بسم اللّه الرحمن الرحيم

 سورة النحل

وهي مكية غير آيات يسيرة يأتي بيانها إن شاء اللّه

١

قوله سبحانه أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قال جبريل في سرد الوحي أتى أمر اللّه وثب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائما فلما قال فلا تستعجلوه سكن

وقوله أمر اللّه قال فيه جمهور المفسرين أنه يريد القيامة وفيها وعيد للكفار

وقيل المراد نصر صلى اللّه عليه وسلم فمن قال أن الأمر القيامة قال أن

قوله تعالى فلا تستعجلوه رد على المكذبين بالبعث القائلين متى هذا الوعد

واختلف المتأولون في

٢

قوله تعالى ينزل الملائكة بالروح فقال مجاهد الروح النبؤة وقال ابن عباس الروح الوحي وقال قتادة بالرحمة والوحي وقال الربيع بن أنس كل كلام اللّه

روح ومنه

قوله تعالى أوحينا اليك روحا من أمرنا وقال الزجاج الروح ما تحي به القلوب من هداية اللّه عز و جل وهذا قول حسن قال الداودي عن ابن عباس قال الروح خلق من خلق اللّه وأمر من أمر اللّه على صور بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه روح كالحفيظ عليه لا يتكلم ولا يراه ملك ولا شيء مما خلق اللّه وعن مجاهد الروح خلق من خلق اللّه لهم أيد وأرجل انتهى واللّه أعلم بحقيقة ذلك وهذا أمر لا يقال بالرأي فإن صح فيه شيء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وجب الوقوف عنده انتهى ومن في قوله من يشاء هي للأنبياء

٤

وقوله تعالى خلق الإنسان من نطفة يريد بالإنسان الجنس

وقوله خصيم يحتم أن يريد به الكفرة الذين يجادلون في آيات اللّه قال الحسن البصري ويحمل أن يريد أعم من هذا على ان الآية تعديد نعمة الذهن والبيان علىالبشر

٥

وقوله سبحانه والأنعام خلقها لكم فيها دفء الدفء السخانة وذهاب البرد بالاكسية ونحوها

وقيل الدفء تناسل الإبل وقال ابن عباس هو نسل كل شيء والمعنى الأول هو الصحيح والمنافع ألبانها وما تصرف منها وحرثها والنضح عليها وغير ذلك

وقوله جمال أي في المنظر وتريحون معنا حين ترودونها وقت الرواح إلى المنازل وتسرحون معناه تخرجونها غدوة إلى السرح والأثقال الأمتعة

وقيل الأجسام كقوله وأخرجت الأرض أثقالها أي اجساد بني آدم وسميت الخيل خيلا لاختيالها في مشيتها ت ويجب على من ملكه اللّه شيئا من هذا الحيوان أن يرفق به ويشكر اللّه تعالى على هذه النعمة التي خولها وقد روى مالك ف الموطأ عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن خالد بن معدان يرفعه قال إن اللّه رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض جدبة فأنجوا عليها بنقيها

وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وإياكم والتعريس على الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات قال أبو عمر في التمهيد هذا الحديث يستند عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من وجوه كثيرة فأما الرفق فمحمود في كل شيء وما كان الرفق في شيء إلا زانه وقد روى مالك بسنده عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال إن اللّه عز و جل يحب الرفق في الأمر كله وأمر المسافر في الخصب بأن يمشي رويدا ويكثر النزول لترعى دابته فأما الأرض الجدبة فالسنة للمسافر أن يسرع السير ليخرج عنها وبدابته شيء من الشحم والقوة والنقي في كلام العرب الشحم والودك انتهى

وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن اللّه إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم انتهى

٨

وقوله سبحانه ويخلق ما لا تعلمون عبرة منصوبة على العموم أي أن مخلوقات اللّه من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمها بشر بل ما يخفى عنه أكثر مما يعلمه

٩

وقوله سبحانه وعلى اللّه قصد السبيل الآية هذه أيضا من أجل نعم اللّه تعالى أي على اللّه تقويم طريق الهدى وتبيينه بنصب الأدلة وبعث الرسل وإلى هذا ذهب المتأولون ويحتمل أن يكون المعنى أن من سلك السبيل القاصد فعلى اللّه ورحمته وتنعيمه طريقه وإلى ذلك مصيره وطريق قاصد معناه بين مستقيم قريب والألف واللام في السبيل للعهد وهي سبيل الشرع

وقوله ومنها جائر يريد طريق اليهود والنصارى وغيرهم فالضمير في منها يعود على السبل التي يتضمنها معنى الآية

وقوله سبحانه فيه تسيمون يقال أسام الرجل ماشيته إذا أرسلها ترعى

وقوله سبحانه وما ذرأ لكم ذرأ معناه بث ونشر

ومختلفا ألوانه أي أصنافه ويحتمل أن يكون التنبيه على اختلاف الألوان

من حمرة وصفرة وغير ذلك والأول أبين

١٤

وقوله سبحانه وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون البحر الماء الكثير ملحا كان  عذبا

قال ابن العربي في أحكامه

قوله تعالى وتستخرجوا منه حلية تلبسونها يعني به اللؤلؤ والمرجان وهذا امتنان عام للرجال والنساء فلا يحرم عليهم شيء من ذلك انتهى ومواخر جمع ماخرة والمخر في اللغة الصوت الذي يكون من هبوب الريح على شيء يشق  يصحب في الجملة الماء فيترتب منه أن يكن المخر من الريح وأن يكون من السفينة ونحوها وهو في هذه الآية من السفن وقال بعض النحاة المخر في كلام العرب الشق يقال مخر الماء الأرض وهذا أيضا بين أن يقال فيه للفلك مواخر

وقوله وسبلا لعلكم تهتدون يحتمل تهتدون في مشيكم وتصرفكم في السبل ويحتمل تهتدون بالنظر في دلالة هذه المصنوعات على صانعها

وعلامات وبالنجم هم يهتدون قال ابن عباس العلامات معالم الطرق بالنهار والنجوم هداية الليل وهذا قول حسن فإنه عموم بالمعنى واللفظة عامة وهذا إن كان ما دل على شيء وأعلم به فهو علامة والنجم هنا اسم جنس وهذا هو الصواب

١٨

وقوله سبحانه وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها الآية وبحسب العجز عن عد نعم اللّه تعال يلزم أن يكون الشاكر لها مقصرا عن بعضها فلذلك قال عز و جل لغفور رحيم أي عن تقصيركم في السكر عن جميعها نحا هذا المنحى الطبري ويرد عليه أن نعمة اللّه في قول العبد الحمد للّه رب العالمين مع شرطها من النية والطاعة يوازي جميع النعم ولكن أين قولها بشروطها والمخاطبة بقوله وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها عامة لجمع الناس

والذين تدعون من دون اللّه أي تدعونهم آلهة

وأموات يراد به الذين يدعون من دون اللّه ورفع أموات على أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره

هم أموات

وقوله غير أحياء أي لم يقبلوا حياة قط ولا اتصفوا بها

وقوله سبحانه وما يشعرون أيان يبعثون أي وما يشعر الكفار متى يبعثون إلى التعذيب

٢٢

وقوله سبحانه الهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة أي منكرة اتحاد الاله ت وهذا كما حكى عنهم سبحانه في قولهم أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب

٢٣

وقوله لأجرم عبرت فرقة من اللغويين عن معناها بلا بد ولا محالة

وقالت فرقة معناها حق إن اللّه ومذهب سبيويه أن لا نفي لما تقدم من الكلام وجرم معناه وجب  حق ونحو هذا مذهب الزجاج ولكن مع مذهبهما لا ملازمة لجرم لا تنفك هذه من هذه

وقوله سبحانه إنه لا يحب المستكبرين عام في الكافرين والمؤمنين يأخذ كل أحد منهم بقسطه قال الشيخ العارف باللّه عبد اللّه بن أبي جمرة رحمه اللّه موت النفوس حياتها من أحب أن يحي يموت ببذل أهل التوفيق نفوسهم وهوانها عليهم نالوا ما نالوا وبجب أهل الدنيا نفوسهم هانوا وطرأ عليهم الهوان هنا وهناك وقد ورد في الحديث أنه ما من عبد إلا وفي رأسه حكمه بيد ملك فإن تعاظم وارتفع ضرب الملك رأسه وقال له أتضع وضعك اللّه وإن تواضع رفعه الملك وقال له ارتفع رفعك اللّه من اللّه علينا بما به يقربنا إليه بمنه انتهى

٢٤

وقوله سبحانه وإذا قيل لهم يعني كفار قريش ماذا أنزل ربكم الآية يقال أن سببها النضر بن الحارث واللام في قوله ليحملوا يحتمل أن تكون لام العاقبة ويحتمل أن تكون لام كي ويحتلم أن تون لام الأمر على معنى الحتم عليهم والصغار الموجب لهم

وقوله سبحانه ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم من للتبعيض وذلك أن هذا الرأس المضل يحمل وزر نفسه ووزرا من وزر كل من ضل بسببه ولا ينقص من أوزار أولئك شي والأوزار هي الأثقال

وقوله سبحانه قد مكر الذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم

الآية قال ابن عباس وغيره من المفسرين الإشارة بالذين من قبلهم إلى نمرود الذي بنى صرحا ليصعد فيه إلى السماء بزعمه فلما أفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش بعث اللّه عليه ريحا فهدمته وخر سقفه عليه وعلى أتباعه وقي أن جبريل هدمه بجناحه وألقى أعلاه في البحر وانجعف من أسفله

وقالت فرقة المراد بالذين من قبلهم جميع من كفر من الأمم المتقدمة ومكر ونزلت به عقوبة

وقوله على هذا فأتى اللّه نبيانهم من القواعد إلى آخر الآية تمثيل وتشبيه أي حالهم كحال من فعل به هذا

وقوله يخزيهم لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم وذلك كله راجع إلى إدخالهم النار ودخولهم فيها

وتشاقون معناه تحاربون أي تكونون في شق والحق في شق

والذين أوتوا العلم هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين وقال يحي بن سلام هو المؤمنون قال ع والصواب أن يعم جميع من آتاه اللّه علم ذلك من ملائكة وأنبياء وغيرهم وقد تقدم تفسير الخزي وأنه الفضيحة المخجلة وفي الحديث أن العار والتخزية لتبلغ من العبد في المقام بين يدي اللّه تعالى ما أن يتمنى أن ينطلق به إلى النار وينجو من ذلك المقام أخرجه البغوي في المسند المنتخب له انتهى من الكوكب الدري

٢٨

وقوله سبحانه الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الذين نعت للكافرين في قول أكثر المتأولين والملائكة يريد القابضين لأرواحهم

والسلم هنا الاستسلام واللام في قوله فلبيس لام تأكيد والمثوى موضع الإقامة

٣٠

وقوله سبحانه

وقيل للذين اتقوا ماذا انزل ربكم الآية لما وصف سبحانه مقالة الكفار الذين قالوا أساطير الأولين عادل ذلك بذكر مقالة المؤمنين من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وأوجب لكل فريق ما يستحق وقولهم خيرا جواب بحسب السؤال

واختلف في

قوله تعالى للذين أحسنوا إلى آخر لآاية هل هو ابتداء كلام  هو تفسير للخير الذي أنزل

اللّه في الوحي على نبينا خبرا أن من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة

وروى أنس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إن اللّه لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة

وقوله سبحانه جنات عدن يدخلونها الآية تقدم تفسير نظيرها وطيبين عبارة عن صالح حالهم واستعدادهم للموت والطيب الذي لا خبث معه وقول الملائكة سلام عليكم بشارة من اللّه تعالى وفي هذا المعنى احاديث صحاح يطول ذكرها

وروى ابن المبارك في رقائقه عن محمد بن كعب القرظي قال إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال السلام عليك ولي اللّه اللّه يقرئى عليك السلام ثم نزع بهذه الآية الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم انتهى

وقوله سبحانه بما كنتم تعملون علق سبحانه دخولهم الجنة باعمالهم من حيث جعل الأعمال أمارة لادخال العبد الجنة ولا معارضة بين الآية

وقوله صلى اللّه عليه و سلم لا يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول اللّه قال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه بفضل منه ورحمة فإن الآية ترد بالتأويل إلى معنى الحديث قال ع ومن الرحمة والتغمد أن يوفق اللّه العبد إلى أعمال برة ومقصد الحديث نفي وجوب ذلك على اللّه تعالى بالعقل كما ذهب إليه فريق من المعتزلة

٣٣

وقوله سبحانه هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة  يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم ينظرون معناه ينتظرون ونظرمتى كانت من رؤية العين فإنما تعديها العرب بالى ومتى لم تتعد بالى فهي بمعنى انتظر ومنها انظرونا نقتبس من نوركم ومعنى الكلام أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم

وقوله  يأتي أمر ربك وعيد يتضمن قيام الساعة  عذاب الدنيا ثم ذكر تعالى أن هذا كان فعل الأمم قبلهم فعوقبوا

وقوله سبحانه فأصابهم سيئات ما عملوا أي جزاء ذلك في الدنيا والآخرة

وحاق معناه نزل وأحاط

٣٥

وقوله سبحانه وقال الذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء الآية تقدم تفسير نظيرها في الأنعام وقولهم ولا حرمنا يريد من البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك

٣٦

وقوله سبحانه ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا اللّه الآية إلى قوله فإن اللّه لا يهدي من يضل وقرأ حمزة والكساءي وعاصم لا يهدي بفتح الياء وكسر الدال وذلك على معنيين أي أن اللّه لا يهدي من قضى باضلاله والمعنى الثاني أن العرب تقول هدى الرجل بمعنى اهتدى

٣٨

وقوله سبحانه واقسموا باللّه جهد إيمانهم لا يبعث اللّه من يموت الضمير في اقسموا لكفار قريش ثم رد اللّه تعالى عليهم بقوله بلى فاوجب بذلك البعث وأكثر الناس في هذه الآية الكفار المكذبون بالبعث

وقوله سبحانه ليبين التقدير بلى يبعثه ليبين لهم الذي يختلفون فيه

وقوله سبحانه إنما قولنا لشيء إذا اردناه الآية المقصد بهذه الآية أعلام منكرى البعث بهوان أمره على اللّه تعالى وقربه في قدرته لا رب غيره

٤١

وقوله سبحانه والذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا هؤلاء هم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة هذا قول الجمهور وهو الصحيح في سبب نزول الآية لان هجرة المدينة لم تكن وقت نزول الآية والآية تتناول كل من هاجر أولا وآخرا وقرأ جماعة خارج السبع لنثوينهم

واختلف في معنى الحسنة هنا فقالت فرقة الحسنة عدة ببقعة شريفة وهي المدينة وذهبت فرقة إلى أن الحسنة عامة في كل أمر مستحسن يناله ابن أدم وفي هذا القول يدخل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه كان يعطي المال وقت القسمة الرجل من المهاجرين ويقول له خذ ما وعدك اللّه في الدنيا ولأجر الآخرة اكبر ثم يتلو هذه الآية ويدخل في هذا القول النصر على العدو وفتح البلاد وكل أمل بلغه المهاجرون والضمير في يعلمون عائد على كفار

قريش

٤٢

وقوله الذين صبروا من صفة المهاجرين

وقوله تعالى وما ارسلنا من قبلك إلا رجالا يوحي اليهم هذه الآية رد على كفار قريش الذين استبعدوا أن يبعث اللّه بشرا رسولا ثم

قال تعالى فسئلوا أي قل لهم فسألوا واهل الذكر هنا أحبار اليهود والنصارى قاله ابن عباس وغيره وهو اظهر الأقوال وهم في هذه النازلة خاصة إنما يخبرون بأن الرسل من البشر وأخبارهم حجة على هؤلاء وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألونهم ويسندون إليهم

٤٤

وقوله بالبينات متعلق بفعل مضمر تقديره أرسلناهم بالبينات

وقالت فرقة الباء متعلقة بارسلنا في أول الآية والتقدير على هذا وما أرسلنا مت قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا ففي الآية تقديم وتاخير والزبر الكتب المزبورة

وقوله سبحانه لتبين للناس ما نزل اليهم الآية ت وقد فعل صلى اللّه عليه و سلم ذلك فبين عن اللّه واوضح وقد أوتي صلى اللّه عليه و سلم جوامع الكلم فأعرب عن دين اللّه وافصح ولنذكر الآن طرفا من حكمه وفصيح كلامه بحذف اسانيده قال عياض في شفاه وأما كلامه صلى اللّه عليه و سلم المعتاد وفصاحته المعلومه وجوامع كلمه وحكمه الماثورة فمنها ما لا يوازي فصاحة ولا يبارى بلاغة كقوله المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم

وقوله الناس كأسنان المشط والمرء مع من احب ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له والناس معادن وما هلك امرء عرف قدره والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم ورحم اللّه عبدا قال خيرا فغنم  سكت عن شر فسلم

وقوله أسلم تسلم وأسلم يؤتك اللّه أجرك مرتين وأن احبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة احاسنكم أخلاقا الوطئون اكنافا الذين يالفون ويولفون

وقوله لعله كان يتكلم بما لا يعنيه

ويبخل بما لا يغنيه

وقوله ذو الوجهين لا يكون عند اللّه وجيها ونهيه عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع

وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات

وقوله اتق اللّه حيث كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن وخير الأمور أوساطها

وقوله أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما

وقوله الظلم ظلمات يوم القيامة

وقوله في بعض دعائه اللّهم أني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلم بها شعثى وتصلح بها غائبى وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها ألفتي وتعصمنى بها من كل سوء اللّهم أني أسألك الفوز في القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء إلى غير ذلك من بيانه وحسن كلامه مما روته الكافة عن الكافة مما لا يقاس به غيره وحاز فيه سبقا لا يقدر قدره كقوله السعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه في أخواتها مما يدرك الناظر العجب في مضمنها ويذهب به الفكر في أدانى حكمها وقال صلى اللّه عليه و سلم بيد أني من قريش ونشأت في بنى سعد فجمع اللّه له بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة الفاظ الحاضرة ورونق كلامها إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشري انتهى وبالجملة فليس بعد بيان اللّه ورسوله بيان لمن عمر اللّه قلبه بالإيمان

٤٥

وقوله سبحانه افأمن الذين مكروا السيئات الآية تهديد لكفار مكة ونصب السيئات بمكروا وعدى مكروا لأنه في معنى عملوا قال البخاري قال ابن عباس في تقلبهم أي في اختلافهم انتهى وقال المهدوي قال قتادة في تقلبهم في أسفارهم الضحاك في تقلبهم بالليل انتهى

وقوله على تخوف أي على جهة التخوف والتخوف التنقص

وروي أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه خفي عليه معنى التخوف في هذه الآية وأراد الكتب إلى الأمصار يسأل عن ذلك فيروي أنه جاءه فتى من العرب فقال يا أمير المؤمنين أن أبي يتخوفنى مالي فقال عمر اللّه اكبر  يأخذهم على تخوف ومنه قول النابغة

تخوفهم حتى اذل سراتهم ... بطعن ضرار بعد فتح الصفائح ...

وهذا التنقص يتجه به الوعيد على معنيين أحدهما أن يهلكهم ويخرج أرواحهم على تخوف أي افذاذا يتنقصهم بذلك الشيء بعد الشيء ويصيرهم إلى ما اعد لهم من العذاب وفي هذه الرتبة الثالهة من الوعيد رأفة ورحمة وأمهال ليتوب التائب ويرجع الراجع

والثاني ما قاله الضحاك أن يأخذ بالعذاب طائفة  قرية ويترك أخرى ثم كذلك حتى يهلك الكل

وقالت فرقة التخوف هنا من الخوف أي فيأخذهم بعد تخوف ينالهم يعذبهم به

٤٨

وقوله سبحانه  لم يروا إلى ما خلق اللّه من شيء الآية قوله من شيء

لفظ عام في كل شخص وجرم له ظل كالجبال والشجر وغير ذلك وفاء الظل رجع ولا يقال الفيء إلا من بعد الزوال في مشهور كلام العرب لكن هذه الآية الاعتبار فيها من أول النهار إلى آخره فكأن الآية جارية في بعض على تجوز كلام العرب واقتضائه والرؤية هنا رؤية القلب ولكن الاعتبار برؤية القلب هنا إنما تكون في مرءيات بالعين وعن اليمين والشمائل هنا فيه تجوز واتساع وذكر الطبري عن الضحاك قال إذا زالت الشمس سجد كل شيء قبل القبلة من نبت  شجر ولذلك كان الصالحون يستحبون الصلاة في ذلك الوقت قال الداودي وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلهن في صلاة السحر قال وليس شيء إلا يسبح للّه تلك الساعة وقرأ يتفيؤا ظلاله الآية كلها انتهى والداخر المتصاغر المتواضع

٥٠

وقوله سبحانه يخافون ربهم عام لجميع الحيوان ومن فوقهم يريد فوقية القدر والعظمة والقهر

٥٢

وقوله سبحانه وله ما في السموات والأرض السموات هنا كل ما أرتفع من الخلق من جهة فوق فيدخل في ذلك العرش والكرسي وغيرهما والدين الطاعة والملك والواصب الدائم قاله ابن عباس ثم ذكر سبحانه بنعمه ثم ذكر

بأوقات المرض والتجاء العباد إليه سبحانه والضر وأن كان يعم كل مكروه فأكثر ما يجىء عن أرزاء البدن وتجئرون معناه ترفعون أصواتكم باستغاثة

وتضرع ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون الفريق هنا يراد به المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالا من شفاء المرضى وجلب النفع ودفع الضر فهم إذا شفاهم اللّه عظموا أصنامهم وأضافوا ذلك الشفاء إليها

٥٥

وقوله سبحانه وليكفروا يجوز أن تكون اللام لام الصيرورة ويجوز أن تكون لام أمر على معنى التهديد

وقوله بما أتيناهم أي بما أنعمنا عليهم

٥٦

وقوله سبحانه ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم أي لما لا يعلمون له حجة ولا برهانا ويحتمل أن يريد بنفى العلم الأصنام أي لجمادات لا تعلم شيأ نصيبا والنصيب المشار إليه هو ما كانت العرب سنته من الذبح لأصنامها والقسم من الغلات وغيره

٥٧

وقوله سبحانه ويجعلون للّه البنات سبحانه الآية تعديد لقبائح الكفرة في قولهم الملائكة بنات اللّه تعالى اللّه عن قولهم والمراد بقوله ولهم ما يشتهون الذكران من الأولاد

وقوله ظل وجهه مسودا عبارة عما يعلو وجه المغموم قال ص ظل تكون بمعنى صار وبمعنى أقام نهارا على الصفة المسندة إلى أسمها وتحتمل هنا الوجهين انتهى وكظيم بمعنى كاظم والمعنى أنه يخفى وجده وهمه بالانثى ومعنى يتوارى يتغيب من القوم وقرأ الجحدري ايمسكها أم يدسها وقرأ الجمهور على هون وقرأ عاصم الجحدري على هوان ومعنى الآية يدبر ايمسك هذه الآنثى على هوان يتحمله وهم يتجلد له أم يئدها فيدفنها حية وهو الدس في التراب

٦٠

وقوله سبحانه للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء قالت فرقة مثل في هذه الآية بمعنى صفة أي لهؤلاء صفة السوء

وللّه المثل الأعلى قال ع وهذا لا يضطر إليه لأنه خروج عن اللفظ بل قوله مثل على بابه فلهم على الاطلاق مثل السوء في كل سوء

ولا غاية أخزى من عذاب النار وللّه سبحانه المثل الأعلى على الإطلاق أيضا أي الكمال المستغنى

٦١

وقوله سبحانه ولو يواخذ اللّه الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة الضمير في عليها عائد على الأرض وتمكن ذلك مع أنه لم يجر لها ذكر لشهرتها وتمكن الإشارة إليها وسمع أبو هريرة رجلا يقول إن الظالم لا يهلك إلا نفسه فقال أبو هريرة بلى إن اللّه ليهلك الحبارى في وكرها هزلا بذبوب الظلمة والأجل المسمى في هذه الآية هو بحسب شخص شخص

وقوله ما يكرهون يريد البنات

وقوله سبحانه وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى قال مجاهد وقتادة الحسنى الذكور من الأولاد

وقالت فرقة يريد الجنة قال ع ويؤيده قوله لاجرم أن لهم النار وقرأ السبعة سوى نافع مفرطون بفتح الراء وخفتها أي مقدمون إلى النار وقرأ نافع مفرطون بكسر الراء المخففة أي متجاوزون الحد في معاصي اللّه

٦٣

وقوله سبحانه تاللّه لقد ارسلنا إلى امم من قبلك الآية هذه آية ضرب مثل لهم بمن سلف في ضمنها وعيد لهم وتأنيس للنبي صلى اللّه عليه وسلم

وقوله فهو وليهم اليوم يحتمل أن يريد باليوم يوم الأخبار ويحتم أن يريد يوم القيامة أي وليهم في اليوم المشهور

وقوله سبحانه الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه لتبين في موضع المفعول من أجله إي إلا لأجل البيان والذي اختلفوا فيه لفظ عام لأنواع كفر الكفرة لكن الإشارة هنا إلى تشريكهم الأصنام في الالهية ثم أخذ سبحانه ينص العبر المؤدية إلى بيان وحدانيته وعظيم قدرته فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر المؤدية إلى بيان وحدانيته وعظيم قدرته فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر وهي ملاك الحياة وهي في غاية الظهور لا يخالف فيها عاقل

وقوله مما في بطونه الضمير عائد على الجنس وعلى المذكور وهذا كثير

٦٦

وقوله سبحانه سائغا للشاربين السائغ السهل في الشرب اللذيذ ت وعن ابن عباس قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم من أطعمه اللّه طعاما فليقل اللّهم بارك

لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه اللّه لبنا فليقل اللّهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليس شيء يجزئى مكان الطعام والشراب غر اللبن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي واللفظ له هذا حديث حسن انتهى من السلاح

٦٧

وقوله سبحانه ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا الآية السكر ما يسكر هذا هوا لمشهور في اللغة قال ابن عباس نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر وأراد بالسكر الخمر وبالرزق الحسن جميع ما يشرب ويؤكل حلالا من هاتين الشجرتين فالحسن هنا الحلال وقال بهذا القول ابن جبير وجماعة وصحح ابن العربي هذا القول ولفظه والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فإن هذه الآية مكية باتفاق العلماء وتحريم الخمر مدني انتهى من أحكام القرآن وقال مجاهد وغيره السكر المائع من هاتين الشجرتين كالخل والرب والنبيذ والرزق الحسن العنب والتمر قال الطبري والسكر أيضا في كلام العرب ما يطعم ورجح الطبري هذا القول ولا مدخل للخمر فيه ولا نسخ في الآية

٦٨

وقوله تعالى واوحى ربك إلى النحل الآية الوحي في كلام العرب القاء المعنى من الموحى إلى الموحى إليه في خفاء فمنه الوحي إلى الأنبياء برسالة الملك ومنه وحي الرؤيا ومنه وحي الإلهام وهو الذي في آيتنا باتفاق من المتأولين والوحي أيضا بمعنى الأمر كما

قال تعالى بأن ربك أوحى لها وقد جعل اللّه بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع أما في الجبال وكواها وأما في متجوف الأشجار وأما في يعرش ابن آدم من الاجباح والحيطان ونحوها وعرش معناه هيأ والسبل الطرق وهي مسالكها في الطيران وغيره وذللا يحتمل أن يكون حالا من النحل أي مطيعة منقادة قاله قتادة قال ابن زيد فهم يخرجون بالنحل ينتجعون وهي تتبعهم وقرا أولم يروا انا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما الآية ويحتمل أن يكون حالا من السبل أي

مسهلة مستقيمة قاله مجاهد لا يتوعر عليها سبيل تسلكه ثم ذكر تعالى على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبر أمر العسل في قوله يخرج من بطونها شراب وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل واختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النحل والمراعي أي والفصول ت قال الهروي

قوله تعالى يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه وذلك أنه يستحيل في بطونها ثم تمجه من أفواهها انتهى

وقوله فيه شفاء للناس الضمير للعسل قاله الجمهور

قال ابن العربي في أحكامه وقد روى الأئمة واللفظ للبخاري عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب الحلواء والعسل

وروى أبو سعيد الخدري أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال إن أخي يشتكي بطنه فقال اسقه عسلا ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلا ثم أتاه فقال فعلت فما زاده ذلك إلا استطلاقا قال عليه السلام صدق اللّه وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه فبرأ

وروي أن عوف ابن مالك الأشجعي مرض فقيل له غلا نعالجك فقال ائتنوني بماء سماء فإن اللّه تعالى يقول ونزلنا من السماء ماء مباركا وائتنوني بعسل فإن اللّه تعالى يقول فيه شفاء للناس وائتوني بزيت فإن اللّه تعالى يقول من شجرة مباركة فجاءوه بذلك كله فخلطه جميعا ثم شربه فبرأ انتهى

وقوله سبحانه ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وأرذل العمر الذي تفسد فيه الحواس ويختل العقل وخص ذلك بالرذيلة وإن كانت حالة الطفولة كذلك من حيث كانت هذه لارجاء معها وقال بعض الناس أول أرذل العمر خمس وسبعون سنة روي ذلك عن علي رضي اللّه عنه قال ع وهذا في الأغلب وهذا لا ينحصر إلى مدة معينة وإنما هو بحسب إنسان إنسان ورب من يكون ابن خمسين سنة وهو في أرذل عمره ورب ابن تسعين ليس في أرذل عمره واللام في لكي يشبه أن تكون لام الصيرورة والمعنى ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئا وهذه

عبارة عن قلة علمه لا أنه لا يعلم شيئا البتة

٧١

وقوله سبحانه واللّه فضل بعضكم على بعض في الرزق أخبار يراد به العبرة وإنما هي قاعدة بني المثل عليها والمثل هو أن المفضلين لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم فإذا كان هذا في البشر فكيف تنسبون أيها الكفرة إلى اللّه أنه يسمح بأن يشرك في الألوهية الأوثان والأصنام وغيرها مما عبد من دونه وهم خلقه وملكه هذا تأويل الطبري وحكاه عن أبن عباس قال المفسرون هذه الآية كقوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت إيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء الآية ثم وقفهم سبحانه على جحدهم بنعمته في تنبيهه لهم على مثل هذا من مواضع النظر المؤدية إلى الإيمان

٧٢

وقوله سبحانه واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا هذه أيضا آية تعديد نعم والأزواج هنا الزوجات

وقوله من أنفسكم يحتمل أن يريد خلقة حواء من نفس آدم وهذا قول قتادة والأظهر عندي أن يريد بقوله من أنفسكم أي من نوعكم كقوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم والحفدة قال ابن عباس هم أولاد البنين وقال الحسن هم بنوك وبنو بنيك وقال مجاهد الحفدة الأنصار والأعوان

وقيل غير هذا ولا خلاف إن معنى الحفد الخدمة والبر المشي مسرعا في الطاعة ومنه في القنوت وإليك نسعى ونحفد والحفدان أيضا خبب فوق المشي

٧٤

وقوله سبحانه فلا تضربوا للّه الأمثال الآية أي لا تمثلوا للّه الأمثال وهو مأخوذ من قولك هذا ضريب هذا أي ميله والضرب النوع

وقوله تعالى ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا الآية الذي هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا أمر نفسه وإنما هو مسخر بإرادة سيده مدبر وبازاء العبد في المثال رجل موسع عليه في المال فهو يتصرف فيه بإرادته

واختلف الناس في الذي له المثل فقال

ابن عباس وقتادة هو مثل الكفار والمؤمن وقال مجاهد والضحاك هذا المثال والمثال والآخر الذي بعده إنما هو مثال للّه تعالى والأصنام فتلك كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء واللّه تعالى تتصرف قدرته دون معقب وكذلك فسر الزجاج على نحو قول مجاهد وهذا التأويل أصوب لأن الآية تكون من معنى ما قبلها ومدارها في تبيين أمر اللّه والرد على أمر الأصنام

وقوله الحمد للّه أي على ظهور الحجة

٧٥

وقوله سبحانه وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم الآية هذا مثل للّه عز و جل والأصنام فهي كالأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء

والكل الثقيل المؤنة كما الأصنام تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذب بها ثم لا يأتي من جهتها خير أبدا والذي يأمر بالعد هو اللّه تعالى

وقوله تعالى وما أمر الساعة الآية المعنى على ما قاله قتادة وغيره ما تكون الساعة واقامتها في قدرة اللّه تعالى إلا أن يقول لها كن فلو اتفق أن يقف على ذلك محصل من البشر لكانت من السرعة بحيث يشك هل هي كلمح البصر أوهي أقرب ولمح البصر هو وقعه على المرءي

٧٩

وقوله سبحانه ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء الآية الجو مسافة ما بين السماء والأرض

وقيل هو ما يلي الأرض منها والآية عبرة بينة المعنى تفسيرها تكلف محت

ويوم ظعنكم معناه رحيلكم والأصواف للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز ولم تكن بلادهم بلاد قطن وكتان فلذلك اقتصر على هذه ويحتمل أن ترك ذكر القطن والكتان والحرير أعراض عن السرف إذ ملبس عباد اللّه الصالحين إنما هو الصوف

قال ابن العربي في أحكامه عند

قوله تعالى لكم فيها دفء في هذه الآية دليل على لباس الصوف فهو أول ذلك وأولاه لأنه شعار المتقين ولباس الصالحين وشارة الصحابة والتابعين واختيار الزهاد والعارفين وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية لأنه لباسهم في الغالب انتهى

والأثاث متاع البيت وأحدها أثاثه هذا قول أبي زيد الأنصاري وقال غيره الأثاث جميع أنواع المال ولا واحد له من لفظه قال ع والاشتقاق يقوي هذا المعنى الأعم لأن حال الإنسان تكون بالمال اثيثة كما تقول شعر أثيث ونبات أثيث إذا كثر والتف والسرابيل جميع ما يلبس على جميع البدن وذكر وقاية الحراذ هوأمس بتلك البلاد والبرد فيها معدوم في الأكثر وأيضا فذكر أحدهما يدل على الآخر وعن عمر رضي اللّه عنه قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول من لبس ثوبا جديد فقال الحمد للّه الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي خلق فتصدق به كان في كنف اللّه وفي حفظ اللّه وفي ستر اللّه حيا وميتا رواه الترمذي واللفظ له وابن ماجه والحاكم في المستدرك وعن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما اشترى عبد ثوبا بدينا  نصف دينا فحمد اللّه عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر اللّه له رواه الحاكم في المستدرك وقال هذا الحديث لا أعلم في إسناده أحدا ذكر بجرح انتهى من السلاح والسرابيل التي تقي البأس هي الدروع ونحوها ومنه قول كعب بن زهير في المهاجرين ... شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسبج داود في الهيجا سرابيل ...

والبأس مس الحديد في الحرب وقرأ الجمهور تسلمون وقرأ ابن عباس تسلمون من السلامة فتكون اللفظة مخصوصة في بأس الحرب

٨٤

وقوله سبحانه ويوم نبعث من كل أمة شهيدا أي شاهدا على كفرهم وإيمانهم ثم لا يؤذن أي لا يؤذن لهم في المعذرة وهذا في موطن دون موطن ويستعتبون بمعنى يعتبون تقول أعتبت الرجل إذا كفيته ما عتب فيه كما تقول أشكيته إذا كفيته ما شكا وقال قوم معناه لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدنيا وقال الطبري معنى يستعتبون يعطون الرجوع إلى الدنيا فتقع منهم توبة وعمل ت

وهذا هو الراجح وهو الذي تدل عليه الأحاديث وظواهر الآيات في غير ما موضع

٨٦

وقوله سبحانه وإذا رأى الذين اشكروا شركاءهم أي إذا رأوهم بأبصارهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الآية كأنهم أرادوا بهذه المقالة تذنيب المعبودين

٨٧

وقوله سبحانه فالقوا إليهم القول الآية الضمير في القوا للمعبودين انطقهم اللّه بتكذيب المشركين وقد قال سبحانه في آية أخرى فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون الآية أنظر تفسيرها في سورة يونس وغيرها

وقوله والقوا إلى اللّه يومئذ السلم الضمير في ألقوا هنا عائد علىالمشركين والسلم الاستسلام

وقوله تعالى زدناهم عذابا فوق العذاب الآية روي في ذلك عن ابن مسعود أن اللّه سبحانه يسلط عليهم عقارب وحيات لها أنياب كالنخل الطوال وقال عبيد بن عمير حيات لها أنياب كالنخل ونحو هذا

وروي عن عبد اله بن عمرو بن العاص أن لجهنم سواحل فيها هذه الحيات وهذه العقارب فيفر الكافرون إلى السواحل فتلقاهم هذه الحيات والعقارب فيفرون منها إلى النار فتتبعهم حتى تجد حر النار فترجع قال وهي في أسراب

٨٩

وقوله سبحانه ويوم نبعث في كل أمة شهيدا يعني رسولها ويجوز أن يبعث اللّه شهودا من الصالحين مع الرسل وقد قال بعض الصحابة إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شاهدا عليه يوم القيامة

وقوله سبحانه وجئنا بك شهيد على هؤلاء الإشارة بهؤلاء إلى هذه الأمة

٩٠

وقوله عز و جل إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان الآية قال ابن مسعود رضي اللّه عنه أجمع آية في كتاب اللّه هذه الآية

وروي عن عثمان بن مظعون رضي اللّه عنه أنه قال لما نزلت هذه الآية قرأتها على أبي طالب فعجب وقال يا آل غالب اتبعوه تفلحوا فواله إن اللّه أرسله ليأمر بمكارم الأخلاق قال ع والعدل فعل كل مفروض والإحسان فعل كل مندوب إليه

وايتاءى ذي القربى لفظ

يقتضي صلة الرحم ويعم جميع اسداء الخير إلى القرابة

والفحشاء الزنا قاله ابن عباس ويتناول اللفظ سائر المعاصي التي شنعتها ظاهرة

والمنكر أعم منه لأنه يعم جميع المعاصي والرذائل والاذايات على اختلاف أنواعها

والبغي هو إنشاء ظلم الإنسان والسعاية فيه وكفيلا معناه متكفلا بوفائكم وباقي الآية بين

٩٢

وقوله سبحانه ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها الآية شبهت هذه الآية الذي يحلف  يعاهد ويبرم عقده بالمرأة تغزل غزلها تفتله محكما ثم تنقض قوى ذلك الغزل فتحله بعد إبرامه

و انكاثا نصب على الحال والنكث النقض والعرب تقول أنتكث الحبل إذا انتقضت قواه والدخل الدغل بعينه وهو الذرائع إلى الخدع والغدر وذلك أن المحلوف له مطمئن فيتمكن الحالف من ضرره بما يريد

٩٤

وقوله سبحانه ان تكون أمة هي أربى من أمة المعنى لا تنقضوا الإيمان من أجل أن تكون قبيلة أزيذ من قبيلة في العدد والعزة والقوة ويبلوكم أي يختبركم والضمير في به يحتمل أن يعود على الربا أي إن اللّه أبتلى عباده بالربا وطلب بعضهم الظهور على بعض واختبرهم بذلك ليرى من يجاهد بنفسه ممن يتبع هواها وباقي الآية وعيد بيوم القيامة

وقوله سبحانه ولا تتخذوا إيمانكم دخلا بينكم الآية الدخل كما تقدم الغوائل والخدائع وكرر مبالغة قال الثعلبي قال أبوعبيدة كل امر لم يكن صحيحا فهو دخل انتهى

وقوله فتزل قدم بعد ثبوتها إستعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم

٩٥

وقوله سبحانه ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنا قليلا الآية هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال ثم أخبر تعالى أن ما عنده من نعيم الجنة ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى ثم بين سبحانه الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان  ينقضي عنها ومنن الآخرة باقية دائمة وصبروا معناه عن الشهوات وعلى مكاره الطاعات

وهذه إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المكروهة

واختلف الناس في معنى الحياة الطيبة فقال ابن عباس هو الرزق الحلال وقال الحسن وعلي بن أبي طالب هي القناعة قال ع والذي أقول به أن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونبلها وقوة رجائهم والرجاء للنفس أمر ملذ فبهذا تطيب حياتهم وأنهم أحتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة  قناعة فذلك كمال وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب

وقوله سبحانه ولنجزينهم الآية وعد بنعيم الجنة قال أبو حيان

وروي عن نافع وليجزينهم بالياء التفاتا من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة وينبغي أن يكون على تقدير قسم ثان لا معطوفا على فلنحيينه فيكون من عطف جملة قسمية على جملة قسمية وكلتاهما محذوفة وليس من عطف جواب لتغاير الإسناد

انتهى

٩٨

وقوله سبحانه فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه الآية التقدير فإذا أخذت في قراءة القرآن والاستعاذة ندب وعن عطاء أن التعوذ واجب ولفظ الاستعاذة هو على رتبة هذه الآية والرجيم المرجوم باللعنة وهو إبليس ثم أخبر تعالى أن إبليس ليس له ملكة ولا رياسة هذا ظاهر السلطان عندي في هذه الآية وذلك أن السلطان أن جعلناه الحجة فليس لإبليس حجة في الدنيا على أحد لا على مؤمن ولا على كافر إلا أن يتأول متأول ليس له سلطان يوم القيامة فيستقيم أن يكون بمعنى الحجة لأن إبليس له حجة على الكافرين أنه دعاهم بغير دليل فاستجابوا له من قبل أنفسهم ويتولونه معناه يجعلونه وليا والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم اللّه عز و جل والظاهر أنه يعود على اسم العدو الشيطان بمعنى من أجله وبسببه فكأنه قال والذين هم بسببه مشركون باللّه وهذا الأخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة يقتضي أن الاستعاذة تصرف كيده كأنها متضمنة للتوكل على اللّه والانقطاع إليه

١٠١

وقوله سبحانه وإذا بدلنا ءاية مكان ءاية يعني بهذا التبديل النسخ

قالوا إنما أنت مفتر أي قال كفار مكة وروح القدس هو جبريل بلا خلاف

١٠٣

وقوله سبحانه ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر قال ابن عباس كان بمكة غلام أعجمي لبعض قريش يقال له بلعام فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعلمه الإسلام ويرومه عليه فقال بعض الكفار هذا يعلم محمدا

وقيل اسم الغلام جبر

وقيل يسار

وقيل يعيش والأعجمي هو الذي لا يتكلم بالعربية وأما العجمي فقد يتكلم بالعربية ونسبته قائمة

وقوله وهذا إشارة إلى القرآن والتقدير وهذا سرد لسان  نطق لسان

١٠٥

وقوله سبحانه إنما يفتري الكذب بمعنى إنما يكذب وهذه مقاومة للذين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم إنما أنت مفتر ومن في قوله من كفر بدل من قوله الكاذبون فروي أن

قوله سبحانه واولائك هم الكاذبون يراد به مقيس بن ضبابة واشباههم ممن كان يؤذي آمن ثم ارتد باختياره من غير اكراه

وقوله سبحانه إلا من اكره إي كبلال وعمار بن ياسر وأمه وخباب وصهيب وأشباههم ممن كان يوذى في اللّه سبحانه فربما سامح بعضهم بما أراد الكفار من القول لما أصابه من تعذيب الكفرة فيروى أن عمار بن ياسر فعل ذلك فاستثناه اللّه في هذه الآية وبقية الرخصة عامة في الأمر بعده ويروى أن عمار بن ياسر شكا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ما صنع به من العذاب وما سامح به من القول فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم كيف تجد قلبك قال أجده مطمئنا بالإيمان قال فاجبهم بلسانك فإنه لا يضرك وإن عادوا فعد

وقوله سبحانه ولكن من شرح بالكفر صدرا معناه انبسط إلى الكفر باختياره ت وقد ذكر ع هنا نبذا من مسائل الإكراه تركت ذلك خشية التطويل وإذ محل بسطها كتب الفقه

١٠٧

وقوله سبحانه ذلك بأنهم استحبوا

الحيوة الدنيا على الآخرة الآية ذلك إشارة إلى الغضب والعذاب الذي توعد به قبل هذه الآية والضمير في أنهم لمن شرح بالكفر صدرا

١١٠

وقوله سبحانه ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا الآية قال ابن إسحاق نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد قال ع وذكر عمار في هذا عندي غير قويم فإنه أرفع من طبقة هؤلاء وإنما هؤلاء من تاب ممن شرح بالكفر صدرا فتح اللّه له باب التوبة في آخر الآية وقال عكرمة والحسن نزلت هذه الآية في شأن عبد اللّه بن أبي سرح واشباهه فكأنه يقول من بعد ما فتنهم الشيطان وهذه الآية مدنية بلا خلاف وإن وجد فهو ضعيف وقرأ الجمهور من بعد ما فتنوا مبني للمفعول وقرأ أبن عامر وحده من بعد ما فتنوا بفتح الفاء والتاء أي فتنوا أنفسهم والضمير في بعدها عائد على الفتنة  على الفعلة  الهجرة  التوبة والكلام يعطيها وإن لم يجر لها ذكر صريح

وقوله يوم تأتي كل نفس المعنى لغفور رحيم يوم ونفس الأولى هي النفس المعروقة والثانية هي بمعنى الذات ت قال المهدوي يجوز أن ينتصب يوم على تقدير لغفور رحيم فلا يوقف على رحيم وقال ص يوم تأتي ظرف منصوب برحيم  مفعول به باذكر انتهى وهذا الأخير أظهر واللّه أعلم

وقوله سبحانه وتوفى كل نفس ما عملت أي يجازى كل من أحسن بإحسانه وكل من أساء بإساءته

١١٢

وقوله سبحانه وضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة الآية قال ابن عباس القرية هنا مكة والمراد بهذه الضمائر كلها في الآية أهل القرية ويتوجه عندي في الآية أنها قصد بها قرية غير معينة جعلت مثلا لمكة على معنى التحذير لأهلها ولغيرها من القرى إلى يوم القيامة وهو الذي يفهم من كلام حفصة أم المؤمنين وأنعم جمع نعمة

وقوله سبحانه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف

استعارات أي لما باشرهم ذلك صار كاللباس والضمير في جاءهم لأهل مكة والرسول صلى اللّه عليه وسلم والعذاب الجوع وأمر بدر ونحو ذلك إن كانت الآية مدنية وإن كانت مكية فهو الجوع فقط

١١٤

وقوله سبحانه فكلوا مما رزقكم اللّه حلالا طيبا الآية هذا ابتداء كلام آخر أي وأنتم أيها المؤمنون لستم كهذه القرية فكلوا واشكروا اللّه على تباين حالكم من حال الكفرة

وقوله حلالا حال

وقوله طيبا أي مستلذا إذ فيه ظهور النعمةو يحتمل أن يكون الطيب بمعنى الحلال كرر مبالغة وتأكيد

١١٦

وقوله سبحانه ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام الآية هذه الآية مخاطبة للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب

قال ابن العربي في أحكامه ومعنى الآية لا تصفوا الأعيان بأنها حلال  حرام من قل أنفسكم إنما المحرم والمحلل هو اللّه سبحانه قال ابن وهب قال مالك لم يكن من فتيا الناس أن يقال لهم هذا حلال وهذا حرام ولكن يقول انا أكره هذا ولم أكن لأصنع هذا فكان الناس يطيعون ذلك ويرضونه ومعنى هذا أن التحليل والتحريم إنما هو للّه كما تقدم بيانه فليس لأحد أن يصرح بهذا في عين من الأعيان إلا أن يكون الباري تعالى يخبر بذلك عنه وما يؤدي إليه الاجتهاد أنه حرام يقول فيه أني أكره كذا وكذا كان مالك يفعل اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى انتهى

١١٧

وقوله متاع قليل إشارة إلى عيشهم في الدنيا ولهم عذاب أليم بعد ذلك في الآخرة

وقوله ما قصصنا عليك من قبل إشارة إلى ما في سورة الأنعام من ذي الظفر والشحوم

١١٩

وقوله سبحانه ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم هذه آية تأنيس لجميع العالم فهي تتناول كل كافر وعاص تاب من سوء حاله قالت فرقة الجهالة هنا العمد والجهالة عندي في هذا الموضع ليست ضد

العلم بل هي نعدى الطور وركوب الرأس ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم  أجهل  يجهل على وقد تقدم بيان هذا وقلما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بحظر المعصية التي يواقع

١٢٠

وقوله سبحانه إن إبراهيم كان أمة قانتا للّه الآية لما كشف اللّه فعل اليهود وتحكمهم في شرعهم بذكر ما حرم عليهم أراد أن يبين بعدهم عن شرع إبراهيم عليه السلام والأمة في اللغة لفظة مشتركة تقع للحين وللجمع الكثير وللرجل المنفرد بطريقة وحده وعلى هذا الوجه سمي إبراهيم عليه السلام أمة قال مجاهد سمي إبراهيم أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما وفي البخاري أنه قال لسارة ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك وفي البخاري قال ابن مسعود الأمة معلم الخير والقانت المطيع الدائم على العبادة والحنيف المائل إلى الخير والصلاح

وقوله سبحانه وءاتيناه في الدنيا حسنة الآية الحسنة لسان الصدق وأمامته لجميع الخلق هذا قول جميع المفسرين وذلك أن كل أمة متشرعة فهي مقرة أن إيمانها إيمان إبراهيم وأنه قدوتها وأنه كان على الصواب ت وهذا كلام فيه بعض أجمال وقد تقدم في غير هذا الموضع بيانه فلا نطول بسرده

وقوله سبحانه ان اتبع ملة إبراهيم الآية الملة الطريقة في عقائد الشرع

١٢٤

وقوله سبحانه إنما جعل السبت الآية أي لم يكن من ملة إبراهيم وإنما جعله اللّه فرضا عاقب به القوم المختلفين فيه قاله ابن زيد وذلك أن موسى عليه السلام أمر بني إسرائيل أن يجعلوا من الجمعة يوما مختصا بالعبادة وأمرهم أن يكون الجمعة فقال جمهورهم بل يكون يوم السبت لأن اللّه تعالى فرغ فيه من خلق مخلوقاته وقال غيرهم بل نقبل ما أمر به موسى فراجعهم الجمهور فتابعهم الآخرون فالزمهم اللّه يوم السبت إلزاما قويا عقوبة لهم ثم لم يكن منهم ثبوت بل عصوا فيه وتعدوا فأهلكهم وورد في الحديث الصحيح أن اليهود والنصارى

اختلفوا في اليمم الذي يختص من الجمعة فأخذ هؤلاء السبت وأخذ هؤلاء الأحد فهدانا اللّه نحن إلى يوم الجمعة قال صلى اللّه عليه و سلم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فليس الاختلاف المذكور في الآية هو الاختلاف في هذا الحديث ت يعنى أن الاختلاف المذكور في الآية هو بين اليهود فيما بينهم والاختلاف المذكور في الحديث الصحيح هو فيما بين اليهود والنصارى

١٢٥

وقوله سبحانه ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة هذه الآية نزلت بمكة أمر عليه السلام أن يدعو إلى دين اللّه وشرعه بتلطف وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة

١٢٦

وقوله سبحانه وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد ووقع ذلك في صحيح البخاري وغيره وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لئن اظفرني اللّه بهم لامثلن بثلاثين وفي كتاب النحاس وغيره بسبعين منهم فقال الناس أن ظفرنا لنفعلن ولنفعلن فنزلت هذه الآية ثم عزم على النبي صلى اللّه عليه وسلم في الصبر عن المجازاة بالتمثيل في القتلى ويروى أنه عليه السلام قال لأصحابه أما أنا فأصبر كما أمرت فما ذا تصنعون فقالوا نصبر يا رسول اللّه كما ندبنا

وقوله وما صبرك إلا باللّه أي بمعونة اللّه وتأييده على ذلك

١٢٧

وقوله سبحانه ولا تحزن عليهم قيل الضمير في قوله عليهم يعود على الكفار أي لا تتأسف على أن لم يسلموا

وقالت فرقة بل يعود على القتلى حمزة وأصحابه الذين حزن عليهم صلى اللّه عليه و سلم والأول أصوب

ولا تكل في ضيق مما يمكرون

قرأ الجمهور في ضيق بفتح الضاد وقرأ ابن كثير بكسر الضاد وهما لغتان إن اللّه مع الذين اتقوا أي بالنصر والمعونة واتقوا يريد المعاصي

ومحسنون هم الذين يتزيدون فيما ندب إليه من فعل الخير وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصبحه وسلم تسليما

﴿ ٠