٢٧٣وقوله تعالى للفقراء الذين احصروا في سبيل اللّه الآية التقدير الإنفاق الصدقة للفقراء قال مجاهد وغيره المراد بهؤلاء الفقراء فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم ع ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفة الفقر غابر الدهر ثم بين اللّه سبحانه من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله الذين احصروا في سبيل اللّه والمعنى حبسوا ومنعوا وتأول الطبري في هذه الآية أنهم هم حابسوا أنفسهم بربقة الدين وقصد الجهاد وخوف العدو إذ أحاط بهم الكفر فصار خوف العدو عذرا احصروا به ع كأن هذه الأعذار أحصرتهم فالعدو وكل محيط يحصر وقوله في سبيل اللّه يحتمل الجهاد ويحتمل الدخول في الإسلام والضرب في الأرض هو التصرف في التجارة وكانوا لا يستطيعون ضربا في الأرض لكون البلاد كلها كفرا مطبقا وهذا في صدر الهجرة وكانوا رضي اللّه عنهم من الانقباض وترك المسألة والتوكل على اللّه تعالى بحيث يحسبهم الجاهل بباطن أحوالهم أغنياء ت واعلم أن المواساة واجبة وقد خرج مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري قال بينما نحن في سفر مع النبي صلى اللّه عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له قال فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل انتهى والتعفف تفعل وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه وبهذا المعنى فسره قتادة وغيره ت مدح اللّه سبحانه هؤلاء السادة على ما أعطاهم من غنى النفس وفي الحديث الصحيح ليس الغنى عن كثرة المال وإنما الغنى غنى النفس وقد صح عنه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال اللّهم اجعل قوت آل محمد كفافا أخرجه مسلم وغيره وعندي أن المراد بالآل هنا متبعوه صلى اللّه عليه و سلم وفي سنن ابن ماجه عن أنس قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ما من غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا وروى مسلم والترمذي عن أبي أمامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عيله وسلم يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى قال أبو عيسى واللفظ له هذا حديث حسن صحيح انتهى وقوله تعالى تعرفهم بسيماهم السيما مقصورة العلامة واختلف المفسرون في تعيينها فقال مجاهد هي التخشع والتواضع وقال الربيع والسدي هي جهد الحاجة وقصف الفقر في وجوههم وقلة النعمة وقال ابن زيد هي رثة الثياب وقال قوم وحكاه مكي هي أثر السجود قال ع وهذا حسن وذلك لأنهم كانوا متفرغين متوكلين لا شغل لهم في الأغلب إلا الصلاة فكان أثر السجود عليهم أبدا والإلحاف والإلحاح بمعنى قال ع والآية تحتمل معنيين أحدهما نفي السؤال جملة وهذا هو الذي عليه الجمهور أنهم لا يسألون البتة والثاني نفي الإلحاف فقط أي لا يظهر لهم سؤال بل هو قليل وبإجمال ت وهذا الثاني بعيد من ألفاظ الآية فتأمله ت وينبغي للفقير أن يتعفف في فقره ويكتفي بعلم ربه قال الشيخ ابن أبي جمرة وقد قال أهل التوفيق من لم يرض باليسير فهو أسير انتهى وذكر عبد الملك بن محمد بن أبي القاسم ابن الكردبوس في الاكتفاء في أخبار الخلفاء قال وتكلم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه بتسع كلمات ثلاث في المناجاة وثلاث في الحكمة وثلاث في الآداب أما المناجاة فقال كفاني فخرا أن تكون لي ربا وكفاني عزا أن أكون لك عبدا وأنت كما أحب فاجعلني كما تحب وأما الحكمة فقال قيمة كل امرىء ما كان يحسنه وما هلك امرؤ عرف قدر نفسه والمرء مخبو تحت لسانه وأما الآداب فقال استغن عمن شئت فأنت نظيره وتفضل على من شئت فأنت أميره واضرع إلى من شئت فأنت أسيره انتهى ولما كانت السيما تدل على حال صاحبها ويعرف بها حاله أقامها اللّه سبحانه مقام الإخبار عن حال صاحبها فقال تعرفهم بسيماهم وقد قال الشيخ العارف باللّه صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية كل ما دل على معنى فقد أخبر عنه ولو كان صامتا وأشار إليه ولو كان ساكتا لكن حصول الفهم والمعرفة بحسب اعتبار المعتبر ونظر المتأمل المتدبر انتهى قال ع وفي الآية تنبيه على سوء حالة من يسأل الناس إلحافا وقال ص وقوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا إذا نفي حكم من محكوم عليه بقيد فالأكثر في لسانهم انصراف النفي إلى ذلك القيد فالمعنى ذلك القيد فينتفي السؤال والإلحاح وله نظائر انتهى وقوله تعالى وما تنفقوا من خير فإن اللّه به عليم وعد محض أي يعلمه ويحصيه ليجازي عليه ويثيب |
﴿ ٢٧٣ ﴾