سورة الواقعة١{إذا وقعت الواقعة}، إذا قامت القيامة. وقيل إذا نزلت صيحة القيامة، وهي النفخة الأخيرة. ٢{ليس لوقعتها}، لمجيئها، {كاذبة}، كذب، كقوله {لا تسمع فيها لاغية} (الغاشية- ١١)، أي لغو، يعني أنها تقع صدقاً وحقاً. و الكاذبة اسم كالعافية والنازلة. ٣{خافضة رافعة}، تخفض أقواماً إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة. وقال عطاء عن ابن عباس تخفض أقواماً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع أقواماً كانوا في الدنيا مستضعفين. ٤{إذا رجت الأرض رجاً}، حركت وزلزلت زلزالاً، قال الكلبي إن اللّه إذا أوحى إليها اضطربت فرقاً. قال المفسرون ترج كما يرج الصبي في المهد حتى ينهدم كل بناء عليها وينكسر كل ما عليها من الجبال وغيرها. وأصل الرج في اللغة التحريك، يقال رججته فارتج. ٥{وبست الجبال بساً}، قال عطاء ومقاتل ومجاهد فتت فتاً فصارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول. قال سعيد بن المسيب والسدي كسرت كسراً. وقال الكلبي سيرت على وجه الأرض تسييراً. قال الحسن قلعت من أصلها فذهبت، نظيرها {فقل ينسفها ربي نسفاً} (طه- ١٠٥)، قال ابن كيسان جعلت كثيباً مهيلاً بعد أن كانت شامخة طويلة. ٦{فكانت هباء منبثاً}، غباراً متفرقاً كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل الكوة، وهو الهباء. ٧{وكنتم أزواجاً}، أصنافاً، {ثلاثة}. ٨ثم فسرها فقال {فأصحاب الميمنة}، هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه، وقال اللّه تعالى لهم هؤلاء في الجنة ولا أبالي. وقال الضحاك هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم. وقال الحسن والربيع هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم، وكانت أعمارهم في طاعة اللّه وهم التابعون بإحسان، ثم عجب نبيه صلى اللّه عليه وسلم فقال {ما أصحاب الميمنة}، وهذا كما يقال زيد ما زيد! يراد زيد شديد. ٩{وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة}، يعني أصحاب الشمال، والعرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى، ومنه يسمى الشام واليمن، لأن اليمن عن يمين الكعبة والشام عن شمالها، وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار. وقال ابن عباس هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية وقال اللّهم لهم هؤلاء في النار ولا أبالي. وقال الضحاك هم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم. وقال الحسن هم المشائيم على أنفسهم وكانت أعمارهم في المعاصي. ١٠{والسابقون السابقون}، قال ابن عباس السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة. وقال عكرمة السابقون إلى الإسلام. قال ابن سيرين هم الذين صلوا إلى القبلتين، دليله قوله {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} (التوبة- ١٠٠). قال الربيع بن أنس السابقون إلى إجابة الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى. وقال مقاتل إلى إجابة الأنبياء بالإيمان. وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه إلى الصلوات الخمس. وقال الضحاك إلى الجهاد. وقال سعيد بن جبير هم المسارعون إلى التوبة وإلى أعمال البر. قال اللّه تعالى {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} (الحديد- ٢١)، {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} (آل عمران- ١٣٣). ثم أثنى عليهم فقال أولئلك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون قال ابن كيسان والسابقون إلى كل ما دعا اللّه إليه. وروي عن كعب قال هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة. وقيل هم أولهم رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً إلى سبيل اللّه. وقال القرظي إلى كل خير. ١١{أولئك المقربون}، من اللّه. ١٢{في جنات النعيم}. ١٣{ثلة من الأولين}، أي من الأمم الماضية من لدن آدم عليه السلام إلى زمان نبينا صلى اللّه عليه وسلم والثلة جماعة غير محصورة العدد. ١٤{وقليل من الآخرين}، يعني من هذه الأمة، قال الزجاج الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم عليه الصلاة والسلام وصدقوهم، أكثر ممن عاين النبي صلى اللّه عليه وسلم. ١٥{على سرر موضونة}، منسوجة كما توضن حلق الدرع فيدخل بعضها في بعض. قال المفسرون هي موصولة منسوجة بالذهب والجواهر. وقال الضحاك موضونة مصفوفة. ١٦{متكئين عليها متقابلين}، لا ينظر بعضهم في قفا بعض. ١٧{يطوف عليهم}، للخدمة، {ولدان}، غلمان، {مخلدون}، لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون. وقال الفراء تقول العرب لمن كبر ولم يشمط إنه مخلد. قال ابن كيسان يعني ولداناً لا يحولون من حالة إلى حالة. قال سعيد بن جبير مقرطون، يقال خلد جاريته إذا حلاها بالخلد، وهو القرط. قال الحسن هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها لأن الجنة لا ولادة فيها فهم خدام أهل الجنة. ١٨{بأكواب وأباريق}، فالأكواب جمع كوب، وهي الأقداح المستديرة الأفواه، لا آذان لها ولا عرى، والأباريق هي ذوات الخراطيم، سميت أباريق لبريق لونها من الصفاء. {وكأس من معين}، خمر جارية. ١٩{لا يصدعون عنها}، لا تصدع رؤوسهم من شربها، {ولا ينزفون}، أي لا يسكرون هذا إذا قرئ بفتح الزاي، ومن كسر فمعناه لا ينفد شرابهم. ٢٠{وفاكهة مما يتخيرون}، يختارون ما يشتهون يقال تخيرت الشيء إذا أخذت خيره. ٢١{ولحم طير مما يشتهون}، قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيصير ممثلاً بين يديه على ما اشتهى، ويقال إنه يقع على صحفة الرجل فيأكل منه ما يشتهي ثم يطير فيذهب. ٢٢{وحور عين}، قرأ أبو جعفر، وحمزة والكسائي بكسر الراء والنون، أي وبحور عين، أتبعه قوله {بأكواب وأباريق}، { وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير } في الإعراب وإن اختلفا في المعنى، لأن الحور لا يطاف بهن، كقول الشاعر إذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا والعين لا تزجج وإنما تكحل، ومثله كثير. وقيل معناه ويكرمون بفاكهة ولحم طير وحور عين. وقرأ الباقون بالرفع، أي ويطوف عليهم حور علين. وقال الأخفش رفع على معنى لهم حور عين، وجاء في تفسيره حور عين بيض ضخام العيون. ٢٣{كأمثال اللؤلؤ المكنون}، المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي. ويروى أنه يسطح نور في الجنة، قالوا وما هذا؟ قالوا ضوء ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها. ويروى أن الحوراء إذا مشت يسمع تقديس الخلاخل من ساقيها وتمجيد الأسورة من ساعديها، وإن عقدت الياقوت ليضحك من نحرها، وفي رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ يصران بالتسبيح. ٢٤{جزاءً بما كانوا يعملون}. ٢٥{لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً}. ٢٦{إلا قيلاً}، أي قولاً {سلاماً سلاماً}، نصبهما اتباعاً لقوله {قيلاً} أي يسمعون سلاماً سلاماً. قال عطاء يحيي بعضهم بعضاً بالسلام. ٢٧ثم ذكر أصحاب اليمين وعجب من شأنهم فقال جل ذكره {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين}. ٢٨{في سدر مخضود}، لا شوك فيه، كأنه خضد شوكه، أي قطع ونزع منه، هذا قول ابن عباس وعكرمة. وقال الحسن لا يعقر الأيدي، قال ابن كيسان هو الذي لا أذى فيه، قال وليس شيء من ثمر الجنة في غلف كما يكون في الدنيا من الباقلاء وغيره بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه. قال الضحاك ومجاهد هو الموقر حملاً. قال سعيد بن جبير ثمارها أعظم من القلال. قال أبو العالية والضحاك نظر المسلمون إلى وج -وهو واد مخصب بالطائف- فأعجبهم سدرها، وقالوا يا ليت لنا مثل هذا فأنزل اللّه هذه الآية. ٢٩{وطلح}، أي موز، واحدتها طلحة، عن أكثر المفسرين. وقال الحسن ليس هو بالموز ولكنه شجر له ظل بارد طيب. قال الفراء، وأبو عبيدة الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك. وروى مجالد عن الحسن بن سعد قال قرأ رجل عند علي رضي اللّه، عنه {وطلح منضود}، فقال وما شأن الطلح؟ إنما هو طلع منضود، ثم قرأ {طلعها هضيم}، قلت يا أمير المؤمنين إنها في الصحف بالحاء أفلا تحولها؟ فقال إن القرأن لا يهاج اليوم ولا يحول. والمنضود المتراكم الذي قد نضد بالحمل من أوله إلى آخره، ليست له سوق بارزة، قال مسروق أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها ثمر كله. ٣٠{وظل ممدود}، دائم لا تنسخه نالشمس والعرب تقول للشيء الذي لا ينقطع ممدود. أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي، أخبرنا أبوطاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها}. وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله {وظل ممدود}، قال شجرة في الجنة على ساق يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها ويشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل اللّه عز وجل عليها ريحاً من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا. ٣١{وماء مسكوب} مصبوب يجري دائماً في غير أخدود لا ينقطع . ٣٢{وفاكهة كثيرة}. ٣٣{لا مقطوعة ولا ممنوعة}، قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت، ولا تمتنع من أحد أراد أخذها. وقال بعضهم لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان، كما ينقطع أكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء، ولا يتوصل إليها إلا بالثمن. وقال القتيبي يعني لا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا. وجاء في الحديث {ما قطعت ثمرة من ثمار الجنة إلا أبدل اللّه مكانها ضعفين}. ٣٤{وفرش مرفوعة}، قال علي {وفرش مرفوعة} على الأسرة. وقال جماعة من المفسرين بعضها فوق بعض فهي مرفوعة عالية. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا ابن حبيش، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، حدثنا أبو كريب، حدثنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى {وفرش مرفوعة} قال {إن ارتفاعها لكما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمسمائة عام}. وقيل أراد بالفرش النساء، والعرب تسمي المرأة فراشاً ولباساً على الاستعارة، {مرفوعة} رفعن بالجمال والفضل على نساء الدنيا. ٣٥دليل هذا التأويل قوله في عقبه {إنا أنشأناهن إنشاءً}، خلقناهن خلقاً جديداً، قال ابن عباس يعني الآدميات العجز الشمط، يقول خلقناهن بعد الهرم خلقاً آخر. ٣٦{فجعلناهن أبكاراً}، عذارى. أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي، عن الهيثم بن كليب الشاشي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا عبد بن حميد، أخبرنا مصعب ابن المقدام، أخبرنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال {أتت عجوز النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه ادع اللّه أن يدخلني الجنة، فقال يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، قال فولت تبكي، قال أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن اللّه تعالى يقول } إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا {}. أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد الخطيب، أخبرنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور، أخبرنا أبو بكر بن محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي ببغداد، أخبرنا خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي، حدثنا سفيان الثوري عن يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله {إنا أنشأناهن إنشاءً} قال عجائز، كن في الدنيا عمشاً رمصاً. فجعلهن أبكاراً. وقال المسيب بن شريك هن عجائز الدنيا أنشأهن اللّه تعالى خلقاً جديداً كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا. وذكر المسيب عن غيره أنهن فضلن على الحور العين بصلاتهن في الدنيا. وقال مقاتل وغيره هن الحور العين أنشأهن اللّه، لم يقع عليهن ولادة، فجعلناهن أبكاراً عذارى، وليس هناك وجع. ٣٧{عرباً}، قرأ حمزة وإسماعيل عن نافع وأبو بكر {عرباً} ساكنة الراء، الباقون بضمها وهي جمع عروب أي عواشق متحببات إلى أزواجهن. قاله الحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس. وقال عكرمة عنه ملقة. وقال عكرمة غنجة. وقال أسامة بن زيد عن أبيه {عرباً} حسنات الكلام. {أتراباً}، مستويات في السن على سن واحد. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا ابن شيبة حدثنا الفريابي عن علي بن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مزداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين، على خلق آدم طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع}. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد اللّه بن محمود، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد اللّه الخلال، حدثنا عبد اللّه بن المبارك عن رشدين بن سعد، حدثني عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء}. وبهذا الإسناد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {ينظر إلى وجهه في خدها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب، وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك}. وبهذا الإسناد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون أبناء ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبداً، وكذلك أهل النار}. وبهذا الإسناد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب}. أخبرنا محمد بن عبد اللّه أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر الحارثي، أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا عبد اللّه بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد اللّه الخلال، أخبرنا عبد للّه بن المبارك عن محمد بن سليم عن الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد اللّه بن معبد الرماني، عن أبي هريرة قال {أدنى أهل الجنة منزلة -وما منهم دنيء- لمن يغدو عليه ويروح عشرة آلاف خادم، مع كل واحد منهم طريفة ليست مع صاحبه}. ٣٨قوله عز وجل {لأصحاب اليمين}، يريد أنشأناهن لأصحاب اليمين. ٣٩{ثلة من الأولين}، من المؤمنين الذين كانوا قبل هذه الأمة. ٤٠{وثلة من الآخرين}، من مؤمني هذه الأمة، هذا قول عطاء ومقاتل. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد العدل، حدثنا عبد اللّه بن عبد الرحمن الدقاق، حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا عيسى بن المساور، حدثنا الوليد ابن مسلم، حدثنا عيسى بن موسى، عن عروة بن رويم قال {لما أنزل اللّه على رسوله } ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين { بكى عمر رضي اللّه عنه، وقال يا نبي اللّه آمنا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصدقناه ومن ينجو منا قليل؟ فأنزل اللّه عز وجل } ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين {، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمر فقال قد أنزل اللّه عز وجل فيما قلت، فقال عمر رضي اللّه عنه رضينا عن ربنا وتصديق نبينا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من آدم إلينا ثلة، ومني إلى يوم القيامة ثلة، ولا يستتمها إلى سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا اللّه}. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حصين بن نمير عن حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوماً فقال {عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سواداً كثيراً سد الأفق فرجوت أن يكونوا أمتي، فقيل هذا موسى في قومه، ثم قيل لي انظر، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي انظر هكذا وهكذافرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرق الناس ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا باللّه ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا فبلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة ابن محصن فقال أمنهم أنا يا رسول اللّه؟ فقال نعم فقام آخر فقال أمنهم أنا؟ قال عليه السلام قد سبقك بها عكاشة}. ورواه عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال {عرضت علي الأنبياء الليلة بأتباعها حتى أتى علي موسى عليه السلام في كبكبة بني إسرائيل فلما رأيتهم أعجبوني، فقلت أي رب هؤلاء؟ قيل هذا أخوك موسى ومن معه من بني إسرائيل، قلت رب فأين أمتي؟ قيل انظر عن يمينك، فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال، قيل هؤلاء أمتك أرضيت؟ قلت رب رضيت، رب رضيت، قيل انظر عن يسارك فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال، قيل هؤلاء أمتك أرضيت؟ قلت رب رضيت، فقيل إن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة لا حساب لهم، فقال نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا، وإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الظراب، وإن عجزتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت ثم أناساً يتهاوشون كثيراً}. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ميمون عن عبد اللّه قال {كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قبة فقال أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا نعم، قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا نعم، قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم من أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر}. وذهب جماعة إلى أن الثلتين جميعاً من هذه الأمة، وهو قول أبي العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك، قالوا {ثلة من الأولين} من سابقي هذه الأمة {وثلة من الآخرين} من آخر هذه الأمة في آخر الزمان. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسن بن محمد الدينوري، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني، أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية {} ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين { قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هما جميعاً من أمتي}. ٤١قوله تعالى {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال}. ٤٢{في سموم}، ريح حارة، {وحميم}، ماء حار. ٤٣{وظل من يحموم}، دخان شديد السواد، تقول العرب أسود يحمود إذا كان شديد السواد، وقال الضحاك النار سوداء وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود. وقال ابن كيسان اليحموم اسم من أسماء النار. ٤٤{لا بارد ولا كريم}، قال قتادة لا بارد المنزل ولا كريم المنظر. وقال سعيد بن المسيب ولا كريم ولا حسن، نظيره {من كل زوج كريم}. (الشعراء- ٧) وقال مقاتل طيب. ٤٥{إنهم كانوا قبل ذلك}، يعني في الدنيا، {مترفين}، منعمين. ٤٦{وكانوا يصرون}، يقيمون {على الحنث العظيم}، على الذنب الكبيرلا وهو الشرك. وقال الشعبي {الحنث العظيم} اليمين الغموس. ومعنى هذا أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك. ٤٧{ وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون }، قرأ أبو جعفر، ونافع، والكسائي، ويعقوب { أإذا } مستفهماً، إنا بتركه، وقرأ الآخرون بالاستفهام فيهما. ٤٨{أو آباؤنا الأولون}. ٤٩{قل إن الأولين والآخرين}. ٥٠{لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم}. ٥١{ثم إنكم أيها الضالون المكذبون}. ٥٢{لآكلون من شجر من زقوم}. ٥٣{فمالئون منها البطون}. ٥٤{فشاربون عليه من الحميم}. ٥٥{فشاربون شرب الهيم}، قرأ أهل المدينة، وعاصم وحمزة {شرب} بضم الشين. وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان، فالفتح على المصدر، والضم اسم بمعنى المصدر كالضعف والضعف و{الهيم} الإبل العطاش، قال عكرمة وقتادة الهيام داء يصيب الإبل لا تروى معه، ولا تزال تشرب حتى تهلك. يقال جمل أهيم، وناقة هيماء، والإبل هيم. وقال الضحاك وابن عيينة {الهيم} الأرض السهلة ذات الرمل. ٥٦{هذا نزلهم}، يعني ما ذكر من الزقوم والحميم، أي رزقهم وغذاؤهم وما أعد لهم، {يوم الدين}، يوم يجازون بأعمالهم. ٥٧ثم احتج عليهم في البعث بقوله {نحن خلقناكم}، قال مقاتل خلقناكم ولم تكونوا شيئاً وأنتم تعلمون ذلك، {فلولا}، فهلا {تصدقون}، بالبعث. ٥٨{أفرأيتم ما تمنون}، تصبون في الأرحام من النطف. ٥٩{أأنتم تخلقونه}، يعني أأنتم تخلقون ما تمنون بشراً، {أم نحن الخالقون}. ٦٠{نحن قدرنا}، قرأ ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وهما لغتان، {بينكم الموت}، قال مقاتل فمنكم من يبلغ الهرم ومنكم من يموت صبياً وشاباً. وقال الضحاك تقديره إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء، فعلى هذا يكون معنى {قدرنا} قضينا. {وما نحن بمسبوقين}، بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإيدالكم بأمثالكم. ٦١فذلك قوله عز وجل {على أن نبدل أمثالكم}، يعني نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم، {وننشئكم}، نحلقكم { في ما لا تعلمون }، من الصور، قال مجاهد في أي خلق شئنا. وقال الحسن أي نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير، كما فعلنا بمن كان قبلكم، يعني إن أردنا أن نفعل ذلك ما فاتنا ذلك. وقال سعيد بن المسيب { في ما لا تعلمون } يعني في حواصل طير سود، تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف، وبرهوت واد باليمن. ٦٢{ولقد علمتم النشأة الأولى}، الخلقة الأولى، ولم تكونوا شيئاً. {فلولا تذكرون}، أني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم. ٦٣{أفرأيتم ما تحرثون}، يعني تثيرون من الأرض وتلقون فيها من البذر. ٦٤{أأنتم تزرعونه}، تنبتونه، {أم نحن الزارعون}، المنبتون. ٦٥{لو نشاء لجعلناه حطاماً}، قال عطاء تبناً لا قمح فيه، وقيل هشيماً لا ينتفع به في مطعم وغذاء، {فظلتم}، وأصله فظللتم، حذفت إحدى اللامين تخفيفاً. {تفكهون}، تتعجبون بما نزل بكم في زرعكم، وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل. وقيل تندمون على نفقاتكم، وهو قول يمان، نظيره {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} (الكهف- ٤٢)، وقال الحسن تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة. وقال عكرمة تتلاومون. وقال ابن كيسان تحزنون. قال الكسائي هو تلهف على ما فات، وهو من الأضداد، تقول العرب تفكهت أي تنعمت وتفكهت أي حزنت. ٦٦{إنا لمغرمون}، قرأ أبو بكر عن عاصم أإنا بهمزتين، وقرأ الآخرون على الخبر، ومجاز الآية فظلتم تفكهون وتقولون إنا لمغرمون. وقال مجاهد وعكرمة لمولع بنا. وقال ابن عباس وقتادة معذبون، والغرام العذاب. وقال الضحاك وبن كيسان غرمنا أموالنا وصار ما أنفقنا غرماً علينا، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض. ٦٧وهو قوله {بل نحن محرومون}، محدودون ممنوعون، أي حرمنا ما كنا نطلبه من الريع في الزرع. ٦٨{أفرأيتم الماء الذي تشربون}. ٦٩{أأنتم أنزلتموه من المزن}، السحاب، واحدتها مزنة، {أم نحن المنزلون}. ٧٠{ لو نشاء جعلناه أجاجا }، قال ابن عباس شديد الملوحة، قال الحسن مراً.{فلولا تشكرون}. ٧١{أفرأيتم النار التي تورون}، تقدحون وتستخرجون من زندكم. ٧٢{أأنتم أنشأتم شجرتها}، التي تقدح منها النار، وهي المرخ والعفار، {أم نحن المنشئون}. ٧٣{نحن جعلناها تذكرة}، يعني نار الدنيا، تذكرة للنار الكبرى إذا رآها الرائي ذكر جهنم، قاله عكرمة ومجاهد ومقاتل. وقال عطاء موعظة يتعظ بها المؤمن. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة {أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا يا رسول اللّه إن كانت لكفاية، قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً}. {ومتاعاً}، بلغة ومنفعة،{للمقوين}، المسافرين، و المقوي النازل في الأرض والقي والقوا هو القفر الخالية البعيدة من العمران، يقال أقوت الدار إذا خلت من سكانها. والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي والأسفار، فإن منفعتهم بها أكثر من منفعة المقيم وذلك أنهم يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السباع ويهتدي بها الضلال وغير ذلك من المنافع، هذا قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد وعكرمة {للمقوين} يعني للمستمتعين بها من الناس أجمعين، المسافرين والحاضرين، يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون من البرد، وينتفعون بها في الطبخ والخبز. قال الحسن بلغة للمسافرين، يتبلغون بها إلى أسفارهم، يحملونها في الخرق والجواليق. وقال ابن زيد للجائعين، تقول العرب أقوبت منذ كذا وكذا، أي ما أكلت شيئاً. قال قطرب المقوي من الأضداد، يقال للفقير مقو لخلوه من المال، ويقال للغني مقو، لقوته على ما يريد، يقال أقوى الرجل إذا قويت دوابه وكثر ماله وصار إلى حالة القوة. والمعنى أن فيها متاعاً للأغنياء والفقراء جميعاً لا غنى لأحد عنها. ٧٤{فسبح باسم ربك العظيم}. ٧٥قوله عز وجل { فلا أقسم بمواقع النجوم}، قال أكثر المفسرين معناه أقسم، و {لا} صلة، وكان عيسى بن عمر يقرأ فلأقسم، على التحقيق. وقيل قوله {فلا} رد لما قاله الكفار في القرآن إنه سحر وشعر وكهانة، معناه ليس الأمر كما يقولون،ثم استأنف القسم، فقال {أقسم بمواقع النجوم}. قرأ حمزة والكسائي بموقع على التوحيد. وقرأ الآخرون بمواقع على الجمع. قال ابن عباس أراد نجوم القرآن، فإنه كان ينزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متفرقاً نجوماً. وقال جماعة من المفسرين أراد مغارب النجوم ومساقطها. وقال عطاء بن أبي رباح أراد منازلها. وقال الحسن أراد انكدارها وانتثارها يوم القيامة. ٧٦{وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} ٧٧{إنه}، يعني هذا الكتاب وهو موضع القسم. {لقرآن كريم}، عزبز مكرم، لأنه كلام اللّه. قال بعض أهل المعاني الكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير. ٧٨{في كتاب مكنون}، مصون عند اللّه في اللوح المحفوظ، محفوظ من الشياطين. ٧٩{لا يمسه}، أي ذلك الكتاب المكنون، {إلا المطهرون}، وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة، يروى هذا عن أنس، وهو قول سعيد بن جبير، وأبى عالية، وقتادة وابن زيد أنهم الملائكة، وروى محمد بن الفضيل عنه لا يقرؤه إلا الموحدون. قال عكرمة وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن. قال الفراء لايجد طعمه ونفعه إلا من آمن به. وقال قوم معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات، وظاهر الآية نفي ومعناها نهي، قالوا لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا المحدث حمل المصحف ولا مسه، وهو قول عطاء، وطاووس، وسالم، والقاسم، وأكثر أهل العلم، وبه قال مالك والشافعي. وقال الحكم، وحماد، وأبو حنيفة يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه. والأول قول أكثر الفقهاء. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن ما لك عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر. والمراد بالقرآن المصحف، سماه قرآناً على قرب الجوار والاتساع. كما روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو}. وأراد به المصحف. ٨٠{تنزيل من رب العالمين}، أي القرآن منزل من عند رب العالمين. سمي المنزل تنزيلاً، على اتساع اللغة، كما يقال للمقدور قدر، وللمخلوق خلق. ٨١{أفبهذا الحديث}، يعني القرآن، {أنتم}، يا أهل مكة، {مدهنون}، قال ابن عباس مكذبون. وقال مقاتل بن حيان كافرون، نظيره {ودوا لو تدهن فيدهنون} (القلم- ٩)، والمدهن والمداهن الكذاب والمنافق، وهو من الإدهان، وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر، هذا أصله، ثم قيل للمكذب مدهن، وإن صرح بالتكذيب والكفر. ٨٢{وتجعلون رزقكم}، حظكم ونصيبكم من القرآن، {أنكم تكذبون}، قال الحسن في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب اللّه إلا التكذيب به. وقال جماعة من المفسرين معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون. وقال الهيثم بن عدي إن من لغة أزد شنوءة ما رزق فلان، بمعنى ما شكر، وهذا في الاستسقاء بالأنواء، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا مطرنا بنوء كذا، ولا يرون ذلك من فضل اللّه تعالى، فقيل لهم أتجعلون رزقكم، أي شكركم بما رزقتم، يعني شكر رزقكم التكذيب، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن زيد ابن خالد الجهني قال {صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا اللّه ورسوله أعلم، قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل اللّه ورحمته فذلك مؤمن بي، وكافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا كذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب}. ورواه ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وزاد فنزلت هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم} إلى قوله {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (الواقعة- ٨٢). أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سيفان، حدثنا مسلم بن حجاج، حدثني محمد بن سلمة المرادي، حدثنا عبد اللّه بن وهب عن عمرو بن الحارث، أخبرنا أبو يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال {ما أنزل اللّه من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل اللّه تعالى الغيث فيقولون مطرنا بكوكب كذا وكذا}. ٨٣قوله عز وجل {فلولا}، فهلا، {إذا بلغت الحلقوم}، أي بلغت النفس الحلقوم عند الموت. ٨٤{وأنتم حينئذ تنظرون}، يريد وأنتم يا أهل الميت تنظرون إليه متى تخرج نفسه. وقيل معنى قوله {تنظرون} أي إلى أمري وسلطاني لا يمكنكم الدفع ولا تملكون شيئاً. ٨٥{ونحن أقرب إليه منكم}، بالعلم والقدرة والرؤية. وقيل ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم، {ولكن لا تبصرون}، الذين حضروه. ٨٦{فلولا}، فهلا {إن كنتم غير مدينين}، مملوكين، وقال أكثرهم محاسبين ومجزيين. ٨٧{ترجعونها إن كنتم صادقين}، أي تردون نفس هذا الميت إلى جسده بعدما بلغت الحلقوم، فأجاب عن قوله {فلولا إذا بلغت الحلقوم} وعن قوله {فلولا إن كنتم غير مدينين} بجواب واحد. ومثله قوله عز وجل {فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} (البقرة- ٣٨) أجيبا بجواب واحد، معناه إن كان الأمر كما تقولون -أنه لا بعث ولا حساب ولا إله يجازي- فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم، وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو اللّه عز وجل فآمنوا به. ٨٨ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت وبين درجاتهم فقال {فأما إن كان من المقربين}، وهم السابقون. ٨٩{فروح}، قرأ يعقوب {فروح} بضم الراء، والباقون بفتحها، فمن قرأ بالضم، قال الحسن معناه تخرج روحه في الريحان وقال قتادة الروح الرحمة أي له الرحمة، وقيل معناه فحياة وبقاء لهم. ومن قرأ بالفتح، معناه فله روح وهو الراحة، وهو قول مجاهد. وقال سعيد بن جبير فرح. وقال الضحاك مغفرة ورحمة. {وريحان}، استراحة. وقال مجاهد وسعيد بن جبير رزق. وقال مقاتل هو الرزق بلسان حمير، يقال خرجت أطلب ريحان اللّه، أي رزق اللّه. وقال آخرون هو الريحان الذي يشم. قال أبو العالية لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض روحه. {وجنة نعيم}، قال أبو بكر الوراق الروح النجاة من النار، والريحان دخول دار القرار. ٩٠{وأما إن كان}، المتوفى، {من أصحاب اليمين}. ٩١{فسلام لك من أصحاب اليمين}، أي سلامة لك يا محمد منهم، فلا تهتم لهم، فإنهم سلموا من عذاب اللّه أو أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة. قال مقاتل هو أن اللّه تعالى يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم. وقال الفراء وغيره مسلم لك أنهم من أصحاب اليمين، أو يقال لصاحب اليمين مسلم لك إنك من أصحاب اليمين وألفيت إن كالرجال يقول إني مسافر عن قليل ، فيقول له أنت مصدق مسافر عن قليل، وقيل {فسلام لك} عليك من أصحاب اليمين. ٩٢{وأما إن كان من المكذبين}، بالبعث، {الضالين}، عن الهدى وهم أصحاب المشأمة. ٩٣{فنزل من حميم}، فالذي يعد لهم حميم جهنم. ٩٤{وتصلية جحيم}، وإدخال نار عظيمة. ٩٥{إن هذا}، يعني ما ذكر من قصة المحتضرين، {لهو حق اليقين}، أي الحق اليقين، أضافه إلى نفسه. ٩٦{فسبح باسم ربك العظيم}، قيل فصل بذكر ربك وأمره وقيل الباء أي فسبح اسم ربك العظيم. أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا ابن فنجويه، أخبرنا ابن أبي شيبة، حدثنا حمزة محمد الكاتب، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد اللّه بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي، عن عمه وهو إياس بن عامر، عن عقبة بن عامر الجهني قال {لما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم }فسبح باسم ربك العظيم{، قال اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت }سبح اسم ربك الأعلى{ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اجعلوها في سجودكم}. أخبرنا أبو عثمان الضبي، أخبرنا أبو محمد الجراحي، حدثنا أبو العباس المحبوبي، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، قال أخبرنا شعبة عن الأعمش قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المستورد، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، {أنه صلى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى، وما أتى على آية رحمة إلا وقف وتعوذ}. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا محمد بن فضيل، أخبرنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان اللّه وبحمده، سبحان اللّه العظيم}. أخبرنا أبو نصر محمد بن الحسن الجلفري، حدثني أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد اللّه الرازي بدمشق، حدثنا علي بن الحسين البزاز وأحمد بن سليمان بن حذلم وابن راشد قالوا أخبرنا بكار بن قتيبة، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حجاج الصواف عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {من قال سبحان اللّه العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة}. أخبرنا عبد الواحد المليحي، قال أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني السري بن يحيى أن شجاعاً حدثه عن أبي طيبة عن عبد اللّه بن مسعود قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول {من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً} وكان أبو طيبة لا يدعها أبداً. |
﴿ ٠ ﴾