٣٣{ إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادً } ، الآية.قال الضحاك نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد ، فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض . وقال الكلبي نزلت في قوم هلال بن عويمر ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن مر بهلال بن عويمر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهو آمن لا يهاج، فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم هلال بن عويمر ، ولم يكن هلال شاهداً [ فشدوا ] عليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزل جبريل عليه السلام بالقضية فيهم، وقال سعيد بن جبير نزلت في ناس من عرينة و عكل أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وبايعوه على الإسلام وهم كذبة فبعثهم النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى إبل الصدقة، فارتدوا وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل. [ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد اللّه ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي حدثني أبو قلابة الجرمي ] عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال قدم علي النبي صلى اللّه عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم [ النبي صلى اللّه عليه وسلم ] أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ، ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل ، فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم في آثارهم، فأتى بهم فقطع أيديهم أرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا. ورواه أيوب عن قلابة عن أنس رضي اللّه عنه قال فقطع أيديهم وأرجلهم ثم أمر بمسامير فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا ، قال أبو قلابة قتلوا وسرقوا وحاربوا اللّه ورسوله وسعوا في الأرض فساداً [ وهو المراد من قوله تعالى { ويسعون في الأرض فساداً } ]. واختلفوا في حكم هؤلاء العرنيين، فقال بعضهم هي منسوخة لأن المثلة لا تجوز، وقال بعضهم حكمه ثابت إلا السمل [ والمثلة ] ، و روى قتادة عن ابن سيرين أن ذلك كان قبل أن [ ينزل الحد ] وقال أبو الزناد فلما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك بهم أنزل اللّه الحدود ونهاه عن المثلة فلم يعد. وعن قتادة قال بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة. وقال سليمان التيمي عن أنس إنما سمل النبي صلى اللّه عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سلموا أعين الرعاة.و قال الليث بن سعد نزلت هذه الآية معاتبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتعليماً منه إياه عقوبتهم، وقال إنما جزاؤهم هذا لا المثلة، ولذلك ما قام النبي صلى اللّه عليه وسلم خطيباً إلا نهى عن المثلة. واختلفوا في المحاربين الذين يستحقون هذا الحد، فقال قوم هم الذين يقطعون الطريق ويحملون السلاح ، والمكابرون في الأمصار، وهو قول الأوزاعي و مالك و الليث بن سعد و الشافعي رحمهم اللّه. وقال قوم المكابرون في الأمصار ليس لهم حكم المحاربين في استحقاق هذه الحدود وهو قول أبي حنيفة رضي اللّه عنه . وعقوبة المحاربين ما ذكر اللّه سبحانه وتعالى { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض }، فذهب قوم إلى أن الإمام بالخيار في أمر المحاربين بين القتل والقطع والصلب ، [ والنفي ] كما هو ظاهر الآية، وهو قول سعيد بن المسيب و الحسن و النخعي و مجاهد . وذهب الأكثر إلى أن هذه العقوبات على ترتيب الجرائم لا على التخيير، [ لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن صالح مولى التوأمة ] عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، و إذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، و إذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، فإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض. وهو قول قتادة و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي رحمهم اللّه تعالى . [ وإذا قتل قاطع الطريق يقتل ] حتماً حتى لا يسقط بعفو ولي الدم ، وإذا أخذ من المال نصاباً وهو ربع دينار تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وإذا قتل و أخذ المال يقتل ويصلب. واختلفوا في كيفيته فظاهر مذهب الشافعي رضي اللّه عنه أن يقتل ثم يصلب وقيل يصلب حياً ثم يطعن حتى يموت مصلوباً ، وهو قول الليث بن سعد ، و قيل يصلب ثلاثة أيام حياً ثم ينزل فيقتل ، وإذا أخاف السبيل ينفى. واختلفوا في النفي فذهب قوم إلى أن الإمام يطلبه ففي كل بلدة يوجد ينفى عنه ، وهو قول سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز ، وقيل يطلب لتقام الحدود عليه ، وهو قول ابن عباس و الليث بن سعد ، وبه قال الشافعي ، وقال أهل الكوفة النفي هو الحبس، وهو نفي من الأرض، وقال محمد بن جرير ينفي من بلده إلى غيره ويحبس في السجن [ في البلد الذي نفي إليه حتى تظهر توبته . كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أول من حبس في السجون ] ، وقال أحبسه حتى أعلم منه التوبة، ولا أنفيه إلى بلد فيؤذيهم، { ذلك }، الذي ذكرت من الحد ، { لهم خزي } عذاب وهوان وفضيحة، { في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم }. |
﴿ ٣٣ ﴾