سورة الأنبياءمكية بإجماع بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله عز و جل اقترب للناس حسابهم الآية روي أن رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يبني جدارا فمر به آخر يوم نزول هذه السورة فقال الذي كان يبني الجدار ماذا نزل اليوم من القرءان فقال الآخر نزل اليوم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فنفض يديه من البنيان وقال واللّه لا بنيت قال أبو بكر بن العربي قال لي شيخي في العبادة لا يذهب لك الزمان في مصاولة الأقران ومواصلة الأخوان ولم أر للخلاص شيئا أقرب من طريقين إما أن يغلق الإنسان على نفسه بابه وإما أن يخرج إلى موضع لا يعرف فيه فإن اضطر إلى مخالطة الناس فليكن معهم ببدنه ويفارقهم بقلبه ولسانه فإن لم يستطع فبقلبه ولا يفارق السكوت قال القرطبي ولأبي سليمان الخطابي في هذا المعنى ... أنست بوحدتي ولزمت بيتي ... فدام الأنس لي ونمى السرور ... وأدبني الزمان فلا أبالي ... بأني لا أزار ولا أزور ولست بسائل ما دمت حيا ... أسار الجيش أم ركب الأمير ... انتهى من التذكرة وقوله اقترب للناس حسابهم عام في جميع الناس وأن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ويدل على ذلك ما يأتي بعد من الآيات قال ص - اقترب بمعنى الفعل المجرد وهو قرب وقيل اقترب ابلغ للزيادة وهم في غفلة الواو للحال انتهى وقوله وهم في غفلة معرضون يريد الكفار ويأخذ عصاة المؤمنين من هذه الألفاظ قسطهم ت - أيها الأخ اشعر قلبك مهابة ربك فإليه مئالك وتأهب للقدوم عليه فقد آن ارتحالك أنت في سكرة لذاتك وغشية شهواتك وإغماء غفلاتك ومقراض الفناء يعمل في ثوب حياتك ويفصل أجزاء عمرك جزءا جزءا في سائر ساعاتك كل نفس من أنفاسك جزء منفصل من جملة ذاتك وبذهاب الأجزاء تذهب الجمل أنت جملة تؤخذ آحادها وأبعاضها إلى أن تستوفي سائرها عساكر الأقضية والأقدار محدقة بأسوار الأعمار تهدمها بمعاول الليل والنهار فلو أضاء لنا مصباح الاعتبار لم يبق لنا في جميع أوقاتنا سكون ولا قرار انتهى من الكلم الفارقية والحكم الحقيقية وقوله ما يأتيهم من ذكر وما بعده مختص بالكفار والذكر القرءان ومعناه محدث نزوله لا هو في نفسه وقوله وهم يلعبون جملة في موضع الحال أي استماعهم في حال لعب فهو غير نافع ولا واصل إلى النفس وقوله لاهية حال بعد حال واختلف النحاة في إعراب قوله وأسروا النجوى الذين ظلموا فمذهب سيبويه رحمه اللّه تعالى أن الضمير في أسروا فاعل وأن الذين بدل منه وقال ليس في القرءان لغة من قال أكلوني البراغيث ومعنى أسروا النجوى تكلمهم بينهم في السر ومناجات بعضهم لبعض وقال أبو عبيدة اسروا أظهروا وهو من الأضداد ثم بين تعالى الأمر الذي تناجوا به وهو قول بعضهم لبعض على جهة التوبيخ بزعمهم أفتأتون السحر المعنى أفتتبعون السحر وأنتم تبصرون ثم أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم أن يقول لهم وللناس جميعا قل ربي يعلم القول في السماء والأرض أي يعلم أقوالكم هذه وهو بالمرصاد في المجازاة عليها ثم عدد سبحانه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الإضراب بكل مقالة عن المتقدمة لها ليبين اضطراب أمرهم فقال تعالى بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر والأضغاث الأخلاط ثم حكى سبحانه اقتراحهم ءاية تضطرهم كناقة صالح وغيرها وقولهم كما أرسل الأولون دال على معرفتهم بإتيان الرسل الأمم المتقدمة ٦وقوله سبحانه ما ءامنت قبلهم فيه محذوف يدل عليه المعنى تقديره والآية التي طلبوها عادتنا أن القوم أن كفروا بها عاجلناهم وما آمنت قبلهم قرية من القرى التي نزلت بها هذه النازلة أفهذه كانت تؤمن وقوله أهلكناها جملة في موضع الصفة لقرية والجمل إذا اتبعت النكرات فهي صفات لها وإذا اتبعت المعارف فهي أحوال منها ٧وقوله سبحانه وما ارسلنا قبلك الا رجالا يوحى اليهم فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون هذه الآية رد على من استبعد منهم ان يبعث اللّه بشرا رسولا والذكر هو كل ما ياتى من تذكير اللّه عباده فاهل القرءان اهل ذكر واما المحال على سؤالهم فى هذه الآية فلا يصح ان يكونوا اهل القرءان فلا ذلك الوقت لانهم كانوا خصومهم وانما احيلوا على سؤال احبار اهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لكفار قريش على ترك الايمان بصلى اللّه عليه وسلم وقوله سبحانه وما جعلناهم جسدا لا ياكلون الطعام قيل الجسد من الاحياء مالا يتغذى وقيل الجسد يعم المتغذى من الاجسام وغير المتغذى فجعلناهم جسدا على التاويل الاول منفى وعلى الثانى موجب والنفى واقع على صفته وقوله سبحانه ثم صدقناهم الوعد الآية هذه ءاية وعيد وقوله ومن نشاء يعنى من المومنين والمسرفون الكفار ثم وجهنم تعالى بقوله لقد أنزلنا اليكم كتابا يعنى القرءان فيه ذكركم أي شرفكم ءاخر الدهر وفى هذا التحريض لهم ثم أكد التحريض بقوله افلا تعقلون وكم للتكثير وقصمنا معناه أهلكنا واصل القصم الكسر فى الإجرام فإذا استعير للقوم والقرية ونحو ذلك فهو ما يشبه الكسر وهو إهلاكهم وأنشأنا أي خلقنا وبثثنا أمة أخرى غير المهلكة وقوله فلما أحسوا وصف عن حال قرية من القرى المجملة أولا قيل كانت باليمن تسمى حضور بعث اللّه تعالى إلى أهلها رسولا فقتلوه فأرسل اللّه تعالى عليهم بختنصر صاحب بني اسراءيل فهزموا جيشه مرتين فنهض فى الثالثة بنفسه فلما هزمهم وأخذ القتل فيهم ركضوا هاربين ويحتمل أن لا يريد بالآية قرية بعينها وأن هذا وصف حال كل قرية من القرى المعذبة إذا أحسوا العذاب من أي نوع كان أخذوا في الفرار واحسوا باشروه بالحواس ص اذا هم منها يركضون إذا الفجائية وهى وما بعدها جواب لما انتهى وقوله لا تركضوا يحتمل على الرواية المتقدمة أن يكون من قول رجال بختنصر على جهة الخداع والاستهزاء بهم فلما انصرفوا راجعين أمر بختنصرأن ينادى فيهم ياثارات النبي المقتول فقتلوا بالسيف عن آخرهم قال وهذا كله مروى ويحتمل أن يكون لا تركضوا إلى ءاخر الآية من كلام ملائكة العذاب على جهة الهزءبهم وقوله حصيدا أي بالعذاب كحصيد الزرع بالمنجل وخامدين أي موتى مشبهين بالنار إذا طفئت ثم وعظ سبحانه السامعين بقوله وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ٨وقوله سبحانه وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام قيل الجسد من الأحياء مالا يتغذى وقيل الجسد يعم المتغذي من الأجسام وغير المتغذي فجعلناهم جسدا على التأويل الأول بين تعالى الامر الذى تناجوا به وهو قول بعضهم لبعض على جهة التوبيخ بزعمهم افتاتون السحر المعنى افتتبعون السحر وانتم تبصرون ثم امر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم ان يقول لهم وللناس جميعا قل ربى يعلم القول فى السماء والارض اي يعلم اقوالكم هذه وهو بالمرصاد فى المجازاة عليها ثم عدد سبحانه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الاضراب بكل مقالة عن المتقدمة لها ليبن اضطراب امرهم فقال تعالى بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه بل هو شاعر واضغاث الاخلاط ثم حكى سبحانه اقتراحهم اية تضطرهم كناقة صالح وغيرها وقولهم كما ارسل الاولون دال على معرفتهم باتيان الرسل الامم المتقدمة وقوله سبحانه ماءامنت قبلهم فيه محذوف يدل عليه المعنى تقديره والآية التى طلبوها عادتنا ان القوم ان كفروا بها عاجلناهم وما ءامنت قبلهم قرية من القرى التى نزلت بها هذه الناولة أفهذه كانت تومن وقوله اهلكناها جملة فى موضع الصفة لقرية والجمل اذا اتبعت النكرات فهى صفات لها واذا اتبعت المعارف فهى احوال منها ١٧وقوله سبحانه لو أردنا ان نتخذ لهوا الآية ظاهر الآية الرد على من قال من الكفار فى أمر مريم وما ضارعه من الكفر تعالى اللّه عن قول المبطلين وان فى قوله ان كنا فاعلين يحتمل ان تكون شرطية ويحتمل ان تكون نافية بمعنى ما كنا فاعلين وكل هذا قد قيل والحق عام فى القرءان والرسالة والشرع وكل ما هو حق فيدمغه معناه يصيب دماغه وذلك مهلك فى البشر فكذلك الحق يهلك الباطل والويل الخزى وقيل هو اسم واد فى جهنم وانه المراد فى هذه الآية وهذه مخاطبة للكفار الذين وصفوا اللّه عز و جل بما لا يجوز عليه تعالى اللّه عن قولهم وقوله ومن عنده الآية عند هنا ليست فى المسافات وانما هى تشريف فى المنزلة ولا يستحسرون اي لا يكلون والحسير من الابل المعيى وقوله لا يفترون وفى الترمذى عن ابي ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انى ارى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون اطت السماء وحق لها ان تئط ما فيها موضع اربع اصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا للّه الحديث قال ابو عيسى هذا حديث صحيح وفى الباب عن عائشة وابن عباس وانس انتهى من اصل الترمذي اعنى جامعة ٢١وقوله سبحانه ام اتخذوا ءالهة من الارض هم ينشرون اي يحيون غيرهم ثم بين تعالى امر التمانع بقوله لو كان فيهما ءالهة الا اللّه لفسدتا وقد تقدم ايضاح ذلك عند قوله تعالى اذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا وقوله هذا ذكر من معى وذكر من قبلى يحتمل ان يريد بالاشارة بقوله هذا الى جميع الكتب المنزلة قديمها وحديثها انها بين ان اللّه الخالق واحد لا شريك له يحتمل ان يريد بقوله هذا القرءان والمعنى فيه نبأ الاولين والآخرين فنص اخبار الاولين وذكر الغيوب فى امورهم حسبما هى فى الكتب المتقدمة وذكر الآخرين بالدعوة وبيان الشرع لهم ثم حكم عليهم سبحانه بان اكثرهم لا يعلمون الحق لاعراضهم عنه وليس المعنى فهم معرضون لانهم لا يعلمون بل المعنى فهم معرضون ولذلك لا يعلمون الحق وباقى الآية بين ثم بين سبحانه نوعا آخر من كفرهم بقوله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا الآية كقوله بعضهم اتخذ الملائكة بناتا وكما قالت النصارى فى عيسى بن مريم واليهود فى عزير وقوله سبحانه بل عباد مكرمون عبارة تشمل الملائكة وعيسى وعزير وقال ص - بل اضراب عن نسبه الولد اليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وعباد خبر مبتدإ محذوف اي هم عباد قاله ابو البقاء انتهى ٢٧وقوله سبحانه لا يسبقونه بالقول عبارة عن حسن طاعتهم ومراعاتهم لامتثال الامر ثم اخبر تعالى انهم لا يشفعون الا لمن ارتضى اللّه ان يشفع له قال بعض المفسرين لاهل لا اله الا اللّه والمشفق المبالع فى الخوف المحترق النفس من الفزع على امرما ٢٩وقوله سبحانه ومن يقل منهم انى اله من دونه الآية المعنى ومن يقل منهم كذا ان لو قاله وليس منهم من قال هذا وقال بعض المفسرين المراد بقوله ومن يقل الآية ابليس وهذا ضعيف لان ابليس لم يرو قط انه ادعى الربوبية ثم وقفهم سبحانه على عبرة دالة على وحدانيته جلت قدرته فقال اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا والرتق الملتصق بعضه ببعض الذى لا صدع فيه ولا فتح ومنه امرأة رتقاء واختلف في معنى قوله كانتا رتقا ففتقناهما فقالت فرقة كانت السماء ملتصقة بالارض ففتقها اللّه بالهواء وقالت فرقة كانت السموات ملتصقة بعضها ببعض والارض كذلك ففتقهما اللّه سبعا سبعا فعلى هذين القولين فالرؤية الموقف عليها رؤية قلب وقالت فرقة السماء قبل المطر رتق والارض قبل النبات رتق ففتقهما اللّه تعالى بالمطر والنبات كما قال تعالى والسماء ذات الرجع والارض ذات الصدع وهذا قول حسن يجمع العبرة وتعديد النعمة والحجة بمحسوس بين ويناسب قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شىء حي اي من الماء الذى كان عن الفتق فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار بها وقالت فرقة السماء والارض رتق بالظلمة ففتقهما اللّه بالضوء والرؤية على هذين القولين رؤية العين وباقي الآية بين قال ص قال الزجاج السموات جمع اريد به الواحد ولذا قال كانتا رتقا وقال الحوفى قال كانتا والسموات جمع لانه اراد الصنفين انتهى وقوله سقفا محفوظا الحفظ هنا عام فى الحفظ من الشيطان ومن الوهى والسقوط وغير ذلك من الآفات والفلك الجسم الدائر دورة اليوم والليلة ويسبحون معناه يتصرفون وقالت فرقة الفلك موج مكفوف ورأوا قوله يسبحون من السباحة وهى العوم وقوله عز و جل وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد الآية وتقدير الكلام افهم الخالدون ان مت وقوله سبحانه كل نفس ذائقة الموت الآية موعظة بليغة لمن وفق قال ابو نعيم كان الثورى رضى اللّه عنه اذا ذكر الموت لا ينتفع به اياما انتهى من التذكرة للقرطبي قال عبد الحق في العاقبة وقد أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عيله وسلم بذكر الموت وأعاد القول فيه تهويلا لامره وتعظيما لشانه ثم قال واعلم ان كثرة ذكر الموت يردع عن المعاصى ويلين القلب القاسى قال الحسن ما رأيت عاقلا قط الا وجدته حذرا من الموت حزينا من اجله ثم قال واعلم ان طول الامل يكسل عن العمل ويورث التوانى ويخلد الى الارض ويميل الى الهوى وهذا امر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج الى بيان ولا يطالب صاحبه بالبرهان كما أن قصره يبعث على العمل ويحمل على المبادرة ويحث على المسابقة قال النبى صلى اللّه عليه و سلم انا النذير والموت المغير والساعة الموعد ذكره القاضى ابو الحسن بن صخر فى الفوائد انتهى ونبلوكم معناه نختبركم وقدم الشر على لفظه الخير لأن العرب من عادتها ان تقدم الاقل والأردى ومنه قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فبدأ تعالى فى تقسيم امه سيدنا صلى اللّه عليه وسلم بالظالم وفتنة معناه امتحانا وقوله تعالى واذا رءاك الذين كفروا كأبي جهل وغيره وان بمعنى ما وفى الكلام حذف تقديره يقولون أهذا الذى وقال ص ان نافية والظاهر انها وما دخلت عليه جواب اذا انتهى وقوله سبحانه وهم بذكر الرحمن هم كافرون روى ان الآية نزلت حين انكروا هذه اللفظة وقالوا ما نعرف الرحمن الا في اليمامة وظاهر الكلام ان الرحمن قصد به العبارة عن اللّه عز و جل ووصف سبحانه الإنسان الذى هو اسم جنس بانه خلق من عجل وهذا على جهة المبالغة كما تقول للرجل البطال انت من لعب ولهو ٣٩وقوله سبحانه لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار الآية حذف جواب لو ايجازا لدلالة الكلام عليه وتقدير المحذوف لما استعجلوا ونحوه وذكر الوجوه لشرفها من الانسان ثم ذكر الظهور ليبين عموم النار لجميع ابدانهم والضمير فى قوله بل تاتيهم بغتة للساعة التى تصيرهم الى العذاب ويحتمل ان يكون للنار وينظرون معناه يؤخرون وحاق معناه حل ونزل ويكلؤكم اي يحفظكم وقوله سبحانه ولا هم منا يصبحون يحتمل تاويلين احدهما يجارون ويمنعون والآخر ولاهم منا يصبحون بخير وتزكية ونحو هذا وقوله سبحانه افلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها الآية ناتي الأرض معناه بالقدرة ونقص الارض اما ان يريد بتخريب المعمور واما بموت البشر وقال قوم النقص من الاطراف موت العلماء ثم خاطب سبحانه نبيه صلى اللّه عليه و سلم متوعدا لهؤلاء الكفرة بقوله ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك الآية والنفحة الخطرة والمسة والمعنى ولئن مستهم صدمة عذاب ليند من وليقرن بظلمهم وباقي الآية بين وقال الثعلبي نفحة أي طرف قاله ابن عباس انتهى وقوله سبحانه ليوم القيامة قال ابو حبان اللام للظرفية بمعنى فى انتهى قال القرطبى فى تذكرته قال العلماء اذا انقضى الحساب كان بعده وزن الاعمال لان الوزن للجزاء فينبغى ان يكون بعد المحاسبة واختلف فى الميزان والحوض ابهما قبل الآخر قال ابو الحسن القابسي والصحيح ان الحوض قبل الميزان وذهب صاحب القوت وغيره الى ان حوض النبى صلى اللّه عليه و سلم انما هو بعد الصراط قال القرطبى والصحيح ان النبي صلى اللّه عليه وسلم حوضين وكلاهما يسمى كوثرا وان الحوض الذى يذاد عنه من بدل وغير يكون فى الموقف قبل الصراط وكذا حياض الانبياء عليهم الصلاة والسلام تكون فى الموقف على ما ورد فى ذلك من الاخبار انتهى والفرقان الذى اوتى موسى وهارون قيل التوراة وهى الضياء والذكر وقالت فرقة الفرقان هو ما رزقهما اللّه تعالى من نصر وظهور على فرعون وغير ذلك والضياء التوراة والذكر بمعنى التذكرة وقوله سبحانه وهذا ذكر مبارك يعني القرءان ثم وقفهم سبحانه تقريرا وتوبيخا هل يصح لهم إنكار بركته وما فيه من الدعاء الى اللّه تعالى والى صالح العمل ٥١وقوله سبحانه ولقد آتينا إبراهيم رشده الآية الرشد عام اي فى جميع المراشد وانواع الخيرات وقال الثعلبى رشده أي توفيقه وقيل صلاحه انتهى وقوله وكنا به عالمين مدح لابراهيم عليه السلام اي عالمين بما هل له وهذا نحو قوله تعالى اللّه اعلم حيث يجعل رسالته والتماثيل الاصنام وقوله وتاللّه لأكيدن أصنامكم الآية روى انه حضرهم عيد لهم فعزم قوم منهم على ابراهيم فى حضوره طعما منهم ان يستحسن شيأ من احوالهم فمشى معهم فلما كان فى الطريق ثنى عزمه على التخلف عنهم فقعد وقال لهم انى سقيم فمر به جمهورهم ثم قال فى خلوة من نفسه وتاللّه لاكيدن اصنامكم فسمعه قوم من ضعفتهم ممن كان يسير في ءاخر الناس وقوله بعد ان تولوا مدبرين معناه الى عيدكم ثم انصرف ابراهيم عليه السلام الى بيت اصنامهم فدخله ومعه قدوم فوجد الاصنام قد وقفت اكبرها اول ثم الذي يليه فالذي يليه وقد جعلوا اطعمتهم فى ذلك اليوم بين يدي الاصنام تبركا لينصرفوا من ذلك العيد الى اكله فجعل عليه السلام يقطعها بتلك القدوم ويهشمها حتى أفسد أشكالها حاشا الكبير فانه تركه بحاله وعلق القدوم فى يده وخرج عنها وجذاذا معناه قطعا صغارا والجذ القطع والضمير فى اليه اظهر ما فيه انه عائد على ابراهيم اي فعل هذا كله ترجيا منه ان يعقب ذلك منهم رجعه اليه والى شرعه ويحتمل ان يعود على كبيرهم ٥٩وقوله سبحانه قالوا من فعل هذا الآية المعنى فانصرفوا من عيدهم فرأوا ما حدث بآلهتهم فقالوا من فعل هذا بئالهتنا وقالوا الثانى الضمير فيه للقوم الضعفة الذين سمعوا قول ابراهيم تاللّه لأكيدن أصنامكم وقوله على أعين الناس يريد فى الحفل وبمحضر الجمهور وقوله يشهدون يحتمل ان يريد الشهادة عليه بفعله بقوله لاكيدن ويحتمل ان يريد به المشاهدة اي يشاهدون عقوبته غلبته المؤدية الى عقوبته وقوله عليه السلام بل فعله كبيرهم هذا على معنى الاحتجاج عليهم اي انه غار من ان يعيد هو وتعبد الصغار معه ففعل هذا بها لذلك وفى الحديث الصحيح عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال لم يكذب ابراهيم عليه السلام الاثلاث كذبات قوله انى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله للملك هي اختى وكانت مقالاته هذه في ذات اللّه وذهبت فرقة الى ان معنى الحديث لم يكذب ابراهيم أي لم يقل كلاما ظاهرةالكذب يشبه الكذب وذهب الفراء الى جهة اخرى فى التأويل بان قال قوله فعله ليس من الفعل وانما هو فعله على جهة التوقع حذف اللام على قولهم عله بمعنى لعله ثم خففت اللام قال ع وهذا تكلف ت قال عياض واعلم اكرمك اللّه ان هذه الكلمات كلها خارجة عن الكذب لافى القصد ولافى غيره وهى داخلة فى باب المعاريض التى فيها مندوحة عن الكذب فأما قوله بل فعله كبيرهم هذا فانه علق خبره بشرط النطق كأنه قال ان كان ينطق فهو فعله على طريق التبكيت لقومه انتهى ثم ذكر بقية التوجيه وهو واضح لانطيل بسرده ٦٤وقوله سبحانه فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون اي فى توقيف هذا الرجل على هذا الفعل وانتم معكم من تسئلون ثم رأوا ببديهة العقل ان الاصنام لا تنطق فقالوا لابراهيم حين نكسوا في حيرتهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فوجد ابراهيم عليه السلام عند هذه المقالة موضع الحجة ووقفهم موبخا لهم بقوله أفتعبدون من دون اللّه مالا ينفعكم شيأ الآية ثم حقر شأنهم وشأنها بقوله اف لكم ولما تعبدون من دون اللّه الآية ص وقولهم لقد علمت جواب قسم محذوف معمول لقول محذوف فى موضع الحال اي قائلين لقد علمت انتهى وقال الثعلبى فرجعوا الى انفسهم اي تفكروا بعقولهم فقالوا ما نراه الا كما قال انكم انتم الظالمون فى عبادتكم الاصنام الصغار مع هذا الكبير وما قدمناه عن ع هو الاوجه وأف لفظة تقال عند المستقذرات من الأشياء ويستعار ذلك للمستقبح من المعانى ثم اخذتهم العزة بالاثم وانصرفوا الى طريق الغلبة والغشم فقالوا حرقوه روى ان قائل هذه المقالة هو رجل من الاكراد من اعراب فارس اي من باديتها فخسف اللّه به الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة وروى انه لما اجمع رأيهم على تحريقه حبسه نمرود الملك لعنه اللّه وامر بجمع الحطب حتى اجتمع منه ما شاء اللّه ثم اضرم نارا فلما ارادوا طرح ابراهيم فيها لم يقدروا على القرب منها فجاءهم ابليس فى صورة شيخ فقال لهم انا اصنع لكم ءالة يلقى بها فعلمهم صنعة المنجنيق ثم اخرج ابراهيم عليه السلام فشد رباطا ووضع فى كفة المنجنيق ورمى به فتلقاه جبريل عليه السلام فى الهواء فقال له الك حاجة فقال اما اليك فلا واما الى اللّه فبلى ت قال ابن عطاء اللّه فى التنوير وكن أيها الأخ إبراهيما اذ زج به فى المنجنيق فتعرض له جبريل فقال الك حاجة فقال اما اليك فلا واما الى ربى فبلى فاسئله قال حسبي من سؤالي علمه بحالى فانظر كيف رفع همته عن الخلق ووجهها الى الملك الحق فلم يستغث بجبريل ولا احتال على السؤال بل رأى ربه تعالى اقرب اليه من جبريل ومن سؤاله فلذلك سلمه من نمرود ونكاله وانعم عليه بنواله وافضاله انتهى ٦٩وقوله سبحانه قلنا يا نار كونى بردا وسلاما قال بعض العلماء فيما روي ان اللّه تعالى لو لم يقل وسلاما لهلك ابراهيم من برد النار وروي انه لما وقع فى النار سلمه اللّه واحترق الحبل الذى ربط به وقد اكثر الناس فى قصصه فاختصرناه لعدم صحة اكثره وروى ان ابراهيم عليه السلام كان له بسط وطعام فى تلك النار كل ذلك من الجنة وروى ان العيدان اينعت وأثمرت له هناك ثمارها وروي انهم قالوا ان هذه نار مسحورة لا تحرق فرموا فيها شيخا منهم فاحترق واللّه اعلم بما كان من ذلك ت قال صاحب غاية المغنم فى اسم اللّه الاعظم وهو من الائمة المحدثين وعن الامام احمد بن حنبل رحمه اللّه انه يكتب للمحموم ويعلق عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم يا اللّه يا اللّه محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين اللّهم رب جبريل وميكائيل اشف حاملها بحولك وقوتك وجبروتك يا ارحم الراحمين انتهى وقوله وسلاما معناه وسلامة والكيد هو ما ارادوه من حرقة ٧١وقوله سبحانه ونجيناه ولوطا الآية روى ان ابراهيم عليه السلام لما خرج من النار احضره نمرود وقال له فى بعض قوله يا ابراهيم اين جنود ربك الذى تزعم فقال له عليه السلام سيريك فعل اضعف جنوده فبعث اللّه تعالى على نمرود واصحابه سحابة من بعوض فاكلتهم عن آخرهم ودوابهم حتى كانت العظام تلوح بيضاء ودخلت منها بعوضة فى رأس نمرود فكان رأسه يضرب بالعيدان وغيرها ثم هلك منها وخرج ابراهيم وابن اخيه لوط عليهما السلام من تلك الارض مهاجرين وهى كوثى من العراق ومع ابراهيم ابنت عمه سارة زوجته وفي تلك السفرة لقى الجبار الذى رام اخذها منه واختلف فى الارض التى بورك فيها ونحا اليها ابراهيم ولوط عليهما السلام فقالت فرقة هى مكة وقال الجمهور هى الشام فنزل ابراهيم بالسبع من ارض فلسطين وهى برية الشام ونزل لوط بالمؤتكفة والنافلة العطية وباقى الآية بين وخبائث قرية لوط هى اتيان الذكور وتضارطهم فى مجالسهم الى غير ذلك من قبيح افعالهم وقوله سبحانه فى نوح عليه السلام ونصرناه من القوم الآية لما كان جل نصرته النجاة وكانت غلبة قومه بامر اجنبي منه حسن ان يقول نصرناه من ولا تتمكن هنا على قال ص عدي نصرناه بمن لتضمنه معنى نجينا وعصمنا ومنعنا وقال ابو عبيدة من بمعنى على ت وهذا اولى واما الاول ففيه نظرلان تلك الالفاظ المقدمة كلها غير مرادفة لنصرنا انتهى ت وكذا يظهر من كلام ابن هشام ترجيح الثانى وذكر هؤلاء الانبياء عليهم السلام ضرب مثل لقصة نبينا صلى اللّه عليه وسلم مع قومه ونجاة الانبياء وهلاك مكذبيهم ضمنها توعد لكفار قريش وقوله تعالى وداود وسليمان المعنى واذكر داود وسليمان هكذا قدره جماعة من المفسرين ويحتمل ان يكون المعنى واتينا داود والنفش هو الرعى ليلا ومضى الحكم فى الاسلام بتضمين ارباب النعم ما افسدت بالليل لان على اهلها ان يثقفوها وعلى اهل الزروع حفظها بالنهار هذا هو مقتضى الحديث فى ناقة ابن عازب وهو مذهب مالك وجمهور الامة وفى كتاب ابن سحنون ان الحديث انما جاء في امثال المدينة التى هى حيطان محدقة واما البلاد التى هى زروع متصله غير محظرة فيضمن ارباب النعم ما افسدت بالليل والنهار قال ص والضمير فى قوله لحكمهم يعود على الحاكمين والمحكوم له وعليه ابو البقاء وقيل الضمير لداود وسليمان عليهما السلام فقط وجمع لان الاثنين جمع انتهى قال ابن العربى فى احكامه المواشي على قسمين ضوار وغير ضوار وهكذا قسمها مالك فالضوارى هى المعتادة باكل الزروع والثمار فقال مالك تغرب وتباع فى بلد لا زرع فيه ورواه ابن القاسم فى الكتاب وغيره قال ابن حبيب وان كره ذلك اربابها وكان قول مالك فى الدابة التى ضريت بفساد الزرع ان تغرب وتباع واما ما يستطاع الاحتراز منه فلا يؤمر صاحبه باخراجه عن ملكه وهذا بين انتهى وقوله يسبحن اي يقلن سبحان اللّه هذا قول الاكثر وذهبت فرقة منهم منذر بن سعيد الى أنه بمعنى يصلين معه بصلاته واللبوس فى اللغة هو السلاح فمنه الدرع وغيره قال ص ولبوس معناه ملبوس كالركوب بمعنى المركوب قال الشاعر ... عليها اسود ضاريات لبوسهم ... سوابغ بيض لاتخرقها النبل ... ولسليمان الريح اي وسخرنا لسليمان الريح هذا على قراءة النصب وقرأت فرقة الريح بالرفع ويروى ان الريح العاصفة كانت تهب على سرير سليمان الذى فيه بساطه وقد مد حول البساط بالخشب والالواح حتى صنع سريرا يحمل جميع عسكره واقواته فتقله من الارض فى الهواء ثم تتولاه الريح الرخاء بعد ذلك فتحمله الى حيث اراد سليمان قال ص والعصف الشدة والرخاء اللين انتهى وقوله تعالى الى الارض التى باركنا فيها اختلف فيها فقالت فرقة هي الشام وكانت مسكنة وموضع ملكه وقد قال بعضهم ان العاصفة هي في القفول على عادة البشر والدواب فى الاسراع الى الوطن وان الرخاء كانت فى البدأة حيث اصاب اي حيث يقصد لان ذلك وقت تأن وتدبير وتقلب رأي ويحتمل ان يريد الارض التى يسير اليها سليمان كائنة ما كانت وذلك انه لم يكن يسير الى الارض الا اصلحها اللّه تعالى به صلى اللّه عليه و سلم ولا بركة اعظم من هذا والغوص الدخول فى الماء والارض والعمل دون ذلك البنيان وغيره من الصنائع والخدمة ونحوها وكنا لهم حافظين قيل معناه من افسادهم ما صنعوه وقيل غير هذا ت وقوله سبحانه وانت ارحم الراحمين هذا الاسم المبارك مناسب لحال ايوب عليه السلام وقد روى اسامة بن زيد رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ان للّه تعالى ملكا موكلا بمن يقول يا ارحم الراحمين فمن قالها ثلاثا قال له الملك ان ارحم الراحمين قد اقبل عليك فاسئل رواه الحاكم فى المستدرك وعن انس بن مالك رضي اللّه عنه قال مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برجل وهو يقول يا ارحم الراحمين فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سل فقد نظر اللّه اليك رواه الحاكم انتهى من السلاح وفى قصص ايوب عليه السلام طول واختلاف وتلخيص بعض ذلك ان ايوب عليه السلام اصابه اللّه تعالى باكلة فى بدنه فلما عظمت وتقطع بدنه اخرجه الناس من بينهم ولم يبق معه غير زوجته ويقال كانت بنت يوسف الصديق عليه السلام قيل اسمها رحمة وقيل فى ايوب انه من بنى اسراءيل وقيل انه من الروم من قرية عيصو فكانت زوجته تسعى عليه وتأتيه بما يأكل وتقوم عليه ودام عليه ضره مدة طويلة وروي أن ايوب عليه السلام لم يزل صابرا شاكرا لا يدعو فى كشف ما به حتى ان الدودة تسقط منه فيردها فمر به قوم كانوا يعادونه فشمتوا به فحينئذ دعا ربه سبحانه فاستجاب له وكانت امرأته غائبة عنه فى بعض شأنها فانبع اللّه تعالى له عينا وامر بالشرب منها فبرئى باطنه وامر بالاغتسال فبرئى ظاهره ورد الى افضل جماله وأوتى بأحسن ثياب وهب عليه رجل من جراد من ذهب فجعل يحتقن ! منه فى ثوبه فناداه ربه سبحانه وتعالى يا ايوب الم اكن اغنيتك عن هذا فقال بلى يا رب ولكن لاغنى بى عن بركتك فبينما هو كذلك اذا جاءت امرأته فلم تره فى الموضع فجزعت وظنت انه ازيل عنه فجعلت تتوله فقال لها ما شأنك ايتها المرأة فهابته لحسن هيئته وقالت انى فقدت مريضا لي فى هذا الموضع ومعالم المكان قد تغيرت وتأملته فى اثناء المقاولة فرأت ايوب فقالت له انت ايوب فقال لها نعم واعتنقها وبكى فروى انه لم يفارقها حتى اراه اللّه جميع ماله حاضرا بين يديه واختلف الناس فى اهله وولده الذين ءاتاه اللّه فقيل كان ذلك كله فى الدنيا فرد اللّه عليه ولده بأعيانهم وجعل مثلهم له عدة فى الآخرة وقيل بل اوتى جميع ذلك فى الدنيا من اهل ومال ت وقد قدم ع فى صدر القصة ان اللّه سبحانه اذن لإبليس لعنه اللّه فى اهلاك مال ايوب وفى اهلاك بنيه وقرابته ففعل ذلك اجمع واللّه اعلم بصحة ذلك ولو بصحة لوجب تاويله وقوله سبحانه وذكرى للعابدين اي وتذكرة وموعظة للمومنين ولا يعبد اللّه الا مؤمن ٨٥وقوله سبحانه واسماعيل وادريس المعنى واذكر اسماعيل ٨٧وقوله سبحانه وذا النون إذ ذهب مغاضبا التقدير واذكر ذا النون قال السهيلى لما ذكر اللّه تعالى يونس هنا فى معرض الثناء قال وذا النون وقال فى الآية الاخرى ولا تكن كصاحب الحوت والمعنى واحد ولكن بين اللفظين تفاوت كثير فى حسن الاشارة الى الحالتين وتنزيل الكلام فى الموضعين والاضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب لان قولك ذو يضاف بها الى التابع وصاحب يضاف بها الى المتبوع انتهى والنون الحوت والصاحب يونس ابن متى عليه السلام وهو نبى من اهل نينوى وقوله مغاضبا قيل انه غاضب قومه حين طال عليه امرهم وتعنتهم فذهب فارا بنفسه وقد كان اللّه تعالى امره بملازمتهم والصبر على دعائهم فكان ذلك ذنبه اي فى خروجه عن قومه بغير إذن ربه ت قال عياض والصحيح فى قوله تعالى اذ ذهب مغاضبا انه مغاضب لقومه لكفرهم وهو قول ابن عباس والضحاك وغيرهما لالربه اذ مغاضبة اللّه تعالى معاداة له ومعاداة اللّه كفر لا يليق بالمؤمنين فكيف بالانبياء عليهم السلام وفرار يونس عليه السلام خشية تكذيب قومه بما وعدهم به من العذاب وقوله سبحانه فظن ان لن نقدر عليه معناه ان لن نضيق عليه وقيل معناه نقدر عليه ما اصابه وقد قرئى نقدر عليه بالتشديد وذلك كما قيل لحسن ظنه بربه انه لابقضى عليه بعقوبة وقال عياض فى موضع آخر وليس فى قصة يونس عليه السلام نص على ذنب وانما فيها ابق وذهب مغاضبا وقد تكلمنا عليه وقيل انما نقم اللّه تعالى عليه خروجه عن قومه فارا من نزول العذاب وقيل بل لما وعدهم العذاب ثم عفا اللّه عنهم قال واللّه لا القاهم بوجه كذاب ابدا وهذا كله ليس فيه نص على معصية انتهى وقوله سبحانه فظن أن لن نقدر عليه قالت فرقة معناه ان لن نضيق عليه فى مذهبه من قوله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقرأ الزهرى نقدر بضم النون وفتح القاف وشد الدال ونحوه عن الحسن ورروى ان يونس عليه السلام سجد فى جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان فى قعر البحر وقوله انى كنت من الظالمين يريد فيما خالف فيه من ترك ملازمة قومه والصبر عليهم هذا احسن الوجوه فاستجاب اللّه له ت وليس فى هذه الكلمة ما يدل انه اعترف بذنب كما اشار اليه بعضهم وفى الحديث الصحيح دعوة أخى ذى النون فى بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين ما دعا بها عبد مؤمن قال مسلم الا استجيب له الحديث انتهى وعن سعد ابن مالك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فى قوله تعالى لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين أيما مسلم دعا بها فى مرضه اربعين مرة فمات فى مرضه ذلك اعطى اجر شهيد وأن برئى برئى وقد غفر اللّه له جميع ذنوبه اخرجه الحاكم فى المستدرك انتهى من السلاح وذكر صاحب السلاح ايضا عن سعد بن ابى وقاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعوة ذى النون إذ دعا وهو فى بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين فانه لم يدع بها رجل مسلم فى شيء قط الا استجاب الللّه تعالى له رواه الترمذى واللفظ له والنسائى والحاكم فى المستدرك وقال صحيح الاسناد وزاد فيه من طريق آخر فقال رجل يارسول اللّه هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الا تسمع الى قول اللّه عز و جل ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المومنين انتهى والغم ما كان ناله حين التقمه الحوت ٨٩وقوله سبحانه وزكريا اذ نادى ربه الآية تقدم امر زكريا وقوله سبحانه وأصلحنا له زوجه قيل بان جعلت ممن تحمل وهى عاقر قاعد وعموم اللفظ يتناول جميع الإصلاح وقوله تعالى ويدعوننا رغبا ورهبا المعنى انهم يدعون فى وقت تعبداتهم وهم بحال رغبة ورجاء ورهبة وخوف فى حال واحدة لان الرغبة والرهبة متلازمان والخشوع التذلل بالبدن المتركب على التذلل بالقلب قال القشيرى فى رسالته سئل الجنيد عن الخشوع فقال تذلل القلوب لعلام الغيوب قال سهل بن عبد اللّه من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان انتهى وقوله سبحانه والتى احصنت فرجها المعنى واذكر التى احصنت فرجها وهى الجارحة المعروفة هذا قول الجمهور وفى إحصانها هو المدح وقالت فرقة الفرج هنا هو فرج ثوبها الذى منه نفخ الملك وهذا قول ضعيف وقد تقدم أمرها ت وعكس رحمه اللّه فى سورة التحريم النقل فقال قال الجمهور هو فرج الدرع وقوله تعالى أن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون يحتمل ان يكون منقطعا خطابا لمعاصرى النبى صلى اللّه عليه و سلم ثم اخبر عن الناس انهم تقطعوا ثم وعد واوعد ويحتمل ان يكون متصلا بقصة مريم وابنها عليهما السلام ص ابو البقاء وتقطعوا امرهم اي فى امرهم يريد انه منصوب على اسقاط حرف الجر وقيل عدى بنفسه لانه بمعنى قطعوا اي فرقوا انتهى وقال البخارى امتكم امة واحدة اي دينكم دين واحد انتهى وقرأ جمهور السبعة وحرام وقرأ حمزة والكساءى وحفص عن عاصم وحرم بكسر الحاء وسكون الراء وهما مصدران بمعنى فأما معنى الآية فقالت فرقة حرام وحرم معناه جزم وحتم فالمعنى وحتم على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون الى الدنيا فيتوبون ويستعتبون بل هم صائرون الى العقاب وقالت طائفة حرام وحرم اي ممتنع ٩٦وقوله سبحانه حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون الآية تحتمل حتى في هذه الآية ان تتعلق بيرجعون وتحتمل ان تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب إذا لانها تقتضى جوابا واختلف هنا فى الجواب والذى اقول به ان الجواب فى قوله فإذا هى شاخصة وهذا هو المعنى الذى قصد ذكره قال ص قال ابو البقاء حتى إذا متعلقة في المعنى بحرام أي يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ولا عمل لها في إذا انتهى وقرأ الجمهور فتحت بتخفيف التاء وقرأ ابن عامر وحده فتحت بالتشديد وروى ان يأجوج ومأجوج يشرفون فى كل يوم على الفتح فيقولون غدا نفتح ولا يردون المشيئة الى اللّه تعالى فإذا كان غد وجدوا الردم كأوله حتى إذا أذن اللّه تعالى فى فتحه قال قائلهم غدا نفتحه ان شاء اللّه تعالى فيجدونه كما تركوه قريب الانفتاح فيفتحونه حينئذ ت وقد تقدم فى سورة الكهف كثير من أخبار يأجوج ومأجوج فأغنانا عن إعادته وهذه عادتنا فىهذا المختصر اسئل اللّه تعالى ان ينفعنا وإياكم به ويجعله لنا نورا بين أيدينا يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى اللّه بقلب سليم والحدب كل مسنم من الأرض كالجبل والظرب والكدية والقبر ونحوه وقالت فرقة المراد بقوله وهم يأجوج ومأجوج يعنى انهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويملئون الأرض من كثرتهم وقالت فرقة المراد بقوله وهو جميع العالم وإنما هو تعريف بالبعث من القبور وقرأ ابن مسعود وهم من كل جدث بالجيم والثاء المثلثة وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل وينسلون معناه يسرعون فى تطامن وأسند الطبرى عن أبى سعيد قال يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون احدا إلا قتلوه الا اهل الحصون فيمرون على بحيرة طبرية فيمر ءاخرهم فيقول كان هنا مرة ماء قال فيبعث اللّه عليهم النغف حتى تكسر اعناقهم فيقول اهل الحصون لقد هلك اعداء اللّه فيدلون رجلا ينظر فيجدهم قد هلكوا قال فينزل اللّه من السماء ماء فيقذف بهم فى البحر فيطهر اللّه الأرض منهم وفى حديث حذيفة نحو هذا وفى ءاخره قال وعند ذلك طلوع الشمس من مغربها ٩٧وقوله سبحانه واقترب الوعد الحق يريد يوم القيامة وقوله فاذا هى مذهب سيبويه انها ضمير القصة وجوز الفراء ان تكون ضمير الأبصار تقدمت لدلالة الكلام ومجىء ما يفسرها والشخوص بالبصر إحداد النظر دون ان يطرف وذلك يعترى من الخوف المفرط ونحوه وباقى الآية بين ٩٨وقوله سبحانه انكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم الآية هذه الآية مخاطبة لكفار مكة اي انكم واصنامكم حصب جهنم والحصب ما توقد به النار إما لأنها تحصب به أي ترمى وإما ان يكون لغة فى الحطب اذا رمى واما قبل ان يرمى فلا يسمى حصبا الا بتجوز وحرق الاصنام بالنار على جهة التوبيخ لعابديها ومن حيث تقع ما لمن يعقل فى بعض المواضع اعترض فى هذه الآية عبد اللّه بن الزبعرى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال ان عيسى وعزيرا ونحوهما قد عبدا من دون اللّه فيلزم ان يكونوا حصبا لجهنم فنزلت ان الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية والورود فى هذه الآية ورود الدخول والزفير صوت المعذب وهو كنهيق الحمير وشبهه الا انه من الصدر ١٠٢وقوله سبحانه لا يسمعون حسيسها هذه صفة الذين سبقت لهم الحسنى وذلك بعد دخولهم الجنة لان الحديث يقتضى ان فى الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبى ولا ملك إلا جثا على ركبتيه قال البخارى الحسيس والحس واحد وهو الصوت الخفى انتهى والفزع الاكبر عام فى كل هول يكون يوم القيامة فكان يوم القيامة بجملته هو الفزع الاكبر وقوله سبحانه وتتلقاهم الملائكة يريد بالسلام عليهم والتبشير لهم اي هذا يومكم الذى وعدتم فيه الثواب والنعيم والسجل فى قول فرقة هو الصحيفة التى يكتب فيها والمعنى كما يطوى السجل من اجل الكتاب الذى فيه فالمصدر مضاف الى المفعول وهكذا قال البخارى السجل الصحيفة انتهى وما خرجه أبو داود فى مراسيله من ان السجل اسم رجل من كتاب النبى صلى اللّه عليه و سلم قال السهيلى فيه هذا غير معروف انتهى وقوله سبحانه كما بدأنا اول خلق نعيده يحتمل معنيين أحدهما ان يكون خبرا عن البعث اي كما اخترعنا الخلق اولا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة اخرى فنبعثهم من القبور والثانى ان يكون خبرا عن ان كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التى خرج بها الى الدنيا ويؤيد هذا قوله صلى اللّه عليه و سلم يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا كما بدأنا اول خلق نعيده وقوله كما بدأنا الكاف متعلقة بقوله نعيده وقالت فرقة الزبور هنا يعم جميع الكتب المنزلة لأنه مأخوذ من زبرت الكتاب اذا كتبته والذكر أراد به اللوح المحفوظ وقالت فرقة الزبور هو زبور داود عليه السلام والذكر التوراة وقالت فرقة الزبور ما بعد التوراة من الكتب والذكر التوراة وقالت فرقة الارض هنا ارض الدنيا اي كل ما يناله المؤمنون من الأرض وقالت فرقة اراد ارض الجنة واستشهدوا بقوله تعالى واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشأ ١٠٦وقوله سبحانه إن فى هذا لبلاغا الاشارة بهذا الى هذه الآيات المتقدمة في قول فرقة وقالت فرقة الإشارة الى القرءان بجملته والعبادة تتضمن الايمان ١٠٧وقوله سبحانه وما أرسلناك الا رحمه للعالمين قالت فرقة هو صلى اللّه عليه و سلم رحمة للعالمين عموما اما للمؤمنين فواضح واما للكافرين فلأن اللّه تعالى رفع عنهم ما كان يصيب الامم والقرون السابقة قبلهم من التعجيل بأنواع العذاب المستأصلة كالطوفان وغيره وقوله آذنتكم معناه عرفتكم بنذارتى وأردت ان تشاركونى فى معرفة ما عندى من الخوف عليكم من اللّه تعالى وقال البخارى آذنتكم أعلمتكم فاذا أعلمتهم فأنت وهم على سواء انتهى ثم اخبرانه لا يعرف تعيين وقت لعقابهم هل هو قريب أم بعيد وهذا أهول وأخوف قال ص وإن أدرى بمعنى ما ادرى انتهى والضمير فى قوله لعلة عائد على الإملاء لهم وفتنة معناه امتحان وابتلاء والمتاع ما يستمتع به مدة الحياة الدنيا ثم امره تعالى ان يقول على جهة الدعاء رب احكم بالحق وهذادعاء فيه توعد ثم توكل فى ءاخر الآية واستعان باللّه تعالى قال الداودى وعن قتادة ان النبى صلى اللّه عليه و سلم كان اذا شهد قتالا قال رب احكم بالحق انتهى |
﴿ ٠ ﴾