سورة الانشراح١{ألم نشرح لك صدرك}، ألم نفتح ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة. ٢{ووضعنا عنك وزرك}، قال الحسن، ومجاهد وقتادة، والضحاك وحططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية، وهو كقوله {ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر} (الفتح- ٢). وقال الحسين بن الفضل يعني الخطأ والسهو. وقيل ذنوب أمتك فأضافه إليه لاشتغال قلبه بهم، وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة يعني خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها. ٣{الذي أنقض ظهرك}، أثقل ظهرك فأوهنه حتى سمع له نقيض، أي صوت. ٤{ورفعنا لك ذكرك}، أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن، حدثنا أبو بكر بن حبيب، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل، حدثنا صفوان يعني ابن صالح عبد الملك، حدثنا الوليد يعني بن مسلم، حدثني عبد اللّه بن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري {عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية }ورفعنا لك ذكرك{؟ قال قال اللّه تعالى إذا ذكرت ذكرت معي}. وعن الحسن قال {ورفعنا لك ذكرك} إذا ذكرت ذكرت معي وقال عطاء عن ابن عباس يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر، ولو أن عبداً عبد اللّه وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمداً رسول اللّه لم ينتفع بشيء، وكان كافراً. وقال قتادة رفع اللّه ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه. وقال الضحاك لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به. وقال مجاهد ورفعنا لك ذكرك يعني بالتأذين. وفيه يقول حسان بن ثابت ألم تر أن اللّه أرسل عبده ببرهانه، واللّه أعلى وأمجد أغر، عليه للنبوة خاتم من اللّه مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي مع اسمه إذ قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود، وهذا محمد وقيل رفع اللّه ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله. ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدة، وذلك أنه كان بمكة في شدة. ٥فقال اللّه عز وجل {فإن مع العسر يسراً}. ٦{إن مع العسر يسراً} أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسراً ورخاءً بأن يظهرك عليه حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به، {إن مع العسر يسراً} كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء. وقال الحسن لما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {أبشروا، قد جاءكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين}. قال ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل، إنه لن يغلب عسر يسرين. قال المفسرون ومعنى قوله {لن يغلب عسر يسرين} أن اللّه تعالى كرر العسر بلفظ المعرفة واليسر بلفظ النكرة، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرفاً، ثم أعادته كان الثاني هو الأول، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين، وإذا أعادته معرفة فالثاني هو الأول، كقولك إذا كسبت درهماً أنفقت درهماً، فالثاني غير الأول، وإذا قلت إذا كسبت درهماً فأنفق الدرهم، فالثاني هو الأول، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف، فكان عسراً واحداً، واليسر مكرر بلفظ التنكير، فكانا يسرين، فكأنه قال فإن مع العسر يسراً، إن مع ذلك العسر يسراً آخر. وقال أبو علي الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب النظم تكلم الناس في قوله {لن يغلب عسر يسرين}، فلم يحصل منه غير قولهم إن العسر معرفة واليسر نكرة، فوجب أن يكون عسر واحد ويسران، وهذا قول مدخول، إذا قال الرجل إن مع الفارس سيفاً إن مع الفارس سيفاً، فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنين، فمجاز قوله {لن يغلب عسر يسرين} أن اللّه بعث نبيه صلى اللّه عليه وسلم وهو مقل مخف، فكانت قريش تعيره بذلك، حتى قالوا إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالاً حتى تكون كأيسر أهل مكة، فاغتم النبي لذلك، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره، فعدد اللّه نعمه عليه في هذه السورة، ووعده الغنى، ليسليه بذلك عما خامره من الغم، فقال {فإن مع العسر يسراً}، مجازه لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسراً في الدنيا عاجلاً، ثم أنجزه ما وعده، وفتح عليه القرى العربية ووسع عليه ذات يده، حتى كان يعطي المئين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ثم ابتدأ فضلاً آخر من أمر الآخرة، فقال إن مع العسر يسراً، والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو، وهذا وعد لجميع المؤمنين، ومجازه إن مع العسر يسراً، أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسراً في الآخرة، فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الأولى ويسر الآخرة وهو ما ذكره في الآية الثانية، فقوله عليه السلام {لن يغلب عسر يسرين}، أي لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة، وإنما يغلب أحدهما، وهو يسر الدنيا، وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل، أي لا يجمعهما في الغلبة، كقوله صلى اللّه عليه وسلم {شهرا عيد لا ينقصان} أي لا يجتمعان في النقصان. ٧{فإذا فرغت فانصب}، أي فاتعب، والنصب التعب، قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك، ومقاتل، والكلبي فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك. وروى عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه قال إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة. وقال ابن مسعود إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل. وقال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك. وقال الحسن وزيد بن أسلم إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك. وقال منصور عن مجاهد إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل. وقال حيان عن الكلبي إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب، أي استغفر لذنبك وللمؤمنين. ٨{وإلى ربك فارغب}، قال عطاء تضرع إليه راهباً من النار راغباً في الجنة. وقيل فارغب إليه في جميع أحوالك. قال الزجاج أي اجعل رغبتك إلى اللّه وحده. |
﴿ ٠ ﴾