سورة الحجرات١مدنية، { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله }، قرأ يعقوب ((لا تقدموا)) بفتح التاء والدال، من التقدم أي لا تتقدموا، وقرأ الآخرون بضم التاء وكسر الدال، من التقديم، وهو لازم بمعنى التقدم، [قال أبو عبيدة] تقول العرب لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي لا تعجل بالأمر والنهي دونه، والمعنى بين اليدين الأمام. والقدام أي لا تقدموا بين يدي أمرهما ونهيهما. واختلفوا في معناه روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى، وهو قول الحسن ، أي لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي صلى اللّه عليه وسلم، وذلك أن ناساً ذبحوا قبل صلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأمرهم أن يعيدوا الذبح. أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن رحب ، حدثنا شعبة، عن زيد، عن الشعبي ، عن الباء قال خطبنا النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم النحر، قال { إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن نصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء }. وروى مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك، أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم. أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن مليكة، أن عبد اللّه بن الزبير أخبرهم، أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو بكر أمر القعقاع معبد بن زرارة، قال عمر بل أمر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر ما أردت إلا خلافي، قال عمر ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله } حتى انقضت. ورواه نافع عن ابن أبي مليكة، قال فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } إلى قوله { أجر عظيم }، وزاد قال ابن الزبير فما كان عمر يسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر عن أبيه، يعني أبا بكر. و قال قتادة نزلت الآية في ناس كانوا يقولون لو أنزل في كذا، أو صنع في كذا وكذا، فكره اللّه ذلك. وقال مجاهد لا تفتاتوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشيء حتى يقضيه اللّه على لسانه. وقال الضحاك يعني في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمراً دون اللّه ورسوله. { واتقوا اللّه }، في تضييع حقه ومخالفة أمره، { إن اللّه سميع }، لأقوالكم، { عليم }، بأفعالكم. ٢{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض }، أمرهم أن يبجلوه ويفخموه ولا يرفعوا أصواتهم عنده، ولا ينادونه كما ينادي بعضهم بعضاً، { أن تحبط أعمالكم }، لئلا تحبط حسناتكم. وقيل مخافة أن تحبط حسناتكم، { وأنتم لا تشعرون }. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال { لما نزلت هذه الآية } يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي { الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال أنا من أهل النار واحتبس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، فسأل النبي صلى اللّه عليه وسلم سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو ما شأن ثابت أشتكى؟ فقال سعد إنه لجاري وما علمت له شكوى، قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال ثابت أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بل هو من أهل الجنة }. وروي أنه { لما نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق يبكي، فمر به عاصم بن عدي فقال ما يبكيك يا ثابت؟ فقال هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في، وأنا رفيع الصوت أخاف أن يحبط عملي، وأن أكون من أهل النار، فمضى عاصم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وغلب ثابتاً البكاء، فأتى امرأته جميلة بنت عبد اللّه بن أبي سلول، فقال لها إذا دخلت بيت فرسي فشدي علي الضبة بمسمار، وقال لا أخرج حتى يتوفاني اللّه أو يرضى عني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأتى عاصم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأخبره خبره فقال له اذهب فادعه، فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرس، فقال له إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوك، فقال اكسر الضبة فكسرها، فأتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يبكيك يا ثابت؟ فقال أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ فقال رضيت ببشرى اللّه ورسوله، ولا أرفع صوتي أبداً على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم} فأنزل اللّه ٣{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه } الآية. قال أنس فكنا ننظر إلى رجل من أهل الجنة يمشي بين أيدينا، فلما كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب، رأى ثابت من المسلمين بعض الانكسار وانهزمت طائفة منهم، فقال أف لهؤلاء، ثم قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة ما كنا نقاتل أعداء اللّه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مثل هذا، ثم ثبتا وقاتلا حتى قتلا، واستشهد ثابت وعليه درع، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام وأنه قال له اعلم أن فلاناً رجل من المسلمين نزع درعي فذهب بها وهي في ناحية منالمعسكر عند فرس يسير في طوله، وقد وضع على درعي برمة، فأت خالد بن الوليد وأخبره حتى يسترد درعي، وأت أبا بكر خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقل له إن علي ديناً حتى يقضى، وفلان من رقيقي عتيق، فأخبر الرجل خالداً فوجد درعه والفرس على ما وصفه له، فاسترد الدرع، وأخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا فأجاز أبو بكر وصيته. قال مالك بن أنس لا أعلم وصيةً أجيزت بعد موت صاحبها إلا هذه. قال أبو هريرة وابن عباس لما نزلت هذه الآية كان أبو بكر لا يكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا كأخي السرار. وقال ابن الزبير لما نزلت هذه الآية ما حدث عمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك فيسمع النبي صلى اللّه عليه وسلم كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته، فأنزل اللّه تعالى { إن الذين يغضون أصواتهم }، يخفضون { أصواتهم عند رسول اللّه }، إجلالاً له، { أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى }، اختبرها وأخلصها كما يمتحن الذهب بالنار فيخرج خالصه، { لهم مغفرة وأجر عظيم }. ٤{ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات }، قرأ العامة بضم الجيم، وقرأ أبو جعفر بفتح الجيم، وهما لغتان، وهي جمع الحجر، والحجر جمع الحجرة فهي جمع الجمع. قال ابن عباس بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية إلى بني العنبر وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري، فلما علموا أنه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم، فسباهم عيينة بن حصن وقدم بهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري، فقدموا وقت الظهيرة، ووافقوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائلاً في أهله، فلما رأتهم الذراري أجهشوا إلى آبائهم يبكون، وكان لكل امرأة من نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم [حجرة، فعجلوا أن يخرج إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم]، فجعلوا ينادون يا محمد اخرج إلينا، حتى أيقظوه من نومه، فخرج إليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا، فنزل جبريل عليه السلام فقال إن اللّه يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلاً، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو، وهو على دينكم؟ فقالوا نعم، فقال سبرة أنا لا أحكم بينهم إلا وعمي شاهد، وهو الأعور بن بشامة، فرضوا به، فقال الأعور أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد رضيت ، ففادى نصفهم وأعتق نصفهم، فأنزل اللّه { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون }، وصفهم بالجهل وقلة العقل. ٥{ ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم }، قال مقاتل لكان خيراً لهم لأنك كنت تعتقهم جميعاً وتطلقهم بلا فداء، { واللّه غفور رحيم }. و قال قتادة نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاؤوا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فنادوا على الباب. ويروى ذلك عن جابر قال جاءت بنو تميم فنادوا على الباب اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين، وذمنا شين، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول إنما ذلكم اللّه الذي مدحه زين وذمه شين ، فقالوا نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا ، فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس، وكان خطيب النبي صلى اللّه عليه وسلم قم فأجبه، فأجابه، وقام شاعرهم فذكر أبياتاً، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت أجبه فأجابه، فقام الأقرع بن حابس، فقال إن محمداً لمؤتىً له واللّه ما أدري هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولاً، ثم دنا من النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم ما يضرك ما كان قبل هذا ثم أعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مثل ما أعطاهم، وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثرت اللغط عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزل فيهم { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم } الآيات الأربع إلى قوله { غفور رحيم }. وقال زيد بن أرقم جاء ناس منالعرب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يكن ملكاً نعش في جنابه، فجاؤوا فجعلوا ينادونه، يا محمد يا محمد، فأنزل اللّه { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم واللّه غفور رحيم }. ٦قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } الآية، نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقاً، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا يا رسول اللّه سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق اللّه عز وجل، فبدا له الرجوع، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ باللّه من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدومه، وقال له انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار، ففعل ذلك خالد، ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء، فأخذ منهم صدقاتهم، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير، فانصرف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأخبره الخبر، فأنزل اللّه تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق }، يعني الوليد بن عقبة، { بنبإ }، بخبر، { فتبينوا أن تصيبوا }، كي لا تصيبوا بالقتل والقتال، { قوماً }، برآء، { بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }، من إصابتكم بالخطأ ٧{ واعلموا أن فيكم رسول اللّه }، فاتقوا اللّه أن تقولوا باطلاً أوة تكذبوه، فإن اللّه يخبره ويعرفه أحوالكم فتفتضحوا، { لو يطيعكم }، أي الرسول، { في كثير من الأمر }، مما تخبرونه به فيحكم برأيكم، { لعنتم }، لأثمتم وهلكتم، والعنت الإثم والهلاك. { ولكن اللّه حبب إليكم الإيمان }، فجعله أحب الأديان إليكمـ { وزينه }، حسنه، { في قلوبكم }، حتى اخترتموه، وتطيعون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { وكره إليكم الكفر والفسوق }، قال ابن عباس يريد الكذب، { والعصيان }، جميع معاصي اللّه. ثم عاد من الخطاب إلى الخبر، وقال { أولئك هم الراشدون }، المهتدون. ٨{ فضلاً }، أي كان هذا فضلاً، { من اللّه ونعمةً واللّه عليم حكيم }. ٩قوله عز وجل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } الآية. أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا مسدد ، حدثنا معتمر قال سمعت أبي يقول إن أنسأ قال قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم لو أتيت عبد اللّه بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى اللّه عليه وسلم وركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون معه، وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال إليك عني، واللّه لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم واللّه لحمار رسول اللّه أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد اللّه رجل من قومه فتشاتما، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها نزلت { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما }. ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاصطلحوا بعضهم عن بعض. و قال قتادة نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما، فقال أحدهما للآخر لآخذن حقي منك عنوة، لكثرة عشيرته، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأبى أن يتبعه، فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف. وقال سفيان عن السدي كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل، وكان بينها وبين زوجها شيء فرقى بها إلى علية وحبسها، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا، وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنعال، فأنزل اللّه عز وجل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } بالدعاء إلى حكم كتاب اللّه والرضا بما فيه لهما وعليهما، { فإن بغت إحداهما }، تعدت إحداهما، { على الأخرى }، وأبت الإجابة إلى حكم كتاب اللّه، { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء }، ترجع، { إلى أمر اللّه }، في كتابه، { فإن فاءت }، رجعت إلى الحق، { فأصلحوا بينهما بالعدل }، بحملهما على الإنصاف والرضا بحكم اللّه، { وأقسطوا }، اعدلوا، { إن اللّه يحب المقسطين }. ١٠{ إنما المؤمنون إخوة }، في الدين والولاية، { فأصلحوا بين أخويكم }، إذا اختلفا واقتتلا، قرأ يعقوب ((بين إخوتكم)) بالتاء على الجمع، { واتقوا اللّه }، فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره، { لعلكم ترحمون }. [ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ]، أخبرنا أبة محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج اللّه بها عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره اللّه يوم القيامة }. وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن اللّه تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه سئل -وهو القدوة- في قتال أهل البغي، عن أهل الجمل وصفين أمشركون هم؟ فقال لا، من الشرك فروا، فقيل أمنافقون هم؟ فقال لا، إن النتافقين لا يذكرون اللّه إلا قليلاً، قيل فما حالهم. قال إخواننا بغوا علينا. والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل، فإذا اجتمعت طائقة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل، ونصبوا إماماً فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة، وأصروا على بغيهم، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته، ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف على جريحهم، نادى منادي علي رضي اللّه عنه يوم صفين بأسير فقال له لا أقتلك صبراً إني أخاف اللّه رب العالمين. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه. قال ابن شهاب كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلف فيها أموال كثيرة، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم، وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالاً أتلفه. أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أة لم ينصبوا إماماً فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالاً ولم يتعرضوا للمسلمسن، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق. روي أن علياً رضي اللّه عنه سمع رجلاً يقول في ناحية المسجد لا حكم إلا للّه تعالى، فقال علي كلمة حق أريد بها باطب، لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال. ١١وقوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم } الآية، قال ابن عباس نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته [ركعة من صلاة الفجر]، فلما انصرف النبي صلى اللّه عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم، فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد، فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلساً يجلس فيه قام قائماً كما هو، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبينه وبينه رجل، فقال له تفسح، فقال الرجل قد اصبت مجلساً فاجلس، فجلس ثابت خلفه مغضباً، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل، فقال من هذا؟ قال أنا فلان، فقال ثابت ابن فلانة، وذكر أماً له كان يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه واستحيا، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقال الضحاك نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم، كانوا يستهزؤون بفقراء أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة، لما رأوا من رثاثة حالهم، فأنزل اللّه تعالى في الذين آمنوا منهم { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } أي رجال من رجال. و (( القوم )) اسم يجمع الرجال والنساء، وقد يختص بجمع الرجال، { عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن }. روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين عيرن أم سلمة بالقصر. وعن عكرمة عن ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب، قال لها النساء يهودية بنت يهوديين. { ولا تلمزوا أنفسكم }، أي لا يعب بعضكم بعضاً، ولا يطعن بعضكم على بعض، { ولا تنابزوا بالألقاب }، التنابز التفاعل من النبز، وهو اللقب، وهو أن يدعى الإنسان بغير ماسمي به. قال عكرمة هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر. وقال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم، فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني، فنهوا عن ذلك. قال عطاء هو أن تقول لأخيك يا كلب يا حمار يا خنزير. وروي عن ابن عباس قال (( التنابز بالألقاب )) أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله. { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان }، أي بئس الاسم أن يقول يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب، وقيل معناه إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق، وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق، { ومن لم يتب }، من ذلك، { فأولئك هم الظالمون }. ١٢{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن }، قيل { نزلت الآية في رجلين اغتابا رفيقهما، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما، ويتقدم لهما إلى المنزل فيهئ لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب، فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام فلم يهيء لهما شيئا، فلما قدما قالا له ما صنعت شيئاً؟ قال لا، غلبتني عيناي، قالا له انطلق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاطلب لنا منه طعاماً، فجاء سلمان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسأله طعاماً، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انطلق إلى أسامة بن زيد، وقل له إن كان عنده فضل من طعام وإدام فليعطك، وكان أسامة خازن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى رحله، فأتاه فقال ما عندي شيء، فرجع سلمان إليهما وأخبرهما، فقالا كان عند أسامة طعام ولكن بخل، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة، فلم يجد عندهم شيئاً، فلما رجع قالا لو بعثناك إلى بئر سميحة لغار ماؤها، ثم انطلقا يتجسسان، هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فلما جاءا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهما مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما، قالا واللّه يا رسول اللّه ما تناولنا يومنا هذا لحماً، قال بل ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة، فأنزل اللّه عز وجل } يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن {}، وأراد أن يظن بأهل الخير سوءاً { إن بعض الظن إثم }، قال سفيان الثوري الظن ظنان أحدهما إثم، وهو أن تظن وتتكلم به، والآخر ليس بإثم وهو أن تظن ولا تتكلم. { ولا تجسسوا }، التجسس هو البحث عن عيوب الناس، نهى اللّه تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره اللّه منها. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوات عباد اللّه إخواناً }. أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن الحسن الطوسي بها، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرنا عبد اللّه بن ناجية ، حدثنا يحيي بن أكثم ، أخبرنا الفضل بن موسى الشيباني ، عن الحسين بن واقد ، عن أوفى بن دلهم ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورات المسلمين، يتتبع اللّه عورته، ومن يتتبع اللّه عورته يفضحه ولو في جوف رحله }. قال ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم عند اللّه حرمة منك. وقال زيد بن وهب قيل لابن مسعود هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً، فقال إنا قد نهينا عن التجسس، فإن يظهر لنا شيء نأخذه به { ولا يغتب بعضكم بعضاً }، يقول لا يتناول بعضكم بعضاً بظهر الغيب بما يسوءه مما هو فيه. أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن الفضل الخرقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد اللّه الطيسفوني ، أخبرنا عبد اللّه بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن أبي هريرة {أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة؟ قالوا اللّه ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته }. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن أبي توبة ، أخبرنا أبو الطاهر الحارثي ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد اللّه بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد اللّه الخلال ، أخبرنا عبد اللّه بن المبارك ، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده {أنهم ذكروا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلا فقالوا لا يأكل حتى يطعم، ولا يرحل حتى يرحل، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم اغتبتموه فقالوا إنما حدثنا بما فيه، قال حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه }. قوله عز وجل { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه }، قال مجاهد لما قيل لهم (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً )) قالوا لا، قيل { فكرهتموه } أي فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائباً. قال الزجاج تأويله إن ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحم أخيك، وهو ميت لا يحس بذلك. أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا ابن فنجويه ، حدثنا ابن شيبة ، حدثنا الفريابي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثني صفوان بن عمرو، حدثنا راشد بن سعد و عبد الرحمن بن جبير ، عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال { لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون بها وجوههم ولحومهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم }. قال ميمون بن سياه بينا أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول كل، قلت يا عبد اللّه ولم آكل؟ قال بما اغتبت عبد فلان، فقلت واللّه ما ذكرت فيه خيراً ولا شراً، قال لكنك استمعت ورضيت به، فكان ميمون لا يغتاب أحداً ولا يدع أحداً يغتاب عنده أحدا. { واتقوا اللّه إن اللّه تواب رحيم }. ١٣{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية. قال ابن عباس { نزلت في ثابت بن قيس، وقوله للرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة، يعيره بأمه، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم من الذاكر فلانة؟فقال ثابت أنا يارسول اللّه، فقال انظر في وجوه القوم فنظر فقالك ما رأيت يا ثابت؟ قال رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى ، فنزلت في ثابت هذه الآية، وفي الذي لم يتفسح } يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا { }(المجادلة-١١). و قال مقاتل لما كان يوم فتح مكة أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلالاً حتى علا ظهر الكعبة وأذن، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص الحمد للّه الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً، وقال سهيل بن عمرو إن يرد اللّه شيئاً يعيره. وقال أبو سفيان إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل فأخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزار بالفقراء، فقال { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب. { وجعلناكم شعوباً }، جمع شعب بفتح الشين، وهي رؤوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، سموا شعوباً لتشعبهم واجتماعهم، كشعب أغصان الشجر، والشعب من الأضداد يقال شعب، أي جمع، وشعب أي فرق. { وقبائل }، وهي دون الشعوب، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر، ودون القبائل العمائر، واحدتها عمارة، بفتح العين، وهم كشيبان من بكر، ودارم من تميم، ودون العمائر البطون، واحدتها بطن، وهم كبني غالب ولؤي من قريش، ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي، ثم الفصائل، والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة، بعد العشيرة حتى يوصف به. وقيل الشعوب من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل. وقال أبو روق (( الشعوب )) الذين لا يعتزون إلى أحد، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى، (( والقبائل )) العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم. { لتعارفوا }، ليعرف بعضكم بعضاً في قرب النسب وبعده، لا ليتفاخروا. ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند اللّه أتقاهم فقال { إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم إن اللّه عليم خبير }، قال قتادة في هذه الآية إن أكرم الكرم التقوى، وألأم اللؤم الفجور. أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { الحسب المال، والكرم التقوى }. وقال ابن عباس كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى. أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم ، أنا عبد اللّه بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة، عن عبد اللّه بن دينار، عن ابن عمر { أن النبي صلى اللّه عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه، فلما خرج لم يجد مناخاً، فنزل على أيدي الرجال، ثم قام فخطبهم فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال الحمد للّه الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها [بآبائها]، الناس رجلان بر تقي كريم على اللّه، وفاجر شقي هين على اللّه، ثم تلا } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى { ثم قال أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم }. أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد هو ابن سلام ، حدثنا عبدة عن عبيد اللّه، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال { سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال أكرمهم عند اللّه أتقاهم، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال فأكرم الناس يوسف نبي اللّه ابن نبي اللّه ابن خليل اللّه. قالوا ليس عن هذا نسألك، قال فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا نعم قال فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا }. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج \حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { إن اللّه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم }. ١٤قوله عز وجل { قالت الأعراب آمنا } الآية، نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سنة جدبة فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر، فأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويقولون أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها، وجئناك بالأثقال والعيال والذراري، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، يمنون على النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويريدون الصدقة، ويقولون أعطنا، فأنزل اللّه فيهم هذه الآية. و قال السدي نزلت في الأعراب الذين ذكرهم اللّه في سورة الفتح، وهم أعراب جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار، كانوا يقولون آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا، فأنزل اللّه عز وجل { قالت الأعراب آمنا } صدقنا. { قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا }، انقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي، { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم }، فأخبر أن حقيقة الإيمان التصديق بالقلب، وأن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون لإيماناً دون التصديق بالقلب والإخلاص. أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن غرير الزهري ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه، عن صالح ، عن ابن شهاب ، أخبرني عامر بن سعد، عن أبيه قال أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رهطاً وأنا جالس فيهم، قال فترك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم رجلاً ولم يعطه وهو أعجبهم إلي، فقمت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم [فساررته]، فقلت مالك عن فلان؟ واللّه إني لأراه مؤمناً، قال أو مسلماً، قال فسكت قليلاً ثم غلبني ما أعلم منه، فقلت يا رسول اللّه مالك عن فلان إني لأراه مؤمناً؟ قال أو مسلماً، قال { إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه }. فالإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة، يقال أسلم الرجل إذا دخل في السلم كما يقال أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء، وأصاف إذا دخل في الصيف، وأربع إذا دخل في الربيع، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان، والأبدان والجنان، كقوله عز وجل لإبراهيم عليه السلام { أسلم قال أسلمت لرب العالمين } (البقرة-١٣١)، ومنه ما هة انقياد باللسان دون القلب، وذلك قوله { ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم }. { وإن تطيعوا اللّه ورسوله }، ظاهراً وباطناً سراً وعلانية. قال ابن عباس تخلصوا الإيمان، { لا يلتكم }، قرأ أبو عمر (( يالتكم )) بالألف ل قوله تعالى { وما ألتناهم } (الطور-٢١)، والآخرون بغير ألف، وهما لغتان، معناهما لا ينقصكم، يقال ألت يألت ألتاً ولات ليتاً إذا نقص، { من أعمالكم شيئاً }، أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيئاً، { إن اللّه غفور رحيم }، ثم بين حقيقة الإيمان، فقال ١٥{ إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله ثم لم يرتابوا }، لم يشكوا في دينهم، { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه أولئك هم الصادقون } في إيمانهم. فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحلفون باللّه إنهم مؤمنون صادقون، وعرف اللّه غير ذلك منهم، فأنزل اللّه عز وجل ١٦{ قل أتعلمون اللّه بدينكم }، والتعليم ها هنا بمعنى الإعلام ولذلك قال ((بدينكم)) وأدخل الباه فيه، يقول أتخبرون اللّه بدينكم الذي أنتم عليه، { واللّه يعلم ما في السموات وما في الأرض واللّه بكل شيء عليم }، لا يحتاج إلى إخباركم. ١٧{ يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم }، أي بإسلامكم، { بل اللّه يمن عليكم أن هداكم للإيمان }، وفي مصحف عبد اللّه (( إذ هداكم للإيمان )) { إن كنتم صادقين }، إنكم مؤمنون. ١٨{ إن اللّه يعلم غيب السموات والأرض واللّه بصير بما تعملون }، قرأ ابن كثير (( يعملون )) بالياء، وقرأ الأخرون بالتاء. |
﴿ ٠ ﴾