سورة الليل١{والليل إذا يغشى}، أي يغشى النهار بظلمة فيذهب بضوئه. ٢{والنهار إذا تجلى}، بان وظهر من بين الظلمة. ٣{وما خلق الذكر والأنثى}، يعني ومن خلق، قيل هي ما المصدرية أي وخلق الذكر والأنثى، قال مقاتل والكلبي يعني آدم وحواء.وفي قراءة ابن مسعود، وأبي الدرداء والذكر والأنثى. ٤وجواب القسم قوله {إن سعيكم لشتىً}، إن أعمالكم لمختلفة، فساع في فكاك نفسه، وساع في عطبها. ورى أبو مالك الأشعري قال {قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها}. ٥{فأما من أعطى}، ماله في سبيل اللّه، {واتقى}، ربه. ٦{وصدق بالحسنى}، قال أبو عبد الرحمن والضحاك وصدق بلا إله إلا اللّه، وهي رواية عطية عن ابن عباس. وقال مجاهد بالجنة، دليله قوله تعالى {للذين أحسنوا الحسنى} يعني الجنة. وقيل {صدق بالحسنى} أي بالخلف، أي أيقن أن اللّه تعالى سيخلفه. وهي رواية عكرمة عن ابن عباس. وقال قتادة ومقاتل والكلبي بموعود اللّه عز وجل الذي وعده أن يثيبه. ٧{فسنيسره}، فسنهيئه في الدنيا، {لليسرى}، أي للخلة اليسرى، وهي العمل بما يرضاه اللّه عز وجل. ٨{وأما من بخل}، بالنفقة في الخير، {واستغنى}، عن ثواب اللّه فلم يرغب فيه. ٩{وكذب بالحسنى}. ١٠{فسنيسره للعسرى}، سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضي اللّه، فيستوجب به النار. قال مقاتل نعسر عليه أن يأتي خيراً. وروينا عن علي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال {ما من نفس منفوسة إلا كتب اللّه مكانها من الجنة أو النار، فقال رجل أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، ثم تلا } فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى {}. قيل نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالاً من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق، فأعتقه فأنزل اللّه تعالى {والليل إذا يغشى} إلى قوله {إن سعيكم لشتى} يعني سعي أبي بكر وأمية. وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء، قال {كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في دار جاره، وكان صبيانه يتناولون منه، فشكا ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم بعنيها بنخلة في الجنة فأبى، فخرج فلقيه أبو الدحداح، فقال له هل لك أن تبيعها بحش البستان، يعني حائطاً له، فقال له هي لك، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه أتشتريها مني بنخلة في الجنة؟ قال نعم قال هي لك، فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم جار الأنصاري فقال خذها. فأنزل اللّه تعالى }والليل إذا يغشى{ إلى قوله }إن سعيكم لشتى{ سعي أبي الدحداح والأنصاري صاحب النخلة}. {فأما من أعطى واتقى}، يعني أبا الدحداح، {وصدق بالحسنى} الثواب {فسنيسره لليسرى} يعني الجنة، {وأما من بخل واستغنى} يعني الأنصاري، {وكذب بالحسنى}، يعني الثواب، {فسنيسره للعسرى}، يعني النار. ١١{وما يغني عنه ماله}، الذي بخل به، {إذا تردى}، قال مجاهد إذا مات. وقال قتادة وأبو صالح هوى في جهنم. ١٢{إن علينا للّهدى}، يعني البيان. قال الزجاج علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال، وهو قول قتادة، قال على اللّه بيان حلاله وحرامه. قال الفراء يعني من سلك الهدى فعلى اللّه سبيله، ك قوله تعالى {وعلى اللّه قصد السبيل} (النحل- ٩)، يقول من أراد اللّه فهو على السبيل القاصد. وقيل معناه إن علينا للّهدى والإضلال كقوله {بيدك الخير} (آل عمران- ٢٦) فاقتصر على الهدى لدلالة الكلام عليه كقوله {سرابيل تقيكم الحر} (النحل- ٨١)، فاقتصر على ذكر الحر ولم يذكر البرد لأنه يدل عليه. ١٣{وإن لنا للآخرة والأولى}، فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق. ١٤{فأنذرتكم} يا أهل مكة، {ناراً تلظى}، أي تتلظى، يعني تتوقد وتتوهج. ١٥{لا يصلاها إلا الأشقى}. ١٦{الذي كذب} الرسول، {وتولى}، عن الإيمان. ١٧{وسيجنبها الأتقى}، يريد بالأشقى الشقي، وبالأتقى التقي. ١٨{الذي يؤتي ماله}، يعطي ماله، {يتزكى}، يطلب أن يكون عند اللّه زاكياً لا رياء ولا سمعة، يعني أبا بكر الصديق، في قول الجميع. قال ابن الزبير كان أبو بكر يبتاع الضعفة فيعتقهم، فقال أبوه أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك؟ قال منع ظهري أريد، فنزل {وسيجنبها الأتقى}، إلى آخر السورة. وذكر محمد بن إسحاق قال كان بلال لبعض بني جمج وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة، وكان صادق الإسلام طاهر القلب، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك البلاء أحد أحد. قال محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به أبو بكر يوماً وهم يصنعون به ذلك، وكانت دار أبي بكر في بني جمح، فقال لأمية ألا تتقي اللّه تعالى في هذا المسكين؟ قال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، قال أبو بكر أفعل! عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، على دينك، أعطيك؟ قال قد فعلت فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذه فأعتقه، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ست رقاب، بلال سابعهم، عامر بن فهيرة شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأم عميس، وزنيرة فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت اللّه ما تضر اللات والعزى، وما تنفعان فرد اللّه إليها بصرها، وأعتق النهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما تحطبان لها وهي تقول واللّه لا أعتقكما أبداً. فقال أبو بكر خلا يا أم فلان، فقالت خلا، أنت أفسدتهما فأعتقهما، قال أبو بكر رضي اللّه عنه فبكم؟ قالت بكذا وكذا، قال قد أخذتهما وهما حرتان، ومر بجارية بني المؤمل وهي تعذب فابتاعها فأعتقها. ١٩وقال سعيد بن المسيب بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال أتبيعه؟ قال نعم أبيعه بنسطاس عبد لأبي بكر، صاحب عشرة آلاف دينار، وغلمان وجوار ومواش، وكان مشركاً حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له، فأبى فأبغضه أبو بكر، فلما قال له أمية أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه وباعه منه، فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده. فأنزل اللّه {وما لأحد عنده من نعمة تجزى}، أي يحازيه ويكافئه عليها. ٢٠{إلا}، لكن {ابتغاء وجه ربه الأعلى}، يعني لا يفعل ذلك مجازاة لأحد بيد له عنده، ولكنه يفعله وجه ربه الأعلى وطلب رضاه. ٢١{ولسوف يرضى}، بما يعطيه اللّه عز وجل في الآخرة من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل. |
﴿ ٠ ﴾