٢٥قوله عز وجل { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام }، الآية. روى الزهري ، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المدينة عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، يريدون زيارة البيت، لا يريد قتالاً، وساق معه سبعين بدنةً، والناس سبعمائة رجل، وكانت كل بدنة عن عشرة نفر، فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط قريباً من عسفان، أتاه عينه الخزاعي وقال إن قريشاً قد جمعوا لك جموعاً، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس، أترون أن أميل على ذراري هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين، وإن نجوا تكن عنقاً قطعها اللّه؟ أو ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ فقال أبو بكر يارسول اللّه إنما خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حرباً، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه. فقال امضوا على اسم اللّه، فنفروا، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فواللّه ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيراً لقريش، وسار النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس حل حل، فألحت، فقالوا خلأت القصواء، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمات اللّه وفيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياه ، ثم زجرها فوثبت. فقال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبث الناس أن نزحوه، وشكا الناس إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم العطش، فنزع سهماً من كنانته وأعطاه رجلاً من أصحابه يقال له ناجية بن عمير، وهو سائق بدن النبي صلى اللّه عليه وسلم، فنزل في البئر فغرزه في جوفه، فواللّه ما زال بجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه وكانت خزاعة عيبة نصح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أهل تهامة، فقال إني تركت كعب بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن اللّه أمره. فقال بديل سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشاً، قال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، قال فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول. قال سمعته يقول كذا وكذا، بما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا بلى، قال أولست بالولد؟ قالوا بلى، قال فهل تتهموني؟ قالوا لا، قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحواعلي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا ة بلى، قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته، قالوا ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم نحواً من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك يا محمد أرأيت إن استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإني واللّه لأرى وجوهاً وأشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر الصديق امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟. فقال من ذا؟ قالوا أبو بكر، فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال وجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى اللّه عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال أخر يدك عن لحية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فرقع عروة رأسه فقال من هذا؟ قالوا هذا المغيرة بن شعبة، فقال أي غدر ألست أسعى في غدرتك. وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء . ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال فواللّه ما تنخم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، فرجع عروةإلى أصحابه، فقال أي قوم واللّه لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، واللّه إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، واللّه إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظرة تعظيماً له، وإنه عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة دعوني آته، فقالوا ائته، فلما أشرف على النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له ، فبعثت له واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال سبحان اللّه ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت؟ فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش، فلما رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدي في وجهه حتى يراه ، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إعظاماً لما رأى، فقال يا معشر قريش إني قد رأيت ما لا يحل صد الهدي في قلائده، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، فقالوا له اجلس إنما أنت رجل أعرابي لا علم لك، فغضب الحليس عند ذلك، فقال يا معشر قريش واللّه ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أن تصدوا عن بيت اللّه من جاءه معظماً له، والذي نفس حليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد، فقالوا مه، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا بما نرضى به. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال دعوني آته، فقالوا ائته، فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر ، فجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، وقال عكرمة فلما رآه النبي صلى اللّه عليه وسلم قال قد سهل لكم من أمركم . قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو، فقال هات نكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقال له اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم . فقال سهيل أما الرحمن فواللّه ما أدري ماهو، ولكن اكتب باسمك اللّهم، كما كنت تكتب. فقال المسلمون واللّه لا نكتبها إلا بسم اللّه الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعلي اكتب باسمك اللّهم، ثم قال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فقال سهيل واللّه لو كنا نعلم أنك رسول اللّه ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد اللّه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واللّه إني لرسول اللّه وإن كذبتموني، اكتب يا علي محمد بن عبد اللّه قال الزهري وذلك لقوله لا يسألون خطة يعظمون فيها حرمات اللّه إلا أعطيتهم إياها، فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللّه سهيل بن عمرو، واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم وعلى أن تخلوا بيننا وبين البيت، فنطوف به ، فقال سهيل واللّه لا تتحدث العرب إنا أخذناها ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل، وعلى أن لا يأتيك منا رجل -وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا، فقال المسلمون سبحان اللّه كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟. وروى أبو إسحاق عن البراء قصة الصلح وفيه قالوا لو نعلم أنك رسول اللّه ما منعناك شيئاً ولكن أنت محمد بن عبد اللّه، قال أنا رسول اللّه وأنا محمد بن عبد اللّه، ثم قال لعلي رضي اللّه عنه امح رسول اللّه، قال لا واللّه لا أمحوك أبداً، قال فأرنيه، فأراه إياه، فمحاه النبي صلى اللّه عليه وسلم بيده، وفي روايته أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الكتاب وليس يحسن أن يكتب، فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد اللّه. قال البراء صالح على ثلاثة أشياء على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخلها من قابل، ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح السيف والقوس ونحوه. وروى ثابت عن أنس أن قريشاً صالحوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فاشترطوا أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا يارسول اللّه أنكتي هذا؟ قال نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده اللّه، ومن جاءنا منهم سيجعل اللّه فرجاً ومخرجاً . رجعنا إلى حديث الزهري قال فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جبدل بن سهيل بن عمرو، يرسف في قيوده قد انفلت وخرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي إنا لم نقض الكتاب بعد ، قال فواللّه إذاً لا أصالحك علي شيء أبداً، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم فأجره لي ، فقال فما أنا بمجيره لك، قال بلى فافعل، قال ما أنا بفاعل، ثم جعل سهيل يجره ليرده إلى قريش، قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في اللّه. وفي الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يا أبا جندل احتسب فإن اللّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقداً وصلحاً، وإنا لا نغدر ، فوثب عمر يمشي إلى جنب أبي جندل، ويقول اصبر فإنما هم المشركون ودم أحدهم كدم كلب، ويدني قائم السيف منه، قال عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه فضن الرجل بأبيه. وقد كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح، لرؤيا رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما رأوا ذلك دخل الناس أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، وزادهم أمر أبي جندل شراً إلى ما بهم. قال عمر [واللّه] ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ. قال الزهري في حديثه عن عروة عن [مروان] والمسور، ورواه أبو وائل عن سهل بن حنيف قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقلت ألست نبي اللّه حقاً؟ قال بلى، قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى، قلت أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال بلى، قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال إني رسول اللّه ولست أعصيه وهو ناصري، قلت أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قلت لا، قال فإنك آتيه ومطوف به، قال فأتيت أبا بكر، فقلت ياأبا بكر أليس هذا نبي اللّه حقاً؟ قال بلى. قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى. قلت أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال بلى، قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال أيها الرجل إنه رسول اللّه ليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فواللّه إنه على الحق، قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال بلى، افأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت لا، قال فإني آتيه ومطوف به. قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالاً. قال فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال فواللّه ما قام رجل منهم، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة يا نبي اللّه أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم أن يقتل بعضاً غما. قال ابن عمر وابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرحم اللّه المحلقين، قالوا والمقصرين؟ قال يرحم اللّه المحلقين ، قالوا والمقصرين؟ قال والمقصرين، قالوا يا رسول اللّه فلم ظاهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين؟ قال لأنهم لم يشكوا ، قال ابن عمر وذلك لأنه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت. قال ابن عباس وأهدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية في هداياه جملاً لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ المشركين بذلك. وقال الزهري في حديثه ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل اللّه تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات }، حتى بلغ { بعصم الكوافر } (الممتحنة-١٠)، فطلق عمر رضي اللّه عنه يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، قال فنهاهم أن يردوا النساء وأمر برد الصداق. قال ثم رجع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير عتبة بن أسيد، رجل من قريش وهو مسلم، وكان ممن حبس بمكة فكتب فيه أزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق الثقفي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبعثا في طلبه رجلاً من بني عامر بن لؤي، ومعه مولى لهم، فقدما على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقالا العهد الذي جعلت لنا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح في ديننا الغدر، وإن اللّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، ثم دفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين واللّه إني لأرى سيفك هذا جيداً، فاستله الآخر، فقال أجل واللّه إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت به، فقال أبو بصير أرني أنظر إليه، فأخذوه وعلاه به فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين رآه، لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال ويلك مالك؟ قال قتل واللّه صاحبي وإني لمقتول، فواللّه ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال يا نبي اللّه أوفى اللّه ذمتك قد ردتتني إليهم ثم أنجاني اللّه منهم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب، لو كان معه أحد ، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وبلغ المسلمين الذين كانوا حبسوا بمكة قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بصير ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد، فخرج عصابة منهم إليه، وانفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، حتى اجتمع إليه قريب من سبعين رجلاً، فواللّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إى اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم تناشده اللّه والرحم لما أرسل إليهم، فمن آتاه فهو آمن، فأرسل إليهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقدموا عليه المدينة، فأنزل اللّه تعالى { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان اللّه بما تعملون بصيراً } حتى بلغ { حمية الجاهلية }، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولم يقروا ببسم اللّه الرحمن الرحيم، وحالوا بينه وبين البيت. قال اللّه عز وجل { هم الذين كفروا }، يعني كفار مكة، { وصدوكم عن المسجد الحرام }، أن تطوفوا به، { والهدي }، أي وصدوا الهدي، وهي البدن التي ساقها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكانت سبعين بدنة، { معكوفاً }، محبوساً، يقال عكفته عكفاً إذا حبسته وعكوفاً للازم، كما يقال رجع رجعاً ورجوعاً، { أن يبلغ محله }، منحره وحيث يحل نحره يعني الحرم، { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات }، يعني المستضعفين بمكة، { لم تعلموهم }، لم تعرفوهم، { أن تطئوهم }، بالقتل وتوقعوا بهم، { فتصيبكم منهم معرة بغير علم }، قال ابن زيد معرة إثم. وقال ابن إسحاق غرم الدية. وقيل الكفارة لأن اللّه عز وجل أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يعلم إيمانه الكفارة دون الدية، فقال { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } (النساء-٩٢). وقيل هو أن المسركين يعيبونكم ويقولون أهل دينهم، والمعرو المشقة، يقول لولا أن تطؤوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لا تعلموهم فليزمكم بهم كفارة أو يلحقكم سبة. وجواب لولا محذوف، تقديره لأذن لكم في دخولها ولكنه حال بينكم وبين ذلك. { ليدخل اللّه في رحمته من يشاء }، فاللام في ((ليدخل)) متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام، يعني حال بينكم وبين ذلك ليدخل اللّه في رحمته في دين الإسلام من يشاء من أهل مكة بعد الصلح قبل أن تدخلوها، { لو تزيلوا }، لو تميزوا يعني المؤمنين من الكفار، { لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً }، بالسبي والقتل بأيديكم،. وقال بعض أهل العلم ((لعذبنا)) جواب لكلامين أحدهما ((لولا رجال)) والثاني ((لو تزيلوا))، ثم قال { ليدخل اللّه في رحمته من يشاء }، يعني المؤمنين والمؤمنات. وقوله { في رحمته }، أي جنته. وقال قتادة في هذه الآية إن اللّه يدفع بالمؤمنين عن الكفار كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكة. |
﴿ ٢٥ ﴾