سورة طه

وهي مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله سبحانه وتعالى طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى قيل طه اسم من أسماء نبينا صلى اللّه عليه وسلم

وقيل معناه يا رجل بالسريانية ويقل بغيرها من لغات العجم قال البخاري قال ابن جبير طه يا رجل بالنبطية انتهى

وقيل أنها لغة يمانية في عك وأنشد الطبري في ذلك ... دعوت بطاها في القتال فلم يجب ... فخفت عليه أن يكون موائلا ...

وقال آخر ... إن السفاهة طاها من خلائقكم ... لا بارك اللّه في القوم الملاعين ...

وقالت فرقة من العلماء سبب نزول هذه الآية أن قريشا لما نظرت إلى عيش النبي صلى اللّه عليه وسلم وشظفه وكثرة عبادته قالت أن محمدا مع ربه في شقاء فنزلت الآية رادة عليهم وأسند عياض في الشفا من طريق أبي ذر الهروي عن الربيع بن أنس قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى فأنزل اللّه طه يعني طأ الأرض يا محمد ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى

ولا خفاء بما في هذا كله من الأكرام له صلى اللّه عليه و سلم وحسن المعاملة انتهى قال ص لتشقى إلا تذكرة علتان لقوله ما أنزلنا انتهى وقد تقدم القول في مسألة الاستواء وباقي الآية بين قال ابن هاشم

٧

قوله تعالى وإن تجهر بالقول أي فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه يعلم السر وأخفى فالجواب محذوف انتهى

٩

وقوله سبحانه وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس  أجد على النار هدى هذا الاستفهام توقيف مضمنه تنبيه النفس إلى استماع ما يورد عليها وهذا كما تبدأ الرجل إذا أردت أخباره بأمر غريب فتقول أعلمت كذا وكذا ثم تبدأ تخبره وكان من قصة موسى عليه السلام أنه رحل من مدين بأهله بنت شعيب عليه السلام وهو يريد أرض مصر وقد طالت مدة جنايته هنالك فرجا خفاء أمره وكان فيما يزعمون رجلا غيورا فكان يسير الليل بأهله ولا يسير بالنهار مخافة كشفه الناس فضل عن طريقه في ليلة مظلمة فبينما هو كذلك وقد قدح بزنده فلم يور شيئا إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا أي أقيموا وذهب هو إلى النار فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة قيل كانت من عناب

وقيل من عوسج

وقيل من عليق فكلما دنا منها تباعدت منه ومشت فإذا رجع عنها اتبعته فلما رأى ذلك أيقن أن هذا من أمور اللّه الخارقة للعادة ونودي وانقضى أمره كله في تلك الليلة هذا قول الجمهور وهو الحق وما حكي عن ابن عباس أنه قال أقام في ذلك الأمر حولا فغير صحيح عن ابن عباس وآنست معناه أحسست والقبس الجذوة من النار تكون على رأس العود والهدى أراد هدى الطريق أي لعلي أجد مرشدا لي  دليلا وفي قصة موسى بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم عما لقي في تبليغه من المشقات صلى اللّه عليه و سلم والضمير في قوله أتاها عائد على النار

وقوله نودي كنايه عن تكليم اللّه تعالى

له عليه السلام وقرأ نافع وغيره أني بكسر الهمزة على الابتداء وقرأ أبو عمرو وابن كثير أني بفتحها على معنى لأجل أني أنا ربك فاخلع نعليك

واختلف في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين فقالت فرقة كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرح النجاسة

وقالت فرقة بل كانت نعلاه من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعهما لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربة الوادي قال ع وتحتمل الآية معنى آخر هو الأليق بها عندي وهو أن اللّه تعالى أمره أن يتأدب ويتواضع لعظم الحال التي حصل فيها والعرف عند الملوك أن تخلع النعلان ويبلغ الإنسان إلى غاية تواضعه فكان موسى عليه السلام أمر بذلك على هذا الوجه ولا نبالي كيف كانت نعلاه من ميتة  غيرها والمقدس معناه المطهر وطوى معناه مرتين فقالت فرقة معناه قدس مرتين

وقالت فرقة معناه طويت لك الأرض مرتين من ظنك قال الفخر

وقيل أن طوى اسم واد بالشام وهو عند الطور الذي أقسم اللّه به في القرءان

وقيل أن طوى بمعنى يا رجل بالعبرانية كأنه قيل يا رجل اذهب إلى فرعون انتهى من تفسيره لسورة والنازعات قال ع وحدثني أبي رحمه اللّه قال سمعت أبا الفضل ابن الجوهري رحمه اللّه تعالى يقول لما قيل لموسى استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره ووقف يستمع وكان كل لباسه صوفا

١٤

وقوله تعالى وأقم الصلاة لذكري يحتمل أن يريد لتذكرني فيها  يريد لا ذكر في عليين بها فالمصدر محتمل الإضافة إلى الفاعل  المفعول

وقالت فرقة معنى قوله لذكرة أي عند ذكرى أي إذا ذكرتني وأمري لك بها ت وفي الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها قال اللّه تعالى اقم الصلوة لذكرى انتهى فقد بين لك صلى اللّه عليه و سلم ما تحتمله الآية واللّه الموفق بفضله وهكذا استدل ابن العربي هنا بالحديث ولفظه وقد روى مالك

وغيره أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من نام عن صلاة  نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن اللّه تعالى يقول أقم الصلاة لذكري انتهى من الأحكام وقرأت فرقة للذكري وقرأت فرقة للذكر وقرأت فرقة للذكرى لذكري بغير تعريف

١٥

وقوله تعالى أن الساعة يريد القيامة آتية فيه تحذير ووعيد وقرأ ابن كثير وعاصم أكاد أخفيها بفتح الهمزة بمعنى أظهرها أي أنها من تيقن وقوعها تكاد تظهر لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم والعرب تقول خفيت الشيء بمعنى أظهرته وقرأ الجمهور أخفيها بضم الهمزة فقيل معناه أظهرها وزعموا أن أخفيت من الأضداد

وقالت فرقة أكاد بمعنى أريد أي أريد إخفاءها عنكم لتجزى كل نفس بما تسعى واستشهدوا بقول الشاعر كادت وكدت وتلك خير إرادة ...

وقالت فرقة أكاد على بابها بمعنى أنها مقاربة ما لم يقع لكن الكلام جار على استعارة العرب ومجازها فلما كانت الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ سبحانه في إبهام وقتها فقال أكاد أخفيها حتى لا تظهر البتة ولكن ذلك لا يقع ولا بد من ظهورها وهذا التأويل هو الأقوى عندي

١٦

وقوله سبحانه فلا يصدنك عنها أي عن الإيمان بالساعة ويحتمل عود الضمير على الصلاة

وقوله فتردى معناه فتهلك والردى الهلاك وهذا الخطاب كله لموسى عليه السلام وكذلك ما بعده وقال النقاش الخطاب بلا يصدنك لنبينا صلى اللّه عليه وسلم وهذا بعيد

١٧

وقوله سبحانه وما تلك بيمينك يا موسى تقرير مضمنه التنبيه وجمع النفس لتلقى ما يورد عليها وإلا فقد علم سبحانه ما هي في الأزل

قال ابن العربي في أحكامه وأجاب موسى عليه السلام بقوله هي عصاي الآية بأكثر مما وقع السؤال عنه وهذا كقوله صلى اللّه عليه و سلم هو الطهور ماؤه الحل ميتتة لمن سأله عن طهورية ماء البحر انتهى ت - والمستحسن من الجواب

أن يكون مطابقا للسؤال  أعم منه كما في الآية والحديث أما كونه أخص منه فلا انتهى وأهش معناه أخبط بها الشجر حتى ينتثر الورق للغنم وعصا موسى عليه السلام هي التي كان أخذها من بيت عصي الأنبياء عليهم السلام الذي كان عند شعيب عليه السلام حين اتفقا على الرعي وكانت عصا آدم عليه السلام هبط بها من الجنة وكانت من العير الذي في ورق الريحان وهو الجسم المستطيل في وسطها ولما أراد اللّه سبحانه تدريب موسى في تلقي النبوة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا فألقاها فإذا هي حية تسعى أي تنتقل وتمشي وكانت عصا ذات شعبتين فصارت الشعبتان فما يلتقم الحجارة فلما رءاها موسى رأى عبرة فولى مدبرا ولم يعقب فقال اللّه تعالى له خذها ولا تخف فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة وهي سيرتها الأولى واضمم يدك إلى جناحك أي جنبك قال ع وكل مرعوب من ظلمة ونحوها فإنه إذا ضم يده إلى جناحه فتر رعبه وربط جأشه فجمع اللّه سبحانه لموسى عليه السلام تفتير الرعب مع الآية في اليد

وروي أن يد موسى خرجت بيضاء تشف وتضيء كأنها شمس من غير سوء أي من غير برص ولا مثله بل هو أمر ينحسر ويعود بحكم الحاجة إليه ولما أمره اللّه تعالى بالذهاب إلى فرعون علم أنها الرسالة وفهم قدر التكليف فدعا اللّه في المعونة إذ لا حول له إلا به واشرح لي صدري معناه لفهم ما يرد علي من الأمور والعقدة التي دعا في حلها هي التي اعترته بالجمرة في فيه حين جربه فرعون

وروي في ذلك أن فرعون أراد قتل موسى وهو طفل حين مد يده عليه السلام إلى لحية فرعون فقالت له امرأته أنه لا يعقل فقال بل هو يعقل وهو عدوي فقالت له نجربه فقال لها أفعل فدعا بجمرات من النار وبطبق فيه ياقوت فقالا إن أخذ الياقوت علمنا إنه يعقل وإن أخذ النار عذرناه فمد موسى يده إلى جمرة

فأخذها فلم تعد على يده فجعلها في فيه فأحرقته وأورثت لسانه عقدة وموسى عليه السلام إنما طلب من حل العقدة قدرا يفقه معه قوله فجائز أن تكون تلك العقدة قد زالت كلها وجائز أن يكون قد بقي منها القليل فيجتمع أن يؤتى هو سؤله وأن يقول فرعون ولا يكاد يبين ولو فرضنا زوال العقدة جملة لكان قول فرعون سبا لموسى بحالته القديمة والوزير المعين القائم بوزر الأمور وهو ثقلها فيحتمل الكلام أن طلب الوزير من أهله على الجملة ثم أبدل هارون من الوزير المطلوب ويحتمل أن يريد واجعل هارون وزيرا فيكون مفعولا أولا لأجعل وكان هارون عليه السلام أكبر من موسى عليه السلام بأربع سنين والأزر الظهر قاله أبو عبيدة

وقوله كثيرا نعت لمصدر محذوف أي تسبيحا كثيرا

٣٧

وقوله سبحانه ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى قيل هو وحي إلهام

وقيل بملك

وقيل برؤيا رأتها وكان من قصة موسى عليه السلام فيما روي أن فرعون ذكر له أن خراب ملكه يكون على يد غلام من بني إسرائيل فأمر بقتل كل مولود يولد لبني إسرائيل ثم أنه رأى مع أهل مملكته أن فناء بني إسرائيل يعود على القبط بالضرر إذ هم كانوا عملة الأرض والصناع ونحو هذا فعزم على أن يقتل الولدان سنة ويستحييهم سنة فولد هارون عليه السلام في سنة الاستحياء ثم ولد موسى عليه السلام في العام الرابع سنة القتل فخافت عليه أمه فأوحى اللّه إليها أن اقذفيه في التابوت فأخذت تابوتا فقذفت فيه موسى راقدا في فراش ثم قذفته في يم النيل وكان فرعون جالسا في موضع يشرف منه على النيل إذ رأى التابوت فأمر به فسيق إليه وامرأته معه ففتح فرأوه فرحمته امرأته وطلبته لتتخذه ابنا فأباح لها ذلك ثم أنها عرضته للرضاع فلم يقبل امرأة فجعلت تنادي عليه في المدينة ويطاف به يعرض للمراضع فكلما عرضت عليه امرأة أباها وكانت أمه قالت لأخته

قصيه فبصرت به وفهمت أمره فقالت لهم أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فتعلقوا بها وقالوا أنت تعرفين هذا الصبي فأنكرت وقالت لا غير أن أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرب إلى المملكة والجد في خدمتها ورضاها فتركوها وسألوها الدلالة فجاءت بأم موسى فلما قربته شرب ثديها فسرت بذلك ءاسية امرأة فرعون رضي اللّه عنها وقالت لها كوني معي في القصر فقالت لها ما كنت لأدع بيتي وولدي ولكنه يكون عندي فقالت نعم فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية الإحسان واعتز بنو إسرائيل بهذا الرضاع والسبب من المملكة وأقام موسى عليه السلام حتى كمل رضاعه فأرسلت إليها ءاسية أن جئيني بولدي ليوم كذا وأمرت خدمها ومن معها أن يلقينه بالتحف والهدايا واللباس فوصل إليها على ذلك وهو بخير حال وأجمل شباب فسرت به ودخلت به على فرعون ليراه ويهب له فرءاه وأعجبه وقربه فأخذ موسى عليه السلام بلحية فرعون وجبذها فاستشاط فرعون وقال هذا عدو لي وأمر بذبحه فناشدته فيه امرأته وقالت إنه لا يعقل فقال فرعون بل يعقل فاتفقا على تجريبه بالجمرة والياقوت حسب ما تقدم فنجاه اللّه من فرعون ورجع إلى أمه فشب عندها فاعتز به بنو إسرائيل إلى أن ترعر وكان فتى جلدا فاضلا كاملا فاعتزت به بنوا اسرائيل بظاهر ذلك الرضاع وكان يحميهم ويكون ضلعه معهم وهو يعلم من نفسه أنه منهم ومن صميمهم فكانت بصيرته في حمايتهم أكيدة وكان يعرف ذلك أعيان بني إسرائيل ثم وقعت له قصة القبطي المتقاتل مع الإسرائيلي على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى وعدد اللّه سبحانه على موسى هذه الآية ما تضمنته هذه القصة من لطفه سبحانه به في كل فصل وتخليصه من قصة إلى أخرى وهذه الفتون التي فتنه بها أي اختبره بها وخلصه حتى صلح للنبوءه وسلم لها

وقوله ما يوحى إبهام يتضمن عظم الأمر وجلالته

وهذا كقوله تعالى إذ يغشى السدرة مايغشى فأوحى إلى عبده ما أوحى وهو كثير في القرآن والكلام الفصيح

وقوله فليلقه اليم بالساحل خبر في خرج صيغة الأمر مبالغة ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم قوموا فلأصل لكم فاخرج الخبر في صيغة الأمر لنفسه مبالغة وهذا كثير والمراد بالعدو في الآية فرعون ثم أخبر تعالى موسى عليه السلام أنه ألقى عليه محبة منه قالت فرقة أراد القبول الذي يضعه اللّه في الأرض لخيار عباده وكان حظ موسى منه في غاية الوفر وهذا أقوى ما قيل هنا من الأقوال وقرأ الجمهور ولتصنع بكسر اللام وضم التاء على معنى ولتغذي وتطعم وتربي

وقوله على عيني معناه بمرأى مني

وقوله على قدر أي لميقات محدود للنبؤة التي قد أرادها اللّه تعالى واصطنعتك معناه جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان

وقوله لنفسي إضافة تشريف وهذا كما تقول بيت اللّه ونحوه والصيام لي وعبر بالنفس عن شدة القرب وقوة الاختصاص

وقوله تعالى ولا تنيا في ذكري معناه لا تبطئا وتضعفا تقول وني فلان في كذا إذا تباطأ فيه عن ضعف والونى الكلال والفشل في البهائم والأنس وفي مصحف ابن مسعود ولا تهنا في ذكري معناه لا تلينا من قولك هين لين فقولا له قولا لينا أي حسنا له الكلمة مع إكمال الدعوة

قال ابن العربي في أحكامه وفي الآية دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللين لمن معه القوة وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام أقام بباب فرعون سنة لا يجد من يبلغ كلامه حتى لقيه حين خرج فجرى له ما قص اللّه تعالى علينا من خبره وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرنهم مع الظالمين انتهى وقولهما أننا نخاف أن يفرط معناه يعجل ويتسرع إلينا بمكروه

وقوله عز و جل إنني معكما أي بالنصر والمعونة

٤٧

وقوله تعالى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم الآية جملة ما دعي

إليه فرعون الإيمان وإرسال بني إسرائيل وأما تعذيبه بني إسرائيل فبذبح أولادهم وتسخيرهم وإذلالهم وقولهما والسلام على من اتبع الهدى يحتمل أن يكون ءاخر كلام فيقوى أن يكون السلام بمعنى التحية كأنهما رغبا بها عنه وجريا على العرف في التسليم عند الفراغ من القول ويحتمل أن يكون في درج القول فيكون خبرا بأن السلامة للمهتدين وبهذين المعنيين قالت كل فرقة من العلماء

وقوله سبحانه أعطى كل شيء خلقه قالت فرقة المعنى أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته أي أكمل ذلك له وأتقنه ثم هدى أي يسر كل شيء لمنافعه وهذا أحسن ما قيل هنا وأشرف معنى وأعم في الموجودات وقول فرعون فما بال القرون الأولى يحتمل أن يريد ما بال القرون الأولى لم تبعث لها ولم يوجد أمرك عندها ويحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام والرجوع إلى سؤال موسى عن حالة من سلف من الأمم روغانا في الحجة وحيدة

وقيل البال الحال فكأنه سأله عن حالهم وقول موسى علمها عند ربي في كتاب يريد في اللوح المحفوظ ولا يضل معناه لا ينتلف ويعمه والأزواج هنا بمعنى الأنواع

وقوله شتى نعت للأزواج أي مختلفة

وقوله كلوا وارعوا بمعنى هي صالحة للأكل والرعي فاخرج العبارة في صيغة الأمر لأنه أرجى الأفعال وأهزها للنفوس والنهى جمع نهية والنهية العقل الناهي عن القبائح

وقوله سبحانه منها خلقناكم يريد من الأرض وفيها نعيدكم أي بالموت والدفن ومنها نخرجكم أي بالبعث ليوم القيامة

وقوله ولقد أريناه ءاياتنا أخبار لنبينا صلى اللّه عليه وسلم

وقوله كلها عائد على الآيات التي رءاها فرعون لا أنه رأى كل ءاية للّه عز و جل وإنما المعنى أن اللّه أراه ءايات ما كاليد والعصا والطمسة وغير ذلك وكانت رؤيته لهذه الآيات مستوعبة يرى الآيات كلها كاملة ومعنى سوى أي عدلا ونصفه أي حالنا فيه

مستوية

وقالت فرقة معناه مستويا من الأرض لا وهد فيه ولا نشز فقال موسى موعدكم يوم الزينة

وروي أن يوم الزينة كان عيدا لهم ويوما مشهورا

وقيل هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم

وقوله وأن يحشر الناس عطفا على الزينة فهو في موضع خفض فتولى فرعون فجمع كيده أي جمع السحرة وأمرهم بالاستعداد لموسى فهذا هو كيده ثم أتى فرعون بجمعه فقال موسى للسحرة ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبا وهذه مخاطبة محذر وندبهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه وأن لا يباهتوا بكذب فيسحتكم أي فيهلككم ويذهبكم فلما سمع السحرة هذه المقالة هالهم هذا المنزع ووقع في نفوسهم من هيبته شديد الموقع وتنازعوا أمرهم والتنازع يقتضي اختلافا كان بينهم في السر فقائل منهم يقول هو محق وقائل يقول هو مبطل ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى عليه السلام والنجوى المسارة أي كل واحد يناجي من يليه سرا مخافة من فرعون أن يتبين له فيهم ضعف

وقالت فرقة إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا أن هذان لساحران قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكساءي أن هذان لساحران فقالت فرقة قوله أن بمعنى نعم كما قال صلى اللّه عليه و سلم

أن الحمد للّه برفع الحمد

وقالت فرقة أن هذه القرءاة على لغة بلحارث بن كعب وهي إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض وتعزى هذه اللغة لكنانة وتعزى لخثعم وقال الزجاج في الكلام ضمير تقديره أنه هذان لساحران وقرأ أبو عمرو وحده أن هذين لساحران وقرأ ابن اكثير أن هذان لساحران بتخفيف أن وتشديد نون هذان لساحران وقرأ حفص عن عاصم أن بالتخفيف هذان خفيفة أيضا لساحران وعبر كثير من المفسرين عن الطريقة بالسادة أهل العقل والحجا وحكوا أن العرب تقول فلان طريقة قومه أي سيدهم والأظهر في

الطريقة هنا أنها السيرة والمملكة والحال التي كانوا عليها والمثلى تأنيث أمثل أي الفاضلة الحسنة وقرأ جمهور القراء فأجمعوا بقطع الهمزة وكسر الميم على معنى انفذوا وأعزموا وقرأ أبو عمرو وحده فأجمعوا من جمع أي ضموا سحركم بعضه إلى بعض

وقوله صفا أي مصطفين وتداعوا إلى هذا لأنه أهيب وأظهر لهم وأفلح معناه ظفر ببغيته وباقي الآية بين مما تقدم

وقوله فأوجس عبارة عما يعتري نفس الإنسان إذا وقع ظنه في أمر على شيء يسوءه وعبر المفسرون عن أوجس بأضمر وهذه العبارة أعم من الوجيس بكثير

إنك أنت الأعلى أي الغالب

وروي في قصص هذه الآية أن فرعون لعنه اللّه جلس في علية له طولها ثمانون ذراعا والناس تحته في بسيط وجاء وجاء سبعون ألف ساحرا فألقوا من حبالهم وعصيهم ما فيه وقر ثلاث مائة بعير فهال الأمر ثم أن موسى ألقى عصاه من يده فاستحالت ثعبانا وجعلت تنمو حتى روي أنها عبرت النهر بذنبها

وقيل البحر وفرعون في هذا كله يضحك ويرى أن الاستواء حاصل ثم أقبلت تأكل الحبال والعصي حتى أفنتها ثم فغرت فاها نحو فرعون ففزع عند ذلك واستغاث بموسى فمد موسى يده إليها فرجعت عصا كما كانت فنظر السحرة وعلموا الحق ورأوا عدم الحبال والعصي فأيقنوا أن الأمر من اللّه عز و جل فآمنوا رضي اللّه عنهم

٧٠

وقوله سبحانه فألقي السحرة سجدا قالوا ءامنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل قال ص - في على بابها

وقيل بمعنى على ت - والأول أصوب ولتعلمن أينا قوله أينا يريد نفسه ورب موسى عليه السلام وقال الطبري يريد نفسه وموسى والأول اذهب مع مخرقة فرعون وباقي الآية بين ثم قال السحرة لفرعون لن نؤثرك أي لن نفضلك ونفضل السلامة منك على ما رأينا من حجة اللّه تعالى وءاياته

وعلى الذي فطرنا هذا على قول جماعة أن الواو في قوله والذي عاطفة

وقالت فرقة هي واو القسم وفطرنا أي خلقنا واخترعنا فافعل يا فرعون ما شئت وإنما قضاؤك في هذه الحياة الدنيا والآخرة من وراء ذلك لنا بالنعيم ولك بالعذاب الأليم وهؤلاء السحرة اختلف الناس هل نفذ فيهم وعيد فرعون أم لا والأمر في ذلك محتمل وقولهم واللّه خير وأبقى رد لقول فرعون أينا أشد عذابا وأبقى

٧٤

وقوله عز و جل إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى الآية قالت فرقة هذه الآية بجملتها من كلام السحرة لفرعون على جهة الموعظة له والبيان فيما فعلوه

وقالت فرقة بل هي من كلام اللّه عز و جل لنبينا صلى اللّه عليه وسلم تنبيها على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة وموعظة وتحذيرا قد تضمنت القصة المذكورة مثاله

وقوله لا يموت فيها ولا يحيى مختص بالكافر فإنه معذب عذابا ينتهي به إلى الموت ثم لا يجهز عليه فيستريح بل يعاد جلده ويجدد عذابه وأما من يدخل النار من المؤمنين بالمعاصي فهم قبل أن تخرجهم الشفاعة في غمرة قد قاربوا الموت إلا أنهم لا يجهز عليهم ولا يجدد عذابهم فهذا فرق ما بينهم وبين الكفار وفي الحديث الصحيح أنهم يماتون فيها إماتة وهذا هو معناها لأنه لا موت في الآخرة وتزكى معناه أطاع اللّه وأخذ بأزكى الأمور

٧٧

وقوله سبحانه ولقد أوحينا إلى موسى هذا استيناف أخبار عن شيء من أمر موسى وباقي الآية بين وقد تقدم ذكر ما يخصها من القصص

وقوله تعالى لا تخاف دركا أي من فرعون وجنوده ولا تخشى غرقا من البحر

وقوله ما غشيهم إبهام أهول من النص وهذا كقوله إذ يغشى السدرة ما يغشى

وأضل فرعون قومه يريد من أول أمره إلى هذه النهاية وما هدى مقابل لقوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد

٨٠

وقوله عز و جل يا بني إسرائيل قد أنجيناكم الآية ظاهر هذه الآية أن هذا

القول قيل لبني إسرائيل حينئذ عند حلول النعم التي عددها اللّه عليهم ويحتمل أن تكون هذه المقالة خوطب بها معاصرو النبي صلى اللّه عليه وسلم والمعنى هذا فعلنا بأسلافكم وتكون الآية على هذا اعتراضا في أثناء قصة موسى والقصد به توبيخ هؤلاء الحضور إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم اللّه تعالى والمعنى الأول أظهر وأبين

وقوله سبحانه وواعدناكم جانب الطور الأيمن الآية وقصص هذه الآية أن اللّه تعالى لما أنجى بني إسرائيل وغرق فرعون وعد بني إسرائيل أن يسيروا إلى جانب طور سيناء ليكلم فيه موسى ويناجيه بما فيه صلاحهم فلما أخذوا في السير تعجل موسى عليه السلام ابتغاء مرضاة ربه حسبما يأتي بعد وقرأ جمهور الناس فيحل بكسر الحاء ويحلل بكسر اللام وقرأ الكساءي وحده بضمهما ومعنى الأول فيجب ويحق ومعنى الثاني فيقع وينزل وهوى معناه سقط أي هوى في جهنم وفي سخط اللّه عافانا اللّه من ذلك ثم رجى سبحانه عباده بقوله وأني لغفار لمن تاب الآية والتوبة من ذنب تصح مع الإقامة على غيره وهي توبة مقيدة وإذا تاب العبد ثم عاود الذنب بعينه بعد مدة فيحتمل عند حذاق أهل السنة أن لا يعيد اللّه تعالى عليه الذنب الأول لأن التوبة قد كانت محتة ويحتمل أن يعيده لأنها توبة لم يوف بها واضطرب الناس في

قوله سبحانه ثم اهتدى من حيث وجدوا الهدى ضمن الإيمان والعمل فقالت فرقة ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه

وقيل غير هذا والذي يقوى في معنى ثم اهتدى أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن تخالف الحق في شيء من الأشياء فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل ورب مؤمن عمل صالحا قد أوبقه عدم الاهتداء كالقدرية والمرجئة وسائر أهل البدع فمعنى ثم اهتدى ثم مشى في عقائد الشرع على طريق قويم جعلنا اللّه منهم بمنه وفي حفظ المعتقدات ينحصر

معظم أمر الشرع

٨٣

وقوله سبحانه وما أعجلك عن قومك يا موسى الآية وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما شرع في النهوض ببني إسرائيل إلى جانب الطور حيث كان الموعد أن يكلم اللّه موسى بمالهم فيه شرف العاجل والآجل رأي موسى عليه السلام على جهة الاجتهاد أن يتقدم وحده مبادرا لأمر اللّه سبحانه طلبا لرضائه وحرصا على القرب منه وشوقا إلى مناجاته واستخلف عليهم هارون وقال لهم موسى تسيرون إلى جانب الطور فلما انتهى موسى صلى اللّه عليه و سلم وناجى ربه زاده اللّه في الأجل عشرا وحينئذ وقفه على معنى استعجاله دون القوم ليخبره موسى أنهم على الأثر فيقع الأعلام له بما صنعوا واعلمه موسى أنه إنما استعجل طلب الرضى فأعلمه اللّه سبحانه أنه قد فتن بني إسرائيل أي اختبرهم بما صنع السامري ويحتمل أن يريد ألقيناهم في فتنة فلما أخبر اللّه تعالى موسى بما وقع رجع موسى إلى قومه غضبان آسفا وباقي الآية بين وقد تقدم قصصها مستوفى وسمي العذاب غضبا من حيث هو عن الغضب وقرأ نافع وعاصم بملكنا بفتح الميم وقرأ حمزة والكسائي بملكنا بضمة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بملكنا بكسرة فأما فتح الميم فهو مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وفقنا له بل غلبتنا أنفسنا وأما كسر الميم فقد كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر مضاف في الوجهين إلى الفاعل وقولهم ولكنا حملنا أوزارا الآية سموها أوزارا من حيث هي ثقيلة الأجرام  من حيث تأثموا في قذفها وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي حملنا بفتح الحاء والميم وقولهم فكذلك أي فكما قذفنا نحن فكذلك أيضا ألقي السامري قال ع وهذه الألفاظ تقتضي أن العجل لم يصغه السامري ثم أخبر تعالى عن فعل السامري بقوله فأخرج لهم عجلا

ومعنى قوله جسدا أي شخصا لا روح فيه

وقيل معناه جسدا لا يتغذى والخوارصوت البقر قالت فرقة منهم ابن عباس كان هذا العجل يخور ويمشي

وقيل غير هذا

وقوله سبحانه فقالوا يعني بني إسرائيل هذا الهكم واله موسى فنسي موسى إلهه وذهب يطلبه في غير موضعه ويحتمل أن يكون قوله فنسي أخبارا من اللّه تعالى عن السامري أي فنسي السامري دينه وطريق الحق فالنسيان في التأويل الأول بمعنى الذهول وفي الثاني بمعنى الترك ت - وعلى التأويل الأول عول البخاري وهو الظاهر ولقولهم أيضا قبل ذلك أجعل لنا إلها وقول هارون فاتبعوني أي إلى الطور الذي واعدكم اللّه تعالى إليه وأطيعوا أمري فيما ذكرته لكم فقال بنو إسرائيل حين وعظهم هارون وندبهم إلى الحق لن نبرح عابدين لهذا الاله عاكفين عليه أي ملازمين له ويحتمل قوله ألا تتبعني أي ببني إسرائيل نحو جبل الطور ويحتمل قوله ألا تتبعني أي الا تسير بسيري وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد

وقوله يبنؤم قالت فرقة أن هارون لم يكن أخا موسى إلا من أمه قال ع - وهذا ضعيف

وقالت فرقة كان شقيقه وإنما دعاه بالأم استعطافا برحم الأم وقول موسى ما خطبك يا سامري هو كما تقول ما شأنك وما أمرك لكن لفظة الخطب تقتضي انتهارا لأن الخطب مستعمل في المكارة وبصرت بضم الصاد من البصيرة وقرأت فرقة بكسرها فيحتمل أن يراد من البصيرة ويحتمل من البصر وقرأ حمزة والكساءي بما لم تصروا بالتاء من فوق يريد موسى مع بني إسرائيل والرسول هنا هو جبريل عليه السلام والأثر هو تراب تحت حافر فرسه

وقوله فنبذتها أي على الحلي فكان منها ما ترى وكذلك سولت لي نفسي أي وكما وقع وحدث قربت لي نفسي وجعلت لي سؤلا وإربا حتى فعلته وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد  بوحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني

إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ونحو هذا وجعل له أن يقول مدة حياته لا مساس أي لا مماسة ولا إذاية وقرأ الجمهور لن تخلفه بفتح اللام أي لن يقع فيه خلف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو تخلفه بكسر اللام على معنى لن تستطيع الروغان والحيدة عن موعد العذاب ثم وبخه عليه السلام بقوله وأنظر إلى الهك الآية وظلت وظل معناه أقام يفعل الشيء نهارا ولكنها قد تستعمل في الدائب ليلا ونهارا بمثابة طفق وقرأ ابن عباس وغيره لنحرقنه بضم الراء وفتح النون بمعنى لنبردنه بالمبرد وقرأ نافع وغيره لنحرقنه وهي قراءة تحتمل الحرق بالنار وتحتمل بالمبرد وفي مصحف ابن مسعود لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه وهذه القراءة هي مع رواية من روى أن العجل صار لحما ودما وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرق بنار وإلا فإذا كان جمادا من ذهب ونحوه فإنما هو حرق بمبرد اللّهم إلا أن تكون إذابة ويكون النسف مستعارا لتفريقه في اليم مذابا وقرأت فرقة لننسفنه بكسر السين وقرأت فرقة بضمها والنسف تفريق الريح الغبار وكل ما هو مثله كتفريق الغربال ونحوه فهو نسف واليم غمر الماء من بحر  نهر وكل ما غمر الإنسان من الماء فهو يم واللام في

وقوله لنحرقنه لام قسم وقال مكي رحمه اللّه تعالى وأسند أن موسى عليه السلام كان مع السبعين في المناجات وحينئذ وقع أمر العجل وأن اللّه تعالى أعلم موسى بذلك فكتمه موسى عنهم وجاء بهم حتى سمعوا لغط بني إسرائيل حول العجل فحينئذ أعلمهم قال ع وهذه رواية ضعيفة والجمهور على خلافها وإنما نعجل موسى عليه الصلام وحده فوقع أمرا العجل ثم جاء موسى وصنع ما صنع بالعجل ثم خرج بعد ذلك بالسبعين على معنى الشفاعة في ذنب بني اسراءيل وأن يطلعهم أيضا على أمر المناجات فكان لموسى عليه السلام نهضتان واللّه أعلم

٩٩

وقوله سبحانه كذلك نقص عليك مخاطبة لنبينا محمد

صلى اللّه عليه و سلم أي كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق مدتك والذكر القرءان

وقوله من أعرض عنه يريد بالكفر به وزرقا قالت فرقة معناه يحشرون أول قيامهم سود الألوان زرق العيون فهو تشويه ثم يعمون بعد ذلك وهي مواطن

وقالت فرقة أراد زرق الألوان وهي غاية في التشويه لأنهم يجيئون كلون الرماد ومهيع في كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق يتخافتون بينهم أن لبثتم إلا عشرا أي يتخافت المجرمون بينهم أي يتسارون والمعنى أنهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر مدة لبثهم

واختلف الناس فيما ذا فقالت فرقة في دار الدنيا ومدة العمر

وقالت فرقة في الأرض مدة البرزخ وأمثلهم طريقة معناه أثبتهم نفسا يقول إن لبثتم إلا يوما أي فهم في هذه المقالة يظنون أن هذا قدر لبثهم

١٠٥

وقوله سبحانه ويسئلونك عن الجبال الآية السائل قيل رجل من ثقيف

وقيل السائل جماعة من المؤمنين

وروي أن اللّه تعالى يرسل على الجبال ريحا فتدكدكها حتى تكون كالعهن المنفوش ثم تتوالى عليها حتى تعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف والقاع هو المستوى من الأرض والصفصف نحوه في المعنى والأمت ما يعتري الأرض من ارتفاع وانخفاض

وقوله لاعوج له يحتمل أن يريد الأخبار به أي لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباع الداعي والمشي نحو صوته والخشوع التطامن والتواضع وهو في الأصوات استعارة بمعنى الخفاء والهمس الصوت الخفي الخافت وهو تخافتهم بينهم وكلامهم السر ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وفي البخاري همسا صوت الأقدام انتهى ومن في قوله الا من أذن له الرحمن يحتمل أن تكون للشافع ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه

وقوله تعالى عنت الوجوه معناه ذلت وخضعت والعاني الأسير ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم في أمر النساء هن عوان عندكم وهذه

حالة الناس يوم القيامة قال ص - وعنت من عنا يعنو ذل وخضع قال أمية ابن أبي الصلت ... مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد ...

انتهى ت - وأحاديث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر ومن أعظمها شفاعة أرحم الراحمين سبحانه وتعالى ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال فيقول اللّه عز و جل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة وفيه فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء اللّه الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه الحديث وخرج أبو القاسم إسحاق ابن إبراهيم الختلي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

إذا فرغ اللّه تعالى من القضاء بين خلقه أخرج كتابا من تحت العرش أن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين قال فيخرج من النار مثل أهل الجنة  قال مثلي أهل الجنة قال وأكبر ظني أنه قال مثلي أهل الجنة مكتوب بين أعينهم عتقاء اللّه انتهى من التذكرة وقد خاب من حمل ظلما معنى خاب لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم

١١٢

وقوله سبحانه ومن يعمل من الصالحات معادل لقوله من حمل ظلما والظلم والضهم هما متقاربان في المعنى ولكن من حيث تناسقا في هذه الآية ذهب قوم إلى تخصيص كل واحد منهما بمعنى فقالوا الظلم أن نعظم عليه سيئاته وتكثر أكثر مما يجب والهضم أن ينقص من حسناته ويبخسها وكلهم قرأ فلا يخاف على الخبر غير ابن كثير فإنه قرأ فلا يخف على النهي وكذلك أنزلناه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم بحسب

توقع البشر وترجيهم يتقون اللّه ويخشون عقابه فيؤمنون ويتذكرون نعمه عندهم وما حذرهم من اليم عقابه هذا تأويل فرقة في قوله  يحدث لهم ذكرا

وقالت فرقة معناه  يكسبهم شرفا ويبقى عليهم إيمانهم ذكرا صالحا في الغابرين

١١٤

وقوله تعالى ولا تعجل بالقرءان الآية قالت فرقة سببها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يخاف وقت تكليم جبريل له أن ينسى أول القرءان فكان يقرأ قبل أن يستتم جبريل عليه السلام الوحي فنزلت في ذلك وهي على هذا في معنى قوله لا تحرك به لسانك لتعجل به

وقيل غير هذا

١١٥

وقوله عز و جل ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي الآية العهد هنا بمعنى الوصية والشيء الذي عهد إلى آدم عليه السلام هو أن لا يقرب الشجرة ت - قال عياض وأما

قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى أي جهل فإن اللّه تعالى أخبر بعذره بقوله ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قيل نسي ولم ينو المخالفة فلذلك

قال تعالى ولم نجد له عزما أي قصدا للمخالفة ت -

وقيل غير هذا مما لا أرى ذكره هنا وللّه در ابن العربي حيث قال يجب تنزيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عما نسب إليهم الجهال ولكن الباري سبحانه بحكمه النافذ وقضائه السابق أسلم آدم إلى الأكل من الشجرة متعمدا للأكل ناسيا للعهد فقال في تعمده وعصي آدم وقال في بيان عذره ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي فمتعلق العهد غير متعلق النسيان وجاز للمولى أن يقول في عبده لحقه عصى تثريبا ويعود عليه بفضله فيقول نسي تقريبا ولا يجوز لأحد منا أن يطلق ذلك على آدم  يذكره إلا في تلاوة القرءان  قول النبي صلى اللّه عليه وسلم انتهى من الأحكام

١١٨

وقوله سبحانه إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى المعنى إن لك يا آدم في الجنة نعمة تامة لا يصيبك جوع ولا عري ولا ظمأ ولا بروز للشمس يؤذيك وهو الضحاء

وقوله فوسوس إليه ص - عدي هنا بالي على

معنى أنهى الوسوسة إليه وفي الأعراف باللام فقال أبو البقاء لأنه بمعنى ذكر لهما انتهى ثم أعلمهم سبحانه أن من اتبع هداه فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة وأن من أعرض عن ذكر اللّه وكفر به فإن له معيشة ضنكا والضنك النكد الشاق من العيش والمنازل ونحو ذلك وهل هذه المعيشة الضنك تكون في الدنيا  في البرزخ  في الآخرة أقوال ت - ويحتمل في الجميع قال القرطبي قال أبو سعيد الخدري وابن مسعود ضنكا عذاب القبر

وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أتدرون فيمن نزلت هذه الآية فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى أتدرون ما المعيشة الضنك قالوا اللّه ورسوله أعلم قال عذاب الكافر في القبر والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا وهي الحيات لكل حية تسعة رؤوس ينفخن في جسمه ويلسعنه ويخدشنه إلى يوم القيامة ويحشر من قبره إلى موقفه أعمى انتهى من التذكرة فإن صح هذا الحديث فلا نظر لأحد معه وإن لم يصح فالصواب حمل الآية على عمومها واللّه أعلم قال الثعلبي قال ابن عباس فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى قال أجار اللّه تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا  يشقى في الآخرة وفي لفظ آخر ضمن اللّه تعالى لمن قرأ القرءان الحديث وعنه من قرأ القرءان واتبع ما فيه هداه اللّه تعالى من الضلالة ووقاه اللّه تعالى يوم القيامة سوء الحساب انتهى

وقوله سبحانه ونحشره يوم القيامة أعمى قالت فرقة وهو عمى البصر وهذا هو الأوجه وأما عمي البصيرة فهو حاصل للكافر

وقوله سبحانه كذلك أتتك آياتنا فنسيتها النسيان هنا هو الترك ولا مدخل للذهول في هذا الموضع وتنسى أيضا بمعنى تترك في العذاب

وقوله سبحانه أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون المعنى أفلم يبين لهم وقرأت فرقة نهد بالنون والمراد بالقرون المهلكين عاد وثمود والطوائف التي كانت قريش تجوز على بلادهم في المرور

إلى الشام وغيره ثم أعلم سبحانه نبيه صلى اللّه عليه و سلم أن العذاب كان يصير لهم لزاما لولا كلمة سبقت من اللّه تعالى في تأخيره عنهم إلى أجل مسمى عنده فتقدير الكلام ولولا كلمة سبقت في التأخير وأجل مسمى لكان العذاب لزاما كما تقول لكان حتما  واقعا لكنه قدم وآخر لتشابه رؤوس الآيي

واختلف في الأجل المسمى هل هو يوم القيامة  موت كل واحد منهم  يوم بدر وفي صحيح البخاري أن يوم بدر هو اللزام وهو البطشة الكبرى يعني وقع في البخاري من تفسير ابن مسعود وليس هو من تفسير النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ص - ولزاما أما مصدر وأما بمعنى ملزم وأجاز أبو البقاء أن يكون جمع لازم كقائم وقيام انتهى ثم أمر اللّه سبحانه وتعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالصبر على أقوالهم أنه ساحر أنه كاهن أنه كاذب إلى غير ذلك

وقوله سبحانه وسبح بحمد ربك الآية قال أكثر المفسرين هذه إشارة إلى الصلوات الخمس فقبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر ومن آناء الليل العشاء وأطراف النهار المغرب والظهر

قال ابن العربي والصحيح أن المغرب من طرف الليل لا من طرف النهار انتهى من الأحكام

وقالت فرقة آناء الليل المغرب والعشاء وأطرف النهار الظهر وحدها ويحتمل اللفظ أن يراد به قول سبحان اللّه وبحمده

وقالت فرقة في الآية إشارة إلى نوافل فمنها آناء الليل ومنها قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر ت - ويتعذر على هذا التأويل قوله وقبل غروبها إذ ليس ذلك الوقت وقت نفل على ما علم إلا أن يتأول ما قبل الغروب بما قبل صلاة العصر وفيه بعد قال ص - بحمد ربك في موضع الحال أي وأنت حامد انتهى وقرأ الجمهور لعلك ترضى بفتح التاء أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به

قال ابن العربي في أحكامه وهذه الآية تماثل

قوله تعالى

ولسوف يعطيك ربك فترضى وعنه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس يعني الصبح وقبل غروبها فافعلوا وفي الحديث الصحيح أيضا من صلى البردين دخل الجنة انتهى وقرأ الكسائي و أبو بكر عن عاصم ترضى أي لعلك تعطى ما يرضيك ثم أمر سبحانه نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالاحتقار لشأن الكفرة والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا إذ ذلك منحسر عنهم صائر إلى خزي والأزواج الأنواع فكأنه قال إلى ما متعنا به أقواما منهم وأصنافا

وقوله زهرة الحياة الدنيا شبه سبحانه نعم هؤلاء الكفار بالزهر وهو ما اصفر من النور

وقيل الزهر النور جملة لأن الزهر له منظر ثم يضمحل عن قرب فكذلك مال هؤلاء ثم أخبر سبحانه نبيه صلى اللّه عليه و سلم أن ذلك إنما هو ليختبرهم به ويجعله فتنة لهم وأمرا يجازون عليه أسوء الجزاء لفساد تقلبهم فيه ص - وزهرة منصوب على الذم  مفعول ثان لمتعنا مضمن معنى أعطينا ورزق اللّه تعالى الذي أحله للمتقين من عباده خير وأبقى أي رزق الدنيا خير ورزق الآخرة أبقى وبين أنه خير من رزق الدنيا ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم ويصطبر عليها ويلازمها وتكفل هو تعالى برزقه لا إله إلا هو وأخبره أن العاقبة للمتقين بنصره في الدنيا ورحمته في الآخرة وهذا الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ويدخل في عمومه جميع أمته

وروي أن عروة بن الزبير رضي اللّه عنه كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقول ولا تمدن عينيك الآية إلى قوله وأبقى ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم اللّه ويصلي وكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي هو ويتمثل بالآية قال الداودي وعن عبد اللّه بن سلام قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا نزل بأهله ضيق

 شدة أمرهم بالصلاة ثم قرأ وأمر أهلك بالصلاة إلى قوله للتقوى انتهى قال ابن عطاء اللّه في التنوير وأعلم أن هذه الآية علمت أهل الفهم عن اللّه تعالى كيف يطلبون رزقهم فإذا توقفت عليهم أسباب المعيشة أكثروا من الخدمة والموافقة وقرعوا باب الرزق بمعاملة الرزاق جل وعلا ثم قال وسمعت شيخنا أبا العباس المرسي رضي اللّه عنه يقول واللّه ما رأيت العزة إلا في رفع الهمة عن الخلق وأذكر رحمك اللّه هنا وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين ففي العز الذي أعز اللّه به المؤمن رفع همته إلى مولاه وثقته به دون من سواه وأستحي من اللّه بعد أن كساك حله الأيمان وزينك بزينة العرفان أن تستول-+ي عليك الغفلة والنسيان حتى تميل إلى الأكوان  تطلب من غيره تعالى وجود إحسان ثم قال ورفع الهمة عن الخلق هو ميزان ذوي الكمال ومسبار الرجال وكما توزن الذوات كذلك توزن الأحوال والصفات انتهى ومن كتاب صفوة التصوف لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ حديث بسنده عن ابن عمر قال أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل فقال يا رسول اللّه حدثني حديثا واجعله موجزا فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ورواه أبو أيوب الأنصاري بمثله عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وقالوا لولا يأتينا محمد بآية من ربه أي بعلامة مما اقترحناها عليه ثم وبخهم سبحانه بقوله أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى أي ما في التوراة وغيرها ففيها أعظم شاهد وأكبر آية له سبحانه

١٣٤

وقوله سبحانه ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله أي من قبل إرسالنا إليهم محمدا لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا الآية

وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يحتج على اللّه تعالى يوم القيامة ثلاثة الهالك في الفترة والمغلوب على عقله والصبي الصغير فيقول المغلوب على عقله رب

لم تجعل لي عقلا ويقول الصبي نحوه ويقول الهالك في الفترة رب لم ترسل إلي رسولا ولو جاءني لكنت أطوع خلقك لك قال فترتفع لهم نار ويقال لهم ردوها فيردها من كان في علم اللّه أنه سعيد ويكع عنها الشقي فيقول اللّه تعالى إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم قال ع - أما الصبي والمغلوب على عقله فبين أمرهما وأما صاحب الفترة فليس ككفار قريش قبل بعثة النبي صلى اللّه عليه وسلم لأن كفار قريش وغيرهم ممن علم وسمع نبؤة ورسالة في أقطار الأرض ليس بصاحب فترة وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لرجل أبي وأبوك في النار ورأى صلى اللّه عليه و سلم عمرو بن لحي في النار إلى غير هذا مما يطول ذكره وإنما صاحب الفتره يفرض أنه آدمي لم يطرأ إليه أن اللّه تعالى بعث رسولا ولا دعا إلى دين وهذا قليل الوجود إلا أن يشذ في أطراف الأرض والمواضع المنقطعة عن العمران ت - والصحيح في هذا الباب أن أولاد المشركين في الجنة وأما أولاد المسلمين ففي الجنة من غير شك متفق عليه وقد أسند أبو عمر في التمهيد من طريق أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال سألت ربي في اللاهين من ذرية البشر ألا يعذبهم فأعطانيهم قال أبو عمر إنما قيل للأطفال اللاهون لأن أعمالهم كاللّهو واللعب من غير عقد ولا عزم ثم أسند أبوعمر عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أولاد المشركين خدم أهل الجنة قال أبو عمر

وروى شعبة وسعيد بن أبي عروبة وأبو عوانة عن قتادة عن أبي سراية العجلي عن سلمان قال

أطفال المشركين خدم أهل الجنة وذكر البخاري حديث الرؤيا الطويل وفيه وأما الرجل الطويل الذي في الروضه فإنه ابراهيم عليه السلام وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة فقيل يا رسول اللّه وأولاد المشركين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأولاد المشركين وفي رواية والصبيان حوله أولاد الناس

وظاهره الهموم في جميع أولاد الناس انتهى من التمهيد والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة

١٣٥

وقوله قل كل أي منا ومنكم متربص والتربص التأني والصراط الطريق وهذا وعيد بين واللّه الموفق والهادي إلى الرشاد بفضله

﴿ ٠