سورة مريم

١

مكية ، وهي ثمان وتسعون آية .

قوله عز وجل  { كهيعص } قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء ، وضده ابن عامر ، وحمزة ، وبكسرهما  الكسائي و أبو بكر ، والباقون بفتحهما . ويظهر الدال عند الذال من ( صاد ذكر ) ابن كثير ، و نافع ، و عاصم [ و يعقوب ] ، والباقون بالإدغام . قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  هو اسم من أسماء اللّه تعالى . و

قال قتادة  هو اسم من أسماء القرآن .

وقيل  اسم للسورة .

وقيل  هو قسم أقسم اللّه به . ويروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { كهيعص } قال  الكاف من كريم وكبير ، والهاء من هاد ، والياء من رحيم ، والعين من عليم ، وعظيم ، والصاد من صادق .

وقال الكلبي  معناه  كاف لخلقه ، هاد لعباده ، يده فوق أيديهم ، عالم ببريته ، صادق في وعده .

٢

{ ذكر } ، رفع المضمر ، أي  هذا الذي نتلوه عليك ذكر { رحمة ربك } ، [ وفيه تقديم وتأخير ] معناه  ذكر بك ، { عبده زكريا } ، برحمته .

٣

{ إذ نادى } ، دعا ، { ربه ، } في محرابه { نداءً خفياً } ، دعا سراً من قومه في جوف الليل .

٤

{ قال رب إني وهن } ، ضعف ورق ، { العظم مني } ، من الكبر .

قال قتادة  اشتكى سقوط الأضراس ، { واشتعل الرأس } ، أي  ابيض شعر الرأس ، { شيباً } ، شمطاً ، { ولم أكن بدعائك رب شقياً } ، يقول  عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبنى .

وقيل  معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان .

٥

{ وإني خفت الموالي } ، و ( الموالي )  بنو العم .

قال مجاهد  العصبة . وقال أبو صالح  الكلالة .

وقال الكلبي  الورثة . { من ورائي } أي  من بعد موتي . قرأ ابن كثير  { من ورائي } بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها . { وكانت امرأتي عاقراً } ، لا تلد ، { فهب لي من لدنك } ، أعطني من عندك { ولياً } ابناً .

٦

{ يرثني ويرث من آل يعقوب } ، قرأ أبو عمرو ، و الكسائي  بجزم الثاء فيهما ، على جواب الدعاء ، وقرأ الآخرون بالرفع على الحال والصفة ، أي  ولياً وارثاً .

واختلفوا في هذا الإرث ، قال الحسن  معناه يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة .

وقيل  أراد ميراث النبوة والعلم .

وقيل  أراد إرث الحبورة ، لأن زكريا كان على رأس الأحبار . قال الزجاج  والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرثه بنو عمه ماله . والمعنى  إنه خاف تضييع بني عمه دين اللّه وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء ، فسأل ربه ولياً صالحاً يأمنه على أمته ، ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين . وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. { واجعله رب رضياً } ، أي براً تقياً مرضياً .

٧

قوله عز وجل  { يا زكريا إنا نبشرك } ، وفيه اختصار ، معناه  فاستجاب اللّه دعاءه ،

فقال  يا زكريا إنا نبشرك ، { بغلام } ، بولد ذكر ، { اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً } ، قال قتادة و الكلبي  لم يسم أحد قبله يحيى . وقال سعيد بن جبير و عطاء  لم نجعل له شبهاً ومثلاً ، كما

قال اللّه تعالى  { هل تعلم له سمياً } ، أي مثلاً . والمعنى  أنه لم يكن له مثل ،لأنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط .

وقيل  لم يكن له مثل في أمر النساء ، لأنه كان سيداً وحصوراً . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما  أي لم تلد العواقر مثله ولداً .

وقيل  لم يرد اللّه به اجتماع الفضائل كلها ليحيى ، إنما أراد بعضها ، لأن الخليل والكليم كانا قبله ، وهما أفضل منه .

٨

{ قال رب أنى } ، من أين ، { يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً } أي  وامرأتي عاقر . { وقد بلغت من الكبر عتياً} ، أي  يبساً ،

قال قتادة  يريد نحول العظم ، يقال  عتا الشيخ يعتو عتياً وعسياً  إذا انتهى سنه وكبر ، وشيخ عات عاس  إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف . وقرأ حمزة و الكسائي  عتياً وبكياً وصلياً وجثياً بكسر أوائلهن ، والباقون برفعها ، وهما لغتان .

٩

{ قال كذلك قال ربك هو علي هين } ، يسير ، { وقد خلقتك } ، قرأ حمزة و الكسائي { خلقناك } بالنون والألف على التعظيم ، { من قبل } ، أي من قبل يحيى ، { ولم تك شيئاً } .

١٠

{ قال رب اجعل لي آية } ، دلالة على حمل امرأتي ،{ قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } ، أي  صحيحاً سليماً من غير ما بأس ولا خرس .

قال مجاهد  أي لا يمنعك من الكلام مرض .

وقيل  ثلاث ليال سوياً أي متتابعات ، والأول أصح . وفي القصة  أنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر اللّه تعالى انطلق لسانه .

١١

قوله عز وجل  { فخرج على قومه من المحراب } ، وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون ، إذ خرج عليهم زكريا متغيراً لونه فأنكروه ، وقالوا  مالك يا زكريا ؟ { فأوحى إليهم } فأومأ إليهم ،

قال مجاهد  كتب لهم في الأرض ، { أن سبحوا } ، أي  صلواللّه ، { بكرةً } ، غدوة ، { وعشياً } ، ومعناه  أنه كان يخرج على قومه بكرةً وعشياً فيأمرهم بالصلاة ، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع الكلام حتى خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة .

١٢

قوله عز وجل  { يا يحيى } ، قيل  فيه حذف معناه  ووهبنا له يحيى وقلنا له  يا يحيى ، { خذ الكتاب } ، يعني التوراة ، { بقوة } ، بجد ، { وآتيناه الحكم } ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  النبوة ، { صبياً } ، وهو ابن ثلاث سنين .

وقيل  أراد بالحكم فهم الكتاب ، فقرأ التوراة وهو صغير . وعن بعض السلف  من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبياً .

١٣

{ وحناناً من لدنا } ، رحمة من عندنا ، قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه  تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالاً أي  ترحم . { وزكاة } ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  يعني الزكاة الطاعة والإخلاص . وقال قتادة رضي اللّه عنه  هي العمل الصالح ، وهو قول الضحاك . ومعنى الآية  وآتيناه رحمة من عندنا وتحنناً على العباد ، ليدعوهم إلى طاعة ربهم ويعمل عملاً صالحاً في الإخلاص .

وقال الكلبي  يعني صدقة تصدق اللّه بها على أبويه . { وكان تقياً } ، مسلماً ومخلصاً مطيعاً ، وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا هم بها .

١٤

{ وبراً بوالديه } ، أي باراً لطيفاً بهما محسناً إليهما . { ولم يكن جباراً عصياً } ، و ( الجبار )  المتكبر،

وقيل   ( الجبار )  الذي يضرب ويقتل على الغضب ، و( العصي )  العاصي .

١٥

{ وسلام عليه } ، أي  سلامة له ، { يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً } ، قال سفيان بن عيينة  أوحش ما يكون الإنسان في هذه الأحوال  يوم ولد فيخرج مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم ير مثله . فخص يحيى بالسلامة في هذه المواطن .

١٦

قوله عز وجل { واذكر في الكتاب } ،في القرآن ، { مريم إذ انتبذت } ، تنحت واعتزلت ، { من أهلها } ، من قومها ، { مكاناً شرقياً } ، أي  مكاناً في الدار مما يلي المشرق ، وكان يوماً شاتياً شديد البرد ، فجلست في مشرقة تفلي رأسها .

وقيل  كانت طهرت من المحيض ، فذهبت لتغتسل . قال الحسن  ومن ثم اتخذت النصارى المشرق قبلةً .

١٧

{ فاتخذت } ، فضربت ، { من دونهم حجاباً } ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  ستراً .

وقيل  جلست وراء الجدار . و

قال مقاتل  وراء الجبل .

وقال عكرمة  إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها ، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد ، فبينما هي تغتسل من المحيض قد تجردت ، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد ، وضيء الوجه ، جعد الشعر ، سوي الخلق ، فذلك

قوله  { فأرسلنا إليها روحنا } ، يعني  جبريل عليه السلام ، { فتمثل لها بشراً سوياً } ،

وقيل  المراد من الروح عيسى عليه السلام ، جاء في صورة بشر فحملت به . والأول أصح . فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد ، ف

١٨

{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } مؤمناً مطيعاً . فإن قيل  إنما يستعاذ من الفاجر ، فكيف قالت  إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ؟. قيل  هذا كقول القائل  إن كنت مؤمناً فلا تظلمني . أي  ينبغي أن يكون إيمانك مانعاً من الظلم ، كذلك هاهنا . معناه  ينبغي أن تكون تقواك مانعاً من الفجور .

١٩

{ قال } ، لها جبريل  { إنما أنا رسول ربك لأهب لك } ، قرأ نافع و أهل البصرة { لأهب لك } بالياء ، أي  ليهب لك ربك ، وقرأ الآخرون  { لأهب لك } أسند الفعل إلى الرسول ،وإن كانت الهبة من اللّه تعالى ، لأنه أرسل به . { غلاماً زكياً } ، ولداً صالحاً طاهراً من الذنوب .

٢٠

{ قالت } ، مريم  { أنى } ، من أين ، { يكون لي غلام ولم يمسسني بشر } ، لم يقربني زوج ، { ولم أك بغياً } ،فاجرةً ؟ تريد أن الولد يكون من نكاح أو سفاح ، ولم يكن هنا واحد منهما .

٢١

{ قال } ، جبريل  { كذلك } ، قيل  معناه كما قلت يا مريم ولكن ، { قال ربك } .

وقيل هكذا قال ربك ، ، { هو علي هين } ، أي  خلق ولد بلا أب ، { ولنجعله آيةً } ، علامة ، { للناس } ، ودلالة على قدرتنا ، { ورحمةً منا } ، ونعمة لمن تبعه على دينة ، { وكان } ذلك ، { أمراً مقضياً } ، محكوماً مفروغاً عنه لا يرد ولا يبدل .

٢٢

قوله عز وجل  { فحملته } ، قيل  إن جبريل رفع درعها فنفخ في جيبه فحملت حين لبست .

وقيل  مد جيب درعها بأصبعه ثم نفخ في الجيب .

وقيل  نفخ في كم قميصها .

وقيل  في فيها .

وقيل  نفخ جبريل عليه السلام نفخاً من بعيد فوصل الريح إليها فحملت بعيسى في الحال، { فانتبذت به } ، أي تنحت بالحمل وانفردت ، { مكاناً قصياً } ، بعيداً من أهلها . قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  أقصى الوادي ، وهو وادي بيت لحم ، فراراً من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج .

واختلفوا في مدة حملها ووقت وضعها ، فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما  كان الحمل والولادة في ساعة واحة .

وقيل  كان مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء .

وقيل  كان مدة حلمها ثمانية أشهر ، وكان ذلك آية أخرى لأنه لا يعيش ولد يولد لثمانية أشهر ، وولد عيسى لهذه المدة وعاش .

وقيل  ولدت لستة أشهر . وقال مقاتل بن سليمان  حملته مريم في ساعة ،وصور في ساعة ،ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها ، وهي بنت عشر سنين ، وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى .

٢٣

{ فأجاءها } ، أي ألجأها وجاء بها ، { المخاض } ، وهو وجع الولادة ، { إلى جذع النخلة } وكانت نخلة يابسة في الصحراء ، في شدة الشتاء ، لم يكن لها سعف .

وقيل  التجأت إليها لتستند إليها وتتمسك بها على وجع الولادة ، { قالت يا ليتني مت قبل هذا} ، تمنت الموت استحياءً من الناس وخوف الفضيحة ،{ وكنت نسياً } ، قرأ حمزة و حفص { نسياً } بفتح النون ، [ والباقون بكسرها ] ، وهما لغتان ، مثل  الوتر ،والوتر ،والجسر والجسر ، وهو الشيء المنسي ،و ( النسي ) في اللغة  كل ما ألقي ونسي ولم يذكر لحقارته . { منسياً } ، أي  متروكاً

قال قتادة  شيء لا يعرف ولا يذكر . قال عكرمة و الضحاك و مجاهد  جيفة ملقاة .

وقيل  تعني لم أخلق .

٢٤

{ فناداها من تحتها} ، قرأ أبو جعفر ،و نافع ، و حمزة ، و الكسائي ، و حفص  { من تحتها } بكسر الميم والتاء ، يعني جبريل عليه السلام ، وكانت مريم على أكمة ، وجبريل وراء الأكمة تحتها فناداها . وقرأ الآخرون بفتح الميم والتاء ، وأراد جبريل عليه السلام أيضا ، ناداها من سفح الجبل .

وقيل  هو عيسى لما خرج من بطن أمه ناداها  { أن لا تحزني } ،وهو قول مجاهد و الحسن . والأول قول ابن عباس رضي اللّه عنهما ، و السدي ، و قتادة ،و الضحاك ، وجماعة  أن المنادي كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها ناداها ألا تحزني . { قد جعل ربك تحتك سرياً } ، و ( السري ) النهر الصغير .

وقيل  تحتك أي جعله اللّه تحت أمرك إن أمرتيه أن يجري جرى ، وإن أمرتيه بالإمساك أمسك . قال  ابن عباس رضي اللّه عنهما ضرب جبريل عليه السلام - ويقال  ضرب عيسى عليه الصلاة والسلام - برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب وجرى .

وقيل  كان هناك نهر يابس أجرى اللّه سبحانه تعالى فيه الماء وحييت النخلة اليابسة ، فأورقت وأثمرت وأرطبت .

وقال الحسن  ( تحتك سرياً ) يعني  عيسى ، وكان واللّه عبداً سرياً ، يعني  رفيعاً .

٢٥

{ وهزي إليك } ، يعني قيل لمريم حركي { بجذع النخلة } ، تقول العرب هزه وهز به ، كما يقول  حز رأسه وحز برأسه ، وأمدد الحبل وأمدد به ، { تساقط عليك } ، القراءة المعروفة بفتح التاء والقاف وتشديد السين ،أي  تتساقط ، فأدغمت إحدى التاءين في السين أي  تسقط عليك النخلة رطباً ، وخفف حمزة السين وحذف التاء التي أدغمها غيره . وقرأ حفص بضم التاء وكسر القاف خفيف على وزن تفاعل . وتساقط بمعنى أسقط ، والتأنيث لأجل النخلة . وقرأ يعقوب  ( يساقط )بالياء مشددة ردة إلى الجذع . { رطباً جنياً } ، مجنياً .

وقيل  الجني هو الذي بلغ الغاية ، وجاء أوان اجتنائه . قال الربيع بن خثيم  ما للنفساء عندي خير من الرطب ،ولا للمريض خير من العسل .

٢٦

قوله سبحانه وتعالى { فكلي واشربي } ، أي  فكلي يا مريم من الرطب ،واشربي من ماء النهر ،{ وقري عيناً } ، أي  طيبي نفساً .

وقيل  قري عينك بولدك عيسى .يقال  أقر اللّه عينك أي  صادف فؤادك ما يرضيك ، فتقر عينك من النظر إلى غيره .

وقيل  أقر اللّه عينه  يعني أنامها ، يقال قر يقر إذا سكن .

وقيل  إن العين إذا بكت من السرور فالدمع بارد ،وإذا بكت من الحزن فالدمع يكون حراً ، فمن هذا قيل أقر اللّه عينه وأسخن اللّه عينه . { فإما ترين من البشر أحداً } ، أي  تري ، فدخل عليه نون التأكيد من الحزن فالدمع يكون حاراً ، فمن هذا قيل أقر اللّه عينه وأسخن اللّه عينه . { فإما ترين من البشر أحداً } ، أي  تري ، فدخل عليه نون التأكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين . معناه  فإما ترين من البشر أحداً فيسألك عن ولدك { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } ، أي صمتاً ، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود رضي اللّه عنه . والصوم في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام .

قال السدي  كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام ، كما يصوم عن الطعام ، فلا يتكلم حتى يمسي .

وقيل  إن اللّه تعالى أمرها أن تقول هذا إشارةً .

وقيل  أمرها أن تقول هذا القدر نطقاً ، ثم تمسك عن الكلام بعده . { فلن أكلم اليوم إنسياً } ، يقال كانت تكلم الملائكة ، ولا تكلم الإنس .

٢٧

{ فأتت به قومها تحمله } ، قيل  إنها ولدت ، ثم حملته في الحال إلى قومها .

وقال الكلبي  حمل يوسف النجار مريم وابنها عيسى [ عليهما السلام ] إلى غار ، ومكثت أربعين يوماً حتى طهرت من نفاسها ، ثم حملته مريم عليها السلام إلى قومها . فكلمها عيسى عليه السلام في الطريق

فقال  يا أماه أبشري فإني عبد اللّه ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا ، وكانوا أهل بيت صالحين ، { قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } ، عظيماً منكراً ، قال أبو عبيدة  كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فري . قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في عمر  { فلم أر عبقرياً يفري فريه } أي  يعمل عمله . ي

٢٨

{ يا أخت هارون } ، يريد يا شبيهة هارون ، قال قتادة وغيره  كان هارون رجلاً صالحاً عابداً في بني إسرائيل . روي أنه اتبع جنازته يوم مات أربعون ألفاً كلهم يسمى ( هارون ) من بني إسرائيل سوى سائر الناس ، [ شبهوها به على ] معنى إنا ظننا أنك مثله في الصلاح . وليس المراد منه الأخوة في النسب ، كما

قال اللّه تعالى  { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } ( الإسراء  ٢٧ ) أي  أشباههم .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ،

أخبرنا عبد الغافر بن محمد ،

أخبرنا محمد بن عيسى ،

أخبرنا إبراهيم بن محمد بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن عبد اللّه بن نمير ، حدثنا ابن إدريس عن أبيه ، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ،عن المغيرة بن شعبة قال { لما قدمت نجران سألوني ، فقالوا  إنكم تقرؤون  } يا أخت هارون { و موسى قبل عيسى بكذا وكذا ! فلما قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سألته عن ذلك

فقال  إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم }.

وقال الكلبي  كان هارون أخا مريم من أبيها ، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل . و

قال السدي  إنما عنوا به هارون أخا موسى،لأنها كانت من نسله ،كما يقال للتميمي  يا أخا تميم .

وقيل  كان هارون رجلاً فاسقاً في بني إسرائيل عظيم الفسق فشبهوها به . { ما كان أبوك } ، عمران ،{ امرأ سوء } ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما زانيا ، { وما كانت أمك } ،حنة ، { بغياً } ، أي زانية ، فمن أين لك هذا الولد ؟ .

٢٩

{ فأشارت } ،مريم ، { إليه } ،أي إلى عيسى عليه السلام  أن كلموه . قال ابن مسعود رضي اللّه عنه  لما لم يكن لها حجة وأشارت إليه ، ليكون كلامه حجةً لها . وفي القصة  لما أشارت إليه غضب القوم ، وقالوا مع ما فعلت تسخرين بنا ؟ { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً } أي  من هو في المهد ، هو حجرها.

وقيل  هو المهد بعينه و ( كان ) بمعنى  هو . وقال أبو عبيدة ( كان ) صلة ، أي كيف نكلم صبياً في المهد . وقد يجيء ( كان ) حشواً في الكلام لا معنى له كقوله { هل كنت إلا بشراً رسولاً } (الإسراء  ٩٣ ) أي  هل أنا ؟

قال السدي  فلما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم .

وقيل  لما أشارت إليه ترك الثدي واتكأ على يساره ، وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه  

٣٠

{ قال إني عبد اللّه } ، وقال وهب  أتاها زكريا عند مناظرتها اليهود ، فقال لعيسى  انطق بحجتك إن كنت أمرت بها ، فقال عند ذلك عيسى عليه السلام وهو ابن أربعين يوماً - و

قال مقاتل  بل هو يوم ولد -  إني عبد اللّه ، أقر على نفسه بالعبودية للّه عز وجل أول ما تكلم لئلا يتخذ إلهاً ، { آتاني الكتاب وجعلني نبياً } ، قيل  معناه سيؤتيني الكتاب ويجعلني نبياً .

وقيل  هذا إخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ ، كما قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم  متى كنت نبياً ؟ قال  ({كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد } . وقال الأكثرون أوتي الإنجيل وهو صغير طفل ،وكان يعقل عقل الرجال. وعن الحسن أنه قال  ألهم التوراة وهو في بطن أمه .

٣١

{ وجعلني مباركا أين ما كنت } ، أي نفاعاً حيث ما توجهت .

وقال مجاهد  معلماً للخير .

وقال عطاء أدعو إلى اللّه وإلى توحيده وعبادته .

وقيل  مباركاً على من تبعني { وأوصاني بالصلاة والزكاة } ، أي  أمرني بهما . فإن قيل  لم يكن لعيسى مال . فكيف يؤمر بالزكاة ؟ قيل  معناه بالزكاة لو كان لي مال

وقيل  بالاستكثار من الخير . { ما دمت حياً } .

٣٢

{ وبراً بوالدتي } أي وجعلني براً بوالدتي ، { ولم يجعلني جباراً شقياً } ، أي عاصياً لربه . قيل  ( الشقي )  الذي يذنب ولا يتوب .

٣٣

{ والسلام علي يوم ولدت } ، أي  السلامة عند الولادة من طعن الشيطان . { ويوم أموت } ، أي عند الموت من الشرك ، { ويوم أبعث حياً } ، من الأهوال . ولما كلمهم عيسى بهذا عملوا براءة مريم ، ثم سكت عيسى عليه السلام ، فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان

٣٤

{ ذلك عيسى ابن مريم } ، [ قال الزجاج  أي ذلك الذي قال إني عبد اللّه عيسى ابن مريم ] ، { قول الحق } ،قرأ ابن عامر و عاصم و يعقوب  { قول الحق } بنصب اللام وهو نصب على المصدر ، أي  قال قول الحق ، { الذي فيه يمترون } أي  يختلفون ، فقائل يقول  هو ابن اللّه ، وقائل يقول  هو اللّه ، وقائل يقول  هو ساحر كاذب . وقرأ الآخرون برفع اللام ، يعني  هو قول الحق ، أي هذا الكلام هو قول الحق ، أضاف القول إلى الحق ، كما قال  ( حق اليقين ) ، و ( وعد الصدق ) .

وقيل هو نعت لعيسى ابن مريم ، يعني ذلك عيسى ابن مريم كلمة اللّه والحق هو اللّه { الذي فيه يمترون } يشكون ، ويختلفون ، ويقولون غير الحق . ثم نفى عن نفسه الولد ،

فقال  

٣٥

{ ما كان للّه أن يتخذ من ولد } ، أي ما كان من صفته اتخاذ الولد .

وقيل  اللام منقولة أي ما كان اللّه ليتخذ من ولد ، { سبحانه إذا قضى أمراً } ، إذا أراد أن يحدث أمراً ، { فإنما يقول له كن فيكون } .

٣٦

{ وإن اللّه ربي وربكم } ، قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو  { أن اللّه } بفتح الألف ، يرجع إلى

قوله { وأوصاني بالصلاة والزكاة } وبأن اللّه ربي وربكم ، وقرأ أهل الشام والكوفة و يعقوب بكسر الألف على الاستئناف { فاعبدوه هذا صراط مستقيم } .

٣٧

{ فاختلف الأحزاب من بينهم } ، يعني  النصارى ،سموا أحزاباً لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى  النسطورية ،والملكانية ، واليعقوبية . { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } ، يعني يوم القيامة .

٣٨

{ أسمع بهم وأبصر } ، أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر ! أخبر أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة مالم يسمعوا ولم يبصروا في الدنيا .

قال الكلبي  لا أحد يوم القيامة أسمع منهم ولا أبصر حين يقول اللّه تعالى لعيسى { أأنت قلت للناس } الآية (مريم - ١١٦) . { يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } ، أي في خطأ بين .

٣٩

قوله عز وجل  { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر } ، فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، وذبح الموت .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا عمرو بن حفص بن غياث ،

أخبرنا ابي أنبأنا الأعمش ،

أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد  يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون ، فيقول  هل تعرفون هذا ؟ فيقولون  نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، ثم ينادي  يا أهل النار فيشرفون وينظرون فيقول  هل تعرفون هذا ؟ فيقولون  نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد رآه فيذبح ، ثم يقول  يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ } وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون { } . ورواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع ، عن النضر بن إسماعيل ، عن الأعمش بهذا الإسناد ، وزاد  { فلولا أن اللّه تعالى قضى لأهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحاً ، ولولا أن اللّه تعالى قضى لأهل النار الحياة والبقاء لماتوا ترحاً } .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا معاذ بن أسد ،

أخبرنا عبد اللّه ،

أخبرنا عمر بن محمد بن زيد عن أبيه أنه حدثه عن ابن عمر قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { إذا صار أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار . ثم يذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ،ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا أبو اليمان ،

أخبرنا شعيب ،

أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة } .

أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي ،

أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن موسى بن الصلت ،

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ،

أخبرنا الحسين بن الحسن ،

أخبرنا ابن المبارك ،

أخبرنا يحيى بن عبيد اللّه قال  سمعت أبي قال  سمعت أبا هريرة يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { ما من أحد يموت إلا ندم ، قالوا  فما ندمه يا رسول اللّه ؟ قال إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد ،وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع }

قوله عز وجل { وهم في غفلة } ، أي عما يفعل بهم في الآخرة ، { وهم لا يؤمنون } ، لا يصدقون .

٤٠

قوله عز وجل  { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها} أي  نميت سكان الأرض ونهلكهم جميعاً ، ويبقى الرب وحده فيرثهم ، { وإلينا يرجعون } ،فنجزيهم بأعمالهم .

٤١

قوله عز وجل  { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً } ( الصديق ) الكثير الصدق القائم عليه .

وقيل  من صدق اللّه في وحدانيته ،وصدق أنبياءه ورسله ، وصدق بالبعث ، وقام بالأوامر فعمل بها ،فهو الصديق . و (النبي )  العالي في الرتبة بإرسال اللّه تعالى إياه .

٤٢

{ إذ قال } ، إبراهيم ، { لأبيه } ، آزر وهو يعبد الأصنام ،{ يا أبت لم تعبد ما لا يسمع } ، صوتاً ، { ولا يبصر } ، شيئاً ، { ولا يغني عنك} ، أي لا يكفيك ، { شيئاً } .

٤٣

{ يا أبت إني قد جاءني من العلم } ، باللّه والمعرفة،{ ما لم يأتك فاتبعني } ، على ديني ، { أهدك صراطاً سوياً } ،مستقيماً .

٤٤

{ يا أبت لا تعبد الشيطان } ، لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك ، { إن الشيطان كان للرحمن عصياً }  عاصياً ، ( كان ) بمعنى الحال ، أي  هو كذلك .

٤٥

{ يا أبت إني أخاف } ، أي أعلم ، { أن يمسك } ، يصيبك ،{ عذاب من الرحمن } أي  إن أقمت على الكفر ، { فتكون للشيطان ولياً } ،قريناً في النار .

٤٦

{ قال } أبوه مجيباً له { أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم . لئن لم تنته } ، لئن لم تسكت وترجع عن عيبك آلهتنا وشتمك إياها ،{ لأرجمنك } ، قال الكلبي ، و مقاتل ،و الضحاك  لأشتمنك ، ولأبعدنك عني بالقول القبيح . قال ابن عباس لأضربنك .

وقال عكرمة  لأقتلنك بالحجارة . { واهجرني ملياً } ،

قال الكلبي  اجنبني طويلاً . وقال مجاهد و عكرمة حيناً . وقال سعيد بن جبير  دهراً وأصل ( الحين )  المكث ، ومنه يقال فمكثت حيناً ، ( و الملوان )  الليل والنهار . وقال قتادة و عطاء  سالماً . و

قال ابن عباس  اعتزلني سالماً لا تصيبك مني معرة ،يقال  فلان ملي بأمر كذا إذا كان كافياً .

٤٧

{ قال} إبراهيم { سلام عليك } ، أي  سلمت مني لا أصيبك بمكروه ،وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره .

وقيل  هذا سلام هجران ومفارقة .

وقيل  سلام بر ولطف ،وهو جواب الحليم للسفيه .

قال اللّه تعالى  { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } (الفرقان  ٦٣ ) .

قوله تعالى { سأستغفر لك ربي } ، قيل  إنه لما أعياه أمره ووعده أن يراجع اللّه فيه ، فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له . معناه  سأسأل اللّه تعالى لك توبة تنال بها المغفرة . { إنه كان بي حفياً } ، براً لطيفاً .

قال الكلبي  عالماً يستجيب لي إذا دعوته .

قال مجاهد عودني الإجابة لدعائي .

٤٨

{ وأعتزلكم وما تدعون من دون اللّه } ، أي  أعتزل ما تعبدون من دون اللّه  

قال مقاتل  كان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من ( كوثى ) فهاجر منها إلى الأرض المقدسة ،{ وأدعو ربي } ، أي  أعبد ربي ، { عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا } ، أي  عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته ،كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام .

وقيل  عسى أن يجيبني إذا دعوته ولا يخيبني

٤٩

{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه } ،فذهب مهاجراً ، { وهبنا له } بعد الهجرة { إسحاق ويعقوب } آنسنا وحشته [ من فراقهم ] ، وأقررنا عينه ،بأولاد كرام على اللّه عز وجل ، { وكلاً جعلنا نبياً } يعني  إسحاق و يعقوب .

٥٠

{ ووهبنا لهم من رحمتنا } .

قال الكلبي  المال والولد ، وهو قول الأكثرين ،قالوا  ما بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق .

وقيل  الكتاب والنبوة . { وجعلنا لهم لسان صدق علياً } ،يعني ثناءً حسناً رفيعاً في كل أهل الأديان ، فكلهم بتولونهم ،ويثنون عليهم .

٥١

قوله عز وجل  { واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً } ، غير مراء ، أخلص العبادة والطاعة للّه عز وجل . وقرأ أهل الكوفة { مخلصاً } بفتح اللام أي  مختاراً اختاره اللّه عز وجل .

وقيل  أخلصه اللّه من الدنس . { وكان رسولاً نبياً } .

٥٢

{ وناديناه من جانب الطور الأيمن } ،يعني  يمين موسى ، والطور  جبل بين مصر ومدين . ويقال اسمه ( الزبير ) وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار نودي { أن يا موسى إني أنا اللّه رب العالمين } (القصص  ٣٠ ) . { وقربناه نجياً } ، أي  مناجياً ،فالنجي المناجي ، كما يقال جليس ونديم .

قال ابن عباس معناه  قربه فكلمه ، ومعنى التقريب  إسماعه كلامه .

وقيل  رفعه على الحجب حتى سمع صرير القلم .

٥٣

{ ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً } ، وذلك حين دعا موسى

فقال  { واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي } ( طه  ٢٩ ٣٠ ) ، فأجاب اللّه دعاءه وأرسل هارون ، ولذلك سماه هبة له .

٥٤

قوله عز وجل  { واذكر في الكتاب إسماعيل } ، وهو إسماعيل بن إبراهيم جد النبي صلى اللّه عليه وسلم { إنه كان صادق الوعد } ،

قال مجاهد  لم يعد شيئاً إلا وفى به . و

قال مقاتل  وعد رجلاً أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل ، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل .

وقال الكلبي  انتظره حتى حال عليه الحول . { وكان رسولاً } ، إلى جرهم ، { نبياً } ، مخبراً عن اللّه عز وجل .

٥٥

{ وكان يأمر أهله } أي  قومه .

وقيل  أهله وجميع أمته ، { بالصلاة والزكاة } ،

قال ابن عباس  يريد التي افترضها اللّه تعالى عليهم ، وهي الحنيفية التي افترضت علينا ، { وكان عند ربه مرضياً } ، قائماً بطاعته . قيل  رضيه اللّه عز وجل لنبوته ورسالته .

٥٦

قوله عز وجل  { واذكر في الكتاب إدريس } ، وهو جد أبي نوح ، واسمه ( أخنوخ ) ، سمي إدريس لكثرة درسه الكتب . وكان خياطاً وهو أول من خط بالقلم ، وأول من خاط الثياب ، ولبس المخيط ، وكانوا من قبله يلبسون الجلود ، وأول من اتخذ السلاح ، وقاتل الكفار ، وأول من نظر في علم النجوم والحساب ، { إنه كان صديقاً نبياً } .

٥٧

{ ورفعناه مكاناً علياً } ، قيل  يعني الجنة .

وقيل  هي الرفعة بعلو الرتبة في الدنيا .

وقيل  هو أنه رفع إلى السماء الرابعة . روي أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج . وكان سبب رفع إدريس [ إلى السماء ] على ما قاله كعب وغيره  أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس ،

فقال  يا رب أنا مشيت يوماً ،فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد ! اللّهم خفف عنه من ثقلها وحرها ، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف .

فقال  يا رب ما الذي قضيت فيه ؟ فقال إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته ،

فقال  رب اجعل بيني وبينه خله ، فأذن له حتى أتى إدريس ، فكان يسأله إدريس ، فقال له  إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت ، فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي ، فأزداد شكراً وعبادة ، فقال الملك  لا يؤخر اللّه نفساً إذا جاء أجلها ، وأنا مكلمه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ، ثم أتى ملك الموت فقال لي حاجة إليك ، صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله ، قال  ليس ذلك إلي ولكن إن أحببت أعلمته أجله ، فيقدم لنفسه ، قال  نعم ،فنظر في ديوانه

فقال  إنك كلمتني في إنسان ما أره يموت أبداً ، قال  وكيف ؟ قال لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس ، قال فإني أتيتك وتركته هناك ، قال فانطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات ، فواللّه ما بقي من أجل إدريس شيء ، فرجع الملك فوجده ميتاً .

واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت؟ فقال قوم  هو ميت ،

وقال قوم  هو حي ، وقالوا  أربعة من الأنبياء في الأحياء اثنان في الأرض  الخضر وإلياس ، واثنان في السماء  إدريس وعيسى . وقال وهب  كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت ، فاستأذن ربه عز وجل في زيارته ، فأذن له فأتاه في صورة بني آدم ، وكان إدريس يصوم الدهر ،فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ، ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس ، فقال له الليلة الثالثة  إني أريد أن أعلم من أنت؟

فقال  أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك ، قال  فلي إليك حاجة ، قال  وما هي ؟ قال  تقبض روحي ، فأوحى اللّه إليه أن اقبض روحه ، فقبض روحه وردها اللّه إليه بعد ساعة ، قال له ملك الموت  ما في سؤالك من قبض الروح ؟ قال لأذوق كرب الموت وغمته فأكون أشد استعداداً له ثم قال إدريس له  إن لي إليك حاجة أخرى ، قال  وما هي ؟ قال  ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار ، فأذن اللّه في رفعه ، فلما قرب من النار قال لي حاجة أخرى ، قال وما تريد؟ قال  تسأل مالكاً حتى يفتح لي أبوابها فأردها ففعل ، ثم قال  فما أريتني النار فأرني الجنة . فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنة ، ثم قال ملك الموت  أخرج لتعود إلى مقرك ، فتعلق بشجرة وقال لا أخرج منها ، فبعث اللّه ملكاً حكيماً بينهما، فقال له الملك  مالك لا تخرج ؟ قال لأن اللّه تعالى قال { كل نفس ذائقة الموت} ( آل عمران  ١٨٥ ) ، وقد ذقته ، وقال { وإن منكم إلا واردها } ( مريم  ٧١ ) وقد وردتها ، وقال  { وما هم منها بمخرجين } (الحجر  ٤٨ ) ، فلست أخرج ، فأوحى اللّه إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج ، فهو حي هناك ، ذلك

قوله تعالى { ورفعناه مكاناً علياً } .

٥٨

{ أولئك الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين من ذرية آدم } ، يعني  إدريس ونوحاً ، { وممن حملنا مع نوح } ، أي ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة ، يريد إبراهيم ، لأنه ولد من سام بن نوح ، { ومن ذرية إبراهيم } ، يريد إسماعيل ،وإسحاق ، ويعقوب .

قوله  { و إسرائيل } ، أي ومن ذرية إسرائيل ، وهم موسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى .

قوله  { وممن هدينا واجتبينا } ، هؤلاء كانوا ممن أرشدنا واصطفيا ، { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً } ، ( سجداً )  جمع ساجد ، (و بكيا ) جمع باك ، أخبر اللّه أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات اللّه سجدوا وبكوا .

٥٩

قوله عز وجل  { فخلف من بعدهم خلف } ، أي  من بعد النبيين المذكورين خلف ، وهم قوم سوء ، ( والخلف ) - بالفتح - الصالح - ، وبالجزم الطالح .

قال السدي  أراد بهم اليهود ومن لحق بهم . وقال مجاهد و قتادة  هم في هذه الأمة . { أضاعوا الصلاة } ، تركوا الصلاة المفروضة . وقال ابن مسعود و إبراهيم  أخروها عن وقتها . وقال سعيد بن المسيب  هو أن لا يصلى الظهر حتى يأتي العصر ، ولا العصر حتى تغرب الشمس . { واتبعوا الشهوات } ، أي  المعاصي ، وشرب الخمر ، يعني آثروا شهوات أنفسهم على طاعة اللّه .

وقال مجاهد  هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة . { فسوف يلقون غياً } ، قال وهب  ( الغي ) نهر في جهنم ، بعيد قعره ، خبيث طعمه . و

قال ابن عباس  ( الغي ) واد في جهنم ، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره ، أعد للزاني المصر عليه ، ولشارب الخمر المدمن عليه ، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ، ولأهل العقوق ، ولشاهد الزور .

وقال عطاء  ( الغي )  واد في جهنم يسيل قيحاً ودماً . وقال كعب  هو واد في جهنم أبعدها قعراً ، وأشدها حراً ، في بئر تسمى ( الهيم ) كلما خبت جهنم فتح اللّه تلك البئر فيسعر بها جهنم .

أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن أبي توبة ،

أخبرنا محمد بن أحمد الحارثي ،

أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ،

أخبرنا عبد اللّه بن محمود ،

أخبرنا إبراهيم بن عبد اللّه الخلال ، و

أخبرنا عبد اللّه بن المبارك عز وجل هشيم بن بشير ،

أخبرنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي ، قال  سمعت أبا أمامة الباهلي يقول  ( إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفاً من حجر يهوي ، أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشروات عظام سمان ، فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد  هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة ؟ قال  نعم غي وآثام ) .

وقال الضحاك  غياً وخسراناً .

وقيل  هلاكاً .

وقيل  عذاباً . و

قوله  { فسوف يلقون غياً } ليس معناه يرون فقط ، بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية .

٦٠

{ إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً } .

٦١

{ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب } ، ولم يروها ، { إنه كان وعده مأتياً }، يعني  آتياً ، مفعول بمعنى فاعل .

وقيل  لم يقل آتياً لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، والعرب لا تفرق بين قول القائل  أتت علي خمسون سنة وبين

قوله  أتيت على خمسين سنة ، ويقول  وصل إلي الخير ووصلت إلى الخير . وقال ابن جرير  ( وعده ) أي  موعده ، وهو الجنة ، ( مأتيا ) يأتيه أولياؤه [ أهل الجنة ] ، وأهل طاعته .

٦٢

{ لا يسمعون فيها } ، في الجنة { لغواً } ، باطلاً وفحشاً وفضولاً من الكلام . و

قال مقاتل  هو اليمين الكاذبة . { إلا سلاماً } ، استثناء من غير جنسه ، يعني  بل يسمعون فيها سلاماً . أي  قولاً يسلمون منه ، ( والسلام ) اسم جامع للخير ، لأنه يتضمن السلامة . معناه  إن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤثمهم ، إنما يسمعون ما يسلمهم .

وقيل  هو تسليم بعضهم على بعض ، وتسليم الملائكة عليهم .

وقيل  هو تسليم اللّه عليهم . { ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً } ، قال أهل التفسير  ليس في الجنة ليل يعرف به البكرة و العشي ، بل هم في نور أبداً ، ولكنهم يأتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار .

وقيل  إنهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب ، ووقت الليل بإرخاء الحجب .

وقيل  المراد منه رفاهية العيش ، وسعة الرزق من غير تضييق . وكان الحسن البصري يقول  كانت العرب لا تعرف من العيش أفضل من الرزق بالبكرة و العشي ، فوصف اللّه عز وجل جنته بذلك .

٦٣

{ تلك الجنة التي نورث من عبادنا } أي  نعطي وننزل .

وقيل  يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا ، { من كان تقياً } ، أي  المتقين من عباده .

٦٤

قوله عز وجل  { وما نتنزل إلا بأمر ربك } ،

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا خلاد بن يحيى ،

أخبرنا عمر بن ذر قال  سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال  { يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا فنزلت  } وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا { الآية  قال  كان هذا الجواب لمحمد صلى اللّه عليه وسلم }. وقال عكرمة ، و الضحاك ، و قتادة ، و مقاتل ، و الكلبي  {احتبس جبريل عن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين سأله قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ،

فقال أخبركم غداً ، ولم يقل  إن شاء اللّه ، حتى شق على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم نزل بعد أيام ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال له جبريل  إني كنت أشوق ، ولكني عبد مأمور ، إذا بعثت نزلت ،وإذا حبست احتبست ، فأنزل اللّه  } وما نتنزل إلا بأمر ربك { وأنزل  } والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى . { له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } ،أي  له علم ما بين أيدينا .

واختلفوا فيه  فقال سعيد بن جبير ، و قتادة و مقاتل  { ما بين أيدينا }  من أمر الآخرة والثواب والعقاب ، { وما خلقنا }  ما مضى من الدنيا . { وما بين ذلك }  ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة .

وقيل { ما بين أيدينا } ما بقي من الدنيا ، { وما خلفنا }  ما مضى منها ، { وما بين ذلك }  أي  ما بين النفختين , وبينهما أربعون سنة .

وقيل  { ما بين أيدينا } ما بقي من الدنيا ، { وما خلفنا }  ما مضى منها ، { وما بين ذلك } مدة حياتنا .

وقيل  { ما بين أيدينا }  بعد أن نموت ، { وما خلفنا }  قبل أن نخلق ، { وما بين ذلك }  مدة الحياة .

وقيل  { ما بين أيدينا }  الأرض إذا أردنا النزول إليها ، { وما خلفنا }  السماء إذا نزلنا منها ، { وما بين ذلك }  الهواء، يريد  أن ذلك كله للّه عز وجل ، فلا نقدر على شيء إلا بأمره . { وما كان ربك نسياً } ، أي  ناسياً ، يقول  ما نسيك ربك ، أي  ما تركك ، والناسي التارك .

٦٥

{ رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته } ، أي  اصبر على أمره ونهيه ، { هل تعلم له سمياً } ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  مثلاً .

وقال الكلبي  هل تعلم أحداً يسمى (اللّه ) غيره ؟

٦٦

قوله عز وجل  { ويقول الإنسان } ، يعني  أبي بن خلف الجمحي ، كان منكراً للبعث ، قال  { أإذا ما مت لسوف أخرج حيا } قال ه استهزاءً وتكذيباً للبعث .

٦٧

قال اللّه عز وجل { أو لا يذكر } ، أي  يتذكر ويتفكر ، وقرأ نافع ، و ابن عامر ، و عاصم ، و يعقوب { يذكر } خفيف ، { الإنسان } ، يعني  أبي بن خلف { أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً } ، أي  لا يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة ، ثم أقسم بنفسه ،

فقال  

٦٨

{ فوربك لنحشرنهم } لنجمعنهم في المعاد ،يعني  المشركين المنكرين للبعث ، { والشياطين } ، مع الشياطين ، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة ، { ثم لنحضرنهم حول جهنم } ، قيل في جهنم ، { جثياً } ، قال ابن عباس رضي اللّه عنه  جماعات ، جمع جثوة . وقال الحسن و الضحاك  جمع ( جاث ) ، أي  جاثين على الركب .

قال السدي  قائمين على الركب لضيق المكان .

٦٩

{ ثم لننزعن } ، لنخرجن ، { من كل شيعة } ، أي  من كل أمة وأهل دين من الكفار. { أيهم أشد على الرحمن عتياً } ، عتواً ، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما  يعنى جرأة .

وقال مجاهد  فجوراً ، يريد  الأعتى فالأعتى

وقال الكلبي  قائدهم ورأسهم في الشر يريد أن يقدم في إدخال من هو أكبر جرماً وأشد كفراً . في بعض الآثار  أنهم يحشرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين ، ثم يقدم الأكفر فالأكفر . ورفع { أيهم } على معنى  الذي يقال لهم  أيهم أشد على الرحمن عتياً .

وقيل  على الاستئناف ثم لننزعن [ يعمل في موضع ( من كل شيعة ) ] .

٧٠

{ ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً } ، أي  أحق بدخول النار ، يقال  صلي يصلي صلياً ، مثل  لقي يلقى لقياً ، وصلى يصلي صلياً مثل مضى يمضي مضياً ، إذا دخل النار و قاسى حرها .

٧١

قوله عز وجل  { وإن منكم إلا واردها } ، وما منكم إلا واردها ،

وقيل  القسم فيه مضمر ، أي  و اللّه ما منكم من أحد إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان .

واختلفوا في معنى الورود هاهنا ، وفيما تنصرف إليه الكناية في

قوله  { واردها }  قال ابن عباس رضي اللّه عنهما وهو قول الأكثرين ، معنى الورود هاهنا هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ،وقالوا  النار يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي اللّه المتقين ، فيخرجهم منها . والدليل على أن الورود هو الدخول  قول اللّه عز وجل حكاية عن فرعون  { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } ( هود  ٩٨ ) . وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرق مارى ابن عباس رضي اللّه عنهما في الورود ،فقال ابن عباس رضي اللّه عنه  هو الدخول . وقال نافع  ليس الورود الدخول ،فتلا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما

قوله تعالى { إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم أنتم لها واردون } ( الأنبياء  ٩٨ ) أدخلها هؤلاء أم لا ؟ ثم قال  يا نافع أما واللّه أنت وأنا سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني اللّه وما أرى اللّه عز وجل أن يخرجك منها بتكذيبك .

وقال قوم  ليس المراد من الورود الدخول ، وقالوا  النار لا يدخلها مؤمن أبداً ، ل

قوله تعالى  { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها } ( الأنبياء  ١٠١ ١٠٢ ) ، وقالوا  كل من دخلها لا يخرج منها . والمراد من

قوله  { وإن منكم إلا واردها } ، الحضور والرؤية ، لا الدخول كما

قال اللّه تعالى  { ولما ورد ماء مدين } ( القصص  ٢٣ ) أراد به الحضور .

وقال عكرمة  الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها . وروي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه ، أنه قال { وإن منكم إلا واردها } يعني  القيامة ، والكناية راجعة إليها . والأول أصح . وعليه أهل السنة ، أنهم جميعاً يدخلون النار ثم يخرج اللّه عز وجل منها أهل الإيمان ، بدليل

قوله تعالى  { ثم ننجي الذين اتقوا } ، أي اتقوا الشرك ، وهم المؤمنون . والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه . وقرأ الكسائي ويعقوب {ننجي} بالتخفيف والآخرون  بالتشديد. والدليل على هذا  ما

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي ،

أخبرنا أبو بكر بن الحسن الحيري ،

أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ،

أخبرنا عبد الرحيم بن منيب ،

أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم } . وأراد بالقسم

قوله  { وإن منكم إلا واردها } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا مسلم بن إبراهيم ،

أخبرنا هشام ،

أخبرنا قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { يخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه وفي قلبه وزن شعيرة من خير ،ويخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه وفي قلبه وزن برة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه وفي قلبه وزن ذرة من خير } ، وقال أبان عن قتادة  ( من إيمان ) مكان ( خير ) .

أخبرنا أبو المظفر محمد بن إسماعيل بن علي الشجاعي ،

أخبرنا أبو نصر النعمان بن محمد بن محمود الجرجاني ،

أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد اللّه البصري ،

أخبرنا محمد بن عبد الوهاب ،

أخبرنا محمد بن الفضل أبو النعمان ،

أخبرنا سلام بن مسكين ،

أخبرنا أبو الظلال عن أنس بن مالك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { أن رجلاً في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان ، فيقول اللّه عز وجل لجبريل  اذهب فائتني بعبدي هذا ، قال فذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون ، قال  فرجع فأخبر ربه عز وجل ، قال اذهب فإنه في موضع كذا و كذا ، قال  فجاء به ، قال  يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ قال  يا رب شر مكان وشر مقيل ،قال ردوا عبدي ،قال ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذ أخرجتني منها ، قال اللّه تعالى لملائكته  دعوا عبدي } . وأما

قوله عز وجل  { لا يسمعون حسيسها } ( الأنبياء  ١٠٢ ) قيل  إن اللّه عز وجل أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنهم لا يسمعون حسيسها ، فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة ، لأنه لم يقل  لم يسمعوا حسيسها .ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها ، لأن اللّه عز وجل يجعلها عليهم برداً وسلاماً . وقال خالد بن معدان  يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال  بلى ،ولكنكم مررتم بها ، وهي خامدة . وفي الحديث  تقول النار للمؤمن  { جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي } . وروي عن مجاهد في

قوله عز وجل  { وإن منكم إلا واردها } قال  من حم من المسلمين فقد وردها. وفي الخبر { الحمى كير من جهنم ، وهي حظ المؤمن من النار } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا محمد بن المثنى ،

أخبرنا يحيى ، عن هشام ، أخبرني أبي عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال  { الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء } . { كان على ربك حتماً مقضياً } ، أي  كان ورودكم جهنم حتماً لازماً ، { مقضياً }  قضاه اللّه عليكم .

٧٢

{ ثم ننجي الذين اتقوا } ، أي اتقوا الشرك ، وقرأ الكسائي { ننجي } بالتخفيف ، والباقون بالتشديد ، { ونذر الظالمين فيها جثياً } ، جميعاً .

وقيل  جاثين على الركب ، وفيه دليل على أن الكل دخلوها ثم أخرج اللّه منها المتقين ، وترك فيها الظالمين ، وهم المشركون .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا أبو اليمان ،

أخبرنا شعيب عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب و عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا  يا رسول اللّه هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال  { هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا  لا يا رسول اللّه ، قال  فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ، قالوا  لا ،قال  فإنكم ترونه كذلك ، يحشر الناس يوم القيامة فيقول  من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فمنهم من يتبع الشمس ، ومنهم من يتبع القمر ، ومنهم من يتبع الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم اللّه عز وجل فيقول  أنا ربكم ، فيقولون  هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم اللّه فيقول  أنا ربكم ، فيقولون  أنت ربنا فيدعوهم ، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، وكلام الرسل يومئذ اللّهم سلم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا نعم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا اللّه ،تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعلمه ، ومنهم من يجردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد اللّه رحمة من أراد من أهل النار أمر اللّه الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد اللّه ، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم اللّه على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ثم يفرغ اللّه من القضاء بين العباد ، ويبقى رجل بين الجنة والنار ، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة ، مقبل بوجهه قبل النار، فيقول  يا رب اصرف وجهي عن النار ، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها ، فيقول  هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غير ذلك ؟ فيقول  لا ، وعزتك . فيعطي اللّه ما شاء من عهد وميثاق ، فيصرف اللّه وجهه عن النار ، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها ، سكت ما شاء اللّه أن يسكت ، ثم قال  يا رب قدمني عند باب الجنة ، فيقول اللّه تبارك وتعالى  أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت، فيقول  يا رب لا أكون أشقى خلقك ، فيقول  فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره ؟ فيقول  لا وعزتك لا أسألك غير ذلك ، فيعطى ربه ما شاء من عهد وميثاق ،فيقدمه إلى باب الجنة ، فإذا بلغ باباها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور ، فسكت ما شاء اللّه أن يسكت ، فيقول يا رب أدخلني الجنة ، فيقول اللّه تعالى  ويحك يا ابن آدم ما أغدرك ، أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت ؟ فيقول  يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك اللّه منه ، ثم يأذن له في دخول الجنة ، فيقول  تمن ، فيتمنى حتى إذ انقطع أمنيته ،

قال اللّه تعالى تمن كذا و كذا ، أقبل يذكره ربه ، حتى إذا انتهت به الأماني ،

قال اللّه تعالى  لك ومثله معه } . قال أبو سعيد لأبي هريرة  إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال  { قال اللّه لك ذلك وعشرة أمثاله } قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا

قوله  { لك ذلك ومثله معه } . قال أبو سعيد إني سمعته يقول  { ذلك لك وعشرة أمثاله } . ورواه محمد بن إسماعيل عن محمود بن غيلان ،

أخبرنا عبد الرزاق ،

أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي هريرة بمعناه ، وقال  {فيأتيهم اللّه عز وجل في غير الصورة التي يعرفون فيقول  أنا ربكم ، فيقولون  نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم اللّه في الصورة التي يعرفون ، فيقول  أنا ربكم ، فيقولون  أنت ربنا ، فيتبعونه } .

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي ،

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ،

أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ،

أخبرنا محمد بن حماد ،

أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمماً ، ثم تدركهم الرحمة ، قال فيخرون فيطرحون على أبواب الجنة ، قال  فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما تنب القثاء في حمالة السيل ، ثم يدخلون الجنة } .

أخبرنا أبو محمد بن عبد الصمد الجوزجاني ،

أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ،

أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ،

أخبرنا أبو عيسى الترمذي ،

أخبرنا هناد بن السري ،

أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عبيدة السلماني ، عن عبد اللّه بن مسعود قال  قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار رجل يخرج منها زحفاً فيقال له  انطلق فادخل الجنة ، قال  فيذهب ليدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل ، فيرجع فيقول  يا رب قد أخذ الناس المنازل ، فيقال  أتذكر الزمان الذي كنت فيه ؟ فيقول  نعم فيقال له  تمن ، فيتمنى ، فيقال له  فإن لك الذي تمنيته وعشرة أضعاف الدنيا ، قال فيقول  أتسخر بي وأنت الملك ؟ قال  فقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه } .

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي ،

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ،

أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ،

أخبرنا محمد بن حماد ،

أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر ،عن حفصة أنها قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  { إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء اللّه أحد شهد بدراً والحديبية ، قال قلت يا رسول اللّه أليس قد قال تعالى  } وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً { ؟ قال  أفلم تسمعيه يقول  } ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً { } .

٧٣

قوله عز وجل  { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } ، واضحات ، { قال الذين كفروا } ، يعني  النضر بن الحارث وذويه من قريش ،{ للذين آمنوا } ، يعني فقراء أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت فيهم قشافة ، وفي عيشهم خشونة ، وفي ثيابهم رثاثة ، وكان المشركون يرجلون شعورهم ، ويدهنون رؤوسهم ويلبسون حرير ثيابهم ، فقالوا للمؤمنين  { أي الفريقين خير مقاماً } ، منزلاً ومسكناً ، [ وهو موضع الإقامة . وقرأ ابن كثير  { مقاماً } بضم الميم أي إقامة] . { وأحسن ندياً } ، أي مجلساً ، ومثله النادي ، فأجابهم اللّه تعالى

فقال  

٧٤

{ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً } ، أي متاعاً وأموالاً . و

قال مقاتل  لباساً وثياباً ، { رؤيا } ، قرأ أكثر القراء بالهمز ، أي منظراً ، من ( الرؤية ) ، وقرأ ابن عامر ،و أبو جعفر ، و نافع غير ورش  ( وريا ) مشدداً بغير همز ، وله تفسيران  

أحدهما هو الأول ، بطرح الهمز ،

والثاني  من الري  الذي هو ضد العطش ، ومعناه  الارتواء من النعمة ، فإن المتنعم يظهر فيه ارتواء النعمة ، والفقير يظهر عليه ذيول الفقر .

٧٥

{ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً } ، هذا أمر بمعنى الخبر ، معناه  يدعه في طغيانه ويمهله في كفره ، { حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب } ، وهو الأسر والقتل في الدنيا ، { وإما الساعة } ، يعني  القيامة ، فيدخلون النار ، { فسيعلمون } ، عند ذلك { من هو شر مكاناً } ، منزلاً ، { وأضعف جنداً } ، أقل ناصراً أهم أم المؤمنون ؟ لأنهم في النار ، والمؤمنون في الجنة وهذا رد عليهم في قوله { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } .

٧٦

قول عز وجل  { ويزيد اللّه الذين اهتدوا هدىً } ، أي إيماناً وإيقاناً على يقينهم ، { والباقيات الصالحات } ، الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها ، { خير عند ربك ثواباً وخير مرداً } عاقبة ومرجعاً .

٧٧

قوله عز وجل  { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً } ،

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ،

أخبرنا محمد بن إسماعيل ،

أخبرنا عمرو بن حفص ،

أخبرنا أبي ،

أخبرنا الأعمش بن مسلم ، عن مسروق ، حدثنا خباب قال كنت قيناً ،فعملت للعاص بن وائل ، فاجتمع مالي عنده فأتيناه أتقاضاه ،

فقال  لا واللّه لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ،

فقلت  أما واللّه حتى تموت ثم تبعث فلا ، قال  وإني لميت ثم مبعوث ؟ قلت  نعم ، قال  فإنه سيكون لي ثم مال وولد فأقضيك ،

فأنزل اللّه عز وجل  { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً } .

٧٨

قوله عز وجل  { أطلع الغيب } ،

قال ابن عباس  أنظر في اللوح المحفوظ ؟

وقال مجاهد  أعلم علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا ؟ { أم اتخذ عند الرحمن عهداً } ، يعني قال لا إله إلا اللّه . و

قال قتادة  يعني عملاً صالحاً قدمه .

وقال الكلبي  أعهد إليه أن يدخل الجنة ؟ .

٧٩

{ كلا } ، رد عليه ، يعني ، لم يفعل ذلك ، { سنكتب } ، سنحفظ عليه ، { ما يقول } ، [ فنجازيه به في الآخرة .

وقيل  نأمر به الملائكة حتى يكتبوا ما يقول ] . { ونمد له من العذاب مداً } ، أي  نزيده عذاباً فوق العذاب .

وقيل  نطيل مدة عذابه .

٨٠

{ ونرثه ما يقول } ، أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه وقوله ما يقول ، لأنه زعم أن له مالاً وولداً ( في الآخرة ) ، أي  لا نعطيه ونعطي غيره فيكون الإرث راجعاً إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول .

وقيل  معنى

قوله  { ونرثه ما يقول } أي  نحفظ ما يقول حتى نجازيه به . { ويأتينا فرداً } ، يوم القيامة بلا مال ولا ولد .

٨١

قوله عز وجل  { واتخذوا من دون اللّه آلهة } يعني  مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها ، { ليكونوا لهم عزاً } ، أي منعة ، حتى يكونوا لهم شفعاء يمنعونهم من العذاب .

٨٢

{ كلا } ، أي ليس الأمر كما زعموا ، { سيكفرون بعبادتهم } ، أي تجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم ، كما أخبر اللّه تعالى { تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون } ( القصص  ٦٣ ) . { ويكونون عليهم ضداً } ، أي أعداءً لهم ، وكانوا أولياءهم في الدنيا .

وقيل  أعواناً عليهم يكذبونهم ويلعنونهم .

٨٣

قوله عز وجل  { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين } ، أي سلطناهم عليهم ، وذلك حين قال لإبليس { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ، الآية ( الإسراء  ٦٤ ) ، { تؤزهم أزاً } ، تزعجهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية ، ( والأز ) ( والهز )  التحريك ، أي  تحركهم وتحثهم على المعاصي .

٨٤

{ فلا تعجل عليهم } ، أي لا تعجل بطلب عقوبتهم ، { إنما نعد لهم عداً } ،

قال الكلبي  يعني الليل والأيام والشهور والأعوام .

وقيل  الأنفاس التي يتنفسون بها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم .

٨٥

قوله عز وجل  { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } أي  اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجمع فيه من اتقى اللّه في الدنيا بطاعته إلى الرحمن ، إلى جنته وفداً ، أي  جماعات ، جمع ( وافد ) ، مثل  راكب وركب ،وصاحب صحب. و

قال ابن عباس  ركباناً . وقال أبو هريرة  على الإبل . وقال علي بن أبي طالب  ما يحشرون واللّه على أرجلهم ، ولكن على نوق ، رحالها الذهب ، ونجائب سرجها يواقيت ، إن هموا بها سارت ، وإن هموا بها طارت .

٨٦

{ ونسوق المجرمين } ، الكافرين ، { إلى جهنم ورداً } ، أي مشاة .

وقيل  عطاشاً قد تقطعت أعناقهم من العطش . ( والورد ) جماعة يردون لماء ، ولا يرد أحد الماء إلا بعد عطش .

٨٧

{ لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } ، يعنى لا إله إلا اللّه .

وقيل  معناه لا يشفع الشافعون إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً ، يعني  المؤمنين ، ك

قوله  { لا يشفعون إلا لمن ارتضى } ( الأنبياء  ٢٨ ) .

وقيل  لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا اللّه ، أي لا يشفع إلا المؤمن .

٨٨

{ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } ، يعني اليهود والنصارى ، ومن زعم أن الملائكة بنات اللّه . وقرأ حمزة و الكسائي  { ولداً } بضم الواو وسكون اللام، هاهنا وفي الزخرف وسورة نوح ، ووافق ابن كثير ، و أبو عمرو ، و يعقوب في سورة نوح ، والباقون بفتح الواو واللام . وهما لغتان مثل  العرب ، والعرب ، والعجم ،والعجم .

٨٩

{ لقد جئتم شيئاً إداً } ، قال ابن عباس منكراً . وقال قتادة و مجاهد  عظيماً . و

قال مقاتل  لقد قلتم قولاً عظيماً . ( والإد ) في كلام العرب  أعظم الدواهي .

٩٠

{ تكاد السموات } ، قرأ نافع { يكاد } بالياء هاهنا وفي حمعسق لتقدم الفعل ، وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث السموات ، { يتفطرن منه } ، هاهنا وفي { حم * عسق } بالنون من الانفطار ، أبو عمرو و أبو بكر و يعقوب وافق ابن عامر و حمزة هاهنا ل

قوله تعالى  { إذا السماء انفطرت } ( الانفطار ١ ) و { السماء منفطر } ( المزمل  ١٨ ) ، وقرأ الباقون بالتاء من التفطر ومعناهما واحد ، يقال  انفطر الشيء وتفطر أي تشقق . { وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً } ، أي  تنكسر كسراً .

وقيل  { تنشق الأرض} أي  تنخسف بهم ، ( و الانفطار ) في السماء  أن تسقط عليهم ، { وتخر الجبال هداً }  أي تنطبق عليهم .

٩١

{ أن دعوا } ، أي من أجل أن جعلوا { للرحمن ولداً } ، قال ابن عباس و كعب  فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين ، وكادت أن تزول ، وغضبت الملائكة ، واستعرت جهنم حين قالوا  اتخذ اللّه ولداً . ثم نفى اللّه عن نفسه الولد

فقال  

٩٢

{ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً } ، أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به .

٩٣

{ إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن } ، أي إلا آتيه يوم القيامة ، { عبداً } ذليلاً خاضعاً يعني  أن الخلق كلهم عبيده .

٩٤

{ لقد أحصاهم وعدهم عداً } ، أي  عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم ، فلا يخفى عليه شيء .

٩٥

{ وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } ، وحيداً ليس معه من الدنيا شيء .

٩٦

قوله عز وجل  { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} أي  محبة .

قال مجاهد  يحبهم اللّه ويحببهم إلى عباده المؤمنين .

أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي ،

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ،

أخبرنا أبو إسحاق بن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ،

أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال  { إذا أحب اللّه العبد قال لجبرائيل  قد أحببت فلاناً فأحبه ، فيحبه جبرائيل ، ثم ينادي في أهل السماء  إن اللّه عز وجل قد أحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض العبد } .

قال مالك  لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك . قال هرم بن حيان  ما أقبل عبد بقلبه إلى اللّه عز وجل إلا أقبل اللّه بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم .

٩٧

قوله عز وجل  { فإنما يسرناه بلسانك } ، أي سهلنا القرآن بلسانك يا محمد ، { لتبشر به المتقين } ، يعني المؤمنين ، { وتنذر به قوماً لداً } شداداً في الخصومة ، جمع ( الألد ) .

وقال الحسن  صماً في الحق .

قال مجاهد  ( الألد )  الظالم الذي لا يستقيم . قال أبو عبيدة  ( الألد ) الذي لا يقبل الحق ، ويدعي الباطل .

٩٨

{ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن } ،هل ترى ،

وقيل هل تجد ، { منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً } ، أي صوتاً ، ( والركز )  الصوت الخفي . قال الحسن  بادوا جميعاً ، فلم يبق منهم عين ولا أثر .

﴿ ٠