١٢٥

{ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فصبروا يوم بدر فاتقوا فأمدهم اللّه بخمسة آلاف كما وعد، قال الحسن  وهؤلاء الخمسة آلاف ردء المؤمنين الى يوم القيامة . وقال ابن عباس ومجاهد  لم تقاتل الملائكة في المعركة الا يوم بدر، وفيما سوى ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون ، إنما يكونون عدداً ومدداً. قال محمد بن إسحاق لما كان يوم أحد انجلى القوم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبقي سعد بن مالك يرمي ، وفتى شاب يتنبل له فلما فني النبل أتاه به فنثره ، فقال ارم أبا اسحاق مرتين ، فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل ، فلم يعرف.

اخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا احمد بن عبد اللّه النعيميأنا محمد بن يوسف أنامحمد بن اسماعيل أناعبد العزيز بن عبد اللّه أناعبد العزيز بن عبد اللّه أناابراهيم بن سعد عن ابية عن جده عن سعد بن أبي وقاص قال رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم احد ومعه رجلان يقاتلان عنه ، عليهما ثياب بيض كأشد القتال، ما رايتهما قبل ولا بعد. ورواه مسلم عن ابي بكر بن ابي شيبه ، قال

اخبرنا محمد بن بشر وابو اسامة عن مسعر عن سعد ابن ابراهيم عن ابية عن سعد يعني ابن ابي وقاص قال { رأيت عن يمين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن شمالة يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد} يعني جبريل وميكائيل. وقال الشعبي  بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك عليهم ،

فأنزل اللّه تعالى { ألن يكفيكم أن يمدكم } إلى قوله { مسومين } فبلغ كرزاً الهزيمة فرجع فلم يأتهم ولم يمدهم ، فلم يمدهم اللّه أيضاً بالخمسة آلاف ، وكانوا قد امدوا بألف . وقال الآخرون  إنما وعد اللّه تعالى المسلمين يوم بدر إن صبروا على طاعته واتقوا محارمه  ان يمدهم أيضاً في حروبهم كلها ، فلم يصبروا الا في يوم الأحزاب ، فأمدهم اللّه حتى حاصروا قريظة والنضير ، قال عبد اللّه بن أبي أوفي كنا محاصري قريظة والنضير ما شاء اللّه فلم يفتح علينا فرجعنا فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبريل عليه السلام،فقال وضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها ؟ فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله ، ثم نادى فينا فقمنا حتى اتيتا قريظة والنضير فيومئذ أمدنا اللّه تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ، ففتح لنا فتحاً يسيراً. وقال الضحاك وعكرمة  كان هذا يوم احد وعدهم اللّه المدد ان صبروا فلم يصبروا فلم يمدوا به .

قوله تعالى {أن يمدكم ربكم } والإمداد إعانة الجيش بالجيش ،

وقيل  ماكان على جهة القوة والإعانة ، يقال فيه  أمدة إمداداً ، وما كان على جهة الزيادة ، يقال  مدة مداً ، ومنه

قوله تعالى {والبحر يمده }(لقمان -٢٧)

وقيل المد في الشر، والامداد في الخير ، يدل عليه

قوله تعالى  {ويمدهم في طغيانهم يعمهون } (البقرة -١٥) {ونمد له من العذاب مداً} (مريم -٧٩) وقال في الخير { أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } وقال { وأمددناكم بأموال وبنين } (الإسراء -٢٦).

قوله تعالى {بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} قرأ ابن عامر بتشديد الزاي على التكثير ل

قوله تعالى {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة }(سورة الأنعام -١١١) ، وقرأ الآخرون بالتخفيف دليله

قوله تعالى  {لولا أنزل علينا الملائكة } (الفرقان -٢١) و

قوله {وأنزل جنوداً لم تروها } (التوبة -٢٦). ثم قال { بلى } نمدكم { إن تصبروا } لعدوكم { وتتقوا } أي  مخالفة نبيكم {ويأتوكم } يعني المشركين { من فورهم هذا } قال ابن عباس رضي اللّه عنهما وقتادة والحسن وأكثر المفسرين  من وجههم هذا ، وقال مجاهد والضحاك  من غضبهم هذا ، لأنهم إنما رجعوا للحرب يوم أحد من غضبهم ليوم بدر، { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة } لم يرد خمسة آلاف سوى ماذكر من ثلاثة آلاف ، بل أراد معهم ، وقوله { مسومين} أي معلمين ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بكسر الواو ، وقرأ الآخرون بفتحها ، فمن كسر الواو فأراد انهم سوموا خيلهم ، ومن فتحها أراد به أنفسهم ، والتسويم  الإعلام من السومة وهي العلامة.

واختلفوا في تلك العلامة ، قال عروة بن الزبير كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر، وقال علي وابن عباس رضي اللّه عنهم  كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم ،(وقال هشام ابن عروة والكلبي عمائم صفر مرخاة على أكتافهم ) ، وقال الضحاك وقتادة  كانوا قد اعلموا بالعهن في نواصي الخيل وأذنابها ، وروى ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر {تسوموا فإن الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم}.

﴿ ١٢٥