سورة القمر

١

مكية، { اقتربت الساعة }،دنت القيامة، { وانشق القمر }.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد اللّه بن عبد الوهاب ،

أخبرنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك {أن أهل مكة سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما}. و قال شيبان عن قتادة  فأراهم انشقاق القمر مرتين.

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمدبن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى عن شعبة و سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال {انشق القمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل و فرقة دونه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اشهدوا }. وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد اللّه قال انشق القمر بمكة. و

قال مقاتل  انشق القمر ثم التأم بعد ذلك. وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد اللّه قال [انشق القمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم]، فقالت قريش سحركم ابن أبي كبشة، فاسألوا السفاؤ، فسألوهم، فقالوا نعم قد رأيناه، فأنزل اللّه عز وجل { اقتربت الساعة وانشق القمر }.

٢

{ وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر }، أي ذاهب وسوف يذهب ويبطل، من قولهم مر الشيء واستمر إذا ذهب، مثل قولهم فر واستقر، قال هذا قول مجاهد و قتادة . وقال أبو العالية الضحاك ] ((مستمر)) أي قوي شديد يعلو كل سحر، من قولهم مر الحبل، إذا صلب واشتد،وأمررته إذا أحكمت فتله، واستمر الشيء إذا قوي واستحكم.

٣

{ وكذبوا واتبعوا أهواءهم }، أي كذبوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وما عاينوا من قدرة اللّه عز وجل، واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل. { وكل أمر مستقر }،

قال الكلبي  لكل أمر حقيقة، ما كان منه في الدنيا فسيظهر، وما كان منه في الآخرة فسيعرف. و

قال قتادة  كل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير، [والشر مستقر بأهل الشر].

وقيل كل أمر من خير أو شر مستقر قراره، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار.

وقيل يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب. و

قال مقاتل  لكل حديث منتهى.

وقيل كل ما قدر كائن واقع لا محالة. وقرأ أبو جعفر ((مستقر)) بكسر الراء، ولا وجه له

٤

{ ولقد جاءهم }، يعني أهل مكة، { من الأنباء }، من أخبار الأمم المكذبة في القرآن، { ما فيه مزدجر }، [متناهي]، مصدر بمعنى الازدجار، أي نهى وعظة، يقال زجرته وازدجرته إذا نهيته عن السوء، وأصله مزتجر، قلبت التاء دالاً.

٥

{ حكمة بالغة }، يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية { فما تغن النذر }، يجوز أن تكون ((ما)) نفياً، على معنى فليست تغني النذر، ويجوز أن يكون استفهاماً، والمعنى فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم؟ كقوله { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } (يونس-١٠١) و ((النذر)) جمع نذير.

٦

{ فتول عنهم }، أعرض عنهم نسختها آية القتال. قيل ها هنا وقف تام.

وقيل { فتول عنهم يوم يدع الداع }، أي إلى يوم الداعي،

قال مقاتل  هو إسرافيل ينفخ قائماً على صخرة بيت المقدس، { إلى شيء نكر }، [منكر] فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاماً، قرأ ابن كثير  ((نكر)) بسكون الكاف، والآخرون بضمها.

٧

{ خشعاً أبصارهم }، قرأ أبو عمرو، و يعقوب ، و حمزة ، و الكسائي  ((خاشعاً)) على الواحد، وقرأ الآخرون ((خشعاً)) -بضم الخاء وتشديد الشين- على الجمع. ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع ةالتذكير والتأنيث، تقول مررت برجال حسن أوججهم، وحسنة أوجههم، وحسان أوجههم، قال الشاعر ورجال حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد وفي قراءة عبد اللّه ((خاشعة أبصارهم)أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب. { يخرجون من الأجداث }، من القبور، { كأنهم جراد منتشر }، منبث حيارى، وذكر المنتشر على لفظ الجراد، نظيرها، { كالفراش المبثوث }، (القارعة-٤) وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها، كالجراد لا جهة لها، تكون مختلطة بعضها في بعض.

٨

{ مهطعين }، مسرعين مقبلين، { إلى الداع }، إلى صوت إسرافيل، { يقول الكافرون هذا يوم عسر }، يوم صعب شديد.

٩

قوله عز وجل { كذبت قبلهم }، أي قبل أهل مكة، { قوم نوح فكذبوا عبدنا }، نوحاً، { وقالوا مجنون وازدجر }، أي زجروه عن دعوته ومقالته بالشتم والوعيد، وقالوا { لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين } (الشعراء-١١٦)، وقال مجاهد معنى ازدجر أي استطير جنوناً.

١٠

{ فدعا }، نوح، { ربه }، وقال، { أني مغلوب }، مقهور، { فانتصر }، فانتقم لي منهم.

١١

{ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر }، منصب انصباباً شديداً، لم ينقطع أربعين يوماً، وقال يمان قد طبق ما بين السماء والأرض.

١٢

{ وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء }، يعني ماء السماء وماء الأرض، وإنما قال ((فالتقى الماء)) والالتقاء لا يكون من واحد، إنما يكون بين اثنين فصاعداً، لأن الماء يكون جمعاً وواحداً. وقرأ عاصم الجحدري  فالتقى الملآن. { على أمر قد قدر }، أي قضي عليهم في أمر الكتاب. و

قال مقاتل  قدر اللّه أن يكون الملآن سواء فكانا على ما قدر.

١٣

{ وحملناه }، يعني نوحاً، { على ذات ألواح ودسر }، أي سفينة ذات ألواح، ذكر النعت وترك الاسم، أراد بالألواح خشب السفينة العريضة، { ودسر }، أي المسامير التي تشد بها الألواح، واحدها دسار ودسير، يقال دسرت السفينو إذا شددتها بالمسامير.

وقال الحسن  الدسر صدر السفينة سميت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجؤها، أي تدفع.

وقال مجاهد  هي عوارض السفينة.

وقيل أضلاعها

وقال الضحاك  الألواح جانباها، والدسر أصلها وطرفاها.

١٤

{ تجري بأعيننا }، أي بمرأى منا. وقال مقاتل بن حيان  بحفظنا، ومنه قولهم للمودع عين اللّه عليك. وقال سفيان  بأمرنا. { جزاءً لمن كان كفر }، [ قال مقاتل بن حيان ] يعني فعلنا به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثواباً لمن كان كفر به وجحد أمره، وهو نوح عليه السلام،

وقيل ((من)) بمعنى ما، أي جزاء لما كان كفر من أيادي اللّه ونعمه عند الذين أغرقهم، أو جزاء لما [صنع] بنوح وأصحابه. وقرأ مجاهد  ((جزاء لمن كان كفر)) بفتح الكاف والفاء، يعني كان الغرق جزاء لمن كان كفر باللّه وكذب رسوله.

١٥

{ ولقد تركناها }، يعني [الفعلة التي] فعلنا، { آية }، يعتبر بها.

وقيل أراد السفينة. قال قتادة أبقاها اللّه [بباقر دي] من أرض الجزيرة. عبرةً وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة، { فهل من مدكر }، أي متذكر متعظ معتبر خائف مثل عقوبتهم.

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلاً سأل الأسود عن قوله ((فهل من مدكر)) أو مذكر؟ قال سمعت عبد اللّه يقرؤها (( فهل من مدكر ))، وقال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرؤها (( فهل من مدكر )) دالاً.

١٦

{ فكيف كان عذابي ونذر }، أي إنذاري. قال الفراء  الإنذار والنذر مصدران، تقول العرب أنذرت إنذاراً ونذراً، كقولهم أنفقت إنفاقاً ونفقة، وأيقنت لإيقاناً ويقيناً، أقيم الاسم مقام المصدر.

١٧

{ ولقد يسرنا }، سهلنا، { القرآن للذكر }، ليتذكر ويعتبر به، وقال سعيد بن جبير  يسرناه للحفظ والقراءة، وليس شيء من كتب اللّه يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن { فهل من مدكر}، متعظ بمواعظه.

١٨

{ كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر }

١٩

{ إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً }، شديدة الهبوب، { في يوم نحس مستمر }، شديد دائم الشؤم، استمر عليهم بنحو سنة فلم يبق منهم أحداً إلا أهلكه. قيل كان ذلك يوم الأربعاء في آخر الشهر.

٢٠

{ تنزع الناس }، تقلعهم ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم. وروي أنها كانت تنزع الناس من قبورهم، { كأنهم أعجاز نخل }، قال ابن عباس أصولها،

وقال الضحاك  أوراك نخل. { منقعر }، [منقطع] من مكانه، ساقط على الأرض. وواحد الأعجاز عجز، مثل عضد وأعضاد وإنما قال ((أعجاز نخل)) وهي أصولها التي قطعت فرعها، لأن الريح كانت تبين رؤوسهم من أجسادهم، فتبقى أجسادهم بلا رؤوس.

٢١

{ فكيف كان عذابي ونذر }

٢٢

{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر }

٢٣

{ كذبت ثمود بالنذر }، بالإنذار الذي جاءهم به صالح.

٢٤

{ فقالوا أبشراً }، آدمياً، { منا واحداً نتبعه }، ونحن جماعة كثيرة وهو واحد، { إنا إذاً لفي ضلال }، خطأ وذهاب عن الصواب، { وسعر }، قال ابن عباس عذاب.

وقال الحسن  شدة عذاب. و

قال قتادة  عناء، يقولون إنا إذاً لفي عناء وعذاب مما يلزمنا من طاعته. قال سفيان بن عيينة  هو جمع عير. وقال الفراء  جنون، يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها. وقال وهب  وسعر أي بعد عن الحق.

٢٥

{ أألقي الذكر عليه }، أأنزل الذكر الوحي، { من بيننا بل هو كذاب أشر }، بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بادعائه النبوة، ((والأشر)) المرح والتجبر. { سيعلمون }، قرأ ابن عامر و حمزة  ((ستعلمون))، بالتاء على معنى قال صالح لهم، وقرأ الآخرون بالياء

٢٦

يقول اللّه تعالى { سيعلمون غداً }، حين ينزل بهم العذاب.

وقال الكلبي  يعني يوم القيامة. وذكر ((الغد)) للتقريب على عادة الناس، يقولون إن مع اليوم غداً، { من الكذاب الأشر }.

٢٧

{ إنا مرسلو الناقة }، أي باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا، وذلك أنهم تعنتوا على صالح، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقةً حمراء عشراء، فقال اللّه تعالى { إنا مرسلو الناقة فتنة لهم }، محنةً واختباراً لهم، { فارتقبهم }، فانتظر ما هم صانعون، { واصطبر }، واصبر على ارتقابهم،

وقيل على ما يصيبك من الأذى.

٢٨

{ ونبئهم أن الماء قسمة بينهم }، وبين الناقة، يوم لها ويوم لهم، وإنما قال نبيهم لأن العرب إذا أخبرت عن نبي آدم وعن البهائم غلبت بن يآدم على البهائم، { كل شرب }، نصيب من الماء، { محتضر }، يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يومها حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم، وحضر واحتضر بمعنى واحد،

قال مجاهد  يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة، فإذا جاءت الناقة حضروا اللبن.

٢٩

{ فنادوا صاحبهم }، وهو قدار بن سالف، { فتعاطى }، فتناول الناقة بسيفه { فعقر }، أي فعقرها.

٣٠

{ فكيف كان عذابي ونذر }، ثم بين عذابهم فقال

٣١

{ إنا أرسلنا عليهم صيحةً واحدة }، قال عطاء  يريد صيحة جبريل عليه السلام، { فكانوا كهشيم المحتظر }، قال ابن عباس هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجر والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم. وقال ابن زيد  هو الشجر البالي الذي تهشم حتى ذرته الريح. والمعنى أنهم صاروا كيبس الشجر إذا تحطم، والعرب تسمي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً. و

قال قتادة  كالعظام النخرة المحترقة. وقال سعيد بن جبير  هو التراب الذي يتناثر من الحائط.

٣٢

{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر }

٣٣

{ كذبت قوم لوط بالنذر }

٣٤

{ إنا أرسلنا عليهم حاصباً }، ريحاً ترميهم بالحصباء، وهي الحصى،

وقال الضحاك  يعني صغار الحصى.

وقيل ((الحصباء)) هي الحجر الذي دون ملء الكف، وقد يكون الحاصب الرامي، فيكون المعنى على هذا أرسلنا عليهم عذاباً يحصبهم، أي يرميهم بالحجارة، ثم استثنى فقال { إلا آل لوط }، يعني لوطاً وابنتيه، { نجيناهم }، من العذاب، { بسحر }.

٣٥

{ نعمةً من عندنا }، أي جعلناه نعمة منا عليهم حيث أنجيناهم، { كذلك }، كما أنعمنا على آل لوط، { نجزي من شكر }،

قال مقاتل  من وحد اللّه لم يعذبه مع المشركين.

٣٦

{ ولقد أنذرهم }، لوط، { بطشتنا }، أخذنا إياهم بالعقوبة، { فتماروا بالنذر }، شكوا بالإنذار وكذبوا ولم يصدقوا.

٣٧

{ ولقد راودوه عن ضيفه }، طلبوا أن يسلم إليهم أضيافه { فطمسنا أعينهم }، وذلك أنهم لما قصدوا دار لوط وعالجوا الباب ليدخلوا، قالت الرسل [للوط] خل بينهم وبين الدخول فإنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فدخلوا الدار فصفقهم جبريل بجناحه بإذن اللّه فتركهم عمياً يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب، فأخرجهم لوط عمياً لا يبصرون. قوله ((فطمسنا أعينهم)) أي صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شق، هذا قول أكثر المفسرين.

وقال الضحاك  طمس اللّه أبصارهم فلم يروا الرسل، فقالوا قد رأيناهم حين رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا، فلم يروهم فرجعوا. { فذوقوا عذابي ونذر }، أي [ما أنذركم] به لوط من العذاب.

٣٨

{ ولقد صبحهم بكرةً }، جاءهم وقت الصبح، { عذاب مستقر }، دائم استقر فيهم حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة،

وقيل عذاب حق.

٣٩

{ فذوقوا عذابي ونذر }

٤٠

{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر }

٤١

{ ولقد جاء آل فرعون النذر }، يعني موسى وهارون عليهما السلام،

وقيل هي الآيات التي أنذرهم بها موسى.

٤٢

{ كذبوا بآياتنا كلها }، وهي الآيات التسع، { فأخذناهم }، بالعذاب، { أخذ عزيز }، غالب في انتقامه، { مقتدر }، قادر على إهلاكهم، لا يعجزه ما أراد، ثم خوف أهل مكة فقال

٤٣

{ أكفاركم خير من أولئكم }، أشد وأقوى من الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون؟ وهذا استفهام بمعنى الإنكار أي ليسوا بأقوى منهم، { أم لكم براءة }، من العذاب، { في الزبر }، في الكتب، أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية.

٤٤

{ أم يقولون }، يعني كفار مكة، { نحن جميع منتصر }،

قال الكلبي  نحن جميع أمرنا [منتصر] من أعدائنا، المعنى نحن يد واحدة على من خالفنا، منتصر ممن عادانا، ولم يقل منتصرون لوافقة رؤوس الآي.

٤٥

قال اللّه تعالى { سيهزم الجمع }، قرأ يعقوب  ((سنهزم)) بالنون، ((الجمع)) نصب، وقرأ الآخرون بالياء وضمها، ((الجمع)) رفع على غير تسمية الفاعل، يعني كفار مكة، { ويولون الدبر }، يعني الأدبار فوحد لأجل رؤوس الآي، كما قال ضربنا منهم الرؤوس إذا كان الواحد يؤدي معنى الجمع، أخبر اللّه أنهم يولون أدبارهم منهزمين فصدق اللّه وعده وهزمهم يوم بدر.

أخبرنا عبد الواحد المليحي ،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي ،

أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال {قال النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو في قبته يوم بدر اللّهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللّهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم ، فأخذ أبو بكر بيده، فقال حسبك يارسول اللّه، فقد ألححت على ربك -وهو في الدرع٠ فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر }.

٤٦

{ بل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر }، قال سعيد بن المسيب  سمعت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول لما نزلت { سيهزم الجمع ويولون الدبر } كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم يثب في درعه ويقول (( سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم )) جميعاً (( والساعة أدهى وأمر ))، أعظم داهية وأشد مرارةً من الأسر والقتل يوم بدر.

٤٧

{ إن المجرمين }، لمشركين، { في ضلال وسعر }، قيل ((في ضلال)) بعد عن الحق. قال الضحاك  ((وسعر)) أي نار تسعر عليهم

وقيل ((ضلال)) ذهاب عن طريق الجنة في الآخرة، ((وسعر)) نار مسعرة، قال الحسين بن الفضل  إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة. و

قال قتادة  في عناء وعذاب.

٤٨

ثم بين عذابهم فقال { يوم يسحبون }، يجرون، { في النار على وجوههم }، ويقال لهم { ذوقوا مس سقر }.

٤٩

{ إنا كل شيء خلقناه بقدر }، أي ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ، قال الحسن  قدر اللّه لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له.

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي ،

أخبرنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي ،

أخبرنا أبو [معشر] يعقوب بن عبد الجليل بن يعقوب ، حدثنا أبو يزيد حاتم بن محبوب ،

أخبرنا أحمد بن نصر النيسابوري ،

أخبرنا عبد اللّه بن الوليد العدني ،

أخبرنا الثوري عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال جاءت مشركو قريش إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآية { إن المجرمين في ضلال وسعر } إلى قوله { إنا كل شيء خلقناه بقدر }.

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ،

أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي الخدشاهي ،

أخبرنا عبد اللّه بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربذي ،

أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ،

أخبرنا عبد اللّه بن وهب ، أخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن [الحبلى] عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول { كتب اللّه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وكان عرشه على الماء }.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ،

أخبرنا زاهر بن أحمد ،

أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ،

أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاووس اليماني قال أدركت ناساً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقولون (( كل شيء بقدر اللّه ))، قال وسمعت عبد اللّه بن [عمر] رضي اللّه عنه يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز }.

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الصالحي ،

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ،

أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ،

أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة

أخبرنا يعلى بن عبيد ، [وعبيد اللّه] بن موسى و أبو نعيم عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر زاد [عبيد اللّه] خيره وشره }. ورواه أبو داود عن شعبة عن منصور وقال عن ربعي عن علي ولم يقل عن رجل، وهذا أصح.

٥٠

{ وما أمرنا إلا واحدةً كلمح بالبصر }، قوله { واحدة }، يرجع إلى المعنى دون اللفظ، أي وما أمرنا إلا مرة واحدة.

وقيل معناه وما أمرنا للشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحد كن فيكون، لا مراجعة فيها كلمح بالبصر. قال عطاء عن ابن عباس يريد أن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر وقال الكلبي عنه وما أمرنا لمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر.

٥١

{ ولقد أهلكنا أشياعكم }، أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السالفة { فهل من مدكر }، متعظ يعلم أن ذلك حق فيخاف ويعتبر.

٥٢

{ وكل شيء فعلوه }، يعني فعله الأشياع من خير وشر، { في الزبر }، في كتاب الحفظة،

وقيل في اللوح المحفوظ.

٥٣

{ وكل صغير وكبير }، من الخلق وأعمالهم وآجالهم، { مستطر }، مكتوب يقال سطرت زاستطرت وكتبت واكتتبت.

٥٤

{ إن المتقين في جنات }، بساتين، { ونهر }، أي أنهار، ووحده لأجل رؤوس الآي، وأراد أنهار الجنة من الماء والخمر واللبن والعسل.

وقال الضحاك  يعني في ضياء وسعة ومنه النهار. وقرأ الأعرج ((ونهر))، بضمتين جمع نهار يعني نهاراً لا ليل لهم.

٥٥

{ في مقعد صدق }، في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم، { عند مليك مقتدر }، ملك قادر لا يعجزه شيء. قال [ جعفر] الصادق  مدح اللّه المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق.

﴿ ٠