سورة هودبسم اللّه الرحمن الرحيم تفسير سورة هود عليه السلام مكية إلا نحو ثلاث آيات قال الداودي وعن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قلت يا رسول اللّه لقد أسرع إليك الشيب قال شيبتي هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وفي رواية عن ابن عباس هود وأخواتها انتهى ١قوله عز و جل الم كتاب أحكم آياته أي أتقنت وأجيدت وبهذه الصفة كان القرآن في الأزل ثم فصل بتقطيعه وتبيين أحكامه وأوامره على محمد نبيه عليه السلام في أزمنة مختلفة فثم على بابها فالأحكام صفة ذاتية والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له والكتاب بأجمعه محكم ومفصل والأحكام الذي هو ضد النسخ والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك قال ص ثم فصلت ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقوع في الزمان ولدن بمعنى عند انتهى قال الداودي وعن الحسن أحكمت آياته قال أحكمت بالأمر والنهي ثم فصلت بالوعد والوعيد وعنه فصلت بالثواب والعقاب انتهى وقدم النذير لأن التحذير من النار هو الأهم وإن استغفروا ربكم أي اطلبوا مغفرته وذلك بطلب دخولكم في الإسلام ثم توبوا من الكفر يمتعكم متاعا حسنا ووصف المتاع بالحسن لطيب عيش المؤمن برجائه في ثواب ربه وفرحه بالتقرب إليه بأداء مفترضاته والسرور بمواعيده سبحانه والكافر ليس في شيء من هذا ويؤت كل ذي فضل أي كل ذي إحسان فضله فيحتمل أن يعود الضمير من فضله على ذي فضل أي ثواب فضله ويحتمل أن يعود على اللّه عز و جل أي يؤتي اللّه فضله كل ذي فضل وعمل صالح من المؤمنين ونحو هذا المعنى ما وعد به سبحانه من تضعيف الحسنات وإن تولوا فإني أخاف عليكم أي فقل إني أخاف عليكم عذاب يوم كبير وهو القيامة ٥وقوله سبحانه الا أنهم يثنون صدورهم الآية قيل إن هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم النبي صلى اللّه عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمتستر وردوا إليه ظهورهم وغشوا وجوههم بثيابهم تباعدا منهم وكراهية للقائه وهم يظنون أن ذلك يخفى عليه عن اللّه عز و جل وقيل هي استعارة للغل والحقد الذي كانوا ينطوون عليه فمعنى الآية ألا انهم يسرون العداوة ويتكتمون بها لتخفى في ظنهم عن اللّه وهو سبحانه حين تغشيهم بثيابهم وإبلاغهم في التستر يعلم ما يسرون ويستغشون معناه يجعلونها أغشية وأغطية قال ص قرأ الجمهور يثنون بفتح الياء مضارع ثنى الشيء ثنيا طواه انتهى وقرأ ابن عباس وجماعة تثنونى صدورهم بالرفع على وزن تفعوعل وهي تحتمل المعنيين المتقدمين وحكى الطبري عن ابن عباس على هذه القراءة أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا لا يأتون النساء والحدث ألا ويستغشون ثيابهم كراهية أن يفضوا بفروجهم إلى السماء ٦وقوله عز و جل وما من دابة في الأرض إلى على اللّه رزقها الآية المراد جميع الحيوان المحتاج إلى رزق والمستقر صلب الأب والمستودع بطن الأم وقيل غير هذا وقد تقدم وقوله في كتاب إشارة إلى اللوح المحفوظ قال ص ليبلوكم اللام متعلقة بخلق وقيل بفعل محذوف أي أعلم بذلك ليبلوكم انتهى ولئن قلت اللام في لئن مؤذنة بأن اللام في ليقولن لام قسم لا جواب شرط وقولهم إن هذا إلا سحر مبين تناقض منهم لأنهم مقرون بأن اللّه خلق السماوات والأرض وهم مع ذلك ينكرون ما هو أيسر من ذلك وهو البعث من القبور وإذ خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولئن أخرنا عنهم العذاب أي المتوعد به إلى أمة معدودة أي مدة معدودة ليقولن ما يحبسه أي ما هذا الحابس لهذا العذاب على جهة التكذيب وحاق معناه حل وأحاط البخاري حاق نزل ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة الآية الرحمة هنا تعم جميع ما ينتفع به من مطعوم وملبوس وجاه وغير ذلك والإنسان هنا اسم جنس والمعنى أن هذا الخلق في سجية الإنسان ثم استثنى منهم الذين ردتهم الشرائع والإيمان إلى الصبر والعمل الصالح وكفور هنا من كفر النعمة والنعماء تشمل الصحة والمال والضراء من الضر وهو أيضا شامل ولفظة ذهاب السيئات عني يقتضي بطرا وجهلا إن ذلك بأنعام من اللّه تعالى والسيئات هنا كل ما يسوء في الدنيا والفرح هنا مطلق فلذلك ذم إذ الفرح انهمال النفس ولا يأتي الفرح في القرآن ممدوحا إلا إذا قيد بأنه في خير ١١وقوله إلا الذين صبروا استثناء متصل على ما قدمنا من أن الإنسان عام يراد به الجنس وهو الصواب ومن قال أنه مخصوص بالكافر قال هاهنا الاستثناء منقطع وهو قول ضعيف من جهة المعنى لا من جهة اللفظ لأن صفة الكفر لا تطلق على جميع الناس كما تقتضي لفظة الإنسان واستثنى اللّه تعالى من الماشين على سجية الإنسان هؤلاء الذين حملتهم الأديان على الصبر على المكاره والمثابرة على سجية الإنسان هؤلاء الذين حملتهم الأديان على الصبر على المكاره والمثابرة على عبادة اللّه وليس شيء من ذلك في سجية البشر وإنما حمل على ذلك خوف اللّه وحب الدار الآخرة والصبر على العمل الصالح لا ينفع إلا مع هداية وإيمان ثم وعد تعالى أهل هذه الصفة بالمغفرة للذنوب والتفضل بالأجر والنعيم ١٢وقوله سبحانه فلعللك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك إن يقولوا لولا أنزل عليه كنز سبب هذه الآية أن كفار قريش قالوا يا محمد لو تركت سب آلهتنا وتسفيه آبائنا لجالسناك واتبعناك وقالوا له ايت بقرآن غير هذا بدله ونحو هذا من الأقوال فخاطب اللّه تعالى نبيه عليه السلام على هذه الصورة من المخاطبة ووقفه بها توقيفا رادا على أقوالهم ومبطلا لها وليس المعنى أنه عليه السلام هم بشيء من ذلك فزجر عنه فإنه لم يرد قط ترك شيء مما أوحي إليه ولا ضاق صدره به وإنما كان يضيق صدره بأقوالهم وأفعالهم وبعدهم عن الإيمان قال ص وع وعبر بضائق وإن كان أقل استعمالا من ضيق لمناسبة تارك ولأن ضائق وصف عارض بخلاف ضيق فإنه يدل على الثبوت والصالح هنا الأول بالنسبة إليه صلى اللّه عليه و سلم والضمير في به عائد على البعض ويحتمل أن يعود عل ما وإن يقولوا أي كراهة أن يقولوا ليلا يقولوا ثم آنسه تعالى بقوله إنما أنت نذير أي هذا القدر هو الذي فوض إليك واللّه تعالى بعد ذلك هو الوكيل الممضي لإيمان من شاء وكفر من شاء أم يقولون افتراه أم بمعنى بل والافتراء أخص من الكذب ولا يستعمل إلا فيما بهت به المرء وكابر وقوله سبحانه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين تقدم تفسير نظيرها وقال بعض الناس هذه الآية متقدمة على التي في يونس إذ لا يصح أن يعجزوا في واحدة ثم يكلفوا عشرا قال ع وقائل هذا القول لم يلحظ ما ذكرناه من الفرق بين التكليفين في كمال المماثلة مرة كما هو في سورة يونس ووقوفها على النظم مرة كما هو هنا وقوله إن كنتم صادقين يريد في أن القرآن مفترى ١٤وقوله سبحانه فالم يستجيبوا لكم لهذه الآية تأويلان أحدهما أن تكون المخاطبة من النبي صلى اللّه عليه وسلم للكفار أي ويكون ضمير يستجيبوا على هذا التأويل عائدا على معبوداتهم والثاني أن تكون المخاطبة من اللّه تعالى للمؤمنين ويكون قوله على هذا فأعلموا بمعنى دوموا على علمكم قال مجاهد قوله تعالى فعل أنتم مسلمون هو لأصحاب محمد عليه السلام ١٥وقوله سبحانه من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها الآية قال قتادة وغيره هي في الكفرة وقال مجاهد هي في الكفرة وأهل الرياء من المؤمنين وإليه ذهب معاوية والتأويل الأول أرجح بحسب تقدم ذكر الكفار وقال ابن العربي في أحكامه بل الآية عامة في كل من ينوي غير اللّه بعمله كان معه إيمان لم يكن وفي هذه الآية بيان لقوله صلى اللّه عليه و سلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئى ما نوى وذلك أن العبد لا يعطى إلا على وجه قصده وبحكم ما ينعقد في ضميره وهذا أمر متفق عليه وقوله نوف إليهم أعمالهم فيها قيل ذلك في صحة أبدانهم وإدرار أرزاقهم وقيل إن هذه الآية مطلقة وكذلك التي في حم عسق من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه الآية إلى آخرها قيدتهما وفسرتهما الآية التي في سورة سبحانه وهي قوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد الآية فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد واللّه يحكم ما يريد ثم ذكر ابن العربي الحديث الصحيح في النفر الثلاثة الذين كانت أعمالهم رياء وهم رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل اللّه ورجل كثير المال وقول اللّه لكل واحد منهم ماذا عملت ثم قال في آخر الحديث ثم ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركبتي وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق اللّه تسعر بهم النار ثم قرأ قوله تعالى اولائك الذين ليس لهم في الآخرة إلى النار وحبط ما صنعوا فيها أي في الدنيا وهذا نص في مراد الآية واللّه أعلم انتهى وحبط معناه بطل وسقط وهي مستعملة في فساد الأعمال قال ص قوله ما صنعوا ما بمعنى الذي مصدرية وفيها منغلق بحبط والضمير في فيها عائد على الآخرة أي ظهر حبوط ما صنعوا في الآخرة متعلق بصنعوا فيكون عائدا على الدنيا انتهى والباطل كل ما تقتضي ذاته أن لا تنال به غاية في ثواب ونحوه ١٧وقوله سبحانه افمن كان على بينة من ربه في الآية تأويلات قال ع والراجح عندي من الأقوال في هذه الآية أن يكون آفمن للمؤمنين لهم وللنبي صلى اللّه عليه وسلم معهم والبينة القرآن وما تضمن والشاهد الإنجيل يريد أعجاز القرآن في قول والضمير في يتلوه للبينة وفي منه للرب والضمير في قبله للبينة أيضا وغير هذا مما ذكر محتمل فإن قيل إذا كان الضمير في قبله عائدا على القرآن فلم لم يذكر الإنجيل وهو قبله وبينة وبين كتاب موسى فالجواب أنه خص التوراة بالذكر لأنه مجمع عليه والإنجيل ليس كذلك لأن اليهود تخالف فيه فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الجميع أولى وهذا يجري مع قول الجن انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى والأحزاب هاهنا يراد بهم جميع الأمم وروى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن قال ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ولا من اليهود والنصارى ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار قال سعيد فقلت أين مصداق هذا في كتاب اللّه حتى وجدته في هذه الآية وكنت إذا سمعت حديثا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم طلبت مصداقه في كتاب اللّه عز و جل وقرأ الجمهور في مرية بكسر الميم وهو الشك والضمير في منه عائد على كون الكفرة موعدهم النار وسائر الآية بين وقوله تعالى ويقول الأشهاد قالت فرقة يريد الشهداء من الأنبياء والملائكة وقالت فرقة الأشهاد بمعنى المشاهدين ويريد جميع الخلائق وفي ذلك إشادة بهم وتشهير لخزيهم وروى في نحو هذا حديث أنه لا يخزي أحد يوم القيامة إلا ويعلم ذلك جميع من شهد المحشر وباقي الآية بين مما تقدم في غيرها قال ص وقوله ألا لعنة اللّه على الظالمين يحتمل أن يكون داخلا في مفعول القول وإليه نحا بعضهم انتهى وقوله سبحانه ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون يحتمل وجوها أحدها أنه وصف سبحانه هؤلاء الكفار بهذه الصفة في الدنيا على معنى أنهم لا يسمعون سماعا ينتفعون به ولا يبصرون كذلك والثاني أن يكون وصفهم بذلك من أجل بغضتهم في النبي صلى اللّه عليه وسلم فهم لا يستطيعون أن يحملوا نفوسهم على السمع منه والنظر إليه وما في هذين الوجهين نافية الثالث أن يكون التقدير يضاعف لهم العذاب بما كانوا أي بسبب ما كانوا فما مصدرية وباقي الآية بين ٢٢وقوله سبحانه لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ان الذين ءامنوا وعملوا الصالحات واخبتوا إلى ربهم الآية لا جرم تقدم بيانها واخبتوا قال قتادة معناه خشعوا وقيل معناه أنابوا قاله ابن عباس وقيل اطمأنوا اله مجاهد وقيل خافوا قاله أبن عباس أيضا وهذه أقوال بعضها قريب من بعض ٢٤وقوله سبحانه مثل الفريقين الآية الفريقان الكافرون والمؤمنون شبه الكافر بالأعمى والأصم وشبه المؤمن بالبصير والسميع فهو تمثيل بمثالين ٢٥وقوله تعالى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ألا تعبدوا إلا اللّه إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا الآية فيها تمثيل لقريش وكفار العرب وإعلام بأن محمدا عليه السلام ليس ببدع من الرسل والأراذل جمع الجمع فقيل جمع أرذل وقيل جمع أرذال وهم سفلة الناس ومن لا خلاق له ولا يبالي ما يقول ولا ما يقال له وقرأ الجمهور بادي الرأي بياء دون همز من بدا يبدو فيحتمل أن يتعلق بادي الرأي بنراك أي وما نراك بأول نظر وأقل فكرة وذلك هو بادي الرأي إلا ومتبعوك أراذلنا ويحتمل أن يتعلق بقوله اتبعك أي وما نراك اتبعك بادي الرأي إلا الأراذل ثم يحتمل على هذا قوله بادي الرأي معنيين أحدهما أن يريدوا أتبعك في ظاهر أمرهم وعيسى أن بواطنهم ليست معك والثاني أن يريدوا اتبعوك بأول نظر وبالرأي وصفا منهم لنوح أي تدعي عظيما وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك ونصبه على الحال على الصفة لبشر ٢٨وقوله سبحانه قال يا قوم ارأيتم أن كنت على بينة من ربي وءاتاني رحمة من عنده الآية كأنه قال ارأيتم إن هداني اللّه وأضلكم ااجبركم على الهدى وأنتم له كارهون وعبارة نوح عليه السلام كانت بلغته دالة على المعنى القائم بنفسه وهو هذا المفهوم من هذه العبارة العربية فبهذا استقام أن يقال كذا وكذا إذ القول ما أفاد المعنى القائم في النفس وقوله على بينة أي على أمر بين جلي وقرأ الجمهور فعميت ولذلك وجهان من المعنى أحدهما خفيت والثاني أن يكون المعنى فعميتم أنتم عنها وقوله انلزمكموها يريد إلزام جبر كالقتال ونحوه وأما إلزام الإيجاب فهو حاصل وقوله وما أنا بطارد الذين ءامنوا يقتضي أن قومه طلبوا طرد الضعفاء الذين بادروا إلى الإيمان به نظير ما اقترحت قريش وتزدرى أصله تزترى تفتعل من زرى يزري ومعنى تزدري تحتقر والخير هنا يظهر فيه أنه خير الآخرة اللّهم إلا أن يكون أزدراؤهم من جهة الفقر فيكون الخير المال وقد قال بعض المفسرين حيث ما ذكر اللّه الخير في القرآن فهو المال قال ع وفي هذا الكلام تحامل والذي يشبه أن يقال أنه حيث ما ذكر الخير فإن المال يدخل فيه ت وهذا أيضا غير ملخص والصواب أن الخير أعم من ذلك كله وأنظر قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره فإنه يشمل المال وغيره ونحوه وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وانظر قوله عليه السلام اللّهم لا خير إلا خير الآخرة وقوله تعالى إن علمتم فيهم خيرا فهاهنا لا مدخل للمال إلا على تجوز وقد يكون الخير المراد به المال فقط وذلك بحسب القرائن كقوله تعالى إن ترك خيرا الآية وقوله اللّه أعلم بما في أنفسكم تسليم للّه تعالى وقال بعض المتأولين هي رد على قولهم أتبعك أراذلنا في ظاهر أمرهم حسب ما تقدم في بعض التأويلات ثم قال إني إذا لو فعلت ذلك لمن الظالمين وقولهم قد جادلتنا معناه قد طال منك هذا الجدال والمراد بقولهم بما تعدنا العذاب والهلاك وما أنتم بمعجزين أي بمفلتين ٣٥وقوله سبحانه أم يقولون افتراه الآية قال الطبري وغيره هذه الآية اعترضت في قصة نوح وهي في شأن النبي صلى اللّه عليه وسلم مع قريش قال ع ولو صح هذا بسند لوجب الوقوف عنده وإلا فهو يحتمل أن يكون في شأن نوح عليه السلام وتتسق الآية ويكون الضمير في افتراه عائد على ما توعدهم به على جميع ما أخبرهم به وأم بمعنى بل ٣٦وقوله سبحانه وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن الآية قيل لنوح هذا بعد أن طال عليه كفر القرن بعد القرن به وكان يأتيه الرجل بابنه فيقول يا بني لا تصدق هذا الشيخ فهكذا عهده أبي وجدي كذابا مجنونا رواه عبيد بن عمير وغيره فروي أنه لما أوحي إليه ذلك دعا فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وتبتئس من البؤس ومعناه لا تحزن وقوله بأعيننا يمكن أن يريد بمرأى منا فيكون عبارة عن الإدراك والرعاية والحفظ ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير كما قال عز من قائل فنعم القادرون والعقيدة أنه تعالى منزه عن الحواس والتشبيه والتكييف لا رب غيره ويحتمل قوله بأعيننا أي بملائكتنا الذين جعلناهم عيونا على مواضع حفظك ومعونتك فيكون الجمع على هذا التأويل للتكثير وقوله ووحينا معناه وتعليمنا له صورة العمل بالوحي وروي في ذلك أن نوحا عليه السلام لما جهل كيفية صنع السفينة أوحى اللّه إليه أن أصنعها على مثال جوجو الطائر إلى غير ذلك مما علمه نوح من عملها وقوله ولا تخاطبني في الذين ظلموا الآية قال ابن جريج في هذه الآية تقدم اللّه إلى نوح أن لا يشفع فيهم ٣٨وقوله ويصنع الفلك التقدير فشرع يصنع فحكيت حال الاستقبال والملأ هنا الجماعة وقوله سخروا منه الآية السخر الاستجهال مع استهزاء وإنما سخروا منه في أن صنعها في برية وقوله فانا نسخر منكم قال الطبري يريد في الآخرة قال ع ويحتمل الكلام وهو الأرجح أن يريد إنانسخر منكم الآن والعذاب المخزي هو الغرق والمقيم هو عذاب الآخرة والأمر واحد الأمور ويحتمل أن يكون مصدر أمر فمعناه أمرنا للماء بالفوران وفار معناه انبعث بقوة واختلف الناس في التنور والذي عليه الأكثر منهم ابن عباس وغيره أنه هو تنور الخبز الذي يوقد فيه وقالوا كانت هذه إمارة جعلها اللّه لنوح أي إذا فار التنور فأركب في السفينة وقوله سبحانه قلنا أحمل فيه من كل زوجين أثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن الآية الزوج يقال في مشهور كلام العرب للواحد مما له أزدواج فيقال هذا زوج هذا وهما زوجان والزوج أيضا كلام في العرب النوع وقوله وأهلك عطف على ما عمل فيه أحمل والأهل هنا القرابة وبشرط من آمن منهم خصصوا تشريفا ثم ذكر من آمن وليس من الأهل واختلف في الذي سبق عليه القول بالعذاب فقيل ابنه يام كنعان وقيل امرأته والعة بالعين المهملة وقيل هو عموم فيمن لم يؤمن من أهل نوح ثم قال سبحانه إخبارا عن حالهم وما آمن معه إلا قليل ٤١وقوله تعالى وقال أركبوا فيها أي وقال نوح لمن معه أركبوا فيها وقوله بسم اللّه يصح أن يكون في موضع الحال من ضمير أركبوا أي أركبوا متبركين بسم اللّه قائلين بسم اللّه ويجوز أن يكون بسم اللّه مجراها ومرساها جملة ثانية من مبتدأ وخبر لا تعلق لها بالأولى كأنهم أمرهم أولا بالركوب ثم أخبر أن مجراها ومرساها بسم اللّه قال الضحاك كان نوح إذا أراد جري السفينة جرت وإذا أراد وقوفها قال بسم اللّه فتقف وقرأ الجمهور بضم الميم من مجراها ومرساها على معنى إجرائها وإرسائها وقرأ الأخوان حمزة والكسائي وحفص بفتح ميم مجريها وكسر الراء وكلهم ضم الميم في مرساها ت قوله وكسر الراء يريد إمالتها وفي كلامه تسامح ولفظ البخاري مجراها مسيرها ومرساها موقفها وهو مصدر أجريت وأرسيت انتهى قال النووي وروينا في كتاب ابن السني بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا أن يقولوا بسم اللّه مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وما قدروا اللّه حق قدره الآية هكذا هو في النسخ إذا ركبوا ولم يقل في السفينة انتهى وقوله وكان في معزل أي في ناحية أي في بعد عن السفينة عن الدين واللفظ يعمها وقوله ولا تكن مع الكافرين يحتمل أن يكون نهيا محضا مع علمه بأنه كافر ويحتمل أن يكون خفي عليه كفره والأول أبين وقوله لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم الظاهر أن لا عاصم اسم فاعل على بابه وقوله إلا من رحم يريد الا اللّه الراحم فمن كناية عن اللّه المعنى لا عاصم اليوم إلا الذي رحمنا ٤٤وقوله سبحانه وقيل يا أرض ابلعي ماءك الآية البلع تجرع الشيء وازدراده والإقلاع عن الشيء تركه وغيض معناه نقص وأكثر ما يجيء فيما هو بمعنى الجفوف وقوله وقضي الأمر إشارة إلى جميع القصة بعث الماء وأهلاك الأمم وانجاء أهل السفينة قال ع وتظاهرت الروايات وكتب التفسير بأن الغرق نال جميع أهل الأرض وعم الماء جميعها قاله ابن عباس وغيره وذلك بين من أمر نوح بحمل الأزواج من كل الحيوان ولولا خوف فنائها من جميع الأرض ما كان ذلك وروي أن نوحا عليه السلام ركب في السفينة من عين الوردة بالشام أول يوم من رجب واستوت على الجودي في ذي الحجة وأقامت عليه شهرا وقيل له أهبط في يوم عاشوراء فصامه هو ومن معه وروي أن اللّه تعالى أوحى إلى الجبال أن السفينة ترسى على واحد منها فتطاولت كلها وبقي الجودي وهو جبل الموصل في ناحية الجزيرة لم يتطاول تواضعا للّه فاستوت السفينة بأمر اللّه عليه وقال الزجاج الجودي هو بناحية أمد وقال قوم هو عند باقردي وأكثر الناس في قصص هذه الآية واللّه أعلم بما صح من ذلك وقوله وقيل بعدا يحتمل أن يكون من قول اللّه عز و جل عطفا على قوله وقيل الأول ويحتمل أن يكون من قول نوح والمؤمنين والأول أظهر وقوله إن ابني من أهلي الآية احتجاج من نوح عليه السلام أن اللّه أمره بحمل أهله وابنه من أهله فينبغي أن يحمل فأظهر اللّه له أن المراد من آمن من الأهل وهذه الآية تقتضي أن نوحا عليه السلام ظن أن ابنه مؤمن وقوله انه ليس من أهلك أي الذين عمهم الوعد لأنه ليس على دينك وإن كان ابنك بالولادة وقوله عمل غير صالح جعله وصفا له بالمصدر لى جهة المبالغة في وصفه بذلك كما قالت الخنساء تصف ناقة ذهب عنها ولدها ... ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وأدبار ... أي ذات إقبال وأدبار ويبين هذا قراءة الكسائي أنه عمل غير صالح فعلا ماضيا ونصب غير على المفعول لعمل وقول من قال أن الولد كان لغية خطأ محض وهذا قول ابن عباس والجمهور قالوا وأما قوله تعالى فخانتاهما فإن الواحدة كانت تقول للناس هو مجنون والأخرى كانت تنبه على الاضياف وأما خيانة غير هذا فلا ويعضده المعنى لشرف النبوءة وجوز المهدوي أن يعود الضمير في أنه على السؤال أي أن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير صالح قاله النخعي وغيره انتهى والأول أبين وعليه الجمهور وبه صدر المهدوي ومعنى قوله فلا تسألني ما ليس لك به علم أي إذا وعدتك فأعلم يقينا أنه لا خلف في الوعد فإذا رأيت ولدك لم يحمل فكان الواجب عليك أن تقف وتعلم أن ذلك بحق واجب عند اللّه قال ع ولكن نوحا عليه السلام حملته شفقة الأبوة وسجية البشر على التعرض لنفحات الرحمة وعلى هذا القدر وقع عتابه ولذلك جاء بتلطف وترفيع في ٤٦قوله سبحانه أني أعظك أن تكون من الجاهلين ويحتمل قوله فلا تسألني ما ليس لك به علم أي لا تطلب مني أمرا لا تعلم المصلحة فيه علم يقين ونحا إلى هذا أبو علي الفارسي وهذا والأول في المعنى واحد ٤٧وقوله رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم إنابه منه عليه السلام وتسليم لأمر ربه والسؤال الذي وقع النهي عنه إنما هو سؤال العزم الذي معه محاجة وطلبه ملحة فيما قد حجب وجه الحكمة فيه وأما السؤال على جهة الاسترشاد والتعلم فغير داخل في هذا ثم قيل له أهبط بسلام وذلك عند نزوله من السفينة والسلام هنا السلامة والأمن والبركات الخير والنمو في كل الجهات وهذه العدة تعم جميع المؤمنين إلى يوم القيامة قاله محمد بن كعب القرظي ثم قطع قوله وأمم على وجه الأبتداء وهؤلاء هم الكفار إلى يوم القيامة وقوله سبحانه تلك إشارة إلى القصة وباقي الآية بين ٥٠وقوله عز و جل وإلى عاد أخاهم هودا الآية عطف على قوله لقد أرسلنا نوحا إلى قومه ٥٢وقوله ويا قوم استغفروا ربكم الآية الاستغفار طلب المغفرة فقد يكون ذلك باللسان وقد يكون بإنابة القلب وطلب الاسترشاد وقوله ثم توبوا إليه أي بالإيمان من كفركم والتوبة عقد في ترك متوب منه يتقدمها علم بفساد المتوب منه وصلاح ما يرجع إليه ويقترن بها ندم على فارط المتوب منه لا ينفك منه وهو من شروطها ومدرارا بناء تكثير وهو من در يدر وقد تقدمت قصة عاد وقوله سبحانه ويزدكم قوة إلى قوتكم ظاهره العموم في جميع ما يحسن اللّه تعالى فيه إلى العباد ويحتمل أن خص القوة بالذكر إذ كانوا أقوى العوالم فوعدوا بالزيادة فيما بهروا فيه ثم نهاهم عن التولي عن الحق وقولهم عن قولك أي لا يكون قولك سبب تركنا وقال ص عن قولك حال من الضمير في تاركي أي صادرين عن قولك وقيل عن للتعليل كقوله إلا عن موعدة وقولهم أن نقول الآية معناه ما نقول إلا أن بعض آلهتنا التي ضللت عبدتها أصابك بجنون يقال عر يعر واعترى يعتري إذا ألم بالشيء وقوله فكيدونى جميعا أي أنتم وأصنامكم ويذكر أن هذه كانت له عليه السلام معجزة وذلك أنه حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكفرهم فلم يقدروا على نيله بسوء وتنظرون معناه تؤخروني أي عاجلوني بما قدرتم عليه ٥٦وقوله إن ربي على صراط مستقيم يريد أن أفعال اللّه عز و جل في غاية الإحكام وقوله الصدق ووعده الحق وعنيد من عند إذا عتا ٦٠وقوله سبحانه واتبعوا في هذه الدنيا لعنة الآية حكم عليهم سبحانه بهذا لموافاتهم على الكفر ولا يلعن معين حي لا من كافر ولا من فاسق ولا من بهيمة كل ذلك مكروه بالأحاديث ت وتعبيره بالكراهية لعله يريد التحريم ويوم ظرف ومعناه أن اللعنة عليهم في الدنيا وفي يوم القيامة ثم ذكر العلة الموجبة لذلك وهي كفرهم بربهم وباقي الآية بين ٦١وقوله عز و جل وإلى ثمود أخاهم صالحا الآية التقدير وأرسلنا إلى ثمود وانشأكم من الأرض أي اخترعكم واوجدكم وذلك باختراع آدم عليه السلام وقال ص من الأرض لابتداء الغاية باعتبار الأصل المتولد منه النبات المتولد منه الغذاء المتولد منه المني ودم الطمث المتولد عنه الإنسان انتهى وقد نقل ع في غير هذا الموضع نحو هذا ثم أشار إلى مرجوحيته وأنه داع إلى القول بالتولد قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى واستعمركم فيها أي خلقكم لعمارتها ولا يصح أن يقال هو طلب من اللّه لعمارتها كما زعم بعض الشافعية ت والمفهوم من الآية أنها سيقت مساق الامتنان عليهم انتهى وقولهم يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا قال جمهور المفسرين معناه مسودا نؤمل فيك أن تكون سيدا سادا مسد الأكابر وقولهم وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب معنى مريب ملبس متهم وقوله ارأيتم أي تدبرتم فالرؤية قلبية و ءاتاني منه رحمة يريد النبوءة وما انضاف إليها وقال ص قد تقرر في ارأيتم أنه بمعنى أخبروني انتهى والتخسير هو من الخسارة وليس التخسير في هذه الآية إلا لهم وفي حيزهم وهذا كما تقول لمن توصيه أنا أريد بك خيرا وأنت تريد بي شرا وقال ص غير تخسير من خسر وهو هنا للنسبية كفسقته وفجرته إذا نسته إليهما ت ونقل الثعلبي عن الحسين بن الفضل قال لم يكن صالح في خسارة حين قال فما تزيدونني غير تخسير وإنما المعنى ما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إياكم للخسارة وهو من قول العرب فسقته وفجرته إذا نسبته إلى الفسوق والفجور انتهى وهو حسن وباقي الآية بين قد تقدم الكلام في قصصها ٦٧وأخذ الذين ظلموا الصحية الصيحه قال أبو البقاء في حذف التاء من أخذ ثلاثة أوجه أحدها أنه فصل بين الفعل والفاعل والثاني أن التأنيث غير حقيقي والثالث أن الصيحة بمعنى الصياح فحمل على المعنى انتهى وقد أشار ع إلى الثلاثة واختار الأخير ٦٩وقوله سبحانه ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى الرسل الملائكة قال المهدوي بالبشرى يعنى بالولد ويقيل البشرى بهلاك قوم لوط انتهى قالوا سلاما أي سلمنا عليك سلاما وقرأ حمزة والكسائي قالوا سلاما قال سلم فيحتمل أن يريد بالسلم السلام ويحتمل أن يريد بالسلم ضد الحرب وحنيذ بمعنى محنوذ ومعناه بعجل مشوي نضج يقطر ماؤه وهذا القطر يفصل الحنيذ من جملة المشويات وهيئة المحنوذ في اللغة الذي يغطى بحجارة رمل محمى حائل بينه وبين النار يغطى به والمعرض من الشواء الذي يصفف على الجمر والمضهب الشواء الذي بينه وبين النار حائل ويكون الشواء عليه لا مدفونا به والتحنيذ في تضمير الخيل هو أن يغطى الفرس بجل على جل ليتصبب عرقه ونكرهم على ما ذكر كثير من الناس معناه أنكرهم وأوجس منهم خيفة من أجل امتناعهم من الأكل إذ عرف من جاء بشر إلا يأكل طعام المنزول به قال ابن العربي في أحكامه ذهب الليث بن سعد إلى أن الضيافة واجبة لقوله صلى اللّه عليه و سلم من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فيكرم ضيفه جائزته يوم وليلة وما وراء ذلك صدقة وفي رواية ثلاثة أيام ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه وهذا حديث صحيح خرجه الأيمة واللفظ للترمذي وذهب علماء الفقه إلى أن الضيافة لا تجب وحملوا الحديث على الندب قال ابن العربي والذي أقول به أن الضيافة فرض على الكفاية ومن الناس من قال أنها واجبة في القرى حيث لا مأوى ولا طعام بخلاف الحواضر لتيسر ذلك فيها قال ابن العربي ولا شك أن الضيف كريم والضيافة كرامة فإن كان عديما فهي فريضة انتهى وأوجس معناه أحس والوجيس ما يعترى النفس عند الحذر وأوائل الفزع وقوله سبحانه فضحكت قال الجمهور هو الضحك المعروف وذكر الطبري أن إبراهيم عليه السلام لما قدم العجل قالوا له انا لا نأكل طعاما إلا بثمن فقال لهم ثمنه أن تذكروا اللّه تعالى عليه في أوله وتحمدوه في آخره فقال جبريل لأصحابه بحق اتخذ اللّه هذا خليلا ثم بشر الملائكة سارة بإسحاق وبأن إسحاق سيلد يعقوب ويسمى ولد الولد وراء وهو قريب من معنى وراء في الظرف إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده وقال ص وراء هنا استعمل غير ظرف لدخول من عليه أي ومن بعد إسحاق انتهى وقولها ياويلتى الألف بدل من ياء الإضافة اصلها ياويلتي ومعنى ياوليتا في هذا الموضع العبارة عمادهم النفس من العجب في ولادة عجوز ومن أمر اللّه واحد الأمور ٧٣وقوله سبحانه رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت يحتمل أن يكون دعاء وأن يكون خبرا ص ونصب أهل البيت على النداء على الاختصاص على المدح انتهى وهذه الآية تعطى أن زوجة الرجل من أهل بيته ت وهي هنا من أهل البيت على كل حال لأنها من قرابته وابنة عمه والبيت في هذه الآية وفي سورة الأحزاب بيت السكنى ٧٤وقوله فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا أي أخذ يجادلنا في قوم لوط ٧٥وقوله تعالى إن إبراهيم لحليم اواه منيب وصف عليه السلام بالحلم لأنه لم يغضب قط لنفسه إلا أن بغضب للّه وأمره بالاعتراض عن المجادلة يقتضي أنها إنما كانت في الكفرة حرصا على إسلامهم وأمر ربك واحد الأمور أي نفذ فيهم قضاؤه سبحانه وهذه الآية مقتضية أن الدعاء إنما هو أن يوفق اللّه الداعي إلى طلب المقدور فأما الدعاء في طلب غير المقدور فغير مجد ولا نافع ت والكلام في هذه المسئلة متسع رحب ومن أحسن ما قيل فيها قول الغزالي في الأحياء فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا يرد فالجواب أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لرد السهم والماء سبب لخروج النبات انتهى وقد أطال في المسئلة ولولا الإطالة لاتيت بنبذ يثلج لها الصدر وخرج الترمذي في جامعة عن أبي حزامة واسمه رفاعة عن أبيه قال سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت يا رسول اللّه ارأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر اللّه شيئا قال هي من قدر اللّه قال أبو عيسى هذا حديث حسن وفي بعض نسخه حسن صحيح انتهى فليس وراء هذا الكلام من السيد المعصوم مرمى لأحد وتأمل جواب الفاروق لأبي عبيدة حين هم بالرجوع من أجل الدخول على أرض بها الطاعون وهي الشام ٧٧وقوله سبحانه ولما جاءت رسلنا لوطا الرسل هنا الملائكة أضياف إبراهيم قال المهدوي والرسل هنا جبريل وميكائيل واسرافيل ذكره جماعة من المفسرين انتهى واللّه أعلم بتعيينهم فإن صح في ذلك حديث صير إليه وإلا فالواجب الوقف وسيء بهم أي أصابه سوء والذرع مصدر مأخذوذ من الذراع ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به ضاق بهذا الأمر ذراع فلان وذرع فلان أي حيلته بذراعه وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا فلان رحب الذراع إذا وصفوه باتساع القدرة وعصيب بناء اسم فاعل معناه يعصب الناس بالشر فهو من العصابة ثم كثر وصفهم لليوم بعصيب ومنه وقد سلكوك في يوم عصيب وبالجملة فعصيب في موضع شديد وصعب الوطأة ويهرعون معناه يسرعون ومن قبل كانوا يعملون السيئات أي كانت عادتهم إتيان الفاحشة في الرجال وقوله هؤلاء بناتي هن أطهر لكم يعني بالتزويج وقولهم وإنك لتعلم ما نريد إشارة إلى الاضياف فلما رأى لوط استمرارهم في غيهم قال على جهة التفجع والاستكانه لو أن لي بكم قوة قال ع لو أن جوابها محذوف أي لفعلت كذا وكذا ويروى أن الملائكة وجدت عليه حين قال هذه الكلمات وقالوا إن ركنك لشديد وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم يرحم اللّه لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فالعجب منه لما استكان قال ع وإنما خشي لوط عليه السلام أن يمهل اللّه أولئك العصابة حتى يعصوه في الاضياف كما أمهلهم فيما قبل ذلك ثم إن جبريل عليه السلام ضرب القوم بجناحه فطمس أعينهم ثم أمروا لوطا بالسرى وأعلموه بأن العذاب نازل بالقوم فقال لهم لوط فعذبوهم الساعة فقالوا له إن موعدهم الصبح أي بهذا أمر اللّه ثم أنسوه في قلقه بقولهم أليس الصبح بقريب والقطع القطعة من الليل قال ص إلا امرأتك ابن كثير وأبو عمرو بالرفع والباقون بالنصب فقيل كلاهما استثناء من أحد وقيل النصب على الاستثناء من اهلك انتهى وقوله سبحانه وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ذهب فرقة منهم ابن عباس إلى أن الحجارة التي رموا بها كانت كالآجر المطبوخ كانت من طين قد تحجر وإن سجيلا معناها ماء وطين وهذا القول هو الذي عليه الجمهور وقالت فرقة من سجيل معناه من جهنم لأنه يقال سجيل وسجين حفظ فيها بدل النون لاما وقيل غير هذا ومنضود معناه بعضه فوق بعض متتابع ومسومة أي معلمة بعلامة وقوله تعالى وما هي إشارة إلى الحجارة والظالمون قيل يعني قريشا وقيل يريد عموم كل من اتصف بالظلم وهذا هو الأصح وقيل يعني بهذا الإعلام بأن هذه البلاد قريبة من مكة وما تقدم أبين ٨٤وقوله عز و جل وإلى مدين أخاهم شعبيا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير الآية قوله بخير قال ابن عباس معناه في رخص من الأسعار وقيل قوله بخير عام في جميع نعم اللّه تعالى وتعثوا معناه تسعون في فساد يقال عثا يعثو وعثي يعثى إذا افسد ٨٦وقوله بقيت اللّه خير لكم قال ابن عباس معناه الذي يبقى اللّه لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن خير لكم مما تستكثرون به على غير وجهه وهذا تفسير يليق بلفظ الآية وقال مجاهد معناه طاعة اللّه وهذا لا يعطيه لفظ الآية قال ص وقرأ الحسن تقية اللّه أي تقواه قال ع وإنما المعنى عندي إبقاء اللّه عليكم إن أطعتم وقولهم اصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد ءاباؤنا قالت فرقة أرادوا الصلوات المعروفة وروي أن شعيبا عليه السلام كان أكثر الأنبياء صلاة وقال الحسن لم يبعث اللّه نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة وقيل أرادوا ادعواتك وذلك أن من حصل في رتبة من خير شر ففي الأكثر تدعوه رتبته إلى التزيد من ذلك النوع فمعنى هذا لما كنت مصليا تجاوزت إلى ذم شرعنا وحالنا فكأن حاله من الصلاة جسرته على ذلك فقيل أمرته كما قال تعالى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال ص و ع وإن نفعل معطوف على ما يعبد واو للتنويع انتهى وظاهر حالهم الذي أشاروا إليه هو بخس الكيل والوزن الذي تقدم ذكره وروي أن الإشارة إلى قرضهم الدينار والدرهم وإجراء ذلك مع الصحيح على جهة التدليس قاله محمد بن كعب القرضي وتؤول أيضا بمعنى تبديل السكك التي يقصد بها أكل أموال الناس قال ابن العربي قال ابن المسيب قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض وكذلك قال زيد بن أسلم في هذه الآية وفسرها به ومثله عن يحيى بن سعيد من رواية مالك قال ابن العربي وإذا كان قطع الدنانير والدراهم وقرضها من الفساد عوقب من فعل ذلك وقرض الدراهم غير كسرها فإن الكسر فساد الوصف والقرض تنقيص للقدر وهو أشد من كسرها فهو كالسرقة انتهى من الأحكام مختصرا وبعضه بالمعنى وقولهم إنك لأنت الحليم الرشيد قيل أنهم قالوه على جهة الحقيقة أي أنت حليم رشيد فلا ينبغي لك أن تنهانا عن هذه الأحوال وقيل إنما قالوا هذا على جهة الاستهزاء وقوله ورزقني منه رزقا حسنا أي سالما من الفساد الذي أدخلتم في أموالكم وجواب الشرط الذي في قوله إن كنت على بينة من ربي محذوف تقديره ااضل كما ضللتم أترك تبليغ رسالة ربي ونحو هذا وقوله لا يجرمنكم معناه لا يكسبنكم وشقاقي معناه مشاقتي وعداوتي وإن مفعولة بيجرمنكم قال ص وع وما قوم لوط منكم ببعيد أي بزمان بعيد بمكان قال ص ودود بناء مبالغة من ود الشيء إذا أحبه وأثره ع ومعناه أن أفعاله سبحانه ولطفه بعباده لما كانت في غاية الإحسان إليهم كانت كفعل من يتودد ويود المصنوع له وقولهم ما نفقه كقول قريش قلوبنا في اكنة والظاهر من قولهم انا لنراك فينا ضعيفا أنهم أرادوا ضعف الانتصار والقدرة وان رهط الكفرة يراعون فيه والرهط جماعة الرجل وقولهم لرجمناك أي بالحجارة قاله ابن زيد وقيل بالسب باللسان وقولهم بعزيز أي بذي منعة وعزة ومنزلة والظهري الشيء الذي يكون وراء الظهر وذلك يكون في الكلام على وجهين إما بمعنى الاطراح كما تقول جعلت كلامي وراء ظهرك ودبر إذنك وعلى هذا المعنى حمل الجمهور الآية أي اتخذتم أمر اللّه وشرعه وراء ظهوركم أي غير مراعي وأما بأن يستند إليه ويلجأ كما قال عليه السلام وألجأت ظهري إليك وعلى هذا المعنى حمل الآية قوم أي وأنتم تتخذون اللّه سند ظهوركم وعماد آمالكم وقوله اعملوا على مكانتكم معناه على حالاتكم وفيه تهديد وقوله سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب والصحيح أن الوقف في قوله إني عامل وقوله سبحانه وأخذت الذين ظلموا الصيحة هي صيحة جبريل عليه السلام وقوله سبحانه كان لم يغنوا فيها الآية يغنوا معناه يقيمون بنعمة وخفض عيش ومنه المغاني وهي المنازل المعمورة بالأهل وضمير فيها عائد على الديار وقوله بعدا مصدر دعاء به كقولك سحقا للكافرين وفارقت هذه قولهم سلام عليكم لأن بعدا إخبار عن شيء قد وجب وتحصل وتلك إنما هي دعاء مرتجى ومعنى البعد في قراءة بعدت بكسر العين الهلاك وهي قراءة الجمهور ومنه قول خرنق بنت هفان ... لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وءافة الجزر ومنه قول مالك بن الربيع ... يقولن لا تبعد وهم يدفنونني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا ... وأما من قرأ بعدت وهو السلمي وأبو حيوة فهو من البعد الذي هو ضد القرب ولا يدعى به إلا على مبغوض قال ص وقال ابن الأنباري من العرب من يسوي بين الهلاك والبعد الذي هو ضد القرب فيقولون فيهما بعد يبعد وبعد يبعد انتهى وقوله سبحانه فاتبعوا أمر فرعون أي وخالفوا أمر موسى وما أمر فرعون برشيد أي بمرشد إلى خير وقال ع برشيد أي بمصيب في مذهبه يقدم قومه أي يقدمهم إلى النار والورد في هذه الآية هو ورود دخول قال ص والورد فاعل بيس والمورود المخصوص بالذم وفي الأول حذف أي مكان الورد ليطابق المخصوص بالذم وجوز ع وأبو البقاء أن يكون المورود صفة لمكان الورد والمخصوص محذوف أي بيس مكان الورد المورود النار والورد يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الورود بمعنى الواردة من الإبل وقيل الورد بمعنى الجمع للوارد والمورود صفة لهم والمخصوص بالذم ضمير مححذوف أي بيس القوم المورود بهم هم انتهى واتبعوا في هذه لعنة يريد دار الدنيا وقوله بيس الرفد المرفود أي بيس العطاء المعطى لهم وهو العذاب والرفد في كلام العرب العطية ١٠٠وقوله سبحانه ذلك من أنباء القرى الآية ذلك إشارة إلى ما تقدم من ذكر العقوبات النازلة بالأمم المذكورة منها قائم وحصيد أي منها قائم الجدرات ومتهدم داثر والآية بحملتها متضمنة التخويف وضرب المثل للحاضرين من أهل مكة وغيرهم والتتبيب الخسران ومنه تبت يدا أبي لهب
وقوله وكذلك الإشارة إلى ما ذكر من الأخذات في الأمم وهذه آية وعيد يعم قرى المؤمنين والكافرين فإن ظالمة أعم من كافرة وقد يمهل اللّه تعالى بعض الكفرة وأما الظلمة فمعاجلون في الغالب وقد يملي لبعضهم وفي الحديث من رواية أبي موسى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إن اللّه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ وكذلك أخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة الآية وهذه قراءة الجماعة وهي تعطى بقاء الوعيد واستمراره في الزمان إن في ذلك لآية أي لعبرة وعلامة اهتداء لمن خاف عذاب الآخرة ثم عظم اللّه أمر الآخرة فقال ذلك يوم مجموع له الناس وهو يوم الحشر وذلك يوم مشهود بشهده الأولون والآخرون من الملائكة والأنس والجن والحيوان في قول الجمهور وما نوخره إلا لأجل معدود لا يتقدم عنه ولا يتأخر قال ص والظاهر أن ضمير فاعل يأتي يعود على ما عاد عليه ضمير نوخره والناصب ليوم لا تكلم والمعنى لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم إلا بأذنه سبحانه انتهى وقوله تعالى فمنهم عائد على الجمع الذي يتضمنه قوله نفس إذ هو اسم جنس يراد به الجمع فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق وهي اصوات المكروبين والمحزونين والمعذبين ونحو ذلك قال قتادة الزفير أول صوت الحمار والشهيق آخره فصياح أهل النار كذلك وقال أبو العالية الزفير من الصدر والشهيق من الحلق والظاهر ما قال أبو العالية ١٠٧وقوله سبحانه خالدين فيها ما دامت السموات والأرض يروى عن ابن عباس أن اللّه خلق السماوات والأرض من نور العرش ثم يردهما إلى هنالك في الآخرة فلهما ثم بقاء دائم وقيل معنى ما دامت السماوات والأرض العبارة عن التأبيد بما تعهده العرب وذلك ان من فصيح كلامها إذا أرادت أن تخبر عن تأبيد شيء أن تقول لا أفعل كذا وكذا أمد الدهر وما ناح الحمام وما دامت السماوات والأرض وقيل غير هذا قال ص وقيل المراد سماوات الآخرة وأرضها يدل عليه قوله يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات انتهى وأما قوله إلا ما شاء ربك في الاستثناء ثلاثة أقوال أحدها أنه متصل أي إلا ما شاء ربك من أخراج الموحدين وعلى هذا يكون قوله فأما الذين شقوا عام في الكفرة والعصاة ويكون الاستثناء من خالدين وهذا قول قتادة وجماعة الثاني أن هذا الاستثناء ليس بمتصل ولا منقطع وإنما هو على طريق الاستثناء الذي ندب إليه الشرع في كل كلام فهو على نحو قوله لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه الثالث إن إلا في هذه الآية بمعنى سوى والاستثناء منقطع وهذا قول الفراء فإنه يقدر الاستثناء المنقطع بسوى وسيبويه يقدره بلكن أي سوى ما شاء اللّه زائد على ذلك ويؤيد هذا التأويل قوله بعد عطاء غير مجذوذ وقيل سوى ما أعد اللّه لهم من أنواع العذاب واشد من ذلك كله سخطه سبحانه عليهم وقيل الاستثناء في الآيتين من الكون في النار والجنة وهو زمان الموقف وقيل الاستثناء في الآية الأولى من طول المدة وذلك على ما روي أن جهنم تخرب ويعدم أهلها وتخفق أبوابها فهم على هذا يخلدون حتى يصير أمرهم إلى هذا قال ع وهذا قول محتمل والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره أن ما يخلى من النار إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين وهذا الذي يسمى جهنم وسمى الكل به تجوزا ت وهذا هو الصواب إن شاء اللّه وهو تأويل صاحب العاقبة أن الذي يخرب ما يخص عصاة المؤمنين وتقدم الكلام على نظير هذه الآية وهو قوله في الأنعام خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إن ربك حكيم عليم قال ع والأقوال المترتبة في الاستثناء الأول مرتبة في الاستثناء الثاني في الذين سعدوا إلا تأويل من قال هو استثناء المدة التي تخرب فيها جهنم فإنه لا يترتب هنا والمذوذ المقطوع والإشارة بقوله مما يعبد هؤلاء إلى كفار العرب وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص معناه من العقوبة وقال الداودي عن ابن عباس وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال ما قدر لهم من خير وشر انتهى ١١٠وقوله ولقد آيتنا موسى الكتاب فاختلف فيه أي اختلف الناس عليه فلا يعظم عليك يا محمد أمر من كذبك وقال ص فيه الظاهر عوده على الكتاب ويجوز أن يعود على موسى وقيل في بمعنى على أي عليه انتهى والكلمة هنا عبارة عن الحكم والقضاء لقضي بينهم أي لفصل بين المؤمن والكافر بنعيم هذا وعذاب هذا ووصف الشك بالريب تقوية لمعنى الشك فهذه الآية يحتمل أن يكون المراد بها أمة موسى ويحتمل أن يراد بها معاصرو النبي صلى اللّه عليه وسلم وأن يعمهم اللفظ أحسن ويؤيده قوله وإن كلا وقرأ نافع واين كثير وإن كلا لما وقرأ أبو عمرو والكسائي بتشديد إن وقرأ حمزة وحفص بتشديد إن وتشديد لما فالقراءتان المتقدمتان بمعنى فإن فيهما على بابها وكلا اسمها وعرفها أن تدخل علىخبرها لام وفي الكلام قسم تدخل لامه أيضا على خبر أن فلما اجتمع لامان فصل بينهما بما هذا قول أبي علي والخبر في قوله ليوفينهم وهذه الآية وعيد ومعنى الآية إن كل الخلق موفى عمله ١١٢وقوله عز و جل فاستقم كما أمرت ومن تاب معك أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالاستقامة وهو عليها إنما هو أمر بالدوام والثبوت وهو أمر لسائر الأمة وروي أن بعض العلماء رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم في النوم فقال يا رسول اللّه بلغنا عنك أنك قلت شيبتني هود وأخواتها فما الذي شيبك من هود فقال له قوله عز و جل فاستقم كما أمرت قال ع والتأويل المشهور في قوله عليه السلام شيبتني هود وأخواتها أنه إشارة إلى ما فيها مما حل بالأمم السالفة فكان حذره على هذه مثل ذلك شيبه عليه السلام ١١٣وقوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا الآية الركون السكون إلى الشيء والرضى به قال أبو العالية الركون الرضى قال ابن زيد الركون الادهان قال ع فالركون يقع على قليل هذا المعنى وكثيره والنهي هنا يترتب من معنى الركون على الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب من ترك التغيير عليهم مع القدرة والذين ظلموا هنا هم الكفرة ويدخل بالمعنى أهل المعاصي ١١٤وقوله سبحانه وأقم الصلوة طرفي النهار الآية لا خلاف أن الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة واختلف في طرفي النهار وزلف الليل فقيل الطرف الأول الصبح والثاني الظهر والعصر والزلف المغرب والعشاء قاله مجاهد وغيره وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال في المغرب والعشاء هما زلفتا الليل وقيل الطرف الأول الصبح والثاني العصر قاله الحسن وقتادة والزلف المغرب والعشاء وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول بل هي في غيرها قال ع والأول أحسن الأقوال عندي ورجح الطبري القول بأن الطرفين الصبح والمغرب وهو قول ابن عباس وغيره وإنه لظاهر إلا أن عموم الصلوات الخمس بالآية أولى والزلف الساعات القريب بعضها من بعض وقوله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات ذهب جمهور المتأولين من صحابة وتابعين إلى أن الحسنات يراد بها الصلوات الخمس وإلى هذه الآية ذهب عثمان رضي اللّه عنه في وضوئه على المقاعد وهو تأويل مالك وقال مجاهد الحسنات قول الرجل سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر قال ع وهذا كله إنما هو على جهة المثال في الحسنات ومن أجل أن الصلوات الخمس هي معظم الأعمال والذي يظهر أن لفظ الآية عام في الحسنات خاص في السيئات بقوله عليه السلام ما اجتنبت الكبائر وروي أن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار وهو أبو اليسر بن عمرو وقيل أسمه عباد خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها فيما دون الجماع ثم جاء إلى عمر فشكا إليه فقال له قد ستر اللّه عليك فاستر على نفسك فقلق الرجل فجاء أبو بكر فشكا إليه فقال له مثل مقالة عمر فقلق الرجل فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فصلى معه ثم أخبره وقال اقض في ما شئت فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعلها زوجة غاز في سبيل اللّه قال نعم فوبخه النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال ما أدري فنزلت هذه الآية فدعاه النبي صلى اللّه عليه وسلم فتلاها عليه فقال معاذ بن جبل يا رسول اللّه أهذا له خاصة فقال بل للناس عامة قال ابن العربي في أحكامه وهذا الحديث صحيح رواه الايمة كلهم انتهى قال ع وروي أن الآية قد كانت نزلت قبل ذلك واستعملها النبي صلى اللّه عليه وسلم في ذلك الرجل وروي أن عمر قال ما حكي عن معاذ وفي الحديث عنه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال الجمعة إلى الجمعة والصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها إن اجتنبت الكبائر وقوله ذلك ذكرى إشارة إلى الصلوات أي هي سبب الذكرى وهي العظة ويحتمل أن تكون إشارة إلى الأخبار بأن الحسنات يذهبن السيئات ويحتمل أن تكون إشارة إلى جميع ما تقدم من الأوامر والنواهي والقصص في هذه السورة وهو تفسير الطبري فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية الآية لولا هي التي للتخضيض لكن يقترن بها هنا معنى التفجع والتأسف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم تهتد وهذا نحو قوله سبحانه يا حسرة على العباد والقرون من قلبنا قوم نوح وعاد وثمود ومن تقدم ذكره وقوله أولوا بقية أي أولوا بقية من عقل وتمييز ودين ينهون عن الفساد وإنما قيل بقية لأن الشرائع والدول ونحوها قوتها في أولها ثم لا تزال تضعف فمن ثبت في وقت الضعف فهو بقية الصدر الأول والفساد في الأرض هو الكفر وما اقترن به من المعاصي وهذه الآية فيها تنبيه لهذه الأمة وحض على تغيير المنكر ثم استثنى اللّه عز و جل القوم الذين نجاهم مع أنبيائهم وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم وقليلا استثناء منقطع أي لكن قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد والمترف المنعم الذي شغلته ترفته عن الحق حتى هلك وما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه سبحانه وتعالى عن ذلك ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة أي مؤمنة لا يقع منهم كفر قاله قتادة ولكنه عز و جل لم يشأ ذلك فهم لا يزالون مختلفين في الأديان والآراء والملل هذا تأويل الجمهور إلا من رحم ربك أي بأن هداه إلى الإيمان وقوله تعالى ولذلك خلقهم قال الحسن أي وللاختلاف خلقهم قال ع وذلك أن اللّه تعالى خلق خلقا للسعادة وخلقا للشقاوة ثم يسر كلا لما خلق له وهذا نص في الحديث الصحيح وجعل بعد ذلك الاختلاف في الدين على الحق هو إمارة الشقاوة وبه علق العقاب فيصح أن يحمل قول الحسن هنا وللاختلاف خلقهم أي لثمرة الاختلاف وما يكون عنه من شقاوة سعادة وقال اشهب سألت مالكا عن هذه الآية فقال خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير وقيل غير هذا وقوله تعالى وتمت كلمة ربك أي نفذ فقضاؤه وحق أمره واللام في لأملان لام قسم ١٢٠وقوله سبحانه وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وكلا مفعول مقدم بنقص وما بدل من قوله وكلا ونثبت به فؤادك أي نؤنسك فيما تلقاه نجعل لك الأسوة وجاءك في هذه الحق قال الحسن هذه إشارة إلى دار الدنيا وقال ابن عباس هذه إشارة إلى السورة وهو قول الجمهور قال ع ووجه تخصيص هذه السورة بوصفها بحق والقرآن كله حق إن ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر أي جاءك في هذه السورة الحق الي أصاب الأمم الماضية وهذا كما يقال عند الشدائد جاء الحق وإن كان الحق يأتي في غير الشدائد ثم وصف سبحانه أن ما تضمنته السورة هو موعظة وذكرى للمؤمنين ١٢١وقوله سبحانه وقل للذين لا يؤمنون الآية ءاية وعيد ١٢٣وقوله تعالى وللّه غيب السموات والأرض الآية آية تعظيم وانفراد بما لا حظ لمخلوق فيه ثم أمر سبحانه العبد بعبادته والتوكل عليه وفيهما زوال همة وصلاحه ووصوله إلى رضوان اللّه تعالى فقال فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون اللّهم اجعلنا ممن توكل عليه ووفقته لعبادتك كما ترضى وصلى اللّه عليه سيدنا محمد وآله وسحبة وسلم تسليما والحمد للّه على جزيل ما به أنعم |
﴿ ٠ ﴾