١٥٣

وقوله تعالى إن اللّه مع الصابرين أي بمعونته وإنجاده

وقوله تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات الآية سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر واحد من المؤمنين مات فلان مات فلان فكره اللّه سبحان أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم فنزلت هذه الآية وأيضا فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم تعظم منزلة الشهداء وتخبر عن حقيقة حالهم فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم ويظهر ذلك من حديث

أم حارثة في السير

ت

وخرجه البخاري في صحيحه عن أنس قال أصيب حارثة يوم بدر إصابة غرب سهم وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم - فقالت يا رسول اللّه قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة اصبر واحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع فقال ويحك  هبلت أوجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى الحديث انتهى

ع

والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق وذلك أن اللّه تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم

ت

وللشهيد أحوال شريفة منها ما خرجه الترمذي وابن ماجه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال للشهيد عند اللّه ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقربائه قال الترمذي هذا حديث حسن غريب زاد ابن ماجة ويحلى حلة الإيمان قال القرطبي في تذكرته هكذا وقع في نسخ الترمذي وابن ماجة ست خصال وهي في متن الحديث سبع وعلى ما في ابن ماجة ويحلى حلة الإيمان تكون ثمانيا وكذا ذكره أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال للشهيد عند اللّه ثمان خصال انتهى وخرج الترمذي والنساءي عنه ص - أنه قال الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة انتهى

ع

روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أن أراواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة

وروي أنهم في قبة خضراء

وروي أنهم في قناديل من ذهب إلى كثير من هذا ولا محالة أنها أحوال لطوائف  للجميع في أوقات

متغايرة

ت

وكذا ذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح أن المنعمين على جهات مختلفة بحسب مقاماتهم وتفاوتهم في أعمالهم قال صاحب التذكرة وهذا قول حسن وبه يجمع بين الأخبار حتى لا تتدافع انتهى قال

ع

وجمهور العلماء على أنهم في الجنة ويؤيده قول النبي صلى اللّه عليه وسلم - لأم حارثة أنه في الفردوس الأعلى وقال مجاهد هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها وفي مختصر الطبري قال ونهى عز و جل أن يقال لمن يقتل في سبيل اللّه أموات واعلم سبحانه أنهم أحياء ولكن لا شعور لنا بذلك إذ لا نشاهد باطن أمرهم وخصوا من بين سائر المؤمنين بأنهم في البرزخ يرزقون من مطاعم الجنة ما يرزق المؤمنون من اهل الجنة على انه قد ورد في الحديث إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ومعنى يعلق يأكل ومنه قولهم ما ذقت علاقا أي ماكلا فقد عم المؤمنين بأنهم يرزقون في البرزخ من رزق الجنة ولكن لا يمتنع أن يخص الشهداء من ذلك بقدر لا يناله غيرهم واللّه أعلم انتهى

وروى النساءي أن رجلا قال يا رسول اللّه ما بال المؤمنين في قبورهم إلا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة انتهى

ت

وحديث إنما نسمة المؤمن طائر خرجه مالك رحمه اللّه قال الداودي وحديث مالك هذا أصح ما جاء في الأرواح والذي روي أنها تجعل في حواصل طير لا يصح في النقل انتهى قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد والأشبه قول من قال كطير  كصور طير لموافقته لحديث الموطأ هذا وأسند أبو عمر هذه الأحاديث ولم يذكر مطعنا في إسنادها انتهى ثم أعلمهم تعالى أن الدنيا دار بلاء ومحنة ثم وعد على الصبر فقال ولنبلونكم أي نمتحنكم بشيء من الخوف أي من الأعداء في الحروب ونقص من الأموال أي بالحوائج والمصائب والأنفس

بالموت والقتل بالعاهات والمراد بشيء من هذا وشيء من هذا واكتفى بالأول إيجازا ثم وصف سبحانه الصابرين الذين بشرهم بقوله الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للّه وإنا إليه راجعون فجعل سبحانه هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب لما جمعت من المعاني المباركة من توحيد اللّه سبحانه والإقرار له بالعبودية والبعث من القبور واليقين بأن رجوع الأمر كله إليه كما هو له قال الفخر قال أبو بكر الوراق إنا للّه إقرار منا له بالملك وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلاك واعلم أن قوله إنا للّه يدل على كونه راضيا بكل ما نزل به ووردت أخبار كثيرة في هذا الباب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - فمن استرجع عند المصيبة جبر اللّه مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه انتهى

وروي أن مصباح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - انطفأ ذات ليلة فقال إنا للّه وإنا إليه راجعون فقيل أمصيبة هي يا رسول اللّه قال نعم كل ما أذى المؤمن فهو مصيبة قال النووي

وروينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ليسترجع أحدكم في كل شيء حتى في شسع نعله فإنها من المصائب انتهى من الحلية

﴿ ١٥٣