٢١٤وقوله تعالى أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم الآية اكثر المفسرين انها نزلت في قصة الاحزاب حين حصروا المدينة وقالت فرقة نزلت تسلية للمهاجرين حين اصيبت اموالهم بعدهم وفيما نالهم من اذاية الكافرين لهم وخلوا معناه انقرضوا أي صاروا في خلاء من الأرض والبأساء في المال والضراء في البدن ومثل معناه شبه والزلزلة شدة التحريك تكون في الأشخاص والأحوال وقرأ نافع يقول بالرفع وقرأ الباقون بالنصب وحتى غاية مجردة تنصب الفعل بتقدير إلى أن وعلى قراءة نافع كأنها أقترن بها تسبيب فهي حرف ابتداء ترفع الفعل وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك ولا ارتياب والرسول اسم الجنس وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير والتقدير حتى يقول الذين آمنوا متى نصر اللّه فيقول الرسول ألا أن نصر اللّه قريب فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ثم قدم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان قال ع وهذا تحكم وحمل الكلام على وجهه غير متعذر ويحتمل أن يكون ألا إن نصر اللّه قريب إخبارا من اللّه تعالى مؤتنفا بعد تمام ذكر القول قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير الآية السائلون هم المؤمنون والمعنى يسألونك ما هي الوجوه التي ينفقون فيها وما يصح أن تكون في موضع رفع على الابتداء وذا خبرها بمعنى الذي وينفقون صلة وفيه عائد على ذا تقديره ينفقونه ويصح أن تكون ماذا اسما واحدا مركبا في موضع نصب قال قوم هذه الآية في الزكاة المفروضة وعلى هذا نسخ منها الوالدان وقال السدي نزلت قبل فرض الزكاة ثم نسختها آية الزكاة المفروضة وقال ابن جريج وغيره هي ندب والزكاة غير هذا الإنفاق وعلى هذا لا نسخ فيها وما تفعلوا جزم بالشرط والجواب في الفاء وظاهر الآية الخبر وهي تتضمن الوعد بالمجازات وكتب معناه فرض واستمر الإجماع على إن الجهاد على أمة صلى اللّه عليه وسلم فرض كفاية وقوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا الآية قال قوم عسى من اللّه واجبة والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظهرون وتغنمون وتوجرون ومن مات مات شهيدا وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم قال ص قوله وعسى أن تحبوا شيئا عسى هنا للترجي ومجيئها له كثير في كلام العرب قالوا وكل عسى في القرآن للتحقيق يعنون به الوقوع إلا قوله تعالى عسى ربه إن طلقكن انتهى وفي قوله تعالى واللّه يعلم الآية قوة أمر وقوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية نزلت في قصة عمرو بن الحضرمي وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية عليها عبد اللّه بن جحش الأسدي مقدمة من بدر الأولى فلقوا عمر بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد اللّه بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما قله ابن إسحاق وقالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم فرمى واقد بن عبد اللّه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وأسر عثمان بن عبد اللّه والحكم وفر نوفل فأعجزهم وأستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم فقالت قريش محمد قد استحل الأشهر الحرم وعيروا بذلك وتوقف النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم فنزلت هذه الآية وقتال بدل اشتمال عند سيبويه وقال الفراء هو مخفوض بتقدير عن وقرىء به والشهر في الآية اسم الجنس وكانت العرب قد جعل اللّه لها الشهر الحرام قواما تعتدل عنده فكانت لا تسفك دما ولا تغير في الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وروى جابر بن عبد اللّه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يكن يغزو فيها إلا أن يغزى فذلك قوله تعالى قل قتال فيه كبير وصد مبتدأ مقطوع مما قبله والخبر أكبر ومعنى الآية على قوم الجمهور أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل اللّه لمن أراد الإسلام وكفركم باللّه وإخراجكم أهل المسجد عنه كما فعلتم برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه أكبر جرما عند اللّه قال الزهري ومجاهد وغيرهما قوله تعالى قل قتال فيه كبير منسوخ ص وسبيل اللّه دينه والمسجد قراءة الجمهور بالخفض قال المبرد وتبعه ابن عطية وغير هو معطوف على سبيل اللّه ورد بأنه حينئذ يكون متعلقا بصد أي وصد عن سبيل اللّه وعن المسجد الحرام فيلزم الفصل بين المصدر وهو صد وبين معموله وهو المسجد باجنبي وهو وكفر به ولا يجوز وقيل معطوف على ضمير به أي وكفر به وبالمسجد ورد بأن فيه عطفا على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض ولا يجوز عند جمهور البصريين وأجازه الكوفيون ويونس وأبو الحسن والشلوبين والمختار جوازه لكثرته سماعا ومنه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام أي وبالارحام وتأويلها على غيره بعيد يخرج الكلام عن فصاحته انتهى وقوله تعالى والفتنة أكبر من القتل المعنى عند جمهور المفسرين والفتنة التي كنتم تفتنون المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا أشد اجتراما من قتلكم في الشهر الحرام وقيل المعنى والفتنة اشد من أن لو قتلوا ذلك المفتون وقوله تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا هو ابتداء خبر من اللّه تعالى وتحذير منه للمؤمنين وقوله تعالى ومن يرتدد أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر عياذا باللّه قالت طائفة من العلماء يستتاب المرتد ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه وفي قول له يقتل دون استتابة وحبط العمل إذا انفسد في آخره فبطل وميراث المرتد عند مالك والشافعي في بيت مال المسلمين وقوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه الآية قال عروة بن الزبير وغيره لما عنف المسلمون عبد اللّه بن جحش وأصحابه شق ذلك عليهم فتلافاهم اللّه عز و جل بهذه الآية ثم هي باقية في كل من فعل ما ذكره اللّه عز و جل وهاجر الرجل إذا انتقل نقلة إقامة من موضع إلى موضع وقصد ترك الأول إيثارا للثاني وهي مفاعلة من هجر وجاهد مفاعلة من جهد إذا استخرج الجهد ويرجون معناه يطمعون ويستقربون والرجاء تنعم والرجاء أبدا معه خوف ولا بد كما أن الخوف معه رجاء ت والرجاء ما قارنه عمل وإلا فهو أمنية قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر الآية السائلون هم المؤمنون والخمر مأخوذ من خمر إذا ستر ومنه خمار المرأة والخمر ما واراك من شجر وغيره ومنه قول الشاعر ... ألا يا زيد والضحاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطريق ... ولما كانت الخمر تستر العقل وتغطى عليه سميت بذلك وأجمعت الأمة على تحريم خمر العنب ووجوب الحد في القليل والكثير منه وجمهور الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب محرم قليله وكثيره والحد في ذلك واجب وروي أن هذه الآية أول تطرق إلى تحريم الخمر ثم بعده لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ثم إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم الآية إلى قوله فهل أنتم منتهون ثم قوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حرمت الخمر ولم يحفظ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين خرجه مسلم وابو داوود وروي عنه صلى اللّه عليه و سلم أنه ضرب فيها ضربا مشاعا وحزره أبو بكر أربعين سوطا وعمل بذلك هو ثم عمر ثم تهافت الناس فيها فشدد عليهم الحد وجعله كاخف الحدود ثمانين وبه قال مالك ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع قال ابن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز ت وعبارة الداودي وعن ابن عمر الميسر القمار كله قال ابن عباس كل ذلك قمار حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب انتهى وقوله تعالى قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس الآية قال ابن عباس والربيع الإثم فيهما بعد التحريم والمنفعة قبله وقال مجاهد المنفعة بالخمر كسب أثمانها وقيل اللذة بها إلى غير ذلك من افراحها ثم أعلم اللّه عز و جل أن الإثم أكبر من النفع وأعود بالضرر في الآخرة فهذا هو التقدمة للتحريم |
﴿ ٢١٤ ﴾