سورة الروم

١

{الم}.

٢

{غلبت الروم}.

٣

{ الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض }، سبب نزول هذه الآية على -ما ذكره المفسرون - أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم، لأن أهل فارس كانوا مجوساً أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس، لكونهم أهل كتاب، فبعث كسرى جيشاً إلى الروم واستعمل عليها رجلاً يقال له شهريراز، وبعث قيصر جيشاً إلى فارس واستعمل عليهم رجلاً يدعى يحفس، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم، فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة، فشق عليهم، وفرح به كفار مكة، وقالوا للمسلمين إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل الفرس على إخوانكم من أهل الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار، فقال فرحتم بظهور إخوانكم، فلا تفرحوا فواللّه ليظهرن على فارس على ما

أخبرنا بذلك نبينا، فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال كذبت، فقال أنت أكذب يا عدو اللّه، فقال اجعل بيننا أجلاً أناحبك عليه- والمناحبة المراهنة- على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت، ففعلوا، وجعلوا الأجل ثلاث سنين، فجاء أبو بكر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بذلك، وذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر وماده في الأجل، فخرج أبو بكر ولقي أبياً، فقال لعلك ندمت؟ قال لا، فتعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين،

وقيل إلى سبع سنين، قال قد فعلت. فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه، وقال إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلاً، فكفل له ابنه عبد اللّه بن أبي بكر، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد اللّه بن أبي بكر فلزمه، فقال لا واللّه لا أدعك حتى تعطيني كفيلاً، فأعطاه كفيلاً. ثم خرج إلى أحد ثم رجع إلى أبي بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين بارزه، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم.

وقيل كان يوم بدر. قال الشعبي لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة، وفيها صاحب قمارهم أبي بن خلف، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر، وذلك قبل تحريم القمار، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية فقمر أبو بكر أبياً وأخذ مال الخطر من ورثته، وجاء به يحمله إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم تصدق به. وكان سبب غلبة الروم فارساً -على ما قال عكرمة وغيره- أن شهريراز بعدما غلبت الروم لم يزل يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرف فقال لأصحابه لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كلمته كسرى، فكتب إلى شهريراز إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان، فكتب إليه أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان، إن له نكاية وصوتاً في العدو، فلا تفعل، فكتب إليه إن في رجال فارس خلفاً منه، فعجل برأسه، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريداً إلى أهل فارس أني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان الملك، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة أمره فيها بقتل شهريراز، وقال إذا ولى فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه، فلما قرأ شهريراز الكتاب قال سمعاً وطاعة، ونزل عن سريره وجلس فرخان ودفع إليه الصحيفة، فقال ائتوني بشهريراز، فقدمه ليضرب عنقه، فقال لا يعجل علي حتى أكتب وصيتي. قال نعم، فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وقال كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت تريد أن تقتلني بكتاب واحد؟ فرد الملك إلى أخيه، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقني، ولا تلقني إلا في خمسين رومياً، فإني ألقاك في خمسين فارسياً. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلاً، ثم بسط لهما فالتقيا في قبة ديباج ضربت لهما، ومع كل واحد منهما سكين، فدعوا بترجمان بينهما، فقال شهريراز إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعاً فنحن نقاتله معك. قال قد أصبتما، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان معاً بسكينهما، فأديلت الروم على فارس عند ذلك، فاتبعوهم يقتلونهم، ومات كسرى وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية ففرح ومن معه، فذلك قوله عز وجل { الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض }، أي أقرب أرض الشام إلى أرض الفرس، قال عكرمة هي أذرعات وكسكر، وقال مجاهد أرض الجزيرة. وقال مقاتل الأردن وفلسطين. {وهم من بعد غلبهم}، أي الروم من عبد غلبة الفرس إياهم، والغلب والغلبة لغتان، {سيغلبون}، فارساً.

٤

{في بضع سنين}، والبضع ما بين الثلاث إلى السبع،

وقيل ما بين الثلاثة إلى التسع،

وقيل ما دون العشرة. وقرأ عبد اللّه بن عمر، وأبو سعيد الخدري، والحسن، وعيسى بن عمر غلبت بفتح الغين واللام، سيغلبون بضم الياء وبفتح اللام. وقالوا نزلت حين أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم عن غلبة الروم فارساً. ومعنى الآية الم غلبت الروم فارساً في أدنى الأرض إليكم، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، يغلبهم المسلمون في بضع سنين. وعند انقضاء هذه المدة أخذ المسلمون في جهاد الروم. والأول أصح. وهو قول أكثر المفسرين. {للّه الأمر من قبل ومن بعد}، أي من قبل دولة الروم على فارس ومن بعدها، فأي الفريقين كان لهم الغلبة فهو بأمر اللّه وقضائه وقدره. {ويومئذ يفرح المؤمنون}.

٥

{بنصر اللّه}، الروم على فارس. قال السدي فرح النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر، وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك، {ينصر من يشاء وهو العزيز} الغالب، {الرحيم}، بالمؤمنين.

٦

{وعد اللّه}، نصب على المصدر، أي وعد اللّه وعداً بظهور الروم على فارس، {لا يخلف اللّه وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

٧

{يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا}، يعني أمر معاشهم، كيف يكتسبون ويتجرون، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون، وكيف يبنون ويعيشون، قال الحسن إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن يصلي {وهم عن الآخرة هم غافلون}، ساهون عنها جاهلون بها، لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها.

٨

{أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق اللّه السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق}، أي للحق،

وقيل لإقامة الحق، {وأجل مسمى}، أي لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت، وهو القيامة، {وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون}.

٩

{ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم }، أو لم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبروا، {كانوا أشد منهم قوةً وأثاروا الأرض}، حرثوها وقلبوها للزراعة، {وعمروها أكثر مما عمروها}، أي أكثر مما عمرها أهل مكة، قيل قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث، {وجاءتهم رسلهم بالبينات}، فلم يؤمنوا فأهلكهم اللّه، {فما كان اللّه ليظلمهم}، بنقص حقوقهم، {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، ببخس حقوقهم.

١٠

{ ثم كان عاقبة الذين أساؤوا }، أي أساؤوا العمل، {السوأى}، يعني الخلة التي تسوؤهم وهي النار،

وقيل السوأى اسم لجهنم، كما أن الحسنى اسم للجنة، {أن كذبوا}، أي لأن كذبوا.

وقيل تفسير السوأى ما بعده، وهو قوله أن كذبوا يعني ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أن كذبوا، { بآيات اللّه وكانوا بها يستهزئون }. قرأ أهل الحجاز والبصرة عاقبة بالرفع، أي ثم كان آخر أمرهم السوء، وقرأ الآخرون بالنصب على خبر كان، تقديره ثم كان السوأى عاقبة الذين أساؤوا.

١١

{اللّه يبدأ الخلق ثم يعيده}، أي يخلقهم ابتداءً ثم يعيدهم بعد الموت أحياءً، ولم يقل يعيدهم، رده إلى الخلق، {ثم إليه ترجعون}، فيجزيهم بأعمالهم. قرأ أبو عمرو، وأبو بكر يرجعون بالياء، والآخرون بالتاء.

١٢

{ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون}، قال قتادة، والكلبي ييأس المشركون من كل خير. وقال الفراء ينقطع كلامهم وحجتهم. وقال مجاهد يفتضحون.

١٣

{ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين}، جاحدين متبرئين يتبرؤون منها وتتبرأ منهم.

١٤

{ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون}، أي يتميز أهل الجنة من أهل النار. وقال مقاتل يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبداً.

١٥

{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة}، وهي البستان الذي في غاية النضارة، {يحبرون}، قال ابن عباس يكرمون. وقال مجاهد وقتادة ينعمون. وقال أبو عبيدة يسرون. والحبرة السرور.

وقيل الحبرة في اللغة كل نعمة حسنة، والتحبير التحسين. وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير تحبرون هو السماع في الجنة. وقال الأوزاعي إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت، وقال ليس أحد من خلق اللّه أحسن صوتاً من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم.

١٦

{وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة}، أي البعث يوم القيامة، {فأولئك في العذاب محضرون}.

١٧

قوله تعالى {فسبحان اللّه}، أي سبحوا اللّه، ومعناه صلوا للّه، {حين تمسون}، أي تدخلون في المساء، وهو صلاة المغرب والعشاء، {وحين تصبحون}، أي تدخلون في الصباح، وهو صلاة الصبح.

١٨

{وله الحمد في السموات والأرض}، قال ابن عباس يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له، {وعشياً}، أي صلوا للّه عشياً، يعني صلاة العصر، {وحين تظهرون}، تدخلون في الظهيرة، وهو صلاة الظهر. قال نافع بن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال نعم، وقرأ هاتين الآيتين، وقال جمعت الآية الصلوات الخمس ومواقيتها.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي،

أخبرنا زاهر بن أحمد،

أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي،

أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {من قال سبحان اللّه وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر}.

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي،

أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي،

أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر، حدثنا السري بن خزيمة الأبيوردي، حدثنا المعلى بن سعد،

أخبرنا عبد العزيز بن المختار، عن سهيل، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان اللّه وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد}.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف،

أخبرنا محمد بن إسماعيل،

أخبرنا قتيبة بن سعيد،

أخبرنا محمد بن فضيل،

أخبرنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان اللّه وبحمده، سبحان اللّه العظيم}.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان،

أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني،

أخبرنا حميد بن زنجويه،

أخبرنا علي بن المديني،

أخبرنا ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال سمعت كريباً أبا رشدين يحدث عن ابن عباس، عن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، {أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها، وكان اسمها برة فحوله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسماها جويرية، وكره أن يقال خرج من عند برة، فخرج وهي في المسجد، ورجع بعدما تعالى النهار، فقال ما زلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد؟ قالت نعم، فقال لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بكلماتك لوزنتهن سبحان اللّه وبحمده عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته}.

١٩

قوله تعالى {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون} قرأ حمزة، والكسائي تخرجون بفتح التاء وضم الراء، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء.

٢٠

{ومن آياته أن خلقكم من تراب}، أي خلق أصلكم يعني آدم من تراب، {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}، تنبسطون في الأرض.

٢١

{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً}، قيل من جنسكم من بني آدم.

وقيل خلق حواء من ضلع آدم، {لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما، {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}، في عظمة اللّه وقدرته.

٢٢

{ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم}، يعني اختلاف اللغات من العربية والعجمية وغيرهما، {وألوانكم}، أبيض وأسود وأحمر، وأنتم ولد رجل واحد وامرأة واحدة، {إن في ذلك لآيات للعالمين}، قرأ حفص {للعالمين} بكسر اللام.

٢٣

{ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله}، أي منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار، أي تصرفكم في طلب المعيشة، {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون}، سماع تدبر واعتبار.

٢٤

{ومن آياته يريكم البرق خوفاً}، للمسافر من الصواعق، {وطمعاً}، للمقيم في المطر. {وينزل من السماء ماءً فيحيي به}، يعني بالمطر، {الأرض بعد موتها}، أي بعد يبسها وجدوبتها، {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.

٢٥

{ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره}، قال ابن مسعود قامتا على غير عمد بأمره.

وقيل يدوم قيامهما بأمره، {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض}، قال ابن عباس من القبور، {إذا أنتم تخرجون}، منها، وأكثر العلماء على أن معنى الآية ثم إذا دعاكم دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض.

٢٦

{وله من في السموات والأرض كل له قانتون}، مطيعون، قال الكلبي هذا خاص لمن كان منهم مطيعاً. وعن ابن عباس كل له مطيعون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة.

٢٧

{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده }، يخلقهم أولاً ثم يعيدهم بعد الموت للبعث، {وهو أهون عليه}، قال الربيع بن خثيم، والحسن، وقتادة، والكلبي أي هو هين عليه وما شيء عليه بعزيز، وهو رواية العوفي عن ابن عباس. وقد يجيء أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق. إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول أي عزيزة طويلة. وقال مجاهد وعكرمة وهو أهون عليه أي أيسر، ووجهه أنه على طريق ضرب المثل، أي هو أهون عليه على ما يقع في عقولكم، فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء، أي الابتداء.

وقيل هو أهون عليه عندكم.

وقيل هو أهون عليه، أي على الخلق، يقومون بصيحة واحدة، فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفاً، ثم علقاً ثم مضغاً إلى أن يصيروا رجالاً ونساءً، وهذا معنى رواية ابن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. {وله المثل الأعلى}، أي الصفة العليا {في السموات والأرض}، قال ابن عباس هي أنه ليس كمثله شيء. وقال قتادة هي أنه لا إله إلا هو، {وهو العزيز}، في ملكه، {الحكيم}، في خلقه.

٢٨

{ضرب لكم مثلاً من أنفسكم}، أي بين لكم شبهاً بحالكم، وذلك المثل من أنفسكم، ثم بين المثل فقال {هل لكم من ما ملكت أيمانكم}، أي عبيدكم وإمائكم، { من شركاء في ما رزقناكم }، من المال، {فأنتم}، وهم، {فيه سواء}، أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم، {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}، أي تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمر دونه، وكما يخاف الرجل شريكه في الميراث، وهو يحب أن ينفرد به. قال ابن عباس تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً فإذا لم تخافوا هذا من مماليككم ولم ترضوا ذلك لأنفسكم، فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها شركائي وهم عبيدي؟. ومعنى قوله أنفسكم، أي أمثالكم من الأحرار كقوله {ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} (النور-١٢)، أي بأمثالهم. {كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون}، ينظرون إلى هذه الدلائل بعقولهم.

٢٩

{بل اتبع الذين ظلموا}، أشركوا باللّه، {أهواءهم}، في الشرك، {بغير علم}، جهلاً بما يجب عليهم، {فمن يهدي من أضل اللّه}، أي أضله اللّه، {وما لهم من ناصرين}، مانعين يمنعونهم من عذاب اللّه عز وجل.

٣٠

قوله تعالى {فأقم وجهك للدين}، أي أخلص دينك للّه، قاله سعيد بن جبير، وإقامة الوجه إقامة الدين، وقال غيره سدد عملك. والوجه ما يتوجه إليه الإنسان، ودينه وعمله مما يتوجه إليه لتسديده، {حنيفاً}، مائلاً مستقيماً عليه، {فطرة اللّه}، دين اللّه، وهو نصب على الإغراء، أي إلزم فطرة اللّه، {التي فطر الناس عليها}، أي خلق الناس عليها، وهذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين أن المراد بالفطرة الدين، وهو الإسلام. وذهب قوم إلى أن الآية خاصة في المؤمنين، وهم الذين فطرهم اللّه على الإسلام

أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي،

أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي،

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان،

أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي،

أخبرنا عبد الرزاق،

أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {من يولد يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ قالوا  يا رسول اللّه أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال اللّه أعلم بما كانوا عاملين}؟ ورواه الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة من غير ذكر من يموت وهو صغير، وزاد ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم {فطرة اللّه التي فطر الناس عليها}. قوله {من يولد يولد على الفطرة} يعني على العهد الذي أخذ اللّه عليهم بقول {ألست بربكم قالوا بلى} (الأعراف-١٧٢)، وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار، وهو الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره، قال تعالى {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه} (الزخرف-٨٧)، وقالوا {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللّه زلفى} (الزمر-٣)، ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل، ألا ترى أنه يقول فأبواه يهودانه؟ فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين، وهذا معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم {يقول اللّه تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم}. ويحكى معنى هذا عن الأوزاعي، وحماد بن سلمة. وحكي عن عبد اللّه بن المبارك أنه قال معنى الحديث إن كل مولود يولد على فطرته، أي على خلقته التي جبل عليها في علم اللّه تعالى من السعادة أو الشقاوة، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها، فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين، فيحملانه -لشقائه- على اعتقاد دينهما.

وقيل معناه أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد، فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره... ثم يتمثل بأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والمحجة المستقيمة. ذكر أبو سليمان الخطابي هذه المعاني في كتابه. قوله {لا تبديل لخلق اللّه} فمن حمل الفطرة على الدين قال معناه لا تبديل لدين اللّه، وهو خبر بمعنى النهي، أي لا تبدلوا دين اللّه. قال مجاهد، وإبراهيم معنى الآية الزموا فطرة اللّه، أي دين اللّه، واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك {ذلك الدين القيم}، المستقيم، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

وقيل لا تبديل لخلق اللّه أي ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة لا يتبدل، فلا يصير السعيد شقياً ولا الشقي سعيداً. وقال عكرمة ومجاهد معناه تحريم إخصاء البهائم.

٣١

{منيبين إليه} أي فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن مخاطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم يدخل معه فيها الأمة، كما قال {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} (الطلاق-١)، {منيبين إليه}، أي راجعين إليه بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة، {واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين}.

٣٢

{من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً}، أي صاروا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى.

وقيل هم أهل البدع من هذه الأمة، {كل حزب بما لديهم فرحون}، أي راضون بما عندهم.

٣٣

قوله تعالى {وإذا مس الناس ضر}، قحط وشدة، {دعوا ربهم منيبين إليه}، مقبلين إليه بالدعاء، {ثم إذا أذاقهم منه رحمةً}، خصباً ونعمة، {إذا فريق منهم بربهم يشركون}.

٣٤

{ليكفروا بما آتيناهم}، ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تهديد فقال {فتمتعوا فسوف تعلمون}، حالكم في الآخرة.

٣٥

{أم أنزلنا عليهم سلطانا}، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما حجة وعذراً. وقال قتادة كتاباً، {فهو يتكلم}، ينطق، {بما كانوا به يشركون}، أي ينطلق بشركهم ويأمرهم به.

٣٦

{وإذا أذقنا الناس رحمة}، أي الخصب وكثرة المطر، {فرحوا بها}، يعني فرح البطر، {وإن تصبهم سيئة}، أي الجدب وقلة المطر،

ويقال الخوف والبلاء {بما قدمت أيديهم}، من السيئات، {إذا هم يقنطون}، ييأسون من رحمة اللّه، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر اللّه عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة.

٣٧

{ أولم يروا أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون }.

٣٨

قوله تعالى {فآت ذا القربى حقه}، من البر والصلة، {والمسكين}، وحقه أن يتصدق عليه، {وابن السبيل}، يعني المسافر،

وقيل هو الضعيف، {ذلك خير للذين يريدون وجه اللّه}، يطلبون ثواب اللّه بما يعملون، {وأولئك هم المفلحون}.

٣٩

قوله عز وجل {وما آتيتم من ربا}، قرأ ابن كثير أتيتم مقصوراً، وقرأ الآخرون بالمد، أي أعطيتم، ومن قصر فمعناه ما جئتم من ربا، ومجيؤهم ذلك على وجه الإعطاء كما تقول أتيت خطئاً، وأتيت صواباً، فهو يؤول في المعنى إلى قول من مد. { ليربو في أموال الناس }، قرأ أهل المدينة، ويعقوب لتربوا بالتاء وضمها وسكون الواو على الخطاب، أي لتربوا أنتم وتصبروا ذوي زيادة من أموال الناس، وقرأ الآخرون بالياء وفتحها، ونصب الواو وجعلوا الفعل للربا لقوله { فلا يربو عند اللّه }، في أموال الناس، أي في اختطاف أموال الناس واجتذابها.

واختلفوا في معنى الآية، فقال سعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس، وقتادة، والضحاك، وأكثر المفسرين هو الرجل يعطي غيره العطية ليثيب أكثر منها فهذا جائز حلال، ولكن لا يثاب عليه في القيامة، وهو معنى قوله عز وجل { فلا يربو عند اللّه }، وكان هذا حراماً على النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة ل

قوله تعالى {ولا تمنن تستكثر} (المدثر-٦)، أي لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت. وقال النخعي هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله ولا يريد به وجه اللّه. وقال الشعبي هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله التماس عونه، لا لوجه اللّه، فلا يربوا عند اللّه لأنه لم يرد به وجه اللّه تعالى. {وما آتيتم من زكاة}، أعطيتم من صدقة {تريدون وجه اللّه فأولئك هم المضعفون}، يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشر أمثالها فالمضعف ذو الأضعاف من الحسنات، تقول العرب القوم مهزولون ومسمونون إذا هزلت أو سمنت إبلهم.

٤٠

{اللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون}.

٤١

قوله عز وجل {ظهر الفساد في البر والبحر}، يعني قحط المطر وقلة النبات، وأراد بالبر البوادي والمفاوز، وبالبحر المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية. قال عكرمة العرب تسمي المصر بحراً، تقول أجدب البر وانقطعت مادة البحر، {بما كسبت أيدي الناس}، أي بشؤم ذنوبهم، وقال عطية وغيره البر ظهر الأرض من الأمصار وغيرها، والبحر هو البحر المعروف، وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع في فيه من المطر صار لؤلؤاً. وقال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد الفساد في البر قتل أحد بني آدم أخاه، وفي البحر غصب الملك الجائر السفينة. قال الضحاك كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة، وكان ماء البحر عذباً وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم، فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحاً زعافاً وقصد الحيوان بعضها بعضاً. قال قتادة هذا قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم، امتلأت الأرض ظلماً وضلالة، فلما بعث اللّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم رجع راجعون من الناس بما كسبت أيدي الناس من المعاصي، يعني كفار مكة. {ليذيقهم بعض الذي عملوا}، أي عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب، {لعلهم يرجعون}، عن الكفر وأعمالهم الخبيثة.

٤٢

{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل}، لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية، {كان أكثرهم مشركين}، أي كانوا مشركين، فأهلكوا بكفرهم.

٤٣

{فأقم وجهك للدين القيم}، المستقيم وهو دين الإسلام {من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من اللّه}، يعني يوم القيامة، لا يقدر أحد على رده من اللّه، {يومئذ يصدعون}، أي يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير.

٤٤

{من كفر فعليه كفره}، أي وبال كفره، {ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون}، يوطئون المضاجع ويسوونها في القبور.

٤٥

{ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله}، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما ليثيبهم اللّه أكثر من ثواب أعمالهم، {إنه لا يحب الكافرين}.

٤٦

قوله عز وجل {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات}، تبشر بالمطر، {وليذيقكم من رحمته}، نعمة، المطر وهي الخصب، { الفلك لتجري في البحر }، بهذه الرياح، {بأمره ولتبتغوا من فضله}، لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر، {ولعلكم تشكرون}، رب هذه النعم.

٤٧

قوله تعالى { ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات }، بالدلالات الواضحات على صدقهم، {فانتقمنا من الذين أجرموا}، عذبنا الذين كذبوهم، {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}، وإنجاؤهم من العذاب، ففي هذا تبشير للنبي صلى اللّه عليه وسلم بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء. قال الحسن أنجاهم مع الرسل من عذاب الأمم.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي،

أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد ابن سمعان،

أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني،

أخبرنا أحمد بن زنجويه،

أخبرنا أبو الشيخ الحراني،

أخبرنا أبو موسى بن أعين، عن ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول {ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على اللّه أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة، ثم تلا هذه الآية }وكان حقاً علينا نصر المؤمنين{}.

٤٨

{اللّه الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً}، أي ينشره، {فيبسطه في السماء كيف يشاء}، مسيرة يوم أو يومين وأكثر على من يشاء، {ويجعله كسفاً}، قطعاً متفرقة، {فترى الودق}، المطر، {يخرج من خلاله}، وسطه، {فإذا أصاب به من يشاء}، أي بالودق، {من عباده إذا هم يستبشرون}، يفرحون بالمطر.

٤٩

{وإن كانوا}، وقد كانوا، {من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين}، أي آيسين،

وقيل وإن كانوا، أي وما كانوا إلا مبلسين، وأعاد قوله من قبله تأكيداً.

وقيل الأولى ترجع إلى إنزال المطر، والثانية إلى إنشاء السحاب. وفي حرف عبد اللّه بن مسعود وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين، غير مكرر.

٥٠

{فانظر إلى آثار رحمة اللّه}، هكذا قرأ أهل الحجاز، والبصرة، وأبو بكر. وقرأ الآخرون {إلى آثار رحمة اللّه}، على الجمع، أراد برحمة اللّه المطر، أي انظر إلى حسن تأثيره في الأرض، وقال مقاتل أثر رحمة اللّه أي نعمته وهو النبت، {كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى}، يعني أن ذلك الذي يحيي الأرض لمحيي الموتى، {وهو على كل شيء قدير}.

٥١

{ولئن أرسلنا ريحاً}، باردة مضرة فأفسدت الزرع، {فرأوه مصفراً}، أي رأوا النبت والزرع مصفراً بعد الخضرة، {لظلوا}، لصاروا، {من بعده}، أي بعد إصفرار الزرع، {يكفرون}، يجحدون ما سلف من النعمة، يعني أنهم يفرحون عند الخصب، ولو أرسلت عذاباً على زرعهم جحدوا سالف نعمتي.

٥٢

{فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين}.

٥٣

{وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}.

٥٤

{اللّه الذي خلقكم من ضعف}، قرئ بضم الصاد وفتحها، فالضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، ومعنى من ضعف، أي من نطفة، يريد من ذي ضعف، أي من ماء ذي ضعف كما قال تعالى {ألم نخلقكم من ماء مهين} (المرسلات-٢٠)، {ثم جعل من بعد ضعف قوة}، من بعد ضعف الطفولية شباباً، وهو وقت القوة، {ثم جعل من بعد قوة ضعفاً}، هرماً، {وشيبةً يخلق ما يشاء}، من الضعف والقوة والشباب والشيبة، {وهو العليم}، بتدبير خلقه، {القدير}، على ما يشاء.

٥٥

{ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون}، يحلف المشركون، {ما لبثوا}، في الدنيا، {غير ساعة}، إلا ساعة، استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} (الأحقاف-٣٥). {كذلك كانوا يؤفكون}، يصرفون عن الحق في الدنيا، قال الكلبي ومقاتل كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث. والمعنى أن اللّه أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه، وكان ذلك بقضاء اللّه وبقدره بدليل قوله {يؤفكون}، أي يصرفون عن الحق.

٥٦

ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم فقال {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب اللّه}، أي فيما كتب اللّه لكم في سابق علمه من اللبث في القبور.

وقيل في كتاب اللّه أي في حكم اللّه، وقال قتادة ومقاتل فيه تقديم وتأخير معناه وقال الذين أوتوا العلم في كتاب اللّه والإيمان لقد لبثتم إلى يوم البعث، يعني الذين يعلمون كتاب اللّه، وقرأوا

قوله تعالى {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} (المؤمنون-١٠٠)، أي قالوا للمنكرين لقد لبثتم، {إلى يوم البعث فهذا يوم البعث}، الذي كنتم تنكرونه في الدنيا، {ولكنكم كنتم لا تعلمون}، وقوعه في الدنيا.

٥٧

فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل

قوله تعالى {فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم}، يعني عذرهم، {ولا هم يستعتبون}، لا يطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة، قرأ أهل الكوفة {لا ينفع} بالياء ها هنا وفي حم المؤمن ووافق نافع في حم المؤمن، وقرأ الباقون بالتاء فيهما.

٥٨

{ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون }، ما أنتم إلا على باطل.

٥٩

{كذلك يطبع اللّه على قلوب الذين لا يعلمون} توحيد اللّه.

٦٠

{فاصبر إن وعد اللّه حق}، في نصرتك وإظهارك على عدوك {ولا يستخفنك}، لا يستجهلنك معناه لا يحملنك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي.

وقيل لا يستخفن رأيك وحلمك، {الذين لا يوقنون}، بالبعث والحساب.

﴿ ٠