سورة التحريم

١

{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك تبتغي مرضاة أزواجك واللّه غفور رحيم }، وسبب نزولها ما

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبيد اللّه بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت {كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب الحلواء ويحب العسل، وكان إذا صلى العصر جاز على نسائه فيدنو منهن، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك، فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منها شربة، فقلت أما واللّه لنحتالن له، فذكرت ذلك لسودة، وقلت إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له يا رسول اللّه أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لا، فقولي له ما هذه الريح وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح، فإنه سيقول سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية، فلما دخل على سودة، تقول سودة واللّه الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أباديه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب، فرقاً منك، فلما دنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قلت يا رسول اللّه أكلت مغافير؟ قال لا، قلت فما بال هذه الريح! قال سقتني حفصة شربة عسل، قالت جرست نحله العرفط، فلما دخل علي قلت له مثل ذلك، ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك، فلما دخل على حفصة قالت له يا رسول اللّه ألا أسقيك منه قال لا حاجة لي به، قالت تقول سودة سبحان اللّه لقد حرمناه، قالت قلت لها اسكتي}.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن محمد الصباح، حدثنا الحجاج عن ابن جريح قال زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول {سمعت عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال لا بأس شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له، فنزلت } يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك تبتغي مرضاة أزواجك { إلى قوله }إن تتوبا إلى اللّه{ لعائشة وحفصة، }وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً{، لقوله بل شربت عسلاً}. وبهذا الإسناد قال حدثنا محمد بن إسماعيل،

أخبرنا إبراهيم بن موسى،

أخبرنا هشام بن يوسف، عن ابن جريح، عن عطاء بإسناده وقال قال لا، ولكن كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه. وقال المفسرون وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقسم بين نسائه، فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في زيارة أبيها فأذن لها، فلما خرجت أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة، فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت البابا مغلقاً، فجلست عند الباب فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووجهه يقطر عرقاً، وحفصة تبكي فقال ما يبكيك؟ فقالت إنما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي، أما رأيت لي حرمة وحقاً؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أليست هي جاريتي أحلها اللّه لي؟ اسكتي فهي حرام علي ألتمس بذاك رضاك، فلا تخبري بهذا امرأة منهن. فلما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرعت حفصة الجدار التي بينها وبين عائشة فقالت ألا أبشرك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد حرم عليه أمته مارية، وإن اللّه قد أراحنا منها، وأخبرت عائشة بما رأت، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم، فغضبت عائشة فلم تزل بنبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها، فأنزل اللّه عز وجل {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك} يعني العسل ومارية {تبتغي مرضاة أزواجك واللّه غفور رحيم}.

وأمره أن يكفر يمينه ويراجع أمته،

٢

فقال {قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم}، أي بين وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة {واللّه مولاكم}، وليكم وناصركم، {وهو العليم الحكيم}.

واختلف أهل العلم في لفظ التحريم، فقال قوم ليس هو بيمين، فإن قال لزوجته أنت علي حرام، أو حرمتك، فإن نوى به طلاقاً فهو طلاق، وإن نوى به ظهاراً فظهار. وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين بنفس اللفظ. وإن قال ذلك لجاريته فإن نوى عتقاً عتقت، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين، وإن قال لطعام حرمته على نفسي فلا شيء عليه، وهذا قول ابن مسعود وإليه ذهب الشافعي. وذهب جماعة إلى أنه يمين، فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب عليه الكفارة ما لم يقربها، كما لو حلف أن لا يطأها. وإن حرم طعاماً فهو كما لو حلف أن لا يأكله، فلا كفارة عليه ما لم يأكل، يروى ذلك عن أبي بكر، وعائشة، وبه قال الأوزاعي، وأبو حنيفة رضي اللّه عنه

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام عن يحيى، عن ابن حكيم، وهو يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال في الحرام يكفر.

وقال ابن عباس {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة} (الأحزاب- ٢١).

٣

{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً}، وهو تحريم فتاته على نفسه، وقوله لحفصة لا تخبري بذلك أحداً. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس أسر أمر الخلافة بعده فحدثت به حفصة. قال الكلبي أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي. وقال ميمون بن مهران أسر أن أبا بكر خليفتي من بعدي. {فلما نبأت به}، أخبرت به حفصة عائشة، {وأظهره اللّه عليه}، أي أطلع اللّه تعالى نبيه على أنها أنبأت به، {عرف بعضه}، قرأ عبد الرحمن السلمي والكسائي عرف بتخفيف الراء، أي عرف بعض الفعل الذي فعلته من إفشاء سره، أي غضب من ذلك عليها وجازاها به، من قول القائل لمن أساء إليه لأعرفن لك ما فعلت، أي لأجازينك عليه، وجازاها به عليه بأن طلقها، فلما بلغ ذلك عمر قال لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فجاء جبريل وأمره بمراجعتها، فاعتزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه شهراً وقعد في مشربة أم إبراهيم مارية، حتى نزلت آية التخيير. وقال مقاتل بن حيان لم يطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حفصة وإنما هم بطلاقها فأتاه جبريل عليه السلام، فقال لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة، فلم يطلقها. وقرأ الآخرون {عرف} بالتشديد، أي عرف حفصة بعد ذلك الحديث، أي أخبرها ببعض القول الذي كان منها. {وأعرض عن بعض}، يعني لم يعرفها إياه، ولم يخبرها به. قال الحسن ما استقصى كريم قط، قال اللّه تعالى {عرف بعضه وأعرض عن بعض}، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما رأى الكراهية في وجه حفصة أراد أن يتراضاها فأسر إليها شيئين تحريم الأمة على نفسه، وتبشيرها بأن الخلافة بعده في أبي بكر وفي أبيها عمر رضي اللّه عنها، فأخبرت به حفصة عائشة وأطلع اللّه تعالى نبيه عليه، عرف بعضه حفصة وأخبرها ببعض ما أخبرت به عائشة وهو تحريم الأمة، وأعرض عن بعض، يعني ذكر الخلافة، كره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينتشر ذلك في الناس، {فلما نبأها به}، أي أخبر حفصة بما أظهره اللّه عليه، {قالت}، حفصة، {من أنبأك هذا}، أي من أخبرك بأني أفشيت السر؟ {قال نبأني العليم الخبير}.

٤

{إن تتوبا إلى اللّه}، أي من التعاون على النبي صلى اللّه عليه وسلم بالإيذاء. يخاطب عائشة وحفصة، {فقد صغت قلوبكما}، أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة. قال ابن زيد مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من اجتناب جاريته.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان،

أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثور عن عبد اللّه بن عباس قال لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم اللتين قال اللّه تعالى لهما {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما}، حتى حج وحججت معه، وعدل وعدلت معه بإداوة، فتبرز ثم جاء، فسكبت على يديه منها، فتوضأ، فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم اللتان قال اللّه تعالى لهما {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما}؟ فقال واعجباً لك يابن عباس هما عائشة وحفصة. ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال إني كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى اللّه عليه وسلم فينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك. وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني، فقالت ولم تنكر أن أراجعك! فواللّه إن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. فأفزعني وقلت خاب من فعل ذلك منهن. ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة، فقلت لها أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى اللّه عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت نعم، فقلت خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب اللّه تعالى لغضب رسوله فتهلكي، لا تستكثري للنبي صلى اللّه عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم -يريد عائشة-. قال عمر وكنا تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته، فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضرباً شديداً وقال أثم هو؟ ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث اليوم أمر عظيم؟ فقلت ما هو أجاء غسان! قال لا بل أعظم منه وأهول، طلق النبي صلى اللّه عليه وسلم نساءه. فقلت قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون. فجمعت علي ثيابي وصليت صلاة الفجر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشربة فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت ما يبكيك ألم أكن حذرتك؟ أطلقكن النبي صلى اللّه عليه وسلم؟ قالت لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة. فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلاً ثم غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي فيها النبي صلى اللّه عليه وسلم فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر، فدخل فكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكرتك له فصمت، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت إلى الغلام فقلت استأذن فاستأذن ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر، فاستأذن ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت. فلما وليت منصرفاً قال إذا الغلام يدعوني، فقال قد أذن لك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه متكئاً على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم يا رسول اللّه أطلقت نساءك؟ فرفع إلي بصره فقال لا، فقلت اللّه أكبر. ثم قلت وأنا قائم أستأنس يا رسول اللّه لو رأيتني، وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فتبسم النبي صلى اللّه عليه وسلم، ثم قلت يا رسول اللّه لو رأيتني، ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم -يريد عائشة- فتبسم النبي صلى اللّه عليه وسلم تبسمة أخرى، فجلست حين رأيته يبتسم فرفعت بصري في بيته، فواللّه ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر غير أهبة ثلاثة، فقلت يا رسول اللّه ادع اللّه فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون اللّه. فجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان متكئاً فقال أو في هذا أنت يابن الخطاب؟ إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلت يا رسول اللّه استغفر لي. فاعتزل النبي صلى اللّه عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعاً وعشرين ليلة، وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهراً -من شدة موجدته عليهن حين عاتبه اللّه عز وجل-. فلما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل على عائشة رضي اللّه عنها فبدأ بها، فقلت له عائشة يا رسول اللّه إنك كنت أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عداً! فقال الشهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين ليلة. قالت عائشة ثم أنزل اللّه التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه، فاخترته، ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة.

أخبرنا عبد الواحد المليحي،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه النعيمي،

أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان،

أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن {أن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاءها حين أمره اللّه أن يخير أزواجه فبدأ بي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال إن اللّه قال }يا أيها النبي قل لأزواجك{ إلى تمام الآيتين، فقلت أو في هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة}.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر،

أخبرنا عبد الغافر بن محمد،

أخبرنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة بن عمار، عن سماك بن زميل حدثنا عبد اللّه بن عباس، حدثني عمر بن الخطاب قال {لما اعتزل النبي صلى اللّه عليه وسلم نساءه وذكر الحديث. وقال دخلت عليه فقلت يا رسول اللّه ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن فإن اللّه معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت -وأحمد اللّه تعالى- بكلام إلا رجوت أن اللّه يصدق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية }عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن{. }وإن تظاهرا عليه فإن اللّه هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير{}. قوله {وإن تظاهرا عليه}، أي تتظاهرا وتتعاونا على أذى النبي صلى اللّه عليه وسلم. قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء، والآخرون بتشديدها. {فإن اللّه هو مولاه}، أي وليه وناصره جبريل وصالح المؤمنين}، روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب {وصالح المؤمنين}، أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما، قال الكلبي هم المخلصون الذي ليسوا بمنافقين. {والملائكة بعد ذلك ظهير}، قال مقاتل بعد اللّه وجبريل {وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}، أي أعوان للنبي صلى اللّه عليه وسلم. وهذا من الواحد الذي يؤدي عن الجمع، كقوله {وحسن أولئك رفيقاً} (النساء- ٦٩).

٥

{عسى ربه إن طلقكن}، أي واجب من اللّه إن طلقكن رسوله، {أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات}، خاضعات للّه بالطاعة، {مؤمنات}، مصدقات بتوحيد اللّه، {قانتات}، طائعات،

وقيل داعيات.

وقيل مصليات، {تائبات عابدات سائحات}، صائمات، وقال زيد بن أسلم مهاجرات

وقيل يسحن معه حيث ما ساح، {ثيبات وأبكاراً}، وهذا في الأخبار عن القدرة لا عن الكون لأنه قال {إن طلقكن} وقد علم أنه لا يطلقهن وهذا كقوله {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}، (محمد- ٣٨) وهذا في الأخبار عن القدرة لأنه ليس في الوجود أمة خير من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم.

٦

قوله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم}، قال عطاء عن ابن عباس أي بالانتهاء عما نهاكم اللّه تعالى عنه والعمل بطاعته، {وأهليكم ناراً}، يعني مروهم بالخير وانهوهم عن الشر، وعلموهم وأدبوهم، تقوهم بذلك ناراً، {وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة}، يعني خزنة النار، {غلاظ}، فظاظ على أهل النار، {شداد}، أقوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفاً في النار، وهم الزبانية، لم يخلق اللّه فيهم الرحمة، {لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.

٧

{يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون}.

٨

{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللّه توبة نصوحاً}، قرأ الحسن، وأبو بكر عن عاصم {نصوحاً} بضم النون، وقرأ العامة بفتحها، أي توبة ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه.

واختلفوا في معناها قال عمر، وأبي، ومعاذ، التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع. قال الحسن هي أن يكون العبد نادما على ما مضى، مجمعا على ألا يعود فيه. قال الكلبي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن. قال سعيد بن المسيب توبة تنصحون بها أنفسكم. قال القرظي يجمعها أربعة أشياء الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيئ الإخوان. {عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي اللّه النبي والذين آمنوا معه}، أي لا يعذبهم اللّه بدخول النار، {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم}، على الصراط، {يقولون}، إذا طفئ نور المنافقين، {ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}.

٩

{يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير}.

ثم ضرب اللّه مثلاً للصالحين والصالحات من النساء

١٠

فقال جل ذكره { ضرب اللّه مثلا للذين كفروا امرأة نوح }، واسمها واعلة، { وامرأة لوط }، واسمها واهلة. وقال مقاتل والعة ووالهة. {كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين}، وهما نوح ولوط عليهما السلام، {فخانتاهما}، قال ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون، وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة، وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل قومه على أضيافه، إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه نزل به ضيف.

وقال الكلبي أسرتا النفاق وأظهرتا الإيمان. {فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئاً}، لم يدفعا عنهما مع نبوتهما عذاب اللّه، {

وقيل ادخلا النار مع الداخلين}، قطع اللّه بهذه الآية طمع كل من يركب المعصية أن ينفعه صلاح غيره.

ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً

١١

فقال { وضرب اللّه مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون }، وهي آسية بنت مزاحم. قال المفسرون لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون، ولما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس. قال سلمان كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة. {إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة}، فكشف اللّه لها عن بيتها في الجنة حتى رأته. وفي القصة أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها، فلما أتوها بالصخرة قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة، فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، ولم تجد ألماً. وقال الحسن وابن كيسان رفع اللّه امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب. {ونجني من فرعون وعمله}، قال مقاتل وعمله يعني الشرك. وقال أبو صالح عن ابن عباس {وعمله}، قال جماعه. {ونجني من القوم الظالمين}، الكافرين.

١٢

{ ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه }، أي في جيب درعها، ولذلك ذكر الكناية، {من روحنا وصدقت بكلمات ربها}، يعني الشرائع التي شرعها اللّه للعباد بكلماته المنزلة، {وكتبه}، قرأ أهل البصرة وحفص {وكتبه} على الجمع، وقرأ الآخرون وكتابه على التوحيد. والمراد منه الكثرة أيضاً. وأراد بكتبه التي أنزلت على إبراهيم، وموسى، وداود، وعيسى عليه السلام. {وكانت من القانتين}، أي من القوم القانتين المطيعين لربها ولذلك لم يقل من القانتات. وقال عطاء {من القانتين} أي من المصلين. ويجوز أن يريد بالقانتين رهطها وعشيرتها، فإنهم كانوا أهل صلاح مطيعين للّه. وروينا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون}.

﴿ ٠