١٤٥وقوله سبحانه ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها الآية أي نؤت من شئنا منها ما قدر له يبين ذلك قوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وقرينة الكلام تقتضي أنه لا يؤتى شيئا من الآخرة لأن من كانت نيته من عمله مقصورة على طلب الدنيا فلا نصيب له في الآخرة والأعمال بالنيات وقرينة الكلام من قوله ومن يرد ثواب الآخرة ونؤته منها لا تمنع أن يؤتى نصيبا من الدنيا قال ابن فورك في قوله تعالى وسنجزي الشاكرين إشارة إلى أنه ينعمهم بنعم الدنيا لا إنهم يقصرون على الآخرة ثم ضرب سبحانه المثل للمؤمنين بمن سلف من صالح الأمم الذين لم يثنهم عن دينهم قتل الكفار لأنبيائهم فقال وكاين من نبيء قتل معه ربيون كثير الآية وفي كأين لغات فهذه اللغة أصلها لأنها كاف التشبيه دخلت على أي وكأين في هذه الآية في موضع رفع بالابتداء وهي بمنزلة كم وبمعناها تعطي في الاغلب التكثير وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو قتل مبني لما لم يسم فاعله وقرأ الباقون قاتل فقوله قتل قال فيه جماعة من المفسرين منهم الطبري أنه مستند إلى ضمير نبيء والمعنى عدهم أن النبي قتل ونحا إليه ابن عباس وإذا كان هذا فربيون مرتفع بالظرف بلا خلاف وهو متعلق بمحذوف وليس متعلقا بقتل وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة أن قتل إنما هو مستند إلى قوله ربيون وهم المقتولون قال الحسن وابن جبير لم يقتل نبي في حرب قط قال ع فعلى هذا القول يتعلق قوله معه بقتل ورحج الطبري القول الأول بدلالة نازلة النبي صلى اللّه عليه وسلم وذلك أن المؤمنين إنما تخاذلوا يوم أحد لما قيل قتل محمد فضرب المثل بنبي قتل وترجيح الطبري حسن ويؤيد ذلك ما تقدم من قوله افأين مات قتل وحجة من قرأ قاتل أنها أعم في المدح لأنه يدخل فيها من قتل ومن بقي قال ع ويحسن عندي على هذه القراءة استناد الفعل إلى الربيين وقوله ربيون قال ابن عباس وغيره معناه جموع كثيرة وهو من الربة بكسر الراء وهي الجماعة الكثيرة وروي عن ابن عباس والحسن بن أبي المسن وغيرهما أنهم قالوا ربيون معناه علماء ويقوى هذا القول قراءة من قرأ ربيون بفتح الراء منسوبون إلى الرب أما لأنهم مطيعون له من حيث أنهم علماء بما شرع وقوله سبحانه وما استكانوا ذهبت طائفة من النحاة إلى أنه من السكون وذهبت طائفة إلى أنه مأخوذ من كان يكون واصلة استكونوا والمعنى أنهم لم يضعفوا ولا كانوا قريبا من ذلك قلت وأعلم رحمك اللّه أن أصل الوهن والضعف عن الجهاد ومكافحة العدو هو حب الدنيا وكراهية بذل النفوس للّه وبذل مهجها للقتل في سبيل اللّه إلا ترى إلى حال الصحابة رضي اللّه عنهم وقلتهم في صدر الإسلام وكيف فتح اللّه بهم البلاد ودان لدينهم العباد لما بذلو للّه أنفسهم في الجهاد وحالنا اليوم كما ترى عدد أهل الإسلام كثير ونكايتهم في الكفار نزر يسير وقد روى أبو داود في سننه عن ثوبان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول اللّه وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت ا ه فانظر رحمك اللّه فهل هذا الزمان إلا زماننا بعينه وتأمل حال ملوكنا إنما همتهم جمع المال من حرام وحلال واعراضهم عن أمر الجهاد فإنا للّه وإنا اليه راجعون على مصاب الإسلام |
﴿ ١٤٥ ﴾