سورة ق

١

مكية { ق } [قال ابن عباس هو قسم،

وقيل ] هو اسم للسورة،

وقيل هو اسم من أسماء القرآن. وقال القرظي  هو مفتاح اسمه (( القدير ))، و (( القادر )) و (( القاهر )) و (( القريب )) و (( القابض )). وقال عكرمة و الضحاك  هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء، منه خضرة السماء والسماء مقببة عليه، وعليه كتفاها، ويقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمي من ورائه بمسيرة سنة.

وقيل معناه قضي الأمر، أو قضي ما هو كائن، كما قالوا في حم. { والقرآن المجيد }، الشريف الكريم على اللّه، الكثير الخير.

٢

واختلفوا في جواب القسم، فقال أهل الكوفة جوابه { بل عجبوا }،

وقيل جوابه محذوف، مجازه والقرآن المجيد لتبعثن.

وقيل جوابه قوله (( ما يلفظ من قول )).

وقيل (( قد علمنا ))، وجوابات القسم سبعة (( إن )) الشديدة كقوله { والفجر } - { إن ربك لبالمرصاد } (الفجر-١٤)، و ((ما)) النفي كقوله { والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك } (الضحى-١-٣)، و ((اللام)) المفتوحة كقوله { فوربك لنسألنهم أجمعين } (الحجر-٩٢) و ((إن)) الخفيفة ك

قوله تعالى { إن كنا لفي ضلال مبين } (الشعراء-٣٨)، و ((لا)) ك

قوله تعالى { وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت } (النحل-٣٨)، و ((قد)) ك

قوله تعالى { والشمس وضحاها } - { قد أفلح من زكاها } (الشمس-١-٩)، و ((بل)) كقوله { والقرآن المجيد } - { بل عجبوا }. { أن جاءهم منذر }، مخوف، { منهم } يعرفون نسبه وصدقه وأمانته، { فقال الكافرون هذا شيء عجيب }، غريب.

٣

{ أإذا متنا وكنا ترابا }، نبعث، ترك ذكر البعث لدلالة الكلام عليه، { ذلك رجع }، أي رد إلى الحياة { بعيد }، وغير كائن، أي يبعد أن نبعث بعد الموت.

٤

قال اللّه عز وجل { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم }، أي تأكل من لحومهم ودمائهم وعظامهم لا يعزب عن علمه شيء.

قال السدي  هو الموت، يقول قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى، { وعندنا كتاب حفيظ }، [محفوظ من الشياطين ومن أن يدرس ويتغير وهو اللوح المحفوظ،

وقيل حفيظ] أي حافظ لعدتهم وأسمائهم.

٥

{ بل كذبوا بالحق }، بالقرآن، { لما جاءهم فهم في أمر مريج } مختلط، قال سعيد بن جبير و مجاهد  ملتبس. قال قتادة في هذه الآية من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه.

وقال الحسن  ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم. وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم، فقال هو أنهم يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم، مرة شاعر، ونرة معلم، ويقولون للقرآن مرة سحر، ومرة رجز، ومرة مفترىً، فكان أمرهم مختلطاً ملتبساً عليهم. ثم دلهم علة قدرته، فقال

٦

{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها }، بغير عمد، { وزيناها }، بالكواكب، { وما لها من فروج }، شقوق وفتوق وصدوع، واحدها فرج.

٧

{ والأرض مددناها }، بسطناها على وجه الماء، { وألقينا فيها رواسي }، جبالاً ثوابت، { وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج }، حسن كريم يبهج به، أي يسر.

٨

{ تبصرةً }، [أي جعلنا ذلك تبصرة]، { وذكرى }، أي تبصيراً وتذكيراً، { لكل عبد منيب }، أي ليبصر ويذكر به.

٩

{ ونزلنا من السماء ماءً مباركاً }، كثير الخير وفيه حياة كل شيء، وهو المطر، { فأنبتنا به جنات وحب الحصيد }، يعني البر والشعير وسائر الحبوب التي تحصد، فأضاف الحب إلى الحصيد، وهما واحد لاختلاف اللفظين، كما يقال مسجد الجامع وربيع الأول.

وقيل (( وحب الحصيد )) أي وحب النبي [الحصيد].

١٠

{ والنخل باسقات }، قال مجاهد و عكرمة و قتادة  طوالاً، بسقت [النخلة] بسوقاً إذا طالت. وقال سعيد بن جبير  مستويات. { لها طلع } ثمر وحمل، سمي بذلك لأنه يطلع، والطلع أول ما يظهر قبل أن ينشق، { نضيد }، متراكب متراكم منضود بعضه على بعض في أكمامه، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد.

١١

{ رزقاً للعباد }، أي جعلناها رزقاً للعباد، { وأحيينا به }، أي بالمطر، { بلدةً ميتاً }، أنبتنا فيها الكلأ، { كذلك الخروج }، من القبور.

١٢

قوله عز وجل { كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود }

١٣

{ وعاد وفرعون وإخوان لوط }

١٤

{ وأصحاب الأيكة وقوم تبع } وهو تبع الحميري، واسمه اسعد أبو كرب،

قال قتادة  ذم اللّه تعالى قوم تبع ولم يذمه، ذكرنا قصته في سورة الدخان. { كل كذب الرسل }، أي كل من هؤلاء المذكورين كذب الرسل، { فحق وعيد }، وجب لهم عذابي. ثم أنزل جواباً لقولهم (( ذلك رجع بعيد ))

١٥

{ أفعيينا بالخلق الأول }، يعني أعجزنا حين خلقناهم أولاً [فنعيا] بالإعادة. وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث، ويقال لكل من عجز عن شيء عيي به. { بل هم في لبس }، أي في شك، { من خلق جديد }، وهو البعث.

١٦

{ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه }، يحدث به قلبه ولا يخفى علينا سرائره وضمائره، { ونحن أقرب إليه }، أعلم به، { من حبل الوريد }، لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضاً، ولا يحجب علم اللّه شيء، و ((حبل الوريد)) عرق العنق، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين، يتفرق في البدن، والحبل هو الوريد، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.

١٧

{ إذ يتلقى المتلقيان }، أي يتلقى ويأخذ الملكان بالإنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه، { عن اليمين وعن الشمال }، أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات. { قعيد }، أي قاعد، ولم يقل قعيدان، لأنه أراد عن اليمين قعيد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر، هذا قول أهل البصرة. وقال أهل الكوفة أراد قعوداً، كالرسول فجعل للاثنين والجمع، كما قال اللّه تعالى في الاثنين { فقولا إنا رسول رب العالمين } (الشعراء-١٦)،

وقيل أراد بالقعيد الملازم الذي لا يبرح، لا القاعد الذي هو ضد القائم.

وقال مجاهد  القعيد الرصيد.

١٨

{ ما يلفظ من قول }، ما يتكلم من كلام فيلفظه أي يرميه من فيه، { إلا لديه رقيب }، حافظ، { عتيد }، حاضر أينما كان. قال الحسن  إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين عند غائطه، وعند جماعه. وقال مجاهد يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه.

وقال عكرمة  لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر فيه.

وقال الضحاك  مجلسهما تحت الضرس على الحنك، ومثله عن الحسن ، وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ،

أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ،

أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا الفضل بن العباس بن مهران ، حدثنا طالوت حدثنا حماد بن سلمة

أخبرنا جعفر بن الزبير عن القاسم بن محمد عن أبي أمامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر }.

١٩

{ وجاءت سكرة الموت }، غمرته وشدته التي تغشى الإنسان ةتغلب على عقله، { بالحق }، أي بحقيقة الموت،

وقيل بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعيان.

وقيل بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة. ويقال لمن جاءته سكرة الموت { ذلك ما كنت منه تحيد }، تميل، قال الحسن  تهرب. ةقال ابن عباس تكره، وأصل الحيد الميل، يقال حدت عن الشيء أحيد حيداً ومحيداً إذا ملت عنه.

٢٠

{ ونفخ في الصور }، يعني نفخة البعث، { ذلك يوم الوعيد }، أي ذلك اليوم يوم الوعيد الذي وعده اللّه للكفار أن يعذبهم فيه.

قال مقاتل  يعني بالوعيد العذاب، أي يوم وقوع الوعيد.

٢١

{ وجاءت }، ذلك اليوم، { كل نفس معها سائق }، يسوقها إلى المحشر، { وشهيد }، يشهد عليها بما عملت، قال الضحاك  السائق من الملائكة، والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل، وهي رواية العوفي عن ابن عباس. وقال الآخرون هما جنيعاً من الملائكة، فيقول اللّه

٢٢

{ لقد كنت في غفلة من هذا }، اليوم في الدنيا، { فكشفنا عنك غطاءك }، الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك، { فبصرك اليوم حديد }، نافذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا. وروي عن مجاهد قال يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك.

٢٣

{ وقال قرينه }، الملك الموكل به، { هذا ما لدي عتيد }، معد محضر،

وقيل ((ما)) بمعنى (من)،

قال مجاهد  يقول هذا الذي وكلتني به من ابن آدم حاضر عندي قد أحضرته وأحضرت ديوان أعماله، فيقول اللّه عز وجل لقرينه

٢٤

{ ألقيا في جهنم }، هو خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب، تقول ويحك ويلك ارحلاها وازجراها وخذاها وأطلقاها، قال الفراء  وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ومنه قولهم في الشعر للواحد خليلي. وقال الزجاج  هذا أمر للسائق والشهيد،

وقيل للمتلقيين. { كل كفار عنيد }، عاص معرض عن الحق. قال عكرمة و مجاهد  مجانب للحق معاند للّه.

٢٥

{ مناع للخير }، أي للزكاة المفروضة وكل حق وجب في ماله، { معتد }، ظالم لا يقر بتوحيد اللّه، { مريب }، شاك في التوحيد، ومعناه داخل في الريب.

٢٦

{ الذي جعل مع اللّه إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد }، وهو النار.

٢٧

{ قال قرينه }، يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر { ربنا ما أطغيته }، ما أضللته وما أغويته، { ولكن كان في ضلال بعيد }، عن الحق فيتبرأ عنه شيطانه، قال ابن عباس و سعيد بن جبير و مقاتل  (( قال قرينه )) يعني الملك، (( ربنا ما أطغيته )يعني ما زدت عليه وما كتبت إلا ما قال وعمل، ولكن كان في ضلال بعيد، طويل لا يرجع عنه إلى الحق.

٢٨

{ قال }، فيقول اللّه { لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد }، في القرآن وأنذرتكم وحذرتكم على لسان الرسول، وقضيت عليكم ما أنا قاض.

٢٩

{ ما يبدل القول لدي }، لا تبديل لقولي، وهو قوله { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } (السجدة-١٣)، وقال قوم معنى قوله { ما يبدل القول لدي } أي لا يكذب عندي، ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب. وهذا قول الكلبي ، واختيار الفراء ، لأنه قال (( ما يبدل القول لدي )) ولم يقل ما يبدل قولي. { وما أنا بظلام للعبيد }، فأعاقبهم بغير جرم.

٣٠

{ يوم نقول لجهنم }، قرأ نافع و أبو بكر ((يقول)) بالياء، أي يقول اللّه، لقوله (( قال لا تختصموا ) وقرأ الآخرون بالنون، { هل امتلأت }، وذلك لما سبق لها من وعده إياها أنه يملؤها من الجنة والناس، وهذا السؤال من اللّه عز وجل لتصديق خبره وتحقيق وعده، { وتقول }، جهنم، { هل من مزيد }، قيل معناه قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ، فهو استفهام إنكار، هذا قول عطاء و مجاهد و مقاتل بن سليمان .

وقيل هذا استفهام بمعنى الاستادة، وهو قول ابن عباس في رواية أبي صالح، وعلى هذا يكون السؤال بقوله (( هل امتلأت ))، قبل دخول جميع أهلها فيها، وروي عن ابن عباس أن اللّه تعالى سبقت كلمته { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } (السجدة-١٣)، فلما سيق أعداء اللّه إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء، فتقول ألست قد أقسمت لتملأني؟ فيضع قدمه عليها، ثم يقول هل امتلأت؟ فتقول قط قط قد امتلأت فليس في مزيد.

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، [ أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحافظ ] حدثنا أبو عبد اللّه الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ،

أخبرنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني ، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { لا تزال جهنم تقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشء اللّه خلقاً فيسكنه فضول الجنة }.

٣١

{ وأزلفت الجنة }، قربت وأدنيت، { للمتقين }، الشرك، { غير بعيد }، ينظرون إليها قبل أن يدخلوها.

٣٢

{ هذا ما توعدون }، قرأ ابن كثير بالياء والآخرون بالتاء، يقال لهم هذا الذي ترونه ما توعدون على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، { لكل أواب }، رجاع إلى الطاعة عن المعاصي، قال سعيد بن المسيب  هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذني ثم يتوب. وقال الشعبي و مجاهد  الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها.

وقال الضحاك  هو التواب. وقال ابن عباس و عطاء  المسبح، من قوله { يا جبال أوبي معه } (سبأ-١٠) و

قال قتادة  المصلي. { حفيظ }، قال ابن عباس الحافظ لأمر اللّه، وعنه أيضاً هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها.

قال قتادة  حفيظ لما استودعه اللّه من حقه. قال الضحاك  الحافظ على نفسه والمتعهد لها. قال الشعبي  المراقب. قال سهل بن عبد اللّه المحافظ على الطاعات والأوامر.

٣٣

{ من خشي الرحمن بالغيب }، محل ((من)) جر على نعت الأواب. ومعنى الآية من خاف الرحمن وأطاعه بالغيب ولم يره. وقال الضحاك و السدي  يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال الحسن  إذا أرخى الستر وأغلق الباب. { وجاء بقلب منيب }، مخلص مقبل إلى طاعة اللّه.

٣٤

{ ادخلوها }، [أي يقال لأهل هذه الصفة ادخلوها]، أي ادخلوا الجنة. { بسلام }، بسلامة من العذاب والهموم.

وقيل بسلام من اللّه وملائكته عليهم.

وقيل بسلامة من زوال النعم، { ذلك يوم الخلود }.

٣٥

{ لهم ما يشاؤون فيها }، وذلك أنهم يسألون اللّه تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما شاؤوا، ثم يزيدهم اللّه من عنده ما لم يسألوه، وهو قوله { ولدينا مزيد }، يعني الزيادة لهم في النعيم ما لم يخطر ببالهم. وقال جابر وأنس هو النظر إلى وجه اللّه الكريم.

٣٦

قوله عز وجل { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً فنقبوا في البلاد }، ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا، وأصله من النقب، وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق، { هل من محيص }، فلم يجدوا محيصاً من أمر اللّه.

وقيل ((هل من محيص)) مفر من الموت؟ فلم يجدوا [منه مفراً، وهذا إنذار] لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفراً عن الموت يموتون، فيصيرون إلى عذاب اللّه.

٣٧

{ إن في ذلك }، فيما ذكرت من العبر وإهلاك القرى، { لذكرى }، تذكرة وعظة، { لمن كان له قلب }، قال ابن عباس أي عقل. قال الفراء  هذا جائز في العربية، تقول مالك قلب، وما قلبك معك، أي ما عقلك معك،

وقيل له قلب حاضر مع اللّه. { أو ألقى السمع }، استمع القرآن، واستمع ما يقال له، لا يحدث نفسه بغيره، تقول العرب ألق إلي سمعك، أي استمع، { وهو شهيد }، أي حاضر القلب ليس بغافل ولا ساه.

٣٨

قوله عز وجل { ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب }، إعياء وتعب. { نزلت في اليهود حيث قالوا يا محمد

أخبرنا بما خلق اللّه من الخلق في هذه الأيام الستة؟ فقال خلق اللّه الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء، والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء، والسموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم ، قالوا صدقت إن أتممت، قال وما ذاك؟ قالوا ثم استراح يوم السبت، واستلقى على العرش،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية رداً عليهم.}

٣٩

{ فاصبر على ما يقولون }، من كذبهم فإن اللّه لهم بالمرصاد، وهذا قبل الأمر بقتالهم، { وسبح بحمد ربك }، أي صلى اللّه عليه وسلم حمداً للّه، { قبل طلوع الشمس }، يعني صلاة الصبح، { وقبل الغروب }، يعني صلاة العصر. وروي عن ابن عباس قال (( قبل الغروب )) الظهر والعصر.

٤٠

{ ومن الليل فسبحه }، يعني صلاة المغرب والعشاء.

وقال مجاهد  ((ومن الليل)) أي صلاة الليل أي وقت صلى. { وأدبار السجود } قرأ أهل الحجاز وحمزة ((وإدبار السجود)) بكسر الهمزة، مصدر أدبر إدباراً، وقرأ الآخرون بفتحها على جمع الدبر. قال عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، و الحسن ، و الشعبي ، و النخعي ، و الأوزاعي  (( أدبار السجود )) الركعتان بعد صلاة المغرب، وأدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر، وهي رواية العوفي عن البن عباس. وروي عنه مرفوعاً، هذا قول أكثر المفسرين.

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ،

أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو أيوب الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي اللّه عنها قالت ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدةً منه على الركعتين أمام الصبح.

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ،

أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا صالح بن عبد اللّه ، حدثنا أبو عوانة عن قتادة ، عن زرارة بن أبي أوفى، عن سعيد بن هشام عن عائشة رضي اللّه عنها قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها }.

أخبرنا أبو عثمان الضبي،

أخبرنا أبو محمد الجراحي ،

أخبرنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا بدل بن المحبر، حدثنا عبد الملك بن معدان عن عاصم بن مهدلة عن أبي وائل عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال ما أحصي ما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل [صلاة الفجر] بقل يا أيها الكافرون، وقل هو اللّه أحد.

قال مجاهد  ((وأدبار السجود)) هو التسبيح بالسان في أدبار الصلوات المكتوبات.

أخبرنا أبو الحسين طاهر بن الحسين الروقي الطوسي بها،

أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب ،

أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن أيوب ،

أخبرنا مسدد ، حدثنا خالد هو ابن عبد اللّه، حدثنا سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال { قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وكبر اللّه ثلاثا وثلاثين وحمد اللّه ثلاثاً وثلاثين، فذلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر }.

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق ،

أخبرنا يزيد

أخبرنا ورقاء عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال { قالوا يا رسول اللّه ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم، قال كيف ذاك؟ قالوا صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا، وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال، قال أفلا أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم وتسبقون من جاء بعدكم، ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً }.

٤١

قوله عز وجل { واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب }، أي واستمع يا محمد صيحة القيامة والنشور يوم ينادي المنادي،

قال مقاتل  يعني إسرافيل ينادي بالحشر يا أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة، إن اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء { من مكان قريب } من صخرة بيت المقدس، وهي وسط الأرض.

قال الكلبي  هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً.

٤٢

{ يوم يسمعون الصيحة بالحق }، وهي الصيحة الأخيرة، { ذلك يوم الخروج }، من القبور.

٤٣

{ إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير }

٤٤

{ يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً }، جمع سريع، أي يخرجون سراعاً، { ذلك حشر علينا }، جمع علينا { يسير }.

٤٥

{ نحن أعلم بما يقولون }، يعني كفار مكة في تكذيبك، { وما أنت عليهم بجبار }، بمسلط تجبرهم على الإسلام إنما بعثت مذكراً، { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد }، أي ما أوعدت من عصاني من العذاب. قال ابن عباس قالوا يا رسول اللّه لو خوفتنا، فنزلت { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد }.

﴿ ٠