سورة لقمان١{الم}. ٢{تلك آيات الكتاب الحكيم}. ٣{هدىً ورحمةً}، قرأ حمزة رحمة بالرفع على الابتداء، أي هو هدى ورحمة، وقرأ الآخرون بالنصب على الحال {للمحسنين}. ٤{الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون}. ٥{أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}. ٦{ومن الناس من يشتري لهو الحديث}، الآية. قال الكلبي، ومقاتل نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشاً، ويقول إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل اللّه هذه الآية. وقال مجاهد يعني شراء القيان والمغنيين، ووجه الكلام على هذا التأويل من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكي، حدثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا مشعل بن ملحان الطائي، عن مطرح بن يزيد، عن عبد اللّه بن زجر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن عبد العزيز، عن أبي أمامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية }ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل اللّه{، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث اللّه عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب، والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت}. أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القفال، أخبرنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي، أخبرنا ابو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي، أخبرنا محمد بن غالب بن تمام، أخبرنا خالد بن أبي يزيد، عن هشام هو ابن حسان، عن محمد هو ابن سيرين، عن أبي هريرة {أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة}. قال مكحول من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيماً عليه حتى يموت لم أصل عليه، لأن اللّه يقول {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية. وعن عبد اللّه بن مسعود، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث هو الغناء، والآية نزلت فيه. ومعنى قوله {يشتري لهو الحديث}، أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن، قال أبو الصباء البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال هو الغناء، واللّه الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. وقال إبراهيم النخعي الغناء ينبت النفاق في القلب، وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف. وقيل الغناء رقية الزنا. وقال ابن جريج هو الطبل. وعن الضحاك قال هو الشرك. وقال قتادة هو كل لهو ولعب. {ليضل عن سبيل اللّه بغير علم}، أي يفعله عن جهل. قال قتادة بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق. قوله تعالى {ويتخذها هزواً}، أي يتخذ آيات اللّه هزواً. قرأ حمزة، والكسائي، وحفص، ويعقوب {ويتخذها} بنصب الدال عطفاً على قوله ليضل، وقرأ الآخرون بالرفع نسقاً على قوله يشتري. {أولئك لهم عذاب مهين}. ٧{وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرأ فبشره بعذاب أليم}. ٨{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم}. ٩{خالدين فيها وعد اللّه حقاً وهو العزيز الحكيم}. ١٠{خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم}، حسن. ١١{هذا}، يعني الذي ذكرت مما تعاينون، {خلق اللّه فأروني ماذا خلق الذين من دونه}، من آلهتكم التي تعبدونها، {بل الظالمون في ضلال مبين}. ١٢قوله تعالى {ولقد آتينا لقمان الحكمة}، يعني العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور. قال محمد بن إسحاق وهو لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر. وقال وهب كان ابن أخت أيوب، وقال مقاتل ذكر أنه كان ابن خالة أيوب. قال الواقدي كان قاضياً في بني إسرائيل. واتفق العلماء على أنه كان حكيماً، ولم يكن نبياً، إلا عكرمة فإنه قال كان لقمان نبياً. وتفرد بهذا القول. وقال بعضهم خير لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة. وروي أنه كان نائماً نصف النهار فنودي يا لقمان، هل لك أن يجعلك اللّه خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت فقال إن خيرني ربي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعاً وطاعةً، فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لم يا لقمان؟ قال لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاها الظلم من كل مكان أن يعدل فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً، ومن يخير الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فأعطي الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها، ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان، فهوى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو اللّه عنه، وكان لقمان يؤازره بحكمته. وعن خالد الربعي قال كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً. وقال سعيد بن المسيب كان خياطاً. وقيل كان راعي غنم. فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال ألست فلاناً الراعي فبم بلغت ما بلغت؟ قال بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني. وقال مجاهد كان عبداً أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين. قوله عز وجل {أن اشكر للّه ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن اللّه غني حميد}. ١٣{وإذ قال لقمان لابنه}، واسمه أنعم، ويقال مشكم، {وهو يعظه يا بني لا تشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم}، قرأ ابن كثير يا بني لا تشرك باللّه بإسكان الياء، وفتحها حفص، والباقون بالكسر، {يا بني إنها} بفتح الياء حفص، والباقون بالكسر، {يا بني أقم الصلاة}، بفتح الياء البزي عن ابن كثير وحفص، وبإسكانها القواس، والباقون بكسرها. ١٤{ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن}، قال ابن عباس شدة بعد شدة. وقال الضحاك ضعفاً على ضعف. قال مجاهد مشقة على مشقة. وقال الزجاج المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة. ويقال الحمل ضعف، والطلق ضعف، والوضع ضعف. {وفصاله}، أي فطامه، {في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}، المرجع، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر اللّه، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين. ١٥{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} أي بالمعروف، وهو البر والصلة والعشرة الجميلة، {واتبع سبيل من أناب إلي}، أي دين من أقبل إلى طاعتي، وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه. قال عطاء عن ابن عباس يريد أبا بكر، وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فقالوا له قد صدقت هذا الرجل وآمنت به؟ قال نعم، هو صادق، فآمنوا به، ثم حملهم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى أسلموا، فهؤلاء لهم سابقة الإسلام، أسلموا بإرشاد أبي بكر. قال اللّه تعالى {واتبع سبيل من أناب إلي}، يعني أبا بكر، {ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}. وقيل نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه، وقد مضت القصة. وقيل الآية عامة في حق كافة الناس. ١٦{يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل}، الكناية في قوله إنها راجعة إلى الخطيئة، وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها اللّه؟ فقال {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة}، قال قتادة تكن في جبل. وقال ابن عباس في صخرة تحت الأرضين السبع، وهي التي تكتب فيها أعمال الفجار، وخضرة السماء منها. قال السدي خلق اللّه الأرض على حوت -وهو النون الذي ذكر اللّه عز وجل في القرآن {ن والقلم}- والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض، والصخرة على الريح. {أو في السموات أو في الأرض يأت بها اللّه إن اللّه لطيف}، باستخراجها، {خبير}، عالم بمكانها، قال الحسن معنى الآية هي الإحاطة بالأشياء، صغيرها وكبيرها، وفي بعض الكتب إن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات. ١٧{يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك}، يعني من الأذى، {إن ذلك من عزم الأمور}، يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى فيهما، من الأمور الواجبة التي أمر اللّه بها، أو من الأمور التي يعزم عليها لوجوبها. ١٨{ولا تصعر خدك للناس}، قرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب ولا تصعر بتشديد العين من غير ألف، وقرأ الآخرون تصاعر بالألف، يقال صعر وجهه وصاعر إذا مال وأعرض تكبراً، ورجل أصعر أي مائل العنق. قال ابن عباس يقول لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وقال مجاهد هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه. وقال عكرمة هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبراً. وقال الربيع بن أنس وقتادة ولا تحقر الفقراء ليكن الفقير والغني عندك سواء، {ولا تمش في الأرض مرحاً}، خيلاء {إن اللّه لا يحب كل مختال}، في مشيه {فخور}، على الناس. ١٩{واقصد في مشيك}، أي ليكن مشيك قصداً لا تخيلاً ولا إسراعاً. وقال عطاء امش بالوقار والسكينة، كقوله {يمشون على الأرض هوناً} (الفرقان-٦٣)، { واغضض من صوتك } انقص من صوتك، وقال مقاتل اخفض من صوتك، {إن أنكر الأصوات}، أقبح الأصوات، {لصوت الحمير}، أوله زفير وآخره شهيق، وهما صوت أهل النار. وقال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول في قوله {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}، قال صياح كل شيء تسبيح للّه إلا الحمار. وقول جعفر الصادق في قوله {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}، قال هي العطسة القبيحة المنكرة. قال وهب تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة، أدخلها الناس في كلامهم وقضاياهم وحكمه قال خالد الربعي كان لقمان عبداً حبشياً فدفع مولاه إليه شاة وقال اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها، فأتاه باللسان والقلب، ثم دفع إليه شاة أخرى، وقال اذبحها وائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه باللسان والقلب، فسأله مولاه، فقال ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا. ٢٠قوله تعالى {ألم تروا أن اللّه سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم}، أتم وأكمل، {نعمه}، قرأ أهل المدينة، وأبو عمرو، وحفص، نعمه بفتح العين وضم الهاء على الجمع، وقرأ الآخرون منونة على الواحد، ومعناها الجمع أيضاً كقوله {وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها} (إبراهيم-١٤)، {ظاهرة وباطنة}، قال عكرمة عن ابن عباس النعمة الظاهرة الإسلام والقرآن، والباطنة ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة. وقال الضحاك الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء، والباطنة المعرفة. وقال مقاتل الظاهرة تسوية الخلق، والرزق، والإسلام. والباطنة ما ستر من الذنوب. وقال الربيع الظاهرة بالجوارح، والباطنة بالقلب. وقيل الظاهرة الإقرار باللسان، والباطنة الاعتقاد بالقلب. وقيل الظاهرة تمام الرزق والباطنة حسن الخلق. وقال عطاء الظاهرة تخفيف الشرائع، والباطنة الشفاعة. وقال مجاهد الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء، والباطنة الإمداد بالملائكة. وقيل الظاهرة الإمداد بالملائكة، والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار. وقال سهل بن عبد اللّه الظاهرة اتباع الرسول، والباطنة محبته. {ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم}، نزلت في النضر بن الحارث، وأبي بن خلف، وأمية بن خلف، وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلى اللّه عليه وسلم في اللّه وفي صفاته بغير علم، {ولا هدى ولا كتاب منير}. ٢١{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا}، قال اللّه عز وجل { أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير }، وجواب لو محذوف، ومجازه يدعوهم فيتبعونه، يعني يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير. ٢٢{ومن يسلم وجهه إلى اللّه}، يعني للّه، أي يخلص دينه للّه، ويفوض أمره إلى اللّه، {وهو محسن}، في عمله، {فقد استمسك بالعروة الوثقى}، أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه، {وإلى اللّه عاقبة الأمور}. ٢٣{ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن اللّه عليم بذات الصدور}. ٢٤{نمتعهم قليلاً}، أي نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا قليلاً إلى انقضاء آجالهم، { ثم نضطرهم }، ثم نلجئهم ونردهم في الآخرة، {إلى عذاب غليظ}، وهو عذاب النار. ٢٥{ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن اللّه قل الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون}. ٢٦{للّه ما في السموات والأرض إن اللّه هو الغني الحميد}. ٢٧قوله عز وجل { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام }، الآية. قال المفسرون نزلت بمكة، قوله سبحانه وتعالى { ويسألونك عن الروح }، إلى قوله {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} (الإسراء-٨٥)، فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا يا محمد، بلغنا عنك أنك تقول {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} أفعنيتنا أم قومك؟ فقال عليه الصلاة والسلام كلا قد عنيت، قالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هي في علم اللّه قليل وقد آتاكم اللّه ما إن عملتم به انتفعتم، قالوا يا محمد كيف تزعم هذا وأنت تقول {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} (البقرة٢٦٩)، فكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير؟ فأنزل اللّه هذه الآية. قال قتادة إن المشركين قالوا إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع، فنزلت { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام }، أي بريت أقلاماً، {والبحر يمده}، قرأ أبو عمرو ويعقوب والبحر بالنصب عطفاً على ما، والباقون بالرفع على الاستئناف {يمده}، أي يزيده، وينصب فيه {من بعده}، من خلقه، {سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه}، وفي الآية اختصار تقديره ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام اللّه ما نفدت كلمات اللّه. {إن اللّه عزيز حكيم}، وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية، وعلى قول غيره مكية، وقالوا إنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة، واللّه أعلم. ٢٨{ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة}، يعني كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء، {إن اللّه سميع بصير}. ٢٩{ألم تر أن اللّه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن اللّه بما تعملون خبير}. ٣٠{ذلك بأن اللّه هو الحق}، أي ذلك الذي ذكرت لتعلموا أن اللّه هو الحق، {وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن اللّه هو العلي الكبير}. ٣١{ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة اللّه}، يريد أن ذلك من نعمة اللّه عليكم، {ليريكم من آياته}، عجائبه، {إن في ذلك لآيات لكل صبار}، على أمر اللّه {شكور}، لنعمه. ٣٢{وإذا غشيهم موج كالظلل}، قال مقاتل كالجبال. وقال الكلبي كالسحاب. والظل جمع الظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها، وجعل الموج، وهو واحد، كالظل وهي جمع، لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء، {دعوا اللّه مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد}، أي عدل موف في البر بما عاهد اللّه عليه في البحر من التوحيد له، يعني ثبت على إيمانه. نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف، فقال عكرمة لئن أنجاني اللّه من هذا لأرجعن إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم ولأضعن يدي في يده، فسكنت الريح، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه. وقال مجاهد فمنهم مقتصد في القول مضمر للكفر. وقال الكلبي مقتصد في القول، أي من الكفار، لأن بعضهم كان أشد قولاً وأغلى في الافتراء من بعض، {وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور}، والختر أسوأ الغدر. ٣٣{يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي}، لا يقضي ولا يغني، {والد عن ولده ولا مولود هو جاز}، مغن، {عن والده شيئاً}، قال ابن عباس كل امرئ يهمه نفسه، {إن وعد اللّه حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم باللّه الغرور}، يعني الشيطان. قال سعيد بن جبير هو أن يعمل بالمعصية ويتمنى المغفرة. ٣٤{إن اللّه عنده علم الساعة}، الآية نزلت في الوارث بن عمرو، بن حارثة، بن محارب، ابن حفصة، من أهل البادية أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى، فمتى تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل اللّه هذه الآية {إن اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت}. وقرأ أبي بن كعب بآية أرض، والمشهور بأي أرض لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء. وقيل أراد بالأرض المكان أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد العزيز بن عبد اللّه، أخبرنا إبراهيم بن ساعدة عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللّه، عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {مفاتيح الغيب خمس إن اللّه عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت}. {إن اللّه عليم خبير}. |
﴿ ٠ ﴾