليه ، فيخرجه ففعل ذلك به .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي

أخبرنا زاهر بن احمد الفقيه

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي

أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال {خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع ، قال فوجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحو وادي القرى ، وكان رفاعة بن زيد وهب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبداً أسود يقال له مدعم ، قال فخرجنا حتى إذا كنا بوادي القرى فبينما مدعم يحط رحل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله ، فقال الناس هنيئاً له الجنة ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم ، تشتعل عليه ناراً، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شراك من نار أو شراكان من نار}.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد

أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي

أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن أبي عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد الجهني انه قال {توفي رجل يوم خيبر فذكروه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم زيد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إن صاحبكم قد غل في سبيل اللّه قال ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرزات اليهود يساوين درهمين}.

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب المروزي أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان

أخبرنا الشافعي

أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي قال { استعمل النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم على المنبر

فقال  مابال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي ، فهلا جلس في بيت أمه أو في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا ، فوالذي نفسي بيده لا يأخذ  أحد منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال اللّهم هل بلغت}. وروى قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه قال {بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن فقال لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}. وروي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه}. وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي اللّه عنه { أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه} .

قوله تعالى{ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون }.

١٦٢

{أفمن اتبع رضوان اللّه}، وترك الغلول،{كمن باء بسخط من اللّه } ،فعل، {ومأواه جهنم وبئس المصير}.

١٦٣

{هم درجات عند اللّه }، يعني ذو درجات عند اللّه ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما يعني من اتبع رضوان اللّه ومن باء بسخط من اللّه مختلفو المنازل عند اللّه ، فلمن اتبع رضوان اللّه الثواب العظيم ، ولمن باء بسخط من اللّه العذاب الأليم .{واللّه بصير بما يعملون}.

١٦٤

{لقد من اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم}، قيل أراد به العرب لأنه ليس حي من احياء العرب إلا وله فيهم نسب إلا بني ثعلبة ، دليله

قوله تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} وقال الآخرون أراد به جميع المؤمنين ، ومعنى

قوله تعالى {من أنفسهم} أي بالإيمان والشفقة لا بالنسب ، ودليله

قوله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، {يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا}، وقد كانوا، {من قبل} أي من قبل بعثه {لفي ضلال مبين}.

١٦٥

{ أو لما } أي حين {أصابتكم مصيبة} ، بأحد ،{قد أصبتم مثليها} ، يوم بدر، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين وقتل المسلمون منهم ببدر سبعين وأسروا سبعين،{قلتم أنى هذا}، من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فينا؟{ قل هو من عند أنفسكم} روى عبيدة السلمانيعن علي رضي اللّه عنه، قال جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال إن اللّه قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأساري ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم فذكر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للناس ، فقالوا يا رسول اللّه عشائرنا وإخواننا، لا بل نأخذ فداءهم فنقوى بها على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم [فقتل منهم يوم احد] سبعون من أسارى أهل بدر ، فهذا معنى

قوله تعالى { قل هو من عند أنفسكم} أي بأخذكم الفداء واختياركم القتل،{ إن اللّه على كل شيء قدير }.

١٦٦

{وما أصابكم يوم التقى الجمعان} ، بأحد من القتل والجرح والهزيمة،{ فبإذن اللّه}،أي بقضائه وقدره، {وليعلم المؤمنين}،أي ليميز ،

وقيل ليرى.

١٦٧

{وليعلم الذين نافقوا

وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل اللّه}أي لأجل دين اللّه وطاعته،{أو ادفعوا}، عن أهلكم وحريمكم ، وقال السدي  أي كثروا سواد المسلمين ورابطوا إن لم تقاتلوا يكون ذلك دفعاً وقمعاً للعدو، {قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم}، وهم عبد اللّه بن أبي وأصحابه الذين انصرفوا عن أحد وكانوا ثلاثمائة ، قال اللّه تعالى {هم للكفر يومئذ أقرب} أي إلى الكفر يومئذ أقرب{ منهم للإيمان}[أي إلى الإيمان] ،{يقولون بأفواههم} ، يعني كلمة الإيمان {ما ليس في قلوبهم واللّه أعلم بما يكتمون }.

١٦٨

{الذين قالوا لإخوانهم } ، في النسب لا في الدين وهم شهداء احد {وقعدوا} يعني قعد هؤلاء القائلون عن الجهاد{لو أطاعونا} ، وانصرفوا عن محمد صلى اللّه عليه وسلم وقعدوا في بيوتهم { ما قتلوا قل} ، لهم يا محمد،{ فادرؤوا }، فادفعوا، { عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} ، إن الحذر لايغني عن القدر.

١٦٩

قوله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً}الآية،قيل نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلاً ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين. وقال الآخرون  نزلت في شهداء أحد وكانوا سبعين رجلاً أربعة من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد اللّه بن جحش وسائرهم من الأنصار.

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد اللّه بن مرة عن مسروق قال { سألنا عبد اللّه (هو ابن مسعود) رضي اللّه عنهما عن هذه الآية }ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون{ الآية، قال أما أنا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم كطير خضر ويروى (في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة في أيها شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربك اطلاعةً فقال سلوني ما شئتم فقالوا يا رب كيف نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا؟، فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا شيئاً قالوا إنا نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركوا}.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد اللّه بن حامد

أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذانأناجيعوية أنا صالح بن محمدأنا سليمان بن عمرو عن إسماعيل بن أمية عنعطاء بن أبي رباحعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل اللّه عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش، فلما رأوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم ورأوا ما أعد اللّه لهم من الكرامة، قالوا يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع اللّه بنا كي يرغبوا في الجهاد، ولا يتكلوا عنه، فقال اللّه عز وجل أنا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا

فأنزل اللّه تعالى }ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً{ إلى قوله }لا يضيع أجر المؤمنين{}. سمعت عبد الواحد بن أحمد المليحي قال سمعت الحسن بن أحمد القتيبي قال سمعت محمد بن عبد اللّه بن يوسف قال سمعتمحمد بن إسماعيل البكري قال سمعت يحيى بن حبيب بن عربي قال سمعت موسى بن إبراهيم قال سمعت طلحة بن خراش قال سمعت جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما يقول {لقيني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال لي يا جابر ما لي أراك منكسراً؟ قلت يا رسول اللّه استشهد أبي وترك عيالاً وديناً، قال أفلا أبشرك بما لقي اللّه به أباك؟ قلت بلى يا رسول اللّه، قال (ما كلم اللّه تعالى أحداً إلى من وراء حجاب، وإنه أحيا أباك فكلمه كفاحاً، قال يا عبدي تمن علي أعطك، قال يا رب أحيني فأقتل فيك الثانية، قال الرب تبارك وتعالى إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون، فأنزلت فيهم}ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً{}.

أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا عبد اللّه بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا حميد عن أنس رضي اللّه عنهم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {ما من عبد يموت، له عند اللّه خير، يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرةً أخرى}. وقال قوم نزلت هذه الآية في شهداء بئر معونة، وكان سبب ذلك على ما روى محمد بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعنحميد الطويل عن أنس بن مالك وغيرهم من أهل العلم قال قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر، ملاعب الأسنة، وكان سيد بني عامر بن صعصعه، على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة وأهدى إليه هدية، فأبى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقبلها، وقال لا أقبل هدية مشرك، فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك؟ ثم عرض عليه الأسلام، وأخبره بما له فيه وما أعد اللّه للمؤمنين، وقرأ عليه القرآن فلم يسلم، ولم يبعد وقال يا محمد إن الذي تدعو إليه حسن جميل فلو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد فيدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إني أخشى عليهم أهل نجد. فقال أبو البراء أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك. فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلاً من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن يزيد بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي اللّه عنه، وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي أرض بين أرض بني عامر وحرة بني سليم فلما نزلوها، قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل هذا الماء؟ فقال حرام بن ملحان أنا. فخرج بكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل في كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال حرام بن ملحان يا أهل بئر معونة إني رسول اللّه إليكم إني أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله، فآمنوا باللّه ورسوله، فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جبنه حتى خرج من الشق الآخر، فقال اللّه أكبر فزت ورب الكعبة. ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا لن نخفر أبا براء قد عقد لهم عقداً وجواراً ثم استصرخ عليهم قبائل من بني سليم - عصية ورعلاً وذكوان _ فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا السيوف فقاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى، فضلوه فيهم فعاش حتى قتل يوم الخندق، وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف فلم ينبههما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على المعسكر! فقالا واللّه إن لهذا الطير لشأناً فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية الضمري ماذا ترى؟ قال أرى أن نلحق برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنخبره، فقال الأنصاري اللّه أكبر لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، ثم قاتل القوم حتى قتل،وأخذوا عمرو بن أمية الضمري، أسيراً فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل، وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه، فقدم عمرو بن أمية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأخبره الخبر، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارهاً متخوفاً ، فبلغ ذلك أبا البراء فشق عليه إخفار عامر إياه، وما أصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسببه وجواره. وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة، فروى محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من الرجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه؟ قالو هو عامر بن فهيرة، ثم بعد ذلك حمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه على فرسه فقتله.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الأعلى بن حماد أنا يزيد بن زريع أنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك {أن رعلاً وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عدو لهم فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم ، وكانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم ، فبلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم فقنت شهراً يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان . قال أنس رضي اللّه عنه فقرأنا فيهم قرآناً ، ثم إن ذلك رفع  بلغوا عنا قومنا انا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخت (فرفع بعدما قرأناه)زماناً وأنزل اللّه تعالى }ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً{ الآية.}

وقيل  إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة تحسروا على الشهداء، وقالوا نحن في النعمة وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبول ،

فأنزل اللّه تعالى تنفيساً عنهم وإخباراً عن حال قتلاهم { ولا تحسبن } ولا تظنن {الذين قتلوا في سبيل اللّه} قرأ ابن عامر{ قتلوا} بالتشديد، والآخرون بالتخفيف { أمواتاً} كأموات من لم يقتل في سبيل اللّه { بل أحياء عند ربهم} ، قيل أحياء في الدين ،

وقيل في الذكر،

وقيل لأنهم يرزقون ويأكلون ويتمتعون كالأحياء ،

وقيل لأن أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة ،

وقيل  لأن الشهيد لا يبلى في القبر، ولا تأكله الأرض. وقال عبيد بن عمير {مررسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين انصرف من احد على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ثم قرأ } من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه { ، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  أشهد أن هؤلاء شهداء عند اللّه يوم القيامة ، ألا فأتوهم وزوروهم وسلموا عليهم ، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه} {يرزقون} من ثمار الجنة وتحفها.

١٧٠

{فرحين بما آتاهم اللّه من فضله} رزقه وثوابه، {ويستبشرون} ، ويفرحون،{بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم}، من إخوانهم الذين تركوهم أحياءً في الدنيا على مناهج الإيمان والجهاد لعلمهم انهم اذا استشهدوا ولحقوا بهم ونالوا من الكرامة مانالوا ، فهم لذلك مستبشرون،{ ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.

١٧١

{يستبشرون بنعمة من اللّه وفضل وأن اللّه} أي وبأن اللّه ، وقرأ الكسائي بكسر الألف على الاستئناف. { لا يضيع أجر المؤمنين } ،

أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن احمد حدثنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال { تكفل اللّه لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته، أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة}. وقال { والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل اللّه - واللّه أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك}.

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا علي بن الحسن الدارابجردي أنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ أنا سعيد حدثني محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة}.

١٧٢

قوله تعالى{ الذين استجابوا للّه والرسول} الآية ، وذلك أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من احد فبلغوا الروحاء ندموا على انصرافهم وتلاوموا وقالوا لا محمداً قتلتم ولا الكواعب اردفتم ، قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم؟ ارجعوا فاستأصلوهم ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأراد أن يرهب العدو، ويريهم من نفسه وأصحابه قوةً فندب أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان ، فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من الجرح يومنا بالأمس ، فكلمة جابر بن عبد اللّه ،

فقال  يارسول اللّه إن أبي كان قد خلفني على أخوات لي سبع ، وقال لي يابني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي أوثرك على نفسي في الجهاد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فتخلف على أخواتك ، فتخلفت عليهن ، فأذن له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فخرج معه. وإنما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرهباً للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم فيظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم فينصرفوا. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن ابن عوف وعبد اللّه بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلاً رضي اللّه عنهم حتى بلغوا حمراء الأسد ، وهي من المدينة على ثمانية أميال. وروي عن عائشة رضي اللّه عنها انها قالت لعبد اللّه بن الزبير يابن أختي أما واللّه إن أباك وجدك- تعني أبا بكر والزبير- لمن الذين قال اللّه عز وجل فيهم { الذين استجابوا للّه والرسول من بعد ما أصابهم القرح}، فمر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معبد الخزاعي بحمراء الأسد وكانت خزاعة - مسلمهم وكافرهم - عيبة نصح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتهامة ، صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئاً كان بها ، ومعبد يومئذ مشرك، فقال يا محمد واللّه لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ، ولوددنا أن اللّه تعالى كان قد أعفاك منهم ، ثم خرج من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء قد أجمعوا الرجعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقالوا لقد أصبنا جل أصحابه وقادتهم لنكرن على بقيتهم ، فلنفرغن منهم ، فلما رأى أبو سفيان معبداً قال ما وراءك يا معبد؟ قال  محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقاً ، قد أجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على صنيعهم ، وفيهم من الحنق عليكم شئ لم أر مثله قط، قال ويلك ما تقول؟ قال واللّه ماأراك ترحل حتى ترى نواصي الخيل، قال  فو اللّه لقد أجمعنا الكرة عليهم ، لنستأصل بقيتهم ، قال فإني واللّه أنهاك عن ذلك ، فو اللّه لقد حملني ما رأيت على ان قلت فيه أبياتاً كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل فذكر أبياتاً فرد ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر به ركب من عبد القيس، فقال أين تريدون ؟ قالوا نريد المدينة ، قال (ولم ؟ قالوا نريد الميرة) قال فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالةً وأحمل لكم إبلكم هذه زبيباً بعكاظ غداً إذا وافيتمونا؟ قالوا نعم، قال فإذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم ، وانصرف أبو سفيان إلى مكة ، ومر الركب برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه  حسبنا اللّه ونعم الوكيل ثم انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة بعد الثالثة هذا قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد و عكرمة  نزلت هذه الآية في غزوة بدر الصغرى ، وذلك أن أبا سفيان يوم احد حين أراد أن ينصرف قال  يا محمد موعد ما بيننا وبينك موسم بدر الصغرى لقابل إن شئت ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  ذلك بيننا وبينك إن شاء اللّه فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران ، ثم ألقى اللّه الرعب في قلبه فبدا له الرجوع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمراً فقال له أبو سفيان  يا نعيم إني قد واعدت محمداً وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها، وأكره أن يخرج محمد ولا اخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة ولأن يكون الخلف من قبلهم أحب إلي من أن يكون من قبلي، فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم اني في جمع كثير لا طاقة لهم بنا ، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها لك على يدي سهيل بن عمرو ويضمنها ، قال  فجاء سهيل فقال له نعيم يا أبا يزيد أتضمن لي هذه القلائص وأنطلق إلى محمد وأثبطه ؟ قال نعم، فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال أين تريدون؟ فقالوا واعدنا أبو سفيان بموسمبدر الصغرى أن نقتتل لها،  بئس الرأي رأيتم ، أتوكم في دياركم وقرأركم فلم يفلت منكم إلا الشريد، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم ، واللّه لا يفلت منكم أحد ، فكره أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخروج ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فأما الجبان فإنه رجع، وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال، وقال حسبنا اللّه ونعم الوكيل. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أصحابه حتى وافوا بدراً الصغرى ، فجعلوا يلقون المشركين ويسألوهم عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يريدون أن يرعبوا المسلمين فيقول المؤمنون حسبنا اللّه ونعم الوكيل ، حتى بلغوا بدراً وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام، فأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة ، فلم يلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه أحداً من المشركين، ووافقوا السوق وكانت معهم تجارات ونفقات فباعوا وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين، فذلك

قوله تعالى {الذين استجابوا للّه والرسول} أي أجابوا، ومحل {الذين} خفض على صفة المؤمنين تقديره إن اللّه لا يضيع اجر المؤمنين المستجيبين للّه والرسول، {من بعد ما أصابهم القرح}، أي (نالتهم الجراح) ، تم الكلام ها هنا ثم ابتدأ فقال { للذين أحسنوا منهم} بطاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإجابته إلى الغزو،{ واتقوا}، معصيته{ أجر عظيم}.

١٧٣

{الذين قال لهم الناس} ومحل{ الذين} خفض أيضاً مردود على الذين الأول وأراد بالناس نعيم ابن مسعود، في قول مجاهدوعكرمة فهو من العام الذي أريد به الخاص ك

قوله تعالى { أم يحسدون الناس}يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم وحده ، وقال محمد بن إسحاق وجماعة أراد بالناس الر كب من عبد القيس، {إن الناس قد جمعوا لكم} ، يعني أبا سفيان وأصحابه،{فاخشوهم}، فخافوهم واحذروهم، فإنه لا طاقة لكم بهم ، {فزادهم إيماناً} تصديقاً ويقيناً وقوة { وقالوا حسبنا اللّه} أي كافينا اللّه ، {ونعم الوكيل}، أي الموكول إليه الأمور، فعيل بمعنى مفعول.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي

أخبرنا محمد بن يوسف انا محمد بن إسماعيل

اخبرنا أحمد بن يونس

اخبرنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى اللّه عليه وسلم حين قالوا { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}.

١٧٤

{فانقلبوا} ، فانصرفوا،{بنعمة من اللّه} بعافية لم يلقوا عدواً{وفضل} تجارة وربح وهو ما أصابوا في السوق {لم يمسسهم سوء} لم يصبهم أذى ولا مكروه،{واتبعوا رضوان اللّه} في طاعة اللّه وطاعة رسوله ، وذلك أنهم قالوا هل يكون هذا غزواً فأعطاهم اللّه ثواب الغزو ورضي عنهم ، {واللّه ذو فضل عظيم}.

١٧٥

قوله تعالى { إنما ذلكم الشيطان}، يعني ذلك الذي قال لكم {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم}، من فعل الشيطان ألقي في أفواههم ليرهبوهم ويجبنوا عنهم ،{يخوف أولياءه}، أي يخوفكم بأوليائه ، وكذلك هو في قراءة أبي بن كعب يعني يخوف المؤمنين بالكافرين ،

قال السدي  يعظم أولياءه في صدورهم ليخافوهم ، يدل عليه قراءة عبداللّه بن مسعود{ يخوف أولياءه } ، { فلا تخافوهم وخافون} ، في ترك أمري{ إن كنتم مؤمنين}، مصدقين بوعدي فإني متكفل لكم بالنصرة والظفر.

١٧٦

قوله عز وجل { ولا يحزنك}، قرأ نافع{يحزنك} بضم الياء وكسر الزاي، وكذلك جميع القرآن إلا قوله {لا يحزنهم الفزع الأكبر}، ضده أبو جعفر ، وهما لغتان  حزن يحزن وأحزن يحزن ،إلا أن اللغة الغالبه حزن يحزن ،{الذين يسارعون في الكفر}، قال الضحاك  هم كفار قريش، وقال غيره هم المنافقون يسارعون في الكفر بمظاهرة الكفار.{إنهم لن يضروا اللّه شيئاً} ، بمسارعتهم في الكفر،{ يريد اللّه أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة }، نصيباً في ثواب الآخرة ، فذلك خذلهم حتى سارعوا في الكفر، {ولهم عذاب عظيم}.

١٧٧

{إن الذين اشتروا}، استبدلوا{الكفر بالإيمان لن يضروا اللّه شيئاً} وإنما يضرون أنفسهم ، {ولهم عذاب أليم} .

١٧٨

{ولا يحسبن الذين كفروا } ، قرأ حمزة هذا والذي بعده بالتاء فيهما ، وقرأ الآخرون بالياء، فمن قرأ بالياء{فالذين} في محل الرفع على الفاعل تقديره ولا يحسبن الكفار إملاءنا لهم خيراً ، ومن قرأ بالتاء يعني ولا تحسبن يامحمد الذين كفروا ، وإنما نصب على البدل من الذين،{ أنما نملي لهم خير لأنفسهم }، والإملاء الإمهال والتأخير، يقال عشت طويلاً حميداً وتمليت حيناً ، ومنه

قوله تعالى { واهجرني مليا}(مريم -٤٦) أي  حيناً طويلاً، ثم ابتدأ فقال { إنما نملي لهم}، نمهلهم{ ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}.

قال مقاتل  نزلت في مشركي مكة ، وقالعطاء في قريظة والنضير .

أخبرنا عبد الرحمن بن عبد اللّه القفال أنا أبو منصور احمد بن الفضل البرونجردي انا أبو أحمد بكر بن محمد حمدان الصيرفي أنا محمد بن يونس انا أبو داود الطيالسي انا شعبة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن ابيه قال {سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الناس خير؟ قال من طال عمره وحسن عمله قيل فأي الناس شر؟ قال من طال عمره وساء عمله}.

١٧٩

قوله تعالى { ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب }، اختلفوا فيها ، فقالالكلبي قالت قريش يا محمد تزعم ان من خالفك فهو في النار واللّه عليه غضبان ، وأن من اتبعك على دينك فهو في الجنة ، واللّه عنه راض ، ف

أخبرنا بمن يؤمن بك وبمن لا يؤمن بك ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. و

قال السدي  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { عرضت علي أمتي في صورها في الطين كما عرضت على آدم ، وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر بي }، فبلغ ذلك المنافقين ، فقالوا استهزاءً زعم محمد انه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ممن لم يخلق بعد ، ونحن معه وما يعرفنا ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقام على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال { ما بال اقوام طعنوا في علمي لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة إلا أنباتكم به}، فقام عبد اللّه بن حذافة السهمي فقال من أبي يا رسول اللّه ؟ قال حذافة ، فقام عمر فقال يا رسول اللّه رضينا باللّه رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبك نبياً فاعف عنا عفا اللّه عنك ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم {فهل أنتم منتهون} ؟ ثم نزل عن المنبر ،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

واختلفوا في حكم الآية ونظمها ، فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما والضحاك ومقاتل والكلبي وأكثر المفسرين  الخطاب للكفار والمنافقين ، يعني { ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} يا معشر الكفار والمنافقين من الكفر والنفاق { حتى يميز الخبيث من الطيب}.

وقال قوم  الخطاب للمؤمنين الذين أخبر عنهم ، معناه  ما كان اللّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما انتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق، فرجع من الخبر إلى الخطاب. {حتى يميز} قرأ حمزة والكسائي ويعقوب بضم الياء والتشديد وكذلك التي في الأنفال ، وقرأ الباقون بالخفيف ، يقال ماز الشئ يميزه ميزاً وميزه تمييزاً إذا فرقه فامتاز ، وإنما هو بنفسه ، قال أبو معاذ إذا فرقت بين شيئين ، قلت  مزت ميزاً فإذا كانت أشياء ، قلت  ميزتها تمييزاً ، وكذلك إذا جعلت الشئ الواحد شيئين قلت فرقت بالتخفيف ، ومنه فرق الشعر ، فإن جعلته أشياء، قلت فرقته تفريقاً، ومعنى الآية حتى يميز المنافق من المخلص ، فميز اللّه المؤمنين من المنافقين يوم احد حيث أظهروا النفاق وتخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . و

قال قتادة  حتى يميز الكافر من المؤمن بالهجرة والجهاد.

وقال الضحاك {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} في أصلاب الرجال وأرحام النساء يا معشر المنافقين والمشركين حتى يفرق بينكم وبين من في أصلابكم وأرحام نسائكم من المؤمنين ،

وقيل {حتى يميز الخبيث} وهو المذنب{من الطيب} وهو المؤمن ، حتى يحظ الأوزار عن المؤمن بما يصيبه من نكبة ومحنة ومصيبة ، { وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب }، لأنه لا يعلم الغيب أحد غيره ، {ولكن اللّه يجتبي من رسله من يشاء} فيطلعه على بعض علم الغيب ، نظيره

قوله تعالى{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول } (سورة الجن الآيتان ٢٦،٢٧). وقالالسدي  معناه وما كان اللّه ليطلع محمداً صلى اللّه عليه وسلم على الغيب ولكن اللّه اجتباه ، { فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم}.

١٨٠

{ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم } ،أي ولا يحسبن الباخلون البخل خيراً لهم ،{بل هو} ، يعني البخل،{شر لهم سيطوقون}، أي سوف يطوقون {ما بخلوا به يوم القيامة}، يعني يجعل ما منعه من الزكاة حيةً تطوق في عنقه يوم القيامة تنهشه من فوقه إلى قدمه ، وهذا قول ابن مسعودوابن عباس وأبي وائل والشعبي والسدي.

اخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا علي بن عبد اللّه المديني أنا هاشم بن القاسم

أخبرنا عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار عن أبيه عن أبي صالح السمان عن ابي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { من آتاه اللّه مالاً فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان ، يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ، يعني شدقيه ، ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ، ثم تلا } ولا يحسبن الذين يبخلون { الآية}.

اخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنامحمد بن إسماعيل أنا عمرو بن حفص بن غياث أنا أبي أنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال انتهيت إليه ، يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم قال{والذي نفسي بيده أو والذي لا إله غيره أو كما حلف ، ما من رجل يكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما يكون وأسمنه ، تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس}. قال إبراهيم النخعي معنى الآية بجعل يوم القيامة في أعناقهم طوقاً من النار،

قال مجاهد  يكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به في الدنيا من أموالهم. وروى عطية عن ابن عباس  أن هذه الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ونبوته وأراد بالبخل كتمان العلم كما قال في سورة النساء{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله } (النساء -٣٧). ومعنى قوله { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}، أي يحملون وزره وإثمه، ك

قوله تعالى { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم}(الأنعام-٣١). {وللّه ميراث السموات والأرض} ، يعني أنه الباقي الدائم بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم فيموتون ويرثهم ، نظيره

قوله تعالى { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } (مريم-٤٠) {واللّه بما تعملون خبير} قرأ اهل البصرة ومكة يعملون بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء.

١٨١

قوله تعالى { لقد سمع اللّه قول الذين قالوا إن اللّه فقير ونحن أغنياء} قال الحسن ومجاهد لما نزلت {من ذا الذي يقرض اللّه قرضاً حسناً} قالت اليهود  إن اللّه فقير إستقرض منا ونحن أغنياء ، وذكر الحسن أن قائل هذه المقالة حيي بن اخطب. وقالعكرمةوالسدي ومقاتل ومحمدبن إسحاق  {كتب النبي صلى اللّه عليه وسلم مع أبي بكر رضي اللّه عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا اللّه قرضاً حسناً ، فدخل أبو بكر رضي اللّه عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناساً كثيراً من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم ، يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ، ومعه حبر آخر يقال له أشيع. فقال أبو بكر لفنحاص اتق اللّه وأسلم فو اللّه إنك لتعلم أن محمداً رسول اللّه قد جاءكم بالحق من عند اللّه تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة ، فآمن وصدق وأقرض اللّه قرضاً حسناً يدخلك الجنة، ويضاعف لك الثواب. فقال فنحاص يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني ؟ فإن كان ما تقول حقاً فإن اللّه إذاً لفقير ونحن أغنياء وأنه ينهاكم عن الربا ويعطينا ، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر رضي اللّه عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال  والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك ياعدو اللّه ، فذهب فنحاص إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر رضي اللّه عنه ماحملك على ماصنعت؟ فقال يا رسول اللّه إن عدو اللّه قال قولاً عظيماً زعم أن اللّه فقير وأنهم أغنياء، فغضبت للّه فضربت وجهه ، فجحد ذلك فنحاص ،

فأنزل اللّه تعالى رداً على فنحاص وتصديقاً لأبي بكر رضي اللّه عنه }لقد سمع اللّه قول الذين قالوا إن اللّه فقير ونحن أغنياء{} {سنكتب ما قالوا} ، من الإفك والفرية على اللّه (فنجازيهم به) ، وقال مقاتل سنحفظ عليهم ، وقال الواقدي  سنأمر الحفظة بالكتابة ، نظيره

قوله تعالى {وإنا له كاتبون}، {وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق}، وقرأ حمزة{ ليكتب } بضم الياء{ وقتلهم} برفع اللام {ويقول} بالياء،و{ذوقوا عذاب الحريق}أي النار، وهو بمعنى المحرق، كما يقال {لهم عذاب أليم }،أي مؤلم.

١٨٢

{ذلك بما قدمت أيديكم وأن اللّه ليس بظلام للعبيد}، فيعذب بغير ذنب.

١٨٣

قوله تعالى { الذين قالوا إن اللّه عهد إلينا} الآية، قال الكلبي نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن التابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن اخطب أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا يامحمد تزعم ان اللّه تعالى بعثك إلينا رسولاً وانزل عليك الكتاب وأن اللّه تعالى قد عهد إلينا في التوراة { أن لا نؤمن لرسول }، يزعم أنه جاء من عند اللّه ، {حتى يأتينا بقربان تأكله النار} ، فإن جئتنا به صدقناك، قال

فانزل اللّه تعالى { الذين قالوا} أي سمع اللّه قول الذين قالوا ومحل { الذين } خفض ردا على { الذين } الأول { إن اللّه عهد إلينا } أي  أمرنا وأوصانا في كتبه ان لا نؤمن برسول ، أي لا نصدق رسولاً يزعم انه جاء من عند اللّه حتى يأتينا بقربان تاكله النار فيكون دليلاً على صدقه، والقربان  كل ما يتقرب به العبد إلى اللّه تعالى من نسيكة وصدق وعمل صالح، فعلان من القربة ، وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل ، وكانوا إذا قربوا قرباناً أو غنموا غنيمة جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها، ولها دوي وحفيف، فتأكله وتحرق ذلك القربان وتلك الغنيمة فيكون ذلك علامة القبول، وإذا لم يقبل بقيت على حالها. وقال السدي عن اللّه تعالى أمر بني إسرائيل من جاءكم يزعم أنه رسول اللّه فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد، فإذا أتياكم فآمنوا بهما، فإنهما يأتيان بغير قربان ، قال اللّه تعالى إقامة للحجة عليهم ، {قل} يا محمد{ قد جاءكم} يا معشر اليهود{ رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم}، من القربان{فلم قتلتموهم}؟ يعني زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء، وأراد بذلك أسلافهم فخاطبهم بذلك لأنهم رضوا بفعل أسلافهم { إن كنتم صادقين}، معناه تكذيبهم مع علمهم بصدقك ، كقتل آبائهم الأنبياء، مع الإتيان بالقربان والمعجزات ، ثم قال معزياً لنبيه صلى اللّه عليه وسلم  

١٨٤

{ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر }، قرأ ابن عامر { و بالزبر} أي بالكتب المزبورة ، يعني المكتوبة ، واحدها زبور مثل رسول ورسل ، { والكتاب المنير} ، الواضح المضيء.

١٨٥

قوله عز وجل { كل نفس}، منفوسة،{ ذائقة الموت}، وفي الحديث { لما خلق اللّه تعالى آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها، فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها ، فما من أحد إلا يدفن في التربة التي خلق منها} {وإنما توفون أجوركم} ، توفون جزاء أعمالكم،{يوم القيامة} إن خير فخير وإن شراً فشر،{ فمن زحزح}، نجي وأزيل،{ عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} ظفر بالنجاة ونجا من الخوف،{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }، يعني منفعة ومتعة كالفأس والقدر والقصعة ، ثم تزول ولا تبقى.

وقال الحسن كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل له .

قال قتادة  هي متاع متروكة يوشك أن تضمحل بأهلها ، فخذوا من هذا المتاع بطاعة اللّه ما استطعتم ، والغرور الباطل.

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي

أخبرنا محمد بن يحيى

أخبرنا يزيد بن هارون

أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { يقول اللّه تعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر } واقرؤوا إن شئتم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون} (السجدة-١٧) ، وإن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، واقرؤوا إن شئتم { وظل ممدود}(الواقعة-٣٠) ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما عليها ، واقرؤوا إن شئتم {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.

١٨٦

{لتبلون في أموالكم وأنفسكم} الآية، قالعكرمةومقاتلوالكلبيوابن جريج  نزلت الآية في أبي بكر وفنحاص بن عازوراء ، وذلك {أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص بن عازوراء سيد بني قينقاع ليستمده ، وكتب إليه كتاباً وقال لأبي بكر رضي اللّه عنه لا تفتاتن علي بشئ حتى ترجع فجاء أبو بكر رضي اللّه عنه وهو متوشح بالسيف فأعطاه الكتاب فلما قرأه قال  قد احتاج ربك إلى أن نمده فهم أبو بكر رضي اللّه عنه أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى اللّه عليه وسلم  لا تفتاتن علي بشئ حتى ترجع فكف فنزلت هذه الآية.} وقال الزهري  نزلت في كعب بن الأشرف فإنه كان يهجو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويسب المسلمين ، ويحرض المشركين على النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، في شعره ويشبب بنساء المسلمين ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم  من لي بابن الأشرف فإنه قد آذى اللّه ورسوله. فقال محمد مسلمة الأنصاري أنا لك يارسول اللّه ، أنا أقتله ، قال  فافعل إن قدرت على ذلك. فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق نفسه ، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدعاه ، وقال له  لم تركت الطعام والشراب؟ قال يا رسول اللّه قلت قولاً ولا أدري هل أفي به أم لا ، فقال إنما عليك الجهد. فقال يا رسول اللّه إنه لابد لنا من أن نقول ، قال قولوا ما بدا لكم فأنتم ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك ، فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلام وأبو نائلة ، وكان أخا كعب من الرضاعة ، وعباد بن بشر والحارث بن أوس وأبو عيسى بن جبير ، فمشى معهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم ، قال انطلقوا على اسم اللّه اللّهم أعنهم ، ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك في ليلة مقمرة. فاقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فقدموا أبا نائلة فجاءة فتحدث معه ساعة وتناشدا الشعر، وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة اريد ذكرها لك فاكتم علي ، قال أفعل ، قال كان قدوم هذا الرجل بلادنا بلاءً، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة ، وانقطعت عنا السبل حتى ضاعت العيال وجهدت الأنفس، فقال كعب انا ابن الأشرف أما واللّه لقد كنت أخبرتك يا بن سلامة أن الأمر سيصير إلى هذا ، فقال أبو نائلة إن معي أصحاباً أردنا أن تبيعنا طعامك ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك ، قال أترهنوني أبناءكم، قال إنا نستحي أن يعير أبناؤنا فيقال هذا رهينة وسق، وهذا رهينة وسقين، قال ترهنوني نساءكم ، قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ولا نأمنك ، وأية امرأة تمتنع منك لجمالك؟ ولكنا نرهنك الحلقة ، يعني السلاح، وقد علمت حاجتنا إلى السلاح ، قال نعم، وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح إذا رآه فوعده أن يأتيه فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فاخبرهم خبره. فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ليلاً، فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب من ملحفته ، فقالت امرأته أسمع صوتاً يقطر منه الدم ، وإنك رجل محارب، وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة فكلمهم من فوق الحصن ، فقال إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة وإن هؤلاء لو وجدوني نائماً ما أيقظوني، وإن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب، فنزل إليهم فتحدث معهم ساعة ثم قالوا يا بن الأشرف هل لك إلى أن نتماشى إلى شعب العجوز نتحدث فيه بقية ليلتنا هذه ؟ قال إن شئتم؟ فخرجوا يتماشون ، وكان أبو نائلة قال لأصحابه إني فاتل شعره فاشمه فإذا رأيتموني إستمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه ، ثم إنه شام يده في فود رأسه ثم شم يده ، فقال ما رأيت كالليلة طيب عروس قط، قال إنه طيب ام فلان يعني امرأته ، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة فعاد لمثلها ثم أخذ بفودي رأسه حتى استمكن ثم قال اضربوا عدو للّه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً، قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولاً في سيفي فأخذته ، وقد صاح عدو اللّه صيحةً لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار، قال فوضعته في ثندوته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ، ووقع عدو اللّه ، وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسيافنا ، فخرجنا وقد أبطأ علينا صاحبنا الحرث ونزفه الدم ، فوقفنا له ساعة ثم اتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا به رسول اللّه آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا ف

أخبرناه بقتل كعب وجئنا برأسه إليه ، وتفل على جرح صاحبنا. فرجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود وقعتنا بعدو اللّه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على سنينة رجل من تجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله ، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة فلما قتله ، جعل حويصة يضربه ويقول أي عدو اللّه قتلته أما واللّه لرب شحم في بطنك من ماله. قال محيصة واللّه لو أمرني بقتلك من أمرني بقتله لضربت عنقك ، قال  لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني؟ قال نعم، قال واللّه إن ديناً بلغ بك هذا لعجب ؟ فأسلم حويصة ، وأنزل اللّه تعالى في شأن كعب {لتبلون} لتخبرن، اللام للتأكيد ، وفيه معنى القسم، والنون لتأكيد القسم { في أموالكم} بالجوائح والعاهات والخسران {وأنفسكم} بالأمراض،

وقيل بمصائب الأقارب والعشائر، قال عطاء هم المهاجرون أخذ المشركون أموالهم ورباعهم وعذبوهم ، وقالالحسن  هو ما فرض عليهم في أموالهم وأنفسهم من الحقوق ، كالصلاة والصيام والحج والجهاد والزكاة،{ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } يعني اليهود والنصارى، { ومن الذين أشركوا} ، يعني  مشركي العرب، {أذى كثيراً وإن تصبروا} على أذاهم {وتتقوا} ، اللّه،{فإن ذلك من عزم الأمور}، من حق الأمور وخيرها، وقال عطاء من حقيقة الإيمان.

١٨٧

{وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه }، قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر بالياء فيهما ، ل

قوله تعالى { فنبذوه وراء ظهورهم }، وقرأ الآخرون بالتاء فيها على إضمار القول، {فنبذوه وراء ظهورهم} ، أي طرحوه وضيعوه وتركوا العمل به ،{ واشتروا به ثمناً قليلاً }، يعني المآكل والرشا،{فبئس ما يشترون}، قالقتادة  هذا ميثاق أخذه اللّه تعالى على أهل العلم فمن علم شيئاً فليعلمه ، وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة. وقال أبو هريرة رضي اللّه عنه لولا ما أخذ اللّه على اهل الكتاب ما حدثتكم بشئ ، ثم تلا هذه الآية { وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب}الآية. حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي

أخبرنا أبو معاذ الشاه بن عبد الرحمن

أخبرنا أبو بكر عمر ابن سهل بن إسماعيل الدينوري

أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي

أخبرنا أبو حذيفة موسى بن مسعود

أخبرنا إبراهيم بن طهمان عن سماك بن حرب عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار}. وقال الحسن بن عمارة  أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه ،

فقلت  إن رأيت أن تحدثني؟

فقال أما علمت أني قد تركت الحديث ؟فقلت إما ان تحدثني وإما أن أحدثك ، فقال حدثني، فقلت حدثني الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار قال سمعت علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه يقول ما أخذ اللّه على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا ، قال  فحدثني أربعين حديثاً.

١٨٨

قوله {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} الآية، قرأ عاصم وحمزة والكسائي { لا تحسبن } بالتاء،أي  لاتحسبن يا محمد الفارحين ، وقرأ الآخرون الياء{لا يحسبن} الفارحون فرحهم منجياً لهم من العذاب { فلا تحسبنهم }، قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وضم الباء خبراً عن الفارحين ،أي فلا يحسبن أنفسهم ، وقرأ الآخرون بالتاء وفتح الباء، أي  فلا تحسبنهم يا محمد ، وأعاد قوله{ فلا تحسبنهم} تأكيداً ، وفي حرف عبد اللّه بن مسعود{ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } من غير تكرار.

واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية،

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سعيد بن أبي مريم أنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري { أن رجالا من المنافقين على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت } لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا { الآية }

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن موسى أنا هشام أن ابن جريج أخبرهم أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس رضي اللّه عنهما فقل له  لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون ، فقال ابن عباس مالكم ولهذه إنما دعا النبي صلى اللّه عليه وسلم يهود فسألهم عن شئ فكتموه إياه فأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ، ثم قرأ ابن عباس رضي اللّه عنهما { وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب} كذلك حتى

قوله { يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}. قال عكرمة نزلت في فنحاص وأشيع وغيرهما من الأحبار يفرحون بإضلالهم الناس وبنسبة الناس إياهم إلى العلم وليسوا بأهل العلم . وقالمجاهد هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه. وقال سعيد بن جبير هم اليهود فرحوا بما أعطى اللّه آل إبراهيم وهم براء من ذلك. وقال قتادة ومقاتل أتت يهود خيبر نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا نحن نعرفك ونصدقك وإنا على رأيكم ونحن لكم ردء، وليس ذلك في قلوبهم، فلما خرجوا قال لهم المسلمون ما صنعتم؟ قالوا عرفناه وصدقناه، فقال لهم المسلمون أحسنتم هكذا فافعلوا، فحمدوهم ودعوا لهم،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، وقال {يفرحون بما أتوا} قال الفراء بما فعلوا، كما قال اللّه تعالى {لقد جئت شيئاً فريا} (مريم_ ٢٧) أي فعلت، {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة}،بمنجاة، { من العذاب ولهم عذاب أليم }.

١٨٩

{وللّه ملك السموات والأرض}، يصرفها كيف يشاء، {واللّه على كل شيء قدير}.

١٩٠

{إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}،

أخبرنا الإ مام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين الاسفرايني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحق الحافظأناأحمد بن عبد الجبارأنا ابن فضيل عن حصين بن عبد الرحمن عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس عن أبيه عن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما أنه{ رقد عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرآه استيقظ فتسوك ثم توضأ وهو يقول }إن في خلق السموات والأرض{ حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك، ثم يتوضأ ثم يقرأ هؤلاء الآيات ، ثم أوتر بثلاث ركعات ثم أتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول اللّهم اجعل في بصري نوراً وفي سمعي نوراً وفي لساني نوراً واجعل خلفي نوراً وأمامي نوراً واجعل من فوقي نوراً ومن تحتي نوراً ، اللّهم اعطني نوراً}. ورواه كريب عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، وزاد { اللّهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي نوراً وعن يميني نوراً وعن يساري نوراً}.

قوله تعالى { لآيات لأولي الألباب } ذوي العقول، ثم وصفهم فقال

١٩١

{الذين يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} ، قال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي اللّه عنهم والنخعي وقتادة هذا في الصلاة يصلي قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب.

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي

أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي انا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي

أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي أنا هناد أنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن عبد اللّه بن بريدة عن عمران بن حصين قال سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صلاة المريض ، فقال { صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب}. وقال سائر المفسرين اراد به المداومة على الذكر في عموم الأحوال لأن الإنسان قل ما يخلو من إحدى هذه الحالات الثلاث، نظيره في سورة النساء {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم } (النساء-١٠٣) ، {ويتفكرون في خلق السموات والأرض} ، وما أبدع فيهما ليدلهم ذلك على قدرة اللّه ويعرفوا أن لها صانعاً قادراً مدبراً حكيماً ، قال ابن عون  الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات ، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ، ولا استنارت بمثل الفكرة ،{ربنا} أي ويقولون ربنا {ما خلقت هذا} رده إلى الخلق فلذلك لم يقل هذه ، {باطلاً}،أي  عبثاً وهزلاً بل خلقته لأمر عظيم ، وانتصب الباطل بنزع الخافض ، أي  بالباطل ،{ سبحانك فقنا عذاب النار}.

١٩٢

{ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته}، أي أهنته ،

وقيل أهلكته ،

وقيل فضحته ، ل

قوله تعالى  { ولا تخزون في ضيفي } (هود-٧٨) فإن قيل قد

قال اللّه تعالى {يوم لا يخزي اللّه النبي و الذين آمنوا معه }(التحريم-٨)، ومن أهل الآيمان من يدخل النار ، وقد قال { إنك من تدخل النار فقد أخزيته}، قيل قال أنس وقتادة معناه إنك من تخلد في النار فقد أخزيته ، وقال سعيد بن المسيب هذه خاصة لمن لا يخرج منها ، فقد روى أنس رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم {أن اللّه يدخل قوماً النار ثم يخرجون منها }.{ وما للظالمين من أنصار}.

١٩٣

{ربنا إننا سمعنا منادياً}، يعني  محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، قاله ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهما ، وأكثر الناس ، وقال القرظي  يعني القرآن، فليس كل أحد يلقى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، { ينادي للإيمان } ، أي إلى الأيمان،{ أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار}،أي في جملة الأبرار.

١٩٤

{ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } ،أي على ألسنة رسلك،{ولا تخزنا} ،ولا تعذبنا ولا تهلكنا ولا تفضحنا ولا تهنا،{يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد}. فإن قيل ما وجه قولهم { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } ، وقد علموا أن اللّه لا يخلف الميعاد؟ قيل لفظه دعاء ومعناه خبر،أي  لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك ، تقديره { فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا } {ولا تخزنا يوم القيامة} لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك من الفضل والرحمة ،

وقيل معناه ربنا واجعلنا  ممن يستحقون ثوابك وتؤتيهم ما وعدتهم على ألسنة رسلك لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم لتلك الكرامة ، فسألوه ان يجعلهم مستحقين لها ،

وقيل إنما سألوه تعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء ، قالوا قد علمنا أنك لا تخلف ، ولكن لا صبر لناعلى حلمك فعجل خزيهم وانصرنا عليهم.

١٩٥

قوله تعالى {فاستجاب لهم ربهم أني}أي بأني ،{ لا أضيع} ، لا أحبط ،{عمل عامل منكم} أيها المؤمنون{من ذكر أو أنثى} قال مجاهد قالت أم سلمة يا رسول اللّه إني أسمع اللّه يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء

فانزل اللّه تعالى هذه الآية،{ بعضكم من بعض}،

قال الكلبي  في الدين والنصرة والموالاة

وقيل كلكم من آدم وحواء، وقال الضحاك رجالكم شكل نسائكم ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة ، كما قال { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة - ٧١). { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي }، أي في طاعتي وديني، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة ،{وقاتلوا وقتلوا} ، قرأ ابن عامر وابن كثير {قتلوا} ، بالتشديد،

وقال الحسن يعني أنهم قطعوا في المعركة ، والآخرون بالتخفيف ، وقرأ أكثر القراء {وقاتلوا وقتلوا} يريد أنهم قاتلوا العدو ثم انهم قتلوا ، وقرأ حمزة والكسائي { وقاتلوا وقتلوا } وله وجهان،

أحدهما  معناه وقاتل من بقي منهم ، ومعنى قوله {وقتلوا} أي قتل بعضهم ، تقول العرب قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم ، والوجه الآخر{وقتلوا} وقد قاتلوا،{لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند اللّه} ، نصب على القطع قاله الكسائي ، وقال المبرد  مصدر ،أي  لأثيبنهم ثواباً،{واللّه عنده حسن الثواب}.

١٩٦

قوله عز وجل {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد}، نزلت في المشركين ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين  إن أعداء اللّه تعالى فيما نرى من الخير، ونحن في الجهد ؟ فأنزل اله تعالى هذه الآية {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } ، وضربهم في الأرض وتصرفهم في البلاد للتجارات وانواع المكاسب ، فالخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد منه غيره.

١٩٧

{متاع قليل} ،أي هو متاع قليل، وبلغة فانية ومتعة زائلة ،{ثم مأواهم}، مصيرهم،{جهنم وبئس المهاد} ، الفراش .

١٩٨

{ لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا }، جزاءً وثواباً، {من عند اللّه} ، نصب على التفسير ،

وقيل جعل ذلك نزلاً،{ وما عند اللّه خير للأبرار}، من متاع الدنيا .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد اللّه أنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس رضي اللّه عنهما قال قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه {جئت فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مشربة وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شئ ،وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوراً وعند رأسه أهب معلقة فرأيت أثر الحصير في جنبه ، فبكيت فقال ما يبكيك؟

فقلت  يا رسول اللّه إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول اللّه ؟ فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟}.

١٩٩

قوله عز وجل { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه } الآية، قال ابن عباس وجابر وأنس وقتادة  نزلت في النجاشي ملك الحبشة ، واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية ، وذلك أنه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ، النجاشي ، فخرج الى البقيع وكشف له إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، فقال المنافقون  انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط، وليس على دينه

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقال عطاء نزلت في أهل نجران أربعين رجلاً [من بني حارث بن كعب] ، إثنين وثلاثين من أرض الحبشة وثمانية من الروم ، كانوا على دين عيسى عليه السلام ، فآمنوا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال ابن جريج  نزلت في عبد اللّه بن سلام وأصحابه . وقال مجاهد نزلت في مؤمني اهل الكتاب كلهم ،{ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه }، {وما أنزل إليكم}، يعني القرآن، {وما أنزل إليهم}، يعني التوراة والإنجيل،{ خاشعين للّه} خاضعين متواضعين للّه،{ لا يشترون بآيات اللّه ثمناً قليلاً}، يعني لا يحرفون كتبهم ولا يكتمون صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم لأجل الرياسة والمأكلة ، كفعل غيرهم من رؤساء اليهود ،{أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن اللّه سريع الحساب}.

٢٠٠

قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} ، قال الحسن  اصبروا على دينكم ولا تدعوه لشدة ولا رخاء، و

قال قتادة  اصبروا على طاعة اللّه. وقال الضحاك ومقاتل بن سليمان على أمر اللّه. وقالمقاتل بن حيان على أداء فرائض اللّه تعالى، وقال زيد بن أسلم  على الجهاد.

وقال الكلبي على البلاء، وصابروا يعني الكفار، ورابطوا يعني المشركين ، قال أبو عبيدة ، أي داوموا واثبتوا ، والربط الشد ، وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيولهم ، وهؤلاء خيولهم ،ثم قيل ذلك لكل مقيم في ثغر يدفع عمن وراءه ، وإن لم يكن له مركب.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحيأنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد اللّه بن منير سمع أبا النضر أنا عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار عن أبي حازم عن سهل ابن سعد الساعدي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال{ رباط يوم في سبيل اللّه خير من الدنيا وما عليها ، وموضع سوط احدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها ، والروحة يروحها العبد في سبيل اللّه أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها }.

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني

أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي

أخبرنا عبد اللّه بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربذي أنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن شريح ، عن عبد الكريم بن الحارث ،عن أبي عبيدة بن عقبة عن شرحبيل بن السمط عن سلمان الخير أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {من رابط يوماً وليلة في سبيل اللّه كان له أجر صيام شهر مقيم، ومن مات مرابطاً جرى له مثل ذلك الأجر ، وأجري عليه من الرزق، وأمن من الفتان }. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن لم يكن في زمان النبي صلى اللّه عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة ، ودليل هذا التأويل ما

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنازاهر بن أحمد الفقية أنا ابو اسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عنمالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال { ألا أخبركم بما يمحو اللّه الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ،فذلكم الرباط فذلكم الرباط}. {واتقوا اللّه لعلكم تفلحون} ، قال بعض أرباب اللسان اصبروا على النعماء وصابروا على البأساء والضراء ورابطوا في دار الأعداء واتقوا إله الأرض والسماء لعلكم تفلحون في دار البقاء.

﴿ ٠