سورة يوسفبسم اللّه الرحمن الرحيم تفسير سورة يوسف عليه السلام هذه السورة مكية والسبب في نزولها أن اليهود أمروا كفار مكة أن يسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فنزلت السورة وقيل سبب نزولها تسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم عما يفعله به قومه بما فعل أخوة يوسف بيوسف وسورة يوسف لم يتكرر من معانيها في القرآن شيء كما تكررت قصص الأنبياء ففيها حجة على من اعترض بأن الفصاحة تمكنت بترداد القول وفي تلك القصص حجة على من قال في هذه لو كرر لفترت فصاحتها ١وقوله عز و جل الر تلك ءايات الكتاب المبين الكتاب هنا القرآن ووصفه بالمبين من جهة بيان أحكامه وحلاله وحرامه ومواعظه وهداه ونوره ومن جهة بيان اللسان العربي وجودته والضمير في أنزلناه للكتبا وقرءانا حال وعربيا صفة له وقيل قرآنا توطئة للحال وعربيا حال ٣وقوله سبحانه نحن نقص عليك أحسن القصص الآية روى ابن مسعود أن أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ملوا ملة فقالوا لو قصصت علينا يا رسول اللّه فنزلت هذه الآية ثم ملوا ملة أخرى فقالوا لو حدثتنا يا رسول اللّه فنزلت اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها الآية والقصص الأخبار بما جرى من الأمور وقوله بما أوحينا إليك أي بوحينا إليك هذا والقرآن نعت لهذا ويجوز فيه البدل والضمير في قبله للقصص العام لما في جميع القرآن منه ومن الغافلين أي عن معرفة هذا القصص وعبارة المهدوي قال قتادة أي نحن نقص عليك من الكتب الماضية وأخبار الأمم السالفة أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين عن أخبار الأمم انتهى ٤وقوله سبحانه إذ قال يوسف لابيه يا ابت اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قيل أنه رأى كواكب حقيقة والشمس والقمر فتأولها يعقوب أخوته وأبويه وهذا هو قول الجمهور وقيل الأخوة والأب والخالة لأن أمه كانت ميتة وروي أن رؤيا يوسف خرجت بعد أربعين سنة وقيل بعد ثمانين سنة ٥وقوله قال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا من هنا ومن فعل أخوة يوسف بيوسف يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت وما وقع في كتاب الطبري لابن زيد أنهم كانوا أنبياء يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنياوي وعن عقوق الآباء وتعريض مؤمن للّهلاك والتؤامر في قتله وكذلك يجتنبك ربك أي يختارك ويصطفيك ويعلمك من تأويل الاحاديث قال مجاهد وغيره هي عبارة الرؤيا وقال الحسن هي عواقب الأمور وقيل هي عامة لذلك وغيره من المغيبات ويتم نعمته عليك الآية يريد بالنبوءة وما انضاف إليها من سائر النعم ويروى أن يعقوب علم هذا من دعوة إسحاق له حين تشبه بعيصو وباقي الآية بين ٧وقوله سبحانه لقد كان في يوسف واخوته ءايات للسائلين إذ كل أحد ينبغي أن يسأل عن مثل هذا القصص إذ هي مقر العبر والاتعاظ وقولهم وأخوه يريدون به يامين وهو أصغر من يوسف ويقال له بنيامين قيل وهو شقيقه أحب إلى أبينا منا أي لصغرهما وموت أمهما وهذا من حب الصغير هي فطرة البشر وقولهم ونحن عصبة أي جماعة تضر وتنفع وتحمي وتخذل أي لنا كانت تنبغي المحبة والمراعاة والعصبة في اللغة الجماعة وقولهم لفي ضلال مبين أي لفي انتلاف وخطأ في محبة يوسف وأخيه وهذا هو معنى الضل وإنما يصغر قدره ويعظم بحسب الشيء الذي فيه يقع الانتلاف ومبين معناه ظاهر للمتأمل وقولهم اطرحوه أرضا أي بأرض بعيدة فارضا مفعول ثان بإسقاط حرف الجر والضمير في بعده عائد على يوسف قتله طرحه وصالحين قال مقاتل وغيره أنهم أرادوا صلاح الحال عند أبيهم والقائل منهم لا تقتلوه هو روبيل اسنهم قاله قتادة وأبن إسحاق وقيل هو شمعون قاله مجاهد وهذا عطف منه على أخيه لا محالة لما أراد اللّه من انفاذ قضائه والغيابة ما غاب عنك والجب البير اللتي لم تطو لانها جبت من الأرض فقط قال المهدوي والجب في اللغة البير المقطوعة التي لم تطو انتهى والسيارة جمع سيار وروي أن جماعة من الأعراب التقطت يوسف عليه السلام ١١وقوله سبحانه قالوا يا ابانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون الآية المتقدمة تقتضي أن أباهم قد كان علم منهم إرادتهم السوء في جهة يوسف وهذه الآية تقتضي أنهم علموا هم منه بعلمه ذلك وقرأ أبو عارم وابن عمرو نرتع ونلعب بالنون فيهما وإسكان العين والباء ونرتع على هذا من الرتوع وهي الإقامة في الخصب والمرعى في أكل وشرب وقرأ ابن كثير نرتع ونلعب بالنون فيهما وكسر العين وإسكان الباء وقد روي عنه ويلعب بالياء ونرتع على هذا من رعاية الإبل وقال مجاهد من المراعاة أي يرعى بعضنا بعضا ويحرسه وقرأ عاصم وحمزة والكسائي يرتع ويلعب بإسناد ذلك كله إلى يوسف وقرأ نافع يرتع ويلعب فيرتع على هذا من رعاية الإبل قال أبو علي وقراءة ابن كثير نرتع بالنون ويلعب بالياء نزعها حسن لاسناد النظر في المال والرعاية إليهم واللعب إلى يوسف لصباه ولعبهم هذا داخل في اللعب المباح والمندوب كاللعب بالخيل والرمي وعللوا طلبه والخروج به بما يمكن أن يستهوي يوسف لصباه من الرتوع واللعب والنشاط وإنما خاف يعقوب عليه السلام الذيب دون سواه وخصصه لأنه كان الحيوان العادي المنبث في القطر ولصغر يوسف وأجمعوا معناه عزموا وقوله سبحانه وأوحينا إليه يحتمل أن يكون الوحي إلى يوسف حينئذ برسول ويحتمل أن يكون بالهام بنوم وكل ذلك قد قيل وقرأ الجمهور لتنبئنهم بالتاء من فوق وقوله وهم لا يشعرون قال ابن جريج معناه لا يشعرون وقت التنبئة أنك يوسف وقال قتادة لا يشعرون بوحينا إليك ١٦وقوله وجاءو اباهم عشاء يبكون أي وقت العشاء وقرأ الحسن عشى على مثال دجى جمع عاش ومعنى ذلك أصابهم عشى من البكاء شبه العشى إذ كذلك هي عين الباكي لأنه يتعاشى ومثل شريح امرأة بكت وهي مبطلة ببكاء هؤلاء وقرأ الآية ونستبق معناه على الأقدام وقيل بالرمي أي ننتضل وهو نوع من المسابقة قاله الزجاج وقولهم وما أنت بمؤمن لنا لنا أي بمصدق لنا ولو كنا صادقين بمعنىوإن كنا صادقين في معتقدنا ١٨وقوله سبحانه وجاءو على قميصه بدم كذب روي أنهم أخذوا سخلة أوجديا فذبحوه ولطخوا به قميص يوسف وقالوا ليعقوب هذا قميصه فاخذه وبكى ثم تأمله فلم ير خرقا ولا أثر ناب فاستدل بذلك على كذبهم وقال لهم متى كان الذيب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه قص هذا القصص ابن عباس وغيره وأجمعوا على أنه استدل على كذبهم بصحة القميص واستند الفقهاء إلى هذا في أعمال الامارات في مسائل كالقسامة بها في قول مالك إلى غير ذلك قال الشعبي كان في القميص ثلاث آيات دلالته على كذبهم وشهادته في قده ورد بصر يعقوب به ووصف الدم بالكذب الذي هو مصدر على جهة المبالغة ثم قال لهم يعقوب بل سولت لكم أي رضيت وجعلت سولا ومرادا أمر أي صنعا قبيحا بيوسف وقوله فصر جميل إما على حذف المبتدأ أي فشأني صبر جميل وإما على حذف الخبر تقديره فصبر جميل أمثل وجميل الصبر أن لا تقع شكوى إلى البشر وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم من بث لم يصبر صبرا جميلا وقوله سبحانه وقوله واللّه المستعان على ما تصفون تسليم لأمر اللّه تعالى وتوكل عليه وجاءت سيارة فارسلوا واردهم قيل أن السيارة جاءت في اليوم الثاني من طرحه والسيارة بناء مبالغة للذين يرددون السير في الطرق قال ص والسيارة جمع سيار وهو الكثير السير في الأرض انتهى والوارد هوالذي يأتي الماء يستقي منه لجماعته وهو يقع على الواحد وعلى الجماعة وروي أن مدلي الدلو كان يسمى مالك بن دعر ويروى أن هذا الجب كان بالأردن على ثلاثة فرسخ من منزل يعقوب ويقال أدلى دلوه إذا ألقاه ليستقي الماء وفي الكلام حذف تقديره فتعلق يوسف بالحبل فلما بصر به المدلى قال يا بشراي وروي أن يوسف كان يومئذ ابن سبع سنين ويرجح هذا لفظة غلام فإنها لما بين الحولين إلى البلوغ فإن قيلت فيما فوق ذلك فعلى استصحاب حال وتجوز وقرأ نافع وغيره يا بشراي بإضافة البشرى إلى المتكلم وبفتح الياء على ندائها كأنه يقول أحضري فهذا وقتك وقرأ حمزة والكسائي يا بشري ويمين ولا يضيفان وقرأ عاصم كذلك إلا أنه بفتح الراء ولا يميل واختلف في تأويل هذه القراءة فقال السدي كان في أصحاب هذا الوارد رجل اسمه بشرى فناداه وأعلمه بالغلام وقيل هو على نداء البشرى كما قدمنا وقوله سبحانه وأسروه بضاعة قال مجاهد وذلك أن الوراد خشوا من تجار الرفقة إن قالوا وجدناه أن يشاركوهم في الغلام الموجود يعني يمنعوهم من تملكه إن كانوا أخيارافأسروا بينهم أن يقولوا ابضعه معناه بعض أهل المصر وبضاعة حال والبضاعة القطعة من المال يتجر فيها بغير نصيب من الربح مأخوذ من قولهم بضعة أي قطعة وقيل الضمير في أسروه يعود على أخوة يوسف ٢٠وقوله سبحانه وشروه بثمن بخس شروه هنا بمعنى باعوه قال الداودي وعن أبي عبيدة وشروه أي باعوه فإذا ابتعت أنت قلت أشتريت انتهى وقال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى وشروه بثمن بخس يقال اشتريت بمعنى بعت وشريت بمعنى أشتريت لغ انتهى وعلى هذا فلا مانع من حمل اللفظ على ظاهره ويكون شروه بمعنى اشتروه قال ع روي أن أخوة يوسف لما علموا أن الوراد قد أخذوه جاءوهم فقالوا هذا عبد قد أبق منا ونحن نبيعه منكم فقارهم يوسف على هذه المقالة خوفا منهم ولينفذ اللّه أمره والبخس مصدر وصف به الثمن وهو بمعنى النقص وقوله دراهم معدودة عبارة عن قلة الثمن لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما كان دون الاوقية وهي أربعون درهما وقوله سبحانه وكانوا فيه من الزاهدين وصف يترتب في أخوة يوسف وفي الوراد ولكنه في أخوة يوسف أرتب إذ حقيقة الزهد في الشيء أخراج حبه من القلب ورضفه من اليد وهذه كانت حال أخوة يوسف في يوسف وأما الوراد فإن تمسكهم به وتجرهم يمانع زهدهم إلا على تجوز قال ابن العربي في أحكامه وكانوا فيه من الزاهدين أي إخوته والواردة أما إخوته فلأن مقصودهم زوال عينه وأما الواردة فلأنهم خافوا اشتراك أصحابهم معهم انتهى ٢١وقوله سبحانه وقال الذي اشتراه من مصر لأمرته أكرمي مثواه عيسى أن ينفعنا روي أن مبتاع يوسف ورد به مصر البلد المعروف ولذلك لا ينصرف فعرضه في السوق وكان أجمل الناس فوقعت فيه مزايدة حتى بلغ ثمنا عظيما فقيل وزنه من ذهب ومن فضه ومن حرير فاشتراه العزيز وهو كان حاجب الملك وخازنه واسم الملك الريان بن الوليد وقيل مصعب بن الريان وهو أحد الفراعنة واسم العزيز المذكور قطيفين قاله ابن عباس وقيل اظفير وقيل قنطور واسم امرأته راعيل قاله ابن إسحاق وقيل زليخا قال البخاري ومثواه مقامه وقوله أونتخذه ولدا أي نتبناه وكان فيما يقال لا ولد له ثم قال تعالى وكذلك أي وكما وصفنا مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه فعلنا ذلك والأحاديث الرؤيا في النوم قاله مجاهد وقيل أحاديث الأنبياء والأمم والضمير في أمره يحتمل أن يعود على يوسف قاله الطبري ويحتمل أن يعود على اللّه عز و جل قاله ابن جبير فيكون إخبارا منبها على قدرة اللّه عز و جل ليس في شأن يوسف خاصة بل عاما في كل أمر والأشد استكمال القوة وتناهي بنية الإنسان وهما أشدان أولهما البلوغ والثاني الذي يستعمله العرب وقوله سبحانه ءاتيناه حكما وعلما يحتمل أن يريد بالحكم الحكمة والنبوة وهذا على الأشد الأعلى ويحتمل أن يريد بالحكم الشلطان في الدنيا وحكما بين الناس وتدخل النبوءة وتأويل الآحاديث وغير ذلك في قوله وعلما وقال ابن العربي ءاتيناه حكما وعلما الحكم هو العمل بالعلم انتهى وقوله سبحانه وكذلك نجزي المحسنين عبارة فيها وعد للنبي صلى اللّه عليه وسلم أي فلا يهولنك فعل الكفرة وعتوهم عليك فاللّه تعالى يصنع للمحسنين أجمل صنع ٢٣وقوله سبحانه وراودته التي هو في بيتها عن نفسه المراودة الملاطفة في السوق إلى غرض والتي هو في بيتها هي زليخا امرأة العزيز وقوله عن نفسه كناية عن غرض المواقعة وظاهر هذه النازلة أنها كانت قبل أن ينبأ عليه السلام وقولها هيت لك معناه الدعاء أي تعالى وأقبل على هذا الأمر قال الحسن معناها هلم قال البخاري قال عكرمة هيت لك بالحورانية هلم وقال ابن جبير تعاله انتهى وقرأ هشام عن أبن عامر هئت لك بكسر الهاء والهمزة وضم التاء ورويت عن أبي عمر وهاذ يحتمل أن يكون من هاء الرجل يهيء إذا حسن هيئته ويحتمل أن يكون بمعنى تهيأت ومعاذ نصب على المصدر ومعنى الكلام أعوذ باللّه ثم قال إنه ربي أحسن مثواي فيحتمل أن يعود الضمير في أنه على اللّه عز و جل ويحتمل أن يريد العزيز سيده أي فلا يصلح لي أن أخونه وقد أكرم مثواي وائتمنني قال مجاهد وغيره ربي معناه سيدي وإذا حفظ الأدمي لإحسانه فهو عمل زاك وأحرى أن يحفظ ربه والضمير في قوله انه لا يفلح مراد به الأمر والشأن فقط وحكى بعض المفسرين أن يوسف عليه السلام لما قال معاذ اللّه ثم دافع الأمر باحتجاج وملاينة امتحنه اللّه عز و جل بالهم بما هم به ولو قال لا حول ولا قوة إلا باللّه ودافع بعنف وتغيير لم يهم بشيء من المكروه وقوله سبحانه وهم بها اختلف في هم يوسف قال ع والذي أقول به في هذه الآية أن كون يوسف عليه السلام نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح ولا تظاهرت به روايه فإذا كان ذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ويجوز عليه الهم الذي هو أراده الشيء دون مواقعته وإن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو الخاطر ولا يصح عندي شيء مما ذكر من حل تكة ونحو ذلك لن العصمة مع النبوءة وللّهم بالشيء مرتبتان فالخاطر المجرد دون استصحاب يجوز عليه ومع استصحاب لا يجوز عليه إذ الإجماع منعقد أن الهم بالمعصية واستصحاب التلذذ بها غير جائز ولا داخل في التجاوز ت قال عياض والصحيح أن شاء اللّه تنزييهم أيضا قبل النبوءة من كل عيب وعصمتهم من كل ما يوجب الريب ثم قال عياض بعد هذا وأما قول اللّه سبحانه ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه فعلى طريق كثير من الفقهاء والمحدثين أن هم النفس لا يؤاخذ به وليس بسيئة لقوله عليه السلام عن ربه إذا هم عبدي بسيئة فلم يعلمها كتبت له حسنة فلا معصية في همه إذن وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وظنت عليه النفس سيئة وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه وهذا هو الحق فيكون إن شاء اللّه هم يوسف من هذا ويكون قوله وما ابرئى نفسي الآية أي من هذا الهم يكون ذلك منه على طريق التواضع انتهى واختلف في البرهان الذي رآه يوسف فقيل ناداه جبريل يا يوسف لا تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء وقيل رأى يعقوب عاضا على ابهامه وقيل غيره هذا وقيل بل كان البرهان فكرته في عذاب اللّه ووعيده على المعصية والبرهان في كلام العرب الشيء الذي يعطى القطع واليقين كان مما يعلم ضرورة بخبر قطعي بقياس نظري وأن في قوله لولا أن رأى في موضع رفع تقديره لولا رؤيته برهان ربه لفعل وذهب قوم إلى أن الكلام تم في قوله ولقد همت به وأن جواب لولا في قوله وهم بها وان المعنى لولا أن رأى البرهان لهم أي فلم يهم عليه السلام وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف ت وقد ساق عياض هذا القول مساق احتجاج به متصلا بما نقلناه عنه آنفا ولفظه فكيف وقد حكى أبو حاتم عن أبي عبيدة أن يوسف إليهم وأن الكلام فيه تقديم وتأخير أي ولقد همت به ولولا أن رأى برهان به لهم بها وقد قال اللّه تعالى عن المرأة ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وقال تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء وقال معاذ اللّه الآية انتهى وكذا نقله الداودي ولفظه وقد قال سعيد بن الحداد في الكلام تقديم وتأخير ومعناه أنه لولا أن رأى برهان ربه لهم بها فلما رأى البرهان لم يهم انتهى قال ابن العربي في أحكامه وقد أخبر اللّه سبحانه عن حال يوسف من حين بلوغه بأنه آتاه حكما وعلما والحكم هو العمل بالعلم وكلام اللّه صادق وخبره صحيح ووصفه حق فقد عمل يوسف بما علمه اللّه من تحريم الزنا وتحريم خيانة السيد في أهله فما تعرض لامرأة العزيز ولا أناب إلى المراودة بل أدبر عنها وفر منها حكمة خص بها وعمل بما علمه اللّه تعالى وهذا يطمس وجوه الجهلة من الناس والغفلة من العلماء في نسبتهم إلى الصديق ما لا يليق وأقل ما اقتحموا من ذلك هتك السراويل والهم بالفتك فيما رأوه من تأويل وحاشاه من ذلك فما لهؤلاء المفسرين لا يكادون يفقهون حديثا يقولون فعل فعل واللّه تعالى إنما قال هم بها قال علماء الصوفية إن فائدة قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما إن اللّه عز و جل أعطاه العلم والحكمة بأن غلب الشهوة ليكون ذلك سببا للعصمة انتهى والكاف من قوله تعالى كذلك لنصرف عنه السوء متعلقة بمضمر تقديره جرت أفعالنا واقدارنا كذلك لنصرف ويصح أن تكون الكاف في موضع رفع بتقدير عصمتنا له كذلك وقرأ ابن كثير وغيره المخلصين بكسر اللام في سائر القرآن ونافع وغيره بفتحها ٢٥وقوله تعالى واستبقا الباب الآية معناه سابق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب هي لترده إلى نفسها وهو ليهرب عنها فقبضت في أعلى فميصه فتخرق القميص عند طوقه ونزل التخريق إلى أسفل القميص قال البخاري وألفيا أي وجدا الفوا آباءهم وجدوهم انتهى والقد القطع وأكثر مايستعمل فيما كان طولا والقط يستعمل فيماكان عرضا والفيا وجدا والسيد الزوج قاله زيد ابن ثابت ومجاهد وقوله سبحانه قالت ماجزاء من أراد بأهلك سوء الآية قال نوف الشامي كان يوسف عليه السلام لم يبن على كشف القصة فلما بغت عليه غضب فقال الحق فأخبر أنها هي راودته عن نفسه فروي أن الشاهد كان ابن عمها قال انظروا إلى القميص وقال ابن عباس كان رجلا من خاصة الملك وقاله مجاهد وغيره والضمير في رأى هو العزيز وهو القائل أنه من كيدكن قاله الطبري وقيل بل الشاهد قال ذلك ونزع بهذه الآية من يرى الحكم بالإمارة من العلماء فإنها معتمدهم ويوسف في قوله يوسف أعرض عن هذا منادى قال ابن عباس ناداه الشاهد وهو الرجل الذي كان مع العزيز وأعرض عن هذا معناه عن الكلام به أي أكتمه ولا تتحدث به ثم رجع إليها فقال واستغفري لذنبك أي استغفري زوجك وسيدك وقال من الخاطئين ولم يقل من الخاطئات لأن الخاطئين أعم ٣٠وقوله سبحانه وقال نسوة في المدينة أمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه نسوة جمع قلة وجمع التكثير نساء ويروى أن هؤلاء النسوة كن أربعا امرأة خبازة وامرأة بوابة وامرأة سجانة والعزيز الملك والفتى الغلام وعرفه في المملوك ولكنه قد قيل في غير المملوك ومنه إذ قال موسى لفتاه واصل الفتى في اللغة الشاب ولكن لماكان جل الخدمة شبابا استعير لهم اسم الفتى وشغفها معناه بلغ حتى صار من قلبها موض الشغاف وهو على اكثر القول غلاف من أغشية القلب وقيل الشغاف سويداء القلب وقيل الشغاف داء يصل إلى القلب فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن ليحضرن واعتدت لهن متكأ أي أعدت ويسرت ما يتكأ عليه من فرش ووسائد وغير ذلك وقرأ ابن عباس وغيره متكا بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف واختلف في معناه فقيل هو الاترنج وقيل هو اسم يعم جميع ما يقطع بالسكين وقولها أخرج عليهن أمر ليوسف واطاعها بحسب الملك وقوله أكبرنه معناه أعظمنه واستهولن جماله هذا قول الجمهور وقطعن أيديهن أي كثرن الخز فيها بالسكاكين وقرأ أبو عمرو وحده حاشى للّه وقرأ سائر السبعة حاش للّه فمعنى حاش للّه أي حاشى يوسف لطاعته للّه لمكانه من اللّه أن يرمى بما رميته به يدعى إلى مثله لأن تلك أفعال البشر وهو ليس منهم إنما هو ملك هكا رتب بعضهم معنى هذا الكلام على القرائتين وقرأ الحسن وغيره ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم بكسر اللام من ملك وعلى هذه القراءة فالكلام فصيح لما استعظمن حسن صورته قلن ما هذا مما يصلح أن يكون عبدا بشرا إن هذا إلا مما يصلح أن يكون ملكا كريما ت وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ففتح لنا فإذا بيوسف صلى اللّه عليه و سلم وإذا هو قد اعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير انتهى وقولها فذلكن الذي لمتنني فيه المعنى فهذا الذي لمتنني فيه وقطعتن أيديكن بسببه هو الذي جعلني ضالة في هواه ثم أقرت امرأة العزيز للنسوة بالمراودة واستأمنت اليهن في ذلك إذ علمت أنهن قد عذرنها واستعصم معناه طلب العصمة وتمسك بها وعصاني ثم جعلت تتوعده وهو يسمع بقولها ولئن لم يفعل ما ءامره إلى آخر الآية ت واعترض ص بأن تفسير استعصم باعتصم أولى من جعله للطلب إذ لا يلزم من طلب الشيء حصوله انتهى والام في ليسجنن لام قسم واللام الأولى هي المؤذنة بالمجيء بالقسم والصاغرون الأذلاء وقول يوسف عليه السلام رب السجن أحب إلى إلى قوله من الجاهلين كلام يتضمن التشكي إلى اللّه تعالى من حاله معهن وأصب مأخوذ من الصبوة وهي أفعال الصبا ومن ذلك قول دريد ابن الصمة ... صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاة قال للباطل أبعد ... قال ص أصب معناه امل وهو جواب الشرط والصبابة إفراط الشوق انتهى فاستجاب له ربه أي أجابه إلى ارادته وصرف عنه كيدهن في أن حال بينه وبين المعصية ٣٥وقوله سبحانه ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين بدا معناه ظهر ولما أبى يوسف عليه السلام من المعصية ويئست منه امرأة العزيز طالبته بأن قالت لزوجها إن هذا الغلام العبراني قد فضحني في الناس وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر بحسب أختياره وأنا محبوسة محجوبة فأما أذنت لي فخرجت إلى الناس فأعتذرت وكذبته وأما حبسته كما أنا محبوسة فحينئذ بدا لهم سجنه ع وليسجننه جملة دخلت عليها لام قسم والآيات ذكر فيها أهل التفسير أنها قد القميص وخمش الوجه وحز النساء أيديهن وكلام الصبي علىما روي قال ع ومقصد الكلام إنما هو أنهم رأوى سجنه بعد ظهور الآيات المبرئة له من التهمة فهكذا يبين ظلمهم له والحين في كلام العرب وفي هذه الآية الوقت من الزمان غير محدود يقع للقليل والكثير وذلك بين من موارده في القرآن ٣٦وقوله سبحانه ودخل معه السجن فتيان الآية المعنى فسجنوه فدخل معه السجن غلامان سجنا أيضا وروي أنهما كانا لملك الأعظم الوليد بن الريان أحدهما خبازه وأسمه مجلث والآخر ساقيه وأسمه نبو وروي أن الملك اتهمهما بأن الخباز منهما أراد سمه ووافقه على ذلك الساقي فسجنهما قاله السدي فلما دخل يوسف السجن استمال الناس فيه بحسن حديثه وفضله ونبله وكان يسلي حزينهم ويعود مريضهم ويسأل لفقيرهم ويندبهم إلى الخير فأحبه الفتيان ولزماه وأحبه صاحب السجن والقيم عليه وكان يوسف عليه السلام قد قال لأهل السجن أني اعبر الرؤيا وأجيد فروي عن ابن مسعود أن الفتيين استعملا هاتين المنامتين ليجرباه وروي عن مجاهد أنهما رأيا ذلك حقيقة فقال أحدهما اني اراني اعصر خمرا قيل فيه أنه سمى العنب خمرا بالمئال وقيل هي لغة ازد عمان يسمون العنب خمرا وفي قراءة أبي وابن مسعود أعصر عنبا وقوله أنا نراك من المحسنين قال الجمهور يريدان في العلم وقال الضحاك وقتادة المعنى من المحسنين في جريه مع أهل السجن واجماله معهم ٣٧وقوله عز و جل قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما روي عن السدي وابن إسحاق أن يوسف عليه السلام لما علم شدة تعبير منامة الرأءى الخبز وأنها تؤذن بقتله ذهب إلى غير ذلك من الحديث عسى أن لا يطالباه بالتعبير فال لهما معلما بعظيم عمله للتعبير أنه لا يجيئكما طعام في نومكما تريان أنكما رزقتماه إلا أعلمتكما بتأويل الذي أعلمكما به فروي أنهما قالا ومن أي لك ما تدعيه من العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم فال لهما ذلك مما علمني ربي ثم نهض ينحى لهما على الكفر ويقبحه ويحسن الإيمان باللّه فروي أنه قصد بذلك وجهين أحدهما تنسيتهما أمر تعبير ما سألا عنه إذ في ذلك النذارة بقتل أحدهما والآخر الطماعية في أيمانهما ليأخذ المقتول بحظه من الإيمان وتسلم له آخرته وقال ابن جريج أراد يوسف عليه السلام لا يأتيكما طعام في اليقظة قال ع فعلى هذا إنما عليهم بأنه يعلم مغيبات لاتعلق لها برؤيا وقصد بذلك أحد الوجهين المتقدمين وهذا على ما روي أنه بنئ في السجن فأخباره كأخبرا عيسى عليه السلام وقوله تركت مع أنه لم يتشبث بها جائز صحيح وذلك أنه أخبر عن تجنبه من أول بالترك وساق لفظ الترك استجلابا لهما عسى أن يتركا الترك الحقيقي الذي هو بعد الأخذ في الشيء والقومالمتروك ملتهم الملك وأتباعه ٣٨وقوله واتبعت الآية تماد من يوسف عليه السلام في دعائهما إلى الملة الحنيفية وقوله ماكان لنا أن نشرك باللّه من شيء من هي الزائدة الموكدة التي تكون مع الحجود وقوله لا يشكرون يريد الشكر التام الذي فيه الإيمان باللّه عز و جل ٣٩وقوله يا صاحبي السجن ءارباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار وصفه لهما بصاحبي السجن من حيث سكناه كما قال أصحاب الجنة وأصحاب النار ونحو ذلك ويحتمل أن يريد صحبتهما له في السجن كأنه قال يا صاحباي في السجن وعرضه عليهما بطلان أمر الأوثان بأن وصفها بالتفرق ووصف اللّه تعالى بالوحدة والقهر تلطف حسن وأخذ بيسير الحجة قبل كثيرها الذي ربما نفرت منه طباع الجاهل وعاندته وهكذا الوجه في محاجة الجاهل أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها ثم كذلك ابدا حتى يصل إلى الحق وإن أخذ الجاهل بجميع المذهب الذي يساق إليه دفعة أباه للحين وعانده ولقد ابتلى بارباب متفرقين من يخدم ابناء الدنيا ويؤملهم ٤٠وقوله ما تعبدون من دونه إلا أسماء أي مسميات ويحتمل وهو الراجح المختار أن يريد ما تعبدون من دونه الوهية ولا لكم تعلق باله إلا بحسب أن سميتم أصنامكم آلهة فليست عبادتكم لا للّه إلا بالاسم فقط لا بالحقيقة وأما الحقيقة فهي وسائر الحجارة والخشب سواء وإنما تعلقت عبادتكم بحسب الأسم الذي وضعتهم فذلك هو مبعودكم ومفعول سميتم الثاني محذوف تقديره آلهة هذا على أن الأسماء يراد بها ذوات الأصنام وأما على المعنى المختار من أن عبادتهم إنما هي لمعان تعطيها الأسماء وليست موجودة في الأصنام فقوله سميتموها بمنزلة وضعتموها أن الحكم إلا للّه أي ليس لأصنامكم والقيم معناه المستقيم وأكثر الناس لا يعلمون لجهالتهم وكفرهم ثم نادى يا صاحبي السجن ثانية لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب فروي أنه قال لنبو أما أنت فتعوذ إلى مرتبتك وسقاية ربك وقال لمجلث أما أنت فتصلب وذلك كله بعد ثلاث فروي أنهما قالا له ما رأينا شيئا وإنما تحالمنا لنجربك وروي أنه لم يقل ذلك إلا الذي حدثه بالصلب وقيل كأنا رأينا ثم أنكرا ثم أخبرهما يوسف عن غيب علمه من اللّه تعالى أن الأمر قد قضي ووافق القدر ٤٢وقوله وقال للذين ظن أنه ناج منهما الآية الظن هنا بمعنى اليقين لأن ما تقدم من قوله قضى الأمر يلزم ذلك وقال قتادة الظن هنا على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن قال ع وقول يوسف عليه السلام قضي الأمر دال على وحي ولا يترتب قول قتادة إلا بإن يكون بعد وفي الآية تأويل آخر وهو أن يكون ن مسندا إلى الذي قيل له أه يسقى ربه خمرا لأنه داخله السرور بما بشر به وغلب على ظنه ومعتقده أنه ناج وقوله أذكرني عند ربك يحتمل أن يريد أن يذكره بعلمه ومكانته ويحتمل أن يذكره بمظلمته وما امتحن به بغير حق يذكره يحمله ذلك والضمير في انساه قيل هو عائد على يوسف أي نسي في ذلك الوقت أن يشتكي إلى اللّه فروي أن جبريل جاءه فعاتبه عن اللّه عز و جل في ذلك قيل أوحي إليه يا يوسف أتخذت من دوني وكيلا لا طيلن سبحانك واللّه أعلم بصحته وقيل الضمير في انساه عائد على الساقي قاله ابن إسحاق أي نسي ذكر يوسف عند ربه وهو الملك والبضع اختلف فيه والأكثر أنه من الثلاثة إلى العشرة قاله ابن عباس وعلى هذا فقه مذهب مالك في الدعاوي والإيمان وقال قتادة البضع من الثلاثة إلى التسعة ويقوى هذا قوله صلى اللّه عليه و سلم لأبي بكر الصديق في يقصة خطره مع قريش في غلبة الروم لفارس أما علمت أن البضع من الثلاث إلى التسع ٤٣وقوله سبحانه وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف روي أنه قال رأيتها خارجة من نهر وخرجت وراءها سبع عجاف فأكلت تلك السمان وحصلت في بطونها ورأى السنابل أيضا كما ذكر والعجاف التي بلغت غاية الهزال ثم قال لحاضريه يا أيها الملأ افتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون وعبارة الرؤيا مأخذوة من عبر النهر وهو تجاوزه من شط إلى شط فكان عابر الرؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها قال ص وإنما لم يضف سبع إلى عجاف لأن اسم العدد لا يضاف إلى الصفة إلا في الشعر انتهى ٤٤وقوله سبحانه قالوا أضغاث أحلام الآية الضعث في كلام العرب أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب ونحوه وربما كان ذلك من جنس واحد وربما كان من اخلاط النبات والمعنى أن هذا الذي رأيت أيها الملك اختلاط من الأحلام بسبب النوم ولسنا من أهل العلم بما هو مختلط ورديء والأحلام جمع حلم وهو ما يخيل إلى الإنسان في منامه والأحلام والرؤيا مما أثبتته الشريعة وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الرؤيا من اللّه وهي من المبشرة والحلم المحزن من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل عن يساره ثلاث مرات وليقل أعوذ باللّه من شر ما رأيت فإنه لا تضره وما كان عن حديث النفس في اليقظة فإنه لا يلتفت إليه ولما سمع الساقي الذي نجا هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه تذكر يوسف وعلمه بالتأويل فقال مقالته في هذه الآية وادكر أصله اذتكر من الذكر فقلبت التءا دالا وأدغم الأول في الثاني وقرا جمهور الناس بعد أمة وهي المدة من الدهر وقرأ ابن عباس وجماعة بعد أمة وهو النسيان وقرأ مجاهد وشبل بعد أمة بسكون الميم وهو مصدر من أمه إذا نسي وبقوله أذكر يقوى قول من قال إن الضمير في أنساه عائد على الساقي والأمر محتمل وقرأ الجمهور انا انبئكم وقرأ الحسن بن أبي الحسن انا آتيكم وكذلك في مصحف أبي وقوله فارسلون استيذان في المضي ٤٦وقوله يوسف أيها الصديق افتنا المعنى فجاء الرسول وهو الساقي إلى يوسف فقال له يوسف أيها الصديق وسماه صديقا من حيث كان جرب صدقه في غير ما شيء وهو بناء مبالغة من الصدق ثم قال له افتنا في سبع بقرات أي فيمن رأى في المنام سبع بقرات وقوله لعلهم يعلمون أي تأويل هذه الرؤيا فيزول هم الملك لذلك وهم الناس وقيل لعلهم يعلمون مكانتك من العلم وكنه فضلك فيكون ذلك سببا لتخلصك ودأبا معناه ملازمة لعادتكم في الزراعة وقوله فما حصدتم فذروه في سنبله إشارة برأيى نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة ابقائها في السنبل والمعنى أتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل فيجتمع الطعام هكذا ويتركب ويؤكل الأقدام فالأقدام وروي أن يوسف عليه السلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره قال له الملك قد اسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة فكان هذا أول ما ولي يوسف وتحصنون معناه تحرزون وتخزنون قاله ابن عباس وهو مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ ومنه تحصن النساء لأنه بمعنى التحرز وقوله يغاث الناس جائز أن يكون من الغيث وهو قول ابن عباس وجمهور المفسرين أي يمطرون وجائز أن يكون من أغاثهم اللّه إذا فرج عنهم ومنه الغوث وهو الفرج وفيه يعصرون قال جمهور المفسرين هي من عصر النباتات كالزيتون والعنب والقصب والسمسم والفجل ومص ربلد عصر لأشياء كثيرة ٥٠وقوله سبحانه وقال الملك ايتوني به فلما جاءه الرسول الآية لما رأى الملك وحاضروه نبل التعبير وحسن الرأي وتضمن الغيب في أمر العام الثامن مع ما وصف به من الصدق عظم يوسف في نفس الملك وقال ايتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك يعني الملك فسأله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن وقصده عليه السلام بيان براءته وتحقق منزلته من العفة والخير فرسم القصة بطرف منها إذا وقع النظر عليه بأن الأمر كله ونكب عن ذكر امرأة العزيز حسن عشرة ورعاية لذمام ملك العزيز له وفي صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن القاسم صاحب ملك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه وسلم ولو لبثت في السجن لبث يوسف لاجبت الداعي المعنى لو كنت أنا لبادرت بالخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك وذلك أن هذه القصص والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها إلى يوم القيامة فأراد صلى اللّه عليه و سلم حمل الناس على الاحزم من الأمور وذلك أن التارك لمثل هذه الفرصة ربما نتج له بسبب التأخير خلاف مقصوده وإن كان يوسف قد آمن ذلك بعلمه من اللّه فغيره من الناس لا يأمن ذلك فالحالة التي ذهب النبي صلى اللّه عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم ومدح ليقتدى به وما فعله يوسف عليه السلام حالة صبر وتجلد قال ابن العربي في أحكامه وأنظر إلى عظيم حلم يوسف عليه السلام ووفرو أدبه كيف قال ما بال النسوة اللتي قطعن أيديهن فذكر النساء جملة لتدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح دون التصريح انتهى وهذه كانت أخلاق نبينا صلى اللّه عليه وسلم لا يقابل أحد بمكروه وإنما يقول ما بال أقوام يفعلون كذا من غير تعيين وبالجملة فكل خصلة حميدة مذكورة في القرآن أتصف بها الأنبياء والأصفياء فقد أتصف بها نبينا صلى اللّه عليه وسلم إذ كان خلقه القرآن كما روته عائشة في الصحيح وكما ذكر اللّه سبحانه اولائك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده انتهى وقوله إن ربي بكيدهن عليم فيه وعيد ٥١وقوله قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه المعنى فجمع الملك النسوة وامرأة العزيز معهن وقال لهن ما خطبكن الآين أي أي شيء كانت قصتكن فجاوب النساء بجواب جيد تظهر منه براءة أنفسهن واعطين يوسف بعض براءة فقلن حاش للّه ما علمنا عليه من سوء فلماس معت امرأة العزيز مقالتهن وحيدتهن حضرتها نية وتحقيق فقالت الآن حصحص الحق أي تبين الحق بعد خفائه قاله الخليل وغيره قال البخاري حاش وحاشى تنزيه واستثناء وحصحص وضح انتهى ثم أقرت على نفسها بالمراودة والتزمت الذنب وابرأت يوسف البراءة التامة وقوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب إلى قوله ربي غفور رحيم اختلف فيه أهل التأويل هل هو من قول يوسف من قول امرأة العزيز ٥٤وقوله سبحانه وقال الملك ايتوني به استخلصه لنفسي المعنى أن الملك لما تبينت له براءة يوسف وتحقق في القصة أمانته وفهم أيضا صبره وعلو همته عظمت عنده منزلته وتيقن حسن خلاله فقال ايتوني به استخلصه لنفسي فلما جاءه وكلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين أي متمكن مما أردت أمين على ما ائتمنت عليه من شيء أما أمانته فلظهور براءته وأما مكانته فلثبوت عفته وتراهته انتهى ولما فهم يوسف عليه السلام من الملك أنه عزم على تصريفه والاستعانة بنظره قال أجعلني على خزائن الأرض لما في ذلك من مصالح العباد قال ع وطلبه يوسف للعمل إنما هي حسبة منه عليه السلام في رغبته في أن يقع العدل وجائز أيضا للمرء أن يثني على نفسه بالحق إذا جهل أمره والخزائن لفظ عام لجميع ما تختزنه المملكة من طعام ومال وغيره ٥٦وقوله سبحانه وكذلك مكنا ليوسف في الأرض الإشارة بذلك إلى جميع ما تقدم من جميل صنع اللّه به فروي أن العزيز مات في تلك الليالي وقال ابن إسحاق بل عزله الملك ثم مات اظفير فولاه الملك مكانه وزوجه زوجته فلما دخلت عليه عروسا قال لها أليس هذا خيرا مما كنت أردت فدخل يوسف بها فوجدها بكرا وولدت له ولدين وروي أيضا أن الملك عزل العزيز وولي يوسف موضعه ثم عظم ملك يوسف وتغلب على حال الملك أجمع قال مجاهد وأسلم الملك آخر أمره ودرس أمر العزيز وذهبت دنياه ومات وافتقرت زوجته وشاخت فلما كان في بعض الأيام لقيت يوسف في طريق والجنود حوله ووراءه وعلى رأسه بنود عليها مكتب هذه سبيلي ادعوا إلى اللّه على بصيرة انا ومن ابعني وسبحان اللّه وما انا من المشركين فصاحب به وقالت سبحان اللّه من أعز العبيد بالطاعة وأذل الأرباب بالمعصية فعرفها وقالت له تعطف علي وارزقني شيئا فدعا له وكلمها واشفق لحالها ودعا اللّه تعالى فرد عليها جمالها وتزوجها وروي في نحو هذا من القصص ما لا يوقف على صحته ويطول الكلام بسبوقه وباقي الآية بين واضح للمستبصرين ونور وشفاء لقلوب العارفين وقوله ليوسف ابو البقاء اللام زائدة أي مكنا يوسف ويجوز ألا تكون زائدة فالمفعول محذوف أي مكنا ليوسف الأمور انتهى ٥٨وقوله عز و جل وجاء أخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون قال السدي وغيره سبب مجيئهم أن المجاعة اتصلت ببلادهم وكان الناس يمتارون من عند يوسف وهو في رتبة العزيز المتقدم وكان لا يعطى الوارد أكثر من حمل بعير يسوي بين الناس فلما ورد أخوته عرفهم ولم يعرفوه لبعد العهد وتغير سنه ولم يقع لهم بسبب ملكه ولسانه القبطي ظن عليه وروي في بعض القصص أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجيمع أمرهم فباحثهم بأن قال لهم بترجمان اظنكم جواسيس فاحتاجوا حينئذ إلى التعريف بأنفسهم فقالوا نحن أبناء رجل صديق وكنا اثني عشر ذهب منا واحد في البرية وبقي أصغرنا عند أبينا وجئنا نحن للميرة وسقنا بعير الباقي منا وكنا عشرة ولهم أحد عشر بعير فقال لهم يوسف ولم تخلف أحدكم قالوا لمحبة أبينا فيه قال فأتوا بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم وأرى لم أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين وروي في القصص أنهم وردوا مصر واستأذنوا على العزيز وانتسبوا في الاستيذان فعرفهم وأمر بإنزالهم وأدخالهم في ثاني يوم على هيئة عظيمة لملكه وروي أنه كان متلثما ابدا سترا لجماله وأنه كان يأخذ الصلواع فينقره ويفهم من طنينه صدق الحديث من كذبه فسئلوا عن أخبارهم فكلما صدقوا قال لهم يوسف صدقتم فلما قالوا وكان لنا أخ أكله الذيب أطن يوسف الصواع وال كذبتم ثم تغير لهم وقال أراكم جواسيس وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم في ذلك في قصص طويل جاءت الإشارة إليه في القرآن والجهاز ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع وقوله بأخ لكم ص نكره ليريهم أنه لا يعرفه وفرق بين غلام لك وبين غلامك ففي الأول أنت جاهل به وفي الثاني أنت عالم لأن التعريف به يفيد نوع عهد في الغلام بينك وبين المخاطب انتهى وقول يوسف ألا ترون أني أوفي الكيل الآية يرغبهم في نفسه آخرا ويؤنسهم ويستميلهم والنزلين يعني المضيفين ثم توعدهم بقوله فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون أي في المستأنف وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال كان يوسف يلقى حصاة في إناء فضة مخوص بالذهب فيظن فيقول لهم إن هذا الإناء يخبرني أن لكم أبا شيخا وروي أن ذلك الإناء به كان يكيل الطعام إظهارا لعزته بحسب غلائه وروي أن يوسف استوفى في تلك السنين أموال الناس ثم املاكهم وظاهر كل ما فعله يوسف معهم أنه بوحي وأمر وإلا فكان بر يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه لكن اللّه تعالى أعلمه بما يصنع ليكمل أجر يعقوب ومحنته وتتفسر الرؤيا الأولى وقوله لعلهم يعرفونها يريد لعلهم يعرفوا لها يدا وتكرمة يرون حقها فيرغبون في الرجوع إليناوأما ميز البضاعة فلا يقال فيه لعل وقيل قصد يوسف برد البضاعة أن يتحرجوام ن أخذ الطعام بلا ثمن فيرجعوا لدفع الثمن وهذا ضعيف من وجوه وسرورهم بالبضاعة وقولهم هذه بضاعتنا ردت إلينا يكشف أن يوسف لم يقصد هذا وإنما قصد أن يستميلهم ويصلهم ويظهر أن ما فعله يوسف من صلتهم وجبرهم في تلك الشدة كان واجبا عليه وقيل علم عدم البضاعة والدرهم عند أبيه فرد البضاعة إليهم ليلا يمنعهم العدم من الرجوع إليه وقيل جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك ليبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة والظاهر من القصة أنه إنما أراد الاستيلاف وصلة الرحم وأصل نكتل نكتئل وقولهم منع منا الكيل ظاهره أنهم أشاروا إلى قوله فلا كيل لكم عندي فهو خوف من المستأنف وقيل اشاروا إلى بعير يامين والأول أرجح ثم تضمنوا له حفظه وحيطته وقول يعقوب عليه السلام هل آمنكم عليه الآية هل توقيف وتقرير ولم يصرح بممنعهم من حمله لما رأى في ذلك من المصلحة لكنه أعلمهم بقلة طمانينته إليهم ولكن ظاهر أمرهم أنهم قد أنابوا إلى اللّه سبحانه وانتقلت حالهم فلم يخف على يامين كخوفه على يوسف وقرأ نافع وغيره خير حفظا وقرأ حمزة وغيره خير حافظا ونصب ذلك في القراءتين على التمييز والمعنى أن حفظ اللّه خير من حفظكم فاستسلم يعقوب عليه السلام للّه وتوكل عليه وقولهم ما نبغي يحتمل أن تكون ما استفهاما قاله قتادة ونبغي من البغية أي ماذا نطلب بعد هذه التكرمة هذا مالنا رد إلينا مع ميرتنا قال الزجاجويحتمل أن تكون مانافية أي ما بقي لنا ما نطلب ويحتمل أن تكون أيضا نافية ونبغي منا البغي أي ما تعدينا فكذبنا على هذا الملك ولا نفي وصف اجماله واكرامه هذه البضاعة ردت إلينا وقرأ أبو حيوة ما تبغي على مخاطبة يعقوب وهي بمعنى ما تريد وما تطلب وقولهم ونزدادكيل بعير يردون بعير أخيهم إذ كان يوسف إنما حمل لهم عشرة أبعرة ولم يحمل الحادي عشر لغيب صاحبه وقولهم ذلك كيل يسير قيل معناه يسير على يوسف أن يعطيه وقال السدي يسير أي سريع لا نحبس فيه ولا نمطل وقوله تعالى فلما ءاتوه موثقهم فالآية أي لما عاهدوه اشهد اللّه بينه وبينهم بقوله اللّه على ما نقول وكيل والوكيل القيم الحافظ الضامن وقوله إلا أن يحاط بكم لفظ عام لجميع وجوه الغلبة أنظر أن يعقوب عليه السلام قد توثق في هذه القصة وأشهد اللّه تعالى ووصى بنيه وأخبر بعد ذلك بتوكله فهذا توكل مع من سبب وهو توكل جميع المؤمنين إلا من شذ في رفض السعي بالكلية وقنع بالماء وبقل البرية فتلك غاية التوكل وعليها بعض الأنبياء عليهم السلام والشارعون منهممثبتون سنن التسبب الجائز قال الشيخ العارف باللّه عبد اللّه بن أبي حمزة رضي اللّه عنه وقد أشتمل القرآن على أحكام عديدة فمنها التعلق باللّه تعالى وترك الأسباب ومنها عمل الأسباب في الظاهر وخلو الباطن من التعلق بها وهو اجلها وازكاها لأن ذلك جمع بين الحكمة وحقيقة التوحيد وذلك لا يكون إلا للافذاذ الذين من اللّه عليهم بالتوفيق ولذلك مدح اللّه تعالى يعقوب عليه الصلاة و السلام في كتابه فقال وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون لأنه عمل الأسباب وأجتهد في توفيتها وهو مقتضى الحكمة ثم رد الأمر كله للّه تعالى واستسلم إليه وهو حقيقة التوحيد فقال وما أغنى عنكم من اللّه من شيء أن الحكم إلا للّه الآية فأنثى اللّه تعالى عليه من أجل جمعه بين هاتين الحالتين العظيمتين وقوله لا تدخلوا من باب واحد قيل خشي عليهم العين لكونهم أحد عشر لرجل واحد وكانوا أهل جمال وبسطة قاله ابن عباس وغيره ٦٨وقوله سبحانه ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم روي أنه لما ودعوا أباهم قال لهم بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له أن أبانا يصلي عليك ويدعو لك ويشكر صنيعك معنا وفي كتاب أبي منصور المهراني أنه خاطبه بكتاب قرئى على يوسف فبكى وقوله سبحانه ما كان يغنى عنهم من اللّه من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها بمثابة قولهم لم يكن في ذلك دفع قدر اللّه بل كان أربا ليعقوب قضاه فالاستثناء ليس من الأول والحاجة هي ان يكون طيب النفس بدخولهم من أبواب متفرقة خوف العين ونظير هذا الفعل أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سد كوة في قبر بحجر وقال إن هذا لا يغني شيئا ولكنه تطييب لنفس الحي ثم اثنى اللّه عز و جل على يعقوب بأنه لقن ما علمه اللّه من هذا المعنى وأن أكثر الناس ليس كذلك وقال قتادة معناه لعامل بما علمناه وقال سفيان من لا يعمل لا يكون عالما قال ع وهذا لا يعطيه اللفظ إما أنه صحيح في نفسه يرجحه المعنى وما تقتضيه منزلة يعقوب عليه السلام وقوله اني الا اخوك قال ابن إسحاق وغيره أخبره بأنه أخوه حقيقة واستكتمه وقال له لا تبال بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم وكان يامين شقيق يوسف وقوله فلا تبتئس بما كانوا يعملون يحتمل أن يشير إلى ما عمله الأخوة ويحتمل الإشارة إلى ما يعمله فتيان يوسف من أمر السقاية ونحو ذلك وتبتئس من البؤس أي لا تحزن ولا تهتم وهكذا عبر المفسرون ٧٠وقوله سبحانه فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون هذا من الكيد الذي يسره اللّه ليوسف عليه السلام وذلك أنه كان في دين يعقوب أن يستعبد السارق وكان في دين مصر أن يضرب ويضعف عليه العزم فعلم يوسف أن أخوته لثقتهم ببراءة ساحتهم سيدعون في السرقة إلى حكمهم فتحيل لذلك واستسهل الأمر على ما فيه من رمي ابرياء وادخال الهم على يعقوب وعليهم لما علم في ذلك من الصلاح في الآجل وبوحي لا محالة واردة من اللّه محنتهم بذلك والسقاية الإناء الذي به يشرب الملك وبه كان يكيل الطعام للناس هكذا نص جمهور المفسرين ابن عباس وغيره ووري أنه كان من فضة وهذا قول الجمهور وكان هذا الجعل بغير علم من يامين قاله السدي وهو الظاهر فلما فصلت العير باوقارها وخرجت من مصر فيما روي امر بهم فحبسوا واذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ومخاطبة العير مجاز والمراد أربابها ت قال الهروي قوله تعالى ايتها العير الإبل والحمير التي يحمل عليها الأحمال وأراد أصحاب العير وهذا كقوله صلى اللّه عليه و سلم يا خيل اللّه أركبي أراد يا أصحاب خيل اللّه اكبي وأنت ايا لأنه للعير وهي جماعة انتهى فلما سمع أخوة يوسف هذه المقالة اقبلوا عليم وساءهم أن يرموا بهذه المثلبة وقالوا ماذا تفقدون ليقع التفتيش فتظهر براءتهم ولم يلوذوا بالإنكار من أول بل سألوا إكمال الدعوى عسى أن يكون فيها ما تبطل به فلا يحتاج إلى خصام قالوا نفقد صواع الملك وهو المكيال وهو السقاية قال أبو عبيدة يؤنث الصواع من حيث سمي سقاية ويذكر من حيث هو صاع ت ولفظ أبي عبيدة الهروي قال الأخفش الصاع يذكر ويؤنث قال اللّه تعالى ثم استخرجهامن وعاء أخيه فانث وقال لمن جاء به حمل بعير فذكر لأنه عني به الصواع انتهى وقوله ولمن جاء به حمل بعير أي لمن دل على سارقه وجبر الصواع وهذا جعل وقوله وأنا به زعيم حمالة قال مجاهد الزعيم هو المؤذن الذي قال أيتها العير والزعيم الضامن في كلام العرب ٧٣وقوله تعالى قالوا تاللّه لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض روي أن أخوة يوسف كانوا ردوا البضاعة الموجودة في الرحال وتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فلذلك قالوا لقد علمتم أي لقدعلمتم منا التحري وروي أنهم كانوا قد اشتهروا بمصر بصلاح وتعفف وكانوا يجعلون الأكمة في أفواه إبلهم ليلا تنال زروع الناس فلذلك قالوا لقد علمتم والتاء في تاللّه بدل من الواو ولا تدخل التاء في القسم إلا في هذا الإسم قال ابن العربي في أحكامه قال الطبري ٧٤قوله تعالى قالوا جزاؤه من وجد في رحله على حذف مضاف تقديره جزاؤه استعباد استرقاق من وجد في رحله انتهى وقولهم كذلك نجزي الظالمين أي هذه سنتنا وديننا في أهل السرقة أن يتملك السارق كما تملك هو الشيء المسروق ٧٥وقوله سبحانه فبدأ بأوعيتهم الآية بدؤه أيضا من أوعيتهم تمكين للحيلة وإبعاد لظهور أنها حيلة وأضاف اللّه سحبانه الكيد إلى ضميره لما خرج القدر الذي أباح به ليوسف أخذ أخيه مخرج ما هو في اعتقاد الناس كيد وقال السدي والضحاك كدنا معناه صنعنا ودين الملك فسره ابن عباس بسلطانه وفسره قتادة بالقضاء والحكم وهذا متقارب قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى كذلك كذنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إذ كان الملك لا يرى استرقاق السارق وإنما كان دينه أن يأخذ المجني عليه من السارق مثلي السرقة إلا إن يشاء اللّه التزام الأخوة لدين يعقوب بالاسترقاق فقضى عليهم به انتهى قال ع والاستثناء في هذه الآية حكاية حال التقدير إلا أن يشاء اللّه وما وقع من هذه الحيلة وروى أبو عمر بن عبد البر بسنده عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال في قوله عز و جل نرفع درجات من نشاء قال بالعلم انتهى من كتاب العلم وقوله سبحانه وفوق كل ذي علم عليم المعنى أن البشر في العلم درجات فكل عالم فلا بد من أعلم منه فأما من البشر وأما اللّه عز و جل فهذا تأويل الحسن وقتادة وابن عباس وروي أيضا عن ابن عباس إنما العليم اللّه وهو فوق كل ذي علم قال ابن عطاء اللّه في التنوير أعلم أن العلم حيث ما تكرر في الكتاب العزيز في السنة فإنما المراد به العلم النافع الذي تقارنه الخشية وتكتنفه المخافة انتهى قال الشيخ العراف أبو القاسم عبد الرحمن ابن يوسف اللجاءي رحمه اللّه إذا كملت للعبد ثلاث خصال وصدق فيهاتفجر العلم من قلبه على لسناه وهي الزهد والإخلاص والتقوى قال ولا مطمع في هذا العلم المذكور إلا بعد معالجة القلب من عللّه التي تشينه كالكبر والحسد والغضب والرياء والسمعة والمحمدة والجاه والشرف وعلو المنزلة والطمع والحرص والقسوة والمداهنة والحقد والعداوة وكل ما عددناه من العلل وما لم نعده راجع إلى أصل واحد وهو حب الدنيا لأن حبها عنه يتفرع كل شر وعنه يتشعب كل قبيح فإذا زالت هذه العل ظهر الصدق والإخلاص والتواضع والحلم والورع والقناعة والزهد والصبر والرضى والأنس والمحبة والشوق والتوكل والخشية والحزن وقصر الأمل ومزاج النية بالعلم فينبع العلم وينتفي الجهل ويضيء القلب بنور الاهي ويتلألأ الإيمان وتوضح المعرفة ويتسع اليقين ويتقوى الإلهام وتبدو الفراسات ويصفى السر وتتجلى الأسرار وتوجد الفوائد قال رحمه اللّه وليس بين العبد والترقي من سفل إلى علو الأ حب الدنيا فإن الترقي يتعذر من أجل حبها لأنها جاذبة إلى العالم الظلماني وطباع النفوس لذلك ماثلة فإن أردت أن تقتفي أثر الذاهبين إلى اللّه تعالى فاستخفف بدنياك وأنظرها بعين الزوال وأنزل نفسك عند أخذ القوت منها منزلة المضطر إلى الميتة والسلام انتهى وروي أن المفتش كان إذا فرغ من رحل رجل فلم يجد فيه شيئا استغفر اللّه عز و جل من فعله ذلك وظاهر كلام قتادةوغيره أن المستغفر هو يوسف حتى انتهى إلى رحل بنيامين فقال ما أظن هذا الفتى رضي بهذا ولا أخذ شيئا فقال له إخوته واللّه لا تبرح حتى تفتشه فهو أطيب لنفسك ونفوسنا ففتش حينئذ فأخرج السقاية وروي أن أخوة يوسف لما رأوا ذلك عنفوا بنيامين وقالوا له كيف سرقت هذه السقاية فقال لهم واللّه ما فعلت فقالوا له فمن وضعها في رحلك قال الذي وضع البضاعة في رحالكم والضمير في قوله استخرجها عائد على السقاية ويحتمل على السرقة ٧٧وقوله سبحانه قالوا إن يسرق أي قالوا أخوة يوسف إن كان هذا قد سرق فغير بدع من ابني راحيل لأن أخه يوسف قد كان سرق فهذا من الأخوة إنحاء على ابني راحيل يوسف ويامين وهذه الأقوال منهم عليهم السلام إنما كانت بحسب الظاهر موجب الحكم في النازلتين فلم يعنوا في غيبة ليوسف وإنما قصدوا الأخبار بأمر جرى ليزول بعض المعرة عنهم ويختص بها هذان الشقيقان وأما ما روي في سرقة يوسف فالجمهور على أن عمته كانت ربته فلما شب أراد يعقوب أخذه منها فولعت به وأشفقت من فراقه فأخذت منطقة إسحاق وكانت متوارثة عندهم فنطقته بها من تحت ثيابه ثم صاحب وقالت إني قد فقدت المنطقة ويوسف قد خرج بها ففتشت فوجدت عنده فاسترقته حسب ما كان في شرعهم وبقي عندها حتى ماتت فصار عند أبيه وقوله فاسرها يوسف يعني أسر الخرة التي حدثت في نفسه من قول الأخوة وقوله أنتم شر مكانا الآية الظاهرمنه أنه قالها افصاحا كأنه أسر لهم كراهية مقالتهم ثم نجههم بوقهل أنتم شر مكانا أي لسوء أفعالكم واللّه أعلم إن كان ما وصفتموه حقا وفي اللفظ إشارة إلى تكذبيهم ومما يقوي هذا عندي أنهم تركوا الشفاعة بأنفسهم وعدلوا إلى الشفاعة بأبيهم عليه السلام وقالت فرقة لم يقل هذا الكلام إلا في نفسه وأنه تفسير للذي أسر في نفسه فكأن المراد قال في نفسه انتم شر مكانا وذكر الطبري هنا قصصا اختصاره أنه لما استخرجت السقاية من رحل يامين قال أخوته يا بني راحيل لا يزال البلاء ينالنا من جهتكم فقال يامين بل بنو راحيل ينالهم البلاء منكم ذهبتم بأخي فأهكتموه ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم فقالوا لا تذكر الدراهم ليلا نؤخذ بها ثم دخلوا على يوسف فأخذ الصواع فنقره فظن فقال أنه يخبر أنكم ذهبتم بأخ لكم فبعتموه فسجد يامين وقال أيها العزيز سل سواعك هذا يخبرك بالحق في قصص يطول أثرنا اختصاره وروي أن روبيل غضب وقف شعره حتى خرج من ثيابه فأمر يوسف بنياله فمسه فسكن غضبه فقال روبيل لقد مسني أحد من ولد يعقوب ثم أنهم تشاوروا في محاربة يوسف وكانوا أهل قوة لا يدانون في ذل فلما أحس يوسف بذلك قال إلى روبيل فلببه وصرعه فرأوا من قوته ما استعظموه وقالوا يا أيها العزيز الآية وخاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك الخطة بعزل الأول موته علىما روي في ذلك وقوله فخذ أحدنا مكانه يحتمل أن يكون ذلك منهم مجازا ويحتمل أن يكون حقيقة على طريق الحمالة حتى يصل يامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر فمنع يوسف من ذلك وقال معاذ اللّه الآية ٨٠وقوله سبحانه فلما استيأسوا منه الآية يقا يئس واستيأس بمعنى واحد قال البخاري خلصوا نجيا اعتزلوا والجمع أنجية وللأثنين والجمع نجي وأنجية انتهى وقال الهروي خلصوا نجيا أي تميزوا عن الناس متناجين انتهى وكبيرهم قال مجاهد هو شمعون كان كبيرهم رأيا وعلما وإن كان روبيل أسنهم وقال قتادة هو روبيل لأنه اسنهم وهذا أظهر ورجحه الطبري وذكرهم أخوهم ميثاق أبيهم لتأتننى به إلا أن يحاط بكم وقوله فلن أرح الأرض قال ص برح التامة بمعنى ذهب وظهر ومنه برح الخفاء أي ظهر والمتوجه هنا معنى ذهب لكنه لاينصب الظرف المكاني المختص إلا بواسطة فاحتيج إلى تضمينه معنى فارق والأرض مفعول به ولا يجوز أن تكون ابرح ناقصة انتهى ٨١وقوله ارجعوا إلى أبيكم الأمر بالرجوع قيل هو من قول كبيرهم وقيل من قول يوسف والأول أظهر وذكر الطبري أن يوسف قال لهم إذا أتيتم أباكم فاقرءوا عليه السلام وقولوا له إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف ليعلم أن في أرض مصر صديقين مثله وقرأ الجمهور سرق وروي عن الكسائي وغيره سرق ببنائه للمفعول وما شهدنا إلا بما علمنا أي باعتبار الظاهر والعلم في الغيب إلى اللّه ليس ذلك في حفظنا هذا تأويل ابن إسحاق ثم استشهدوا بالقرية التي كانوا فيها وهي مصر قاله ابن عباس والمراد أهلها قال البخاري سولت أي زبنت وقوله يعقوب عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا يعني بيوسف ويامين وروبيل الذي لم يبرح الأرض ورجاؤه هذا من جهات منها حسن ظنه باللّه سبحانه في كل حال ومنها رؤيا يوسف المتقدمة فإنه كان ينتظرها ومنها ما أخبروه عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه ٨٤وقوله سبحانه وتولى عنهم أي زال بوجهه عنهم ملتجأ إلى اللّه وقال يا اسفى على يوسف قال الحسن خصت هذه الأمة بالاسترجاع ألا ترى إلى قول يعقوب يا اسفى قال ع والمراد يا اسفى لكن هذه لغة من يرد ياء الإضافة ألفا نحو يا غلاما ويا ابتا ولا يبعد أن يجتمع الاسترجاع ويا اسفى لهذه الأمة وليعقوب عليه السلام وروي أني عقوب عليه السلام حزم حزم سبعين ثكلى وأعطي أجر مائة شهيد وما ساء ظنه باللّه قط رواه الحسن عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو كظيم بمعنى كاظم كما قال والكاظمين الغيظ ووصف يعقوب بذلك لأنه لم يشك إلى أحد وإنما كان يكمد في نفسه ويمسك همه في صدره فكان يكظمه أي يرده إلى قلبه ت وهذاينظر إلى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم القب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب الحديث ذكر هذا صلى اللّه عليه و سلم عند موت ولده إبراهيم قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وأبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قال كظم على الحزن فلم يقل إلا خيرا انتهى قال ابن العربي في أحكامه وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال في أبنه إبراهيم أن العين دمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى الرب وانا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون وقال أيضا في الصحيح صلى اللّه عليه و سلم إن اللّه لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب وإنما يعذب بهذا وأشار إلى لسانه يرحم انتهى خرجه البخاري وغيره ٨٥وقوله تعالى قالوا تاللّه تفتؤا الآية المعنى تاللّه لا تفتأ فتحذف لا في هذا الموضع من القسم لدلالة الكلام عليها فمن ذلك قول امرئي القيس ... فقلت يمين اللّه ابرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ... ومنه قول الآخر ... تاللّه يبقى على الآيام ذو حيد ... أراد لا أبرح ولا يبقى وفتضى بمنزلة زال وبرح في المعنى والعمل تقول واللّه لافتئت قاعدا كما تقول لا زلت ولا برحت وعبارة الداودي وعن ابن عباس تفتؤا أي لا زلا تذكر يوسف حتى تكون حرضا انتهى والحرض الذي قد نهاه الهرم الحب الحزن إلى حال فساد الأعضاء والبدن والحس يقال رجل حارض أي ذو هم وحزن ومنه قول الشاعر ... إني امرؤ لج بي حب فاحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم ... والحرض بالجملة الذي فسد ودنا موته قال مجاهد الحرض ما دون الموت وفي حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم ما من مؤمن يمرض حتى يحرضه المرض إلا غفر له انتهى من رقائق ابن المبارك ثم اجابهم يعقوب عليه السلام بقوله إنما اشكوا بثي وحزني إلى اللّه أي إني لست ممن يجزع ويضجر وإنما أشكوا إلى اللّه والبث ما في صدر الإنسان مما هو معتزم أن يثبته وينشره وقالوا أبو عبيدة وغيره البث أشد الحزن قال الداودي عن ابن بير قال من بث فلم يصبر ثم قرأ إنما أشكوا بثي وحزني إلى اللّه انتهى وقول وتيأسوامن روح اللّه الآية الروح الرحمة ثم جعل اليأس من رحمة اللّه وتفريجه من صفة الكافرين إذ فيه ما التكذيب بالربوبية وأما الجهل بصفات اللّه تعالى والبضاعة القطعة من المال يقصد بها شراء شيء ولزمها عرف الفقه فيما لاحظ لحملها من الربح والمزجاة معناها المدفعوة المتحيل لها وبالجملة فمن يسوق شيئا ويتلطف في تسييره فقد ازجاه فإذا كانت الدراهم مدفوعة نازلة القدر تحتاج أنيعتذر معها ويشفع لها فهي مزجاة فقيل كان ذلك لأنها كانت زيوفا قاله ابن عباس وقيل كانت بضاعتهم عروضا وقولهم وتصدق علينا معناه ما بين الدراهم الجياد وبين هذه المزجاة قاله السدي وغيره وقال الداودي عن ابن جريج وتصدق علينا قال أردد علينا أخانا انتهى وهو حسن ٨٩وقوله تعالى هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون روي أن يوسف عليه السلام لما قال له إخوته مسنا وأهلنا الضر واستعطفوه رق ورحمهم قال ابن إسحاق وأرفض دمعه باكيا فشرع في كشف أمره إليهم فروي أنه حسر قناعة وقال لهم هل علمتم الآيةوما فعلتم بيوسف وأخيه أي من التفريق بينهما في الصغر وما نالهما بسببكم من المحن غذ أنتم جاهلون نسبهم إما إلى جهل المعصية وإما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة فلما خاطبهم هذه المخاطبة تنبهوا ووقع لهم الظن القوي وقرائن الحال أنه يوسف فقالوا ائنك لانت يوسف مستفهمين فأجباهم يوسف كاشفا أمره قال أنا يوسف وهذا أخي وباقي الآية بين ٩١وقوله سبحانه قالوا تاللّه لقد آثرك اللّه علينا وإن كنا لخطاطئين هذا منهم استنزال ليوسف وأقرار بالذنب في ضمنه استغفار منه وءاثرك لفظ يعم جميع التفضيل ٩٢وقوله لا تثريب عليكم عفو جميل وقال عكرمة أوحى اللّه إلى يوسف بعفوك عن أخوتك رفعت لك ذكرك والتثريب اللوم والعقوبة وماجرى معهما من سوء معتقد ونحوه وعبر بعض الناس عن التثريب بالتعيير ووقف بعض القرأة عليكم وابتدأ اليوم يغفر اللّه لكم ووقف أكثرهم اليوم وابتدأ يغفر اللّه لكم على جهة الدعاء هو تأويل ابن إسحاق والطبري وهو الصحيح الراجح في المعنى لأن الوقف الآخر فيه حكم على مغفرة اللّه اللّهم إلا أن يكون ذلك بوحي ٩٣وقوله إذهبوا بقميصى هذا فالقوه على وجه أبى قال النقاش روي أن هذا القميص كان من ثياب الجنة كساه اللّه إبراهيم ثم توارثه بنوه قال ع وهذا يحتاج إلى سند والظاهر أنه قميص يوسف كسائر القمص وقول يوسف يأت بصيرا فيه دليل على أن هذا كله بوحي وإعلام من اللّه تعالى وروي أن يعقوب وجد ريح يوسف وبينه وبين القميص مسيرة ثمانية أيام قاله ابن عباس وقال هاجت ريح فحملت عرفه وقول يعقوب إني لاجد ريح يوسف مخاطبة لحاضريه فروي أنهم كانوا حفدته وقيل كانوا بعض بنيه وقيل كانوا قرابته وتفندون معناه تردون رأيي وتدفعون في صدره وهذاهو التفنيذ لغة قال منذر بن سعيد يقال شيخ مفند أي قد فسد رأيه والذي يشبه أن تفتيدهم ليعقوب إنما كان لأنهم كانوا يعقتدون أن هواه قد غلبه في جانب يوسف وقال ص معنى تفندون تسفهون انتهى وقولهم إنك لفي ضلالك القديم يريدون لفي انتلافك في محبة يوسف وليس بالضلال الذي هو في العرف ضد الرشاد لأن ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به ٩٦وقوله سبحانه فلما ان جاء البشير القاه على وجهه فارتد بصيرا روي عن ابن عباس أن البشير كان يهوذا لأنه كان جاء بقميص الدم وبصيرا معناه مبصرا وروي أنه قال للبشير على أي دين تركت يوسف قال على الإسلام قال الحمد للّه الآن كملت النعمة وقوله تعالى قالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا الآية روي أن يوسف عليه السلام لما غفر لأخوته وتحققوا أن أباهم يغفر لهم قال بعضهم لبعض ما يغنى عنا هذا أن لم يغفر اللّه لنا فطلبوا حينئذ من يعقوب عليه السلام أن يطلب لهم المغفرة من اللّه تعالى واعترفوا بالخطأ فقال لهم يعقوب سوف استغفر لكم ربي ت وعن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعلي رضي اللّه عنه إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقد قال أخي يعقوب لنبيه سوف استغفر لكم ربي يقول حتى تأتي ليلة الجمعة وذكر الحديث رواه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح على شرط الشيخين يعني البخاري ومسلما انتهى من السلاح وقوله سبحانه ءاوى إليه أبويه قال بن إسحاق والحسن أراد بالأبوين أباه وأمه وقيل أراد أباه وخالته قال ع والأول أظهر بحسب اللفظ إلا أن يثبت بسند أن أمه قد كانت ماتت وقوله إن شاء اللّه هذا الاستثناء هو الذي ندب القرآن إليه أن يقوله الإنسان في جميع ما ينفذه في الستقبل والعرش سرير الملك وخروا له سجدا أي سجود تحية فقيل كان كالسجود المعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض وقيل بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه مما كان سيرة تحياتهم للملوك في ذلك الزمان وأجمع المفسرون أنه كان سجود تحية لا سجود عبادة وقال الحسن الضمير في له للّه عز و جل ورد هذا القول على الحسن ١٠٠وقوله عز و جل وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا المعنى قال يوسف ليعقوب هذا السجود الذي كان منكم هو ما آلت إليه رؤياي قديما في الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر قد جعلها ربي حقا ثم أخذ عليه السلام يعدد نعم اللّه عليه وقال وقد أخرجني من السجن وترك ذكر أخراجه من الجب لأن في ذكره تجدبد فعل أخوته وخزيهم وتحريك تلك الغوائل وتخبيث النفوس ووجه آخر أنه خرج من الجب إلى الرق ومن السجن إلى الملك فالنعمة هنا واضح أن ربي لطيف لما يشاء أي من الأمور أن يفعله أنه هو العليم الحكيم قال ع ولا وجه في ترك تعريف يوسف أباه بحاله منذ خرج من السجن إلى العز إلا الوحي من اللّه تعالى لما أراد أن يمتحن به يعقوب وبنيه وأراد من صورة جمعهم لا إله إلا هو وقال النقاش كان ذلك الوحي في الجب وهو قوله سبحانه وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وهذا محتمل ١٠١وقوله رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث الآية ذكر كثير من المفسرين أن يوسف عليه السلام لما عدد في هذه الآية نعم اللّه عنده تشوق إلى لقاء ربه ولقاء الجلة وصالحي سلفه وغيرهم من المؤمنين ورأى أن الدنيا قليلة فتمنى الموت في قوله توفني مسلما والحقني بالصالحين وقال ابن عباس لم يتمن الموت نبيء غير يوسف وذكر المهدوي تأويلا آخر وهو الأقوى عندي أنه ليس في الآية تمني موت وإنما تمنى عليه السلام الموافاة على الإسلام لا الموت وكذا قال القرطبي في التذكرة أن معنى الآية إذا جاء أجلي توفني مسلما قال وهذا القول هو المختار عند أهل التأويل واللّه أعلم انتهى وقوله صلى اللّه عليه و سلم لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إنما يريد ضرر الدنيا كالفقر والمرض ونحو ذلك ويبقى تمني الموت مخافة فساد الدين مباحا وقد قال صلى اللّه عليه و سلم في بعض أدعيته وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون وقوله أنت وليي أي القائم بأمري الكفيل بنصرتي ورحمتي ١٠٢وقوله عز و جل ذلك من أبناء الغيب نوحيه إليك ذلك إشارة إلى ما تقدم من قصة يوسف وهذه الآية تعريض لقريش وتنبيه على آية صدق نبينا صلى اللّه عليه وسلم وفي ضمن ذلك الطعن على مكذبيه والضمير في لديهم عائد على أخوة يوسف واجمعوا معناه عزموا والأمر هنا هو إلقاء يوسف في الجب وحكى الطبري عن أبي عمران الجوني أنه قال واللّه ما قص اللّه نبأهم ليعيرهم أنهم الأنبياء من أهل الجنة ولكن اللّه قص علينا نبأهم ليلا يقنط عبده وقوله سبحانه وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين الآية خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ١٠٤وقوله وما تسألهم عليه من أجر الآية توبيخ للكفرة وإقامة للحجة عليهم ثم ابتدأ الأخبار عن كتابه العزيز أنه ذكر وموعظة لجميع العالم نفعنا اللّه به ووفر حظنا منه ١٠٥وقوله سبحانه وكأين من آية في السموات والأرض يعني بالآية هنا المخلوقات المنصوبة للاعتبار الدالة على توحيد خالقها سبحانه وفي مصحف عبد اللّه يمشون عليها ١٠٦وقوله سبحانه وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون قال ابن عباس هي في أهل الكتاب وقال مجاهد وغيره هي في العرب وقيل نزلت بسبب قول قريش في الطواف التلبية لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سمع أحدهم يقول لبيك لا شريك لك يقول له قط قط أي قف هنا لا تزد إلا شريكا هو لك والغاشية ما يغشى ويضى ويضم وبغتة أي فجأة وهذه الآية من قوله وكاين من آية وأن كانت في الكفار فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغويا كالرياء فقد قال عليه السلام الرياء الشرك الأصغر ١٠٨وقوله سبحانه قل هذه سبيلي أدعوا إلى اللّه الآية إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة بأسرها قال ابن زيد المعنى هذا أمري وسنتي ومنهاجي والبصيرة اسم لمعتقد الإنسان في الأمر من الحق واليقين وقوله انا ومن اتبعني يحتمل أن يكون أنا تأكيد للضمير المستكن في أدعوا ومن معطوف عليه وذلك بأن تكون الأمة كلها أمرت بالمعروف داعية إلى اللّه الكفرة والعصاة قال ص ويجوز أن يكون أنا مبتدأ وعلى بصيرة خبر مقدم ومن معطوف عليه انتهى وسبحان اللّه تنزيه للّه أي وقل سبحان اللّه متبريا من الشرك ١٠٩وقوله سبحانه وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم الآية تتضمن الرد على من استغرب إرسال الرسل من البشر والقرى المدن قال الحسن لم يبعث اللّه رسولا قط من أهل البادية قال ع والتبدي مكروه إلا في الفتنة وحين يفر بالدين ولا يعترض هذا ببدو يعقوب لأن ذلك البدو لم يكن في أهل عمود بل هو بتقر وفي منازل وربوع وأيضا إنما جعله بدوا بالاضافة إلى مصر كما هي بنات الحواضر بدو بالإضافة إلى الحواضر ثم أحال سبحانه على الأعتبار في الأمم السالفة ثم حض سبحانه على الآخرة والأستعداد لها بقوله ولدار الآخرة خير الآية قال ص ولدار الآخرة خرجه الكوفيون على أنه من إضافة الموصوف لصفته وأصله وللدار الآخرة والبصريون على أنه من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه وأصله ولدار المدة الآخرة النشأة الآخرة انتهى وبتضمن قوله تعالى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم أن الرسل الذين بعثهم اللّه من أهل القرى دعوا اممهم فلم يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم المثلات فصاروا في حيز من يعتبر بعاقبته فلهذا المضمن حسن أن ندخل حتى في قوله حتى إذا استيأس الرسل وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وظنوا أنهم قد كذبوا بتشديد الذال وقرأ الباقون كذبوا بضم الكاف وكسر الذال المخففة فأما الأولى فمعناها أن الرسل ظنوا أن أممهم قد كذبتهم والظن هنا يحتمل أن يكون بمعنى اليقين ويحتمل أن يكون الظن على بابه ومعنى القراءة الثانية على المشهور من قول ابن عباس وابن جبير أي حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيماأدعوه من النبوة فيما توعدوهم به من العذاب لما طال الامهال واتصلت العافية جاءهم نصرنا وأسند الطبري أن مسلم بن يسار قال لسعيد بن جبير يا أبا عبد اللّه آية بلغت مني كل مبلغ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا فهذا هو الموت أن تظن الرسل الرسل أنهم قد كذبوا مخففة فقال له ابن جبير يا أبا عبد الرحمن إنما يئس الرسل من قومهم أن يجيبوهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال فرجت عني فرج اللّه عنك قال ع فرضي اللّه عنهم كيف كان خلقهم في العلم وقال بهذا التأويل جماعة وهو الصواب وأما تأويل من قال أن المعنى وظنوا أنهم قد كذبهم من أخبرهم عن اللّه فغير صحيح ولا يجوز هذا على الرسل وأين العصمة والعلم ت قال عياض فإن قيل فما معنى ١١٠قوله تعالى حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا على قراءة التخفيف قلنا المعنى في ذلك ما قالته عائشة رضي اللّه عنها معاذ اللّه أن تظن الرسل ذلك بربها وإنما معنى ذلك أن الرسل لما استيأسوا ظنوا أن من وعدهم النصر من اتباعهم كذبوهم وعلى هذا أكثر المفسرين وقل الضمير في ظنوا عائد على الاتباع والأمم لا على الأنبياء والرسل وهو قول ابن عباس والنخعي وابن جبير وجماعة وبهذا المعنى قرأ مجاهد كذبوا بالفتح فلا تشغل بالك من شاذ التفسير بسواه مما لا يليق بمنصب العلماء فكيف بالأنبياء انتهى من الشفا وقوله سبحانه جاءه نصرنا أي بتعذيب أممهم الكافرة فننجي من نشاء أي من اتباع الرسل ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين أي الكافرين والبأس العذاب ١١١وقوله سبحانه لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب أي في قصص يوسف وأخوته وسائر الرسل الذين ذكروا على الجملة ولما كان ذلك كله في القرآن قال عنه ما كان حديثا يفترى والذي بين يديه التوراة والإنجيل وباقي الآية بين واضح ت كنت في وقت انظر في السيرة لأبن هشام وأتأمل في خطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم وهي أول خطبة خطبها بالمدينة فإذا هاتف يقول لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى وقد كان حصل في القلب عبرة في أمره صلى اللّه عليه و سلم وافاضل أصحابه رضي اللّه عنهم أجمعين وسلك بنا مناهجهم المرضية والحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما |
﴿ ٠ ﴾