٦٠

قوله عز وجل  { وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } ، عامة أهل العلم قالوا  إنه موسى بن عمران . وقال بعضهم  هو موسى بن ميشا من أولاد يوسف ، والأول أصح .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني سعيد بن جبير قال  قلت لابن عباس  إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل ، ف

قال ابن عباس  كذب عدو اللّه ، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول  { إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل ، فسئل أي الناس أعلم ؟

فقال  أنا ، فعتب اللّه عليه ، إذ لم يرد العلم إليه فأوحى اللّه إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين ، هو أعلم منك ، قال موسى  يا رب فكيف لي به ؟ قال  تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم . فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق ، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون ، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر ، فاتخذ سبيله في البحر سرباً ، وأمسك اللّه تعالى عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد ، قال موسى لفتاه  آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، قال  ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به ، وقال له فتاه  أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ، واتخذ سبيله في البحر عجباً ، قال  فكان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً ، وقال موسى  ذلك ما كنا نبغ . قال  رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجي بثوب ، فسلم عليه موسى، فقال الخضر عليه السلام  وأنى بأرضك السلام ،

فقال  أنا موسى ، قال  موسى بني إسرائيل ؟ قال  نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً ، قال  إنك لن تستطيع معي صبراً يا موسى ، إني على علم من علم اللّه علمنيه لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم اللّه علمك اللّه ، لا أعلمه ، فقال موسى  ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً ، فقال له الخضر  فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول ، فلما ركبا في السفينة لم يضح إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى  قد حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئاً إمراً ! ، قال  ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً ؟ قال  لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً ، قال  وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  كانت الأولى من موسى نسياناً [ والوسطى شرطاً والثالثة عمداً ] ، قال  وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر  ما [ نقص ] علمي وعلمك من علم اللّه إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له موسى  أقتلت نفساً زكية بغير نفس ؟ لقد جئت شيئاً نكراً ، قال  ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً ؟ قال  وهذه أشد من الأولى ،قال  إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، قد بلغت من لدني عذراً ، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض ، فأقامه ، قال  كان مائلاً ، فقال الخضر بيده فأقامه ، فقال موسى  قوم أتيناهم فلم يطعمونا ، ولم يضيفونا ، لو شئت لاتخذت عليه أجراً ، قال  هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً .فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم  وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما } . قال سعيد بن جبير  فكان ابن عباس يقرأ  ( وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً ) ، وكان يقرأ  ( وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين ) . وعن سعيد بن جبير في رواية أخرى عن ابن عباس عن أبي بن كعب ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { [ قام موسى ] رسول اللّه فذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال أي رسول اللّه هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال لا - فعتب اللّه عليه ، إذ لم يرد العلم إلى اللّه - قيل  - بلى [ عبدنا الخضر ] قال  أي رب وأين ؟ قال  بمجمع البحرين ، [ قال  رب اجعل لي علماً أعلم بك منه ] قال  خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح ، وفي رواية قيل له  تزود حوتاً مالحاً فإنه حيث تفقد الحوت ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل } . رجعنا إلى التفسير ،

قوله عز وجل { وإذ قال موسى لفتاه } ، يوشع بن نون ، { لا أبرح } ، أي لا أزال أسير { حتى أبلغ مجمع البحرين } ،

قال قتادة  بحر فارس وبحر الروم ، مما يلي المشرق . وقال محمد بن كعب طنجة . وقال أبي بن كعب  أفريقية . { أو أمضي حقباً } ، وإن كان حقباً أي دهراً طويلاً وزمانا ً ، وجمعه أحقاب ، والحقب  جمع الحقب . قال عبد اللّه بن عمر  والحقب ثمانون سنة ، فحملا خبزاً وسمكة مالحة حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين ليلاً وعندها عين تسمى ماء الحياة لا يصيب ذلك الماء شيئاً إلا حي ، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وعاشت ودخلت البحر .

﴿ ٦٠