سورة الطارق

١

{والسماء والطارق}، قال الكلبي نزلت في أبي طالب، وذلك أنه {أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو جالس يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماءً ثم ناراً، ففزع أبو طالب وقال أي شيء هذا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذا نجم رمي به، وهو آية من آيات اللّه عز وجل فعجب أبو طالب فأنزل اللّه عز وجل }والسماء والطارق{}، وهذا قسم، و الطارق النجم يظهر بالليل، وما أتاك ليلاً فهو طارق.

٢

{وما أدراك ما الطارق}؟.

٣

ثم فسره فقال {النجم الثاقب}، أي المضيء المنير، قال مجاهد المتوهج، قال ابن زيد أراد به الثريا، والعرب تسميه النجم.

وقيل هو زحل، سمي بذلك لارتفاعه، تقول العرب للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعاً قد ثقب.

٤

{إن كل نفس}، جواب القسم، {لما عليها حافظ}، قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وعاصم، وحمزة لما بالتشديد، يعنون ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهي لغة هذيل يجعلون لما بمعنى إلا يقولون نشدتك اللّه لما قمت، أي إلا قمت. وقرأ الآخرون بالتخفيف، جعلوا ما صلة، مجازه إن كل نفس لعليها حافظ من ربها وتأويل الآية كل نفس عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير وشر. قال ابن عباس هم الحفظة من الملائكة. قال الكلبي حافظ من اللّه يحفظها ويحفظ قولها وفعلها حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير، ثم يخلي عنها.

٥

{فلينظر الإنسان مم خلق}، أي من أي شيء خلقه ربه، أي فلينظر نظر المتفكر.

٦

ثم بين فقال {خلق من ماء دافق}، مدفوق أي مصبوب في الرحم، وهي المني، فاعل بمعنى مفعول كقوله {عيشة راضية} (الحاقة- ٢١) أي مرضية، والدفق الصب، وأراد ماء الرجل وماء المرأة، لأن الولد مخلوق منهما، وجعله واحداً لامتزاجهما.

٧

{يخرج من بين الصلب والترائب}، يعني صلب الرجل وترائب المرأة، و الترائب جمع التربية، وهي عظام الصدر والنحر. قال ابن عباس هي موضع القلادة من الصدر. وروى الوالبي عنه بين ثديي المرأة. وقال قتادة النحر. وقال ابن زيد الصدر.

٨

{إنه على رجعه لقادر}، قال مجاهد على رد النطفة في الإحليل. وقال عكرمة على رد الماء في الصلب الذي خرج منه. وقال الضحاك إنه على رد الإنسان ماءً كما كان من قبل لقادر. وقال مقاتل بن حيان إن شاء رده من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة، وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج وقال قتادة إن اللّه تعالى على بعث الإنسان وإعادته قادر.

٩

وهذا أولى الأقاويل لقوله {يوم تبلى السرائر} وذلك يوم القيامة تبلى السرائر، تظهر الخفايا قال قتادة ومقاتل تختبر الأعمال، قال عطاء بن أبي رباح السرائر فرائض الأعمال، كالصوم والصلاة والوضوء والاغتسال من الجنابة، فإنها سرائر بين اللّه تعالى وبين العبد، فلو شاء العبد لقال صمت ولم يصم، وصليت ولم يصل، واغتسلت ولم يغتسل، فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها. قال ابن عمر بيدي اللّه عز وجل يوم القيامة كل سر، فيكون زيناً في وجوه وشيناً في وجوه، يعني من أداها كان وجهه مشرقاً، ومن ضيعها كان وجهه أغبر.

١٠

{فما له من قوة ولا ناصر}، أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب اللّه ولا ناصر ينصره من اللّه.

١١

ثم ذكر قسماً آخر فقال {والسماء ذات الرجع}، أي ذات المطر لأنه يرجع كل عام ويتكرر.

وقال ابن عباس هو السحاب يرجع بالمطر.

١٢

{والأرض ذات الصدع}، أي تتصدع وتنشق عن النبات والأشجار والأنهار.

١٣

وجواب القسم قوله {إنه}، يعني القرآن، {لقول فصل}، حق وجد يفصل بين الحق والباطل.

١٤

{وما هو بالهزل}، باللعب والباطل.

١٥

ثم أخبر عن مشركي مكة فقال {إنهم يكيدون كيداً}، يخافون النبي صلى اللّه عليه وسلم ويظهرون ما هم على خلافه.

١٦

{وأكيد كيداً}، وكيد اللّه استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون.

١٧

{فمهل الكافرين}، قال ابن عباس هذا وعيد من اللّه عز وجل لهم، {أمهلهم رويداً}، قليلاً، ومعنى مهل وأمهل أنظر ولا تعجل، فأخذهم اللّه يوم بدر، ونسخ الإمهال بآية السيف.

﴿ ٠