سورة الشعراء

مكية إلا أربع آيات من آخر السورة من قوله {والشعراء يتبعهم الغاوون}. وروينا عن ابن عباس  أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {أعطيت طه والطواسين من اللوح المحفوظ}. بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

{طسم}قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر طسم، وطس، وحم، ويس بكسر الطاء والياء والحاء، وقرأ أهل المدينة بين الفتح والكسر، وقرأ الآخرون بالفتح على التفخيم،وأظهر النون في يس عند الميم من طسم أبو جعفر، وحمزة، وأخفاها الآخرون. وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال طسم عجزت العلماء عن تفسيرها. وروى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أنه قسم، وهو من أسماء اللّه تعالى، وقال قتادة اسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد اسم للسورة. قال محمد بن كعب القرظي أقسم اللّه بطوله وسنائه وملكه.

٢

{تلك}،أي هذه الآيات،{آيات الكتاب المبين}.

٣

{لعلك باخع نفسك}،قاتل نفسك، { أن لا يكونوا مؤمنين }، أي إن لم يؤمنوا، وذلك حين كذبه أهل مكة فشق عليه ذلك، وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل اللّه هذه الآية.

٤

{إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين}، قال قتادة لو شاء اللّه لأنزل عليهم آية يذلون بها، فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية اللّه وقال ابن جريج معناه لو شاء اللّه لأراهم أمراً من أمره، لا يعمل أحد منهم بعده معصية. وقوله عز وجل {خاضعين} ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق،وفيه أقاويل أحدها أراد أصحاب الأعناق، فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم، لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعل الفعل أولاً للأعناق، ثم جعل خاضعين للرجال. وقال الأخفش رد الخضوع على المضمر الذي أضاف الأعناق إليه. وقال قوم ذكر الصفة لمجاورتها المذكر، وهو قوله هم على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى مذكر، وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى مؤنث.

وقيل أراد فظلوا خاضعين فعبر بالعنق عن جميع البدن، كقوله {ذلك بما قدمت يداك} (الحج-١٠) و{ألزمناه طائره في عنقه} (الإسراء-١٣). وقال مجاهد أراد بالأعناق الرؤساء والكبراء،أي فظلت كبراؤهم خاضعين.

وقيل أراد بالأعناق الجماعات،يقال جاء القوم عنقاً عنقاً، أي جماعات وطوائف.

وقيل إنما قال خاضعين على وفاق رؤوس الآي ليكون على نسق واحد.

٥

{وما يأتيهم من ذكر}، وعظ وتذكير، {من الرحمن محدث}، أي محدث إنزاله، فهو محدث في التنزيل. قال الكلبي كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول، {إلا كانوا عنه معرضين}، أي عن الإيمان به.

٦

{فقد كذبوا فسيأتيهم}، أي فسوف يأتيهم، {أنباء}، أخبار وعواقب، {ما كانوا به يستهزئون}.

٧

{ أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج }، صنف وضرب، {كريم}، حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام، يقال نخلة كريمة إذا طاب حملها، وناقة كريمة إذا كثر لبنها. قال الشعبي الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.

٨

{إن في ذلك}، الذي ذكرت، {لآيةً}، دلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي، {وما كان أكثرهم مؤمنين}،مصدقين، أي سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون. وقال سيبويه كان هاهنا صلة، مجازه وما أكثرهم مؤمنين.

٩

{وإن ربك لهو العزيز}، العزيز بالنقمة من أعدائه، {الرحيم}، ذو الرحمة بأوليائه.

١٠

قوله عز وجل {وإذ نادى ربك موسى}، واذكر يا محمد إذ نادى ربك موسى حين رأى الشجرة والنار، {أن ائت القوم الظالمين}، يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وظلموا بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب.

١١

{قوم فرعون ألا يتقون}، ألا يصرفون عن أنفسهم عقوبة اللّه بطاعته.

١٢

{قال}، يعني موسى، {رب إني أخاف أن يكذبون}.

١٣

{ويضيق صدري}، من تكذيبهم إياي، {ولا ينطلق لساني}، قال هذا للعقدة التي كانت على لسانه، قرأ يعقوب ويضيق، ولا ينطلق بنصب القافين على معنى وأن يضيق، وقرأ العامة برفعهما رداً على قوله إني أخاف {فأرسل إلى هارون}، ليوازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة.

١٤

{ولهم علي ذنب}، أي دعوى ذنب، وهو قتله القبطي، {فأخاف أن يقتلون}، أي يقتلونني به.

١٥

{قال}، اللّه تعالى، {كلا}، أي لن يقتلوك، {فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون}، سامعون ما يقولون، ذكر معكم بلفظ الجمع، وهما اثنان، أجراهما مجرى الجماعة.

وقيل أراد معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون.

١٦

{فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين}، ولم يقل رسولا رب العالمين، لأنه أراد الرسالة، أي أنا ذو رسالة رب العالمين، كما قال كثير لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول أي بالرسالة، وقال أبو عبيدة يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع، تقول العرب هذا رسولي ووكيلي وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي، كما قال اللّه تعالى {وهم لكم عدو} (الكهف-٥٠)،

وقيل معناه كل واحد منا رسول رب العالمين.

١٧

{أن أرسل} أي بأن أرسل، {معنا بني إسرائيل}،إلى فلسطين، ولا تستعبدهم، وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفاً، فانطلق موسى إلى مصر وهارون بها فأخبره بذلك. وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصا، والمكتل معلق في رأس العصا، وفيه زاده، فدخل دار نفسه وأخبر هارون بأن اللّه أرسلني إلى فرعون وأرسلني إليك حتى تدعوا فرعون إلى اللّه، فخرجت أمهما وصاحت وقالت إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنع موسى لقولها، وذهبا إلى باب فرعون ليلاً، ودقا الباب، ففزع البوابون وقالوا من بالباب؟ وروي أنه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما؟ فقال موسى أنا رسول رب العالمين، فذهب البواب إلى فرعون وقال إن مجنوناً بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين، فترك حتى أصبح، ثم دعاهما. وروي أنهما انطلقا جميعاً إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البواب فقال لفرعون هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال فرعون ائذن له لعلنا نضحك منه، فدخلا عليه وأديا رسالة اللّه عز وجل، فعرف فرعون موسى، لأنه نشأ في بيته.

١٨

{قال ألم نربك فينا وليداً}، صبياً، {ولبثت فينا من عمرك سنين}، وهو ثلاثون سنة.

١٩

{وفعلت فعلتك التي فعلت}، يعني قتل القبطي، {وأنت من الكافرين}، قال الحسن والسدي يعني وأنت من الكافرين بإلهك وكنت على ديننا هذا الذي تعيبه. وقال أكثر المفسرين معنى قوله وأنت من الكافرين، وكفرت بنعمتنا. أي من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي،يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفساً، وكفرت بنعمتنا. وهذ رواية العوفي عن ابن عباس، وقال إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية.

٢٠

{قال}،موسى، {فعلتها إذاً}، أي فعلت ما فعلت حينئذ، {وأنا من الضالين}، أي من الجاهلين، أي لم يأتني من اللّه شيء.

وقيل من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله.

وقيل من الضالين عن طريق الصواب من غير تعمد.

وقيل من المخطئين.

٢١

{ففررت منكم لما خفتكم}، إلى مدين، {فوهب لي ربي حكماً}، يعني النبوة، وقال مقاتل يعني العلم والفهم، {وجعلني من المرسلين}.

٢٢

{وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل}، اختلفوا في تأويلها فحملها بعضهم على الإقرار وبعضهم على الإنكار. فمن قال هو إقرار، قال عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه، ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل، مجازه بلى وتلك نعمة علي أن عبدت بني إسرائيل، وتركتني فلم تستعبدني. ومن قال هو إنكار قال قوله وتلك نعمة هو على طريق الاستفهام، أي أو تلك نعمة؟ حذف ألف الاستفهام، كقوله  أفهم الخالدون؟ قال الشاعر تروح من الحي أو تبتكر وماذا يضرك لو تنتظر؟ أي أتروح من الحي؟ قال عمر بن أبي ربيعة لم أنس يوم الرحيل وفقتها وطرفها في دموعها غرق وقولها والركاب واقفة تتركني هكذا وتنطلق؟ أي أتتركني، يقول تمن علي أن ربيتني، وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملات القبيحة؟. أو يريد كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي، ومن أهين قومه ذل، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إلي.

وقيل معناه تمن علي بالتربية.

وقوله {أن عبدت بني إسرائيل}، أي باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم، دفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهلي من يربيني ولم يلقوني في اليم، فأي نعمة لك علي؟. قوله {عبدت}، أي اتخذتهم عبيداً، يقال عبدت فلاناً، وأعبدته، وتعبدته، واستعبدته، أي اتخذته عبداً.

٢٣

{قال فرعون وما رب العالمين}، يقول أي شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله إلي؟ يستوصفه إلهه بما وهو سؤال عن جنس الشيء، واللّه منزه عن الجنسية، فأجابه موسى عليه السلام بذكر أفعاله التي يعجز الخلق عن الإتيان بمثلها.

٢٤

{قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين}، أنه خالقهما. قال أهل المعاني أي كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينونها فأيقنوا أن إله الخلق هو اللّه عز وجل، فلما قال موسى ذلك تحير فرعون في جواب موسى.

٢٥

{قال لمن حوله}، من أشراف قومه. قال ابن عباس كانوا خمس مائة رجل عليهم الأسورة، قال لهم فرعون استبعاداً لقول موسى {ألا تستمعون}، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن آلتهم ملوكهم، فزادهم موسى في البيان.

٢٦

{قال ربكم ورب آبائكم الأولين}.

٢٧

{قال}، يعني فرعون {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون}، يتكلم بكلام لا نعقله ولا نعرف صحته، وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل، فزاد موسى في البيان.

٢٨

{قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون}.

٢٩

{قال}، فرعون - حين لزمته الحجة وانقطع عن الجواب - تكبراً عن الحق {لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين}، من المحبوسين، قال الكلبي كان سجنه أشد من القتل، لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فرداً لا يسمع ولا يبصر فيه شيئاً، يهوي به في الأرض.

٣٠

{قال} له موسى حين توعده بالسجن { أو لو جئتك }، أي وإن جئتك، {بشيء مبين}، بآية مبينة، ومعنى الآية أتفعل ذلك وإن أتبتك بحجة بينة؟ وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون إلى الإنصاف والإجابة إلى الحق بعد البيان.

٣١

{قال}، له فرعون، {فأت به}، فإنا لن نسجنك حينئذ، {إن كنت من الصادقين}.

٣٢

{فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين}، فقال وهل غيرها؟

٣٣

{ونزع}، موسى، {يده فإذا هي بيضاء للناظرين}.

٣٤

{قال} فرعون { للملإ حوله إن هذا لساحر عليم }.

٣٥

{يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون}؟

٣٦

{قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين}،

٣٧

{يأتوك بكل سحار عليم}.

٣٨

{فجمع السحرة لميقات يوم معلوم}، وهو يوم الزينة.وروي عن ابن عباس قال وافق ذلك اليوم يوم السبت،في أول يوم من السنة، وهو يوم النيروز.

٣٩

{

وقيل للناس هل أنتم مجتمعون }، لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان ولمن تكون الغلبة؟

٤٠

{لعلنا}، لكي، {نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين}، لموسى،

وقيل إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء، وأرادوا بالسحرة موسى وهارون وقومهما.

٤١

{فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين}.

٤٢

{قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين}.

٤٣

{قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون}.

٤٤

{فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون}.

٤٥

{فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون}.

٤٦

{فألقي السحرة ساجدين}.

٤٧

{قالوا آمنا برب العالمين}.

٤٨

{رب موسى وهارون}.

٤٩

{قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين}.

٥٠

{قالوا لا ضير}، لا ضرر، {إنا إلى ربنا منقلبون}.

٥١

{إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين}، من أهل زماننا.

٥٢

{وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون}، يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من مصر. وروي عن ابن جريحقال أوحى اللّه تعالى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أهل أبيات في بيت، ثم اذبحوا أولاد الضأن، قاضربوا بدمائها على أبوابكم، فإني سآمر الملائكة فلا يدخلوا بيتاً على بابه دم، وسآمرهافتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم، ثم اخبزوا خبزاً فطيراً فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر، فيأتيك أمري، ففعل ذلك، فلما أصبحوا قال فرعون هذا عمل موسى وقومه، قتلوا أبكارنا من أنفسنا، وأخذوا أموالنا. فأرسل في أثره ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف، وخرج فرعون في الكرسي العظيم.

٥٣

{فأرسل فرعون في المدائن حاشرين}، يحشرون الناس يعني الشرط ليجمعوا السحرة.

وقيل حتى يجمعوا له الجيش، وذكر بعضهم أنه كان له ألف مدينة واثنا عشرة ألف قرية.

٥٤

{إن هؤلاء لشرذمة}، عصابة {قليلون}، والشرذمة القطعة من الناس غير الكثير، وجمعها شراذم. قال أهل التفسير كانت الشرذمة الذين قللّهم فرعون ستمائة ألف. وعن ابن مسعود قال كانوا ستمائة وسبعين ألفاً ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.

٥٥

{وإنهم لنا لغائظون}، يقال غاظه وأغاظه وغيظه إذا أغضيه، والغيظ والغضب واحد، يقول أغضبونا بمخالفتهم ديننا وقتلهم أبكارنا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها، وخروجهم من أرضنا بغير إذن منا.

٥٦

{وإنا لجميع حاذرون}، قرأ أهل الحجاز والبصرة حذرون وفرهين بغير ألف، وقرأ الآخرون حاذرون و فارهين بالألف فيهما، وهما لغتان. وقال أهل التفسير حاذرون، أي مؤدون ومقوون، أي ذوو أداة وقوة مستعدون شاكون في السلاح، ومعنى حذرون أي خائفون شرهم. وقال الزجاج الحاذر المستعد، والحذرة المتيقظ. وقال الفراء الحاذر الذي يحذرك الآن، والحذر المخوف. وكذلك لا تلقاه إلا حذراً، والحذر اجتناب الشيء خوفاً منه.

٥٧

{فأخرجناهم من جنات}، وفي القصة البساتين كانت ممتدة على حافتي النيل، {وعيون}، أنهار جارية.

٥٨

{وكنوز}، يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة. قال مجاهد سماها كنوزاً لأنه لم يعط حق اللّه منها، وما لم يعط حق اللّه منه فهو كنز، وإن كان ظاهراً، قيل كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام، كل غلام على فرس عتيق، في عنق كل فرس طوق من ذهب، {ومقام كريم}، أي مجلس حسن، قال المفسرون أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت تحفها الأتباع. وقال مجاهد وسعيد ابن جبير هي المنابر. وذكر بعضهم أنه كان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف عليهم الأقبية من الديباج مخوصة بالذهب.

٥٩

{كذلك}، كما وصفنا، {وأورثناها}، بهلاكهم، {بني إسرائيل}، وذلك أن اللّه تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه، فأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن.

٦٠

{فأتبعوهم مشرقين}، أي لحقوهم في وقت إشراق الشمس، وهو إضاءتها، أي أدرك قوم فرعون موسى وأصحابه وقت شروق الشمس.

٦١

{ فلما تراء الجمعان }، أي تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه، وكسر حمزة الراء من تراءى وفتحها الآخرون. {قال أصحاب موسى إنا لمدركون}، أي سيدركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم.

٦٢

{قال}، موسى ثقة بوعد اللّه إياه {كلا}، لن يدركونا، {إن معي ربي سيهدين}، يدلني على طريق النجاة.

٦٣

{فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق}، أي فضربه فانفلق فانشق، {فكان كل فرق}، قطعة من الماء، {كالطود العظيم}، كالجبل الضخم، قال ابن جريج وغيره لما انتهى موسى إلى البحر هاجت الريح، والبحر يرمي بموج مثل الجبال، فقال يوشع يامكلم اللّه أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا؟ قال موسى ها هنا، فخاض يوشع الماء وجاز البحر، ما يواري حافر دابته الماء وقال الذي يكتم إيمانه يا مكلم اللّه أين أمرت؟ قال ها هنا، فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه، ثم أقحمه البحر، فارتسب في الماء، وذهب القوم يصنعون مثل ذلك، فلم يقدروا، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع، فأوحى اللّه إليه أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فانفلق، فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده.

٦٤

{وأزلفنا}، يعني وقربنا {ثم الآخرين}، يعني قوم فرعون، يقول قدمناهم إلى البحر، وقربناهم إلى الهلاك، وقال أبو عبيدة زأزلفنا جمعنا، ومنه ليلة المزدلفة أي ليلة الجمع. وفي القصة أن جبريل كان بين بني إسرائيل وقوم فرعون وكان يسوق بني إسرائيل، ويقولون ما رأينا أحسن سياقة من هذا الرجل، وكان يزع قوم فرعون، وكانوا يقولون ما رأينا أحسن زعة من هذا.

٦٥

{وأنجينا موسى ومن معه أجمعين}.

٦٦

{ثم أغرقنا الآخرين}، فرعون وقومه. وقال سعيد بن جبير كان البحر ساكناً قبل ذلك، فلما ضربه موسى بالعصا اضطرب فجعل يمد ويجزر.

٦٧

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}، أي من أهل مصر، قيل لم يكن آمن من أهل مصر إلا آسية امرأة فرعون وحزبيل المؤمن، ومريم بنت ناقوسا التي دلت على عظام يوسف عليه السلام.

٦٨

{وإن ربك لهو العزيز الرحيم}، العزيز في الانتقام من أعدائه، الرحيم بالمؤمنين حين أنجاهم.

٦٩

قوله {واتل عليهم نبأ إبراهيم}.

٧٠

{إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون}، أي شيء تعبدون؟.

٧١

{قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين}، أي نقيم على عبادتها. قال بعض أهل العلم إنما قال {فنظل} لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار، دون الليل، يقال ظل يفعل كذا إذا فعل بالنهار.

٧٢

{قال هل يسمعونكم}، أي هل يسمعون دعاءكم، {إذ تدعون}، قال ابن عباس يسمعون لكم.

٧٣

{أو ينفعونكم}، قيل بالرزق، {أو يضرون}، إن تركتم عبادتها.

٧٤

{قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون}، معناه إنها لا تسمع قولاً، ولا تجلب نفعاً، ولا تدفع ضراً، لكن اقتدينا بآبائنا، فيه إبطال التقليد في الدين.

٧٥

{قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون}.

٧٦

{أنتم وآباؤكم الأقدمون}، الأولون.

٧٧

{فإنهم عدو لي}، أي أعداء لي، ووحده على معنى أن كل معبود لكم عدو لي. فإن قيل كيف وصف الأصنام بالعداوة وهي جمادات؟ قيل معناه فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة، كما قال تعالى {سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً} (مريم-٨٢). وقال الفراء هو من المقلوب، أراد فإني عدو لهم، لأن من عاديته فقد عاداك.

وقيل فإنهم عدو لي على معنى إني لا أتولاهم ولا أطلب من جهتهم نفعاً، كما لا يتولى العدو، ولا يطلب من جهته النفع. قوله { إلا رب العالمين }، اختلفوا في هذا الاستثناء، قيل هو استثناء منقطع، كأنه قال فإنهم عدو لي لكن رب العالمين وليي.

وقيل إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع اللّه، فقال إبراهيم كل من تعبدون أعدائي إلا رب العالمين.

وقيل إنهم غير معبود لي إلا رب العالمين، فإني أعبده. وقال الحسين بن الفضل معناه إلا من عبد رب العالمين.

٧٨

ثم وصف معبوده فقال {الذي خلقني فهو يهدين}، أي يرشدني إلى طريق النجاة.

٧٩

{والذي هو يطعمني ويسقين}، أي يرزقني ويغذوني بالطعام والشراب، فهو رازقي ومن عنده رزقي.

٨٠

{وإذا مرضت}، أضاف المرض إلى نفسه وإن كان المرض والشفاء كله من اللّه، استعمالاً لحسن الأدب كما قال الخضر {فأردت أن أعيبها} (الكهف-٧٩)، وقال {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما} (الكهف-٨٢). {فهو يشفين}، أي يبرئني من المرض.

٨١

{والذي يميتني ثم يحيين}، أدخل ثم ها هنا للتراخي، أي يميتني في الدنيا ويحييني في الآخرة.

٨٢

{والذي أطمع}، أي أرجو، {أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}، أي خطاياي يوم الحساب. قال مجاهد هو قوله إني سقيم،

وقوله بل فعله كبيرهم هذا، وقوله لسارة هذه أختي، وزاد الحسن وقوله للكواكب هذا ربي. و

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر،

أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي،

أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي،

أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص بن غياث، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت {قلت يا رسول اللّه ابن جدعان، كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المساكين، فهل ذاك نافعه؟ قال لا ينفعه إنه لم يقل يوماً، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين}. وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه، وإخبار أنه لا يصلح للإلهية من لا يفعل هذه الأفعال.

٨٣

{رب هب لي حكماً}، قال ابن عباس معرفة حدود اللّه وأحكامه. وقال مقاتل الفهم والعلم.

وقال الكلبي النبوة، {وألحقني بالصالحين}، بمن قبلي من النبيين في المنزلة والدرجة.

٨٤

{واجعل لي لسان صدق في الآخرين}، أي ثناء حسناً، وذكراً جميلاً، وقبولاً عاماً في الأمم التي تجيء بعدي، فأعطاه اللّه ذلك، فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه. قال القتيبي وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به.

٨٥

{واجعلني من ورثة جنة النعيم}، أي ممن تعطيه جنة النعيم.

٨٦

{واغفر لأبي إنه كان من الضالين}، وقال هذا قبل أن يتبين له أنه عدو اللّه، كما سبق ذكره في سورة التوبة.

٨٧

{ولا تخزني}، لا تفضحني، {يوم يبعثون}.

٨٨

{يوم لا ينفع مال ولا بنون}.

٨٩

{إلا من أتى اللّه بقلب سليم}، أي خالص من الشرك والشك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد، هذا قول أكثر المفسرين. قال سعيد بن المسيب القلب السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض. قال اللّه تعالى {في قلوبهم مرض} (البقرة-١٠)، قال أبو عثمان النيسابوري هو القلب الخالي من البدعة المطمئن على السنة.

٩٠

{وأزلفت} قربت {الجنة للمتقين}.

٩١

{وبرزت}، أظهرت، {الجحيم للغاوين}، للكافرين.

٩٢

{

وقيل لهم}، يوم القيامة، {أين ما كنتم تعبدون}.

٩٣

{من دون اللّه هل ينصرونكم}، يمنعونكم من العذاب، {أو ينتصرون} لأنفسهم.

٩٤

{فكبكبوا فيها}، قال ابن عباس جمعوا. وقال مجاهد دهوروا. وقال مقاتل قذفوا. وقال الزجاج طرح بعضهم على بعض. وقال القتيبي ألقوا على رؤوسهم. {هم والغاوون}، يعني الشياطين، قاله قتادة، ومقاتل.

وقال الكلبي كفرة الجن.

٩٥

{وجنود إبليس أجمعون}، وهم وأتباعه ومن أطاعه من الجن والإنس.

ويقال ذريته.

٩٦

{قالوا} أي قال الغاوون للشياطين والمعبودين، {وهم فيها يختصمون}، مع المعبودين ويجادل بعضهم بعضاً.

٩٧

{تاللّه إن كنا لفي ضلال مبين}.

٩٨

{إذ نسويكم}، نعدلكم، {برب العالمين}، فنعبدكم.

٩٩

{وما أضلنا}، أي ما دعانا إلى الضلال، {إلا المجرمون}. قال مقاتل يعني الشياطين.

وقال الكلبي إلا أولونا الذين اقتدينا بهم. وقال أبو العالية وعكرمة يعني إبليس، وابن آدم الأول، وهو قابيل، لأنه أول من سن القتل، وأنواع المعاصي.

١٠٠

{فما لنا من شافعين}، أي من يشفع لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين.

١٠١

{ولا صديق حميم}، أي قريب يشفع لنا، يقوله الكفار حين تشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، والصديق هو الصادق في المودة بشرط الدين.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي،

أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا محمد بن الحسين اليقطيني،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه يزيد العقيلي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا من سمع أبا الزبير يقول أشهد لسمعت جابر بن عبد اللّه يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول {إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل صديقي فلان، وصديقه في الجحيم، فيقول اللّه تعالى أخرجوا له صديقه إلى الجنة، فيقول من بقي فما لنا من شافعين ولا صديق حميم}. قال الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة.

١٠٢

{فلو أن لنا كرة}، أي رجعة في الدنيا، {فنكون من المؤمنين}.

١٠٣

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}.

١٠٤

{وإن ربك لهو العزيز الرحيم} العزيز الذي لا يغالب، فاللّه عزيز، وهو في وصف عزته رحيم.

١٠٥

قوله عز وجل {كذبت قوم نوح المرسلين}، قيل للحسن البصري يا أبا سعيد أرأيت قوله {كذبت قوم نوح المرسلين} و{كذبت عاد المرسلين} و{كذبت ثمود المرسلين}، وإنما أرسل إليهم رسول واحد؟ قال إن الآخر جاء بما جاء الأول، فإذا كذبوا واحداً فقد كذبوا الرسل أجمعين.

١٠٦

{إذ قال لهم أخوهم}، في النسب لا في الدين. {نوح ألا تتقون}.

١٠٧

{إني لكم رسول أمين}، على الوحي.

١٠٨

{فاتقوا اللّه}، بطاعته وعبادته، {وأطيعون}، فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد.

١٠٩

{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري}، ثوابي، {إلا على رب العالمين}.

١١٠

{فاتقوا اللّه وأطيعون}.

١١١

{قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون}، قرأ يعقوب وأتباعك الأرذلون السفلة. وعن ابن عباس قال الصاغة. وقال عكرمة الحاكة والأساكفة.

١١٢

{قال}، نوح، {وما علمي بما كانوا يعملون}، أي ما أعلم أعمالهم وصنائعهم، وليس علي من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء إنما كلفت أن أدعوهم إلى اللّه، ولي منهم ظاهر أمرهم.

١١٣

{إن حسابهم}، ما حسابهم، {إلا على ربي لو تشعرون}، لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم. قال الزجاج الصناعات لا تضر في الديانات.

وقيل معناه أي لم أعلم أن اللّه يهديهم ويضلكم ويوفقهم ويخذلكم.

١١٤

{وما أنا بطارد المؤمنين}.

١١٥

{إن أنا إلا نذير مبين}.

١١٦

{قالوا لئن لم تنته يا نوح}، عما تقول، {لتكونن من المرجومين}، قال مقاتل والكلبي من المقتولين بالحجارة. وقال الضحاك من المشتومين.

١١٧

{قال رب إن قومي كذبون}.

١١٨

{فافتح}، فاحكم، {بيني وبينهم فتحاً}، حكماً، {ونجني ومن معي من المؤمنين}.

١١٩

{فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون}، الموقر المملوء من الناس والطير والحيوان كلها.

١٢٠

{ثم أغرقنا بعد الباقين}، أي أغرقنا بعد إنجاء نوح، وأهله من بقي من قومه.

١٢١

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}.

١٢٢

{وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

١٢٣

قوله عز وجل {كذبت عاد المرسلين}.

١٢٤

{إذ قال لهم أخوهم هود}، يعني في النسب لا في الدين، {ألا تتقون}.

١٢٥

{إني لكم رسول أمين}، على الرسالة، قال الكلبي أمين فيكم قبل الرسالة، فكيف تتهموني اليوم؟.

١٢٦

{فاتقوا اللّه وأطيعون}.

١٢٧

{ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين }.

١٢٨

{ أتبنون بكل ريع }، قال الوالبي عن ابن عباس أي بكل شرف. وقال الضحاك ومقاتل والكلبي بكل طريق، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وعن مجاهد قال هو الفج بين الجبلين. وعنه أيضاً أنه المنظرة. {آيةً}، أي علامة، {تعبثون}، بمن مر بالطريق، والمعنى أنهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم. وعن سعيد بن جبير ومجاهد هذا في بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها، بدليل قوله {تعبثون}، أي تعلبون، وهم كانوا يلعبون بالحمام. وقال أبو عبيدة الريع المكان المرتفع.

١٢٩

{وتتخذون مصانع}، قال ابن عباس أبنية. وقال مجاهد قصوراً مشيدة. وعن الكلبي أنها الحصون. وقال قتادة مآخذ الماء، يعني الحياض، واحدتها مصنعة، {لعلكم تخلدون}، أي كأنكم تبقوم فيها خالدين. والمعنى أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم لا يموتون.

١٣٠

{وإذا بطشتم}، أخذتم وسطوتم، {بطشتم جبارين}، قتلاً بالسيف وضرباً بالسوط، والجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب.

١٣١

{فاتقوا اللّه وأطيعون}.

١٣٢

{واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون}، أي أعطاكم من الخير ما تعلمون.

١٣٣

ثم ذكر ما أعطاهم فقال {أمدكم بأنعام وبنين}.

١٣٤

{وجنات وعيون}، أي بساتين وأنهار.

١٣٥

{إني أخاف عليكم}، قال ابن عباس إن عصيتموني، {عذاب يوم عظيم}.

١٣٦

{قالوا سواء علينا}، أي مستو عندنا، {أوعظت أم لم تكن من الواعظين}، الوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد. قال الكلبي نهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا.

١٣٧

{إن هذا}، ما هذا، {إلا خلق الأولين}، قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب {خلق} بفتح الخاء وسكون اللام، أي اختلاف الأولين وكذبهم، دليل هذه القراءة

قوله تعالى {وتخلقون إفكاً} (العنكبوت-١٧)، وقرأ الآخرون {خلق} بضم الخاء واللام، أي عادة الأولين من قبلنا، وأمرهم أنهم يعيشون ما عاشوا ثم يموتون ولا بعث ولا حساب.

١٣٨

{وما نحن بمعذبين}.

١٣٩

{فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}.

١٤٠

{وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

١٤١

قوله عز وجل {كذبت ثمود المرسلين}.

١٤٢

{إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون}.

١٤٣

{إني لكم رسول أمين}.

١٤٤

{فاتقوا اللّه وأطيعون}.

١٤٥

{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}.

١٤٦

{ أتتركون في ما هاهنا }، أي في الدنيا {آمنين}، من العذاب.

١٤٧

{في جنات وعيون}.

١٤٨

{وزروع ونخل طلعها}، ثمرها، يريد ما يطلع منها من الثمر، {هضيم}، قال ابن عباس لطيف، ومنه هضيم الكشح، إذا كان لطيفاً. وروى عطية عنه يانع نضيج. وقال عكرمة هو اللين.

وقال الحسن هو الرخو. وقال مجاهد متهشم متفتت إذا مس، وذلك أنه ما دام رطباً فهو هضيم، فإذا يبس فهو هشيم. وقال الضحاك ومقاتل قد ركب بعضه بعضاً حتى هضم بعضه بعضاً، أي كسره. وقال أهل اللغة هو المنضم بعضه إلى بعض في وعائه قبل أن يظهر. وقال الأزهري الهضيم هو الداخل بعضه في بعضه من النضج والنعومة.

وقيل هضيم أي هاضم يهضم الطعام. وكل هذا للطافته.

١٤٩

{وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين}، وقرئ { فارهين }، قيل معناهما واحد.

وقيل فارهين أي حادقين بنحتها، من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره، ومن قرأ { فارهين } قال ابن عباس أشرين بطرين. وقال عكرمة ناعمين. وقال مجاهد شرهين. قال قتادة معجبين بصنيعكم، قال السدي متجبرين. وقال أبو عبيدة مرحين. وقال الأخفش فرحين. والعرب تعاقب بين الهاء والحاء مثل مدحته ومدهته. قال الضحاك كيسين.

١٥٠

{فاتقوا اللّه وأطيعون}.

١٥١

{ولا تطيعوا أمر المسرفين}، قال ابن عباس المشركين. وقال مقاتل هم التسعة الذين عقروا الناقة.

١٥٢

{الذين يفسدون في الأرض}، بالمعاصي، {ولا يصلحون}، لا يطيعون اللّه فيما أمرهم به.

١٥٣

{قالوا إنما أنت من المسحرين}، قال مجاهد وقتادة من المسحورين المخدوعين، أي ممن سحر مرة بعد مرة.

وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أي من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب، يقال سحره، أي عللّه بالطعام والشراب، يريد إنك تأكل الطعام والشراب ولست بملك.

١٥٤

بل {ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية}، على صحة ما تقول، {إن كنت من الصادقين}، أنك رسول اللّه إلينا.

١٥٥

{قال هذه ناقة لها شرب}، حظ ونصيب من الماء، {ولكم شرب يوم معلوم}.

١٥٦

{ولا تمسوها بسوء}، بعقر، {فيأخذكم عذاب يوم عظيم}.

١٥٧

{فعقروها فأصبحوا نادمين}، على عقرها حين رأوا العذاب.

١٥٨

{فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}.

١٥٩

{وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

١٦٠

قوله تعالى {كذبت قوم لوط المرسلين}.

١٦١

{إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون}.

١٦٢

{إني لكم رسول أمين}.

١٦٣

{فاتقوا اللّه وأطيعون}.

١٦٤

{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}.

١٦٥

{أتأتون الذكران}، قال مقاتل يعني جماع الرجال. {من العالمين}، يعني من بني آدم.

١٦٦

{وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم}، قال مجاهد تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال، {بل أنتم قوم عادون}، معتدون، مجاوزون الحلال إلى الحرام.

١٦٧

{قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين}، من قريتنا.

١٦٨

{قال إني لعملكم من القالين}، المبغضين.

١٦٩

ثم دعا فقال {رب نجني وأهلي مما يعملون}، من العمل الخبيث.

١٧٠

قال اللّه تعالى {فنجيناه وأهله أجمعين}.

١٧١

{إلا عجوزاً في الغابرين}، وهي امرأة لوط، بقيت في العذاب والهلاك.

١٧٢

{ثم دمرنا الآخرين}، أي أهلكناكم.

١٧٣

{وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين}، قال وهب بن منبه الكبريت والنار.

١٧٤

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}.

١٧٥

{وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

١٧٦

قوله عز وجل {كذب أصحاب الأيكة المرسلين}، وهم قوم شعيب عليه السلام، قرأ العراقيون الآيكة ها هنا وفي ص بالهمزة وسكون اللام وكسر التاء، وقرأ الآخرون ليكة بفتح اللام والتاء غير مهموز، جعلوها اسم البلد، وهو لا ينصرف، ولم يختلفوا في سورة الحجر وق أنهما مهموازان مكسوران، والأيكة الغيضة من الشجر الملتف.

١٧٧

{إذ قال لهم شعيب}، ولم يقل أخوهم، لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب، فلما ذكر مدين قال أخاهم شعيباً لأنه كان منهم، وكان اللّه تعالى بعثه إلى قومه أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة. {ألا تتقون}.

١٧٨

{إني لكم رسول أمين}.

١٧٩

{فاتقوا اللّه وأطيعون}.

١٨٠

{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}، وإنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى اللّه عنهم على صيغة واحدة لا تفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة.

١٨١

{أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين}، الناقصين لحقوق الناس بالكيل والوزن.

١٨٢

{وزنوا بالقسطاس المستقيم}.

١٨٣

{ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.

١٨٤

{واتقوا الذي خلقكم والجبلة}، الخليقة، {الأولين}، يعني الأمم المتقدمين، والجبلة الخلق، يقال جبل أي خلق.

١٨٥

{قالوا إنما أنت من المسحرين}.

١٨٦

{وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين}.

١٨٧

{ فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين }.

١٨٨

{قال ربي أعلم بما تعملون}. أي من نقصان الكيل والوزن، وهو مجازيكم بأعمالكم، وليس العذاب إلي وما علي إلا الدعوة.

١٨٩

{فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة}، وذلك أنه أخذهم حر شديد، فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حراً فخرجوا، فأظلتهم سحابة، وهي الظلة، فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا، ذكرناه في سورة هود. {إنه كان عذاب يوم عظيم}.

١٩٠

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}.

١٩١

{وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

١٩٢

قوله عز وجل {وإنه}، يعني القرآن. {لتنزيل رب العالمين}.

١٩٣

{نزل به الروح الأمين}، قرأ أهل الحجاز، وأبو عمرو، وحفص نزل خفيف، الروح الأمين برفع الحاء والنون، أي نزل جبريل بالقرآن. وقرأ الآخرون بتشديد الزاء وفتح الحاء والنون أي نزل اللّه به جبريل، لقوله عز وجل {وإنه لتنزيل رب العالمين}.

١٩٤

{على قلبك}، يا محمد حتى وعيته، {لتكون من المنذرين}، المخوفين.

١٩٥

{بلسان عربي مبين}، قال ابن عباس بلسان قريش ليفهموا ما فيه.

١٩٦

{وإنه}، أي ذكر إنزال القرآن، قاله أكثر المفسرين. وقال مقاتل ذكر محمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته، {لفي زبر الأولين}.

١٩٧

{أو لم يكن لهم آية}، قرأ ابن عامر تكن بالتاء آية بالرفع، جعل الآية اسماً وخبره {أن يعلمه}، وقرأ الآخرون بالياء، {آية} نصب، جعلوا الآية خبر يكن، معناه أولم يكن لهؤلاء المنكرين علم بني إسرائيل آية، أي علامة ودلالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، لأن العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل، كانوا يخبرون يوجود ذكره في كتبهم، وهم عبد اللّه بن سلام وأصحابه. قال ابن عباس بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا إن هذا لزمانه، وإنا نجد في التوراة نعته وصفته، فكان ذلك آية على صدقه.

قوله تعالى {أن يعلمه}، يعني يعلم محمداً صلى اللّه عليه وسلم، {علماء بني إسرائيل}، قال عطية كانوا خمسة عبد اللّه بن سلام، وابن يامين، وثعلبة، وأسد، وأسيد.

١٩٨

{ولو نزلناه}، يعني القرآن، {على بعض الأعجمين}، جمع الأعجمي، وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية إن كان عربياً في النسب، والعجمي منسوب إلى العجم، وإن كان فصيحاً. ومعنى الآية ولو نزلناه على رجل ليس بعربي اللسان.

١٩٩

{فقرأه عليهم}، بغير لغة العرب، {ما كانوا به مؤمنين}، وقالوا ما نفقه قولك، نظيره قوله عز وجل {ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته} (فصلت-٤٤)،

وقيل معناه ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفةً من اتباعه.

٢٠٠

{كذلك سلكناه}، قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد أدخلنا الشرك والتكذيب {في قلوب المجرمين}.

٢٠١

{لا يؤمنون به}، أي بالقرآن، {حتى يروا العذاب الأليم}، يعني عند الموت.

٢٠٢

{فيأتيهم}، يعني العذاب، {بغتةً}، فجأة، {وهم لا يشعرون}، به في الدنيا.

٢٠٣

{فيقولوا هل نحن منظرون}، أي لنؤمن ونصدق، يتمنون الرجعة والنظرة. قال مقاتل لما أوعدهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بالعذاب، قالوا إلى متى توعدنا بالعذاب؟ متى هذا العذاب؟

٢٠٤

قال اللّه تعالى {أفبعذابنا يستعجلون}.

٢٠٥

{أفرأيت إن متعناهم سنين}، كثيرة في الدنيا، يعني كفار مكة، ولم نهلكهم.

٢٠٦

{ثم جاءهم ما كانوا يوعدون}، يعني بالعذاب.

٢٠٧

{ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}، به في تلك السنين. والمعنى أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول التمتع شيئاً، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط.

٢٠٨

{وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون}، رسل ينذرونهم.

٢٠٩

{ذكرى}، محلها نصب، أي ينذرونهم، تذكره،

وقيل رفع أي تلك ذكرى، {وما كنا ظالمين}، في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم.

٢١٠

{وما تنزلت به الشياطين}، وذلك أن المشركين كانوا يقولون إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم، فقال جل ذكره {وما تنزلت به}، أي بالقرآن، الشياطين.

٢١١

{وما ينبغي لهم}، أن ينزلوا بالقرآن، {وما يستطيعون}، ذلك.

٢١٢

{إنهم عن السمع}، أي عن استراق السمع من السماء، {لمعزولون}، أي محجوبون بالشهب مرجومون.

٢١٣

{فلا تدع مع اللّه إلهاً آخر فتكون من المعذبين}، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما يحذر به غيره، يقول أنت أكرم الخلق علي ولو اتخذت إلهاً غيري لعذبتك.

٢١٤

{وأنذر عشيرتك الأقربين}، روى محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد اللّه بن عباس، عن علي بن أبي طالب. قال لما نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {وأنذر عشيرتك الأقربين}، دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا علي إن اللّه يأمرني أن أنذر عشيرتي عليها جاءني جبريل، فقال لي يا محمد إلا تفعل ما تؤمر يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عساً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به. قال علي رضي اللّه عنه ففعلت ما أمرني به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته فجئت به، فلما وضعته تناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جذبة من اللحم، فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال خذوا باسم اللّه، فأكل القوم حتى مالهم بشيء حاجة، وايم اللّه إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا جميعاً، وايم اللّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال الغد يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القوم فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم، ففعلت ثم جمعتهم فدعاني بالطعام فقربته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا ثم تكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة. وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على أمري هذا؟ ويكون أخي ووصيتي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم عنها جميعاً، فقلت -وأنا أحدثهم سناً- أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه. قال فأخذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {لما نزلت }وأنذر عشيرتك الأقربين{ ورهطك من المخلصين خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف يا صباحاه، فقالوا من هذا؟ فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من صفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام فنزلت } تبت يدا أبي لهب وتب {} هكذا قرأ الأعمش يومئذ.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثني عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال {لما نزلت }وأنذر عشيرتك الأقربين{، صعد نبي اللّه على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر ،يا بني عدي -لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت } تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب {}.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان،

أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال {قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أنزل اللّه تعالى }وأنذر عشيرتك الأقربين{، فقال يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من اللّه شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من اللّه شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من اللّه شيئاً، يا صفية عمة رسول اللّه لا أغني عنك من اللّه شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من اللّه شيئاً}.

أخبرنا أبو سعيد عبد اللّه بن أحمد الطاهري، أخبرني جدي أبو سهل بن عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز،

أخبرنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري،

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، حدثنا عبد الرزاق،

أخبرنا معمر، عن قتادة، عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير، عن عياض بن حمار المجاشعي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {إن اللّه عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، وإنه قال إن كل مال نحلته عبادي فهو لهم حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً وإن اللّه نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وإن اللّه تعالى أمرني أن أخوف قريشاً، فقلت يا رب إنهم إذا يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزةً، فقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وقد أنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه في المنام واليقظة، فاغزهم نغزك، وأنفق تنفق عليك، وابعث جيشاً نمددك بخمسة أمثالهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، ثم قال أهل الجنة ثلاثة إمام مقسط، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل غني متصدق، وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا دين له، الذين هم فيكم تبع لا يتبعون بذلك أهلاً ولا مالاً، ورجل إن أصبح أصبح يخادعك عن أهلك ومالك، ورجل لا يخفى له طمع -وإن دق- إلا ذهب به، والشنظير الفاحش. قال وذكر البخل والكذب}.

٢١٥

قوله عز وجل {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}.

٢١٦

{فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون}، من الكفر وعبادة غير اللّه.

٢١٧

{وتوكل}، قرأ أهل المدينة، والشام فتوكل بالفاء، وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ الباقون بالواو وتوكل، {على العزيز الرحيم}، ليكفيك كيد الأعداء.

٢١٨

{الذي يراك حين تقوم}، إلى صلاتك، عن أكثر المفسرين. وقال مجاهد الذي يراك أينما كنت.

وقيل حين تقوم لدعائهم.

٢١٩

{وتقلبك في الساجدين}، أي يرى تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك. قال عكرمة وعطية عن ابن عباس في الساجدين أي في المصلين. وقال مقاتل والكلبي أي مع المصلين في الجماعة، يقول يراك حين تقوم وحدك للصلاة ويراك إذا صليت مع المصلين في الجماعة. وقال مجاهد يرى تقلب بصرك في المصلين، فإنه كان يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي،

أخبرنا زاهر بن أحمد،

أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي،

أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {هل ترون قبلتي ها هنا، فواللّه ما يخفي علي خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري}.

وقال الحسن {وتقلبك في الساجدين} أي تصرفك وذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين. وقال سعيد بن جبير يعني وتصرفك في أحوالك، كما كانت الأنبياء من قبلك. والساجدون هم الأنبياء. وقال عطاء عن ابن عباس أراد تقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة.

٢٢٠

{إنه هو السميع العليم}.

٢٢١

{هل أنبئكم}، أخبركم، {على من تنزل الشياطين}، هذا جواب قولهم تنزل عليه شيطان.

٢٢٢

ثم بين فقال {تنزل}، أي تتنزل، {على كل أفاك}، كذاب، {أثيم}، فاجر، قال قتادة هم الكهنة، يسترق الجن السمع ثم يلقون إلى أوليائهم من الإنس.

٢٢٣

وهو قوله عز وجل {يلقون السمع}، أي يستمعون من الملائكة مسترقين، فيلقون إلى الكهنة، {وأكثرهم كاذبون}، لأنهم يخلطون به كذباً كثيراً.

٢٢٤

قوله عز وجل {والشعراء يتبعهم الغاوون}. قال أهل التفسير أراد شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وذكر مقاتل أسماءهم، فقال منهم عبد اللّه بن الزبعري السهمي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومشافع بن عبد مناف. وأبو عزة بن عبد اللّه الجمحي، وأمية بن أبي الصلت الثقفي، تكلموا بالكذب وبالباطل، وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد. وقالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، ويروون عنهم وذلك. قوله {والشعراء يتبعهم الغاوون}، هم الرواة الذين يروون هجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين. وقال قتادة ومجاهد الغاوون هم الشياطين. وقال الضحاك تهاجى رجلان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، ومع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء فنزلت هذه الآية. وهي رواية عطية عن ابن عباس.

٢٢٥

{ألم تر أنهم في كل واد}، من أودية الكلام، {يهيمون}، جائرون وعن طريق الحق حائدون، والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما في هذه الآية في كل لغو يخوضون. وقال مجاهد في كل فن يفتنون. وقال قتادة يمدحون بالباطل ويستمعون ويهجون بالباطل، فالوادي مثل لفنون الكلام، كما يقال أنا في واد وأنت في واد.

وقيل {في كل واد يهيمون} أي على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي.

٢٢٦

{وأنهم يقولون ما لا يفعلون}، أي يكذبون في شعرهم، يقولون فعلنا وفعلنا، وهم كذبة.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح،

أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن المجعد،

أخبرنا شعبة عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً، خير له من أن يمتلئ شعراً}.

٢٢٧

ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية، ويهجون شعراء الكفار، وينافحون عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، منهم حسان بن ثابت، وعبد اللّه بن رواحة، وكعب بن مالك، فقال {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي،

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد اللّه بشران،

أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق،

أخبرنا معمر عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه قد أنزل في الشعر ما أنزل فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم {إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل}.

أخبرنا عبد اللّه بن عبد الصمد الجوزجاني،

أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي،

أخبرنا الهيثم بن كليب،

أخبرنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا إسحاق بن منصور،

أخبرنا عبد الرزاق،

أخبرنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس {أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه ويقول ‌‌خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله ضـرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهـل الخليل عـن خليله فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي حرم اللّه تقول الشعر؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم خل عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل}.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، أخبرني عدي أنه سمع البراء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لحسان {اهجهم أو هاجهم وجبريل معك}.

أخبرنا عبد اللّه بن عبد الصمد الجوزاني،

أخبرنا أبو القاسم الخزاعي،

أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حجر -المعنى واحد- قالا حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت {كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو ينافح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه يؤيد حسان بروح القدس، ما ينافح أو يفاخر عن رسول اللّه}.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر،

أخبرنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي عن جدي، حدثنا خالد بن زيد، حدثني سعيد بن أبي هلال عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {اهجوا قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال اهجهم، فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه، فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسباً حتى يخلص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع، فقال يا رسول اللّه قد خلص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. قالت عائشة فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لحسان إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن اللّه ورسوله، وقالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول هجاهم حسان فشفى واشتفى}، قال حسان هجـوت محمـداً فأجبت عنه وعنــد اللّه في ذاك الجــزاء هجـوت محمــداً بـراً حنيفــاً رسول اللّه شيمتـه الوفــاء فإن أبـي ووالـدتي وعرضـي لعـرض محمـد منكـم وقــاء فمن يهجو رسول اللّه منكم ويمـدحــه وينصــره ســـواء وجبريل رســول اللّه فينـــا وروح القدس ليس له كفاء

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان،

أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {إن من الشعر لحكمة}. قالت عائشة رضي اللّه عنها الشعر كلام، فمنه حسن، ومنه قبيح، فخذ الحسن ودع القبيح. وقال الشعبي كان أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه يقول الشعر، وكان عمر رضي اللّه تعالى عنه يقول الشعر، وكان علي رضي اللّه تعالى عنه أشعر الثلاثة. وروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده، فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي فاستنشده القصيدة التي قالها فقال أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر فأنشده ابن أبي ربيعة القصيدة إلى آخرها، وهي قرية من سبعين بيتاً، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها، وكان حفظها بمرة واحدة. {وذكروا اللّه كثيراً}، أي لم يشغلهم الشعر عن ذكر اللّه، {وانتصروا من بعد ما ظلموا}، قال مقاتل انتصروا من المشركين، لأنهم بدؤوا بالهجاء. ثم أوعد شعراء المشركين فقال {وسيعلم الذين ظلموا}، أشركوا وهجوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {أي منقلب ينقلبون}، أي مرجع يرجعون بعد الموت. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما إلى جهنم والسعير. واللّه أعلم.

﴿ ٠