سورة الأنفالبسم اللّه الرحمن الحريم سورة الأنفال مدينة كلها قال مجاهد إلا أية واحد وهي قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية ولا خلاف أن هذه السورة نزلت في شأن بدر وأمر غنائمه ١قوله عز و جل يسئلونك عن الأنفال الآية النفل والنافلة في كلام العرب الزيادة على الواجب والأكثر في هذه الآية أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال وقالت فرقة إنما سألوه الأنفال نفسها محتجين بقراءة سعد بن أبي وقاص وغيره يسئلونك الأنفال وعن أبي إمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أهل بدر نزلت حين اختلفنا وساءت اخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا وجعله إلى رسوله صلى اللّه عليه و سلم وقسمه عليه السلام بين المسلمين على بواء يريد على سواء فكان في ذلك تقوى اللّه وطاعة رسوله وصلاح ذات البين قال ع ويجيء من مجموع الآثار المذكورة هنا أن نفوس أهل بدر تنافرت ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة لا سيما من أبلى فأنزل اللّه عز و جل الآية فرضي المسلمون وسلموا فأصلح ذات بينهم ورد عليهم غنائمهم قال بعض أهل التأويل عكرمة ومجاهد كان هذا الحكم من اللّه سبحانه لرفع الشغب ثم نسخ بقوله واعلموا إنما غنمتم من شيء الآية وقوله سبحانه واصلحوا ذات بينكم بأنه شجر بينهم اختلاف ومالت النفوس إلى التشاح وذات في هذا الموضع يراد بها نفس الشيء وحقيقته والذي يفهم من بينكم هو معنى يعم جميع الوصل والالتحامات والمودات وذات ذلك هو المأمور باصلاحها أي نفسه وعينه وباقي الآية بين ٢وقوله سبحانه إنما المؤمنين الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم الآية إنما لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع ويصلح مع ذلك للحصر بحسب القرينة فقوله هنا إنما المؤمنون ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون قال الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي المالقي في كتابه الذي ألفه في السلوك واعلم أن الإنسان مطلوب بطهارة نفسه وتزكيتها وطرق التزكية وإن كثرت فطريق الذكر أسرع نفعا وأقرب مراما وعليه درج أكثر مشائخ التربية ثم قال والذكر ضد النسيان والمطلوب منه عمارة الباطن باللّه تعالى في كل زمان ومع كل حال لأن الذكر بدل على المذكور لا محالة فذكره دبدنا يوجب المحبة له والمعرفة به والذكر وإن اختلفت ألفاظه ومعانيه فلكل معنى معانيه اختصاص بنوع من التحلية والتخلية والتزكية ثم قال والذكر على قسمين ذكر العامة وذكر الخاصة أما ذكر العامة وهو ذكر الأجور فهو أن يذكر العبد مولاه بما شاء من ذكره لا يقصد غير الأجور والثواب واما ذكر الخاصة فهو ذكر الحضور وهو أن يذكر العبد مولاه باذكار معلومة على صفة مخصوصة لينال بذلك المعرفة باللّه سبحانه بطهارة نفسه من كل خلق ذميم وتحليتها بكل خلق كريم انتهى ووجلت معناه فزعت ورقت وخافت وبهذه المعاني فسرتها العلماء وتليت معناه سردت وقرئت والآيات هنا القرآن المتلو ومن كلام صاحب الكلم الفارقية أن تيقظت يقظة قلبية وانتبهت انتباهة حقيقية لم تر في وقتك سعة لغير ذكر ربك واستشعار عظمته ومهابته والإقبال على طاعته ما في وقت العاقل فضلة في غير ما خلق له من عبادة خالقه والاهتمام بمصالح آخرته والاستعداد لمعاده اعرف العبيد بجلال مولاه أخلاهم عما سواه وأكثرهم لهجا بذكره وتعظيما لأمره وأحسنهم تأملا لآثار صنعته وبدائع حكمته وأشدهم شوقا إلى لقائه ومشاهدته انتهى وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج عن نفس التصديق منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكما من أحكام اللّه عز و جل في القرآن فنزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم فسمعه فآمن به زاد إيمانا إلى سائر ما قد آمن به إذ لكل حكم تصديق خاص وهذا يترتب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة وترتب زيادة الإيمان بزيادة الدلائل ولهذا قال مالك الإيمان يزيد ولا ينقص ويترتب بزيادة الأعمال البرة على قول من يرى أن لفظة الإيمان واقعة على التصديق والطاعات وهؤلاء يقولون يزيد وينقص وقوله سبحانه وعلى ربهم يتوكلون عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز وينتظر بعدما وعد به من نصر رزق غيره وهذه أوصاف جميلة وصف اللّه بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل ثم أتبع ذلك وعدهم ووسمهم باقامة الصلاة ومدحهم بها حضا على ذلك وقوله ومما رزقناهم ينفقون قال جماعة من المفسرين هي الزكاة وإنما حملهم على ذلك اقتران الكلام بإقامة الصلاة وإلا فهو لفظ عام في الزكاة ونوافل الخير وصلات المستحقين ولفظ ابن عباس في هذا المعنى محتمل وقوله سبحانه لهم درجات ظاهره وهو قول الجمهور إن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجاتها على قدر أعمالهم ورزق كريم يريد مآكل الجنة ومشاربها وكريم صفة تقتضي رفع المذام كقوله ثوب كريم ٥وقوله سبحانه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الآية اختلف في معنى هذه الآية فقال الفراء التقدير امض لأمرك في الغنائم وإن كرهوا كما أخرجك ربك قال ع وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج اللّه ذلك عنهم فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخرجه اللّه من بيته فكانت في ذلك الخيرة وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله يجادلونك كلاما مستأنفا يراد به الكفار أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان وهذا الذي ذكرت من أن يجادلونك في الكفار منصوص وقال مجاهد وغيره المعنى في الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذلك الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لاما يريدون هم وقائل هذه المقالة يقول أن المجادلين هم المؤمنون وقائل المقالة الأولى يقول أن المجادلين هم المشركون وهذان القولان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقيل غير هذا وقوله من بيتك يريد من المدينة يثرب قاله الجمهور ٧وقوله سبحانه وإذ يعدكم اللّه إحدى الطائفتين أنها لكم الآية في هذه الآية قصص حسن محل استيعابه كتاب سيرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبن هشام واختصاره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما بلغه وقيل أوحي إليه أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام بالعير التي فيها تجارة قريش وأموالها قال لأصحابه أن عير قريش قد عنت لكم فأخرجوا إليها لعل اللّه أن ينفلكموها قال فأبعث معه من خف وثقل قوم وكرهوا الخروج وأسرع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يلوي على من تعذر ولا ينظر من غاب ظهره فسار في ثلاث مائة وثلاثة عشر نحو ذلك من أصحابه بين مهاجري وأنصاري وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يلقى حربا فلم يكثر استعدادهم وكان أبو سفيان في خلال لك يستقصي ويحذر فلما بلغه خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفر أهلها ففعل ضمضم فخرج أهل مكة في ألف رجل نحو ذلك فلما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خروجهم أوحى اللّه إليه وحيا غير متلو يعده إحدى الطائفتين فعرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه بذلك فسروا وودوا أن تكون لهم العير التي لا قتال معها فلما علم أبو سفيان بقرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منه أخذ طريق الساحل وأبعد وفات ولم يبق إلا لقاء أهل مكة وأشار بعض الكفار على بعض بالانصراف وقالوا هذه عيرنا قد نجت فلننصرف فحرش أبو جهل ولج حتى كان أمر الواقعة وقال بعض المؤمنين نحن لم نخرج لقتال ولم نستعد له فجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه وهو بواد يسمى دقران وقال أشيروا علي أيها الناس فقام أبو بكر فتكلم واحسن وحرض الناس على لقاء العدو فأعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الاستشارة فقام عمر بمثل ذلك فأعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الاستشارة فتكلم المقداد بن الأسود الكندي فقال لا نقول لك يا رسول اللّه كما قالت بنو إسرائيل أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول إنا معكما مقاتلون واللّه لو أردت بنا برك الغماد يعني مدينة الحبشة لقاتلنا معك من دونها فسر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لى اله عليه وسلم بكلامه ودعا له بخير ثم قال أشيروا علي أيها الناس فكلمه سعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة ويحتمل هما معا فقال يا رسول اللّه كأنك إيانا تريد معشر الأنصار فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أجل فقال إنا قد آمنا بك واتبعناك وبايعناك فامض لأمر اللّه فواللّه لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم امضوا على بركة اللّه فكأني أنظر إلى مصارع القوم فالتقوا وكانت وقعة بدر ت وفي صحيح البخاري من حديث عائشة في خروج أبي بكر من مكة فلقيه ابن الدغنة عند برك الغماد الحديث وليست بمدينة الحبشة من غير شك فاللّه أعلم ولعلهما موضعان انتهى والشوكة عبارة عن السلاح والحدة وقوله سبحانه ويريد اللّه أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين المعنى ويريد اللّه أن يظهر الإسلام ويعلي دعوة الشرع بكلماته التي سبقت في الأزل والدابر الذي يدبر القوم أي يأتي أخرهم وإذا قطع فقد أتى على أخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أولهم وهي عبارة في كل من أتى الهلاك عليه ٨وقوله سبحانه ليحق الحق أي ليظهر الحق الذي هو دين الإسلام ويبطل الباطل أي الكفر وتستغيثون معناه تطلبون الغوث وممدكم أي مكثركم ومقويكم من امددت ومردفين معناه متبعين وقرأ سائر السبعة غير نافع مردفين بكسر الدال نافع بفتحها وروي عن ابن عباس خلف كل ملك ملك وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا اتبع وجاء بعد الشيء ويحتمل أن يراد مردفين للمؤمنين ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضا وأنشد الطبري شاهدا على أن أردف بمعنى جاء تابعا قول الشاعر ... إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا ... والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الصحيح الاشهران الملائكة قاتلت يوم بدر واختلف في غره قال ابن إسحاق حدثني عبد اللّه بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس أنه قالحدثني رجل من بني غفار قال أقلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون فننتهب مع من ينتهب قال فبينما نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت قال ابن إسحاق وحدثني عبد اللّه بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي سعيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى انتهى من سيرة ابن هشام ١٠وقوله سبحانه وما جعله اللّه إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم الضمير في جعله عائد على الوعد وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى وقيل عائد على المدد والإمداد وقيل عائد على الأرداف وقيل عائد على الألف وقوله وما النصر إلا من عند اللّه إن اللّه عزيز حكيم توقيف على أن الأمر كله للّه وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوبا بالجد كما ظاهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين درعين ١١وقوله سبحانه إذ يغشيكم النعاس امنة منه القصد تعديد نعمه سبحانه على المؤمنين في يوم بدر والتقدير اذكروا إذ فعلنا بكم كذا وإذ فعلنا كذا والعامل في إذا اذكروا وقرأ نافع يغشيكم بضم الياء وسكون الغين وقرأ حمزة وغيره يغشيكم بفتح الغين وشد الشين المكسورة وقرأ ابن كثير وغيره يغشاكم بفتح الياء وألف بعد الشين النعاس بالرفع ومعنى يغشيكم يغطيكم والنعاس أخف النوم وهو الذي يصيب الإنسان وهو واقف ماش وينص على ذلك قصص هذه الآية أنهم إنما كان بهم خفق بالرؤوس وقوله امنة مصدر من أمن يأمن أمنا وامنة وأمانا والهاء فيه لتأنيث المصدر كماه هي في المساءة والحماقة والمشقة وروي عن ابن مسعود أنه قال النعاس عند حضور القتال علامة أمن وهو من اللّه وهو في الصلاة من الشيطان قال ع وهذا إنما طريقة الوحي فهو لا محالة يسنده وقوله سبحانه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وذلك أن قوما من المؤمنين لحقتهم جنابات في سفرهم وعدموا الماء قريب بدر فصلوا كذلك فوسوس الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العدو وقلتهم وأيضا فكانت بينهم وبين ماء بدر مسافة من رمل دهس تسوخ فيها الأرجل فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكفار إلى ماء بدر فأنزل اللّه تلك المطرة فسالت الأودية فاغتسلوا وطهرهم اللّه تعالى فذهب رجز الشيطان وتدمث الطريق وتلبدت تلك الرمال فسهل اللّه عليهم السير وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى ماء بدر وأصاب المشركين من ذلك المطر ما صعب عليهم طريقهم فسر المؤمنين وتبينوا من فعل اللّه بهم ذلك قصد المعونة لهم فطابت نفوسهم واجتمعت وتشجعت فذلك الربط على قلوبهم وتثبيت أقدامهم على الرملة اللينة والضمير فيه على هذا الاحتمال عائد على الماء ويحتمل عوده على ربط القلوب ويكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب ونزول الماء كان في الزمن قبل تغشية النعاس ولم يترتب كذلك في الآية إذ القصد فيها تعديد النعم فقط وقوله سبحانه فثبتوا الذين آمنوا ولثبيتهم يكون بقتالهم وبحضورهم وبأقوالهم المونسة ويحتمل أن يكون التثبيت بما يلقيه الملك في القلب بلمته من توهم الظفر واحتقار الكفار وبخواطر تشجعه قال ع ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب وعلى هذا التأويل يجيء قوله سالقى في قلوب الذين كفروا الرعب مخاطبة للملائكة ويحتمل أن يكون مخاطبة للمؤمنين وقوله سبحانه فاضربوا فوق الأعناق عكرمة هي على بابها وارد الرؤوس وهذا أنبل الأقوال قال ع ويحتمل عندي أن يريد وصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق دون عظم الرأس في المفصل كما وصف دريد بن الصمة فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكنا والبنان قالت فرقة هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء وقالت فرقة البنان الأصابع وهذا هو الصحيح لأنه إذا قطع البنان لم ننتفع صاحبه بشيء من أعضائه واستاسر وشاقوا معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين وعبر المفسرون عن قوله شاقوا أي صاروا في شق غير شقه قال ع وهذا وإن كان معناه صحيحا فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه وقوله فإن اللّه شديد العقاب جواب للشرط تضمن وعيدا وتهديدا ١٤وقوله سبحانه فذوقوه للكفار أي ذلكم الضرب والقتل وما أوقع اللّه بهم يوم بدر فكأنه قال الأمر ذلكم فذوقوه وكذا قرره سيبويه وقال بعضهم يحتمل أن يكون ذلكم في موضع نصب كقوله زيدا فأضربه ١٥وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا الآية يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص أي يزحف بعضهم إلى بعض واصل الزحف الأندفاع على الآلية ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويدا زاحفا إذ في مشيته من التماهل والتباطىء ما في مشي الزاحف وفي هذا المعنى شواهد من كلام العرب ونهى اللّه سبحانه في هذه الآية عن تولي الأدبار وهذا مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين والفرار هنالك كبيرة موبقة بظاهر القرآن والحديث وإجماع الأكثر من الأمة ١٦وقوله ومن يولهم يومئذ دبره الآية قال جمهور الأمة الإشارة بيومئذ إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله إذا لقيتم وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه اللّه سبحانه ت قال ابن رشد وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا فإن بلغ حرم الفرار وإن زاد المشركون على الضعف للحديث لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة فإن أكثر أهل العلم خصصوا بهذا الحديث عموم الآية وعن ملك مثله انتهى وفهم ع الحديث على التعجب ذكره عند قوله ويوم حنين وما قاله ابن رشد هو الصواب واللّه أعلم و متحرفا لقتال يراد به الذي إن فعله ذلك أنكى للعدو ونصبه على الحال وكذلك نصب متحيزا وأما الاستثناء فهو من المولين الذي تضمنهم من والفئة هنا الجماعة الحاضرة للحرب هذا قول الجمهور ١٧وقوله سبحانه فلم تقتلوهم ولكن اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى هذه الألفاظ ترد على من يزعم أن أفعال العباد خلق لهم ومذهب أهل السنة أنها خلق للرب سبحانه كسب للعبد روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخذ يومئذ ثلاث قبضات من حصى وتراب فرمى بها في وجوه القوم فانهزموا عند آخر رمية ويروى أنه قال يوم بدر شاهت الوجوه وهذه الفعلة أيضا كانت يوم حنين بلا خلاف وليبلي المؤمنين أي ليصيبهم ببلاء حسن وظاهر وصفه بالحسن يقتضي أنه أراد الغنيمة والظفر والعزة إن اللّه سميع لاستغاثتكم عليم بوجوه الحكمة في جميع أفعاله لا إله إلا هو ١٨وقوله سبحانه ذلكم إشارة إلى ما تقدم من قتل اللّه لهم ورميه إياهم وموضع ذلكم من الأعراب رفع قال سيبويه التقدير الأمر ذلكم وموهن معناه مضعف مبطل ١٩وقوله سبحانه إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الآية قال أكثر المتأولين هذه الآية مخاطبة لكفار مكة روي أن قريشا لما عزموا على الخروج إلى حماية العير تعلقوا بأستار الكعبة واستفتحوا وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر اللّهم أنصر أحب الفئتين إليك وأظهر خير الدينين عندك اللّهم اقطعنا للرحم فاحنه الغداة ونحو هذا فقال اللّه لهم إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم أي كما ترونه عليكم لا لكم وفي هذا توبيخ لهم وإن تنتهوا عن كفركم وغيكم فهو خير لكم وإن تعودوا للاستفتاح نعد بمثل وقعة بدر وباقي الآية بين ٢٠وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه ورسوله الآية قيل أنها نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وكراهيتهم خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم وتولوا أصله تتولوا وقوله وأنتم تسمعون يريد دعاءه لكم بالقرآن والمواعظ ٢١وقوله كالذين قالوا يريد الكفار إما من قريش لقولهم سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا وأما الكفار على الإطلاق ٢٢وقوله سبحانه إن شر الدواب عند اللّه الصم البكم مقصد الآية بيان أن هذه الصنيفة العاتية من الكفار هي شر الناس عند اللّه سبحانه وأنها في أخس المنازل لديه وعبر بالدواب ليتأكد ذمهم وقوله الصم البكم عبارة عما في قلوبهم وعدم انشراح صدورهم وإدراك عقولهم وقوله ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم أي سماع هدى وتفهم ولو اسمعهم أي ولو فهمهم لتولوا بحكم القضاء السابق فيهم ولأعرضوا عما تبين لهم من الهدى ٢٤وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول الآية استجيبوا بمعنى أجيبوا وقوله لما يحييكم قال مجاهد والجمهور المعنى للطاعة وما يتضمنه القرآن وهذا إحياء مستعار لأنه من موت الكفر والجهل والطاعة تؤدي إلى الحياة الدائمة في الآخرة وقوله سبحانه واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه يحتمل وجوها منها أنه لما أمرهم سبحانه بالاستجابة في الطاعة حضهم على المبادرة والاستعجال وأعلمهم أنه يحول بين المرء وقلبه بالموت والقبض أي فبادروا الطاعات ويلتئم مع هذا التأويل قوله وإنه إليه تحشرون أي فبادروا الطاعات وتزودوها ليوم الحشر ومنها أن يقصد أعلامهم أن قدرة اللّه وعلمه وإحاطته حائلة بين المرء وقلبه فكان هذا المعنى يحض على المراقبة والخوف للّه المطلع على الضمائر حكي هذا التأويل عن قتادة ويحتمل أن يريد تخويفهم إن لم يمتثلوا الطاعات ويستجيبوا للّه وللرسول أن يحل بهم ما حل بالكفار الذين أرادهم بقوله ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون لأنه حتمه عليهم بأنهم لو سمعوا لم ينتفعوا يقتضي أنه كان قد حال بينهم وبين قلوبهم ومنا أن يكون المعنى ترجية لهم بأن اللّه يبدل الخوف الذي في قلوبهم من كثرة العدو فيجعله جراءة وقوة وبضد ذلك للكفار أي فإن اللّه تعالى هو مقلب القلوب كما كان قسم النبي صلى اللّه عليه وسلم وقيل غير هذا قال مكي وقال الطبري هذا خبر من اللّه عز و جل أنه أملك بقلوب العباد منهم لها وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا من إيمان ولا كفر ولا يعي شيئا ولا يفهم شيئا إلا بإذنه ومشيئته سبحانه وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم كثيرا ما يقول في دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك انتهى الهداية وروى مالك بن أنس والنسائي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا أبي بن كعب وهو في الصلاة فلم يجبه وأسرع في بقية صلاته فلما فرغ جاء فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم ألم يقل اللّه عز و جل يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال أبي لأجرم يا رسول اللّه لا تدعوني أبدا إلا أجبتك الحديث بطوله واختلاف ألفاظه وفي البخاري ومسلم أن ذلك وقع مع أبي سعيد بن المعلى وروي أنه وقع نحوه مع حذيفة بن اليمان في غزوة الخندق وقوله عز و جل واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة في الآية تأويلات أسبقها إلى النفس أن اللّه سبحانه حذر جميع المؤمنين من فتنة أن أصابت لم تخص الظلمة فقط بل تصيب الكل من ظالم وبريء وهذا تأويل الزبير بن العوام والحسن البصري وكذلك تأويل ابن عباس فإنه قال أمر اللّه المؤمنين في هذه الآية أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب وخاصة نعت لمصدر محذوف تقديره إصابة خاصة فهي نصب على الحال وقرأ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وغيره لتصيبن باللام على جواب قسم والمعنى على هذا وعيد للظلمة فقط ٢٦وقوله سبحانه واذكروا إذ أنتم قليل الآية هذه الآية تتضمن تعديد نعم اللّه على المؤمنين وإذ ظرف لمعمول واذكروا تقديره واذكروا حالكم الكائنة الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون إذ ظرفا للذكر وإنما يعمل الذكر في إذ لو قدرناها مفعولة واختلف في الحال المشار إليها بهذه الآية فقالت فرقة وهي الأكثر هي حال المؤمنين بمكة في وقت بداءة الإسلام والناس الذين يخاف تخطفهم كفار مكة والمأوى المدينة والتأييد بالنصر وقعة بدر وما أنجر معها في وقتها والطيبات الغنائم وسائر ما فتح اللّه عليهم به وقالت فرقة الحال المشار إليها هي حالهم في غزوة بدر والناس الذين يخاف تخطفهم على هذا عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يتخوف من بعضهم والمأوى على هذا والتأييد بالنصر هو الإمداد بالملائكة والتغليب على العدو والطيبات الغنيمة ٢٧وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرسول هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة وهو يجمع أنواع الخيانات كلها قليلها وكثيرها والخيانة التنقص للشيء بإختفاء وهي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما مالا كان سرا غير والخيانة للّه عز و جل هي في تنقص أوامره في سر وقوله وتخونوا أماناتكم قال الطبري يحتمل أن يكون داخلا في النهي كأنه قال لا تخونوا اللّه والرسول ولا تخونوا أماناتكم ويحتمل أن يكون المعنى لا تخونوا اللّه والرسول فذلك خيانة لأماناتكم وقوله فتنة يريد محنة واختبارا وامتحانا ليرى كيف العمل في جميع ذلك وقوله وإن اللّه عنده أجر عظيم يريد فوز الآخرة فلا تدعوا حظكم منه للحيطة على أموالكم وأبنائكم فإن المذخور للآخرة أعظم أجرا ٢٩قوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا اللّه الآية وعد للمؤمنين بشرط التقوى والطاعة للّه سبحانه ويجعل لكم فرقانا معناه فرقا بين حقكم وباطل من ينازعكم بالنصر والتأييد وعبر قتادة وبعض المفسرين عن الفرقان هاهنا بالنجاة وقال مجاهد والسدي معناه مخرجا ونحو هذا مما يعمه ما ذكرناه وقد يوجد للعرب استعمال الفرقان كما ذكر المفسرون وعلى ذلك شواهد منها قول الشاعر ... وكيف أرجى الخلد والموت طالبي ... ومالي من كاس المنية فرقان ... ت قال ابن رشد واحسن ما قيل في هذا المعنى قوله تعالى لكم فرقانا أي فصلا بين الحق والباطل حتى يعرقوا ذلك بقلوبهم ويهتدوا إليه انتهى من البيان ٣٠وقوله سبحانه وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية تذكير بحال مكة وضيقها مع الكفرة وجميل صنع اللّه تعالى في جميع ذلك والمكر المخاتلة والتداهى تقول فلان يمكر بفلان إذا كان يستدرجه وهذا المكر الذي ذكر اللّه تعالى في هذه الآية هو بإجماع المفسرين إشارة إلى اجتماع قريش في دار الندوة بمحضر إبليس في صورة شيخ نجدي على ما نص ابن إسحاق في سيره الحديث بطوله وهو الذي كان خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسببه ولا خلاف أن ذلك كان بعد موت أبي طالب ففي القصة أن أبا جهل قال الرأي أن نأخذ من كل بطن في قريش فتى قويا جلدا فيجتمعون ثم يأخذ كل واحد منهم سيفا ويأتون محمد في مضجعه فيضربونه ضربة رجل واحد فلا تقدر بنو هاشم على قتال قريش بأسرها فيأخذون العقل ونستريح منه فقال النجدي صدق الفتى هذا الرأي لا رأي غيره فافترقوا على ذلك فأخبر اللّه تعالى بذلك نبيه صلى اللّه عليه و سلم وأذن له في الخروج إلى المدينة فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عيله وسلم من ليلته وقال لعلي بن أبي طالب التف في بردى الحضرمي واضطجع في مضجعي فإنه لا يضرك شيء ففعل فجاء فتيان قريش فجعلوا يرصدون الشخص وينتظرون قيامه فيثورون به فلما قام رأوا عليا فقالوا له أين صاحبك فقال لا أدري وفي السير أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج عليهم وهم في طريقه فطمس اللّه أعينهم عنه وجعل على راس كل واحد منهم ترابا ومضى لوجهه فجاءهم رجل فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال إني رأيته الآن جائيا من ناحيتكم وهو لا محالة وضع التراب على رؤوسكم فمد كل واحد يده إلى رأسه فإذا عليه التراب وجاءوا إلى مضجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فوجدوا عليا فركبوا وراءه حينئذ كل صعب وذلول وهو بالغار ومعنى ليثبتوك ليسجنوك قاله عطاء وغيره وقال ابن عباس وغيره ليوثقوك ٣١وقوله سبحانه وإذا تتلى عليهم آياتنا يعني القرآن قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا وقولهم إن هذا إلا أساطير الأولين أي قصصهم المكتوبة المسطورة وأساطير جمع أسطورة ويحتمل جمع أسطار وتواترت الروايات عن ابن جريج وغيره أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث وذلك أنه كان كثير السفر إلى فارس والحيرة فكان قد سمع من قصص الرهبان وأخبار رستم واسفنديار فلما سمع القرآن ورأى فيه أخبار الأنبياء والأمم قال لو شئت لقلت مثل هذا وكان النضر من مردة قريش النائلين من النبي صلى اللّه عليه وسلم ونزلت فيه آيات كثيرة من كتاب اللّه عز و جل وأمكن اللّه منه يوم بدر وقتله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صبرا بالصفراء منصرفة من بدر في موضع يقال له الأثيل وكان أسره المقداد فلما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضرب عنقه قال المقداد أسيري يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنه كان يقول في كتاب اللّه ما قد علمتم ثم أعاد الأمر بقتله فأعاد المقداد مقالته فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللّهم أغن المقداد من فضلك فقال المقداد هذا الذي أردت فضربت عنق النضر ٣٢وقوله عز و جل وإذ قالوا اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية روي عن مجاهد وغيره أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث المذكور وفيه نزلت هذه الآية قال ع وترتب أن يقول النضر مقالة وينسبها القرآن إلى جميعهم لأن النضر كان فيهم موسوما بالنبل والفهم مسكونا إلى قوله فكان إذا قال قولا قاله منهم كثير واتبعوه عليه حسب ما يفعله الناس أبدا بعلمائهم وفقهائهم ت وخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك قال قال أبو جهل اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء آتينا بعذاب أليم فنزلت وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم إلى عن المسجد الحرام والمشار إليه بهذا هو القرآن وشرع صلى اللّه عليه وسلم والذي حملهم على هذه المقالة هو الحسد فعميت بصائرهم عن الهدى وصمموا على أن هذا ليس بحق نعوذ باللّه من جهد البلاء وسوء القضاء وحكى ابن فورك أن هذه المقالة خرجت منهم مخرج العناد وهذا بعيد في التأويل ولا يقول هذا على جهة العناد عاقل وقراءة الناس إنما هي بنصب الحق على أنه خبر كان ويكون هو فصلا فهو حينئذ اسم وأمطر إنما تستعمل غالبا في المكروه ومطر في الرحمة قاله أبو عبيدة ٣٣وقوله سبحانه وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم الآية قالت فرقة نزلت هذه الآية كلها بمكة وقالت فرقة نزلت كلها بعد وقعة بدر حكاية عما مضى وقال ابن أبزي نزل قوله وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم بمكة أثر قولهم أتينا بعذاب أليم ونزل قوله وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون عند خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ونزل قوله وما لهم إلا يعذبهم اللّه إلى آخر الآية بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم وهذا التأويل بين وعليه واعتمد عياض في الشفا قال وفي الآية تأويل آخر ثم ذكر حديث الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم انزل اللّه تعالى علي امانين لأمتي وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار انتهى قال ع وأجمع المتأولون على أن معنى قوله وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم أن اللّه عز و جل لم يعذب قط أمة ونبيها بين أظهرها أي فما كان اللّه ليعذب هذه الأمة وأنت فيهم بل كرامتك لديه أعظم وقوله عز و جل ومالهم إلا يعذبهم اللّه توعد بعذاب الدنيا والضمير في قوله أولياءه عائد على اللّه سبحانه على المسجد الحرام كل ذلك جيد وروي الأخير عن الحسن وقال الطبري عن الحسن بن أبي الحسن أن ٣٤قوله سبحانه وما لهم إلا يعذبهم اللّه ناسخ لقوله وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون قال ع وفيه نظر لأنه خبر لا يدخله نسخ ٣٥وقوله سبحانه وما كان صلاتهم عند البيت الامكاء وتصدية المكاء الصفير قاله ابن عباس والجمهور والتصدية عبر عنها أكثر الناس بأنها التصفيق وذهب أكثر المفسرين إلى أن المكاء والتصدية إنما أحدثهما الكفار عند مبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم لتقطع عليه وعلى المؤمنين قراءتهم وصلاتهم وتخلط عليهم فلما نفى اللّه تعالى ولايتهم للبيت أمكن أن يعترض منهم معترض بأن يقول وكيف لا نكون أولياءه ونحن نسكنه ونصلي عنده فقطع سبحانه هذا الاعتراض بأن قال وما كان صلاتهم عند البيت إلا المكاء والتصدية قال ع والذي مربى من أمر العرب مربى من أمر العرب في غير ما ديوان أن المكاء والتصدية كان من فعل العرب قديما قبل الإسلام على جهة التقرب به والتشرع وعلى هذا يستقيم تغييرهم وتنقصهم بأن شرعهم وصلاتهم لم تكن رهبة ولا رغبة وإنما كانت مكاء وتصدية من نوع اللعب ولكنهم كانوا يتزيدون فيهما وقت النبي صلى اللّه عليه وسلم ليشغلوه هو وأمته عن القراءة والصلاة وقوله سبحانه فذوقوا العذاب الآية إشارة إلى عذابهم ببدر بالسيف قاله الحسن وغيره فيلزم أن هذه الآية الآخرة نزلت بعد بدر ولا بد قال ع والاشبه أن الكل نزل بعد بدر حكاية عما مضى ٣٦وقوله سبحانه إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل اللّه الآية لما قتل من قتل ببدر اجتمع أبناؤهم وقراباتهم فقالوا لمن خلص ماله في العير إن محمدا قد نال منا ما ترون ولكن أعينونا بهذا المال الذي كان سبب الوقعة فلعلنا ان ننال منه ثارا يريدون نفقته في غزوة أحد وقوله سبحانه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون الحسرة التلهف على فائت وهذا من أخبار القرآن بالغيوب قبل أن تكون فكان كما أخبر ثم أخبر سبحانه عن الكافرين وأنهم يجمعون إلى جهنم والحشر الجمع ٣٧وقوله سبحانه ليميز اللّه الخبيث من الطيب وقرأ حمزة والكسائي ليميز اللّه بضم الياء وفتح الميم وشد الياء قال ابن عباس وغيره المعنى بالخبيث الكفار وبالطيب المؤمنون وقال ابن سلام والزجاج الخبيث ما أنفقه المشركون في الصد عن سبيل اللّه والطيب هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل اللّه قال ع روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه سبحانه يخرج يوم القيامة من الأموال ما كان صدقة قربة ثم يأمر بسائر ذلك فيلقى في النار وعلى التأويلين فقول سبحانه ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا إنما هي عبارة عن جمع ذلك وضمه وتأليف أشتاته وتكاثفه بالإجماع ويركمه في كلام العرب يكثفه ومنه سحاب مركوم وعبارة البخاري فيركمه فيجمعه انتهى وقوله سبحانه إن ينتهوا يعني عن الكفر يغفر لهم ما قد سلف لأن الإسلام يجب ما قبله وإن يعودوا يريد به إلى القتال ولا يصح أن يتأول وأن يعودوا إلى الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه وقوله فقد مضت سنة الأولين عبارة تجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب اللّه حين صد في وجه نبيه بمن هلك في يوم بدر بسيف الإسلام ٣٩وقوله سبحانه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال ابن عباس وابن عمر وغيرهما الفتنة الشرك قال ع وهذا هو الظاهر ويفسر هذه الآية قوله صلى اللّه عليه و سلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه الحديث وقال ابن إسحاق معناها حتى لا يفتن أحد عن دينه كماكانت قريش تفعل بمكة بمن أسلم وقوله ويكون الدين كله للّه أي لا يشرك معه صنم ولا وثن ولا يعبد غيره سبحانه ثم قال تعالى فإن انتهوا عن الكفر فإن اللّه بصير بعملهم مجاز عليه عنده ثوابه وجميل المقارضة عليه ٤٠وقوله سبحانه وإن تولوا فاعلموا أن اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النصير معادلة لقوله فإن انتهوا المعنى وإن تولوا ولم ينتهو فاعلموا أن اللّه تعالى ينصركم عليهم وهذا وعد محض بالنصر والظفر والمولى هاهنا الموالى والمعين والمولى في اللغة على معان هذا هو الذي يليق بهذا الموضع منها والمولى الذي هو السيد المقترن بالعبد يعم المؤمنين والمشركين ٤١وقوله عز و جل إنما غنمتم من شيء فإن للّه خمسه الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل بسعي ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم الصيام في الشتاء هي الغنيمة الباردة وقوله من شيء ظاهره العموم ومعناه الخصوص فأما الناض والمتاع والأطفال والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فالإمام يأخذ خمسه ويقسم الباقي في الجيش وأما الأرض فقال فيها مالك يقسمها الإمام إن رأى ذلك صوابا كما فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم بخيبر لا يقسمها بل يتركها لنوائب المسلمين إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بأرض مصر وبسواد الكوفة وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه منها القتل وهو مستحسن في أهل الشجاعة والنكاية ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع ولا يخاف منه رأي ومكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه ومنها المن وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن ومنها الاسترقاق ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة وأما الطعام والغنم ونحوها مما يكل فهو مباح في بلد العدو أكله وما فضل منه كان في المغنم ومحل استيعاب فروع هذا الفصل كتب الفقه وقوله سبحانه وما أنزلنا على عبدنا أي من النصر والظهور الذي أنزله اللّه سبحانه يوم بدر ويحتمل أن تكون الإشارة إلى قرآن نزل يوم بدر في قصة يوم بدر ويوم الفرقان معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك والجمعان يريد جمع المسلمين وجمع الكفار وهو يوم بدر ولا خلاف في ذلك وقوله سبحانه واللّه على كل شيء قدير بعضد أن قوله وما أنزلنا على عبدنا يراد به النصر والظفر أي الآيات والعظائم من غلبة القليل للكثير وذلك بقدرة اللّه عز و جل الذي هو على كل شيء قدير قوله سبحانه إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم العدوة شفير الوادي وحرفه الذي يتعذر المشي فيه بمنزلة رجاء البير لأنها عدت ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوز الوادي أي منعته ومنه قوله الشاعر ... عدتني عن زيارتك العوادي ... وحالت دونها حرب زبون وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالعدوة بكسر العين ٤٢وقوله الدنيا والقصوى إنما هو بالإضافة إلى المدينة وبين المدينة ووادي بدر موضع الوقعة مرحلتان والدنيا من الدنو والقصوى من القصو وهو البعد والركب بإجماع من المفسرين عير أبي سفيان وقوله أسفل في موضع خفض تقديره في مكان أسفل كذا قال سيبويه وكان الركب ومدبر أمره أبو سفيان بن حرب قد نكب عن بدر حين نذر بالنبي صلى اللّه عليه وسلم وأخذ سيف البحر فهو اسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي وقوله سبحانه ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد المقصد من الآية تبيين نعمة اللّه سبحانه في شأن قصة بدر وتيسيره سبحانه ما يسر من ذلك والمعنى لو تواعدتم لاختلفتم في المعياد بسبب العوارض التي تعرض للناس إلا مع تيسير اللّه الذي تمم ذلك وهذا كما تقول لصاحبك في أمر سناه اللّه تعالى دون تعب كثير لو بنينا على هذا وسعينا فيه لم يتم هكذا ولكن ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا أي لينفذ ويظهر أمرا قد قدره في الأزل مفعولا لكم بشرط وجودكم في وقت وجودكم وهذا كله معلوم عنده عز و جل لم يتجدد له به علم وقوله عز و جل ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة قال الطبري المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من اللّه واعذار بالرسالة ويحكي أيضا ويعيش من عاش عن بيان منه أيضا وأعذرا لا حجة لأحد عليه سبحانه ت قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم في قوله عز و جل ليهلك من هلك عن بينة الآية البينة ما بان به الحق انتهى وقال ابن إسحاق وغيره معنى ليهلك أي ليكفر ويحي أي ليؤمن فالحياة والهلاك على هذا التأويل مستعارتان ٤٣وقوله سبحانه إذ يريكهم اللّه في منامك قليلا الآية وتظاهرت الروايات أن هذه الآية نزلت في رؤيا رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى فيها عدد الكفار قليلا فأخبر بذلك أصحابه فقويت نفوسهم وحرصوا على اللقاء قاله مجاهد وغيره والظاهر أنه رآهم صلى اللّه عليه و سلم في نومه قليلا قدرهم وبأسهم ويحتمل أنه رآهم قليلا عددهم فكان تأويل رؤياه انهزامهم والفشل الخور عن الأمر ولتنازعتم أي لتخالفتم في الأمر يريد في اللقاء والحرب وسلم لفظ يعم كل متخوف ٤٤وقوله سبحانه وإذ يريكموهم إذ التقيتم الآية وهذه الرؤية هي في اليقظة بإجماع وهي الرؤية التي كانت حين التقوا ووقعت العين على العين والمعنى أن اللّه تعالى لما أراده من انفاذ قضائه في نصرة الإسلام وإظهار دينه قلل كل طائفة في عيون الأخرى فوقع الخلل في التخمين والحزر الذي يستعمله الناس في هذا لتجسر كل طائفة على الأخرى وتتسبب أسباب الحرب والأمر المفعول المذكور في الآيتين هو القصة بأجمعها وقوله وإلى اللّه ترجع الأمور تنبيه على أن الحول بأجمعه للّه وإن كل أمر فله وإليه ٤٥وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا واذكروا اللّه كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا الآية هذا أمر من اللّه سبحانه بما فيه داعية النصر وسبب العز وهي وصية منه سبحانه بحسب التقييد الي في آية الضعف والفئة الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت ثم أمر سبحانه بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين قال قتادة افترض اللّه ذكره عند اشغل ما يكون عند الضراب والسيوف قال ع وهذا ذكر خفي لان رفع الصوت في موطن القتال رديء مكروه إذا كان الغاطا فأما إن كان من الجميع عند الحملة فحسن فات في عضد العدو قال قيس بن عباد كان أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث عند قراءة القرآن وعند الجنازة وعند القتال وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث وقال ابن عباس يكره التلثم عند القتال قال النووي وسئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح عن القدر الذي يصير به المرء من الذاكرين اللّه كثيرا فقال إذا واظب على الأذكار المأثور المشتة صباحا ومساء وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلا ونهارا وهي مبينة في كتب عمل اليوم والليلة كان من الذاكرين اللّه كثيرا واللّه سبحانه أعلم انتهى من الحلية ت وأحسن من هذا جوابه صلى اللّه عليه و سلم حيث قال سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول اللّه قال الذاكرون اللّه كثيرا والذاكرات رواه مسلم والترمذي وعنده قالوا يا رسول اللّه وما المفردون قال المستهترون في ذكر اللّه يضع عنهم الذكر أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا قال صاحب سلاح المؤمن المستهترون في ذكر اللّه هو بفتح التاءين المثناتين يعني الذين لعوا به يقال استهتر فلان بكذا أي اولع به واللّه اعلم انتهى فقد بين صلى اللّه عليه و سلم هنا صفة الذاكرين اللّه كثيرا وقد نقلنا في غير هذا المحل بيان صفة الذاكرين اللّه كثيرا بنحو هذا من طريق ابن المارك وإذا كان العبد مستهترا بذكر مولاه انس به واحبه واحب لقاءه فلم يبال بلقاء العدو وإن هي إلا أحدى الحسنيين أما النصر وهو الأغلب لمن هذه صفته الشهادة وذلك مناه ومطلبه انتهى وتفلحون تنالون بغيتكم وتنالون آمالكم والجمهور على أن الريح هنا مستعارة قال مجاهد الريح النصر والقوة وذهب ريح أصحاب صلى اللّه عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد وقوله سبحانه واصبروا إلى آخر الآية تتميم في الوصية وعدة مونسة ٤٧وقوله سبحانه ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم الآية الإشارة إلى كفار قريش والبطر الأشر وغمط النعمة وروي أن أبا سفيان لما أحرز عيره بعث إلى قريش وقال أن اللّه قد سلم عيركم فارجعوا فأنى رأي الجماعة على ذلك وخالف أبو جهل وقال واللّه لا نفعل حتى نأتي بدرا وكانت بدر سوقا من أسواق العرب لها يوم موسم فننحر عليها الإبل ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب ويهابنا الناس فهذا معنى قوله تعالى ورئاء الناس ٤٨وقوله سبحانه وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس الضمير في لهم عائد على الكفار والشيطان إبليس نفسه والذي عليه الجمهور وتظاهرت به الروايات إن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لأبن هشام أنه جاءهم بمكة وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم فقال لهم إني جار لكم ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث أتفر يا سراقة فلم يلو عليه ويروي أنه قال له ما تضمنته الآية وروي أن عمير بن وهب الحارث بن هشام قال له أين يا سراق فلم يلو مثل عدو اللّه فذهب ووقعب الهزيمة فتحدثوا أن سراقة لا فر بالناس فبلغ ذلك سراقة بن مالك فأتى مكة فقال لهم واللّه ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم ت قال ابن إسحاق ذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة ينكرونه حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص عدو اللّه على عقبيه فاوردهم ثم أسلمهم انتهى من السيرة لابن هشام وقوله إني جار لكم أي انتم في ذمتي وحماءى وتراءت تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء وقوله نكص على عقبيه أي رجع من حيث جاء واصل النكوص في اللغة الرجوع القهقري وقوله أنى أرى ما لا ترون يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط إلا غالب لهم من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفر وقوله إني أخاف اللّه قال الزجاج وغيره خاف مما رأى من الأمر وهو له أنه يومه الذي انظر إليه ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب ٤٩وقوله سبحانه إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض الآية قال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق إنما هم من أهل عسكر الكفار ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر منهم مكره وغير مكره فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا وقالوا مشيرين إلى المسلمين غر هؤلاء دينهم قال ع ولم يذكر أحد ممن شهد بدرا بنفاق الاما ظهر بعد ذلك من معتب ابن قشير فإنه القائل يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا هذه المقالة ثم أخبر اللّه سبحانه بأن من توكل عليه وفوض أمره إليه فإن عزته سبحانه وحكمته كفيلة بنصره وقوله سبحانه ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوهم وأدبارهم الآية هذه الآية تتضمن التعجيب مما حل بالكفار يوم بدر قاله مجاهد وغيره وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم وقوله وأدبارهم قال جل المفسرين يريد استاههم ولكن اللّه كريم كنى وقال ابن عباس والحسن أراد ظهورهم وما أدبر منهم وباقي الآية بين ٥٢وقوله سبحانه كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات اللّه فأخذهم اللّه بذنوبهم الآية الدأب العادة في كلام العرب وهو مأخوذ من دأب على العمل إذا لازمه وقوله سبحانه ذلك بأن اللّه لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم الآية معنى هذه الآية إخبار من اللّه سبحانه إذا أنعم على قوم نعمة فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغييرها وتنكيدها حتى يجيء ذلك منهم بأن يغيروا حالهم التي تراد تحسن منهم فإذا فعلوا ذلك غير اللّه نعمته عندهم بنقمته منهم ومثال هذه نعمة اللّه على قريش بنبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم فكفروا به فغير اللّه تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحل بهم عقوبته وقوله تعالى كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم هذا التكرير هو لمعنى ليس للأول إذ الأول دأب في أن هلكوا لما كفروا وهذا الثاني دأب في أن لم يغير نعمتهم حتى غيروا ما بأنفسهم والإشارة بقوله والذين من قبلهم إلى قوم شعيب وصالح وهود ونوح وغيرهم ٥٥وقوله سبحانه إن شر الدواب عند اللّه الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون أجمع المتأولون أن الآية نزلت في بني قريظة وهي بعد تعم كل من أتصف بهذه الصفة إلى يوم القيامة وقوله في كل مرة يقتضي أن الغدر قد تكرر منهم وحديث قريظة هو أنهم عاهدوا النبي صلى اللّه عليه وسلم على أن لا يحاربوه ولا يعينوا عليه عدوا من غيرهم فلما اجتمعت الأحزاب على النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة غلب على ظن بني قريظة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم مغلوب ومستأصل وخدع حي بن أخطب النضري كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم فغدروا ووالوا قريشا وأمدوهم بالسلاح والادراع فلما انجلت تلك الحال عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمره اللّه تعالى بالخروج إليهم وحربهم فاستنزلوا وضربت أعناقهم بحكم سعد واستيعاب قصتهم في السير وإنما اقتضبت منها ما يخص تفسير الآية ٥٧وقوله سبحانه فأما تثقفنهم في الحرب الآية معنى تثقفنهم تأسرهم وتحصلهم في ثقفك تلقاهم بحال تقدر عليهم فيها وتغلبهم ومعنى فشرد أي طرد وأبعد وخوف والشريد المبعد عن وطن ونحوه ومعنى الآية فإن أسرت هؤلاء الناقضين في حربك لهم فأفعل بهم من النقمة ما يكون تشريدا لمن يأتي خلفهم في مثل طريقتهم وعبارة البخاري فشرد فرق انتهى والضمير في لعلهم عائد على الفرقة المشردة وقال ابن عباس المعنى نكل بهم من خلفهم وقالت فرقة معناه سمع بهم والمعنى متقارب ومعنى خلفهم أي بعدهم ويذكرون أي يتعظون ٥٨وقوله سبحانه وأما تخافن من قوم خيانة الآية قال اكثر المفسرين أن الآية في بني قريظة والذي يظهر من ألفاظ الآية أن أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله فشرد بهم من خلفهم ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى آخر الدهر وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته وقوله فأنبذ إليهم أي الق إليهم عهدهم وقوله على سواء قيل معناه حتى يكون الأمر في بيانه والعلم به على سواء منك ومنهم فتكونون في استشعار الحرب سواء وذكر الفراء أن المعنى فأنبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بين لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب بل افعل بهم مثل ما فعلوا بك يعني موازنة ومقايسة وقرأ نافع وغيره ولا تحسبن بالتاء مخاطة للنبي صلى اللّه عليه وسلم وسبقوا معناه فأتوا بأنفسهم وانجوها أنهم لا يعجزون أي لا يفلتون ولا يعجزون طالبهم وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في بدر وغيره فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون وقرأ حمزة وغيره ولا يحسبن بالياء من تحت وبفتح السين ٦٠وقوله سبحانه وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الآية المخاطبة في هذه الآية لجميع المؤمنين وفي صحيح مسلم إلا أن القوة الرمي إلا أن القوة الرمي ولما كانت الخيل هي أصل الحرب وأوزارها والتي عقد الخير في نواصيها خصها اللّه تعالى بالذكر تشريفا لها ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحرب وانكاه في العدو وأقربه تناولا للأرواح خصها صلى اللّه عليه و سلم بالذكر والتنبيه عليها ت وفي صحيح مسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من تعلم الرمي وتركه فليس منا قد عصى وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول أن اللّه ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة انفس الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله فارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا كل شيء يلهوبه الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته انتهى ورباط الخيل مصدر من ربط ولا يكثر ربطها إلا وهي كثيرة ويجوز أن يكون مصدرا من رابط وإذا ربط كل واحد من المؤمنين فرسا لأجل صاحبه فقد حصل بينهم رباط عليه السلام من ارتبط فرسا في سبيل اللّه فهو كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ت وقد ذكرنا بعض ما ورد في فضل الرباط في آخر آل عمران قال صاحب التذكرة وعن عثمان بن عفان قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول من رابط ليلة في سبيل اللّه كانت له كالف ليلة صيامها وقيامها وعن أبي بن كعب قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لرباط يوم في سبيل اللّه من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل اللّه من وراء عورة المسلمين من شهر رمضان أفضل عند اللّه وأعظم أجرا أراه قال من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها فإن رده اللّه إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة ويكتب له من الحسنات ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة قال القرطبي في تذكرته فدل هذا الحديث على أن رباط يوم في رمضان يحصل له هذا الثواب الدائم وإن لم يمت مرابطا خرج هذا الحديث والذي قبله ابن ماجه انتهى من التذكرة وترهبون معناه تخوفون وتفزعون والرهبة الخوف وقوله وآخرين من دونهم فيه أقوال قيل هم المنافقون وقيل فارس وقيل غير هذا قال ع ويحسن أن يقدر قوله لا تعلمونهم بمعنى لا تعلمونهم فازعين راهبين وقال ص لا تعلمونهم بمعنى لا تعرفونهم فيتعدى لواحد ومن عداه إلى اثنين قدره محاربين واستبعد لعدم تقدم ذكره فهو ممنوع عند بعضهم وعزيز جدا عند بعضهم انتهى ٦١ وقوله سبحانه وإن جنحوا للسلم فأجنح لها جنح الرجل إلى الأمر إذا مال إليه وعاد الضمير في لها مؤنثا إذ السلم بمعنى المسالمة والهدنة وذهب جماعة من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة والضمير في جنحوا هو للذين نبذ إليهم على سواء ٦٢وقوله سبحانه وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك اللّه الآية الضمير في قوله وإن يريدوا عائد على الكفار الذين قال فيهم وإن جنحوا أي وإن يريدوا أن يخدعوك بأن يظهروا السلم ويبطنوا الغدر والخيانة فإن حسبك اللّه أي كافيك ومعطيك نصره وأيدك معناه قواك وبالمؤمنين يريد الأنصار بذلك تظاهرت أقوال المفسرين ٦٣وقوله وألف بين قلوبهم الآية إشارة إلى العداوة التي كانت بين الاوس والخزرج قال ع ولو ذهب ذاهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان بين جميعهم من التحاب لساغ ذلك وقال ابن مسعود نزلت هذه الآية في المتحابين في اللّه وقال مجاهد إذا تراأي المتحابين في اللّه وتصافحا تحاتت خطاياهما فقال له عبدة بن أبي لبابة أن هذا ليسير فقال له لا تقل ذلك فإن اللّه تعالى يقول لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم قال عبدة فعرفت أنه افقه منى قال ع وهذا كله تمثيل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك وقد روى سهل بن سعد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال المؤمن مالفة لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف قال ع والتشابه سبب الألفة فمن كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه ت وفي صحيح البخاري الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف انتهى وروى مالك في الموطأ عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد وروينا عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال يا عبد اللّه بن مسعود أتدري أي عرى الإيمان أوثق قلت اللّه ورسوله أعلم قال الولاية في اللّه الحب والبغض فيه ورواه البراء بن عازب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أيضا وعن عبد اللّه في قوله تعالى لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما التف بين قلوبهم ولكن اللّه ألف بينهم قال نزلت في المتحابين في اللّه قال أبو عمر وأما قوله اليوم أظلهم في ظلي فأنه أراد واللّه أعلم في ظل عرشه وقد يكون الظل كناية عن الرحمة كما قال أن المتقين في ظلال وعيون يعني بذلك ما هم فيه من الرحمة والنعيم انتهى ٦٤وقوله سبحانه يا أيها النبي حسبك اللّه ومن أتبعك من المؤمنين قال النقاش نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج وقيل أنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين قاله ابن عمر وأنس فهي على هذا مكية وحسبك في كلام العرب وشرعك بمعنى كافيك ويكفيك والمحسب الكافي قالت فرقة معنى الآية يكفيك اللّه ويكفيك من اتبعك فمن في موضع رفع وقال الشعبي وابن زيد معنى الآية حسبك اللّه وحسب من اتبعك من المؤمنين فمن في موضع نصب عطفا على موضع الكاف لأن موضعها نصب على المعنى بيكفيك التي سدت حسبك مسدها قال ص ورد بأن الكاف ليس موضعها نصب لأن إضافة حب إليها أضافة صحيحة انتهى ٦٥وقوله سبحانه يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال الآية حرض المؤمنين أي حثهم وحضهم وقوله سبحانه إن يكن منكم إلى آخر الآية لفظ خبر مضمنه وعد بشرط لأن قوله إن يكن منكم عشرون صابرون بمنزلة أن يقال أن بصبر منكم عشرون يغلبوا وفي ضمنه الأمر بالصبر قال الفخر وحسن هذا التكليف لما كان مسبوقا بقوله حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين فلما وعد اللّه المؤمنين بالكفاية والنصر كان هذا التكليف سهلا لأن من تكفل اللّه بنصره فإن أهل العالم لا يقدرون على أذايته انتهى وتظاهرت الروايات عن ابن عباس وغيره من الصحابة بأن ثبوت الواحد للعشرة كان فرضا على المؤمنين ثم لما شق ذلك عليهم حط اللّه الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين وهذا هو نسخ الأثقل بالأخف وقوله لا يفقهون معناه لا يفهمون مراشدهم ولا مقصد قتالهم لا يريدون به إلا الغلبة الدنيوية فهم يخافون الموت إذا صبر لهم ومن يقاتل ليغلب يستشهد فيصير إلى الجنة أثبت قدما لا محالة وقوله واللّه مع الصابرين لفظ خبر في ضمنه وعد وحض على الصبر ويلحظ منه وعيد لمن لم يصبر بأنه يغلب ٦٧وقوله سبحانه ما كان لنبي أن يكون له أسرى الآية قال ع هذه آية تتضمن عندي معاتبة من اللّه عز و جل لأصحاب نبيه عليه السلام والمعنى ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي أسرى قبل الإثخان ولذلك استمر الخطاب لهم بتريدون والنبي صلى اللّه عليه وسلم لم يأمر باستبقاء الرجل وقت الحرب ولا أراد صلى اللّه عليه و سلم قط عرض الدنيا وإنما فعله جمهور مباشري الحرب وجاء ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم في الآية مشيرا إلى دخوله عليه السلام في العتب حين لم ينه عن ذلك حين رآه من العريش وأنكره سعد بن معاذا لكنه صلى اللّه عليه و سلم شغله بغت الأمر وظهور النصر عن النهي ومر كثير من المفسرين على أن هذا التوبيخ إنما كان بسبب إشارة من أشار على النبي صلى اللّه عليه وسلم بأخذ الفدية حين استشارهم في شأن الأسرى والتأويل الأول أحسن والإثخان هو المبالغة في القتل والجراحة ثم أمر مخاطبة أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال تريدون عرض الدنيا أي مالها الذي يعز ويعرض والمراد ما أخذ من الأسرى من الأموال واللّه يريد الآخرة أي عمل الآخرة وذكر الطبري وغيره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للناس إن شئتم أخذتم فداء الأسرى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم وإن شئتم قتلوا وسلمتم فقالوا نأخذ المال ويستشهد منا وذكر عبد ابن حميد بسنده أن جبريل نزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم بتخيير الناس هكذا وعلى هذا فالأمر في هذا التخيير من عند اللّه فإنه إعلام بغيب وإذا خيروا رضي اللّه عنهم فكيف يقع التوبيخ بعد بقوله تعالى لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فهذا يدلك على صحة ما قدمناه أن العتب لهم إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة رغبة في أخذ المال وهو الذي أقول به وذكر المفسرون أيضا في هذه الآيات تحليل المغانم ولا أقول ذلك لأن تحليل المغانم قد تقدم قبل بدر في السرية التي قتل فيها ابن الحضرمي وإنما المبتدع في بدر استبقاء الرجال لأجل المال والذي من اللّه به فيها الحاق فدية الكافر بالمغانم التي تقدم تحليلها قوله سبحانه كتاب من اللّه سبق الآية قال ابن عباس وأبو هريرة والحسن وغيرهم الكتاب هو ما كان اللّه قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لهذه الأمة وقال مجاهد وغيره الكتاب السابق مغفرة اللّه لأهل بدر وقيل الكتاب السابق هو أن لا يعذب اللّه أحد بذنب إلا بعد النهي عنه حكاه الطبري قال ابن العربي في أحكام القرآن وهذه الأقوال كلها صحيحة ممكنة لكن أقواها ما سبق من إحلال الغنيمة وقد كانوا غنموا أول غنيمة في الإسلام حين أرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن جحش انتهى وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب وفي حديث آخر وسعد بن معاذ وذلك أن رأيهما كان أن تقتل الأسرى ٦٩وقوله سبحانه فكلوا مما غنمتم الآية نص على إباحة المال الذي أخذ من الأسرى وإلحاق له بالغنيمة التي كان تقدم تحليلها ٧٠وقوله سبحانه يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى أن يعلم اللّه في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم روي أن الأسرى ببدر اعلموا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لهم ميلا إلى الإسلام وأنهم إن رجعوا إلى قومهم سعوا في جلبهم إلى الإسلام قال ابن عباس الأسرى في هذه الآية عباس وأصحابه قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم آمنا بما جئت به ونشهد أنك لرسول اللّه ولننصحن لك على قومنا فنزلت هذه الآية ومعنى الكلام إن كان هذا عن جد منكم وعلم اللّه من أنفسكم الخير والإسلام فإنه سيجبر عليكم أفضل مما أعطيتم فدية ويغفر لكم جميع ما أجترمتموه وروي أن العباس بن عبد المطلب رضي اللّه عنه قال في وفي أصحابي نزلت هذه الآية وقال حين أعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مال البحرين ما قدر أن يقول هذا خير مما أخذ مني وأنا بعد أرجو أن يغفر اللّه لي وروي عنه أنه قال ما أود أن هذه الآية لم تنزل ولي الدنيا بأجمعها وذلك أن اللّه تعالى قد أتاني خيرا مما أخذ مني وأنا أرجو أن يغفر لي وقوله فقد خانوا اللّه من قبل أي بالكفر فأمكن منهم أي بأن جعلهم أسرى واللّه عليم بما يبطنونه حكيم فيما يجازيهم به سبحانه الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه والذين أووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا وذكر المهاجرين بعد الحديبية فقدم أولا ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام وتأمل تقديم عمر لهم في الاستشارة وهاجر معناه هجر أهله وقرابته وهجروه والذين أووا ونصروا هم الأنصار فحكم سبحانه على هاتين الطائفيتين بأن بعضهم أولياء بعض فقال كثير من المفسرين هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي وعليه فسر الطبري الآية وهذا الذي قالوه لازم من دلالة لفظ الآية وقال ابن عباس وغيره هذه الموالاة هي في المواريث وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار فكان المهاجري إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجري ورثه أخوه الأنصاري وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري ولا يرثه ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه وأولوا الأرحام الآية وعلى التأولين ففي الآية حض على الهجرة قال أبو عبيدة الولاية بالكسر من وليت الأمر إليه فهي في السلطان وبالفتح هي من المولى يقال مولى بين الولاية بفتح الواو وقوله سبحانه وإن استنصروكم يعني إن استدعى هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا نصركم فعليكم النصر الأعلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم لأن ذلك غدر ونقض للميثاق ٧٣وقوله سبحانه والذين كفروا بعضهم أولياء بعض وذلك يجمع الموارثة والمعاونة والنصرة وهذه العبارة تحريض وإقامة لنفوس المؤمنين كما تقول لمن تريد تحريضه عدوك مجتهد أي فأجتهد أنت وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن قتادة أنه قال أبى اللّه أن يقبل إيمان من آمن ولم يهاجر وذلك في صدر الإسلام وفيهم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم أنا بريء من مسلم أقام بين المشركين لا تتراأى نارهما الحديث على اختلاف ألفاظه وقول قتادة إنما هو فيمن كان يقيم متربصا يقول من غلب كنت معه وكذلك ذكر في كتاب الطبري وغيره والضمير في قوله إلا تفعلوا قيل هو عائد على المؤازرة والمعاونة ويحتمل على الميثاق المذكور ويحتمل على النصر للمسلمين المستنصرين ويحتمل على الموارثة والتزامها ويجوز أن يعود مجملا على جميع ما ذكر والفتنة المحنة بالحرب وما أنجر معها من الغارات والجلاء والأسر والفساد الكبير ظهور الشرك ٧٤وقوله سبحانه والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا تضمنت الآية تخصيص المهاجرين والأنصار وتشريفهم بهذا الوصف العظيم ت وهي مع ذلك عند التأمل يلوح منها تأويل قتادة المتقدم فتأمله والرزق الكريم هو طعام الجنة كذا ذكر الطبري وغيره قال ابن العربي في أحكامه وإذا كان الإيمان في القلب حقا ظهر ذلك في استقامة الأعمال بامتثال الأمر واجتناب المنهي عنه وإذا كان مجازا قصرت الجوارح في الأعمال إذ لم تبلغ قوته إليها انتهى والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم قوله من بعد يريد به من بعد الحديبية وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقل رتبة من الهجرة قبل ذلك وكان يقال لها الهجرة الثانية وجاهدوا معكم لفظ يقتضي أنهم تبع لاصدار ٧٥وقوله سبحانه وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه قال من تقدم ذكره هذه في المواريث وهي ناسخة للحكم المتقدم ذكره وقالت فرقة منها مالك أن الآية ليست في المواريث وهذا فرار من توريث الخال والعمة ونحو ذلك وقالت فرقة هي في المواريث إلا أنها نسخت بآية المواريث المبينة وقوله في كتاب اللّه معناه القرآن أي ذلك مثبت في كتاب اللّه وقيل في اللوح المحفوظ كمل تفسير السورة والحمد للّه وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصبحه وسلم تسليما |
﴿ ٠ ﴾