٦

{وما أفاء اللّه على رسوله}، أي رده على رسوله. يقال أفاء يفيء أي رجع، وأفاء اللّه {منهم} أي من يهود بني النضير، {فما أوجفتم}، أوضعتم، {عليه من خيل ولا ركاب}، يقال وجف الفرس والبعير يجف وجيفاً وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير، وأراد بالركاب الإبل التي تحمل القوم. وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقسمها بينهم، كما فعل بغنائم خيبر، فبين اللّه تعالى في هذه الآية أنها فيء لم يوجف المسلمون عليها خيلاً ولا ركاباً ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة ولم يلقوا حرباً، {ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء واللّه على كل شيء قدير}، فجعل أموال بني النضير لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، وهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان،

أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النضري، أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال نعم، فأدخلهم، فلبث يرفأ قليلاً ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال نعم، فلما دخلا قال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا، -وهما يختصمان في الذي أفاء اللّه على رسوله من بني النضير- فقال الرهط يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، قال اتئدوا، أنشدكم باللّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة. يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نفسه؟ قالوا قد قال ذلك، فأقبل عمر على علي وعباس، فقال أنشدكما باللّه هل تعلمان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ذلك؟ قالا نعم، قال فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن اللّه كان خص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره، فقال {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}، إلى قوله {قدير}، وكانت هذه خالصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال اللّه، فعمل بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حياته، ثم توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو بكر أنا ولي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقبضها أبو بكر رضي اللّه عنه فعمل بها بما عمل به فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأنتم حينئذ جميع، وأقبل على علي وعباس تذكران أن أبا بكر فعل فيه كما تقولان واللّه يعلم إنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى اللّه أبا بكر، فقلت أنا ولي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبو بكر واللّه يعلم إني فيه صادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة، وأمركما جميع فقلت لكما إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة، فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد اللّه وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر، وبما عملت به فيها منذ وليتها، وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما؟ أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فواللّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكما.

﴿ ٦