سورة الحشر

١

{سبح للّه ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}، قال المفسرون نزلت هذه السورة في بني النضير، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل المدينة فصالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه، فقبل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم، فلما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير واللّه إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية، فلما غزا أحداً وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكباً من اليهود إلى مكة فأتوا قريشاً فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد صلى اللّه عليه وسلم، ودخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد الحرام، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة، ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان، فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة -ذكرناه في سورة آل عمران. وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم اطلع منهم على خاينة حين أتاهم في دية المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في منصرفه من بئر معونة، فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن، فعصمه اللّه وأخبره بذلك -ذكرناه في سورة المائدة. فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير، وكانوا بقرية يقال لها زهرة، فلما سار إليهم النبي صلى اللّه عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف، فقالوا يا محمد واعية على أثر واعية وباكية على أثر باكية؟ قال نعم، قالوا ذرنا نبكي شجوناً ثم ائتمر أمرك، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم اخرجوا من المدينة، فقالوا الموت أقرب إلينا من ذلك، فتنادوا بالحرب وآذنوا بالقتال، ودس المنافقون -عبد اللّه بن أبي وأصحابه- إليهم أن لا تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم. فدربوا على الأزقة وحصنوها، ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأرسلوا إليه أن اخرج في ثلاثين رجلاً من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك، فيستمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا إليه كيف نفهم ونحن ستون رجلاً؟ اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيستمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنا كلنا بك وصدقناك، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه، وخرج ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فساره بخبرهم قبل أن يصل النبي صلى اللّه عليه وسلم إليهم، فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما كان الغد غدا عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة، فقذف اللّه في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين، فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصلح، فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقبلوا ذلك، فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من أموالهم إلا الحلقة وهي السلاح، وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم.

وقال ابن عباس على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم، ولنبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما بقي. وقال الضحاك أعطي كل ثلاثة نفر بعيراً وسقاة ففعلوا ذلك وخرجوا من المدينة إلى الشام إلى أذرعات وأريحاء إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة منهم بالحيرة.

﴿ ١