تفسير الثعالبي

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

 عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

المالكي

٨٧٥ هـ ١٤٧٠ م)

_________________________________

 بسم اللّه الرحمن الرحيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

يقول العبد الفقير إلى اللّه المعترف بذنبه الراجي رحمة ربه عبد الرحمن ابن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف اللّه به في الدارين وبسائر المؤمنين

الحمد للّه رب العالمين وصلوات ربنا وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه السادة المكرمين والحمد للّه الذي من علينا بالإيمان وشرفنا بتلاوة القرآن فأشرقت علينا بحمد اللّه أنواره وبدت لذوي المعارف عند التلاوة أسراره وفاضت على العارفين عند التدبر والتأمل بحاره فسبحان من أنزل على عبده الكتاب وجعله لأهل الفهم المتمسكين به من أعظم الأسباب كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب

أما بعد أيها الأخ أشرق اللّه قلبي وقلبك بأنوار اليقين وجعلني وإياك من أوليائه المتقين الذين شرفهم بنزل قدسه وأوحشهم من الخليقة بأنسه وخصهم من معرفته ومشاهدة عجائب ملكوته وآثار قدرته بما ملأ قلوبهم حبره ووله عقولهم في عظمته حيره فجعلوا همهم به واحدا ولم يروا في الدارين غيره فهم بمشاهدة كماله وجلاله يتنعمون وبين آثار قدرته وعجائب عظمته يترددون وبالانقطاع إليه والتوكل عليه يتعززون لهجين بصادق قوله قل اللّه ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فإني جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر ما ارجو أن يقر اللّه به عيني وعينك في الدارين فقد ضمنته بحمد اللّه المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأئمة وثقات أعلام هذه الأمة حسبما رأيته  رويته عن الاثبات وذلك قريب من مائة تأليف وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين ومعدود في المحققين وكل من نقلت عنه من المفسرين شيئا فمن تأليفه نقلت وعلى لفظ صاحبه عولت ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزلل وإنما هي عبارات وألفاظ لمن أعزوها إليه وما انفردت بنقله عن الطبري فمن اختصار الشيخ أبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن أحمد اللخمي النحوي لتفسير الطبري نقلت لأنه اعتنى بتهذيبه وقد أطنب أبو بكر بن الخطيب في حسن الثناء على الطبري ومدح تفسيره وأثنى عليه غاية نسأل اللّه تعالى أن يعاملنا وإياهم برحمته وكل ما في آخره انتهى فليس هو من كلام ابن عطية بل ذلك مما انفردت بنقله عن غيره ومن أشكل عليه لفظ في هذا المختصر فليراجع الأمهات المنقول منها فليصلحه منها ولا يصلحه برأيه وبديهة عقله فيقع في الزلل من حيث لا يشعر وجعلت علامة التاء لنفسي بدلا من قلت ومن شاء كتبها قلت وأما العين فلابن عطية وما نقلته من الأعراب عن غير ابن عطية فمن الصفاقسي مختصر أبي حيان غالبا وجعلت الصاد علامة عليه وربما نقلت عن غيره معزوا لمن عنه نقلت وكل ما نقلته عن ابي حيان فإنما نقلي له بواسطة الصفاقسي غالبا قال الصقاقسي وجعلت علامة ما زدته على أبي حيان م وما يتفق لي إن أمكن فعلامته قلت وبالجملة فحيث أطلق فالكلام لأبي حيان وما نقلته من الأحاديث الصحاح والحسان عن غير البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي في باب الأذكار والدعوات فأكثره من النووي وسلاح المؤمن وفي الترغيب والترهيب وأحوال الآخرة فمعظمه من التذكرة للقرطبي والعاقبة لعبد الحق وربما زدت زيادات كثيرة من مصابيح البغوي وغيره كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى كل ذلك معزو لمحاله وبالجملة فكتابي هذا محشو بنفائس الحكم وجواهر السنن الصحيحة والحسان المأثورة عن سيدنا صلى اللّه عليه وسلم وقد قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التقصي وأولى الأمور بمن نصح نفسه والهم رشده معرفة السنن التي هي البيان لمجمل القرآن بها يوصل إلى مراد اللّه تعالى من عباده فيما تعبدهم به من شرائع دينه الذي به الابتلاء وعليه الجزاء في دار الخلود والبقاء التي لها يسعى الالباء العقلاء والعلماء الحكماء فمن من اللّه عليه بحفظ السنن والقرآن فقد جعل بيده لواء الإيمان فإن فقه وفهم واستعمل ما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما ونال فضلا جسيما انتهى واللّه اسأل أن يجعل هذا السعي خالصا لوجهه وعملا صالحا يقربنا إلى مرضاته وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم

وسميته بالجواهر الحسان في تفسير القرآن

سأل اللّه أن ينفع به كل من حصله وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين وها أنا إن شاء اللّه أشرع في المقصود والتقط من كلام ابن عطية رحمه اللّه ما ستقف عليه من النبذ الحسنة المختارة ما تقر به العين وإذا نقلت شيئا من غيره عزوته لصاحبه كما تقدم قال ع رحمه اللّه بعد كلام في اثناء خطبته ولما أردت أن أختار لنفسي وانظر في علم أعد أنواره لظلم رمسى سبرت العلوم بالتنويع والتقسيم وعلمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدت أمتنها حبالا وأرسخها جبالا وأجملها آثارا واسطعها أنوارا علم كتاب اللّه جلت قدرته وتقدست أسماؤه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي استقل بالسنة والفرض ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض وأيقنت أنه أعظم العلوم تقريبا إلى اللّه تعالى وتخليصا للنيات ونهيا عن الباطل وحضا على الصالحات إذ ليس من علوم الدنيا فيختل حامله من منازلها صيدا ويمشي في التلطف لها رويدا ورجوت أن اللّه تعالى يحرم على النار فكرا عمرته أكثر عمره معانيه ونفسا ميزت براعة رصفه ومبانيه ثم قال قال اللّه تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا قال المفسرون ايى علم معانيه والعمل بها وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم قيدوا العلم بالكتب ففزعت إلى تعليق ما يتنخل لي في المناظرة من علم التفسير قال ولنقدم بين يدي القول في التفسير أشياء قد قدم أكثرها المفسرون وأشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم مجتمعة لذهنه

باب في فضل القرآن

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم قيل فما النجاة منها يا رسول اللّه قال كتاب اللّه تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه اللّه ومن ابتغى الهدى في غيره أضله اللّه وهو حبل اللّه المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الاهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن وقال صلى اللّه عليه و سلم ان الذي يتعاهد القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة وقال صلى اللّه عليه و سلم اتلوا هذا القرآن فان اللّه ياجركم بالحرف منه عشر حسنات أما أنى لا أقول ألم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف وقال صلى اللّه عليه و سلم ما من شفيع افضل عند اللّه من القرآن لا نبي ولا ملك وقال صلى اللّه عليه ولم افضل عبادة امتي القرآن وحدث انس بن مالك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه قال من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن قال الشيخ يحيى بن شرف النووي اعلم ان قراءة القرآن اكد الاذكار وافضلها فينبغي المداومة عليها فلا يخلو عنها يوما وليلة ويحصل له اصل القراءة بقراءة الآيات القليلة والمطلوب القراءة بالتدبر والخشوع والخضوع وقد روينا في كتاب ابن السني عن انس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه وسلم انه قال من قرأ خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الاجر وفي رواية من قرأ أربعين آية بدل خمسين وفي رواية عشرين آية وفي رواية عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا انتهى من الحلية

وروى ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم انه قال اشراف امتي حملة القرآن

وروى انس بن مالك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال القرآن شافع مشفع وما حل مصدق ومن شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه اللّه لوجهه في النار واحق من شفع له القرآن اهله وحملته واولى من محل به من عدل عنه وضيعه وقال قوم من الأنصار للنبي صلى اللّه عليه وسلم الم تر يا رسول اللّه ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم فلعله قرأ سورة البقرة فسئل ثابت ابن قيس فقال نعم قرأت سورة البقرة وفي هذا المعنى حديث صحيح عن اسيد ابن حضير في تنزل الملائكة في الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة قلت وفي رواية سورة الكهف وهذا الحديث خرجه البخاري ومسلم والترمذي والنساءي انتهى

وقال عقبة بن عامر عهد الينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع فقال عليكم بالقرآن وقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص ان من اشراط الساعة ان يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الاشرار ويوضع الاخيار وان تقرأ المثناة على رءوس الناس لا تغير قيل وماالمثناة قال ما استكتب من غير كتاب اللّه قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ما اخذتموه عن من تامنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه ابناءكم فانكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل وقال رجل لعبد اللّه ابن مسعود اوصني فقال إذا سمعت اللّه تعالى يقول يا ايها الذين ءامنوا فارعها سمعك فإنه خير يأمر به  شر ينهى عنه

وروى أبو هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن احسن الناس قراءة  صوتا بالقرآن فقال الذي إذا سمعته رأيته يخشى اللّه تعالى وقال صلى اللّه عليه و سلم اقرءوا القرآن قبل ان يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون اجره ولا يتأجلونه

 

وروي أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر هكذا كنا ثم قست القلوب

 

وروي ان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قرأ مرة ان عذاب ربك لواقع ما له من دافع فأن أنة عيد منها عشرين يوما قال القرطبي في التذكرة وما تقرب المتقربون إلى اللّه تعالى بشيء مثل القرآن قال صلى اللّه عليه و سلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطى السائلين رواه الترمذى انتهى قلت ولفظ الترمذى عن أبي سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول الرب عز و جل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطي السائلين وفضل كلام اللّه على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وعن عبداللّه بن عمرو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وعماد الامر التدبر والتفهم فقلة القراءة مع التفهم افضل من كثرتها من غير تفهم وهذا الذي عليه المحققون وهو الذي يدل عليه القرآن وصحيح الآثار ولولا الاطالة لاتينا من ذلك بما يثلج له الصدر وقد ذكر بعض شراح الرسالة في الذي يقرأ القرآن من غير تأمل ولا تفهم هل له أجر أم لا قولان وهذا الخلاف واللّه اعلم في غير المتعلم والقول بعدم الاجر على ضعفه هو ظاهر ما حكاه عياض في المدارك عن الشلبي في قصته مع الامام المقرىء وبالجملة فالتدبر والتفهم هو الذي يحصل معه الانابة والخشوع وكل خير ونقل الباجى في سنن الصالحين عن محمد بن كعب القرظي قال لان اقرأ في ليلى حتى أصبح بإذا زلزلت وبالقارعة لا أزيد عليها واتردد فيها واتفكر احب إلى من أن اهذ القرآن ليلى هذا  قال انثره نثرا ونحوه عن مجاهد وغيره وعن ابن عباس قال ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه انتهى قال ابن ابي جمرة والمرغب فيه التدبر في القراءة وان قلت وهو خير من كثرة القراءة بلا تدبر وفائدة التدبر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي انتهى وقال الحسن بن أبي الحسن انكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وان من كان قبلكم رأوه رسائل اليهم من ربهم فكانوا يتدبرونه بالليل وينفذونه بالنهار وكان ابن مسعود رضي اللّه عنه يقول انزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا ان احدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد اسقط العمل به قال ع قال اللّه تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر وقال تعال انا سنلقي عليكم قولا ثقيلا أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم

وقيل ليوسف بن اسباط بأي شيء تدعوا إذا ختمت القرآن فقال استغفر اللّه من تلاوتي لأني إذا ختمته ثم تركت ما فيه من الاعمال خشيت المقت فاعدل إلى الاستغفار والتسبيح وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته اردت الرجوع من اوله فقال لي اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على اللّه تعال في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه قال الغزالي في كتاب التفكر واما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب احوال محمودة  التنزه عن صفات مذمومة فلا يوجد فيه انفع من تلاوة القراءن بالفكر فانه جامع لجميع المقامات والاحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر والمحبة والشوق وسائر الاحوال المحمودة وفيه ما يزجر عن سائر الصفات المذمومة فينبغي ان يقرأه العبد ويردد الآية التي هو محتاج إلى التفكر فيها مرة بعد أخرى ولو ليلة كاملة فقراءة آية بتفكر وفهم خير من ختمة من غير تدبر وفهم فان تحت كل كلمة منه اسرارا لا تنحصر ولا يوقف عليها الا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد صدق المعاملة وكذلك حكم مطالعة اخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقدة اوتي عليه السلام جوامع الكلم فكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة لو تأمله العالم حق تأمله لم ينقطع فيه نظره طول عمره وشرح ءاحاد الآيات والاخبار يطول وانظر قوله صلى اللّه عليه و سلم ان روح القدس نفث في روعى احبب من احببت فانك مفارقه وعش ما شئت فانك ميت واعمل ما شئت فانك مجزي به فان هذه الكلمات جامعة لحكم الاولين والآخرين وهي كافية للمتأملين ولو وقفوا على معانيها وغلبت على قلوبهم غلبة يقين لاستغرقتهم ولجالت بينهم وبين التلفت إلى الدنيا بالكلية انتهى من الاحياء

باب في فضل تفسير القرآن واعرابه

قال النبي صلى اللّه عليه وسلم اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فان اللّه تعالى يحب ان يعرب قال أبو العالية في تفسير قوله عز و جل ومن يوت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا قال الحكمة الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة القرآن والفقه فيه وقال غيره الحكمة تفسير القرآن وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له ان الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل اليه حتى علم تفسيرها وذكر علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه جابر بن عبد اللّه فوصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وانت انت فقال انه كان يعرف تفسير

قوله تعالى ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وقال اياس ابن معاوية مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب وقال ابن عباس الذي يقرأ ولا يفسر كالاعرابي الذي يهذ الشعر وقال مجاهد احب الخلق إلى اللّه اعلمهم بما انزل اللّه وقال الحسن واللّه ما انزل اللّه آية الا احب ان يعلم فيمن انزلت وما يعنى بها وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرءان وجوها كثيرة

فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرءة عليه ومراتب المفسرين

روي عن عائشة رضي اللّه عنها انها قالت ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفسر من كتاب اللّه تعالى الا ءايا بعدد علمهن اياه جبريل عليه السلام قال ع ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل اليه الا بتوقيف من اللّه تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم اللّه به عباده كوقت قيام الساعة ونحوها ومنها ما يستقرأ من الفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض

 

وروي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال من تكلم في القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب اللّه فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء  اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن هذا القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه وكان جلة من السلف كسعيد ابن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم ابقوا على المسلمين في ذلك رضي اللّه عنها جميعهم

ت وخرج أبو عيسى الترمذي في جامعه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وخرج أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار قال ابو عيسى هذا حديث حسن وخرج عن جندب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ قال أبو عيسى هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن  فسروه بغير علم  من قبل انفسهم وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ما في القرآن آية الا وقد سمعت فيها بشيء وحدثنا ابن أبى عمر حدثنا سفيان بن عيينه عن الاعمش قال قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت انتهى ما نقلته من الترمذي ثم قال ع فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ويتلوه عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما والمحفوظ عنه في ذلك اكثر من المحفوظ عن علي بن ابي طالب وقال ابن عباس ما اخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحض على الأخذ عنه وكان عبد اللّه ابن مسعود يقول نعم ترجمان القرآن عبد اللّه بن عباس وهو الذي قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللّهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وحسبك بهذه الدعوة ويتلوه عبد اللّه بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وكل ما اخذ عن الصحابة فحسن متقدم ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة وقد قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وان كان لم يلق ابن عباس وانما اخذ عن ابن جبير وأما السدى رحمه اللّه تعالى فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبى صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ثم حمل تفسير كتاب اللّه عز و جل عدول كل خلف والف الناس فيه كعبد الزراق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم ثم أن محمد بن جرير الطبري رحمه اللّه جمع علىالناس اشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الاسناد ومن المبرزين في المتأخرين أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس رحمهما اللّه فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رحمه اللّه وأبو العباس المهدوي رحمه اللّه متقن التأليف وكلهم مجتهد ماجور رحمهم اللّه ونضر وجوههم

فصل

واختلف الناس في معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم انزل القرآن على سبعة احرف

فاقرءوا ما تيسر منه ثم قال ع بعد كلام والذي مال إليه كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره أن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل ثم اختلفوا في تعيينهم وانا الخص الغرض جهدي بحول اللّه فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وشب وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسد وضبة والفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه اللّه تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافها في العبارة قال ثابت بن قاسم لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة والفافها ومنها لقيس لكان قداتي على قبائل مضر فى مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن وهذا نحو ما ذكرناه وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخل ويسرها اللّه لذلك ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهو جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أن أبا عبيد القاسم بن سلام وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها قال ع وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن كالعرم والفتاح فأما ما انفردوا به كالزخيخ والقلوب فليس في كتاب اللّه منه شيء وأما ما وإلى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك وأما الذي يلي الشام وهو شمالي الجزيرة وهي بلاد ءال جفنة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم وكثير من بني اسرائل وأما غربي الجزيرة فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم وأكثرها غير معمور فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم ويقوى هذا المنزع أنه لما أتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب وتجرد أهل المصرين البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها لم يأخذوا إلا من هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها وتجنبوا اليمن والعراق والشام فلم يكتب عنهم حرف واحد وكذلك تجنبوا حواضر الحجاز مكة والمدينة والطائف لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها فأفسدوا اللغة وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلى اللّه عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة فمعنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة الا ترى أن فطر معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها قال ابن عباس ففهمت حينئذ موقع

قوله سبحانه فاطر السماوات والأرض وقال أيضا ما كنت أدري معنى

قوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها تعال افاتحك أي أحاكمك وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللّه

عنه وكان لا يفهم معنى

قوله تعالى  يأخذهم على تخوف فوقف به فتى فقال ان أبي يتخوفني حقي فقال عمر اللّه اكبر  يأخذهم على تخوف أي على تنقص لهم وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في الصلاة والنحل باسقات ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير هذا من الأمثلة فأباح اللّه تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف ولم تقع الإباحة في قوله فاقرءوا ما تيسر منه بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند اللّه وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى اللّه عليه وسلم ليوسع بها على أمته فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا وفي صحيح البخاري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف

فصل في ذكر الألفاظ التي في القرآن مما للغات العجم بها تعلق

اختلف الناس في هذه المسألة فقال أبو عبيدة وغيره أن في كتاب اللّه تعالى من كل لغة وذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها توارد اللغتين فتكلمت العرب والفرس  الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل

قوله تعالى إن ناشئة الليل قال ابن عباس نشأ بلغة الحبشة قام من الليل ومنه

قوله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة وكذلك قال ابن عباس في القسورة أنه الأسد بلغة الحبشة إلى غير هذا من الأمثلة قال ع والذي أقوله أن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن بلسان عربي مبين وليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها الا من لسان ءاخر فاما هذه الالفاظ وما جرى مجراها فانه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وسفر إلى الشام وأرض الحبشة فعلقت العرب بهذا كله الفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح مما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا

باب تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية

هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر فالقرآن مصدر من قولك قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرءانا وقراءة وقال قتادة القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة

قوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه أي تأليفه والقول الأول أن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا ومنه قول حسان بن ثابت يرثي عثمان بن عفان رضي اللّه عنه ... ضحوا باشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرءانا ...

أي وقراءة وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر ... واكتبها باسيار ... أي اجمعها وأما الفرقان فهو أيضا مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقانا وفرقانا وأما الذكر فسمي بذلك لأنه ذكر به الناس ءاخرتهم وإلاههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم

وقيل سمي بذلك لأن فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وفيل سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لصلى اللّه عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم يهمزون فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من اسأر إذا ابقى ومنه سؤر الشراب وأما من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما بني قطعة بعد قطعة فكل قطعة منها سورة فكان سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة ومنه قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر ... ألم تر ان اللّه أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب ... فكأن الرتبة انبنت حتى كملت

وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب ولما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم

وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا

وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها

وما بعدها سميت آية ت

وقوله صلى اللّه عليه و سلم في الصحيح آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب الحديث وآية الإيمان حب الأنصار وآية ما بيننا وبين المنافقين شهود العشاء يقوى القول الأول واللّه أعلم وهذا هو الراحج في مختصر الطبري قال والآية العلامة وذلك أطهر في العربية والقرآن واصح القول أن آيات القرآن علامات للإيمان وطاعة اللّه تعالى ودلالات على وحدانيته وإرسال رسله وعلى البعث والنشور وأمور الآخرة وغير ذلك مما تضمنته علوم القرآن انتهى

باب في الاستعاذة

قال اللّه عز و جل فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم معناه إذا أردت أن تقرأ فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته وأجمع العلماء على أن قول القارىء اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ليس بآية من كتاب اللّه واجمعوا على استحسان ذلك والتزامه عند كل قراءة في غير صلاة واختلفوا في التعوذ في الصلاة فابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في كل ركعة ويمتثلون أمر اللّه سبحانه بالاستعاذة على العموم في كل قراءة وابو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمه اللّه لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان ولم يحفظ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه تعوذ في صلاة وأما لفظ الاستعاذة فالذي عليه جمهور الناس وهو لفظ كتاب اللّه تعالى أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وأما المقرءون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم اللّه وفي الجهة الأخرى كقول بعضهم أعوذ باللّه المجيد من الشيطان المريد ونحو هذا مما هذا مما لا أقول فيه نعمت البدعة ولا أقول أنه لا يجوز ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه وأما الشيطان فاختلف في اشتقاقه فقال المحذاق هو فيعال من شطن إذا بعد لأنه بعد عن الخير والرحمة وأما الرجيم فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح ومعناه أنه رجم باللغة والمقت وعدم الرحمة

باب في تفسير

سورة فاتحة 

١

بسم اللّه الرحمن الرحيم

روي أن رجلا قال بحضرة النبي صلى اللّه عليه وسلم تعس الشيطان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تقل ذلك فإنه يتعاظم عنده ولكن قل بسم اللّه الرحمن الرحيم فإنه يصغر حتى يصير اقل من الذباب والبسملة تسعة عشر حرفا قال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال اللّه فيهم عليها تسعة عشر إنما ترتب عددهم على حروف بسم اللّه الرحمن الرحيم لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم بسم اللّه الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتهم وباسم اللّه استضلعوا قال ع وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم ت ولا يخفي عليك لين ما بلغ هؤلاء ولقد أغنى اللّه تعالى بصحيح الأحاديث وحسنها عن موضوعات الوراقين فجزى اللّه نقاد الأمة عنا خيرا وما جاء من الأثر عن جابر وأبي هريرة مما يقتضي بظاهره أن البسملة آية من الفاتحة يرده صحيح الأحاديث كحديث أنس وأبي بن كعب وحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ونحوها ولم يحفظ قط عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ولا عن الخلفاء بعده أنهم يبسملون في الصلاة ع ولباء في بسم اللّه متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداءى مستقر  ثابت بسم اللّه وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم اللّه واسم اصله سمو بكسر السين  سمو بضمها وهو عند البصريين مشتق من السمو ت وهو العلو والارتفاع قال ص والاسم هو الدال بالوضع على موجود في العيان أن كان محسوسا وفي الأذهان إن كان معقولا من غير تعرض ببنيته للزمان ومدلوله هو المسمى والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على المعنى فهي أمور ثلاثة متباينة فإذا أسندت حكما إلى لفظ اسم فتارة يكون حقيقة نحو زيد اسم ابنك وتارة يكون مجازا وهو حيث يطلق الاسم ويراد به المسمى كقوله تعالى تبارك اسم ربك وسبح اسم ربك وتأول السهيلي سبح اسم ربك على إقحام الاسم أي سبح ربك وإنما ذكر الاسم حتى لا يخلو التسبيح من اللفظ باللسان لأن الذكر بالقلب متعلقه المسمى والذكر باللسان متعلقه اللفظ وتأول

قوله تعالى ما تعبدون من دونه إلا أسماء بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على الحقيقة فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها انتهى وقال الكوفيون أصل اسم وسم من السمة وهي العلامة لأن الاسم علامة لمن وضع له والمكتوبة التي لفظها اللّه ابهر أسمائه تعالى وأكثرها استعمالا وهو المتقدم لسائرها في الأغلب وإنما تجيء الأخر أوصافا وحذفت الألف الأخيرة من اللّه ليلا يشكل بخط اللات

وقيل طرحت تخفيفا والرحمن صفة مبالغة من الرحمة معناها أنه انتهى إلى غاية الرحمن وهي صفة تختص باللّه تعالى ولا تطلق على البشر وهي ابلغ من فعيل وفعيل ابلغ من فاعل لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك والرحمن النهاية في الرحمة

تفسير فاتحة الكتاب بحول اللّه تعالى وقوته

قال ابن عباس وغيره أنها مكية ويؤيد هذا أن في سورة الحجر ولقد آتيناك سبعا من المثاني والحجر مكية بإجماع وفي حديث أبي بن كعب أنها السبع المثاني ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة وما حفظ انه كانت قط في الإسلام صلاة بغير الحمد للّه رب العالمين 

وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدينة وأما أسماؤها فلا خلاف أنه يقال لها فاتحة الكتاب

واختلف هل يقال لها أم الكتاب فكره ذلك الحسن بن أبي الحسن وأجازه ابن عباس وغيره وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة

واختلف هل يقال لها أم القرآن فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء وسميت المثاني لأنها تثنى في كل ركعة

وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حديث أبي بن كعب أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها  

وروي أنها تعدل ثلثي القرآن وهذا العدل إما أن يكون في المعاني وإما أن يكون تفضيلا من اللّه تعالى لا يعلل وكذلك يجيء عدل قل هو اللّه أحد وعدل إذا زلزلت وغيره ت ونحو حديث أبي حديث أبي سعيد بن المعلى إذ قال له صلى اللّه عليه و سلم ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن الحمد اللّه رب العالمين هي سبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه انتهى من سلاح المؤمن تأليف الشيخ المحدث أبي الفتح تقي الدين محمد بن علي بن همام رحمه اللّه

٢

الحمد معناه الثناء الكامل والألف واللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد وهو أعم من الشكر لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود قال ص وهل الحمد بمعنى الشكر  الحمد أعم  الشكر ثناء على اللّه بأفعاله والحمد ثناء عليه بأوصافه ثلاثة أقوال انتهى

قال الطبري الحمد للّه ثناء اثنى به على نفسه تعالى وفي ضمنه أمر عبادة أن يثنوا به عليه فكأنه قال قولوا الحمد للّه وعلى هذا يجيء قولوا إياك واهدنا قال وهذا من حذف العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه وهو كثير

والرب في اللغة المعبود والسيد المالك والقائم بالأمور المصلح لما يفسد منها فالرب على الإطلاق هو رب الأرباب على كل جهة وهو اللّه تعالى

والعالمون جمع عالم وهو كل موجود سوى اللّه تعالى يقال لجملته عالم ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك عالم عالم وبحسب ذلك يجمع على العالمين ومن حيث عالم الزمان متبدل في زمان آخر حسن جمعها ولفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده كذا قال الزجاج

قال أبو حيان الألف واللام في العالمين للاستغراق وهو جمع سلامة مفرده عالم اسم جمع وقياسه ألا يجمع وشذ جمعه أيضا جمع سلامة لأنه ليس بعلم ولا صفة م وذهب ابن مالك في شرح التسهيل إلى أن عالمين اسم جمع لمن يعقل وليس جمع عالم لأن العالم عام وعالمين خاص قلت وفيه نظر انتهى

٣

وقد تقدم القول في الرحمن الرحيم

٤

ملك يوم الدين الدين في كلام العرب على أنحاء وهو هنا الجزاء يوم الدين أي يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها قاله ابن عباس وغيره مدينين محاسبين وحكى أهل اللغة دنته بفعله دينا بفتح الدال ودينا بكسرها جزيته ومنه قول الشاعر ... واعلم يقينا أن ملكك زائل ... واعلم بأن كما تدين تدان ...

٥

إياك نعبد نطق المؤمن به إقرار بالربوبية وتذلل وتحقيق لعبادة اللّه وقدم إياك على الفعل اهتماما وشأن العرب تقديم الأهم

واختلف النحويون في إياك فقال الخليل إيا اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف وحكي عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب وقال المبرد إيا اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف وحكى ابن كيسان عن بعض الكوفيين أن إياك بكماله اسم مضمر ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره وحكي عن بعضهم أنه قال الكاف والهاء والياء هو الاسم المضمر لكنها لا تقوم بأنفسها ولا تكون إلا متصلات فإذا تقدمت الأفعال جعل إيا عمادا لها فيقال إياك وإياه وإياي فإذا تأخرت اتصلت بالأفعال واستغني عن إيا و نعبد معناه نقيم الشرع والأوامر مع تذلل واستكانة والطريق المذللل يقال له معبد وكذلك البعير و نستعين معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا وهذا كله تبر من الأصنام

وقوله تعالى اهدنا رغبة لأنها من المربوب إلى الرب وهكذا صيغ الأمر كلها فإذا كانت من الأعلى فهي أمر والهداية في اللغة الإرشاد لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد وكلها إذا تأملت راجعة إلى الإرشاد فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ومنه

قوله تعالى أولئك على هدى من ربهم و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم و إنك لا تهدي من أحببت ولكن اللّه يهدي من يشاء فمن يرد اللّه أن يهديه الآية قال أبو المعالي فهذه الآيات لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان في القلب وهو محض الإرشاد وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء كقوله تعالى ولكل قوم هاد أي داع وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم وقد جاء الهدى بمعنى الإلهام من ذلك

قوله تعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال المفسرون الهم الحيوانات كلها إلى منافعها وقد جاء الهدى بمعنى البيان من ذلك

قوله تعالى وأما ثمود فهديناهم قال المفسرون معناه بينا لهم قال أبو المعالي معناه دعوناهم

وقوله تعالى إن علينا للّهدى أي علينا أن نبين في هذا كله معنى الإرشاد قال أبو المعالي وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها كقوله تعالى في صفة المجاهدين فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ومنه

قوله تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم معناه فاسلكوهم إليها قال ع وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا وهي ضد الضلال وهي الواقعة في

٦

قوله تعالى إهدنا الصراط المستقيم على صحيح التأويلات وذلك بين من لفظ الصراط والصراط في اللغة الطريق الواضح ومن ذلك قول جرير ... أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم ...

واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له الصراط في هذا الموضع فقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه الصراط المستقيم هنا القرآن وقال جابر هو الإسلام يعني الحنيفية وقال محمد بن الحنفية هو دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره وقال أبو العالية هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر أي الصراط المستقيم طريق صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وهذا قوي في المعنى إلا أن تسمية أشخاصهم طريقا فيه تجوز ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة هي أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في معتقداته وفي التزامه لأحكام شرعه وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام وهو حال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصاحبيه وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال فمعنى قوله اهدنا فيما هو حاصل عندهم التثبيت والدوام وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به  التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه فكل داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته

واختلف في المشار إليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم وقول ابن عباس وجمهور من المفسرين أنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وانتزعوا ذلك من

قوله تعالى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم الآية إلى قوله رفيقا

٧

وقوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة وإنما تنكرت غير ومثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما وذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره وكذلك إن قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة و المغضوب عليهم اليهود و الضالون النصارى قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد

 

وروى ذلك عدي بن حاتم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وذلك بين من كتاب اللّه لأن ذكر غضب اللّه على اليهود متكرر فيه كقوله وباءوا بغضب من اللّه قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند اللّه الآية وغضب اللّه تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محنا وعقوبات وذلة ونحو ذلك مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعدا مؤكدا مبالغا فيه والنصارى كان محققوهم على شرعة بل ورود شرع محمد صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه وسلملى اللّه عليه وسلملى اللّه عليه سلم فلما ورد ضلوا وأما غير متحققيهم فضلالتهم متقررة منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليه السلام وقد قال اللّه تعالى فيهم ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وأجمع الناس على أن عدد آي سورة الحمد سبع آيات العالمين آية الرحيم آية الدين آية نستعين آية المستقيم آية أنعمت عليهم آية ولا الضالين آية وقد ذكرنا عند تفسر بسم اللّه الرحمن الرحيم أن ما ورد من خلاف في ذلك ضعيف

القول في آمين

روى أبو هريرة وغيره عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة في السماء تقول آمين فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ت

وخرج مسلم وأبو داود والنسائي من طريق أبي موسى رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه وسلم قال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم اللّه الحديث انتهى ومعنى آمين عند أكثر أهل العلم اللّهم استجب  أجب يا رب ومقتضى الآثار أن كل داع ينبغي له في آخر دعاءه أن يقول آمين وكذلك كل قارىء للحمد في غير صلاة وأما في الصلاة فيقولها المأموم والفذ وفي الإمام في الجهر اختلاف

واختلف في معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة فقيل في الإجابة

وقيل في خلوص النية

وقيل في الوقت والذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية والإقبال على الرغبة إلى اللّه بقلب سليم والإجابة تتبع حينئذ لأن من هذه حاله فهو على الصراط المستقيم

وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول

قال اللّه عز و جل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد للّه رب العالمين قال اللّه حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال اللّه أثنى علي عبدي وإذا قال ملك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولبعدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل انتهى وعند مالك فهؤلاء لعبدي واسند أبو بكر بن الخطيب عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة انتهى من تاريخ بغداد ولم يذكر في سنده مطعنا

وقال ابن العربي في أحكامه والصحيح عندي وجوب قراءتها على المأموم فيما اسر فيه وتحريمها فيما جهر فيه إذا سمع الإمام لما عليه من وجوب الإنصات والاستماع فإن بعد عن الإمام فهو بمنزلة صلاة السر انتهى نجز تفسير سورة الحمد والحمد للّه بجميع بمحامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم

﴿ ٠