بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة مريمهذه السورة مكية بإجماع إلا السجدة منها فقيل مكية وقيل مدنية ١قوله عز و جل كهيعص قد تقدم الكلام في فواتح السور وقوله ذكر رحمت ربك مرتفع بقوله كهيعص في قول فرقة وقيل أنه ارتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا ذكر وحكى أبو عمرو الداني عن ابن يعمر أنه قرأ ذكر رحمة ربك بفتح الذال وكسر الكاف المشددة ونصب الرحمة وقوله نادى معناه بالدعاء والرغبة قاله ابن العربي في أحكامه ٣وقوله تعالى إذ نادى ربه نداء خفيا يناسب قوله ادعوا ربكم تضرعا وخفيه وفي الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي وذلك لأنه أبعد من الرياء فأما دعاء زكريا عليه السلام فإنما كان خفيا لوجهين أحدهما أنه كان ليلا والثاني أنه ذكر في دعائه أحوالا تفتقر إلى الإخفاء كقوله وإني خفت الموالي من وراءي وهذا مما يكتم انتهى ووهن العظم معناه ضعف واشتعل مستعار للشيب من اشتعال النار وقوله ولم أكن بدعائك رب شقيا شكر للّه عز و جل على سالف أياديه عنده معناه قد أحسنت إلي فيما سلف وسعدت بدعائي إياك فالأنعام يقتضي أن يشفع أوله آخره ت وكذا فسر الداودي ولفظه ولم أكن بدعائك رب شقيا يقول كنت تعرفني الإجابة فيما مضى وقاله قتادة انتهى وقوله وإني خفت الموالي الآية قيل معناه خاف أن يرث الموالي ماله والموالي بنو العم والقرابة وقوله من وراءى أي من بعدي وقالت فرقة إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين فطلب وليا يقوم بالدين بعده حكى هذا القول الزجاج وفيه أنه لا يجوز أن يسأل زكريا من يرث ماله إذ الأنبياء لا تورث قال ع وهذا يؤيده قوله صلى اللّه عليه و سلم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين فتكون الوراثة مستعارة وقد بلغه اللّه أمله قال ابن هشام ومن وراءي متعلق بالموالي بمحذوف هو حال من الموالي مضاف إليهم أي كائنين من وراءي فعل الموالي من وراءي ولا يصح تعلقه بخفت لفساد المعنى انتهى من المغنى وخفت الموالي هي قراءة الجمهور وعليها هو هذا التفسير وقرأ عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وجماعة خفت بفتح الخاء وفتح الفاء وشدها وكسر التاء والمعنى على هذا قد انقطع أولياءي وماتوا وعلى هذه القراءة فإنما طلب وليا يقوم بالدين قال ابن العربي في أحكامه ولم يخف زكرياء وارث المال وإنما أراد ارث النبوءة وعليها خاف أن تخرج عن عقبه وصح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة انتهى وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما رضي اللّه عنهما يرثني وارث من آل يعقوب ت وقوله فهب لي قال ابن مالك في شرح الكافية اللام هنا هي لام التعدية وقاله ولده في شرح الخلاصة قال ابن هشام والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو ما أكرم زيدا لعمرو وما أحبه لبكر انتهى وقوله من آل يعقوب يريد يرث منهم الحكمة والعلم والنبوءة ورضيا معناه مرضيا والعاقر من النساء التي لا تلد من غير كبرة وكذلك العاقر من الرجال وقوله لم نجعل له من قبل سميا معناه في اللغة لم نجعل له مشاركا في هذا الاسم أي لم يسم به قبل يحيى وهذا قول ابن عباس وغيره وقال مجاهد وغيره سميا معناه مثيلا ونظيرا وفي هذا بعد لأنه لا يفضل على ابراهيم وموسى عليهما السلام إلا أن يفضل في خاص كالسودد والحصر والعتي والعسيي المبالغة في الكبر يبس العود شيب الرأس عقيدة ما وزكرياء هو من ذرية هارون عليهما السلام ومعنى قوله سويا فيما قال الجمهور صحيحا من غير علة ولا خرس وقال ابن عباس ذلك عائد على الليالي أراد كاملات مستويات وقوله فأوحى إليهم قال قتادة وغيره كان ذلك بإشارة وقال مجاهد بل بكتابة في التراب قال ع وكلا الوجهين وحي وقوله أن سبحوا قال قتادة معناه صلوا السبحة والسبحة الصلاة وقالت فرقة بل أمرهم بذكر اللّه وقول سبحان اللّه ١٢وقوله عز و جل يا يحيى خذ الكتاب بقوة المعنى قال اللّه له يا يحيى خذ الكتاب وهو التوراة وقوله بقوة أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه وقوله صبيا يريد شابا لم يبلغ حد الكهولة ففي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال وروى معمر أن الصبيان دعوا يحيى إلى اللعب وهو طفل فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي ءاتاه اللّه عز و جل وهو صبي وقال ابن عباس من قرأ القرءان قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكمة صبيا والحنان والرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين وهو تفسير اللغة ومن الشواهد في الحنان قول النابغة ... أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشراهون من بعض وقال عطاء بن أبي رباح حنانا من لدنا بمعنى تعظيما من لدنا قال ع وهو أيضا ما عظم من الأمر لأجل اللّه عز و جل ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال واللّه لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا قال ص قال أبو عبيدة وأكثر ما يستعمل مثنى انتهى والزكاة التنمية والتطهير في وجوه الخير قال مجاهد كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ولم يكن جبارا عصيا روي أن يحيى عليه السلام لم يواقع معصية قط صغيرة ولا كبيرة والبر كثير البر والجبار المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه وقوله وسلام عليه قال الطبري وغيره معناه وأمان عليه قال ع والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فيه أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه وهو أقل درجاته وإنما الشرف في أن سلم اللّه عليه وحياه في المواطن التي الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة واذكر في الكتاب مريم الكتاب هو القرءان والانتباذ التنحي قال السدي انتبذت لتطهر من حيض وقال غيره لتعبد اللّه عز و جل قال ع وهذا أحسن وقوله شرقيا يريد في جهة الشرق من مساكن أهلها وكانوا يعظمون جهة المشرق قاله الطبري وقال بعض المفسرين اتخذت المكان بشرقي المحراب ١٧وقوله سبحانه فاتخذت من دونهم حجابا أي لتستتر به عن الناس لعبادتها والروح جبريل عليه السلام ١٨وقوله تعالى قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا المعنى قالت مريم للملك الذي تمثل لها بشرا لما رأته قد خرق الحجاب الذي اتخذته فأساءت به الظن أعوذ بالرحمن منك إن كنت ذا تقى فقال لها جبريل عليه السلام إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا وقرأ أبو عمرو ونافع بخلاف عنه ليهب قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا والبغي الزانية وروي أن جبريل عليه السلام حين قاولها هذه المقاولة نفخ في جيب درعها فسرت النفخة بإذن اللّه تعالى حتى حملت منها قاله وهب بن منبه وغيره وقال أبي بن كعب دخل الروح المنفوخ من فمها فذلك ٢٢قوله تعالى فحملته أي فحملت الغلام ويذكر أنها كانت بنت ثلاث عشرة سنة فلما أحست بذلك وخافت تعنيف الناس وأن يظن بها الشر انتبذت أي تنحت مكانا بعيدا حياء وفرارا على وجهها وأجاءها معناه اضطرها وهو تعدية جاء بالهمزة والمخاض الطلق وشدة الولادة وأوجاعها وروي أنها بلغت إلى موضع كان فيه جذع نخلة بال يابس في أصله مذود بقرة على جرية ماء فاشتد بها الأمر هنالك واحتضنت الجذع لشدة الوجع وولدت عيسى عليه السلام فقالت عند ولادتها لما رأته من صعوبة الحال من غير ما وجه يا ليتني مت قبل هذا فتمنت الموت من جهة الدين أن يظن بها الشر وخوف أن تفتتن بتعيير قومها وهذا مباح وعلى هذا الحد تمناه عمر رضي اللّه عنه وكنت نسيا أي شيئا متروكا محتقرا والنسي في كلام العرب الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى فلا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه وهذا القصة تقتضي أنها حملت واستمرت حاملا على عرف البشر واستحيت من ذلك ومرت بسببه وهي حامل وهو قول جمهور المتأولين وروي عن ابن عباس أنه قال ليس إلا أن حملت فوضعت في ساعة واحدة واللّه أعلم وظاهر قوله فأجاءها المخاض أنها كانت على عرف النساء ٢٤وقوله سبحانه فناداها من تحتها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم فناداها من تحتها على أن من فاعل بنادى والمراد بمن عيسى قاله مجاهد والحسن وابن جبير وأبي بن كعب وقال ابن عباس المراد بمن جبريل ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها والقول الأول أظهر وأبين وبه يتبين عذر مريم ولا تبقى بها استرابة وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم من تحتها بكسر الميم واختلفوا أيضا فقالت فرقة المراد عيسى وقالت فرقة المراد جبريل المحاور لها قبل قالوا وكان في بقعة أخفض من البقعة التي كانت هي عليها والأول أظهر وقرأ ابن عباس فناداها ملك من تحتها والسري من الرجال العظيم السيد والسري أيضا الجدول من الماء وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية فقال قتادة وابن زيد أراد جعل تحتك عظيما من الرجال له شأن وقال الجمهور أشار لها إلى الجدول ثم أمرها بهز الجذع اليابس لترى ءاية أخرى وقالت فرقة بل كانت النخلة مطعمة رطبا وقال السدي كان الجذع مقطوعا وأجري تحتها النهر لحينه قال ع والظاهر من الآية أن عيسى هو المكلم لها وأن الجذع كان يابسا فهي ءايات تسليها وتسكن إليها قال ص قوله وهزي إليك تقرر في علم النحو أن الفعل لا يتعدى إلى ضمير متصل وقد رفع المتصل وهما لمدلول واحد وإذا تقرر هذا فإليك لا يتعلق بهزي ولكن يمكن أن يكون إليك حالا من جذع النخلة فيتعلق بمحذوف أي هزي بجذع النخلة منتهيا إليك انتهى والباء في قوله بجذع زائدة مؤكدة وجنيا معناه قد طابت وصلحت للإجتناء وهو من جنيت الثمرة وقال عمرو بن ميمون ليس شيء للنفساء خيرا من التمر والرطب وقرة العين مأخوذة من القر وذلك أنه يحكى أن دمع الفرح بارد المس ودمع الحزن سخن المس وقيل غير هذا قال ص وقرى عينا أي طيبي نفسا أبو البقاء عينا تمييز اه وقوله سبحانه فأما ترين من البشر أحدا الآية المعنى أن اللّه عز و جل أمرها على لسان جبريل عليه السلام ابنها على الخلاف المتقدم بأن تمسك عن مخاطبة البشر وتحيل على إبنها في ذلك ليرتفع عنها خجلها وتبين الآية فيقوم عذرها وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول مضمن هذه الألفاظ التي في الآية وهو قول الجمهور وقالت فرقة معنى قولي بالإشارة لا بالكلام قال ص وقوله فقولي جواب الشرط وبينهما جملة محذوفة يدل عليها المعنى أي فأما ترين من البشر أحدا وسألك حاورك الكلام فقولي انتهى وصوما معناه عن الكلام إذ أصل الصوم الإمساك وقرأت فرقة أني نذرت للرحمن صمتا ولا يجوز في شرعنا نذر الصمت فروي أن مريم عليها السلام لما أطمأنت بما رأت من الآيات وعلمت أن اللّه تعالى سيبين عذرها أتت به تحمله مدلة من المكان القصي الذي كانت منتبذة به والفري العظيم الشنيع قاله مجاهد والسدي وأكثر استعماله في السوء واختلف في معنى قوله تعالى يا أخت هارون فقيل كان لها أخ اسمه هارون لأن هذا الاسم كان كثيرا في بني إسرائيل وروى المغيرة بن شعبة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرسله إلى أهل نجران في أمر من الأمور فقالت له النصارى إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون وبينهما في المدة ست مائة سنة قال المغيرة فلم أدر ما أقول فلما قدمت على النبي صلى اللّه عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال ألم يعملوا أنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين قال ع فالمعنى أنه اسم وافق اسما وقيل نسبوها إلى هارون أخي موسى لأنها من نسله ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم أن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم وقال قتادة نسبوها إلى هارون اسم رجل صالح في ذلك الزمان وقالت فرقة بل كان في ذلك الزمان رجل فاجر اسمه هارون نسبوها إليه على جهة التعيير ت واللّه أعلم بصحة هذا وما رواه المغيرة أن ثبت هو المعول عليه وقولهم ما كان أبوك امرأ سوء المعنى ما كان أبوك ولا أمك أهلا لهذه الفعلة فكيف جئت أنت بها والبغي التي تبغي الزنا أي تطلبه ٢٩وقوله تعالى فأشارت إليه يقوي قول من قال أن أمرها بقولي إنما أريد به الإشارة وقوله ءاتاني الكتاب يعني الإنجيل ويحتمل أن يريد التوراة والإنجيل وءاتاني معناه قضى بذلك سبحانه وأنفذه في سابق حكمه وهذا نحو قوله تعالى أتى أمر اللّه وأوصاني بالصلاة والزكاة قيل هما المشروعتان في البدن والمال وقيل الصلاة الدعاء والزكاة التطهر من كل عيب ونقص ومعصية والجبار المتعظم وهي خلق مقرونة بالشقاء لأنها مناقضة لجميع الناس فلا يلقى صاحبها من كل أحد إلا مكروها وكان عيسى عليه السلام في غاية التواضع يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على الأرض ويأوي حيث جنه الليل لا مسكن له قال قتادة وكان يقول سلوني فإني لين القلب صغير في نفسي وقالت فرقة أن عيسى عليه السلام كان أوتي الكتاب وهو في سن الطفولية وكان يصوم ويصلي قال ع وهذا في غاية الضعف ت وضعفه من جهة سنده وإلا فالعقل لا يحيله لا سيما وأمره كله خرق عادة وفي قصص هذه الآية عن ابن زيد وغيره أنهم لما سمعوا كلام عيسى أذعنوا وقالوا إن هذا لأمر عظيم ٣٤وقوله تعالى ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون المعنى قل يا محمد لمعاصريك من اليهود والنصارى ذلك الذي هذه قصته عيسى بن مريم وقرأ نافع وعامة الناس قول الحق برفع القول على معنى هذا هو قول الحق وقرأ عاصم وابن عامر قول الحق بنصب اللام على المصدر وقوله إن اللّه ربي وربكم الآية هذا من تمام القول الذي أمر به صلى اللّه عليه وسلم أن يقوله ويحتمل أن يكون من قول عيسى ويكون قوله أن بفتح الهمزة عطفا على قوله الكتاب وقد قال وهب بن منبه عهد عيسى إليهم أن اللّه ربي وربكم ت وما ذكره وهب مصرح به في القرءان ففي ءاخر المائدة ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا اللّه ربي وربكم الآية وامتراؤهم في عيسى هو اختلافهم فيقول بعضهم لزنية وهم اليهود ويقول بعضهم هو اللّه تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا فهذا هو امتراؤهم وسيأتي شرح ذلك بأثر هذا وقوله فاختلف الأحزاب من بينهم هذا ابتداء خبر من اللّه تعالى لصلى اللّه عليه وسلم بأن بني إسرائيل اختلفوا أحزابا أي فرقا وقوله من بينهم بمعنى من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم وإن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين وروي في هذا عن قتادة أن بني إسرائيل جمعوا من أنفسهم أربعة أحبار غاية في المكانة والجلالة عندهم وطلبوهم أن يبينوا لهم أمر عيسى فقال أحدهم عيسى هو اللّه تعالى اللّه عن قولهم وقال له الثلاثة كذبت واتبعه اليعقوبية ثم قيل للثلاثة فقال أحدهم عيسى ابن اللّه تعالى اللّه عن قولهم فقال له الاثنان كذبت واتبعه النسطورية ثم قيل للاثنين فقال أحدهما عيسى أحد ثلاثة اللّه إله ومريم إله وعيسى إله تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا فقال له الرابع كذبت واتبعته الإسرائيلية فقيل للرابع فقال عيسى عبد اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم فاتبع كل واحد فريق من بني إسرائيل ثم اقتتلوا فغلب المؤمنون وقتلوا وظهرت اليعقوبية على الجميع والويل الحزن والثبور وقيل الويل واد في جهنم ومشهد يوم عظيم هو يوم القيامة ٣٨وقوله سبحانه اسمع بهم وأبصر أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم يرجعون إلينا ويرون ما نصنع بهم لكن الظالمون اليوم أي في الدنيا في ضلال مبين أي بين وأنذرهم يوم الحسرة وهو يوم ذبح الموت قاله الجمهور وفي هذا حديث صحيح خرجه البخاري وغيره عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن الموت يجاء به في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط بين الجنة والنار وينادى يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت ثم قرأ وأنذرهم يوم الحسرة الآية قال ع - وعند ذلك تصيب أهل النار حسرة لا حسرة مثلها وقال ابن زيد وغيره يوم الحسرة هو يوم القيامة قال ع ويحتمل أن يكون يوم الحسرة اسم جنس شامل لحسرات كثيرة بحسب مواطن الآخرة منها يوم موت الإنسان وأخذ الكتاب بالشمال وغير ذلك وهم في غفلة يريد في الدنيا ٤٠قوله سبحانه انا نحن نرث الأرض الآية عبارة عن بقائه جل وعلا بعد فناء مخلوقاته لا إله غيره وقوله عز و جل واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا الآية قوله واذكر بمعنى اتل وشهر لأن اللّه تعالى هو الذاكر والكتاب هو القرءان والصديق بناء مبالغة فكان إبراهيم عليه السلام يوصف بالصدق في أفعاله وأقواله وقوله يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن الآية قال الطبري أخاف بمعنى أعلم قال ع والظاهر عندي أنه خوف على بابه وذلك أن إبراهيم عليه السلام في وقت هذه المقالة لم يكن ءايسا من إيمان أبيه ت ونحو هذا عبارة المهدوي قال قيل أخاف معناه اعلم أي أني أعلم أن مت على ما أنت عليه ويجوز أن يكون أخاف على بابه ويكون المعنى أني أخاف أن تموت على كفرك فيمسك العذاب انتهى وقوله لأرجمنك قال الضحاك وغيره معناه بالقول أي لأشتمنك وقال الحسن معناه لأرجمنك بالحجارة وقالت فرقة معناه لأقتلنك وهذان القولان بمعنى واحد وقوله واهجرني على هذا التأويل إنما يترتب بأنه أمر على حياله كأنه قال إن لم تنته قتلتك بالرجم ثم قال له واهجرني أي مع انتهائك ومليا معناه دهرا طويلا مأخوذ من الملوين وهما الليل والنهار هذا قول الجمهور وقوله قال سلام عليك اختلف في معنى تسليمه على أبيه فقال بعضهم هي تحية مفارق وجوزوا تحية الكافر وأن يبدأ بها وقال الجمهور ذلك السلام بمعنى المسالمة لا بمعنى التحية وقال الطبري معناه أمنة مني لك وهذا قول الجمهور وهم لا يرون ابتداء الكافر بالسلام وقال النقاش حليم خاطب سفيها كما قال تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وقوله سأستغفر لك ربي معناه سأدعو اللّه تعالى في أن يهديك فيغفر لك بإيمانك ولما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه والحفى المهتبل المتلطف وهذا شكر من إبراهيم لنعم اللّه تعالى عليه ثم أخبر إبراهيم عليه السلام بأنه يعتزلهم أي يصير عنهم بمعزل ويروي أنهم كانوا بأرض كوثي فرحل عليه السلام حتى نزل الشام وفي سفرته تلك لقي الجبار الذي أخدم هاجر الحديث الصحيح بطوله وتدعون معناه تعبدون وقوله عسى ترج في ضمنه خوف شديد ٤٩وقوله سبحانه فلما اعتزلهم إلى أخر الآية أخبار من اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه و سلم أنه لما رحل إبراهيم عن بلد أبيه وقومه عوضه اللّه تعالى من ذلك ابنه اسحاق وابن ابنه يعقوب على جميعهم السلام وجعل الولد له تسلية وشد لعضده وإسحاق اصغر من إسماعيل ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت سارة فحملت بإسحاق هكذا فيما روي وقوله تعالى ووهبنا لهم من رحمتنا يريد العلم والمنزلة والشرف في الدنيا والنعيم في الآخرة كل ذلك من رحمة اللّه عز و جل ولسان الصدق هو الثناء الباقي عليهم ءاخر الأبد قاله ابن عباس وإبراهيم الخليل صلى اللّه عليه و سلم وذريته معظمة في جميع الأمم والملل قال ص وكلا جعلنا نبيا أبو البقاء هو منصوب بجعلنا انتهى وقوله عز و جل واذكر في الكتاب موسى أي على جهة التشريف له وناديناه هو تكليم اللّه له والأيمن صفة لجانب وكان على يمين موسى وإلا فالجبل نفسه لا يمنه له ولا يسرة ويحتمل أن يكون الأيمن مأخوذا من اليمن وقربناه أي تقريب تشريف والنجى من المناجاه ٥١وقوله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل هو أيضا من لسان الصدق المضمون بقاؤه على إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام هو أبو العرب اليوم وذلك أن اليمنية والمضرية ترجع إلى ولد إسماعيل وهو الذبيح في قول الجمهور وهو الراجح من وجوه منها قوله تعالى ومن وراء إسحاق يعقوب فولد بشر أبواه بأن سيكون منه ولد كيف يومر بذبحه ومنها أن أمر الذبح كان بمنى بلا خلاف وما روي قط أن إسحاق دخل تلك البلاد وإسماعيل بها نشأ وكان أبوه يزوره مرارا كثيرة يأتي من الشام ويرجع من يومه على البراق وهو مركب الأنبياء ومنها قوله صلى اللّه عليه و سلم أنا ابن الذبيحين وهو أبوه عبد اللّه والذبيح الثاني هو إسماعيل ومنها ترتيب ءايات سورة والصافات يكاد ينص على أن الذبيح غير إسحاق ووصفه اللّه تعالى بصدق الوعد لأنه كان مبالغا في ذلك وروي أنه وعد رجلا أن يلقاه في موضع فبقي في انتظاره يومه وليلته فلما كان في اليوم الآخر جاء الرجل فقال له إسماعيل ما زلت هنا في انتظارك منذ أمس وقد فعل مثله نبينا صلى اللّه عليه وسلم قبل مبعثه خرجه الترمذي وغيره قال سفيان بن عيينة أسوأ الكذب إخلاف الميعاد ورمي الأبرياء بالتهم وأهله المراد بهم قومه وأمته قاله الحسن وفي مصحف ابن مسعود وكان يأمر قومه وإدريس عليه السلام من أجداد نوح عليه السلام ورفعناه مكانا عليا قالت فرقة من العلماء رفع إلى السماء قال ابن عباس كان ذلك بأمر اللّه تعالى وقوله وبكيا قالت فرقة جمع باك وقالت فرقة هو مصدر بمعنى البكاء التقدير وبكوا بكيا واحتج الطبري ومكي لهذا القول بأن عمر رضي اللّه عنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال هذا السجود فأين البكي يعني البكاء قال ع ويحتمل أن يريد عمر رضي اللّه عنه فأين الباكون وهذا الذي ذكروه عن عمر ذكره أبو حاتم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ٥٩وقوله تعالى فخلف من بعدهم خلف الآية الخلف بسكون اللام مستعمل إذا كان الآتي مذموما هذا مشهور كلام العرب والمراد بالخلف من كفر وعصى بعد من بني إسرائيل ثم يتناول معنى الآية من سواهم إلى يوم القيامة وإضاعة الصلاة يكون بتركها وبجحدها وبإضاعة أوقاتها وروى أبو داود الطيالسي في مسنده بسنده عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة حفظك اللّه كما حفظتني وترفع وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها ولا سجودها قالت الصلاة ضيعك اللّه كما ضيعتني وتلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه انتهى من التذكرة والشهوات عموم وألغي الخسران قاله ابن زيد وقد يكون الغي بمعنى الضلال والتقدير يلقون جزاء الغي وقال عبد اللّه بن عمرو وابن مسعود الغي واد في جهنم وبه وقع التوعد في هذه الآية وقال ص الغي عندهم كل شر كما أن الرشاد كل خير انتهى وجنات عدن بدل من الجنة في قوله يدخلون الجنة وقوله بالغيب أي أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم وفي هذا مدح لهم على سرعة إيمانهم وبدارهم إذا لم يعاينوا وماتيا مفعول على بابه وقال جماعة من المفسرين هو مفعول في اللفظ بمعنى فاعل فماتيا بمعنى ءات وهذا بعيد ت بل هو الظاهر وعليه اعتمد ص واللغو السقط من القول وقوله بكرة وعشيا يريد في التقدير ٦٤وقوله عز و جل وما نتنزل إلا بأمر ربك الآية قال ابن عباس وغيره سبب هذه الآية أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أبطأ عنه جبريل عليه السلام مدة فلما جاءه قال يا جبريل قد اشتقت إليك أفلا تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت هذه الآية وقال الضحاك ومجاهد سببها أن جبريل تأخر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم عند قوله في السؤالات المتقدمة في سورة الكهف غدا أخبركم وقال الداودي عن مجاهد ابطأت الرسل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم أتى جبريل عليه السلام قال ما حبسك قال وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون إظفاركم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون وما نتنزل إلا بأمر ربك انتهى وقد جاءت في فضل السواك ءاثار كثيرة فمنها ما رواه البزار في مسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيسمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرءان إلا صار في جوف الملك انتهى من الكوكب الدري وفيه عن ابن أبي شيبة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال صلاة على أثر سواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك انتهى وفي البخاري أن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب أه وقوله سبحانه له ما بين أيدينا الآية المقصود بهذه الآية الإشعار بملك اللّه تعالى لملائكته وأن قليل تصرفهم وكثيره إنما هو بأمره وانتقالهم من مكان إلى مكان إنما هو بحد منه وقوله وما كان ربك نسيا أي ممن يلحقه نسيان لبعثنا إليك فنسيا فعيل من النسيان وهو الذهول عن الأمور وقرأ ابن مسعود وما نسيك ربك وقوله سميا قال قوم معناه موافقا في الإسم قال ع وهذا يحسن فيه أن يريد بالإسم ما تقدم من قوله رب السموات والأرض وما بينهما أي هل تعلم من يسمى بهذا يوصف بهذه الصفة وذلك أن الأمم والفرق لا يسمون بهذا الاسم وثنا ولا شيئا سوى اللّه تعالى قال القشيري في التحبير قوله تعالى واصطبر لعبادته الاصطبار نهاية الصبر ومن صبر ظفر ومن لازم وصل وفي معناه انشدوا ... لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا ... اخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا ... وأنشدوا ... إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر ... وقل من جد في شيء يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ... انتهى وقال ابن عباس وغيره سميا معناه مثيلا شبيها ونحو ذلك وهذا قول حسن وكان السمي بمعنى المسامي والمضاهي فهو من السمو ٦٦وقوله تعالى ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا الإنسان اسم جنس يراد به الكافرون وروي أن سبب نزول هذه الآية هو أن رجالا من قريش كانوا يقولون هذا ونحوه وذكر أن القائل هو أبي بن خلف وروي أن القائل هو العاصي بن وائل وفي قوله تعالى ولم يك شيئا دليل على أن المعدوم لا يسمى شيئا وقال أبو علي الفارسي أراد شيئا موجودا قال ع - وهذه من أبي علي نزعة اعتزالية فتأملها والضمير في لنحشرنهم عائد على الكفار القائلين ما تقدم ثم أخبر تعالى أنه يقرن بهم الشياطين المغوين لهم وجثيا جمع جاث فأخبر سبحانه أنه يحضر هؤلاء المنكرين البعث مع الشياطين المغوين فيجثون حول جهنم وهو قعود الخائف الذليل على ركبتيه كالأسير ونحوه قال ابن زيد الجثي شر الجلوس والشيعة الفرقة المرتبطة بمذهب وأحد المتعاونة فيه فأخبر سبحانه أنه ينزع من كل شيعة أعتاها وأولاها بالعذاب فنكون مقدمتها إلى النار قال أبو الأحوص المعنى نبدأ بالأكابر جرما وأي هنا بنيت لما حذف الضمير العائد عليها من صدر صلتها وكان التقدير أيهم هو أشد وصليا مصدر صلي يصلي إذا باشره ٧١وقوله عز و جل وإن منكم إلا واردها قسم والواو تقتضيه ويفسره قول صلى اللّه عليه و سلم من مات له ثلاثة أولاد لم تمسه النار إلا تحلة القسم وقرأ ابن عباس وجماعة وإن منهم بالهاء على إرادة الكفار قال ع ولا شغب في هذه القراءة وقالت فرقة من الجمهور القارئين منكم المعنى قل لهم يا محمد فالخطاب بمنكم للكفرة وتأويل هؤلاء أيضا سهل التناول وقال الأكثر المخاطب العالم كله ولا بد من ورود الجميع ثم اختلفوا في كيفية ورود المؤمنين فقال ابن عباس وابن مسعود وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم هو ورود دخول لكنها لا تعدو عليهم ثم يخرجهم اللّه عز و جل منها بعد معرفتهم حقيقة ما نجوا منه وروى جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال الورود في هذه الآية هو الدخول وقد أشفق كثير من العلماء من تحقق الورود مع الجهل بالصدر جعلنا اللّه تعالى من الناجين بفضله ورحمته وقالت فرقة بل هو ورود أشراف واطلاع وقرب كما تقول وردت الماء إذا جئته وليس ما يلزم أن تدخل فيه قالوا وحسب المؤمن بهذا هولا ومنه قوله تعالى ولما ورد ماء مدين وروت فرقة أثرا أن اللّه تعالى يجعل النار يوم القيامة جامدة الأعلى كأنها أهالة فيأتي الخلق كلهم برهم وفاجرهم فيقفون عليها ثم تسوخ بأهلها ويخرج المؤمنون الفائزون لم ينلهم ضر قالوا فهذا هو الورود قال المهدوي وعن قتادة قال يرد الناس جهنم وهي سوداء مظلمة فأما المؤمنون فأضاءت لهم حسناتهم فنجوا منها وأما الكفار فأوبقتهم سيئاتهم واحتبسوا بذنوبهم انتهى وروت حفصة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية قالت فقلت يا رسول اللّه وأين قول اللّه تعالى وإن منكم إلا واردها فقال صلى اللّه عليه و سلم فمه ثم ننجي الذين اتقوا ورجح الزجاج هذا القول بقوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ت وحديث حفصة هذا أخرجه مسلم وفيه أفلم تسمعيه يقول ثم ننجي الذين اتقوا وروى ابن المبارك في رقائقه أنه لما نزلت هذه الآية وإن منكم إلا واردها ذهب ابن رواحة إلى بيته فبكى فجاءت امرأته فبكت وجاءت الخادم فبكت وجاء أهل البيت فجعلوا يبكون فلما انقضت عبرته قال يا أهلاه ما يبكيكم قالوا لا ندري ولكن رأيناك بكيت فبكينا فقال ءاية نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينبئني فيها ربي إني وراد النار ولم ينبئني أني صادر عنها فذلك الذي أبكاني انتهى وقال ابن مسعود ورودهم هو جوازهم على الصراط وذلك أن الحديث الصحيح تضمن أن الصراط مضروب على متن جهنم والحتم الأمر المنفذ المجزوم والذين اتقوا معناه اتقوا الكفر ونذر دالة على أنهم كانوا فيها قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد بعد أن ذكر رواية جابر وابن مسعود في الورود وروي عن كعب أنه تلا وإن منكم إلا ورادها فقال أتدرون ما ورودها أنه يجاء بجهنم فتمسك للناس كأنها متن أهالة يعني الودك الذي يجمد على القدر من المرقة حتى إذا استقرت عليها إقدام الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد أن خذى أصحابك وذري أصحابي فيخسف بكل ولي لها فلهي أعلم بهم من الوالدة بولدها وينجو المؤمنون ندية ثيابهم وروي هذا المعنى عن أبي نضرة وزاد وهو معنى قوله تعالى فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون انتهى وقوله تعالى وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما الآية هذا افتخار من كفار قريش وأنه أنما أنعم اللّه عليهم لأجل أنهم على الحق بزعمهم والندي والنادي المجلس ثم رد اللّه تعالى حجتهم وحقر أمرهم فقال تعالى وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا والأثاث المال العين والعرض والحيوان وقرأ نافع وغيره ورءيا بهمزة بعدها ياء من رؤية العين قال البخاري ورءيا منظرا وقرأ نافع أيضا وأهل المدينة وريا بياء مشددة فقيل هي بمعنى القراءة الأولى وقيل هي بمعنى الري في السقيا إذا كثر النعمة من الري والمطر وقرأ ابن جبير وابن عباس ويزيد البريري وزيا بالزاي المعجمة بمعنى الملبس وأما ٧٤قوله سبحانه قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا فيحتمل أن يكون بمعنى الدعاء والابتهال كأنه يقول الأضل منا ومنكم مد اللّه له أي أملي له حتى يؤول ذلك إلى عذابه ويحتمل أن يكون بمعنى الخبر أنه سبحانه هذه عادته الاملاء للضالين حتى إذا رأوا ما يوعدون أما العذاب أي في الدنيا بنصر اللّه للمؤمنين عليهم وأما الساعة فيصيرون إلى النار والجند الناصرون القائمون بأمر الحرب وشر مكانا بأزاء قولهم خير مقاما وأضعف جندا بأزاء قولهم أحسن نديا ولما ذكر سبحانه ضلالة الكفرة وافتخارهم بنعم الدنيا عقب ذلك بذكر نعمة اللّه على المؤمنين في أنه يزيدهم هدى في الارتباط بالأعمال الصالحة والمعرفة بالدلائل الواضحة وقد تقدم تفسير الباقيات الصالحات عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنها سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله إلا اللّه واللّه اكبر وقد قال صلى اللّه عليه و سلم لأبي الدرداء خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن فهن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة وعنه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال خذوا جنتكم قالوا يا رسول اللّه أمن عدو حضر قال من النار قالوا ما هي يا رسول اللّه قال سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر وهن الباقيات الصالحات وكان أبو الدرداء يقول إذا ذكر هذا الحديث لأهللن ولأكبرن اللّه ولأسبحنه حتى إذا رءاني الجاهل ظنني مجنونا ت ولو ذكرنا ما ورد من صحيح الأحاديث في هذا الباب لخرجنا بالإطالة عن مقصود الكتاب ٧٧وقوله سبحانه أفرأيت الذي كفر بآيتنا هو العاصي بن وائل السهمي قاله جمهور المفسرين وكان خبره أن خباب بن الأرت كان قينا في الجاهلية فعمل له عملا واجتمع له عنده دين فجاءه يتقاضاه فقال له العاصي لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقال خباب لا أكفر بمحمد حتى يميتك اللّه ثم يبعثك فقال العاصي مبعوث أنا بعد الموت فقال نعم فقال فإنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك فنزلت الآية في ذلك وقال الحسن نزلت في الوليد بن المغيره قال ع وقد كانت للوليد أيضا أقوال تشبه هذا الغرض ت إلا أن المسند الصحيح في البخاري هو الأول وقوله أم اتخذ عند الرحمن عهدا معناه بالإيمان والأعمال الصالحات وكلا زجر ورد وهذا المعنى لازم لكلا ثم أخبر سبحانه أن قول هذا الكافر سيكتب على معنى حفظه عليه ومعاقبته به ومد العذاب هو إطالته وتعظيمه ٨٠وقوله سبحانه ونرثه ما يقول أي هذه الأشياء التي سمي أنه يوتاها في الآخرة يرث اللّه ماله منها في الدنيا بأهلاكه وتركه لها فالوراثة مستعارة وقال النحاس نرثه ما يقول معناه نحفظه عليه لنعاقبه به ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم العلماء ورثة الأنبياء أي حفظة ما قالوا قال ع فكان هذا المجرم يورث هذه المقالة وقوله ويكونون عليهم ضدا معناه يجدونهم خلاف ما كانوا أملوه في معبوداتهم فيئول ذلك بهم إلى ذلة وضد ما أملوه من العز وغيره وهذه صفة عامة وتؤزهم معناه تقلقهم وتحركهم إلى الكفر والضلال قال قتادة تزعجهم إزعاجا وقال ابن زيد تشليهم أشلاء ومنه أزيز القدر وهو غليانه وحركته ومنه الحديث أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فوجدته يصلي وهو يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل ت هذا الحديث خرجه مسلم وأبو داود عن مطرف عن أبيه وقال العراقي تؤزهم أي تدفعهم انتهى ٨٤وقوله سبحانه فلا تعجل عليهم أي لا تستبطئ عذابهم وقوله تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال ع وظاهر هذه الوفادة أنها بعد انقضاء الحساب وإنما هي النهوض إلى الجنة وكذلك سوق المجرمين أنما هو لدخول النار ووفدا قال المفسرون معناه ركبانا وهي عادة الوفود لأنهم سراة الناس وأحسنهم شكلا وإنما شبههم بالوفد هيئة وكرامة وروي عن علي رضي اللّه عنه أنهم يجيئون ركبانا على النوق المحلاة بحلية الجنة خطمها من ياقوت وزبرجد ونحو هذا وروي عمرو ابن قيس الملاءي أنهم يركبون على تماثيل من أعمالهم الصالحة وهي في غاية الحسن وروي أنه يركب كل واحد منهم ما أحب فمنهم من يركب الإبل ومنهم من يركب الخيل ومنهم من يركب السفن فتجئ عائمة بهم وقد ورد في الضحايا أنها مطاياكم إلى الجنة وأكثر هذه فيها ضعف من جهة الإسناد والسوق يتضمن هوانا والورد العطاش قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن واختلف في الضمير في قوله لا يملكون فقالت فرقة هو عائد على المجرمين أي لا يملكون أن يشفع لهم وعلى هذا فالاستثناء منقطع أي لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يشفع له والعهد على هذا الإيمان وقال ابن عباس العهد لا إله إلا اللّه وفي الحديث يقول اللّه تعالى يوم القيامة من كان له عندي عهد فليقم قال ع ويحتمل أن يكون المجرمون يعم الكفرة والعصاة أي إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا من عصاة المؤمنين فإنه يشفع لهم وبكون الاستثناء متصلا وقالت فرقة الضمير في لا يملكون للمتقين وقوله إلا من اتخذ الآية أي إلا من كان له عمل صالح مبرور فيشفع فيشفع وتحتمل الآية أن يراد بمن النبي صلى اللّه عليه وسلم وبالشفاعة الخاصة له العامة في أهل الموقف ويكون الضمير في لا يملكون لجميع أهل الموقف ألا ترى أن سائر الأنبياء يتدافعون الشفاعة إذ ذاك حتى تصير إليه صلى اللّه عليه و سلم ٨٨وقوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا قال الباجي في سنن الصالحين له روي عن ابن مسعود أنه قال أن الجبل ليقول للجبل يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر للّه تعالى فإن قال نعم سر به ثم قرأ عبد اللّه وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا إلى قوله وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا قال أترونها تسمع الزور ولا تسمع الخير انتهى وهكذا رواه ابن المبارك في رقائقه وما ذكره ابن مسعود لا يقال من جهة الرأي وقد روي عن أنس وغيره نحوه قال الباجي بأثر الكلام المتقدم وروي جعفر بن زيد عن أنس بن مالك أنه قال ما من صباح ولا رواح إلا وتنادى بقاع الأرض بعضها بعضا أي جاره هل مر بك اليوم عبد يصلى يذكر اللّه فمن قائله لا ومن قائله نعم فإذا قالت نعم رأت لها فضلا بذلك انتهى ٨٩وقوله سبحانه لقد جئتم شيئا إدا الآية الإد الأمر الشنيع الصعب ت وقال العراقي إدا أي عظيما انتهى والانفطار الانشقاق والهد الانهدام قال محمد بن كعب كاد أعداء اللّه أن يقيموا علينا الساعة وقوله أن كل من في السماوات الآية أن نافية بمعنى ما وقوله فردا يتضمن عدم النصير والحول والقوة أي لا مجير له مما يريد اللّه به وعبارة الثعلبي فردا أي وحيدا بعمله ليس معه من الدنيا شيء اه ت وهذه الآية تنظر إلى قوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى الآية وقوله تعالى سيجعل لهم الرحمن ودا ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا الود هو القبول الذي يضعه اللّه لمن يحب من عباده حسبما في الحديث الصحيح المأثور وقال عثمان بن عفان رضي اللّه عنه أنها بمنزلة قول النبي صلى اللّه عليه وسلم من أسر سريرة ألبسه اللّه رداءها ت والحديث المتقدم المشار إليه أصله في الموطأ ولفظه مالك عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إذا أحب اللّه العبد قال لجبريل يا جبريل قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى في أهل السماء أن اللّه أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يضع له القبول في الأرض وإذا أبغض العبد قال مالك لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد وممن روى هذا الحديث عن سهيل بإسناده هذا فذكر البغض من غير شك معمر وعبد العزيز بن المختار وحماد بن سلمة قالوا في ءاخره وإذا أبغض بمثل ذلك ولم يشكوا قال أبو عمر وقد قال المفسرون في قوله تعالى سيجعل لهم الرحمن ودا يحبهم ويحببهم إلى الناس وقاله مجاهد وابن عباس ثم أسند أبو عمر عن كعب أنه قال واللّه ما اتسقر لعبد ثناء في أهل الدنيا حتى يستقر له في أهل السماء قال كعب وقرأت في التوراة أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض إلا كان بدأها من اللّه عز و جل ينزلها على أهل السماء ثم ينزلها على أهل الأرض ثم قرأت القرءان فوجدت فيه أن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وأسند أبو عمر عن قتادة قال قال هرم بن حيان ما أقبل عبد بقلبه إلى اللّه تعالى إلا أقبل اللّه بقلوب أهل الإيمان عليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم انتهى قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا سلميان بن المغيرة عن ثابت قال قيل يا رسول اللّه من أهل الجنة قال من لا يموت حتى يملأ اللّه سمعه مما يحب قال فقيل يا رسول اللّه من أهل النار قال من لا يموت حتى يملأ اللّه سمعه مما يكره انتهى قال ع وفي حديث أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما من عبد إلا وله في السماء صيت فإن كان حسنا وضع في الأرض حسنا وإن كان سيئا وضع في الأرض سيئا ت وهذا الحديث خرجه أبو داود في كتاب الزهد ٩٧وقوله تعالى فإنما يسرناه بلسانك أي القرءان لتبشر به المتقين أي بالجنة والنعيم الدائم والعز في الدنيا وقوما لدا هم قريش ومعناه مجادلين مخاصمين والألد المخاصم المبالغ في ذلك ثم مثل لهم بإهلاك من قبلهم إذ كانوا أشد منهم وألد وأعظم قدرا والركز الصوت الخفي |
﴿ ٠ ﴾