بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة الحجرمكية ١قوله عز و جل الر تلك ءايات الكتاب وقرءان مبين قال مجاهد وقتادة الكتاب في الآية ما نزل من الكتب قبل القرآن ويحتمل أن يراد بالكتاب القرآن ثم تعطف الصفة عليه وربما للتقليل وقد تجيء شاذة للتكثير وقال قوم أن هذه من ذلك وأنكر الزجاج أن تجيء رب للتكثير واختلف المتأولون في الوقت الذي يود فيه الكفار أن يكونوا مسلمين فقالت فرقة هو عند معاينة الموت حكي ذلك الضحاك وقالت فرقة هو عند معاينة أهوال يوم القيامة وقال ابن عباس وغيره هو عند دخولهم النار ومعرفتهم بدخول المؤمنين الجنة وروي فيه حديث من طريق أبي موسى ٣وقوله سبحانه ذرهم يأكلوا ويتمتعوا الآية وعيد وتهديد وما فيه من المهادنة منسوخ بآية السيف وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا الأوزاعي عن عروة بن رويم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به همتهم الوان الطعام والوان الثياب يتشدقون بالكلام انتهى وقوله فسوف يعلمون وعيد ثان وحكى الطبري عن بعض العلماء أنه قال الأول في الدنيا والثاني في الآخرة فكيف تطيب حياة بين هذين الوعيدين وقوله ويلههم الأمل أي يشغلهم أملهم في الدنيا والتزيد منها قال عبد الحق في العاقبة أعلم رحمك اللّه أن تقصير الأمل مع حب الدنيا متعذر وانتظار الموت مع الأكباب عليها غر متيسر ثم قال وأعلم أن كثرة الاشتغال بالدنيا والميل بالكلية إليها ولذة أمانيها تمنع مرارة ذكر الموت أن ترد على القلب وأن تلج فيه لأن القلب إذا امتلأ بشيء لم يكن لشيء آخر فيه مدخل فإذا أراد صاحب هذا القلب سماع الحكمة والأنتفاع بالموعظة لم يكن له بد من تفريقه ليجد الذكر فيه منزلا وتلفى الموعظة فيه محلا قابلا قال ابن السماك رحمه اللّه أن الموتى لم يبكوا من الموت لكنهم بكوا من حسرة الفوت فأتتهم واللّه دار لم يتزودوا منها ودخلوا دار لم يتزودا لها انتهى وإنما حصل لهم الفوت بسبب استغراقهم في الدنيا وطول الأمل الملهى عن المعاد الهمنا اللّه رشدنا بمنه ٤وقوله سبحانه وما أهلكنا من قرية الآية أي فلا تستبطئن هلاكهم فليس من قرية مهلك إلا بأجل وكتاب معلوم محدود ٦وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر الآية القائلون هذه المقالة هم كفار قريش ولو ما بمعنى لولا فتكون تحضيضا كما هي في هذه الآية وفي البخاري لوما تأتينا هلا تأتينا ٨وقوله إلا بالحق قال مجاهد المعنى بالرسالة والعذاب والظاهر أن معناه كما ينبغي ويحق من الوحي والمنافع التي أراها اللّه لعباده لا على اقتراح كافر ثم ذكر عادته سبحانه في الأمم من أنه لم يأتهم بآية افتراح إلا ومعها العذاب في أثرها أن لم يؤمنوا والنظرة التأخير ٩وقوله سبحانه انا نحن نزلنا الذكر رد على المستخفين في قولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر وقوله وانا له لحافظون قال مجاهد وغيره الضمير في له عائد على القرآن المعنى وانا له لحافظون من أن يبدل أويغير ١٠قوله سبحانه ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين الآية تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم أي لا يضق صدرك يا محمد بما يفعله قومك من الأستهزاء في قولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر وغير ذلك والشيعة الفرقة التابعة لراس ما ت قال الفراء في شيع الأولين أنه من أضافة الموصوف إلى صفته كحق اليقين وجانب الغربي وتأوله البصريون على حذف الموصوف أي شيع الأمم الأولين انتهى من ص ١٢وقوله سبحانه كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا بؤمنون به وقد خلت سنة الأولين يحتمل أن يكون الضمير في نسلكه يعود على الذكر المحفوظ المتقدم وهوالقرآن ويكون الضمير في به عائد عليه أيضا ويحتمل أن يعود الضميران معا على الأستهزاء والشرك ونحوه والباء في به باء السبب أي لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم ويحتمل أن يكون الضمير في نسلكه عائدا على الأستهزاء والشرك والضمير في به عائد على القرآن والمعنى في ذلك كله ينظر بعضه إلى بعض ونسلكه معناه ندخله والمجرمين هنا يراد بهم كفار قريش ومعاصرو النبي صلى اللّه عليه وسلم وقوله لا يؤمنون به عموم معناه الخصوص فيمن حتم عليه وقوله وقد خلت سنة الأولين أي على هذه الوتيرة ولو فتحنا عليهم أي على قريش وكفرة العصر والضمير في قوله فظلوا عائد عليهم وهو تأوي الحسن ويعرجون معناه يصعدون ويحتمل أن يعود على الملائكة أي ولو رأو الملائكة يصعدون وبتصرفون في باب مفتوح في السماء لما آمنوا وهذا هو تأويل ابن عباس وقرأ السبعة سوى ابن كثير سكرت بضم السين وشد الكاف وقرأ ابن كثير بتخفيف الكاف تقول العرب سكرت الريح تسكر سكورا إذا ركدت ولم تنفذ لما كانت بسبيله أولا وسكر الرجل من الشراب إذا تغيرت حاله وركد ولم ينفذ لما كان بسبيله أن ينفذ فيه وتقول العرب سكرت البثق في مجاري الماء سكرا إذا طمسته وصرفت الماء عنه فلم ينفذ لوجهه قال ع فهذه اللفظة سكرت بشد الكاف إن كانت من سكر الشراب من سكور الريح فهي فعل عدي بالتضعيف وإن كانت من سكر مجاري الماء فتضعيفها للمبالغة لا للتعدي لأن المخفف من فعله متعد ومعنى هذه المقالة منهم أي غيرت أبصارنا عما كانت عليه فهي لا تنفذ وتعطينا حقائق الأشياء كما كانت تفعل ١٦وقوله سبحانه ولقد جلعنا في السماء بروجا البروج المنازل وأحدها برج وسمي بذلك لظهوره ومنه تبرج المرأة ظهورها وبدوها وحفظ السماء هو بالرجم بالشهب على ما تضمنته الأحاديث الصحاح قال النبي صلى اللّه عليه وسلم أن الشياطين تقرب من السماء أفواجا قال فينفرد المارد منها فيعلوا فيسمع فيرمى بالشهاب فيقول لأصحابه أنه من الأمر كذا وكذا فيزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة فيزيدون مع الكلمة مائة ونحو هذا الحديث وإلا بمعنى لكن ويظهر أن الأستثناء من الحفظ وقال محمد بن يحي عن أبيه إلا من استرق السمع فإنها لم تحفظ منه وقوله موزون قال الجمهور معناه مقدر محرر بقصد وأرادة فالوزن على هذا مستعار وقال ابن زيد المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والفضة وغير ذلك مما يوزن والمعايش جمع معيشة وقوله ومن لستم له برازقين يحتمل أن يكون عطفا على معايش كأن اللّه تعالى عدد النعم في المعايش وهي ما يؤكل ويلبس ثم عدد النعم في الحيوان والعبيد وغير ذلك مما ينتفع به الناس وليس عليهم رزقهم وقوله تعالى وأن من شيء إلا عندنا خزائنه قال ابن جريج هو المطر خاصة قال ع وينبغي أن يكون أعم من هذا في كثير من المخلوقات وقوله سبحانه وأرسلنا الرياح لواقح أي ذات لقح يقال لقحت الناقة والشجر فهي لاقحة إذا حملت فالوجه في الريح ملحقة لا لاقحة وقال الداودي وعن ابن عمر الرياح ثمان أربع رحمة وأربعة عذاب فالرحمة المرسلات المبشرات والناشرات والذاريات وأما العذاب فالصرصر والعقيم والقاصف والعاصف وهما في البحرانتهى وقوله جلت عظمته وإنا لنحن نحي ونميت الآيات هذه الآيات مع الآيات التي قبلها تضمنت العبرة والدلالة على قدرة اللّه تعالى وما يوجب توحيده وعبادته المعنى وإنا لنحن نحي من نشاء بإخراجه من العدم إلى وجود الحياة ونميت بإزالة الحياة عمن كان حيا ونحن الوارثون أي لا يبقى شيء سوانا وكل شيء هالك إلا وجهه لا رب غيره ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين أي من لدن آدم إلى يوم القيامة قال ابن العربي في أحكامه روى الترمذي وغيره في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس أنه قال كانت امرأة تصلي خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ابن عباس ولا واللّه ما رأيت مثلها قط قال فكان بعض المسلمين إذا صلوا تقدموا وبعضهم يستأخر فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم فأنزل اللّه الآية ثم قال ابن العربي في شرح المراد بهذه الآية خمسة أقوال أحدها هذا القول الثاني المتقدمين في الخلق إلى اليوم والمتأخرين الذين لم يخلقوا بعد بيان أن اللّه يعلم الموجود والمعدوم قاله قتادة وجماعة الثالث من مات ومن بقي قاله ابن عباس أيضا الرابع المستقدمين سائر الأمم والمستأخرين أمة سيدنا صلى اللّه عليه وسلم قاله مجاهد الخامس قال الحسن معناه المتقدمين في الطاعة والمستأخرين في المعصية انتهى ت والحديث المتقدم أن صح فلا بد من تأويله فإن الصحابة ينزهون عن فعل ماذكر فيه فيؤول بأن ذلك صدر من بعض المنافقين بعض الأعراب الذين قرب عهدهم بالإسلام ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم وأما ابن عباس فإنه كان يومئذ صغيرا بلا شك هذا إن كانت الآية مدنية فإن كانت مكية فهو يومئذ في سن الطفولية وبالجملة فالظاهر ضعف هذا الحديث من وجوه انتهى وباقي الآية بين ولقد خلقنا الإنسان يعني آدم قال ابن عباس خلق من ثلاثة من طين لازب وهو اللازق الجيد ومن صلصال وهو الأرض الطيبة يقع عليها الماء ثم ينحسر فتشقق وتصير مثل الخزف ومن حماء مسنون وهو الطين فيه الحمأة والمسنون قال معمر هو المنتن وهو من أسن الماء إذا تغير ورد من جهة التصريف وقيل غير هذا وفي الحديث أن اللّه تعالى عز و جل خلق آدم من جميع أنواع التراب الطيب والخبيث والأسود والأحمر وقوله والجان يراد به جنس الشياطين وسئل وهب بن منبه عنهم فقال هم أجناس قال ع والمراد بهذه الخلقة إبليس أبو الجن وقوله من قبل لأن إبليس خلق قبل آدم بمدة والسموم في كلام العرب افراط الحر حتى يقتل من نار شمس ريح وأما أضافة النار إلى السموم في هذه الآية فيحتمل أن تكون النار انواعا ويكون السموم أمرا يختص بنوع منها فتصح الإضافة حينئذ وإن لم يكن هذا فيخرج هذا على قولهم مسجد الجامع ودار الاخرة علىحذف مضاف ٢٨قوله عز و جل وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون أخبر اللّه سبحانه الملائكة بعجب عندهم وذلك أنهم كانوا مخلوقين من نور فهي مخلوقات لطاف فأخبرهم سبحانه أنه يخلق جسما حيا ذا بشرة وأنه يخلقه من صلصال والبشرة هي وجه الجلد في الأشهر من القول وقوله من روحي أضافة خلق وملك إلى خالق ومالك وقول إبليس لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال الآية ليس ابايته نفس كفره عند الحذاق لأن أبايته إنما هي معصية فقط وإنما كفره بمقتضى قوله وتعليله إذ يقتضى أن اللّه خلق خلقا مفضولا وكلف خلقا أفضل منه أن يذل له فكأنه قال وهذا جور وقد تقدم تفسير أكثر هذه المعاني ٣٤وقوله عز و جل قال فأخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لازينن لهم في الأرض الآية بما أغويتني قال أبو عبيدة وغيره اقسم بالأغواء قال ع كأنه جعله بمنزلة قوله رب بقدرتك على وقضائك ويحتمل أن نكون باء السبب ٤١وقوله سبحانه هذا صراط علي مستقيم المعنى هذا أمر إلي يصير والعرب تقول طريقك في هذا الأمر على فلان أي إليه يصير النظر في أمرك والآية تتضمن وعيدا وظاهر قوله عبادي الخصوص في أهل الإيمان والتقوى فيكون الأستثناء منقطعا وان أخذنا العباد عموما كان الأستناء متصلا ويكون الأقل في القدر من حيث لا قدر للكفار والنظر الأول أحسن وإنما الغرض أن لا يقع في الأستثناء الأكثر من الأقل وإن كان الفقهاء قد جوزوه وقوله لموعدهم أي موضع اجتماعهم عافانا اللّه من عذابه بمنه وعاملنا بمحض جوده وكرمه ٤٥وقوله سبحانه أن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام الآية السلام هنا يحتمل أن يكون السلامة ويحتمل أن يكون التحية والفل الحقد قال الداودي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ونزعنا ما في صدورهم الآية قال إذا خلص المؤمنون من الصراط جبسوا على صراط بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض بمظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا إذن لهم في دخول الجنة واللّه لأحدهم أهدى بمنزلة في الجنة من منزله في الدنيا انتهى والسرر جمع سرير ومتقابلين الظاهر أن معناه في الوجوه إذ الأسرة متقابلة فهي أحسن في الرتبة قال مجاهد لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه وقيل غير هذا مما لا يعطيه اللفظ والنصب التعب ونبئى معناه أعلم قال الغزالي رحمه اللّه في منهاجه ومن الآيات اللطيفة الجامعة بين الرجاء والخوف ٤٩قوله تعالى نبئى عبادي اني انا الغفور الرحيم ثم قال في عقبه وان عذابي هو العذاب الأليم ليلا يستولي عليك الرجاء بمرة وقوله تعالى شديد العقاب ثم قال في عقبه ذي الطول ليلا يستولي عليك الخوف واعجب من ذلك قوله تعالى ويحذركم اللّه نفسه ثم قال في عقبه واللّه رءوف بالعباد واعجب منه قوله تعالى من خشي الرحمن بالغيب فعلق الخشية باسم الرحمن دون اسم الجبار المنتقم المتكبر ونحوه ليكون تخويفا في تأمين وتحريكا في تسكين كما تقول أما تخشى الوالدة الرحيمة أما تخشى الوالد الشفيق والمراد من ذلك أن يكون الطريق عدلا فلا تذهب إلى أمن وقنوط جعلنا اللّه وإياكم من المتدبرين لهذا الذكر الحليم العاملين بما فيه أنه الجواد الكريم انتهى ٥١وقوله سبحانه ونبئهم عن ضيف إبراهيم الآية هذه ابتداء قصص بعد انصرام الغرض الأول والضيف مصدر وصف به فهو للواحد والأثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد وقوله انامنكم وجلون أي فزعون وإنما وجل منهم لما قدم إليهم العجل الحنيذ فلم يرهم يأكلون وكانت عندهم العلامة المؤمنة أكل الطعام وكذلك هو في غابر الدهر أمنة للنازل والمنزول به وقوله ان مسني الكبر أي في حالة قد مسني فيه الكبر وقول إبراهيم عليه السلام فبم تبشرون تقرير على جهة التعجب والاستبعاد لكبرهما على جهة الاحتقار وقلة المبالاة بالمسرات الدنيوية لمضي العمر واستيلاء الكبر وقولهم بشرناك بالحق فيه شدة ما أي أبشر بما بشرت به ولا تكن من القانطين والقنوط أتم اليأس ٥٧وقوله سبحانه قال فما خطبكم أيها المرسلون لفظة الخطب إنما تستعمل في الأمور الشداد وقولهم الا ءال لوط اسثناء منقطع والآل القوم الذين يئول أمرهم إلى المضاف إليه كذا قال سيبويه وهذا نص في أن لفظة آل ليست لفظة أهل كما قال النحاس وإلا امرأته استثناء متصل والاستثناء بعد الاستثناء يرد المشتثنى الثاني في حكم الأمر الأول والغابرين هنا أي الباقين في العذاب وغبر من الأضداد يقال في الماضي وفي الباقي وقول الرسل للوط بل جئناك بما كانوا فيه يمترون أي بما وعدك اللّه من تعذيبهم الذي كانوا يشكون فيه والقطع الجزء من الليل وقوله سبحانه واتبع أدبارهم أي كن خلفهم وفي ساقتهم حتى لا يبقى منهم أحد ولا يلتفت مأخوذ من الألفتات الذي هو نظر العين قال مجاهد المعنى لا ينظر أحد وراءه ونهوا عن النظر مخافة العلقة وتعلق النفس بمن خلف وقيل ليلا تنفطر قلوبهم من معاينة ما جرى على القرية في رفعها طرحها ٦٦وقوله سبحانه وقضينا إليه ذلك الأمر أي امضيناه وحتمنا به ثم أدخل في الكلام إليه من حيث أوحي ذلك إليه وأعلمه اللّه به وقوله يستبشرون أي بالأضياف طمعا منهم في الفاحشة وقولهم لم ننهك عن العالمين روي أنهم كانوا تقدموا إليه في أن لا يضيف أحدا والعمر والعمر بفتح العين وضمها واحد وهما مدة الحياة ولا يستعمل في القسم إلا بالفتح وفي هذه الآية شرف لنبينا صلى اللّه عليه وسلم لأن اللّه عز و جل أقسم بحياته ولم يفعل ذلك مع بشر سواه قاله ابن عباس ت وقال ص اللام في لعمرك للأبتداء والكاف خطاب للوط عليه السلام والتقدير قالت الملائكة له لعمرك واقتصر على هذا وما ذكره ع هو الذي عول عليه عياض وغيره وقال ابن العربي في أحكامه قال المفسرون بإجمعهم أقسم اللّه في هذه الآية بحياة صلى اللّه عليه وسلم ولا أدري ما أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد عليه السلام وما المانع أن يقسم اللّه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء وكل ما يعطى اللّه للوط من فضل ويؤتيه من شرف فلنبينا محمد عليه السلام ضعفاه لأنه أكرم على اللّه منه وإذا أقسم اللّه بحياة لوط فحياة نبينا محمد عليه السلام أرفع ولا يخرج من كلام إلى كلام آخر غيره لم يجر له ذكر لغير ضرورة انتهى ت وما ذكره الجمهور أحسن لأن الخطاب خطاب مواجهة ولأنه تفسير صحابي وهو مقدم على غيره ويعمهون معناه يترددون في حيرتهم ومشرقين معناه قد دخلوا في الأشراق وهو سطوع ضوء الشمس وظهوره قاله ابن زيد وهذه الصيحة هي صحية الوجبة وليست كصيحة ثمود وأهلكوا بعد الفجر مصبحين واستوفاهم الهلاك مشرقين وباقي قصص الآية تقدم تفسيره والمتوسمين قال مجاهد المتفرسون وقال أيضا المعتبرون وقيل غير هذا وهذا كله تفسر بالمعنى وأما تفسير اللفظة فالمتوسم هو الذي ينظر في وسم المعنى فيستدل به على المعنى وكأن معصية هؤلاء ابقت من العذاب والأهلاك وسما فمن رأى الوسم استدل على المعصية به واقتاده النظر إلى تجنب المعاصي ليلا ينزل به ما نزل بهم ومن الشعر في هذه اللفظة قول الشاعر ... توسمته لما رأيت مهابة ... عليه وقلت المرء من ءال هاشم ... والضمير في قوله وأنها لبسبيل مقيم يحتمل أن يعود على المدينة المهلكة أي أنها في طريق ظاهر بين للمعتبر وهذا تأويل مجاهد وغيره ويحتمل أن يعود على الآيات ويحتمل أن يعود على الحجارة ويقويه ما روي عنه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال أن حجارة العذاب معلقة بين السماء والأرض منذ ألفي سنة لعصاة أمتي ٧٨وقوله سبحانه وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم الآيتة الغيضة والشجر المتلف المخضر قال الشاعر ... الا انما الدنيا غضارة ايكة ... اذا احضر منها جانب جف جانب ... وكان هؤلاء قوما يسكنون غيضة ويرتفقون بها في معايشهم فبعث إليهم شعيب فكفروا به فسلط اللّه عليهم الحر فدام عليهم سبعة أيام ثم رأوا سحابة فخرجوا فاستظلوا بها فأمطرت عليهم نارا وحكى الطبري قال بعث شعيب إلى أمتين فكفرتا فعذبتا بعذابين مختلفين أهل مدين عذبوا بالصحية وأصحاب الأيكة بالظلة وقوله وانهما لبامام مبين الضمير في أنهما يحتمل أن يعود على مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة ويحتمل أن يعود على لوط وشعيب عليهما السلام أي أنهما على طريق من اللّه وشرع مبين والأمام في كلام العرب الشيء الذي يهتدي به ويؤتم به فقد يكون الطريق وقد يكون الكتاب وقد يكون الرجل المقتدى به ونحو هذا ومن رأى عود الضمير علىالمدينتين قال الإمام الطريق وقيل على ذلك الكتاب الذي سبق فيه اهلاكهما وأصحاب الحجر هم ثمود وقد تقدم قصصهم والحجر مدينتهم وهي ما بين المدينة وتبوك وقال المرسلين من حديث يلزم من تكذيب رسول واحد تكذيب الجميع إذ القول في المعتقدات واحد ٨٢وقوله ينحتون من الجبال بيوتا آمنين النحت النقر بالمعاول وآمنين قيل معناه من أنهدامها وقيل من حوادث الدنيا وقيل من الموت لاغترارهم بطول الأعمار وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة فكانوا لا يعلمون بحسبها وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق أي لم تخلق عبثا سدى وان الساعة ءلاتية فلا تهتم يا محمد بأعمال الكفرة فإن اللّه لهم بالمرصاد عز و جل ولقد آتيناك سبعا من الثماني ذهب ابن مسعود وغيره إلى أن السبع المثاني هنا هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والمص والأنفال مع براءة وذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى أن السبع هنا آيات الفاتحة وهو نص حديث أبي بن كعب وغيره ت وهذا هو الصحيح وقد تقدم بيان ذلك أول الكتاب وقوله سبحانه لا تمدن عينيك إلى ما معتنا به أزواجا منهم حكى الطبري عن سفيان بن عيينة أنه قال هذه الآية أمرة بالأستغناء بكتاب اللّه عن جميع زينة الدنيا قال ع فكأنه قال آتيناك عظيما خطيرا فلا تنظر إلى غير ذلك من أمور الدنيا وزينتها التي متعنا بها أنواعا من هؤلاء الكفرة ومن هذا المعنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم من أوتي القرآن فرأى أن أحد أعطي أفضل مما اعطي فقد عظم صغيرا وصغر عظيما ت وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فخطب الناس فقال لا واللّه ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج اللّه لكم من زهرة الدنيا الحديث وفي رواية أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج اللّه لكم من زهرة الدنيا قالوا وما زهرة الدنيا يا رسول اللّه قال بركات الأرض الحديث وفي رواية أن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح لكم من زهرة الدنيا وزينتها الحديث انتهى والأحاديث في هذه الباب أكثر من أن يحصيها كتاب قال الغزالي في المنهاج وإذا أنعم اللّه عليك بنعمة الدين فإياك أن تلتفت إلى الدنيا وحطامها فإن ذلك منك لا يكون إلا بضرب من التهاون بما أولاك مولاك من نعم الدارين أما تمع قوله تعالى لسيد المرسلين ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم الآية تقديره أن من أوتي القرآن العظيم حق له أن لا ينظر إلى الدنيا الحقيرة نظرة باستحلاء فضلا عن أن يكون له فيهارغبة فليلتزم الشكر على ذلك فإنه الكرامة التي حرص عليها الخليل لأبيه والمصطفى عليه السلام لعمه فلم يفعل وأما حطام الدنيا فإن اللّه سبحانه يصبه على كل كافر وفرعون وملحد وزنديق وجاهل وفاسق الذين هم أهون خلقه عليه ويصرفه عن كل نبي وصفي وصديق وعالم وعابد الذين هم أعز خلقه عليه حتى أنهم لا يكادون يصيبون كسرة وخرقة ويمن عليهم سبحانه بأن لا يلطخهم بقذرها انتهى وقال ابن العربي في أحكامه ٨٨قوله تعالى لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم المعنى أعطيناك الآخرة فلا تنظر إلى الدنيا وقد أعطيناك العلم فلا تتشاغل بالشهوات وقد منحناك لذة القلب فلا تنظر إلى لذة البدن وقد أعطيناك القرآن فاستغن به فمن استغنى به لا يطمح بنظره إلى زخارف الدنيا وعنده معارف المولى حيي بالباقي وفني عن الفاني انتهى ٨٩وقوله سبحانه وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين قال ع والذين أقول به في هذه أن المعنى وقل أنا نذير كما قال قبلك رسلنا ونزلنا عليهم كما أنزلنا عليك واختلف في المقتسمين من هم فقال ابن عباس وابن جبير المقتسمون هم أهل الكتاب الذي فرقوا دينهم وجعلوا كتاب اللّه أعضاء آمنوا ببعض وكفروا ببعض وقال لنحوه مجاهد وقالت فرقة المقتسمون هم كفار قريش جعلوا القرآن سحرا وشعرا وكهانة وجعلوه أعضاء بهذا التقسيم وقالت فرقة عضين جميع عضة وهي اسم للسحر خصاة بلغة قريش وقاله عكرمة ت وقال الواحدي كما أنزلنا عذابا على المقتسمين الذي اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان انتهى من مختصره ٩٢وقوله سبحانه فوربك لنسالنهم أجمعين الآية ضمير عام ووعيد محض يأخذ كل أحد منه بحسب جرمه وعصيانه فالكافر يسأل عن التوحيد والرسالة وعن كفره وقصده به والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه وكل مكلف عما كلف القيام به وفي هذا المعنى أحاديث قال ابن عباس وكل مكلف عما كلف القيام به وفي هذا المعنى أحاديث قال ابن عباس في هذه الآية يقال لهم لم عملتم كذا وكذا قال وقوله تعالى فيومئذ لا يسأل عن ذنبه أنس ولا جان معناه لا يقال له ماذا اذنبت لأن اللّه تعالى أعلم بذنبه منه وقوله سبحانه فاصدع بما تومر اصدع معناه انفذ وصرح بما بعثت به وقوله واعرض عن المشركين من آيات المهادنة التي نسختها آية السيف قاله ابن عباس ثم اعلمه اللّه تعالى بأنه قد كفاه المستهزءين به من كفار مكة ببوائق اصابتهم من اللّه تعالى قال ابن إسحاق وغيره وهم الذي قذفوا في قليب بدر كأبي جهل وغيره انتهى ٩٧وقوله سبحانه ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون آية تانيس للنبي صلى اللّه عليه وسلم واليقين هنا الموت قاله ابن عمر وجماعة قال الداودي وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ما أوحي إلى أن أجمع المال وأكون من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين انتهى وابقي الآية بين وصلى اللّه عليى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما |
﴿ ٠ ﴾