سورة الصافات

مكية

١

{ والصافات صفا }، قال ابن عباس، و الحسن، و قتادة هم الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة.

أخبرنا عمر بن عبد العزيز القاشاني ،

أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ،

أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا عبد اللّه بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير قال سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر عن سمرة في الصفوف المقدمة فحدثنا عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة، قال { قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف }.

وقيل هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها اللّه تعالى بما يريد.

وقيل هي الطيور، دليله

قوله تعالى { والطير صافات } (النور-٤١).

٢

قوله تعالى { فالزاجرات زجراً }، يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه، و

قال قتادة  هي زواجر القرآن تنهى وتزجر عن القبائح.

٣

{ فالتاليات ذكراً }، هم الملائكة يتلون ذكر اللّه عز وجل.

وقيل هم جماعة قراء القرآن، وهذا كله قسم أقسم اللّه تعالى به،

٤

وموضع القسم قوله { إن إلهكم لواحد }،

وقيل فيه إضمار، أي ورب الصافات والزاجرات والتاليات، وذلك أن كفار مكة قالوا (( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ))؟ فأقسم اللّه بهؤلاء (( إن إلهكم لواحد )).

٥

{ رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق }، أي مطالع الشمس [قيل أراد به المشارق والمغارب، كما قال في موضع آخر { فلا أقسم برب المشارق والمغارب } (المعارج-٤٠)]. فإن قبل قد قال في موضع { برب المشارق والمغارب }، وقال في موضع { رب المشرقين ورب المغربين } (الرحمن-١٧) وقال في موضع { رب المشرق والمغرب } (المزمل-٩)، فكيف وجه التوفيق بين هذه الآيات؟ قيل أما قوله { رب المشرق والمغرب }، أراد به الجهة، فالمشرق جهة والمغرب جهة.

وقوله { رب المشرقين ورب المغربين } أراد مشرق الشتاء ومشرق الصيف، وأراد بالمغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف.

وقوله (( برب المشارق والمغارب ))، أراد أن اللّه تعالى خلق للشمس ثلاثمائة وستين كوة في المشرق، وثلاثمائة وستين كوة في المغرب، على عدد أيام السنة، تطلع الشمس كل يوم من كوة منها، وتغرب في كوة منها، لا ترجع إلى الكوة التي تطلع منها إلى ذلك اليوم من العام المقبل، فهي المشارق والمغارب،

وقيل كأنه أراد رب جميع ما أشرقت عليه الشمس وغربت.

٦

{ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب }، قرأ عاصم، برواية أبي بكر (( بزينة )) منونة (( الكواكب )) نصب، أي بتزييننا الكواكب، وقرأ حمزة ، وحفص (( بزينة )) منونة، (( الكواكب )) خفضاً على البدل، أي بزينة بالكواكب، أي زيناها بالكواكب. وقرأ الآخرون (( بزينة الكواكب ))، بلا تنوين على الإضافة. قال ابن عباس بضوء الكواكب.

٧

{ وحفظاً }، أي وحفظناهما حفظاً { من كل شيطان مارد }، متمرد يرمون بها.

٨

{ لا يسمعون }، قرأ حمزة ، و الكسائي ، وحفص (( يسمعون )) بتشديد السين والميم، أي لا يتسمعون، فأدغمت التاء في السين، وقرأ الآخرون بسكون السين خفيف الميم، { إلى الملإ الأعلى }، أي إلى الكتبة من الملائكة. و (( الملأ الأعلى )) هم الملائكة لأنهم في السماء، ومعناه أنهم لا يستطيعون الاستماع إلى الملأ الأعلى، { ويقذفون }، يرمون، { من كل جانب }، من آفاق السماء بالشهب.

٩

{ دحورا }، يبعدونهم عن مجالس الملائكة، يقال دحره دحراً ودحوراً، إذا طرده وأبعده، { ولهم عذاب واصب }، دائم،

قال مقاتل  دائم إلى النفخة الأولى، لأنهم يحرقون ويتخبلون.

١٠

{ إلا من خطف الخطفة }، اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة، { فأتبعه }، لحقه، { شهاب ثاقب }، كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتله، أو يحرقه أو يخبله، وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه طمعاً في السلامة ونيل المراد، كراكب البحر، قال عطاء  سمي النجم الذي يرمى به الشياطين ثاقباً لأنه يثقبهم.

١١

{ فاستفتهم }، أي سلهم، يعني أهل مكة، { أهم أشد خلقاً أم من خلقنا }، يعني من السموات والأرض والجبال، وهذا استفهام بمعنى التقرير، أي هذه الأشياء أشد خلقاً كما قال { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس } (غافر-٥٧)، وقال { أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها } (النازعات-٢٧).

وقيل {أم من خلقنا } يعني من الأمم الخالية، لأن (( من )) يذكر فيمن يعقل، يقول إن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم، وقد أهلكناهم بذنوبهم، فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب؟ ثم ذكر خلق الإنسان، فقال { إنا خلقناهم من طين لازب }، يعني جيد حر لاصق يعلق باليد، ومعناه اللازم، أبدل الميم باءً كأنه يلزم اليد.

وقال مجاهد و الضحاك  منتن.

١٢

{ بل عجبت }، قرأ حمزة ، و الكسائي  بضم التاء، وهي قراءة ابن مسعود، وابن عباس والعجب من اللّه عز وجل ليس كالتعجب من الآدميين، كما قال { فيسخرون منهم سخر اللّه منهم } (التوبة-٧٩)، وقال عز وجل { نسوا اللّه فنسيهم } (التوبة-٦٧)، فالعجب من الآدميين إنكاره وتعظيمه، والعجب من اللّه تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذم، وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا، كما جاء في الحديث { عجب ربكم من شاب ليست له صبوة }. وجاء في الحديث { عجب ربكم من سؤالكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم }. وسئل الجنيد عن هذه الآية، فقال إن اللّه لا يعجب من شيء، ولكن اللّه وافق رسوله لما عجب رسوله فقال { وإن تعجب فعجب قولهم } (الرعد-٥)، أي هو كما تقوله. وقرأ الآخرون بفتح التاء على خطاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أي عجبت من تكذيبهم إياك، { ويسخرون } من تعجبك.

قال قتادة  عجب النبي صلى اللّه عليه وسلم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان ظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به، فلما سمع المشركون القرآن سخروا منه ولم يؤمنوا به، فعجب من ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال اللّه تعالى { بل عجبت ويسخرون }.

١٣

{ وإذا ذكروا لا يذكرون }، أي إذا وعظوا بالقآن لا يتعظون.

١٤

{ وإذا رأوا آيةً }، قال ابن عباس و مقاتل  يعني انشقاق القمر، { يستسخرون }، يسخرون ويستهزؤون،

وقيل يستدعي بعضهم عن بعض السخرية.

١٥

{ وقالوا إن هذا إلا سحر مبين }، [يعني سحر بين].

١٦

{ أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون }.

١٧

{ أو آباؤنا الأولون }، أي وآباؤنا الأولون.

١٨

{ قل نعم }، تبعثون، { وأنتم داخرون }، صاغرون، والدخور أشد الصغار.

١٩

{ فإنما هي }، أي قصة البعث أو القيامة، { زجرة }، أي صيحة، { واحدة }، يعني نفخة البعث، { فإذا هم ينظرون }، أحياءً.

٢٠

{ وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين }، أي يوم الحساب ويوم الجزاء.

٢١

{ هذا يوم الفصل }، يوم القضاء،

وقيل يوم الفصل بين المحسن والمسيء، { الذي كنتم به تكذبون }.

٢٢

{ احشروا الذين ظلموا }، أي أشركوا، اجمعوهم إلى الموقف للحساب والجزاء، { وأزواجهم }، أشباههم وأتباعهم وأمثالهم. قال قتادة و الكلبي  كل من عمل مثل عملهم، فأهل الخمر مه أهل الخمر، وأهل الزنا مع أهل الزنا. وقال الضحاك و مقاتل  قرناءهم من الشياطين، كل كافر مع شيطانه في سلسلة.

وقال الحسن  وأزواجهم المشركات. { وما كانوا يعبدون }

٢٣

{ من دون اللّه }، في الدنيا، يعني الأوثان والطواغيت. وقال مقاتل  يعني إبليس وجنوده، واحتج بقوله { أن لا تعبدوا الشيطان } (يس-٦٠). { فاهدوهم إلى صراط الجحيم }، قال ابن عباس دلوهم إلى طريق النار. وقال ابن كيسان  قدموهم. والعرب تسمي السابق هادياً.

٢٤

{ وقفوهم }، احبسوهم، يقال وقفته وقفاً فوقف وقوفاً. قال المفسرون لما يقوا إلى النار حبسوا عند الصراط، لأن السؤال عند الصراط، فقيل وقفوهم { إنهم مسؤولون }، قال ابن عباس عن جميع أقوالهم وأفعالهم. وروي عنه عن لا إله إلا اللّه. وفي الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة أشياء عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به }.

٢٥

{ ما لكم لا تناصرون }، أي لا تتناصرون، يقال لهم توبيخاً مالكم لا ينصر بعضكم بعضاً، يقول لهم خزنة النار، هذا جواب لأبي جهل حين قال يوم بدر { نحن جميع منتصر } (القمر-٤٤).

٢٦

فقال اللّه تعالى { بل هم اليوم مستسلمون }، قال ابن عباس خاضعون.

وقال الحسن  منقادون، يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع له، والمعنى هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم.

٢٧

{ وأقبل بعضهم على بعض }، أي الرؤساء والأتباع { يتساءلون }، يتخاصمون.

٢٨

{ قالوا }، أي الأتباع للرؤساء، { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين }، أي من قبل الدين فتضلوننا عنه [وتروننا أن الدين ما تضلوننا به]، قاله الضحاك .

وقال مجاهد  عن الصراط الحق، واليمين عبارة عن الدين والحق، كما أخبر اللّه تعالى عن إبليس { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم } (الأعراف-١٧)، فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق.

وقال بعضهم كان الرؤساء يحلفون لهم أن ما يدعونهم إليه هو الحق، فمعنى قوله {تأتوننا عن اليمين }أي من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها.

وقيل {عن اليمين } أي عن القوة والقدرة، كقوله { لأخذنا منه باليمين } (الحاقة-٤٥)، والمفسرون على القول الأول.

٢٩

{ قالوا }، يعني الرؤساء للأتباع، { بل لم تكونوا مؤمنين }، لم تكونوا على الحق فنضلكم عنه، أي إنما الكفر من قبلكم.

٣٠

{ وما كان لنا عليكم من سلطان }، من قوة وقدرة فتقهركم على متابعتنا، { بل كنتم قوماً طاغين }، ضالين.

٣١

{ فحق }، وجب، { علينا }، جميعاً، { قول ربنا }، يعني كلمة العذاب، وهي قوله { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } (السجدة-١٣). { إنا لذائقون }، العذاب أي أن الضال والمضل جميعاً في النار.

٣٢

{ فأغويناكم }، فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه، { إنا كنا غاوين }، ضالين.

٣٣

قال اللّه عز وجل { فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون }، الرؤساء والأتباع.

٣٤

{ إنا كذلك نفعل بالمجرمين}، قال ابن عباس الذين جعلوا للّه شركاء.

٣٥

{ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا اللّه يستكبرون }، يتكبرون عن كلمة التوحيد، ويمتنعون منها.

٣٦

{ ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون }، يعنون النبي صلى اللّه عليه وسلم.

٣٧

قال اللّه عز وجل رداً عليهم { بل جاء }، محمد، { بالحق وصدق المرسلين }، أي أنه أتى به المرسلون قبله.

٣٨

{ إنكم لذائقوا العذاب الأليم }

٣٩

{ وما تجزون إلا ما كنتم تعملون }، في الدنيا من الشرك.

٤٠

{ إلا عباد اللّه المخلصين }، الموحدين.

٤١

{ أولئك لهم رزق معلوم }، يعني بكرة وعشياً [كما قال { ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً } (مريم-٦٢)].

٤٢

{ فواكه } جمع الفاكهة، وهي الثمار كلها رطبها ويابسها، وهي كل طعام يؤكل للتلذذ لا للقوت، { وهم مكرمون }، بثواب اللّه.

٤٣

{ في جنات النعيم }

٤٤

{ على سرر متقابلين }، لا يرى بعضهم قفا بعض.

٤٥

{ يطاف عليهم بكأس }، إناء فيه شراب ولا يكون كأساً حتى يكون فيه شراب، وإلا فهو إناء، { من معين }، خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون.

٤٦

{ بيضاء }، قال الحسن  خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن، { لذة }، أي لذيذة،{ للشاربين }.

٤٧

{ لا فيها غول }، قال الشعبي  لا تغتال عقولهم فتذهب بها.

قال الكلبي  إثم. و

قال قتادة  وجع البطن.

وقال الحسن  صداع. وقال أهل المعاني (( الغول )) فساد يلحق في خفاء، يقال اغتاله اغتيالاً إذا أفسد عليه أمره في في خفية، وخمرة الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد، منها السكر وذهاب العقل، ووجع البطن، والصداع، والقيء، والبول، ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة. { ولا هم عنها ينزفون }، قرأ حمزة و الكسائي  (( ينزفون )) بكسر الزاي، وافقهما عاصم في الواقعة، وقرأ الآخرون بفتح الزاي فيهما، فمن فتح الزاي فمعناه لا يغلبهم على عقولهم ولا يسكرون، يقال نزف الرجل فهو منزوف ونزيف، إذا سكر، ومن كسر الزاي فمعناه لا ينفد شرابهم، يقال أنزف الرجل فهو منزوف، إذا فنيت خمره.

٤٨

{ وعندهم قاصرات الطرف }، حابسات الأعين غاضات الجفون، قصرن أعينهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم، { عين }، أي حسان الأعين، يقال رجل أعين وامرأة عيناء ونساء عين.

٤٩

{ كأنهن بيض }، [جمع بيضة]، { مكنون }، مصون مستور، وإنما ذكر (( المكنون والبيض )) جمع لأنه رده إلى اللفظ. قال الحسن  شبههن ببيض النعامة تكنها بالريش من الريح والغبار، فلونها أبيض في صفرة.

ويقال هذا أحسن ألوان النساء أن تكون المرأة بيضاء مشربة صفرة، والعرب تشببها ببيضة النعامة.

٥٠

{ فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون }، يعني أهل الجنة في الجنة يسأل بعضهم بعضاً عن حاله في الدنيا.

٥١

{ قال قائل منهم }، يعني من أهل الجنة { إني كان لي قرين }، في الدنيا ينكر البعث.

قال مجاهد  كان شيطاناً. وقال الآخرون كان من الإنس. و

قال مقاتل  كانا أخوين. وقال الباقون كانا شريكين احدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا، وهما اللذان قص اللّه تعالى خبرهما في سورة الكهف في

قوله تعالى { واضرب لهم مثلاً رجلين } (الكهف-٣٢).

٥٢

{ يقول أإنك لمن المصدقين }، بالبعث.

٥٣

{ أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون }، مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكار.

٥٤

{ قال }اللّه تعالى لأهل الجنة { هل أنتم مطلعون }، إلى النار.

وقيل يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف منزلة أخي، فيقول أهل الجنة أنت أعرف به منا.

٥٥

{ فاطلع }، قال ابن عباس إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار، فاطلع هذا المؤمن، { فرآه في سواء الجحيم }، فرأى قرينه في وسط النار، وإنما سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه.

٥٦

{ قال }، له { تاللّه إن كدت لتردين }، واللّه لقد كدت أن تهلكني،

قال مقاتل  واللّه لقد كدت أن تغويني، ومن أغوى إنساناً فقد أهلكه.

٥٧

{ ولولا نعمة ربي }، رحمته وإنعامه علي بالإسلام، { لكنت من المحضرين }، معك في النار.

٥٨

{ أفما نحن بميتين }

٥٩

{ إلا موتتنا الأولى }، في الدنيا، { وما نحن بمعذبين }، قال بعضهم يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت أفما نحن بميتين؟ فتقول لهم الملائكة لا.

٦٠

فيقولون { إن هذا لهو الفوز العظيم }،

وقيل إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة اللّه عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون.

وقيل يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره.

٦١

قال اللّه تعالى { لمثل هذا فليعمل العاملون }، أي لمثل هذا المنزل ولمثل هذا النعيم الذي ذكره من قوله { أولئك لهم رزق معلوم }، إلى { فليعمل العاملون }.

٦٢

{ أذلك }، أي ذلك الذي ذكر لأهل الجنة، { خير نزلاً أم شجرة الزقوم }، التي هي نزل أهل النار، والزقوم ثمرة شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم، يكره أهل النار على تناولها، فهم يتزقمونه على أشد كراهية، ومنه قولهم تزقم الطعام إذا تناوله على كره ومشقة.

٦٣

{ إنا جعلناها فتنة للظالمين }، الكافرين وذلك أنهم قالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعري لصناديد قريش إن محمداً يخوفنا بالزقوم، والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر، فأدخلهم أبو جهل بيته، وقال يا جارية زقمينا، فأتتهم بالزبد والتمر، فقال تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد.

٦٤

فقال اللّه تعالى { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم }، قعر النار، قال الحسن  أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.

٦٥

{ طلعها }، ثمرها سمي طلعاً لطلوعه، { كأنه رؤوس الشياطين }، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها، لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بغاية القبح قالوا كأنه شيطان، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس، وهذا معنى قول ابن عباس و القرظي ،

وقال بعضهم أراد بالشياطين الحيات، والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطاناً.

وقيل هي شجرة قبيحة مرة منتنة تكون في البادية، تسميها العرب رؤوس الشياطين.

٦٦

{ فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون }، والملء حشو الوعاء لا يحتمل الزيادة عليه.

٦٧

{ ثم إن لهم عليها لشوباً } خلطاً ومزاجاً، { من حميم }، من ماء شديد الحرارة، يقال لهم إذا أكلوا الزقوم اشربوا عليه الحميم، فيشوب الحميم في بطونهم الزقوم فيصير شوباً لهم.

٦٨

{ ثم إن مرجعهم }، بعد شرب الحميم، [ { لإلى الجحيم }، وذلك أنهم يوردون الحميم ] لشربه وهو خارج من الحميم كما تورد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم، دل عليه

قوله تعالى { يطوفون بينها وبين حميم آن } (الرحمن-٤٤)، وقرأ ابن مسعود ( ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم ).

٦٩

{ إنهم ألفوا } وجدوا، { آباءهم ضالين }

٧٠

{ فهم على آثارهم يهرعون }ن يسرعون،

قال الكلبي  يعملون مثل أعمالهم.

٧١

{ ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين }، من الأمم الخالية.

٧٢

{ ولقد أرسلنا فيهم منذرين }

٧٣

{ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين }، الكافرين أي كان عاقبتهم العذاب.

٧٤

{ إلا عباد اللّه المخلصين }، الموحدين نجوا من العذاب.

٧٥

قوله عز وجل { ولقد نادانا نوح }، دعا ربه على قومه فقال { أني مغلوب فانتصر } (القمؤ-١٠) { فلنعم المجيبون } نحن، يعني أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه.

٧٦

{ ونجيناه وأهله من الكرب العظيم }، [ الغم العظيم ] الذي لحق قومه وهو الغرق.

٧٧

{ وجعلنا ذريته هم الباقين }، وأراد أن الناس كلهم من نسل نوح. روى الضحاك عن ابن عباس قال لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم. قال سعيد بن المسيب  كان ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث، فام أبو العرب وفارس والروم، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.

٧٨

{ وتركنا عليه في الآخرين }، أي أبقينا له ثناء حسناً وذكراً جميلاً فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.

٧٩

{ سلام على نوح في العالمين }، [أي سلام عليه منا في العالمين].

وقيل أي تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة.

٨٠

{ إنا كذلك نجزي المحسنين }،

قال مقاتل  جزاه اللّه بإحسانه الثناء الحسن في العالمين.

٨١

{ إنه من عبادنا المؤمنين }

٨٢

{ ثم أغرقنا الآخرين }، [ يعني الكفار ].

٨٣

قوله تعالى { وإن من شيعته }، [ أي أهل دينه وسنته ]، { لإبراهيم }

٨٤

{ إذ جاء ربه بقلب سليم }، مخلص من الشرك والشك.

٨٥

{ إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون }، استفهام توبيخ.

٨٦

{ أئفكاً آلهةً دون اللّه تريدون }، يعني أتأفكون إفكاً وهو أسوأ الكذب، وتعبدون آلهة سوى اللّه.

٨٧

{ فما ظنكم برب العالمين } - إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره - أنه يصنع بكم.

٨٨

{ فنظر نظرةً في النجوم }

٨٩

{ فقال إني سقيم }، قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد عيد ومجمع، وكانوا يدخلون على أصنامهم [ ويقربون لهم القرابين ]، ويصنعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم - زعموا - للتبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه، فقالوا لإبراهيم ألا تخرج غداً معنا إلى عيدنا؟ فنظر إلى النجوم فقال إني سقيم، قال ابن عباس مطعون، وكانوا يفرون من الطاعون فراراً عظيماً. قال الحسن  مريض. و

قال مقاتل  وجمع.

وقال الضحاك  سأسقم.

٩٠

{ فتولوا عنه مدبرين }، إلى عيدهم، فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها.

٩١

كما قال اللّه تعالى { فراغ إلى آلهتهم }، مال إليها ميلة في خفية، ولا يقال (( راغ )) حتى يكون صاحبه مخفياً لذهابه ومجيئه، { فقال } استهزاءً بها { ألا تأكلون }، يعني الطعام الذي بين أيديكم.

٩٢

{ ما لكم لا تنطقون }

٩٣

{ فراغ عليهم }، مال عليهم، { ضرباً باليمين }، أي كان يضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى على العمل من الشمال.

وقيل باليمين أي بالقوة.

وقيل أراد به القسم الذي سبق منه وهو قوله { وتاللّه لأكيدن أصنامكم } (الأنبياء-٥٧).

٩٤

{ فأقبلوا إليه }، يعني إلى إبراهيم، { يزفون }، يسرعون، وذلك أنهم أخبروا بصنيع إبراهيم بآلهتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه. قرأ الأعمش و حمزة  (( يزفزن )) بضم الياء وقرأ الآخرون بفتحها، وهما لغتان.

وقيل بضم الياء، أي يحملون دوابهم على الجد والإسراع.

٩٥

{ قال }، لهم إبراهيم على وجه الحجاج { أتعبدون ما تنحتون }، يعني ما تنحتون بأيديكم.

٩٦

{ واللّه خلقكم وما تعملون }، بأيديكم من الأصنام، وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى.

٩٧

{ قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم }، معظم النار،

قال مقاتل  بنوا له حائطاً من الحجر طوله في السماء ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، وملؤوه من الحطب وأوقدوا فيه النار وطرحوه فيها.

٩٨

{ فأرادوا به كيداً }، شراً وهو أن يحرقوه، { فجعلناهم الأسفلين }، أي المقهورين حيث سلم اللّه تعالى إبراهيم ورد كيدهم.

٩٩

{ وقال }، يعني إبراهيم، { إني ذاهب إلى ربي }، أي مهاجر إلى ربي، والمعنى أهجر دار الكفر وأذهب إلى مرضاة ربي، قاله بعد الخروج من النار، كما قال { إني مهاجر إلى ربي } (العنكبوت-٢٦)، { سيهدين }، إلى حيث أمرني بالمصير إليه، وهو الشام.

١٠٠

قال مقاتل  فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال { رب هب لي من الصالحين }، يعني هب لي ولداً صالحاً من الصالحين.

١٠١

{ فبشرناه بغلام حليم }، قيل غلام في صغره، حليم في كبره، ففيه بشارة أنه ابن وأنه يعيش فينتهي في السن حتى يوصف بالحلم.

١٠٢

{ فلما بلغ معه السعي }،قال ابن عباس و قتادة  يعني المشي معه إلى الجبل. وقال مجاهد عن ابن عباس لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم، والمعنى بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله.

قال الكلبي  يعني العمل للّه تعالى، وهو قول الحسن و مقاتل بن حيان و ابن زيد ، قالوا هو العبادة للّه تعالى.

واختلفوا في سنه، قيل كان ابن ثلاث عشرة سنة.

وقيل كان ابن سبع سنين. { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك }،

واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق، فقال قوم هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، ومن التابعين وأتباعهم كعب الأحبار، و سعيد بن جبير ، و قتادة ، و مسروق ، و عكرمة ، و عطاء ، و مقاتل ، و الزهري ، و السدي ، وهي رواية عكرمة و سعيد بن جبير [عن ابن عباس، وقالوا كانت هذه القصة بالشام]. وروي عن سعيد بن جبير قال أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى، فلما أمره اللّه تعالى بذبح الكبش، ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطويت له الأودية والجبال. وقال آخرون هو إسماعيل، وإليه ذهب عبد اللّه بن عمر، وهو قول سعيد بن المسيب ، و الشعبي ،و الحسن البصري ، و مجاهد ، و الربيع بن أنس، و محمد بن كعب القرظي ، و الكلبي ، وهي رواية عطاء بن أبي رباح ، ويوسف بن ماهك عن ابن عباس، قال المفدى إسماعيل. وكلا القولين يروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله { فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي } (الصافات-١٠١) أمره بذبح من بشره به، وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق، كما قال في سورة هود { فبشرناها بإسحاق } (هود-٧١). ومن ذهب إلى أنه إسماعيل احتج بأن اللّه تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال { وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين } (الصافات-١١٢)، دل على أن المذبوح غيره، وأيضاً قال اللّه تعالى في سورة هود { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } (هود-٧١)، فكما بشره بإسحاق بشره بابنه يعقوب، فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة منه. قال القرظي  سأل عمر بن عبد العزيز رجلاً كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال إسماعيل، ثم قال يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر اللّه تعالى بذبحه، ويزعمون أنه إسحاق. ومن الدليل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت واحترق لاقرنان في أيام الزبير والحجاج. قال الشعبي  رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة. وعن ابن عباس قال والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة، قد وحش، يعني يبس. قال الأصمعي  سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل؟ فقال يا صميع أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه. وأما قصة الذبح

قال السدي  لما دعا إبراهيم فقال رب هب لي من الصالحين، وبشر به، قال هو إذاً للّه ذبيح، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له أوف بنذرك، هذا هو السبب في أمر اللّه تعالى إياه بذبح ابنه، فقال عند ذلك، لإسحاق انطلق فقرب قرباناً للّه تعالى فأخذ سكيناً وحبلاً وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال، فقال له الغلام يا ابت أين قربانك؟ فقال (( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر )). وقال محمد بن إسحاق  كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقبل بمكة، ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام، تى إذا بلغ إسماعيل معه السعي، وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته، أمر في المنام أن يذبحه، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له إن اللّه يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح روي في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح، أمن اللّه هذا الحلم أم من الشيطان؟ فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأى في المنام ثانياً، فلما أصبح عرف أن ذلك من اللّه عز وجل، فمن ثم سمي يوم عرفة.

قال مقاتل  رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متواليات، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه، فقال (( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى )). قرأ حمزة و الكسائي  (( تري )) بضم التاء وكسر الراء - ماذا تشير، وإنما أمره ليعلم صبره على أمر اللّه تعالى، وعزيمته على طاعته. وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلا أبا عمرو فإنه يميل الراء. قال له ابنه { يا أبت افعل ما تؤمر }، وقال ابن اسحاق وغيره فلما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه يا بني خذ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما أمر، { قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين }.

١٠٣

{ فلما أسلما }، انقادا وخضعا لأمر اللّه تعالى،

قال قتادة  أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه، { وتله للجبين }، أي صرعه على الأرض. قال ابن عباس أضجعه على جبينه على الأرض والجبهة بين الجبينين، قالوا فقال له ابنه الذي أراد ذبحه يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن، واشحذ شفرتك، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال له إبراهيم عليه السلام نعم العون أنت يابني على أمر اللّه، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي [والابن أيضاً يبكي]، ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم نحك السكين. ويروى أنه كان يجر الشفرة في حلقه فلا تقطع، فشحذها مرتين أو ثلاثاً بالحجر، كل ذلك لا تستطيع.

قال السدي  ضرب اللّه تعالى صفحة من نحاس على حلقه، قالوا فقال الابن عند ذلك يا ابتي كبني لوجهي على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر اللّه تعالى، وإني لا أنظر إلى الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين ونودي أن يا إبراهيم صدقت الرؤيا. وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار و ابن اسحاق عن رجاله قال لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحداً أبداً، فتمثل له الشيطان رجلاً وأتى أم الغلام، تفقال لهما هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت ذهب به يحتطبان من هذا الشعب، قال لا واللّه ما ذهب به إلا ليذبحه، قالت كلا هو ارحم به وأشد حباً له من ذلك، قال إنه يزعم ان اللّه قد أمر بذلك، قالت فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه، فقال له يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال نحتطب لأهلها من هذا الشعب، قال واللّه ما يريد إلا أن يذبحك، قال ولم؟ قال زعم أن ربه أمره بذلك، قال فليفعل ما أمر به ربه فسمعاً وطاعة، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم عليه السلام فقال له أين تريد أيها الشيخ؟ قال أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه، قال واللّه إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا، فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال إليك عني يا عدو اللّه فواللّه لأمضين لأمر ربي، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئاً مما أراد قد امتنعوا منه بعون اللّه تعالى. وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر اللّه عز وجل. قال اللّه عز وجل { فلما أسلما وتله للجبين }.

١٠٤

{ وناديناه }، الواو في (( وناديناه )) مقحمة صلة، مجازه، ناديناه كقوله { وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه } (يوسف-١٥)، أي أوحينا إليه، فنودي من الجبل { أن يا إبراهيم }

١٠٥

{ قد صدقت الرؤيا }، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال { إنا كذلك نجزي المحسنين }، والمعنى إنا كما عفونا إبراهيم عن ذبح ولده نجزي من أحسن في طاعتنا،

قال مقاتل  جزاه اللّه بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح أبيه.

١٠٦

{ إن هذا لهو البلاء المبين }، الاختبار الظاهر حيث اختبره بذبح ابنه. و

قال مقاتل  البلاء هاهنا النعمة، وهي أن فدي ابنه بالكبش. فإن قيل كيف قال قد صدقت الرؤيا، وكان قد رأى الذبح ولم يذبح؟. قيل [كان قد] رأى في النوم معالجة الذبح ولم ير إراقة الدم، وقد فعل في اليقظة ما رأى في النوم، فلذلك قال له (( قد صدقت الرؤيا )).

١٠٧

{ وفديناه بذبح عظيم }، فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن، فقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه، فكبر جبريل، وكبر الكبش، وكبر ابنه، فأخذ إبراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه. قال أكثر المفسرين كان ذلك الكبش رعى في الجنة أربعين خريفاً. وروي عن سعيد بن جبير  حق له أن يكون عظيماً.

قال مجاهد  سماه عظيماً لأنه متقبل. وقال الحسين بن الفضل  لأنه كان من عند اللّه.

وقيل عظيم في الشخص.

وقيل في الثواب.

وقال الحسن  ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير.

١٠٨

{ وتركنا عليه في الآخرين }، أي تركنا له في الآخرين ثناء حسناً.

١٠٩

{ سلام على إبراهيم }

١١٠

{ كذلك نجزي المحسنين }

١١١

{ إنه من عبادنا المؤمنين }

١١٢

{ وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين }، فمن جعل الذبيح إسماعيل قال بشره بعد هذه القصة بإسحاق نبياً جزاءً لطاعته، ومن جعل الذبيح إسحاق قال بشر إبراهيم بنبوة إسحاق. رواهعكرمة عن ابن عباس. قال بشر به مرتين حين ولد وحين نبئ.

١١٣

{ وباركنا عليه }، يعني على إبراهيم في أولاده، { وعلى إسحاق }، بكون أكثر الأنبياء من نسله، { ومن ذريتهما محسن }، أي مؤمن، { وظالم لنفسه }، أي كافر، { مبين }، ظاهر.

١١٤

قوله تعالى { ولقد مننا على موسى وهارون }، أنعمنا عليهما بالنبوة.

١١٥

{ ونجيناهما وقومهما }، بني إسرائيل، { من الكرب العظيم }، أي الغم العظيم وهو لاذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم.

وقيل من الغرق.

١١٦

{ ونصرناهم }، يعني موسى وهارون وقومهما، { فكانوا هم الغالبين }، على القبط.

١١٧

{ وآتيناهما الكتاب المستبين }، أي المستنير وهو التوراة.

١١٨

{ وهديناهما الصراط المستقيم}

١١٩

{ وتركنا عليهما في الآخرين }

١٢٠

{ سلام على موسى وهارون }

١٢١

{ إنا كذلك نجزي المحسنين }

١٢٢

{ إنهما من عبادنا المؤمنين }.

١٢٣

قوله تعالى { وإن إلياس لمن المرسلين }، روي عن عبد اللّه بن مسعود قال إلياس هو إدريس. وفي مصحفه وإن إدريس لمن المرسلين. وهذا قول عكرمة . وقال الآخرون هو نبي من أنبياء بني إسرائيل. قال ابن عباس هو ابن عم اليسع. قال محمد بن إسحاق  هو إلياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. وقال أيضاً محمد بن إسحاق ، والعلماء أصحاب الأخبار لما قبض اللّه عز وجل حزقيل النبي صلى اللّه عليه وسلم، عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك، ونصبوا الأوثان وعبدوها من دون اللّه، فبعث اللّه عز وجل إليهم نبياً وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة، وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام، وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم، فأحل سبطاً منهم ببعلبك ونواحيها، وهم السبط الذين كان منهم إلياس فبعثه اللّه تعالى إليهم نبياً، وعليهم يومئذ ملك يقال له آجب قد أضل قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام، وكان يعبد هو وقومه صنماً يقال له بعل، وكان طوله عشرين ذراعاً وكان له أربعة وجوه، فجعل إلياس يدعوهم إلى اللّه عز وجل وهم لا يسمعون منه شيئاً إلا ما كان من أمر الملك، فإنه صدقه وآمن به فكان إلياس يقوم أمره ويسدده ويرشده، وكان لآجب الملك هذا امرأة يقال لها أزبيل وكان يستخلفها على رعيته إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها، وكانت تبرز للناس وتقضي بين الناس، وكانت قتالة للأنبياء، يقال هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام، وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه، وكان قد خلص من يدها ثلثمائة نبي كانت تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذين قتلتهم، وكانت ف سورة يس نفسها غير محصنة، وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بني إسرائيل، وقتلت كلهم بالاغتيال، وكانت معمرة يقال أنها ولدت سبعين ولداً. وكان لآجب هذا جار رجل صالح يقال يقال له مزدكي، وكانت له جنينة يعيش منها، ويقبل على عمارتها ومرمتها، وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته، وكانا يشرفان على تلك الجنينة يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها، وكان آجب الملك يحسن جوار صاحبها مزدكي، ويحسن إليه، وامرأته أزبيل تحسده لأجل تلك الجنينة، وتحتال أن تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها، وتحتال أن تقتله والملك ينهاها عن ذلك ولا تجد عليه سبيلاً، ثم إنه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد وطالت ينهاها عن ذلك ولا تجد عليه سبيلاً، ثم إنه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد وطالت غيبته فاغتنمت امرأته أزبيل ذلك فجمعت جمعاً من الناس وأمرتهم أن يشهدوا على مزدكي أنه سب زوجها آجب فأجابوها إليه، وكان في حكمهم في ذلك الزمان القتل على من سب الملك إذا قامت عليه البينة، فأحضرت مزدكي وقالت له بلغني أنك شتمت الملك فأنكر مزدكي، فأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور، فأمرت بقتله وأخذت جنينته، فغضب اللّه عليهم للعبد الصالح، فلما قدم الملك من سفره أخبرته الخبر، فقال لها ما أصبت ولا أرانا نفلح بعده، فقد جاورنا منذ زمان فأحسنا جواره وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا، فختمت أمره بأسوأ الجوار، فقالت إنما غضبت لك وحكمت بحكمك، فقال لها أو ما كان يسعه حلمك فتحفظين له جواره؟ قالت قد كان ما كان، فبعث اللّه تعالى إلياس إلى آجب الملك وقومه، وأمره أن يخبرهم أن اللّه تعالى قد غضب لوليه حين قتلوه ظلماً، وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردا الجنينة علىورثة مزدكي أن يهلكهما، يعني آجب وامرأته، في جوف الجنينة، ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى تتعرى عظامهما من لحومهما، ولا يتمتعان به إل قليلاً، قال فجاء إلياس وأخبره بما أوحى اللّه تعالى إليه في أمره وأمر امرأته ورد الجنينة، فلما سمع الملك ذلك اشتد غضبه عليه ثم قال له يا إلياس واللّه ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلاً وما أرى فلاناً وفلاناً - سمى ملوكاً منهم قد عبدوا الأوثان - إلا على مثل ما نحن عليه يأكلون ويتمتعون مملكين ما ينقص من دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل، وما نرى لنا عليهم من فضل، قال وهم الملك بتعذيب إلياس وقتله، فلما أحس إلياس بالشر [والمكر به] رفضه وخرج عنه، فلحق بشواهق الجبال، وعاد الملك إلى عبادة بعل، وارتقى إلياس إلى أصعب جبل وأشمخه فدخل مغارة فيه.

ويقال إنه بقي سبع سنين شريداً خائفاً يأوي إلى الشعاب والكهوف يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه قد وضعوا عليه العيون واللّه يستره، فلما مضى سبع سنين أذن اللّه في إظهاره عليهم وشفاء غيظه منهم، فأمرض اللّه عز وجل ابناً لآجب وكان أحب ولده إليه واشبههم به، فأدنف حتى يئس منه، فدعا صنمه بعلاً- وكانوا قد فتنوا ببعل وعظموه حتى جعلوا له أربعمائة سادن- فوكلهم به، وجعلوهم أنبياءه، وكان الشيطان يدخل في جوف الصنم فيتكلم، والأربعمائة يصغون بآذانهم إلى ما يقول الشيطان ويوسوس إليهم الشيطان بشريعة من الضلال فيبثونها للناس، فيعملون بها ويسمونهم أنبياء. لما اشتد مرض ابن الملك طلب إليهم الملم أن يتشفعوا إلى بعل، ويطلبوا لابنه من قبله الشفاء فدعوه فلم يجبهم، ومنع اللّه الشيطان فلم يمكنه لالولوج في جوفه، وهم مجتهدون في التضرع إليه، فلما طال عليهم ذلك قالوا لآجب إن في ناحية الشام آلهة أخرى فابعث إليها أنبياءك فلعلها تشفع لك إلى إلهك بعل، فإنه غضبان عليك، ولولا غضبه عليك لأجابك، قال آجب ومن أجل ماذا غضب علي، وأنا أطيعه؟ قالوا من أجل أنك لم تقتل إلياس وفرطت فيه حتى نجا سليماً وهو كافر بإلهك، قال آجب وكيف لي أن أقتل إلياس وأنا مشغول عن طلبه بوجع ابني، وليس لإلياس مطلب ولا يعرف له موضع فيقصد، فلو عوفي ابني لفرغت لطلبه حتى أجده فاقتله فأرضي إلهي، ثم إنه بعث أنبياءه الأربعمائة إلى الآلهة التي بالشام يسألونها أن تشفع إلى صنم الملك ليشفي ابنه، فانطلقوا حتى إذا كانوا الجبل الذي فيه إلياس أوحى اللّه تعالى إلى إلياس عليه السلام أن يهبط من الجبل ويعارضهم ويكلمهم، وقال له لا تخف فإني سأصرف عنك شرهم وألقي الرعب في قلوبهم، فنزل إلياس من الجبل، فلما لقيهم استوقفهم، قلما وقفوا قال لهم إن اللّه تعالى أرسلني إليكم وإلى من وراءكم فاسمعوا أيها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم فارجعوا إليه، وقولوا له إن اللّه تعالى يقول لك ألست تعلم يا آجب أني أنا اللّه لا إله إلا أنا إله بني إسرائيل الذي خلقهم، ورزقهم وأحياهم وأماتهم، فجهلك وقلة علمك حملك على أن تشرك بي، وتطلب الشفاء لابنك من غيري ممن لا يملكون لأنفسهم شيئاً إلا ما شئت، إني حلفت باسمي لأغيظنك في ابنك ولأميتنه في فوره هذا حتى تعلم أن أحداً لا يملك له شيئاً دوني. فلما قدم لهم هذا رجعوا وقد ملئوا منه رعباً، فلما صاروا إلى الملك أخبروه بأن إلياس قد انحط عليهم، وهو رجل نحيف طوال قد نحل وتمعط شعره وتقشر جلده، عليه جبة من شعر وعباءة قد خللّها على صدر بخلال فاستوقفنا، فلما صار معنا قذف له فغي قلوبنا الهيبة والرعب، فانقطعت ألسنتنا ونحن في هذا العدد الكثير فلم نقدر على أن نكلمه ونراجعه حتى رجعنا إليك، وقصوا عليه كلام إلياس، فقال آجب لا تنتفع بالحياة ما كان إلياس حياً وما يطاق إلا بالمكر والخديعة، فقيض له خمسين رجلاً من قومه ذوي القوة والبأس، وعهد إليهم عهده، وأمرهم بالاحتيال له والاغتيال به وأن يطمعوه في أنهم قد آمنوا به، هم ومن وراءهم [ليستنهم إليهم] ويغتر بهم فيمكنهم من نفسه فيأتون به ملكهم، فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس، ثم تفرقوا فيه ينادونه بأعلى أصواتهم، ويقولون يانبي اللّه ابرز لنا وامنن علينا بنفسك، فإنا قد آمنا بك وصدقناك، وملكنا قد بلغنا رسالتك وعرفنا ما قلت، [فآمنا بك وأجبناك إلة ما دعوتنا فهلم إلينا وأقم ما بين أظهرنا واحكم فينا] فإنا ننقاد لما أمرتنا، ونتهي عما نهيتنا وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا وطاعتنا، فارجع إلينا. وكل هذا منهم مماكرة وخديعة. فلما سمع إلياس مقالتهم وقعت في قلبه وطمع في إيمانهم، وخاف اللّه إن هو لم يظهر لهم، فألهمه اللّه التوقف والدعاء، فقال اللّهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في البروز إليهم، وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم، فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم، فاحترقوا أجمعين، قال وبلغ آجب الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء، واحتال ثانياً في أمر إلياس، وقيض له فئة أخرى مثل عدد أولئك أقوى منهم من الحيلة والرأي، فأقبلوا، أي حتى توقلوا، أي صعدوا قلل تلك الجبال متفرقين، وجعلوا ينادون يا نبي اللّه إنا نعوذ باللّه وبك من غضب اللّه وسطواته، إنا لسنا كالذين أتوك قبلنا وإن أولئك فرقة نافقوا فاروا إليك ليكيدوا بك في غير رأينا، ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤنتهم، فالآن قد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم وانتقم لنا ولك منهم، فلما سمع إلياس مقالتهم دعا اللّه بدعوته الأولى فأمطر عليهم النار، فاحترقوا عن آخرهم، وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه، فلما سمع الملك بهلاك أصحابه ثانياً ازداد غضباً علة غضب، وأراد أن يخرج في طلب إلياس بنفسه، إلا أن شغله عن ذلك مرض ابنه، فلم يمكنه فوجه نحو غلياس المؤمن الذي هو كاتب امراته رجاء أن يأنس به إلياس فينزل معه، وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سوءاً، وإنما أظهر له لما اطلع عليه من إيمانه، وكان الملك مع اطلاعه على إيمانه مغضياًعنه لما هو عليه من الكفاية والأمانة وسداد الرأي، فلما وجهه نحوه أرسل معه فئة من أصحابه، وأوعز إلى الفئة-دون الكاتب- أن يوثقوا إلياس ويأتوا به إن أراد التخلف عنهم، وإن جاء مع الكاتب واثقاً به لم يروعوه، ثم أظهر مع الكاتب الإنابة وقال له قد آن لي أن أتوب وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذي فيه ابني، وقد عرفت أن ذلك بدعوة إلياس، ولست آمن أن يدعو على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته، فانطلق إليه وأخبره أنا قد تبنا وأنبنا، وأنه لا يصلحنا في توبتنا، وما نريد من رضاء ربنا وخلع أصنامنا إلا أن يكون إلياس بين أظهرنا، يأمرنا وينهانا، ويخبرنا بما يرضي ربنا، وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام، وقال له أخبر إلياس أنا قد خلعنا آلهتنا التي كنا نعبد، وأرجينا أمرها حتى ينزل إلياس فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها، وكان ذلك مكراً من الملك. فانطلق الكاتب والفئة حتى علا الجبل الذي فيه إلياس ثم ناداهن فعرف إلياس صوته، فتاقت نفسه إليه وكان مشتاقاً إلى لقائه فأوحى اللّه تعالى إليه أن أبرز إلى أخيك الصالح فالقه، جدد العهد به فبرز إليه وسلم عليه وصافحه، وقال له ما الخبر؟ فقال المؤمن إنه قد بعثني إليك هذا الجبار الطاغية وقومه، ثم فص عليه ما قاغلوا ثم قال له وإني لخائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني فمرني بما شئت أفعله، إن شئت انقطعت إليك وكنت معك وتركته، وإن شئت جاهدته معك وإن شئت ترسلني إليه بما تحب فأبلغه رسالتك، وإن شئت دعوت ربك يجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً، فأوحى اللّه تعالى إلى إلياس أن كل شيء جاءك منهم مكر وكذب ليظفروا بك، وإن آجب إن أخبرته رسله أنك قد لقيت هذا الرجل ولم يأت بك اتهمه وعرف أنه قد داهن في أمرك، فلم يأمن أن يقتله، فانطلق معه فإني سأشغل عنكما آجب فأضاعف على ابنه البلاء، حتى لا يكون له هم غيره، ثم أميته على شر حال، فإذا مات فارجع عنه، قال فانطلق معهم حتى قدموا على آجب وأصحابه عن إلياس، فرجع إلياس سالماً إلى مكانه، فلما مات ابن آجب وفرغوا من أمره وقل جزعه انتبه لإلياس، وسال عنه الكاتب الذي جاء به، فقال ليس لي به علم شغلني عنه موت ابنك والجزع عليه، ولم أكن أحسبك إلا قد استوثقت منه، فانصرف عنه آجب وتركه لما فيه من الحزن على ابنه. فلما طال الأمر على لإلياس مل السكون في الجبال واشتاق إلى الناس نزل من الجبل فانطلق حتى نزل بامرأة من بني إسرائيل، وهي أم يونس بن متى ذي النون استخفى عندها ستة أشهر ويونس بن متى يومئذ مولود يرضع، فكانت أم يونس تخدمه بنفسها وتواسيه بذات يدها، ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت بعد تعوده فسحة الجبال، فأحب اللحوق بالجبال فخرج وعاد إلى مكانه، فجزعت أم يونس لفراقه فأوحشها فقده، ثم لم تلبث إلا يسيراً حتى مات ابنها يونس حين فطمته، فعظمت مصيبتها فخرجت في طلب إلياس، فلم تزل ترقى الجبال وتطوف فيها حتى عثرت عليه، فوجدته وقالت له إني قد فجعت بعدك لموت ابني فعظمت فيه مصيبتي واشتد لفقده بلائي، وليس لي ولد غيره، فارحمني وادع لي ربك جل جلاله ليحيي لي ابني وإني قد تركته مسجى لم أدفنه، وقد أخفيت مكانه، فقال لها إلياس ليس هذا مما أمرت به، وإنما أنا عبد مأمور أعمل بما يأمرني ربي، فجزعت المرأة وتضرعت فأعطف اللّه تعالى قلب إلياس لها، فقال لها متى مات ابنك؟ قالت له أربعة عشر يوماً، فتوضأ وصلى ودعا، فأحيا اللّه تعالى يونس بن متى، فلما عاش وجلس وثب إلياس وتركه وعاد إلى موضعه. فلما طال عصيان قومه ضاق بذلك إلياس ذرعاً فأوحى اللّه تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود يا إلياس ما هذا الحزن والجزع الذي أنت فيه؟ ألست أميني على وحيي وحجتي في أرضي وصفوتي من خلقي؟ فسلني أعطك، فإني ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم، قال تميتني وتلحقني بآبائي فإني مللت بني إسرائيل وملوني، فأوحى اللّه تعالى إليه يا إلياس ما هذا باليوم الذي أعري عنك الأرض وأهلها، وإنما قوامها وصلاحها بك وبأشباهك، وإن كنتم قليلاً ولكن سلني فأعطك، فقال إلياس إن لم تمتني فأعطني ثأري من بني إسرائيل،

قال اللّه تعالى  فأي شيء تريد أن أعطيك؟ قال تمكنني من خزائن السماء سبع سنين فلا تنتشر عليهم سحابة إلا بدعوتي، ولا تمطر عليهم سبع سنين قطرة إلا بشفاعتي، فإنه لا يذلهم إلا ذلك، قال اللّه تعالى يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك، وإن كانوا ظالمين، قال فست سنين، قال أنا أرحك بخلقي من ذلك، قال فخمس سنين، قال أنا أرحم بخلقي من ذلك ولكني أعطيك ثأرك ثلاث سنين، أجعل خزائن المطر بيدك، قال إلياس فبأي شيء أعيش؟ قال أسخر لك جيشاً من الطير ينقل إليك طعامك وشرابك، من الريف والأرض التي لم تقحط، قال إلياس قد رضيت، قال فأمسك اللّه تعالى عنهم المطر حتى هلكت الماشية والدواب والهوام والشجر وجهد الناس جهداً شديداً، وإلياس على حالته مستخف من قومه، يوضع له الرزق حيث ما كان، وقد عرف ذلك قومه وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في بيت قالوا لقد دخل إلياس هذا المكان، وطلبوه ولقي من أهل ذلك المنزل شراً. قال ابن عباس أصاب بني إسرائيل ثلاث سنين القحط، فمر إلياس بعجوز فقال لها هل عندك طعام؟ قالت نعم شيء من دقيق وزيت قليل، قال فدعا بهما بالبركة ومسه حتى ملأ جرابها دقيقاً، وملأ خوابيها زيتاً، فلما رأوا ذلك عندها قالوا من أين لك هذا؟ قالت مر بي رجل حاله كذا وكذا فوصفته بوصفه فعرفوه، فقالوا ذلك إلياس، فطلبوه فوجدوه فهرب منهم، ثم إنه أوى إلى بيت امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له اليسع بن أخطوب، به ضر فآوته وأخفت أمره، فدعا له فعوفي من الضر الذي كان به، اتبع اليسع إلياس فآمن به وصدقه ولزمه، وكان يذهب حيث ما ذهب، وكان إلياس قد أسن فكبر واليسع شاب، ثم إن اللّه أوحى إلى إلياس أنك قد أهلكت كثيراً من الخلق ممن لم يعص من البهائم والدواب والطير والهوام بحبس المطر، فيزعمون -واللّه أعلم- أن إلياس قال يارب دعني أكن أنا الذي أدعو لهم وآتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء، لعلهم أن يرجعوا وينزعوا عما هم عليه من عبادة غيرك، فقيل له نعم، فجاء إلياس إلى بني إسرائيل، فقال إنكم قد هلكتم جوعاً وجهداً، وهلكت البهائم والدواب والطير والهوام والشجر بخطاياكم، وإنكم على باطل فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك فأخرجوا بأصنامكم، فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل، فنزعتم ودعوت اللّه تعالى ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء، قالوا أنصف فخرجوا بأوثانهم فدعوها، فلم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء، ثم قالوا لإلياس إنا قد هلكنا فادع اللّه تعالى لنا، فدعا لهم إلياس ومعه اليسع بالفرج، فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر وهم ينظرون، فأقبلت نحوهم وطبقت الآفاق ثم أرسل اللّه تعالى عليهم المطر فأغاثهم، وأحييت بلادهم، فلما كشف اللّه تعالى عنهم الضر نقضوا العهد، ولم ينزعوا عن كفرهم، وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه، فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه عز وجل أن يريحه منهم، فقيل له فيما يزعمون انظر يوم كذا وكذا فاخرج فيه إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه، فخرج إلياس ومعه اليسع حتى إذا كانا بالموضع الذي أمر أقبل فرس من نار،

وقيل لونه كلون النار، حتى وقف بين يديه، فوثب عليه إلياس، فانطلق به الفرس فناداه اليسع يا إلياس، ما تأمرني؟ فقذف إليه إلياس بكسائه من الجو الأعلى، فكان إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً، وسلط اللّه تعالى على آجب الملك وقومه عدواً لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى رهقهم، فقتل آجب وامرأته أزبيل في بستان مزدكي، فلم تزل جيفتاهما ملقاتين في تلك الجنينة حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما، ونبأ اللّه تعالى اليسع وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل، وأوحى اللّه تعالى إليه وأيده، فآمنت به بنو إسرائيل فكانوا يعظمونه، وحكم اللّه تعالى فيهم قائم إلى أن فارقهم اليسع. وروى السري بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد ، قال الخضر وإلياس يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، ويوافيان الموسم في كل عام.

وقيل إن إلياس موكل بالفيافي، والخضر موكل بالبحار، فذلك

قوله تعالى { وإن إلياس لمن المرسلين }.

١٢٤

{ إذ قال لقومه ألا تتقون }

١٢٥

{ أتدعون }، أتعبدون، { بعلاً }، وهو اسم صنم لهم كانوا يعبدونه، ولذلك سميت مدينتهم بعلبك، قال مجاهد و عكرمة و قتادة  (( البعل )) الرب بلغة أهل اليمن. { وتذرون أحسن الخالقين }، فلا تعبدونه.

١٢٦

{ اللّه ربكم ورب آبائكم الأولين }، قرأ حمزة ، و الكسائي ، وحفص، و يعقوب  (( اللّه ربكم ورب )) بنصب الهاء والباءين على البدل، وقرأ الآخرون برفعهن على الاستئناف.

١٢٧

{ فكذبوه فإنهم لمحضرون }، في النار.

١٢٨

{ إلا عباد اللّه المخلصين }، من قومه فإنهم نجوا من العذاب.

١٢٩

{ وتركنا عليه في الآخرين }

١٣٠

{ سلام على إل ياسين }، قرأ نافع و ابن عامر  (( آل ياسين )) بفتح الهمزة مشبعة، وكسر اللام مقطوعة، لأنها في المصحف مفصولة، [وقرأ الآخرون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة]. فمن قرأ (( آل ياسين )) مقطوعة، قيل أراد آل محمد صلى اللّه عليه وسلم. وهذا القول بعيد لأنه لم يسبق له ذكر.

وقيل أراد آل ياسين. والقراءة المعروفة بالوصل،

واختلفوا فيه، فقد قيل إلياسين لغة في إلياس، مثل إسماعيل وإسماعين، وميكائيل وميكائين. وقال الفراء  هو جمع أراد إلياس وأتباعه من المؤمنيم، فيكون بمنزلة الأشعرين والأعجمين بالتخفيف، وفي حرف عبد اللّه بن مسعود سلام على إدراسين يعني إدريس وأتباعه، لأنه يقرأ وإن إدريس لمن المرسلين.

١٣١

{ إنا كذلك نجزي المحسنين }

١٣٢

{ إنه من عبادنا المؤمنين }

١٣٣

{ وإن لوطاً لمن المرسلين }

١٣٤

{إذ نجيناه وأهله أجمعين }

١٣٥

{ إلا عجوزاً في الغابرين }، أي الباقين في العذاب.

١٣٦

{ ثم دمرنا الآخرين }، والتدمير الإهلاك.

١٣٧

{ وإنكم لتمرون عليهم }، على آثارهم ومنازلهم، { مصبحين }، وقت الصباح.

١٣٨

{ وبالليل }، يريد تمرون بالنهار والليل عليهم إذا ذهبتم إلى أسفاركم ورجعتم، { أفلا تعقلون }، فتعتبرون بهم.

١٣٩

قوله تعالى { وإن يونس لمن المرسلين }، من جملة رسل اللّه.

١٤٠

{ إذ أبق إلى الفلك المشحون }، يعني هرب. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما، ووهب كان يونس وعد قومه بالعذاب، فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمشور منهم، فقصد البحر فركب السفينة، فاحتبست السفينة فقال الملاحون هاهنا عبد آبق من سيده، فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس، فاقترعوا ثلاثاً فوقعت على يونس، فقال يونس أنا الآبق، وزج نفسه في الماء. وروي في القصة أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له، فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها، فحال الموج بينه وبين المركب ومر المركب، ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ البن الأصغر، فبقي فريداً، فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم، فلما مرت السفينة في البحر ركدت، فاقترعوا، وقد ذكرناها القصة في سورة يونس.

١٤١

{ فساهم }، فقارع، والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة، { فكان من المدحضين }، المقروعين.

١٤٢

{ فالتقمه الحوت }، ابتلعه، { وهو مليم }، آت بما يلام عليه.

١٤٣

{ فلولا أنه كان من المسبحين }، من الذاكرين للّه قبل ذلك، وكان كثير الذكر،

وقال ابن عباس من المصلين. وقال وهب  من العابدين.

وقال الحسن  ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملاً صالحاً.

وقال الضحاك  شكر اللّه تعالى له طاعته القديمة.

وقيل (( فلولا أنه كان من المسبحين )) في بطن الحوت. قال سعيد بن جبير  يعني قوله { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } (الأنبياء-٨٧).

١٤٤

{ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون }، لصار بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة.

١٤٥

{ فنبذناه }، طرحناه، { بالعراء }، يعني علىوجه الأرض،

قال السدي  بالساحل، والعراء الأرض الخالية عن الشجر والنبات. { وهو سقيم }، عليل كالفرخ الممعط.

وقيل كان قد بلي لحمه ورق عظمه ولميبق له قوة.

واختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت، فقال مقاتل بن حيان  ثلاثة أيام.

وقال عطاء  سبعة أيام.

وقال الضحاك  عشرين يوماً. وقال السدي و الكلبي و مقاتل بن سليمان  أربعين يوماً. وقال الشعبي  التقمه ضحى ولفظه عشية.

١٤٦

{ وأنبتنا عليه }، أي له،

وقيل عنده، { شجرة من يقطين }، يعني القرع، على قول جميع المفسرين. قال الحسن و مقاتل  كل نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض ليس له ساق ولا يبقى على الشتاء نحو القرع والقثاء والبطيخ فهو يقطين. قال مقاتل بن حيان  فكان يونس يستظل بالشجرة، وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي، فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فحزن حزناً شديداً وأصابه أذى الشمس فجعل يبكي، فبعث اللّه تعالى إليه جبريل وقال أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك وقد أسلموا وتابوا. فإن قيل قال هاهنا (( فنبذناه بالعراء وهو سقيم ))، وقال في موضع آخر { لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء } (القلم-٤٩)، فهذا يدل على أنه لم ينبذ؟ قيل (( لولا )) هناك يرجع إلى الذم، معناه لولا نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم، ولكن تداركه النعمة فنبذ، وهو غير مذموم.

١٤٧

قوله عز وجل { وأرسلناه إلى مائة ألف }،

قال قتادة  أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه،

وقوله (( وأرسلناه )) أي وقد أرسلناه،

وقيل كان إرساله بعد خروجه من بطن الحوت إليهم،

وقيل إلى قوم آخرين. { أو يزيدون }، قال ابن عباس معناه ويزيدون، (( أو )) بمعنى الواو، كقوله { عذراً أو نذراً } (المرسلات-٦)، وقال مقاتل و الكلبي  معناه بل يزيدون. وقال الزجاج  (( أو )) هاهنا على أصله، ومعناه أو يزدون على تقديركم وظنكم، كالرجل يرى قوماً فيقول هؤلاء ألف أو يزدون، فالشك على تقدير المخلوقين، والأكثرةن على أن معناه ويزيدون.

واختلفوا في مبلغ تلك الزيادة فقال ابن عباس، و مقاتل  كانوا عشرين ألفاً، ورواه أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقال الحسن  بضعاً وثلاثين ألفاً. وقال سعيد بن جبير  سبعين ألفاً.

١٤٨

{ فآمنوا }، يعني الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب، { فمتعناهم إلى حين }، إلى انقضاء آجالهم.

١٤٩

قوله تعالى { فاستفتهم }، فسأل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ، { ألربك البنات ولهم البنون }، وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات اللّه، يقول جعلوا للّه البنات ولأنفسهم البنين.

١٥٠

{ أم خلقنا الملائكة إناثاً }، معناه أخلقنا الملائكة إناثاً، { وهم شاهدون }، حاضرون خلقنا إياهم، نظيره قوله { أشهدوا خلقهم } (الزخرف-١٩).

١٥١

{ ألا إنهم من إفكهم }، من كذبهم، { ليقولن}

١٥٢

{ ولد اللّه وإنهم لكاذبون }

١٥٣

{ أصطفى }، قرأ أبو جعفر  (( لكاذبون اصطفى )) موصولاً، على الخبر عن قول المشركين، وعند الوقف يبتدئ (( اصطفى )) بكسر الألف، وقرأءة العامة بقطع الألف، لأنها لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة، مثل استكبر ونحوها، { أصطفى البنات على البنين }.

١٥٤

{ ما لكم كيف تحكمون }، للّه بالبنات ولكم بالبنين.

١٥٥

{ أفلا تذكرون }، أفلا تتعظون.

١٥٦

{ أم لكم سلطان مبين }، برهان بين على أن للّه ولداً.

١٥٧

{ فاتوا بكتابكم }، الذي لكم فيه حجة، { إن كنتم صادقين }، في قولكم.

١٥٨

{ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً }، قال مجاهد و قتادة  أراد بالجنة الملائكة، سموا جنة لاجتنابهم عن الأبصار.

وقال ابن عباس حي من الملائكة يقال لهم الجن، ومنهم إبليس، قالوا هم بنات اللّه.

وقال الكلبي  قالوا -لعنهم اللّه- بل تزوج من الجن فخرج منها الملائكة، تعالى اللّه عن ذلك، وقد كان زعم بعض قريش أن الملائكة بنات اللّه، تعالى اللّه، فقال أبو بكر الصديق فمن أمهاتهم؟ قالوا سروات الجن.

وقال الحسن  معنى النسب أنهم أشركوا الشياطين في عبادة اللّه، { ولقد علمت الجنة إنهم }، يعني قائلي هذا القول، { لمحضرون }، في النار، ثم نزه نفسه عما قالوا

١٥٩

فقال { سبحان اللّه عما يصفون }

١٦٠

{ إلا عباد اللّه المخلصين }، هذا استثناء من المحضرين، أي أنهم لا يحضرون.

١٦١

قوله عز وجل { فإنكم }، يقول لأهل مكة { وما تعبدون }، من الأصنام.

١٦٢

{ ما أنتم عليه }، على ما تعبدون، { بفاتنين }، بمضلين أحداً.

١٦٣

{ إلا من هو صال الجحيم }، إلا من قدر اللّه أنه سيدخل النار، أي سبق له في علم اللّه الشقاوة.

١٦٤

قوله عز وجل { وما منا إلا له مقام معلوم }، يقول جبرائيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم وما منا معشر الملائكة إلا له مقام معلوم، أي ما منا ملك إلا له مقام معلوم في لاسموات يعبد اللّه فيه. قال ابن عباس ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح. وروينا عن أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { أطت السماء، وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة إلا وملك واضع جبهته ساجداً للّه }.

قال السدي  إلا له مقام معلوم في القربة والمشاهدة. وقال أبو بكر الوراق  إلا له مقام معلوم يعبد اللّه عليه، كالخوف والرجاء والمحبة والرضا.

١٦٥

{ وإنا لنحن الصافون }،

قال قتادة  هم الملائكة صفوا أقدامهم.

وقال الكلبي  صفوف الملائكة في السماء للعبادة كصفوف الناس في الأرض.

١٦٦

{ وإنا لنحن المسبحون }، أي المصلون المنزهزن اللّه عن السوء، يخبر جبريل عليه السلام [النبي صلى اللّه عليه وسلم] أنهم يعبدون اللّه بالصلاة والتسبيح، وأنهم ليسوا بمعبودين، كما زعمت الكفار، ثم أعاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين

١٦٧

فقال { وإن كانوا }، وقد كانوا يعني أهل بمكة، { ليقولن }، لام التأكيد.

١٦٨

{ لو أن عندنا ذكراً من الأولين }، أي كتابتً مثل كتاب الأولين.

١٦٩

{ لكنا عباد اللّه المخلصين }

١٧٠

{ فكفروا به }، أي فلما أتاهم ذلك الكتاب كفروا به، { فسوف يعلمون }، هذا تهديد لهم.

١٧١

{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين }، وهي قوله { كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلي } (المجادلة-٢١).

١٧٢

{إنهم لهم المنصورون }

١٧٣

{ وإن جندنا لهم الغالبون }، أي حزب اللّه لهم الغلبة بالحجة والنصرة في العاقبة.س

١٧٤

{ فتول }، أعرض، { عنهم حتى حين }، قال ابن عباس يعني الموت.

وقال مجاهد  يوم بدر. و

قال السدي  حتى نأمرك بالقتال.

وقيل إلى أن يأتيهم عذاب اللّه، قال مقاتل بن حيان  نسختها آية القتال.

١٧٥

{ وأبصرهم }، إذا نزل بهم العذاب، { فسوف يبصرون }، ذلك فقالوا متى هذا العذاب؟

١٧٦

قال اللّه عز وجل { أفبعذابنا يستعجلون }

١٧٧

{ فإذا نزل }، يعني العذاب، { بساحتهم }،

قال مقاتل  بحضرتهم.

وقيل بفنائهم. وقال الفراء  العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم، { فساء صباح المنذرين }، فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا بالعذاب.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي

أخبرنا زاهر بن أحمد ،

أخبرنا أبو اسحاق الهاشمي ،

أخبرنا أبو مصعب ،

أخبرنا مالك ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك {أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خرج إلى خيبر، أتاها ليلاً، وكان إذا جاء قوماً بليل لم يغز حتى يصبح، قال فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيها ومكاتلها، فلما رأوا النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا محمد واللّه، محمد والخميس، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللّه أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين }. ثم كرر ما ذكرنا تأكيداً لوعيد العذاب

١٧٨

فقال { وتول عنهم حتى حين }

١٧٩

{ وأبصر }، العذاب إذا نزل بهم، { فسوف يبصرون }. ثم نزه نفسه

١٨٠

فقال { سبحان ربك رب العزة }، الغلبة والقوة، { عما يصفون }، من اتخاذ الصاحبة والأولاد.

١٨١

{ وسلام على المرسلين }، الذين بلغوا عن اللّه التوحيد والشرائع.

١٨٢

{ والحمد للّه رب العالمين }، على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء عليهم السلام.

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ،

أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ،

أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا إبراهيم بن سهلويه ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا وكيع ، عن ثابت بن أبي صفية، عن أصبغ بن نباتة، عن علي قال (( من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليكن آخر كلامه من مجلسه { سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد للّه رب العالمين }.

﴿ ٠