١٣٣وقوله تعالى سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض قرأ نافع وابن عامر سارعوا بغير واو وكذلك هي في مصاحب أهل المدينة والشام وقرأ باقي السبعة بالواو والمسارعة المبادرة وهي مفاعلة إذ الناس كأن كل واحد يسرع ليصل قبل غيره فبينهم في ذلك مفاعلة إلا ترى إلى قوله تعالى فاستبقوا الخيرات والمعنى سارعوا بالطاعة والتقوى والتقرب إلى ربكم إلى حال يغفر اللّه لكم فيها قلت وحق على من فهم كلام ربه أن يبادر ويسارع إلى ما ندبه إليه ربه وأن لا يتهاون بترك الفضائل الواردة في الشرع قال النووي رحمه اللّه أعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة ليكون من أهله ولا ينبغي أن يتركه جملة بل يأتي بما تيسر منه لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا منه ما استطعتم اه من الحلية وقوله سبحانه وجنة عرضها السموات والأرض أي كعرض السماوات والأرض قال ابن عباس في تفسير الآية تقرن السموات والأرضون بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب فذلك عرض الجنة ولا يعلم طولها إلا اللّه سبحانه وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن بين المصراعين من أبواب الجنةمسيرة أربعين سنة وسيأتي عليها يوم يزدحم الناس فيها كما تزدحم الإبل إذا وردت خمصا ظماء وفي الصحيح أن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام لا يقطعها فهذا كله يقوي قول ابن عباس وهو قول الجمهور أن الجنةأكبر من هذه المخلوقات المذكورة وهي ممتدة على السماء حيث شاء اللّه تعالى وذلك لا ينكر فإن في حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد القيت في فلاة من الأرض قال ع فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدا من السماوات والأرض وقدرة اللّه أعظم من ذلك كله قلت قال الفخر وفي الآية وجه ثان أن الجنة التي عرضها مثل عرض السماوات والأرض إنما تكون للرجل الواحد لأن الإنسان يرغب فيما يكون ملكا له فلا بد أن تصير الجنة المملوكة لكل أحد مقدارها هكذا اه وقدرة اللّه تعالى أوسع وفضله أعظم وفي صحيح مسلم والترمذي من حديث المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه في سؤال موسى ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة وأنه رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنة الجنة فيقال له أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت أي رب فيقال له لك ذلك ومثله معه مثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت أي رب فيقال له لك ذلك وعشرة أمثاله فيقول رضيت أي رب فيقال له فإن لك مع هذا ما أشتهت نفسك ولذت عينك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفي البخاري من طريق ابن مسعود رضي اللّه عنه أن آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه أدخل الجنة فيقول رب الجنة ملأى فيقول له أن لك مثل الدنيا عشر مرات وفي جامع الترمذي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على اللّه من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية الحديث قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث من غير وجه مرفوعا وموقوفا وفي الصحيح ما معناه إذا دخل أهل الجنة الجنة تبقى فيها فضلة فينشيء اللّه لها خلقا كما قال قال ع وخص العرض بالذكر لأنه يدل متى ما ذكر على الطول والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض بل قد يكون الطويل يسير العرض كالخيط ونحوه ثم وصف تعالى المتقين الذين أعدت لهم الجنة بقوله الذين ينفقون في السراء والضراء وهما اليسر والعسر قاله ابن عباس إذ الأغلب أن مع اليسر النشاط وسرور النفس ومع العسر الكراهية وضر النفس وكظم الغيظ رده في الجوف إذا كاد أن يخرج من كثرته ومنعه كظم له والكظام السير الذي يشد به فم الزق والغيظ أصل الغضب وكثيرا ما يتلازمان ولذلك فسر بعض الناس الغيظ بالغضب وليس تحرير الأمر كذلك بل الغيظ حال للنفس لا تظهر على الجوراح والغضب حال لها تظهر في الجوارح وفعل ما ولا بد ولهذا جاز إسناد الغضب إلى اللّه سبحانه إذ هو عبارة عن افعاله في المغضوب عليهم ولا يسند إليه تعالى الغيظ ووردت في كظم الغيظ وملك النفس عند الغضب أحاديث وذلك من أعظم العبادات وجهاد النفس ففي حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من عظم غيظا وهو يقدر على انفاذه ملأه اللّه أمنا وإيمانا إلى غير ذلك من الأحاديث قلت وروى أبو داود والترمذي عن معاذ بن أنس رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه اللّه على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء قال أبو عيسى هذا حديث حسن اه وفي رواية أخرى لأبي داود ملأة اللّه أمنا وإيمانا ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه قال بشر احسبه قال تواضعا كساه اللّه حلة الكرامة وحدث الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من كف غضبه كف اللّه عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر اللّه عورته ومن اعتذر إلى اللّه قبل اللّه عذره اه من صفوة التصوف والعفو عن الناس من أجل ضروب فعل الخير ثم قال سحبانه واللّه يحب المحسنين فعلم أنواع البر وظاهر الآية أنها مدح بفعل المندوب |
﴿ ١٣٣ ﴾