سورة يونس

بسم اللّه الرحمن الرحيم

تفسير سورة يونس عليه السلام

١

بعضها نزل بمكة وبعضها بالمدينة قوله عز و جل الر تلك آيات الكتاب الحكيم المراد بالكتاب القرآن والحكيم بمعنى محكم ويمكن أن يكون حكيم بمعنى ذي حكمة فهو على النسب

٢

وقوله عز و جل أكان للناس عجبا الآية قال ابن عباس وغيره سبب هذه الآية استبعاد قريش أن يبعث اللّه بشرا رسولا والقدم هنا ما قدم

واختلف في المراد بها هاهنا فقال ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم هي الأعمال الصالحات من العبادات وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة هي شفاعة صلى اللّه عليه وسلم وقال ابن عباس أيضا وغيره هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ وهذا أليق الأقوال بالآية ومن هذه اللفظة قول حسان رضي اللّه عنه ... لنا القدم العليا إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة اللّه تابع ...

ومن هذه اللفظة قوله صلى اللّه عليه و سلم حتى يضع الجبار فيها قدمه أي ما قدم لها هذا على الجبار اسم اللّه تعالى والصدق هنا بمعنى الصلاح وقال البخاري قال زيد بن أسلم قدم صدق صلى اللّه عليه وسلم انتهى وقولهم إن هذا

لسحر مبين إنما هو بسبب أنه فرق بذلك كلمتهم وحال بين القريب وقريبه فاشبه ذلك ما يفعله الساحر في ظنهم القاصر فسموه سحرا

٣

وقوله سبحانه إن ربكم اللّه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام الآية هذا ابتداء دعاء إلى عبادة اللّه عز و جل وتوحيده وذكر بعض الناس أن الحكمة في خلق اللّه تعالى هذه الأشياء في مدة محدودة ممتدة وفي القدرة أن يقول لها كن فتكون إنما هي ليعلم عباده التؤدة والتماهل في الأمور قال ع وهذا مما لا يوصل إلى تعليله وعلى هذا هي الأجنة في البطون وخلق الثمار وغير ذلك واللّه عز و جل قد جعل لكل شيء قدرا وهو أعلم بوجه الحكمة في ذلك

وقوله سبحانه يدبر الأمر يصح أن يريد بالأمر اسم الجنس من الأمور ويصح أن يريد الأمر الذي هو مصدر أمر يأمر وتدبيره لا إله إلا هو إنما هو الإنفاذ لأنه قد أحاط بكل شيء علما قال مجاهد يدبر الأمر معناه يقضيه وحده

وقوله سبحانه ما من شفيع إلا من بعد إذنه رد على العرب في اعتقادهم أن الأصنام تشفع لها عند اللّه

ذلكم اللّه أي الذي هذه صفاته فاعبدوه ثم قررهم على هذه الآيات والعبر فقال أفلا تذكرون

وقوله إليه مرجعكم جميعا الآية إنباء بالبعث

من القبور

ليجزي هي لام كي والمعنى أن الإعادة إنما هي ليقع الجزاء على الأعمال

وقوله بالقسط أي بالعدل

وقوله الذين كفروا ابتداء والحميم الحار المسخن وحميم النار فيما ذكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا أدناه الكافر من فيه تساقطت فروة رأسه وهو كما وصفه سبحانه يشوي الوجوه

٥

وقوله سبحانه هوا لذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا الآية هذا استمرار على وصف آياته سبحانه والتنبيه على صنعته الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته

وقوله وقدره منازل يحتمل أن يعود الضمير

على القمر وحده لأنه المراعي في معرفة عدد السنين والحساب عند العرب ويحتمل أن يريد الشمس والقمر معا لكنه اجتزأ بذكر أحدهما كما قال واللّه ورسوله أحق أن يرضوه

وقوله لتعلموا عدد السنين والحساب أي رفقا بكم ورفعا للالتباس في معايشكم وغير ذلك مما يضطر فيه إلى معرفة التواريخ

وقوله لقوم يعلمون إنما خصهم لأن نفع هذا فيهم ظهر

٦

وقوله سبحانه إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق اللّه في السموات والأرض الآية آية اعتبار وتنبيه والآيات العلامات وخصص القوم المتقين تشريفا لهم إذ الاعتبار المنظور فيها أفضل من نسبة من لم يهتد ولا اتقى

٧

وقوله سبحانه إن الذين لا يرجون لقاءنا الآية قال أبو عبيدة وغيره يرجون في هذه الآية بمعنى يخافون واحتجوا ببيت أبي ذؤيب ... إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوب عوامل ...

قال ابن سيدة والفراء لفظة الرجاء إذا جاءت منفية فإنها تكون بمعنى الخوف فعلى هذا التأويل معنى الآية إن الذين لا يخافون لقاءنا وقال بعض أهل العلم الرجاء في هذه الآية على بابه وذلك أن الكافر المكذب بالبعث لا يحسن ظنا بأنه يلقى اللّه ولا له في الآخرة أمل إذ لو كان له فيها أمل لقارنه لا محالة خوف وهذه الحال من الخوف المقارن هي القائدة إلى النجاة قال ع والذي أقول به أن الرجاء في كل موضع هو على بابه وأن بيت الهذلي معناه لم يرج فقد لسعها قال ابن زيد هذه الآية في الكفار

وقوله سبحانه ورضوا بالحيوة الدنيا يريد كانت منتهى غرضهم وقال قتادة في تفسير هذه الآية إذا شئت رأيت هذا الموصوف صاحب دنيا لها يغضب ولها يرضى ولها يفرح ولها يهتم ويحزن فكان قتادة صورها في العصاة

ولا يترتب ذلك إلا مع تأول الرجاء على بابه لأن المؤمن العاصي مستوحش من أخرته فأما على التأويل الأول فمن لا يخاف اللّه فهو كافر

وقوله وأطمأنوا بها تكميل في معنى القناعة بها والرفض لغيرها

وقوله والذين هم عن آياتنا غافلون يحتمل أن يكون ابتداء إشارة إلى فرقة أخرى ثم عقب سبحانه بذكر الفرقة الناجية فقال إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم الآية الهداية في هذه الآية تحتمل وجهين أحدهما أن يريد أنه يديمهم ويثبتهم الثاني أن يريد أنه يرشدهم إلى طريق الجنان في الآخرة

وقوله بإيماهم يحتمل أن يريد بسبب إيمانهم ويحتمل أن يكون الإيمان هو نفس الهدى أي يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم قال مجاهد يكون لهم إيمانهم نورا يمشون به ويتركب هذا التأويل على ما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن العبد المؤمن إذا قام من قبره للحشر تمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح فيقوده إلى الجنة وبعكس هذا في الكافر ونحو هذا ما أسنده الطبري وغيره

١٠

وقوله سبحانه دعواهم أي دعاؤهم فيها وسبحانك اللّهم تقديس وتسبيح وتنزيه لجلاله سبحانه عن كل ما لا يليق به وقال علي بن أبي طالب في ذلك هي كلمات رضيها اللّه تعالى لنفسه وقال طلحة بن عبيد اللّه قلت يا رسول اللّه ما معنى سبحان اللّه فقال معناها تنزيها للّه من السوء وحكي عن بعض المفسرين أنهم رووا أن هذه الكلمة إنما يقولها المؤمن عندما يشتهي الطعام فإنه إذا رأى طائرا  غير ذلك قال سبحانك اللّهم فنزلت تلك الإرادة بين يديه فوق ما اشتهى رواه ابن جريج وسفيان بن عيينة وعبارة الداودي عن ابن جريج دعواهم فيها قال إذا مر بهم الطائر يشتهونه كان دعواهم به سبحانك اللّهم فيأكلون منه ما يشتهون ثم يطير وإذا جاءتهم

الملائكة بما يشتهون سلموا عليهم فذلك قوله وتحيتهم فيها سلام وإذا أكلوا حاجتهم قالوا الحمد للّه رب العالمين

فذلك قوله وآخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين

وقوله سبحانه وتحيتهم فيها سلام يريد تسليم بعضهم على بعض والتحية مأخوذة من تمنى الحياة للإنسان والدعاء بها يقال حياه ويحييه ومنه قول زهير بن جناب ... من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية ...

يريد دعاء الناس للملوك بالحياة وقال بعض العلماء وتحيتهم يريد تسليم اللّه تعالى عليهم والسلام مأخوذ من السلامة وآخر دعواهم أي خاتمة دعائهم وكلامهم في كل موطن حمد اللّه وشكره على ما أسبغ عليهم من نعمه

وقال ابن العربي في أحكامه في تفسير هذه الآية قولان الأول أن الملك يأتيهم بما يشتهون فيقول سلام عليكم أي سلمتم فيردون عليه فإذا أكلوا قالوا الحمد للّه رب العالمين الثاني أن معنى تحيتهم أي تحية بعضهم بعضا فقد ثبت في الخبر أن اللّه تعال خلق آدم ثم قال له أذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم فجاءهم فقال لهم سلام عليكم فقالوا له وعليك السلام ورحمة اللّه فقال له هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك إلى يوم القيامة وبين في القرآن هاهنا أنها تحيتهم في الجنة فهي تحية موضوعة من أول الخلقة إلى غير نهاية وقد روى ابن القاسم عن مالك في

قوله تعالى وتحيتهم فيها سلام أي هذا السلام الذي بين أظهركم وهذا أظهر الأقوال واللّه أعلم انتهى وقرأ الجمهور أن الحمد للّه وهي عند سيبويه أن المخففة من الثقيلة قال أبو الفتح فهي بمنزلة قول الأعشى ... في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل ...

١١

وقوله سبحانه ولو يعجل اللّه للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم

الآية هذه الآية نزلت في دعاء الرجل على نفسه  ولده  ماله فأخبر سبحانه أنه لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريد فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم وحذف بعد ذلك جملة يتضمنها الظاهر تقديرها فلا يفعل ذلك ولكن يذر الذين لا يرجعون لقاءنا الآية

وقيل إن هذه الآية نزلت في قولهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء

وقيل نزلت في قولهم أتينا بما تعدنا وما جرى مجراه والعمه الخبط في ضلال

١٢

وقوله سبحانه وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه الآية هذه الآية أيضا عتاب على سوء الخلق من بعض الناس ومضمنه النهي عن مثل هذا والأمر بالتسليم إلى اللّه والضراعة إليه في كل حال والعلم بأن الخير والشر منه لا رب غيره

وقوله لجنبه في موضع الحال كأنه قال مضطجعا والضر عام لجميع الأمراض والرزايا

وقوله مر يقتضى أن نزولها في الكفار ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر وعاص

١٣

وقوله سبحانه ولقد أهلكنا القرون من قبلكم الآية آية وعيد للكفار وضرب أمثال لهم وخلائف جمع خليفة

وقوله لننظر معناه لنبين في الوجود ما علمناه أزلا لكن جرى القول على طريق الإيجاز والفصاحة والمجاز وقال عمر رضي اللّه عنه إن اللّه تعالى إنما جعلنا خلفاء لينظر كيف عملنا فأروا اللّه حسن أعمالكم في السر والعلانية

١٥

وقوله سبحانه وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا يعني بعض كفار قريش ايت بقرآن غير هذا  بدله ثم أمر سبحانه نبيه أن يرد عليهم بالحق الواضح فقال قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أعلمكم به وأدريكم بمعنى أعلمكم تقول دريت بالأمر وأدريت به غيري ثم قال فقد لبثت فيكم عمرا من قبله يعني الأربعين سنة تبل بعثه عليه السلام أي فلم تجربوني في كذب ولا تكلمت في شيء من هذا أفلا تعقلون أن

١٧

من كان على هذه الصفة لا يصح منه كذب بعد أن ولى عمره وتقاصر أمله واشتدت حنكته وخوفه لربه

وقوله فمن أظلم استفهام وتقرير أي لا أحد أظلم ممن افترى على اللّه كذبا  ممن كذب بآياته بعد بيانها والضمير في يعبدون لكفار قريش وقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه هذا قول النبلاء منهم ثم أمر سبحانه نبيه أن يقررهم ويوبخهم بقوله اتنبئون اللّه بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض وذكر السماوات لأن من العرب من يعبد الملائكة والشعرى وبحسب هذا حسن أن يقول هؤلاء شفعاؤنا

وقيل ذلك تجاوز في الأصنام التي لا تعقل

١٩

وقوله سبحانه وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا قالت فرقة المراد آدم كان أمة وحده ثم اختلف الناس بعده

وقالت فرقة المراد آدم وبنوه من لدن نزوله إلى قتل أحد أبنيه الآخر ويحتمل أن يريد كان الناس صنفا واحدا بالفطرة معدا للاهتداء وقد تقدم الكلام على هذا في

قوله سبحانه كان الناس أمة واحدة

وقوله سبحانه ولولا كلمة سبقت من ربك يريد قضاءه وتقديره لبني آدم بالآجال الموقتة ويحتمل أن يريد الكلمة في أمر القيامة وأن العقاب والثواب إنما يكون حينئذ

وقوله فقل إنما الغيب للّه أي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل

وقوله فانتظروا وعيد

وقوله سبحانه وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضر مستهم الآية هذه الآية في الكفار وهي بعد تتناول من العصاة من لا يؤدي شكر اللّه عند زوال المكروه عنه ولا يرتدع بذلك عن معاصيه وذلك في الناس كثير والرحمة هنا بعد الضراء كالمطر بعد القحط والأمن بعد الخوف ونحو هذا مما لا ينحصر والمكر الاستهزاء والطعن عليها من الكفار واطراح الشكر والخوف من العصاة وقال أبو علي أسرع من سرع لا من أسرع يسرع إذ لو كان من أسرع لكان شاذا قال ع وفي

الحديث في نار جهنم لهي أسود من القار وما حفظ للنبي صلى اللّه عليه وسلم فليس بشاذ ص ورد بأن أسود من فعل لا من أفعل تقول سود فهو أسود وإنما امتنع من سود ونحوه عند البصريين لأنه لون انتهى

٢٢

وقوله سبحانه هو الذي يسيركم في البر والبحر الآية تعديد نعم منه سبحانه على عباده

وقوله سبحانه دعوا اللّه مخلصين له الدين أي نسوا الأصنام والشركاء وأفردوا الدعاء للّه سبحانه وذكر الطبري في ذلك عن بعض العلماء حكاية قول العجم هيا شراء هيا ومعناه يا حي يا قيوم ويبغون معناه يفسدون

وقوله متاع الحياة الدنيا متاع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو متاع  ذلك متاع ومعنى الآية إنما بغيكم وإفسادكم مضر لكم وهو في حالة الدنيا ثم تلقون عقابه في الآخرة قال سفيان بن عيينة إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا أي تعجل لكم عقوبته وعلى هذا قالوا البغي يصرع أهله قال ع وقالوا الباغي مصروع

قال تعالى ثم بغي عليه لينصرنه اللّه وقال النبي عليه السلام ما ذنب أسرع عقوبة من بغي

٢٤

وقوله سبحانه إنما مثل الحيوة الدنيا أي تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ مصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل من السماء فاختلط به نبات الأرض أي اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء ولفظ البخاري قال ابن عباس فاختلط به نبات الأرض فنبت بالماء من كل لون انتهى وأخذت الأرض لفظة كثرت في مثل هذا كقوله خذوا زينتكم والزخرف التزيين بالألوان وقرأ ابن مسعود وغيره وتزينت وهذه أصل قراءة الجمهور

وقوله وظن أهلها على بابها وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها وحتى غاية وهي حرف ابتداء لدخولها على إذا ومعناهما متصل إلى قوله قادرون عليها ومن بعد ذلك بدأ الجواب والأمر الآتي واحد الأمور كالريح والصر والسموم ونحو ذلك وتقسيمه

ليلا  نهارا تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت وحصيدا بمعنى محصود أي تالفا مستهلكا كأن لم تغن أي كان لم تنضر ولم تنعم ولم تعمر بغضارتها ومعنى الآية التحذير من الاغترار بالدنيا إذ هي معرضة لتلف كنبات هذه الأرض وخص المتفكرين بالذكر تشريفا للمنزلة وليقع التسابق إلى هذه الرتبة

واللّه يدعوا إلى دار السلام الآية نص أن الدعاء إلى الشرع عام في كل بشر والهداية التي هي الإرشاد مختصة بمن قدر إيمانه والسلام هنا قيل هو اسم من أسماء اللّه تعالى والمعنى يدعو إلى داره التي هي الجنة

وقيل السلام بمعنى السلامة

٢٦

وقوله سبحانه للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال الجمهور الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه اللّه عز و جل في صحيح مسلم من حديث صهيب فيكشف الحجار فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل وفي رواية ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة واخرج هذه الزيادة النسائي عن صهيب وأخرجها عن صهيب أيضا أبو داود الطيالسي انتهى من التذكرة

وقوله سبحانه ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة الآية ويرهق معناه يغشى مع غلبة وتضييق والقتر الغبار المسود

٢٧

وقوله سبحانه والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها قالت فرقة التقدير لهم جزاء سيئة بمثلها

وقالت فرقة التقدير جزاء سيئة مثلها والباء زائدة تعم السيئات هاهنا الكفر والمعاصي والعاصم المنجى والمجير واغشيت كسيت والقطع جمع قطعة وقرأ ابن كثير والكسائي قطعا من الليل بسكون الطاء وهو الجزء من الليل والمراد الجزء من سواده وباقي الآية بين ومكانكم اسم فعل الأمر ومعناه قفوا واسكنوا ت قال ص وقدر باثبتوا وأما من قدره بالزموا مكانكم فمردود لأن الزموا متعد ومكانكم لا يتعدى فلا يقدر به وإلا لكان متعديا واسم الفعل على حسب الفعل إن متعديا فمتعد وإن لازما فلازم ثم اعتذر بأنه يتمكن

يمكن أن يكون تقديره بالزموا تقدير معنى لا تقدير إعراب فلا اعتراض انتهى قال ع فأخبر سبحانه عن حالة تكون لعبدة الأوثان يوم القيامة يؤمرون بالإقامة في موقف الخزي مع أصنامهم ثم ينطق اللّه شركاءهم بالتبري منهم

وقوله فزيلنا بينهم معناه فرقنا في الحجة والمذهب روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن الكفار إذا رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم اتبعوا ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد هؤلاء فتقول الأصنام واللّه ما كنا نسمع ولا نعقل وما كنتم إيانا تعبدون فيقولون واللّه لإياكم كنا نعبد فتقول الآلهة فكفى باللّه شهيدا بيننا وبينكم الآية وظاهر الآية أن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى بدليل القول لهم مكانكم أنتم وشركاؤكم ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم إن كنا عن عبادتكم لغافلين وإن هذه عند سيبويه المخففة من الثقيلة موجبة ولزمتها اللام فرقا بينها وبين أن النافية وعند الفراء أن نافية بمعنى ما واللام بمعنى إلا وقرأ نافع وغيره تبلوا بالباء الموحدة بمعنى تختبر وقرأ حمزة والكسائي تتلوا بتاءين بمعنى تتبع وتطلب ما أسلف من أعمالها ت قال ص كقوله ... إن المريب يتبع المريبا ... كما رأيت الذيب يتلو الذيبا ...

أي يتبعه انتهى ويصح أن يكون بمعنى تقرا كتبها التي تدفع إليها

وقوله ومن يدبر الأمر الآية تدبير الأمر عام في جميع الأشياء وذلك استقامة الأمور كلها على أرادته عز و جل وليس تدبيره سبحانه بفكر

وروية وتغييرات تعالى عن ذلك بل علمه سبحانه محيط كامل دائم

فسيقولون اللّه أي لا مندوحة لهم عن ذلك ولا تمكنهم المباهتة بسواه فإذا اقروا بذلك فقل أفلا تتقون في افترائكم وجعلكم الأصنام آله

٣٢

وقوله فذلكم اللّه ربكم الآية يقول فهذا الذي هذه صفاته ربكم الحق أي المستوجب للعبادة

والألوهية وإذا كان كذلك فتشريك غيره ضلال وغير حق قال ع وعبارة القرآن في سوق هذه المعاني تفوت كل تفسير براعة وإيجازا ووضوحا وحكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق والضلال منزلة ثالثة في هذه المسئلة التي هي توحيد اللّه تعالى وكذلك هو الأمر في نظائرها من مسائل الأصول التي الحق فيها في طرف واحد لأن الكلام فيها إنما في تقرير وجود ذات كيف هي وذلك بخلاف مسائل الفروع التي قال اللّه تعالى فيها لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا

وقوله فأنى تصرفون تقرير كما قال فأين تذهبون ثم قال كذلك حقت أي كما كانت صفات اللّه كما وصف وعبادته واجبة كما تقرر وانصراف هؤلاء كما قدر عليهم كذلك حقت كلمات ربك الآية وقرأ أبو عمر وغيره كلمة على الإفراد الذي يراد به الجمع كما يقال للقصيدة كلمة فعبر عن وعيد اللّه تعالى بكلمة

٣٤

وقوله سبحانه قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده الآية توقيف على قصور الأصنام وعجزها وتنبيه على قدرة اللّه عز و جل وتؤفكون معناه تصرفون وتحرمون وأرض مأفوكة إذا لم يصبها مطر فهي بمعنى الخيبة

٣٥

وقوله تعالى قل هل من شركائكم من يهدى إلى الحق أي يبين طرق الصواب ثم وصف الأصنام بأنها لا تهدى إلا أن تهدى

وقوله الا أن يهدي فيه تجوز لأنا نجدها لا تهدى وإن هديت وقال بعضهم هي عبارة عن أنها لا تنتقل إلا أن تنقل ويحتمل أن يكون ما ذكر اللّه من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها وقرأ نافع وأبو عمر يهدي بسكون الهاء وتشديد الدال وقرأ ابن كثير وابن عامر يهدي بفتح الياء والهاء وتشديد الدال وهذه رواية ورش عن نافع وقرأ حمزة والكسائي يهدي بفتح الياء وسكون الهاء ومعنى هذه القراءة أمن لا يهدى أحد إلا أن يهدي ذلك الأحد ووقف القراء فما لكم ثم يبدأ كيف تحكمون

وقوله سبحانه وما يتبع أكثرهم إلا ظنا الآية أخبر اللّه سبحانه عن فساد طريقتهم وضعف نظرهم وأنه ظن ثم بين منزلة الظن من المعارف وبعده عن الحق

٣٧

وقوله سبحانه وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه هذا رد لقول من يقول أن محمدا يفتري القرآن والذي بين يديه التوراة والإنجيل وهم يقطعون أنه لم يطالع تلك الكتب ولا هي في بلده ولا في قومه وتفصيل الكتاب هو تبيينه

٣٨

وقوله أم يقولون افتراه الآية أم هذه ليست بالمعادلة لهمزة الاستفهام في قوله أزيد قام أم عمرو ومذهب سيبوية أنها بمنزلة بل ثم عجزهم سبحانه بقوله قل قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم الآية والتحدي في هذه الآية عند الجمهور وقع بجهتي الإعجاز اللتين في القرآن إحداهما النظم والرصف والإيجاز والجزالة كل ذلك في التعريف والأخرى المعاني من الغيب لما مضى ولما يستقبل وحين تحداهم بعشر مفتريات إنما تحداهم بالنظم وحده ثم قال ع هذا قول جماعة المتكلمين ثم اختار أن الإعجاز في الآيتين إنما وقع في النظم لا في الإخبار بالغيوب ت والصواب ما تقدم للجمهور وإليه رجع في سورة هود واوجه إعجاز القرآن أكثر من هذا وانظر الشفا

وقوله من استطعتم إحالة على شركائهم

٣٩

وقوله سبحانه بل كذبوا بم لم يحيطوا بعلمه الآية المعنى ليس الأمر كما قالوا من أنه مفترى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله أي تفسيره وبيانه ويحتمل أن يريد بما لم يأتهم تأويله أي ما يؤل إليه أمره كما هو في قوله هل ينظرون إلا تأويله وعلى هذا فالآية تتضمن وعيدا والذين من قبلهم من سلف من أمم الأنبياء

٤٠

وقوله سبحانه ومنهم من يؤمن به الآية أي ومن قريش من يؤمن بهذا الرسول ولهذا الكلام معنيان قالت فرقة معناه من هؤلاء القوم من سيؤمن في المستقبل ومنهم من

حتم اللّه عليه أنه لا يؤمن به أبدا

وقالت فرقة معناه ومنهم من يؤمن بهذا الرسول إلا أنه يكتم إيمانه حفظا لرياسته  خوفا من قومه كالفتية الذين قتلوا مع الكفار ببدر قال ع وفائدة الآية على هذا التأويل التفريق لكلمة الكفار وإضعاف نفوسهم وفي قوله وربك أعلم بالمفسدين تهديد ووعيد

٤١

وقوله سبحانه وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم الآية منابذه ومتاركة قال كثير من المفسرين منهم ابن زيد هذه الآية منسوخة بالقتال وباقي الآية بين

٤٥

وقوله سبحانه ويوم نحشرهم الآية وعيد بالحشر وخزيهم فيه وتعارفهم على جهة التلاوم والخزي من بعضهم لبعض حيث لا بنفع ذلك

وقوله سبحانه قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه إلى آخرها حكم من اللّه عز و جل على المكذبين بالخسران وفي اللفظ إغلاظ

وقيل أن هذا الكلام من كلام المحشورين على جهة التوبيخ لأنفسهم ت والأول أبين

وقوله وأما نرينك الآية أما شرط وجوابه فإلينا والرؤية في نرينك بصرية ومعنى هذه الآية الوعيد بالرجوع إلى اللّه تعالى أي إن أريناك عقوبتهم  لم نركها فهم عل كل حال راجعون إلينا إلى الحساب والعذاب ثم مع ذلك فاللّه شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم فثم لترتيب الإخبار لا لترتيب القصص في أنفسها وأما هي إن زيدت عليها ما ولأجلها جاز دخول النون الثقيلة ولو كانت إن وحدها لم يجز ص واعترض بأن مذهب سيبويه جواز دخولها وإن لم تكن ما انتهى

٤٧

وقوله سبحانه ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط قال مجاهد وغيره المعنى فإذا جاء رسولهم يوم القيامة للشهادة عليهم صير قوم للجنة وقوم للنار فذلك القضاء بينهم بالقسط

٤٨

وقوله سبحانه ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء اللّه لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون الآية الضمير

في يقولون لكفار قريش وسؤالهم عن الوعد تحرير منهم بزعمهم للحجة أي هذا العذاب الذي توعدنا به حدد لنا وقته لنعلم الصدق في ذلك من الكذب ثم أمر اللّه تعالى نبيه أن يقول على جهة الرد عليهم قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء اللّه ولكن لكل أمة أجل انفرد اللّه بعلم حده ووقه وباقي الآية بين

وقوله ماذا يستعجل منه المجرمون أي فما تستعجلون منه وأنتم لا قبل لكم به والضمير في منه يحتمل أن يعود على اللّه عز و جل يحتمل أن يعود على العذاب

٥١

وقوله أثم إذا ما وقع ءامنتم به المعنى إذا وقع العذاب وعاينتموه آمنتم حينئذ وذلك غير نافعكم بل جوابكم الآن وقد كنتم تستعجلونه مكذبين به ويستنبئونك معناه يستخبرونك وهي على هذا تتعدى إلى مفعولين أحدهما الكاف والآخر الجملة

وقيل هي بمعنى يستعملونك فعلى هذا تحتاج إلى ثلاثة مفاعيل ص ورد بأن الاستنباء لا يحفظ تعديه إلى ثلاثة ولا استعلم الذي هو بمعناه انتهى وأحق هو قيل الإشارة إلى الشرع والقرآن

وقيل إلى الوعيد وهو أظهر

وقوله أي وربي أي بمعنى نعم وهي لفظة تتقدم القسم ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء تقول أي وربي وأي ربي ومعجزين معناه مفلتين

٥٤

وقوله سبحانه ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة الآية وأسروا لفظة تجيء بمعنى أخفوا وهي حينئذ من السر وتجيء بمعنى أظهروا وهي حينئذ من أسارير الوجه ص قال أبو البقاء وهو مستأنف وهو حكاية ما يكون في الآخرة

٥٥

وقوله تعالى ألا إن للّه ما في السموات والأرض الآية ألا استفتاح وتنبيه وباقي الآية بين

٥٧

وقوله سبحانه يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم الآية هذه آية خوطب بها جميع العالم والموعظة القرآن لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف ويزجر ويرقق القلوب وبعد ويوعد وهذه صفة الكتاب

العزيز

وقوله من ربكم يريد لم يختلقها محمد ولا غيره وما في الصدور يريد به الجهل ونحوه وجعله موعظة بحسب الناس أجمع وجعله هدى ورحمة بحسب المؤمنين فقط وهذا تفسير صحيح المعنى إذا تأمل بأن وجهه

٥٨

وقوله سبحانه قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا قال ابن عباس وغيره الفضل الإسلام والرحمة القرآن وقال أبو سعيد الخدري الفضل القرآن والرحمة أن جعلهم من أهله وقال زيد بن أسلم والضحاك الفضل القرآن والرحمة الإسلام قال ع ولا وجه عندي لشيء من هذا التخصيص إلا أن يستند شيء منه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وإنما الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه أن الفضل هو هداية اللّه تعالى إلى دينه والتوفيق إلى اتباع شرعه والرحمة هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على التشرع بالإسلام والإيمان به ومعنى الآية قل يا محمد لجميع الناس بفضل اللّه ورحمته فليقع الفرح منكم لا بأمور الدنيا وما يجمع من حطامها فإن قيل كيف أمر اللّه بالفرح في هذه الآية وقد ورد ذمه في قوله فرح فخور وفي قوله لا تفرح إن اللّه لا يحب الفرحين قيل أن الفرح إذا ورد مقيدا في خير فليس بمذموم وكذلك هو في هذه الآية وإذا ورد مقيدا في شر  مطلقا لحقه ذم إذ ليس من أفعال الآخرة بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنه على دينه وخوفه لربه

وقوله مما يجمعون يريد مال الدنيا وحطامها الفاني المردى في الآخرة

٥٩

وقوله سبحانه قل ارأيتم ما انزل اللّه لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا الآية قال ص ارأيتم مضمن معنى اخبروني وما موصولة قال ع هذه المخاطبة لكفار العرب الذين جعلوا البحائر والسوائب وغير ذلك

وقوله أنزل لفظة فيها تجوز

٦٠

وقوله وما ظن الذين يفترون على اللّه الكذب يوم القيامة آية وعيد لما تحقق عليهم بتقسيم الآية التي قبلها أنهم مفترون على

اللّه عظم في هذه الآية جرم الافتراء أي ظنهم في غاية الرداءة بحسب سوء أفعالهم ثم ثنى بذكر الفضل على الناس في الإمهال لهم مع الافتراء والعصيان إذ الإمهال لهم داعية إلى التوبة والإنابة ثم الآية تعم جميع فضل اللّه سبحانه وجميع تقصير الخلق

٦١

وقوله سبحانه وما تكون في شأن الآية مقصد هذه الآية وصف إحاطة اللّه عز و جل بكل شيء لا رب غيره ومعنى اللفظ وما تكون يا محمد والمراد هو وغيره في شأن من جميع الشؤون وما تتلوا منه الضمير عائد على شأن أي فيه وبسببه من قرآن ويحتمل أن يعود الضمير على جميع القرآن وقال ص ضمير منه عائد على شأن ومن قرآن تفسير للضمير انتهى وهو حسن ثم عم سبحانه بقوله ولا تعملون من عمل وفي

قوله سبحانه ألا كنا عليكم شهودا تحذير وتنبيه ت وهذه الآية عظيمة الموقع لأهل المراقبة تثير من قلوبهم أسرارا ويغترفون من بحر فيضها أنوارا وتفيضون معناه تأخذون وتنهضون بجد وما يعزب معناه وما يغيب عن ربك من مثال ذرة والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ ويحتمل ما كتبته الحفظة

٦٢

وقوله سبحانه ألا إن أولياء اللّه الآية ألا استفتاح وتنبيه وأولياء اللّه هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة وهذه الآية يعطى ظاهرها أن من آمن واتقى اللّه فهو داخل في أولياء اللّه وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل من أولياء اللّه فقال الذين إذا رأيتهم ذكرت اللّه قال ع وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون

وروي عنه صلى اللّه عليه و سلم أيضا أنه قال أولياء اللّه قوم تحابوا في اللّه واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه

وروي الدارقطني في سننه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال خيار عباد اللّه الذين إذ ارءوا ذكر اللّه وشر عباد اللّه المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون

للبرءاء العيب انتهى من الكوكب الدري

وقوله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يعني في الآخرة ويحتمل في الدنيا لا يخافون أحدا من أهل الدنيا ولا من اعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي وذكر الطبري عن جماع من العلماء مثل ما في الحديث في الأولياء أنهم هم الذين إذا رءاهم أحد ذكر اللّه

وروي فيهم حديث أن أولياء اللّه هم قوم يتحابون في اللّه ويجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم فهم في عرصات القيامة لا يخافون ولا يحزنون

وروى عمر بن الخطاب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال أن من عباد اللّه عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من اللّه قالوا ومن هم يا رسول اللّه قال قوم تحابوا بروح اللّه على غير أرحام ولا أموال الحديث ثم قرأ ألا أن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ت وقد خرج هذا الحديث أبو داود والنسائي قال أبو داود في هذا الحديث فواللّه أن وجوههم لنور وأنهم لعلى نور ذكره بإسناد آخر انتهى ورواه أيضا ابن المبارك في رقائقه بسنده عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن للّه عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيئون والشهداء على مجالسهم وقربهم من اللّه عز و جل فقال أعرابي أنعتهم لنا يا بني اللّه فقال هم ناس من أبناء الناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في اللّه وتصافوا فيه يضع اللّه لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا يفزع الناس يوم القيامة وهم لا يفزعون وهم أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون انتهى

٦٤

وقوله تعالى لهم البشرى الآية أما بشرى الآخرة فهي بالجنة بلا خلاف قولا واحدا وذلك هو الفضل الكبير وأما بشرى الدنيا

فتظاهرت الأحاديث من طرق عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن  ترى له وقال قتادة والضحاك البشرى في الدنيا هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة ويصح أن تكون بشرى الدنيا ما في القرآن من الآيات المبشرات ويقوي ذلك بقوله لا تبديل لكلمات اللّه ويؤول قوله صلى اللّه عليه و سلم هي الرؤيا أنه أعطى مثالا يعم جميع الناس

وقوله سبحانه لا تبديل لكلمات اللّه يريد لا خلف لمواعيده ولا رد في أمره وقد أخذ ذلك ابن عمر على نحو غير هذا وجعل التبديل المنفي في الألفاظ وذلك انه روي أن الحجاج خطب فقال ألا أن عبد اللّه بن الزبير قد بدل كتاب اللّه فقال له عبد اللّه بن عمر إنك لا تطيق ذلك أنت ولا ابن الزبير لا تبديل لكلمات اللّه وقد روي هذا النظر عن ابن عباس في غير مقاولة الحجاج ذكره البخاري

٦٥

وقوله تعالى ولا يحزنك قولهم أي قول قريش فهذه الآية تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم ولفظه القول تعم جحودهم واستهزاءهم وخداعهم وغير ذلك ثم ابتدأ تعالى فقال إن العزة للّه جميعا أي لا يقدرون لك على شيء ولا يؤذونك إلا بما شاء اللّه ففي الآية وعيد لهم ثم استفتح بقوله ألا أن للّه من في السموات ومن في الأرض أي بالملك والإحاطة

وقوله تعالى وما يتبع يصح أن تكون ما استفهاما ويصح أن تكون نافية ورجح هذا الثاني

وقوله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون إن نافية ويخرصون معناه يحرصون ويخمنون

٦٧

وقوله

عز و جل هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه الآية في هذه الألفاظ إيجاز وإحالة على ذهن السامع لأن العبرة في أن الليل مظلم يسكن فيه والنهار مبصر يتصرف فيه فذكر طرفا من هذا وطرفا من الجهة الثانية ودل المذكوران على المتروكين

وقوله يسمعون يريد يوعون والضمير في قالوا لكفار العرب ثم الآية بعد تعم كل من قال نحو هذا القول كالنصارى

وسبحانه معناه تنزيها له وبراءة من ذلك فسره بهذا النبي صلى اللّه عليه وسلم

وقوله إن عندكم من سلطان بهذا إن نافية والسلطان الحجة وكذلك معناه حيث تكرر في القرآن ثم وبخهم تعالى بقوله أتقولون على اللّه ما لا تعلمون

وقوله سبحانه إن الذين يفترون الآية توعد لهم بأنهم لا يظفرون ببغية ولا يبقون في نعمة إذ هذه حال من يصير إلى العذاب وأن نعم في دنياه يسيرا

٧٠

وقوله تعالى متاع مرفوع على خبر ابتداء أي ذلك متاع قال ص متاع جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف لا يفلحون وهم في الدنيا مفلحون بأنواع التلذذات فقيل ذلك متاع فهو خبر مبتدأ محذوف انتهى وهذا الذي قدره ص يفهم من كلام ع وقول نوح عليه السلام يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي الآية المقام وقوف الرجل لكلام  خطبة  نحوه والمقام بضم الميم إقامته ساكنا في موضع  بلد ولم يقرأ هنا بضم الميم فيما علمت وتذكيره وعظه وزجره

وقوله فأجمعوا من أجمع الرجل على الشيء إذا عزم عليه ومنه الحديث ما لم يجمع مكثا وأمركم يريد به قدرتكم وحيالكم ونصب الشركاء بفعل مضمر كأنه قال وادعوا شركاءكم فهو من باب ... علفتها تبنا وماء باردا ... حتى شتت همالة عيناها ...

وفي مصحف أبي فاجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم قال الفارسي وقد ينتصب الشركاء بواو مع كما قالوا جاء البرد والطيالسة

وقوله ثم لا يكن أمركم عليكم غمة أي ملتبسا مشكلا ومنه قوله عليه السلام في الهلال فإن غم عليكم

وقوله ثم اقضوا إلى ولا تنظرون أي أنفذوا قضاءكم نحوي ولا تؤخروني والنظرة التأخير

٧٣

وقوله سبحانه فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف مضى شرح هذه المعاني

وقوله سبحانه فأنظر كيف كان عاقبة المنذرين مخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم يشاركه في معناها جميع الخلق

وقوله

سبحانه ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم الضمير في من بعده عائد على نوح عليه السلام

وقوله تعالى فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون إلى فرعون وملائه باياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين معنى هذه الآية ضرب المثل لحاضري نبينا محمد عليه السلام ليعتبروا بمن سلف والبينات المعجزات والضمائر في ما كانوا ليؤمنوا وفي كذبوا تعود الثلاثة على قوم الرسل

وقيل الضمير في كذبوا يعود على قوم نوح وقد تقدم تفسير نظيرها في الأعراف

وقوله سبحانه فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين الآية يريد بالحق آيتي العصا واليد

وقوله أسحر هذا قالت فرقة هو حكاية عن موسى عنهم ثم أخبرهم موسى عن اللّه أن الساحرين لا يفلحون ثم اختلفوا في معنى قول قوم فرعون فقال بعضهم قالها منهم كل مستفهم جاهل بالأمر فهو يسأل عنه وهذا ضعيف وقال بعضهم بل قالوا ذلك على معنى التعظيم للسحر الذي رأوه

وقالت فرقة ليس ذلك حكاية عن موسى عنهم وإنما هو من كلام موسى وتقدير الكلام أتقولون للحق لما جآكم سحر ثم ابتدأ يوقفهم بقوله أسحر هذا على جهة التوبيخ

وقوله لتلفتنا أي لتصرفنا وتلوينا وتردنا عن دين آبائنا يقال لفت الرجل عنق الآخر إذا ألواه ومنه قولهم التفت فإنه افتعل من لفت عنقه إذا ألواه والكبرياء مصدر من الكبر والمراد به في هذا الموضع الملك قاله أكثر المتأولين لأنه أعظم تكبر الدنيا وقرأ أبو عمر وحده به السحر بهمزة استفهام ممدودة وفي قراءة أبي ما أتيتم به سحر والتعريف هنا في السحر ارتب لأنه تقدم منكرا في قولهم إن هذا لسحر فجاء هنا بلام العهد قال ص قال الفراء إنما قال السحر بال لأن النكرة إذا أعيدت أعيدت بأل وتبعه ابن عطية ورد بأن شرط ما ذكراه اتحاد

مدلول النكرة المعادة كقوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول وهنا السحر المنكر هو ما أتى به موسى والمعروف ما أتوا به هم فاختلف مدلولهما والاستفهام هنا على سبيل التحقير انتهى وهو حسن

وقوله إن اللّه سيبطله إيجاب عن عدة من اللّه تعالى

وقوله إن اللّه لا يصلح عمل المفسدين يحتمل أن يكون ابتداء خبر من اللّه عز و جل ويحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السلام وكذلك قوله ويحق اللّه الحق الآية محتمل للوجهين وكون ذلك كله من كلام موسى أقرب وهو الذي ذكر الطبري وأما

قوله بكلماته فمعناه بكلماته السابقة الأزلية في الوعد بذلك

وقوله عز و جل فما ءامن لموسى الاذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم اختلف المتأولون في عود الضمير الذي في قومه فقالت فرقة هو عائد على موسى وذلك في أول مبعثه وملا الذرية هم أشراف بني إسرائيل قال ص وهذا هو الظاهر

وقالت فرقة الضمير في قومه عائد على فرعون وضمير ملائهم عائد على الذرية قال ع ومما يضعف عود الضمير على موسى أن المعروف من أخبار بني إسرائيل أنهم كانوا قوما تقدمت فيهم النبوات ولم يحفظ قط أن طائفة من بني إسرائيل كفرت به فدل على أن الذرية من قوم فرعون

٨٤

وقوله سبحانه وقال موسى يا قوم إن كنتم ءامنتم باللّه فعليه توكلوا الآية هذا ابتداء حكاية قول موسى لجماعة بني إسرائيل مونسا لهم ونادبا إلى التوكل على اللّه عز و جل الذي بيده النصر قال المحاسبي قلت لأبي جعفر محمد بن موسى أن اللّه عز و جل يقول وعلى اللّه فتوكلوا إن كنتم مؤمنين فما السبيل إلى هذا التوكل الذي ندب اللّه إليه وكيف دخول الناس فيه قال إن الناس متفاوتون في التوكل وتوكلهم على قدر إيمانهم وقوة علومهم قلت فما معنى إيمانهم

قال تصديقهم بمواعيد اللّه عز و جل وثقتهم بضمان اللّه تبارك وتعالى قلت من أين فضلت الخاصة منهم على العامة والتوكل في عقد الإيمان مع كل من آمن باللّه عز و جل قال إن الذي فضلت به الخاصة على العامة دوام سكون القلب عن الاضطراب والهدو عن الحركة فعندها يا فتى استراحوا من عذاب الحرص وفكوا من أسر الطمع واعتقوا من عبودية الدنيا وأبنائها وحظوا بالروح في الدارين جميعا فطوبى لهم وحسن مآب قلت فما الذي يولد هذا قال حالتان دوام لزوم المعرفة والاعتماد على اللّه عز و جل وترك الحيل والثانية الممارسة حتى يألفها ألفا ويختارها اختيارا قيصير التوكل والهدو والسكون والرضى والصبر له شعارا ودثارا انتهى من كتاب القصد إلى اللّه سبحانه

وقولهم ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين المعنى لا تنزل بنا بلاء بأيديهم  بغير ذلك مدة محارتنا لهم فيفتنون لذلك ويعتقدون صلاح دينهم وفساد ديننا قاله مجاهد وغيره فهذا الدعاء على هذا التأويل يتضمن دفع فصلين أحدهما القتل والبلاء الذي توقعه المؤمنون والآخر ظهور الشرك باعتقاد أهله أنهم أهل الحق ونحو هذا قوله صلى اللّه عليه و سلم بيس الميت أبو إمامه ليهود والمشركين يقولون لو كان نبيا لم يمت صاحبه ورجح ع في سورة الممتحنة قول ابن عباس أن معنى لا تجعلنا فتنة للذين كفروا لا تسلطهم علينا فيفتنونا أنظره هناك

٨٧

وقوله سبحانه وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا روي أن فرعون أخاف بني إسرائيل وهدم لهم مواضع كانوا اتخذوها للصلاة ونحو هذا فأوحى اللّه إلى موسى وهارون أن تبوءا أي اتخذا وتخيرا لنبي إسرائيل بمصر بيوتا قال مجاهد مصر في هذه الآية الإسكندرية ومصر ما بين أسوان والإسكندرية

وقوله سبحانه واجعلوا بيوتكم قبلة قيل معناه مساجد قاله ابن عباس وجماعة قالوا خافوا فأمروا بالصلاة في بيوتهم

وقيل معناه موجهة

إلى القبلة قاله ابن عباس ومن هذا حديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال خير بيوتكم ما استقبل به القبلة

وقوله وأقيموا الصلوة خطاب لنبي إسرائيل وهذا قبل نزول التوراة لأنها لم تنزل إلا بعد إجازة البحر

وقوله وبشر المؤمنين أمر لموسى عليه السلام وقال الطبري ومكي هو أمر لنبينا محمد عليه السلام وهذا غير متمكن

٨٨

وقوله سبحانه وقال موسى ربنا إنك ءاتيت فرعون وملاه زينة الآية هذا غضب من موسى على القبط ودعاء عليهم لما عتوا وعاندوا وقدم للدعاء تقرير نعم اللّه عليهم وكفرهم بها وآتيت معناه أعطيت واللام في ليضلوا لام كي ويحتمل أن تكون لام الصيرورة والعاقبة المعنى آتيتهم ذلك فصار أمرهم إلى كذا وقرأ حمزة وغيره ليضلوا بضم الياء على معنى ليضلوا غيرهم

وقوله ربنا أطمس على أموالهم هو من طموس الأثر والعين وطمس الوجوه منه وتكرير قوله ربنا استغاثة كما يقول الداعي يا اللّه يا اللّه روي أنهم حين دعا موسى بهذه الدعوة رجع سكرهم حجارة ودراهمهم ودنانيرهم وحبوب اطعمتهم رجعت حجارة قاله قتادة وغيره وقال مجاهد وغيره معناه أهلكها ودمرها

وقوله وأشدد على قلوبهم بمعنى أطبع وأختم عليهم بالكفر قاله مجاهد والضحاك

وقوله فلا يؤمنوا مذهب الأخفش وغيره أن الفعل منصوب عطفا على قوله ليضلوا

وقيل منصوب في جواب الأمر وقال الفراء والكسائي هو مجزوم على الدعاء وجعل رؤية العذاب نهاية وغاية وذلك لعلمه من اللّه أن المؤمن عند رؤية العذاب لا ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ولا يخرجه من كفره ثم أجاب اللّه دعوتهما قال ابن عباس العذاب هنا الغرق

وروي أن هارون كان يؤمن على دعاء موسى فلذلك نسب الدعوة إليهما قاله محمد ابن كعب القرظي قال البخاري وعدوا من العدوان انتهى وقول فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل الآية روي عن النبي

صلى اللّه عليه و سلم أن جبريل عليه السلام قال ما أبغضت أحد قط بغضي لفرعون ولقد سمعته يقول آمنت الآية فأخذت من حال البحر فملأت فمه مخافة أن تلحقه رحمة اللّه وفي بعض الطرق مخافة أن يقول لا إله إلا اللّه فتلحقه الرحمة قال ع فأنظر إلى كلام فرعون ففيه مجهلة وتلعثم ولا عذر لأحد في جهل هذا وإنما العذر فيما لا سبيل إلى علمه كقول علي رضي اللّه عنه أهللت باهلال كاهلال النبي صلى اللّه عليه وسلم والحال الطين والآثار بهذا كثيرة مختلفة الألفاظ والمعنى واحد

٩١

وقوله سبحانه ءالآن وقد عصيت قبل وهذا على جهة التوبيخ له والإعلان بالنقمة منه وهذا الكلام يحتمل أن يكون من ملك موصل عن اللّه  كيف شاء اللّه ويحتمل أن يكون هذا الكلام معنى حاله وصورة خزيه وهذه الآية نص في رد توبة المعاين

٩٢

وقوله سبحانه فاليوم ننجيك ببدنك الآية يقوي أنه صورة حالة لان هذه الألفاظ إنما يظهر أنها قيلت بعد غرقه وسبب هذه المقالة على ما روي أن بني إسرائيل بعد عندهم غرق فرعون وهلاكه لعظمه في نفوسهم وكذب بعضهم أن يكون فرعون يموت فنجي على نجوة من الأرض حتى رآه جميعهم ميتا كأنه ثور أحمر وتحققوا فرقه والجمهور على تشديد ننجيك فقالت فرقة معناه من النجاة أي من غمرات البحر والماء وقال جماعة معناه نلقيك على نجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها وقرأ يعقوب بسكون النون وتخفيف الجيم

وقوله ببدنك قالت فرقة معناه بشخصك

وقالت فرقة معناه بدرعك وقرأ الجمهور خلفك أي من أتى بعدك وقرىء شاذا لمن خلفك بفتح اللام المعنى ليجعلك اللّه آية له في عباده وباقي الآية بين

٩٣

وقوله سبحانه ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم المعنى ولقد اخترنا لبني إسرائيل أحسن اختيار وأحللناهم من الأماكن أحسن

محل ومبوأ صدق أي يصدق فيه ظن قاصده وساكنه ويعني بهذه الآية احلالهم بلاد الشام وبيت المقدس قاله قتادة وابن زيد

وقيل بلاد الشام ومصر والأول أصح

وقوله سبحانه فما اختلفوا أي في نبوءة نبينا محمد عليه السلام وهذا التخصيص هو الذي وقع في كتب المتأولين كلهم وهو تأويل يحتاج إلى سند والتأويل الثاني الذي يحتمله اللفظ أن بني إسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسى في أول حاله فلما جاءهم العلم والأوامر وغرق فرعون اختلفوا فالآية ذامة لهم ت فر رحمه اللّه من التخصيص فوقع فيه فلو عمم اختلافهم على أنبيائهم موسى وغيره وعلى نبينا لكان أحسن وما ذهب إليه المتأولون من التخصيص أحسن لقرينة قوله فإن كنت في شك فالربط بين الآيتين واضح واللّه أعلم

٩٤

وقوله عز و جل فإن كنت في شك الآية الصواب في معنى الآية أنه مخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك  يعارض ت

وروينا عن أبي داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال المراء في القرآن كفر قال عياض في الشفا تأول بمعنى الشك وبمعنى الجدال انتهى والذين يقرءون الكتاب من قبلك من اسلم من أهل الكتاب كابن سلام وغيره

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لما نزلت هذه الآية أنا لا أشك ولا اسأل ثم جزم سبحانه الخبر بقوله لقد جاءك الحق من ربك واللام في لقد لام قسم

وقوله مما أنزلنا إليك يريد به من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في أمره إلا من بعد مجيئه عليه السلام هذا قول أهل التأويل قاطبة قال ع وهذا هو الذي يشبه أن ترجى إزالة الشك فيه من قبل أهل الكتاب ويحتمل اللفظ أن يريد بما أنزلنا جميع

الشرع ت وهذا التأويل عندي أبين إذا لخص وإن كان قد استبعده ع ويكون المراد بما أنزلنا ما ذكره سبحانه من قصصهم وذكر صفته عليه السلام وذكر أنبيائهم وصفتهم وسيرهم وسائر أخبارهم الموافقة لما في كتبهم المنزلة على أنبيائهم كالتوراة والإنجيل والزبور والصحف وتكون هذه الآية تنظر إلى

قوله سبحانه ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه فتأمله واللّه أعلم وأما قوله هذا قول أهل التأويل قاطبة فليس كذلك وقد تكلم صاحب الشفا على الآية فأحسن ولفظه

واختلف في معنى الآية فقيل المراد قل يا محمد للشاك إن كنت في شك الآية قالوا وفي السورة نفسها ما دل على هذا التأويل وهو

قوله تعالى قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني الآية ثم قال عياض

وقيل أن هذا الشك الذي أمر غير النبي صلى اللّه عليه وسلم بسؤال الذين يقرءون الكتاب عنه إنما هو في ما قصه اللّه تعالى من أخبار الأمم لا فيما دعا إليه من التوحيد والشريعة انتهى

٩٥

وقوله سبحانه فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بايات اللّه الآية مما خوطب به النبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد سواه قال ع ولهذا فائدة ليست في مخاطبة الناس به وذلك شدة التخويف لأنه إذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحذر من مثل هذا فغيره من الناس أولى أن يحذر ويتقي على نفسه

٩٦

وقوله سبحانه إن الذين حقت عليهم كلمات ربك أي حق عليهم في الأزل وخلقهم لعذابه لا يومنون ولو جاءتهم كل آية إلا في الوقت الذي لا ينفعهم فيه الإيمان كما صنع فرعون وأشباهه وذلك وقت المعاينة

٩٧

وقوله سبحانه فلولا كانت قرية ءامت الآية وفي مصحف أبي وابن مسعود فهلا والمعنى فيهما واحد وأصل لولا التحضيض  الدلالة على منع أمر لوجود غيره ومعنى الآية فهلا آمن أهل القرية وهم

على مهل لم يتلبس العذاب بهم فيكون الإيمان نافعا لهم في هذا الحال ثم استثنى قوم يونس فهو بحسب اللفظ استثناء منقطع وهو بحسب اللفظ استثناء منقطع وهو بحسب المعنى متصل لأن تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس

وروي في قصة قوم يونس أن القوم لما كفروا أي تمادوا على كفرهم أوحى اللّه تعالى إليه أن أنذرهم بالعذاب لثالثة ففعل فقالوا هو رجل لا يكذب فارقبوه فإن أقام بين أظهركم فلا عليكم وإن أرتحل عنكم فهو نول العذاب لا شك فيه فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا اللّه وآمنوا ولبسوا المسوح وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم وكان العذاب فيما روي عن ابن عباس على ثلثي ميل منهم

وروي على ميل وقال ابن جبير غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر فرفع اللّه عنهم العذاب فلما مضت الثالثة وعلم يونس أن العذاب لم ينزل بهم قال كيف أنصرف وقد وجدوني في كذب فذهب مغاضبا كما ذكر اللّه سبحانه في غير هذه الآية وذهب الطبري إلى أن قوم يونس خصوا من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين وليس كذلك والمعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي تلبس العذاب  الموت بشخص الإنسان كقصة فرعون وأما قوم يونس فلم يصلوا هذا الحد ت وما قاله الطبري عندي أبين ومتعناهم إلى حين يريد إلى آجالهم المقدرة في الأزل

وروي أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل

وقوله سبحانه أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين المعنى أفأنت تكره الناس بإدخال الإيمان في قلوبهم واللّه عز و جل قد شاء غير ذلك والرجس هنا بمعنى العذاب

١٠١

وقوله سبحانه قل انظروا ماذا في السموات والأرض الآية هذه الآية أمر للكفار بالاعتبار والنظر في المصنوعات الدالة على الصانع من آيات السموات وأفلاكها وكواكبها وسحابها ونحو ذلك والأرض ونباتها ومعادنها

وغير ذلك المعنى انظروا في ذلك بالواجب فهو ينهيكم إلى المعرفة باللّه وبوحدانيته ثم أخبر سبحانه أن الآيات والنذر وهم الأنبياء لا تغنى إلا بمشيئته فما على هذا نافية ويجوز أن تكون استفهاما في ضمنه نفي وقوع الغنى وفي الآية على هذا توبيخ لحاضري النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ص والنذر جمع نذير أما مصدر بمعنى الإنذارات وإما بمعنى منذر انتهى

١٠٢

وقوله سبحانه فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم الآية وعيد إذا لجوا في الكفر حل بهم العذاب

١٠٣

وقوله سبحانه ثم ننجي رسلنا والذين ءامنوا أي عادة اللّه سلفت بانجاء رسله ومتبعيهم عند نزول العذاب بالكفرة كذلك حقا علينا ننج المؤمنين قال ص أي مثل ذلك الانجاء الذي نجينا الرسل ومؤمنيهم ننجي من آمن بك انتهى وخط المصحف في هذه اللفظة ننج بجيم مطلقة دون ياء وكلهم قرأ ننجي مشددة الجيم إلا الكسائي وحفصا عن عاصم فإنهما قرءا بسكون النون وتخفيف الجيم

١٠٤

وقوله سبحانه قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني الآية مخاطبة عامة للناس أجمعين إلى يوم القيامة

١٠٥

وقوله وإن أقم وجهك للدين الآية الوجه في هذه الآية بمعنى المنحي والمقصد أي أجعل طريقك واعتمالك للدين والشرع

وقوله تعالى ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرك الآية قد تقدم أن ما كان من هذا النوع فالخطاب فيه للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد غيره

١٠٧

وقوله سبحانه وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو الآية مقصود هذه الآية أن الحول والقوة للّه والضر لفظ جامع لكل ما يكرهه الإنسان

وقوله وإن يردك بخير لفظ تام العموم

١٠٨

وقوله سبحانه قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه هذه مخاطبة لجميع الكفار ومستمرة مدى الدهر والحق هو القرآن والشرع الذي جاء به النبي صلى اللّه عليه وسلم

وقوله وما أنا عليكم بوكل منسوخة بالقتال

١٠٩

وقوله سبحانه واتبع ما يوحى إليك وأصبر حتى يحكم اللّه وهو خير الحاكمين قوله حتى يحكم اللّه وعد للنبي صلى اللّه عليه وسلم بأن يغلبهم كما وقع وهذا الصبر منسوخ أيضا بالقتال وصلى اللّه على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

﴿ ٠