٢٦٠

قوله تعالى وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولو تؤمن قال بلى الآية قال جمهور العلماء أن إبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا في إحياء اللّه الموتى قط وإنما طلب المعاينة وأما قول النبي صلى اللّه عليه وسلم نحن أحق بالشك من إبراهيم فمعناه أن لو كان شك لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم عليه السلام أحرى أن لا يشك فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم والذي روي فيه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ذلك محض الإيمان إنما هو في الخواطر الجارية التي لا تثبت وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر وذلك هو المنفي عن الخليل صلى اللّه عليه و سلم وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم أعلم بذلك يدلك على ذلك قوله ربي الذي يحي ويميت والشك يبعد على من ثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوءة والخلة والأنبياء معصومون من الكبائر

ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود ومتقرر الوجود عند السائل والمسؤول نحو قولك كيف علم زيد وكيف نسج الثوب فكيف في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر ولما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبر عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح مثال ذلك أن يقول مدع أنا أرفع هذا الجبل فيقول المكذب كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ومعناها تسليم جدلي كأنه يقول أفرض أنك ترفعه ارني كيف فلما كان في عبارة الخليل صلى اللّه عليه و سلم هذا الاشتراك المجازي خلص اللّه سبحانه ذلك وحمله علىأن يبين الحقيقة فقال له أولم تؤمن قال بلى فكمل الأمر وتخلص من كل شك ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمانينة ت قال الداودي وعن ابن جبير أولم تؤمن بالخلة قال مجاهد والنخعي ولكن ليطمئن قلبي أي ازداد إيمانا إلى إيماني وعن قتادة لأزداد يقينا انتهى قال ع

وقوله تعالى أولم تؤمن معناه إيمانا مطلقا دخل فيه فصل إحياء الموتى والواو واو حال دخلت عليها ألف التقرير وقال ص الهمزة في أولم تؤمن للتقرير كقوله تعالى ألم نشرح لك صدرك وكقوله ألستم خير من ركب المطايا أي قد شرحنا لك صدرك وأنتم خير وقول أبن عطية الواو للحال دخلت عليها ألف التقرير متعقب والظاهر أن التقرير منسحب على الجملة المنفية فقط وأن الواو للعطف انتهى وليطمئن معناه ليسكن فطمأنينة القلب هي أن تسكن فكره في الشيء المعتقد والفكر في صورة الإحياء غير محظورة كمالنا نحن اليوم أن نفكر فيها

بل هي فكر فيها عبر فأراد الخليل أن يعاين فتذهب فكره في صورة الإحياء إذ حركه إلى ذلك أما الدابة المأكولة في تأويل وأما قول النمروذ أنا أحي وأميت في تأويل آخر

وروي أن الأربعة التي أخذ إبراهيم عليه السلام هي الديك والطاوس والحمام والغاب قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس مكان الغراب الكركي فروي أنه أخذها عليه السلام حسب ما أمر وذكاها ثم قطعها قطعا قطعا صغارا وجمع ذلك مع الدم والريش ثم جعل من ذلك المجموع المختلط جزءا على كل جبل ووقف هو من حيث يرى تلك الأجزاء وأمسك رؤوس الطير في يده ثم قال تعالين بإذن اللّه فتطايرت تلك الأجزاء وطار الدم إلى الدم والريش إلى الريش حتى التأمت كما كانت أولا وبقيت بلا رؤوس ثم كرر النداء فجاءته سعيا حتى وضعت أجسادها في رؤوسها وطارت بإذن اللّه تعالى

وقوله تعالى فصرهن يقال صرت الشيء أصوره بمعنى قطعته يقال أيضا صرت الشيء بمعنى أملته وقد تأول المفسرون اللفظة بمعنى التقطيع وبمعنى الإمالة وقد قال ابن عباس وغيره في هذه الآية صرهن معناه قطعهن وقال قتادة صرهن فصلهن وقال عطاء بن أبي رباح صرهن أضممهن وقال ابن زيد معناه اجمعهن وعن ابن عباس أيضا أوثقهن وقرأ قوم فصرهن بضم الصاد وشد الراء كأنه يقول فشدهن ومنه صرة الدنانير

﴿ ٢٦٠